المعاني
البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة كتاب الجنائز
باب غسل الميت
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن من شق ثوبه في موت ولده
أو زوجته أنه لا كفارة عليه. وعند الْإِمَامِيَّة عليه كفارة يمين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء يجوز أخذ الأجرة على غسل
الميت، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب. وعند المؤيد والنَّاصِر منهم لا
يجوز أخذ الأجرة عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء للزوجة غسل زوجها إذا مات.
وعند أَحْمَد في رِوَايَة أنها لا يجوز لها غسله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مات رجل وزوجته حامل فوضعت قبل غسله
حل لها غسله. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يحل لها ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد في
رِوَايَة وإِسْحَاق وعلي وأكثر العلماء يجوز للزوج غسل زوجته إذا ماتت.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ والْمُزَنِي لا
يحل له ذلك.
مسألة: عند الشَّافِعِيّ إذا مات عن طلقة رجعية فليس لها غسله. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد لها غسله. وعند مالك رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا ماتت المرأة بين رجال ليس لها
فيهم محرم، أو مات رجل بين نسوة ليس له منهن محرم وجهان: أحدهما يتيمم ولا
يغسل ويدفن، وهو قول سعيد بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وَمَالِك وأَبِي
حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة. والثاني يجعل على الميت ثوب ويصب الماء
عليه من تحت الثوب ويمر الغاسل بخرقة، وهو قول قتادة والزُّهْرِيّ
والنَّخَعِيّ، وهي الرِوَايَة الأخرى عن أحمد. وعند الحسن وإِسْحَاق يصب
الماء عليه من فوق الثوب. وعند الْأَوْزَاعِيّ وابن عمر ونافع لا يتيمم ولا
يغسل بل يدفن، واختاره صاحب المعتمد من أصحاب الشَّافِعِيّ.
(1/239)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك
وَأَحْمَد إذا ماتت أم ولده أو أمته جاز له أن يغسلها، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة في أم الولد يَحْيَى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه ليس له
ذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة في أم الولد النَّاصِر وزيد بن علي، واتقفت
الزَّيْدِيَّة على أنه يغسل أمته ومدبرته ومكاتبته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز للرجل غسل
ذوات محارمه من النساء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يجوز له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا مات السيد جاز لأم ولده غسله
في إحدى الوجهين، ولا يجوز له في الوجه الآخر، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز للرجال والنساء غسل الصغير الذي لا
يميز من الذكور والإناث. وعند الحسن سنه ما لم يفطم أو قد فطم. وعند مالك
وَأَحْمَد دون سبع سنين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ما لم يتكلم. وعند
الْأَوْزَاعِيّ أربع سنين أو خمس. وعند إِسْحَاق ثلاث سنين إلى خمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا لم يكن للمشرك قريب
من المشركين جاز لقريبه من المسلمين غسله ودفنه. وعند أَحْمَد وَمَالِك ليس
له غسله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يستحب أن يغسل الميت في قميص.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الأفضل أن يجرد ولا يغسل في
قميص، واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه صاحب البيان موافقة الشَّافِعِيّ،
ونقل عنه الشاشي وصاحب المعتمد موافقة أبي حَنِيفَةَ.
مسألة: عئد الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وبعض الزَّيْدِيَّة يكره تسخين الماء
إذا لم يكن الزمان باردًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبه يستحب تسخينه، وبه
قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والهادي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يستحب المضمضة والاستنشاق في
حق الميت، وهو أن يمسح ظاهر أسنانه وباطن شفتيه بخرقة، ويدخلها بأصابعه في
فمه وأنفه فيزيل ما هنالك. وعند سعيد بن جبير والثَّوْرِيّ والنَّخَعِيّ
وأَبِي حَنِيفَةَ لا يستحب المضمضة والاستنشاق في حق الميت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يبدأ بغسل رأسه ثم بلحيته. وعند
النَّخَعِيّ يستحب أن يبدأ بلحيته قبل رأسه.
(1/240)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة
العلماء لا يجب ترتيب غسل الميت. وعند الْإِمَامِيَّة يجب ذلك فيبدأ برأسه
ثم بميامنه ثم بمياسره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت متلبدة استحب له أن يسرحها بمشط
مفرَّج الأسنان وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الواجب في غسل الميت مرة، والمستحب ثلاث،
فإن لم ينقى غسل خمسًا أو سبعًا إلى أن ينقى، ويكون جملة الغسلات وترًا.
وعند أَحْمَد لا تزاد على سبع. وعند مالك لا اعتبار بالإنقاء ولا اعتبار
بالعدد. وعند سعيد بن المسيب والحسن والنَّخَعِيّ يغسل ثلاثًا. وعند عَطَاء
يغسل ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يغسل المرة الأولى بالسدر، ويجعل في كل
ماء قراح كافورًا، فإن لم يفعل وجعل في الآخرة أجزأه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
لا يستحب السدر ولا الكافور، قال: ولا أعرفهما. وعند سائر الزَّيْدِيَّة
يغسل في الأولى بالحرض والسدر. وفي الثانية بالماء القراح، وفي الثالثة
بالكافور، وعند النَّاصِر والصادق منهم يغسل في الأولى بالحرض والخطمى، وفي
الثانية بماء وشيء من الكافور، وفي الثالثة بالماء القراح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يغسل رأس الميت بالخطمى عند عدم السدر.
وعند سعيد بن المسيب يغسل بالحرض، وقال مرة بورق اللعيثران. وعند
الثَّوْرِيّ بالحرض أو غيره. وعند حفصة بنت سِيرِينَ يغسل بالخطمى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يمر يده على بطنه إمرارًا بليغًا في كل
غسلة إلا الغسلة الأخيرة. وعند الثَّوْرِيّ يمسح بطنه مسحًا رقيقًا بعد
الغسلة الأولى. وعند أَحْمَد يفعل ذلك بعد الغسلة الثانية. وروى عن الضحاك
بن مزاحم أنه يوصي أن لا يعصر بطنه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز للجنب والحائض غسل الميت. وعند
الحسن وابن سِيرِينَ وعَطَاء يكره ذلك، وعند مالك لا يغسَّل الجنب الميت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا خرج
من الميت شيء بعد فراغ الغسل غسل الموضع ولم يعد الغسل. وعند أَحْمَد يعاد
غسله كله، وهو وجه لبعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مات الجنب والحائض غسل غسلاً واحدًا.
وعند الحسن يغسلان غسلين.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لا يستحب تقليم أظفار الميت وحلق
عانته ونتف إبطه
(1/241)
وقص شاربه، وفي كراهة ذلك قَوْلَانِ:
القديم يكره، وهو قول أَكْثَر الْعُلَمَاءِ ومالك والثَّوْرِيّ وأَبِي
حَنِيفَةَ. والقول الجديد لا يكره ذلك، وهو قول أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون
ويلقى خلفها. وعند أبي حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيّ لا يضفَّر، بل يلقى بين
ثدييها ويشد خمارها عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يستحب تغطية وجه الميت في حال الغسل.
وعند مُحَمَّد بن سِيرِينَ وسليمان بن يسار وأبي داود السجستاني يستحب
تغطيته بخرقة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن الْمُبَارَك وَمَالِك لا يجب الوضوء
من مس الميت. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وسعيد بن المسيب وابن سِيرِينَ يجب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في الغسل من غسل الميت قَوْلَانِ: أحدهما
يستحب ولا يجب وهو الصحيح، وبه قال مالك وابن عَبَّاسٍ وابن عمر وعائشة
وسائر الزَّيْدِيَّة. والثاني يجب وبه قال علي وأبو هريرة وسعيد بن المسيب
وابن سِيرِينَ.
* * *
(1/242)
باب الكفن
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وأكثر أهل
العلم يجب الكفن ومؤنة الغسل والدفن من رأس مال الميت مقدمًا على الدَّين،
سواء كان موسرًا أو معسرًا. وعند الزُّهْرِيّ وطاوس إن كان موسرًا فمن رأس
المال، وإن كان معسرًا فمن ثلثه، وعند خلاس بن عمرو يجب من ثلثه بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ في كفن المرأة المزوجة وجهان:
أحدهما في مالها، وهو قول مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأبي عبد الله
الداعي في نقله عن يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ لا يستحب في كفن الرجل القميص ولا العمامة. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ يستحب القميص.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يكفن الصغير في ثلاثة أثواب.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكفن في خرقتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ المستحب في صفة الكفن أن يكفن في ثلاثة أثواب بيض رباط. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ يكون فيها برد حبرة. وعند ابن الْمُبَارَك يستحب أن يكفن
في ثيابه التي كان يصلي فيها. واختلفت الزَّيْدِيَّة فعند النَّاصِر يكفن
في أربعة أثواب إن كان رجلاً. قميص وملحفة وإزار وعمامة إن لم يكن عليه
دَين، وإن كانت امرأة كفنت بملحفة وخمار. وعند يَحْيَى إن شاء كفن في خمسة
أثواب أو سبعة أو ثلاثة. وعند المؤيد يكفن في ثلاثة أثواب إن كان رجلاً
ملحفة وقميص غير مخيط وإزار يبلغ من سرته إلى ركبته، وإن كانت امرأة يزاد
لها خمار وخرقة تبسط على صدرها فيكون خمسة أثواب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يكره أن تكفن المرأة في
المعصفر والمزعفر. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يكون وهو وجه لبعض
الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء وسائر الزَّيْدِيَّة إذا
حنط بالمسك والعنبر فلا بأس. وعند عَطَاء وطاوس وداود لا يحنط بالمسك، وبه
قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وعلي وابن عباس وعَطَاء
والثَّوْرِيّ وَمَالِك في رِوَايَة
(1/243)
َوَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود لا ينقطع
الإحرام بالموت ولكن حكمه حكم الحي فلا يلبس المخيط ولا يشد عليه أكفانه
ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيبًا في يديه وثيابه ولا يجعل الكافور في الماء
الذي يغسل به، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي وَأَحْمَد بن عيسى والمؤيد
ومالك. وعند ابن عَبَّاسٍ وعائشة والْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك وأَبِي
حَنِيفَةَ وأصحابه ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وزيد بن علي ينقطع الإحرام
بالموت ويكون حكمه حكم سائر الموتى فيفعل فيه ما ذكرناه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا يستحب أن يدرج مع الميت
في أكفانه شيئًا من جريد النخل. وعند الْإِمَامِيَّة يستحب أن يدرج معه في
أكفانه جريدتان خضروان رطبتان من جريد النخل طول كل واحدة عِظَم الذراع.
* * *
(1/244)
باب الصلاة على
الميت
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وجماعة يكره النداء على الميّت، وهو أن
ينادى في الناس ألا إن فلان قد مات ليشهدوا جنازته، ولا بأس بتعريف أصدقائه
بذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والنَّخَعِيّ لا بأس بالنداء عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الأب مقدَّم على الابن في الجنازة. وعند
مالك الابن مقدَّم على الأب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الزوج لا ولاية له على زوجته في صلاة
الجنازة. وعند عَطَاء والشعبي وعمر بن عبد العزيز وإِسْحَاق وابن عَبَّاسٍ
وأبي بكر وَأَحْمَد هو أولى من القريب. وعند الحسن والْأَوْزَاعِيّ الأب
مقدَّم على الزوج، والزوج مقدَّم على الابن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا ولاية
للزوج، إلا أنه إذا كان لها منه ابن قدِّم على ابنه، لأنه يكره أن يتقدم
الابن علي الأب، فنقدم الزوج هاهنا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اجتمع الوالي والولي في جنازة فالولي
أولى من الوالي في القول الجديد، وبه قال أبو يوسف، ومن الزَّيْدِيَّة
النَّاصِر والمؤيد وزيد بن علي، حتى لو كان صلَّى الأجنبي بغير إذن الولي
يعيدها. وفي القديم الوالي أولى، وهو قول مالك َوَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي
حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وعلقمة والأسود وسويد بن غفلة والحسن بن مالك، وبه قال
من الزَّيْدِيَّة أبو طالب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أوصى الميت أن يصلي عليه نجله لم
يقدم على الأولياء. وعند أنس بن مالك وزيد بن أرقم وأبي برزة وسعيد بن زيد
وأم سلمة وابن سِيرِينَ َوَأَحْمَد والنَّخَعِيّ وإِسْحَاق الوصي أحق. وعند
مالك إن كان الوصي ممن يرجى دعاؤه قُدم على الولي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا غاب الولي الأقرب واستناب من يصلي،
فالذي استنابه أولى من القريب البعيد الحاضر وعند أَبِي حَنِيفَةَ القريب
الحاضر أولى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مات رجل ولم يكن هناك إلا نسوة صلين
عليه فرادى، فإن صلين عليه جماعة قامت إمامتهن وسطهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
يصلين جماعة.
(1/245)
مسألة: عند الشَّافِعِيّ وكافة العلماء أن
من شرط صحة الجنازة الطهارة بالماء عند وجوده، أو التيمم عند عدمه أو الخوف
من استعماله. وعند الشعبي وابن جرير والشيعة من الْإِمَامِيَّة أن ذلك ليس
شرط في صحتها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا خشي فواتها باستعماله بالطهارة
بالماء تيمم لها مع وجود الماء. وقد ذكرناه عنه في باب التيمم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا تكره الصلاة على الجنازة في المسجد.
وعند مالك وأبي حَنِيفَةَ تكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا تكره الصلاة على الجنازة في الأوقات
المنهي عن الصلاة فيها. وعند عَطَاء والنَّخَعِيّ والْأَوْزَاعِيّ يكره
ذلك. وعند مالك والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد وإِسْحَاق وجماعة
من الصحابة لا يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لأجل الوقت، وهي عند
طلوع الشمس، وعند الاستواء، وعند اصفرار الشمس، ويجوز في الأوقات المنهي عن
الصلاة فيها لأجل الفعل، وهي بعد الصبح حتى يسفر، وبعد صلاة العصر حتى
تصفر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد إذا
اجتمع جنائز مختلفة اعتبر في التقديم إلى الأمام بالذكورة، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى وزيد بن علي. وعند بعض الزَّيْدِيَّة
الاعتبار بالحرية.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا اجتمعوا ذكورًا فوجهان: أصحهما
أن الصبي يقدم على البالغ إن جاءت جنازته أولاً. وإن جاءت جنازة البالغ
أولاً قدمت، وإن جاءوا معًا أقرع. والوجه الثاني يقدم البالغ على كل حال،
وبه قال الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد
السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وعجيزة المرأة. وعند أَحْمَد يقف عند
صدر الرجل، وهو قول أبي علي الطبري من الشَّافِعِيَّة. ونقل الترمذي عن
أَحْمَد موافقة الشَّافِعِيّ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقف عند صدره رجلاً كان
أو امرأة، وعند مالك يقف عند وسط الرجل ومنكب المرأة. وعند الحسن يقف حيث
شاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وعثمان وعلي وابن عمر وابن
عَبَّاسٍ والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة
وطائفة من الصحابة أنه إذا اجتمعت جنائز رجال ونساء قدم الرجال إلى الأمام
والنساء تلي الرجال. وعند الحسن البصري
(1/246)
وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله والقاسم
بن مُحَمَّد يحمل الرجال إلى القبلة والنساء ما يلى الإمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يصح الصلاة على الجنازة من قعود مع
القدرة على القيام. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تصح. وفي الشاشي عن أَبِي
حَنِيفَةَ أنها لا تصح. وعن أصحابه صحتها راكبًا كسجود التلاوة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وعمر وزيد بن ثابت وجابر والحسن
بن علي وابن أبي أوفى وأبي هريرة والبراء بن عازب وعقبة بن عامر
والْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد وداود
تكبيرات الجنائز أربع. وعند ابن عَبَّاسٍ وأنس بن مالك وجابر بن يزيد وابن
سِيرِينَ يكبر ثلاثًا. قال ابن سِيرِينَ: إنما كان التكبير ثلاثًا فزادوا
واحدة. وقال ابن مسعود كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعًا وسبعًا
وخمسًا وأربعًا. فكبروا ما كبر الإمام. وروى عن علي أنه كبر على أبي قتادة
سبعًا وكان بدريًّا، وكبَّر على سهل بن حنيف ستًا وكان بدريًا، وكبر على
غيرهما من الصحابة خمس تكبيرات، وكبر على غير الصحابة من سائر الناس
أربعًا. وعند زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وابن أبي ليلى والشيعة من
الْإِمَامِيَّة يكبر خمسًا. ويروى عن أَحْمَد أيضًا أنه لا يزاد على سبع،
ولا ينقص عن أربع. وعند بكر بن عبد الله لا يزاد عن سبع، ولا ينقص من ثلاث.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك
وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة والتابعين يرفع يديه حذو منكبيه مع كل
تكبيرة. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وأهل الكوفة لا يرفع يديه
إلا في الأولى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وبعض العلماء أنه يقبض يمينه على شماله
كما يفعل في الصلاة وعند ابن الْمُبَارَك أنه لا يقبض يمينه على شماله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كبر الإمام أكثر من أربع لم يتابعه
المأموم في الزيادة ويقف حتى يسلم فيسلم معه. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق
يتابعه. وعند الثَّوْرِيّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ ينصرف المأموم إذا كبر
أربعًا ويسلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عَبَّاسٍ وابن مسعود وابن الزبير
وابن عمر وَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة
بعد التكبيرة الأولى. وعند عَطَاء وطاوس وابن سِيرِينَ وسعيد بن المسيب
وسعيد بن جبير والشعبي ومجاهد والحاكم وحماد
(1/247)
وَمَالِك والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ
وصاحبيه والْأَوْزَاعِيّ ليست فيها قراءة، فمالك يقول: يكره فيها القراءة،
وأبو حَنِيفَةَ يقول: يحمد الله ويمجده، ورواه عن ابن عمر وأبي هريرة،
وبهذا قال زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند الحسن بن علي
وابن سِيرِينَ وشهر ابن حَوشب يقرأ فيها فاتحة الكتاب ثلاث مرات. وعند
الحسن البصري يقرأ فاتحة الكتاب فيها في كل تكبيرة. وعند المسور بن مخرمة
يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة قصيرة. وعند يَحْيَى من
الزَّيْدِيَّة يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، و (قل هو الله أحد) بعد
الثانية، و (قل أعوذ برب الفلق) بعد الثالثة، ثم يدعو للميت بعد الرابعة،
ويسلم بعد الخامسة.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الصحيح أنه لا يأتي في صلاة
الجنازة قبل القراءة بدعاء الافتتاح والتعوذ، وبه قال زيد بن علي وسائر
الزَّيْدِيَّة. وعند القاضي أبي الطيب من أصحاب الشَّافِعِيّ أنه يأتي بذلك
بعد التكبيرة الأولى وقبل الفاتحة. وعند الثَّوْرِيّ وإِسْحَاق يستحب أن
يقال بعد التكبيرة الأولى: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا
إله غيرك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأصحابه والحسن بن حُيي يسلم تسليمتين
تسليمة عن يمينه وتسليمة عن يساره. وعند ابن سِيرِينَ والحسن البصري وسعيد
بن جبير والثَّوْرِيّ وابن عيينة وابن الْمُبَارَك وعيسى بن يونس ووكيع
وابن مهدي وإِسْحَاق وجابر وابن عَبَّاسٍ وابن عمر وواثلة بن الأسقع وابن
أبي أوفى وأبي هريرة وأبي أمامة وأنس بن مالك يسلم تسليمة واحدة. عند مالك
يسلم الإمام واحدة ويسمع من يليه، ويسلم من ورائه واحدة فى أنفسهم، وإن
أسمعوا من يليهم فلا بأس. وعند الْإِمَامِيَّة لا يسلم في صلاة الجنازة، بل
إذا كبر الخامسة خرج من الصلاة بغير سلام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أدرك المأموم الإمام وقد فاته بعض
التكبيرات كبَّر ودخل معه فى الصلاة ولم ينتظر تكبيره. وعند الحارث بن زيد
والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد بن إِسْحَاق لا يكبر حتى يكبر
الإمام. وعن مالك رِوَايَتَانِ. وعن أَحْمَد القَوْلَانِ معًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سلم وبقي على المأموم بعض التكبيرات،
فإنه يقضيها. وعند الْأَوْزَاعِيّ والحسن وأيوب السختياني وابن عمر لا
يقضيها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن لم ترفع الجنازة قضاها، وإن رفعت بطلت
صلاته. وعند أَحْمَد المستحب أن يقضيها متتابعًا، فإن لم يقضيها لم تبطل
صلاته في أصح الروايتين عنده.
(1/248)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن
سِيرِينَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وعمر وعلي وأبي موسى وعائشة
وابن عمر وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة وغيرهم إذا فاتته الصلاة على
الجنازة صلى على القبر. وعند النَّخَعِيّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ لا
يصلي على القبر، إلا أن يدفن ولم يصلِّ عليه فيصلي على القبر إلى ثلاثة
أيام، وبعد الثلاث لا يجوز. وإن صلى عليه لم يصلِّ على القبر، إلا الولي
والوالي وإمام الحي. وعند الْإِمَامِيَّة لا يصلي على القبر إلا إذا دفن
بغير صلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ تجوز الصلاة على الغائب
بالنية، فيتوجه المصلي إلى القبلة ويصلي على الغائب، سواء كان الميت في جهة
القبلة أو لم يكن في جهة القبلة. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ لا تجوز
الصلاة على الغائب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلى متى يصلي على القبر؟ فيه أوجه: أحدها
إلى شهر، وهو قول أحمد. والثاني ما بقي في القبر منه شيء. والثالث من كان
من أهل فرض الصلاة عليه عند الموت. والرابع أبدًا. وعند إِسْحَاق يصلي عليه
إلى شهر للغائب يقدم من سفر، وإلى ثلاثة أيام للحاضر. وعند أصحاب أَبِي
حَنِيفَةَ إنما تجوز الصلاة على القبر إذا كان قد دفن ولم يصلِّ عليه إلى
ثلاثة أيام. ومنهم من قال: إن شككنا في تغيره لم يصل عليه. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ لا يصلي على القبر إلا الوالي والولي إذا لم يكن صليا، ولا يصلي
عليه بعد ثلاث.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا وجد بعض الميت غسل وصُلي
عليه، سواء وجد أكثر البدن أو الأقل. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ إذا وجد
النصف فما دون لا يصلي عليه، وإن وجد النصف صلى عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استهل السقط صارخًا، ثم مات غسل
وصُلي عليه. وعند سعيد بن جبير لا يصلي على من لم يبلغ. وعند بعض الناس
يصلي عليه إن كان قد صُلي. وعند الْإِمَامِيَّة أن الأطفال ومن جرى مجراهم
ممن لم يكلف في نفسه الصلاة ولا يكلف غيره تمرينه عليها لا تجب الصلاة عليه
إذا مات. وحدُّوا من لم يصل من الصغار بأن لم يبلغ ست سنين فصاعدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا لم يستهل السقط صارخًا، ولكن تحرَّك
أو اختلج في نفسه فحكمه حكم الذي يستهل صارخًا. وعند مالك لا يصلي عليه إلا
أن يطول ذلك وتتبيَّن حياته. فحاصل هذا أن الاستهلال عند الشَّافِعِيّ
وأَبِي حَنِيفَةَ هو الصوت والحركة. وعند
(1/249)
مالك هو الصوت والبكاء دون الحركة، وبه قال
من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق والثَّوْرِيّ إذا استكمل السقط
أربعة أشهر غسل ولا يصلي عليه في الجديد. وفي القديم يصلي عليه. وعند
أَحْمَد وإِسْحَاق يغسل ويصلي عليه. وعند أَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا لم
يستهل لم يغسَّل ولم يصل عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكافرين ولم يتميزوا، فإنه
يصلي على واحد واحد وينوي الصلاة عليه إن كان مسلمًا، سواء كان المسلمون
أكثر أو أقل. وكذا إذا صلى صلاة واحدة ونوى بها الصلاة على المسلمين منهم
صح. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والزَّيْدِيَّة إن كان المسلمون أكثر صلى عليهم،
وإن كانوا أقل لم يصل عليهم. وهذا كله إذا لم يكن ثم أمارة يعرف بها المسلم
كالختان والخضاب ولبس السواد، لأن الكفار لا يخضبون ولا يلبسون السواد، وإن
كان بعضهم يختتنون وهم اليهود والنصارى دون المجوس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأهل
المدينة المقتول من المسلمين في معركة الكفار لا يغسل ولا يصلي عليه. وكذا
من مات من المسلمين بسبب من أسباب القتال بأن وقع من دابته أو من جبل، أو
رجع عليه سلاحه فمات فهو شهيد وحكمه حكمه. وعند سعيد بن المسيب والحسن
البصري يغسل ويصلي عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق
وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يغسل ويصلي عليه، وهو الرِوَايَة الأخرى عن أحمد
وعند أَحْمَد إن مات بسبب من أسباب القتال كالتردية ورفسة الفرس، أو عاد
عليه سلاحه، فإنه يغسَّل ويصلَّى عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ لا فرق في الشهيد بين
الذكر والأنثى، وقال به من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو عبد اللَّه الداعي
والقاسم. وعند أبي طالب منهم أن الأنثى تغسَّل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي حَنِيفَةَ ينزع عن
الشهيد ما لم يكن من لباس الناس من حديد أو جلود أو محشى أو فرو. وعند مالك
وأَبِي حَنِيفَةَ لا ينزع عنه بقية ثيابه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ من جرح في الحرب ومات بعد
انقضاء الحرب فالمشهور أنه ليس شهيد، يغسل ويصلي عليه، سواء أكل أو لم يأكل
ولم يشرب، وصَّى أو لم يوص. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن أكل وشرب لم يثبت له
حكم الشهادة، وإن مات قبل ذلك ثبت له حكم الشهيد. وعند مالك إن أكل أو شرب،
أو بقي يومين أو ثلاثة فليس
(1/250)
شهيد، وإن لم يأكل ولم يشرب ولم يبق فحكمه
حكم الشهيد. واختلفت الزَّيْدِيَّة أيضًا فقال النَّاصِر وزيد بن علي: إذا
مات في اليوم أو في الغد كان شهيدًا. وعند سائر الزَّيْدِيَّة إن مات في
المعركة كان شهيدًا ولا فلا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من مات من السبي قبل التلفظ بالشهادتين
غسل وصلي عليه. وعند مالك لا يغسل ولا يصلى عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا انكشف الصفَّان على مقتول من
المسلمين لم يغسل ولم يصلى عليه، سواء كان به أثر أو لم يكن. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَحْمَد إن لم يكن به أثر غسل وصُلِّي عليه، وإن خرج منه دم،
فإن كان من عينيه أو أذنه أو رقبته لم يغسَّل، وإن خرج من أنفه أو دبره أو
ذكره غسّل وصُلِّي عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ وزفر
ومُحَمَّد الشهادة ثبتت في حق الصغير والكبير، وبه قال من الزَّيْدِيَّة
أبو عبد الله الداعي عن القاسم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تثبت في حق من لم
يبلغ، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وعلي بن العبَّاس والسيد وأبو
طالب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن الشهيد إذا كان جنبًا فلا يغسل ولا
يصلى عليه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، وكذا المؤيد عن الهادي،
واختاره وصححه. وعند أَحْمَد يغسل ولا يصلى عليه، وهو وجه لبعض
الشَّافِعِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يغسل ويصلى عليه، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة الهادي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد في رِوَايَة من قتل
في غير معترك المشركين لم يثبت له حكم الشهادة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا
قتل ظلمًا بحديدة ثبت له حكم الشهادة، وإن قتل بمثقل فلا، وهو قول أَحْمَد
في رِوَايَة. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة منهم النَّاصِر وصاحب الوافي أنه
لا يغسل. وقال أبو طالب منهم: إن مذهب يَحْيَى يحتمل الأمرين. يحتمل أن لا
يغسل ويحتمل أن يغسل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قتل أهل البغي رجلاً من أهل العدل،
فأصح القولين أنه يغسل ويصلى عليه، وبه قال مالك، وكذا أَحْمَد في
رِوَايَة. القول الثاني لا يغسل ولا يصلي عليه، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ،
وكذا أَحْمَد في رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا
قتل أهل العدل رجلاً من أهل البغي
(1/251)
غسّل وصلى عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا
يغسل ولا يصلي عليه عقوبة له.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ولد الزنا يغسل ويصلى عليه. وعند أبي
قتادة لا يغسل ولا يصلى عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ النفساء إذا ماتت تغسَّل ويصلى عليها.
وعند الحسن لا تغسل ولا يصلى عليها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق من قتل نفسه، أو
غل من الغنيمة ومات وجب غسلهما والصلاة عليهما. وعند أَحْمَد لا يصلي
عليهما الإمام. وعند الْأَوْزَاعِيّ من قتل نفسه لا يغسَّل ولا يصلي عليه.
وكره عمر بن عبد العزيز الصلاة على الغَال من الغنيمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يصلى على من لم تبلغه الدعوة. وعند سعيد
بن جبير لا يصلى عليه.
* * *
(1/252)
باب حمل الجنازة
والدفن
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من الأفضل في حمل الجنازة أن يجمع من
التربيع والحمل بين العمودين، فإن اقتصر على أحدهما فالحمل على العمودين
أفضل من التربيع. وعند مالك هما سواء. وعند أَحْمَد التربيع أفضل. وعند
الحسن والنَّخَعِيّ يكره الحمل بين العمودين. واختلف النقل عن أَبِي
حَنِيفَةَ، فنقل عنه في الشامل والشاشي والمعتمد موافقة النَّخَعِيّ، ونقل
عنه في البيان موافقة أحمد. واختلف النقل أيضًا عن الثَّوْرِيّ، فنقل عنه
في البيان موافقة أحمد، ونقل عنه في المعتمد موافقة النَّخَعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد المستحب في
الحمل في التربيع أن يبدأ بياسرة مقدمة السرير فيجعلها على عاتقه الأيسر.
وعند إِسْحَاق وسعيد بن جبير والثَّوْرِيّ وأيوب السختياني وابن مسعود وابن
عمر ويروى أيضًا عن أَحْمَد أنه يبدأ بياسرة المقدمة، ثم بياسرة المؤخرة
كقول الشَّافِعِيّ ومن وافقه، ثم يأخذ يمين المؤخرة ثم يمين المقدمة. وعند
الْأَوْزَاعِيّ يبدأ بأيهما شاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب الإسراع بالمشي في الجنازة ولا
يبلغ به الخبب وإنما يزيد فوق سجية مشي العادة بحيث لا يشق المشي على
الضعفاء معها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يبلغ به الخبب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك يكون رأسه في المحمل مقدمًا
ورجليه مؤخران. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يسجى الميت رأسه إلى أعلى ورجليه إلى
أسفل. وكذلك عند غسله ودخول قبره، وتحمل رجليه يليا القبلة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والزُّهْرِيّ وَمَالِك وأبي بكر وعمر
وعثمان وابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي قتادة والقاسم
بن مُحَمَّد وشريح وسالم وابن أبي ليلى وأبي أسيد الساعدي وعبيد بن عمير
المشي أمام الجنازة أفضل للماشي والراكب من المشي خلفها. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ وسعيد بن جبير والْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق المشي
خلفها. واختلف النقل عن أحمد، فنقل عنه في البيان والشاشي والمستعجل موافقة
الشَّافِعِيّ، ونقل عنه الغزالي والفوراني وصاحب الدر الشفَّاف وتهذيب
النكت والمعتمد وابن هبيرة إن كان ماشيًا فأمامها أفضل، وإن كان راكبًا
فخلفها أفضل. واختلف النقل عن الثَّوْرِيّ أيضًا، فنقل عنه صاحب البيان
الراكب خلفها والماشي أمامها، ونقل عنه
(1/253)
صاحب الشامل والشاشي والمعتمد الراكب خلفها
والماشي حيث شاء. وعند أنس بن مالك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يستحب أن يمشي
قريبًا منها، فإن حبس بعد عنها جلس حتى تأتي، إن سبق إلى المقبرة لم يجب
عليه القيام لها، بل هو بالخيار إن شاء قام، وإن شاء قعد. ونقل الترمذي عن
إِسْحَاق موافقة الشَّافِعِيّ. وعند أبي مسعود البدري وجماعة أنه يجب
القيام لها. وعند الشعبي والنَّخَعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيّ
وَأَحْمَد في رِوَايَة وإِسْحَاق وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة والحسن
بن علي لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال، فإن جلس كره له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مرت به الجنازة فلا يقوم لها. وعند
أبي مسعود البدري وأبي سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد
الله أنه يجب القيام لها. وعند أَحْمَد إن قام لم أعبه، وإن قعد فلا بأس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ المشي مع الجنازة أولى من الركوب، وإن
ركب فلا بأس، ويكون أمامها. وعند علقمة والنَّخَعِيّ والثَّوْرِيّ
وَأَحْمَد وإِسْحَاق الراكب خلف الجنازة. وعند ابن عَبَّاسٍ الراكب مع
الجنازة، كالجالس في أهله. يدل على أنه لا ثواب له. وعند عبد الله بن رباح
للماشي خلف الجنازة قيراطان، وللراكب قيراط.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الدفن بالنهار
أولى، ولا يكره بالليل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مات في البحر فإنه يفعل به جميع ما
يفعل بالميت، فإن كانوا قريبين من الساحل ترك حتى يصلوا إلى الساحل
ويدفنوه، وإن كانوا في اللجّة جعلوه بين لوحين وألقوه في البحر. وعند
عَطَاء وَأَحْمَد ينقل ويلقى في البحر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وابن مسعود وأبي أمامة وعائشة
أنه يكره للنساء اتباع الجنائز، وعند أبي الزناد ورَبِيعَة والزُّهْرِيّ
أنه لا يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يعمِّق القبر قدر قامة وبسطة. وعند مالك
لا حد فيه، بل يعمق حتى يغيب عن الناس. وعند عمر بن العزيز إلى السرة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب ستر القبر بثوب عند الدفن رجلاً
كان أو امرأة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق يستحب ذلك في حق
المرأة دون الرجل. وعند عبد الله بن يزيد وشريح وَأَحْمَد يكره ذلك في حق
الرجل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وعمر وأنس وعبد الله بن يزيد
الأنصاري أنه يستحب
(1/254)
أن يجعل رأس الجنازة عند رجل القبر ويسلَّ
الميت من قِبل رأسه سلاًّ ويدخل في القبر.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ وإِسْحَاق وعلي وابن الحنفية المستحب أن توضع الجنازة
على جانب القبر مما يلي القبلة ويؤخذ الميت فيدخل القبر متعرضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء والمعتزلة أن البيت الذي
دفن فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لعائشة. وعند الزَّيْدِيَّة كان
له - صلى الله عليه وسلم -.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة الزَّيْدِيَّة السنة في القبر
التسطيح. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد والثَّوْرِيّ السنة
التسنيم، واختاره ابن أبي هريرة من أصحاب الشَّافِعِيّ. وقطع به الغزالي في
الوجيز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والحسن البصري يجوز تطيين
القبور. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا دفن الميت من غير غسل، أو
إلى غير القبلة نبش وغسل ووجه إلى القبلة ما لم يتغير. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ إذا أهلَّ عليه التراب لم ينبش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ماتت ذمية حامل دفنت بين مقابر
المسلمين والمشركين، وجعل ظهرها إلى القبلة، لأنه يقال: وجه الجنين إلى
ظهرها. وعند عمر أنها تدفن في مقابر المسلمين، وبه قال مَكْحُول وإِسْحَاق،
غير أن أحدهما قال: في الحاشية، والآخر قال: في أدنى مقابر المسلمين. وعند
عَطَاء والزُّهْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ تدفن مع أهل دينها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أنه لا يكره المشي
في المقبرة بنعلين. وعند أحمد يكره ذلك بالنعال، ولا يكره ذلك بالخفاف
والكمشكات.
مسألة: عند ابن سريج من أصحاب الشَّافِعِيّ إذا ماتت امرأة وفي بطنها جنين
حي شق جوفها وأخرج. وعند أَحْمَد يسطوا عليها القوابل، فإن خرج وإلا ترك.
وعند مالك نحوه، وقال: لا يجوز شق جوفها. وعند جماعة من الشَّافِعِيَّة
تعرض على القوابل، فإن يكن مثله يعيش شق جوفها وأخرج ولم يترك.
مسألة: قال صاحب المعتمد من الشَّافِعِيَّة: ليس للشافعي نص في نقل الميت
من بلد إلى بلد. والذي يشبه عندي أنه يكره ذلك. وروى ذلك عن عائشة. وسئل
الزُّهْرِيّ عن ذلك فقال: قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق
إلى المدينة. وقال ابن عيينة: مات ابن عمر هاهنا وأوصى أن لا يدفن بها وأن
يدفن بسرف.
(1/255)
باب التعزية والبكاء
على الميت
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وقت التعزية من حين يموت
الميت إلى أن يدفن، وبعد الدفن عقيبه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ
لا يعزَّى بعد الدفن بل قبله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يكره أن يطأ القبر أو يجلس
عليه أو يبكى عليه. وعند مالك أنه لا يكره ذلك، إلا أن يكون لبول أو غائط.
* * *
(1/256)
|