المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة

كتاب الصلاة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المرتد تجب عليه الصلاة في حال الردة، ويؤمر بقضائها إذا أسلم وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الردة تسقط عنه فرض الصلاة في حال الردة، فلا يؤمر بقضائها بعد الْإِسْلَام وعن أَحْمَد رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة أن المرتد إذا أسلم، وكان قد أتى بحجة الْإِسْلَام في إسلامه قبل الردة أنه لا يلزمه القضاء وعند أَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يلزمه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا ترك المسلم الصلاة، ثم ارتد، ثم أسلم لزمه القضاء وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ لا يلزمه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يلزم الصبي فعل الطهارة ولا فعل الصلاة وعند أحمد وإِسْحَاق يلزمه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الإغماء إذا كان بغير معصية أسقط فرض القضاء، وإن كان بمعصية لم يمنع الوجوب ولا القضاء وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا زاد الإغماء على يوم وليلة يسقط فرض القضاء، وإن كان في يوم وليلة فما دون لم يمنع الوجوب وعند أَحْمَد وعَطَاء وطاوس ومجاهد الإغماء لا يمنع وجوب القضاء وعند مالك وسائر الزَّيْدِيَّة يصلي صلاة وقته الذي أفاق فيه وعند زيد بن علي يلزمه قضاء ثلاثة أيام، وإن

(1/98)


زاد عليها سقطت الزيادة وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يصلي صلاة يومه الذي أفاق فيه، فإن أفاق ليلاً أعاد صلاة ليلته التي أفاق فيها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المجنون إذا أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في أيام الجنون وعند أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ في ذلك. والمعروف عنه موافقة الشَّافِعِيّ وعند أَحْمَد يلزمه القضاء قل الجنون أو كثر.
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن الصبي إذا بلغ في أثناء الصلاة أو الصوم، أو بلغ بعد الفراغ من الصلاة وقبل خروج وقتها أنه يجزئه ذلك عن الفرض، ولا إعادة عليه وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد في رِوَايَة يجب عليه الإعادة بكل حال في الصوم والصلاة، واختار الْمُزَنِي أنه يعيد الصلاة، ولا يعيد الصوم وعند أَحْمَد يكون نافلة أيضًا وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح للصبي صلاة أصلاً، وأصل الاختلاف بين أَبِي حَنِيفَةَ والشَّافِعِيّ في ذلك يعود إلى أن للصبي صلاة شرعية أم لا؟ فعند الشَّافِعِيّ له صلاة شرعية وعند أَبِي حَنِيفَةَ إنما يؤمر بها ليتمرن على فعلها، وليست بصلاة شرعية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك أن من ترك الصلاة بعد اعتقاد وجوبها كسلاً وأصر على ذلك قتل، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم ويَحْيَى وَأَحْمَد بن عيسى ومُحَمَّد بن يَحْيَى وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والْمُزَنِي لا يقتل، فأبو حَنِيفَةَ يقول: يحبس حتى يصلي، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وزيد بن علي والمؤيد، والْمُزَنِي يقول: يضرب ولا يقتل، والثَّوْرِيّ يقول: لا يتعرض له؛ لأنها أمانة في عنقه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن هذا التارك للصلاة بعد اعتقاد وجوبها كسلًا إذا قتل فإن قتله يكون حدًا لا كفرًا وعند أَحْمَد وداود وإِسْحَاق وعمر وعلي وبعض الشَّافِعِيَّة أنه يقتل لكفره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء أنه إذا ترك الصلاة في حال فسقه وجب عليه القضاء، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة وعند داود وعبد الرحمن ابن بنت الشَّافِعِيّ لا قضاء عليه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب والقاسم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أسلم الحربي في دار الحرب، ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه ومضى عليه زمان ثم علم بذلك لم يلزمه القضاء وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى وعند المؤيد منهم يلزمه القضاء.

(1/99)


بابُ مَواقِيتُ الصَّلاةِ
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن أول الظهر إذا زالت الشمس وعند بعض الناس لا يجوز أن يصلي حتى يصير الفيء مثل الشراك بعد الزوال وعند مالك المستحب أن يؤخر الظهر بعد الزوال بقدر ما يصير الظل ذراعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا يجوز افتتاح صلاة الظهر قبل الزوال، وعن ابن عَبَّاسٍ رِوَايَة أنه يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وعائشة وابن عَبَّاسٍ وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة أن الدلوك هو الزوال وعند أَبِي حَنِيفَةَ وعلي وابن مسعود أن الدلوك هو الغروب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْأَوْزَاعِيّ واللَّيْث والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وداود أن آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله، ويعتبر المثل من حد

(1/100)


الزيادة على الظل الذي كان عند الزوال، وهو رِوَايَة عن أَبِي حَنِيفَةَ وعنه رِوَايَتَانِ أخرتان سنذكرهما وعند عَطَاء وطاوس وَمَالِك يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، ولا يذهب وقت الظهر بل يمتزج الوقتان إلى غروب الشمس وعن مالك أيضا رِوَايَة إذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، فإذا زاد على المثل زيادة بينة خرج وقت الظهر واختص الوقت بالعصر وعن مالك أيضًا وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وقتًا مختارًا، ووقت الأداء آخره إذا بقي إلى غروب الشمس بقدر أربع ركعات وعند عَطَاء أنه لا يكون مفرطًا بتأخيرها حتى تصير فى الشمس صفرة وعند طاوس أنه لا يفوت حتى الليل وعند ابن جرير الطبري والْمُزَنِي وأَبِي ثَورٍ وإِسْحَاق يمتزج الوقتان بقدر أربع ركعات من حين يصير ظل كل شيء مثله، ثم يصير الوقت بعد ذلك للعصر وحده وعند أَبِي حَنِيفَةَ ثلاث روايات: إحداهن وعليها يعتمدون، أن وقت الظهر باق إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه والثانية أنه باق إلى أن يصير ظل كل شيء دون مثليه. والثالثة أن آخره إذا صار ظل كل شيء مثله، ويدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه ويكون ما بينهما فصلاً بين الوقتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد والْأَوْزَاعِيّ أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله غير الظل الذي يكون له وقت الزوال، وزاد أدنى زيادة وآخر وقتها المختار إذا صار ظل كل شيء مثليه وعند أَبِي حَنِيفَةَ أن أول وقت العصر إذا

(1/101)


صار ظل كل شيء مثليه، وآخره إذا اصفرت الشمس وعند ابن المنذر وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد آخر وقت العصر إذا تغيبت الشمس وعند إِسْحَاق آخر وقت العصر إذا بقي إلى غروب الشمس قدر ركعة وعند ابن عَبَّاسٍ وعكرمة آخر وقت العصر غروب الشمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وكافة أهل العلم من الصحابة والتابعين وقت المغرب يدخل بغروب الشمس بتواري القرص وشعاع الشمس، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر للحق وعند سائر الزَّيْدِيَّة لا يدخل وقتها إلا بظهور كوكب من كواكب الليل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في امتداد وقت المغرب قَوْلَانِ: الجديد أنه بعد غروب الشمس بمقدار ما يتوضأ ويستر العورة ويقصد المسجد ويؤذن ويقيم ويدخل فيها، فإن فاته الابتداء في هذا الوقت أثم، وكان قاضيًا، وبه قال الْأَوْزَاعِيّ وابن الْمُبَارَك والقول القديم وهو الصحيح أنه يمتد وقتها إلى غيبوبة الشفق الأحمر، واختاره من أصحابه ابن المنذر والزبيري، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأصحابه والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود ويَحْيَى بن آدم وأبو ثور وعند مالك يمتد وقت المغرب إلى طلوع الفجر

(1/102)


الثاني، فيكون إلى غيبوبة الشفق يختص بالمغرب، ثم من بعد ذلك تشترك هي والعشاء وروى أيضًا عن مالك أنه قائل بما قال به القول الجديد وروى عن مالك أيضًا أن وقت اختيار المغرب وقت واحد ويتسع إلى وقت العشاء، ووقت الأداء باق إلى أن يبقى من الليل قبل طلوع الفجر قدر أربع ركعات وعند طاوس لا يفوت المغرب والعشاء إلا بطلوع الفجر وعند عَطَاء لا يفوت المغرب والعشاء إلا بالنهار.
مسألة: لا خلاف بين العلماء أن وقت العشاء يدخل بغيبوبة الشفق واختلفوا في ذلك الشفق ما هو؟ فقال الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد والثَّوْرِيّ وداود وأبو يوسف ومُحَمَّد وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأبو هريرة وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس: أنه الأحمر وقال أبو حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيّ والْمُزَنِي وزفر: أنه الأبيض ورواه ابن المنذر عن أنس بن مالك وأبي هريرة وابن عَبَّاسٍ وعمر بن عبد العزيز وعن أَحْمَد رِوَايَة أيضًا

(1/103)


أنه إن كان في الصحراء فهو الأحمر، وإن كان في البنيان فهو الأبيض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في آخر وقتها المختار قَوْلَانِ: القديم إلى نصف الليل، وبه قال أهل العراق وأبو حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وأبو ثور في رِوَايَة، إلا أن أبا حَنِيفَةَ يقول: إن ذلك لا يخرج وقت العشاء. والجديد إلى ثلث الليل، وبه قال مالك وعمر ابن الخطاب وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز، وهي رِوَايَة عن أَحْمَد وعند النَّخَعِيّ إذا ذهب ربع الليل وعند ابن عَبَّاسٍ وطاوس وعَطَاء وعكرمة يمتد وقتها إلى طلوع الفجر، وبه قال الزَّيْدِيَّة في حق أهل الضرورات.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكره النوم قبل صلاة العشاء قال ابن الْمُبَارَك: وعليه أكثر الأحاديث وعند بعض العلماء لا يكره وعند بعض العلماء لا يكره في رمضان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكره السهر بعد صلاة العشاء، إلا إذا كان في معنى العلم والخير فلا يكره وعند بعض العلماء يكره مطلقًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن صلاة الصبح من صلاة النهار وعند بعض الناس أن من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من الليل، ولا من النهار وعند

(1/104)


حذيفة والأعمش والشعبي أن الليل من غروب الشمس إلى طلوعها، فصلاة الصبح عندهم من صلوات الليل وعندهم لا يحرم على الصائم الطعام والشراب حتى تطلع الشمس، وعند مالك أن وقت الظهر المختص به بعد الزوال إلى مضى أربع ركعات لا مدخل للعصر فيه، وما بين هذين وقت مشترك بينهما في باب الإجزاء لأهل الضرورات، وكذا بعد المغرب ثلاث ركعات خاص بها؛ لأنها لا تشركها فيه العشاء، وقبل الفجر أربع ركعات خاص للعشاء، وما بينهما وقت مشترك بينهما وبين المغرب وخالفه في ذلك الشَّافِعِيّ وأبو حَنِيفَةَ وقد قدمناه في صدر الباب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك ومُحَمَّد بن شجاع من الحنفمِة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن الصلوات المفروضة تجب بأول الوقت وجوبًا موسعًا على معنى جواز التأخير إلى آخر الوقت حتى يستقر الوجوب بإمكان الأداء، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر للحق وأبو الطاهر ويَحْيَى وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه تجب الصلاة بآخر الوقت، وإنَّما أول الوقت وقت لجواز فعل الصلاة فيه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم واختلفوا في وقت الوجوب، فذهب أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومُحَمَّد إلى أنها تجب إذا بقي من آخر الوقت قدر تكبيرة وذهب زفر إلى أنها تجب إذا بقي مقدار ما يصلي فيه صلاة الوقت، فأمَّا إذا صلى في أوله، فذهب أكثرهم إلى أنها تقع مراعاة، فإن بقي إلى آخر الوقت وهو على صفة

(1/105)


تلزمه الصلاة تبين بذلك أنها كانت فريضة، وإن خرج عن أن يكون من أهل وجوب الصلاة في آخر الوقت تبين بذلك أنها كانت نفلاً، ومنهم من يقول؛ إنها تقع نفلاً بكل حال، غير أنها تمنع توجه الفرض عليه في آخر الوقت، فعلى هذه الطريقة يخرج من صلى في أول الوقت من الذنب، ولم يتوجه عليه فريضة في الصلاة بحال، وقال الكرخي: لا يختلف قولهم أن الوجوب يتعلق بقدر صلاة الوقت، وما ذكره من قدر التكبيرة إنما هو في حق المعذورين ثم اختلف النقل عن الكرخي فنقل عنه الشاشي وصاحب الشامل والشيخ أبي إِسْحَاق في كتب الأصول أنه إذا فعلها في أول الوقت تقع واجبة، فيكون الوجوب عنده متعلقًا بوقت معين وهو أحد أمرين: بالدخول في الصلاة، أو بآخر الوقت ونقل عنه صاحب البيان أنه إذا صلَّى في أول الوقت كان نفلًا، فإن بقي إلى آخر الوقت وهو من أهل الوجوب منع ذلك النفل وجوب الفرض عليه، وهذا الثقل عنه من صاحب البيان ليس بصحيح، بل هذا قول بعض الحنفية غير الكرخي كما قدمناه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي بكر وعمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة وعلي وابن مسعود وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ وداود وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن الأفضل تقديم صلاة الصبح في أول وقتها إذا تحقق طلوع الفجر وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والثَّوْرِيّ وابن مسعود أيضًا الإسفار بها أفضل، إلا أن يحس بطلوع الشمس فيكره تأخيرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق أن الإسفار الوارد في الحديث معناه أن يتضح الفجر ولا يشك فيه، وليس معناه تأخير الصلاة وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ معنى الإسفار: تأخير الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق من أدرك ركعة قبل طلوع الشمس كان مدركًا للصبح وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يكون مدركًا، ولو أدرك قبل غروب الشمس ركعة كان

(1/106)


مدركًا للعصر باتفاق العلماء؛ لأنه خرج إلى وقت تحل فيه الصلاة، بخلاف مسألة إدراك الصبح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أنّ المستحب الإبراد بالظُّهِر في الحَرِّ وعند مالك التعجيل أفضل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ الظهر في غير وقت الحر تقديمها أفضل وعند مالك الأفضل تأخيرها حتى يصير الفيء قدر الذراع وعند أَبِي حَنِيفَةَ تعجيلها في الشتاء أفضل، وتأخيرها في الصيف أفضل، ولا يراعى الإبراد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ شرط الإبراد بالظهر أن يكون في موضع ينتابه الناس من البعد، فأمَّا المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فلا يستحب له تأخير الصلاة فى شدة الحر وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك لا يشترط ذلك، وبه قال جماعة

(1/107)


من أهل العلم قال الترمذي: وفي الحديث ما يدل على خلاف ما ذهب إليه الشَّافِعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي بكر وعمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس وعبد الله ابن الْمُبَارَك والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق تعجيل العصر في أول وقتها أفضل وعند مالك يؤخرها يسيرًا وعند الثَّوْرِيّ والنَّخَعِيّ وأبي هريرة وابن مسعود تأخيرها إلى آخر الوقت أفضل ما دامت الشمسُ بيضَاء واختلف النقل عن أَبِي حَنِيفَةَ، فنقل عنه الشاشي وصاحب المعتمد وغيرهما أن تقديمها في الغيم أفضل، وتأخيرها في الصحو أفضل ما دامت الشمس بيضاء نقية، ونقل صاحب البيان والدر الشفاف عنه موافقة الثَّوْرِيّ والنَّخَعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن الْمُبَارَك وكافة العلماء والصحابة والتابعين تقديم المغرب فى أول وقتها أفضل وعند الروافض تأخيرها إلى اشتباك النجوم أفضل وعند أبي حَنِيفَةَ تأخيرها في الغيم أفضل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل الأفضل تقديم العشاء في أول الوقت أو تأخيرها؟ قَوْلَانِ: القديم وهو الصحيح أن تقديمها أفضل. والقول الجديد تأخيرها أفضل، وبه قال

(1/108)


أبو حَنِيفَةَ وَمَالِك وابن عَبَّاسٍ وابن مسعود وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ والصحابة والتابعين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أنه إذا كان يوم غيم استحب تأخير الصلاة إلا أن يخشى إن أخر عن ذلك خرج وقت الصلاة وعند عمر يؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وعند ابن مسعود يعجل الظهر والعصر ويؤخر المغرب وعند ابن سِيرِينَ يعجل العصر ويؤخر المغرب وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وينور بالفجر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والمؤيد بالله من الزَّيْدِيَّة إذا اجتهد المجتهد في وجوب الوقت وصلى أجزأه، سواء وقعت صلاته في الوقت أو بعد خروجه، ولا يراعى بقاء الوقت ومضيه وعند أَبِي حَنِيفَةَ وجماعة من الزَّيْدِيَّة كالنَّاصِر ويَحْيَى والقاسم والمؤيد أيضًا أنه يراعى بقاء الوقت ومضيه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فيما نقله المتقدمون من أصحابه عنه أن الصلاة الوسطى هي الصبح، وبه قال ابن عمر وابن عَبَّاسٍ وجابر وعلي وَمَالِك وعند عائشة وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وعبد الله بن شداد وأكثر الزَّيْدِيَّة أنها الظهر، وذكر القدُّوري أنه مذهب أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه، وهي رِوَايَة أخرى عن ابن عمر وعند أبي هريرة وَأَحْمَد وأبي أيوب وأبي سعيد الخدري وعبيدة السلماني والحسن والضحاك وابن مسعود ومُحَمَّد بن منصور وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة وغيرهم، ومن الزَّيْدِيَّة السيد أنها العصر، وهي الرِوَايَة الأخرى عن علي وحكاه الطحاوي عن أَبِي حَنِيفَةَ وحكى المتأخرون من الشَّافِعِيَّة أنه مذهب الشَّافِعِيّ وعند أَحْمَد في رِوَايَة وقبيصة بن ذؤيب أنها المغرب.

(1/109)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا طلعت الشمس وهو يصلي لم تبطل صلاته وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أدرك من الوقت قدر تكبيرة فهل يلزمه صلاة ذلك الوقت؟
قَوْلَانِ: أحدهما يلزمه، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ والثاني لا يلزمه، وهو قول مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أنه إذا أدرك ركعة قبل غروب الشمس لزمه العصر والظهر، وإذا أدرك ركعة قبل طلوع الفجر لزمه العشاء والمغرب، وكذا لو أدرك في الوقت الأول قدر تكبيرة على قول لزمه الثانية، وبه قال أبو حَنِيفَةَ، إلا أن عند أبي حَنِيفَةَ لا تلزمه الأولى بإدراك وقت الثانية وعند مالك إذا أدرك من العصر خمس ركعات بعد فراغه مما يصلح للصلاة كالطهارة والستارة، وغير ذلك لزمه الظهر والعصر، وإذا أدرك أربع ركعات من وقت العشاء بعد الفراغ مما يصلح للصلاة لزمه المغرب والعشاء، وإن أدرك دون ذلك لم يلزمه الظهر ولا المغرب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وجماعة من الزَّيْدِيَّة إذا طرأ عليه العذر بعد أن أدرك ما يتمكن فيه من فعل الصلاة وجب عليه القضاء عند زوال العذر، والحاصل من هذا: أن الاعتبار بدخول الوقت وعند الشعبي والنَّخَعِيّ وقتادة وإِسْحَاق يجب عليه القضاء بكل حال وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وحماد وابن سِيرِينَ لا يجب عليه حتى يدرك آخر الفرض من غير عذر، وهو قول بعض الشَّافِعِيَّة، والحاصل من هذا: أن الاعتبار باستغراق الوقت وعند أَحْمَد يستقر وجوب الصلاة بأول الوقت وعند سائر الزَّيْدِيَّة إذا طرأ من العذر وعاد من الوقت ما يمكن فيه الصلاة لا يكون مُقَصِّرًا فلا قضاء، وإن لم يبق ذلك فعليه القضاء، والحاصل من هذا: أن الاعتبار ببقاء الوقت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا فاتته صلوات استحب له قضاؤها مرتبًا، فإن ترك الترتيب جاز، وإن ذكر الفائتة وهو في وقت صلاة حاضرة، فإن كان قد ضاق وقت الحاضرة لزمه أن يبدأ بها ثم يصلي الفائتة، وإن كان وقت الحاضرة متسعًا استحب أن يبدأ بالفائنة ثم بالحاضرة، فإن بدأ بالحاضرة قبل الفائتة صح، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى والقاسم والمؤيد وعند عَطَاء والنَّخَعِيّ والزُّهْرِيّ ورَبِيعَة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أنه يجب الترتيب بكل حال، فيصلي الفائتة ثم الحاضرة، فإن بدأ بالحاضرة بطلت وعند مالك

(1/110)


واللَّيْث أنه لو أدرك الفائتة وقد أحرم بالحاضرة استحب له إتمامها ثم يقضي الفائتة، ثم يجب عليه أن يصلي الحاضرة إلا أن تكون الفوائت ست صلوات فيسقط الترتيب وعند زيد بن علي وزفر يجب الترتيب بين قضاء الفوائت، وفرض الوقت مع سعة الوقت وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه أنه إن ذكر الفائتة بعد فراغه من الحاضرة أجزأته، ويقضي الفائتة، سواء كان الوقت ضيقًا أو واسعًا، وإن ذكرها وقد أحرم بصلاة وقته، فإن كان الوقت واسعًا بطلت فيصلي الفائتة ثم يصلي الحاضرة، وإن كان الوقت ضيقًا مضى عليها ولم تبطل، ثم يقضي الفائتة، وإن كان الفوائت ستًّا سقط الترتيب، وفي الخمس عنه رِوَايَتَانِ إحداهما أنهن كالست والثانية أنهن كالأربع وعند أَحْمَد لا فرق بين الصلوات اليسيرة والكثيرة أن الترتيب واجب وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ يجب ذلك في خمس صلوات فما دون، هذا حقيقة مذهبهما وعند أَحْمَد وإِسْحَاق أنه إن ذكر الفائتة وهو مع الإمام في الحاضرة وجب عليه المضي فيها، ثم يقضي الفائتة، ثم يعيد الحاضرة حتى قال أحمد: إنه إذا ترك الصلاة في شبابه إلى أن شاخ فعليه أن يقضي الفائتة ثم يعيد كل صلاة صلاها قبل قضائها وهل يسقط الترتيب عند ضيق الوقت؟ فيه عند أَحْمَد رِوَايَتَانِ: إحداهما يسقط، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ والثانية لا يسقط، وهو قول مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ إذا نسي صلاة من خمس صلوات، ولم يعرف عينها لزمه أن يصلي الخمس الصلوات بخمس نيات وعند محمد ابن الحسن والثَّوْرِيّ أنه يتحرى، فإن لم يغلب على ظنه شيء صلى ركعتين بنية الفجر، وأربعا بنية الظهر والعصر والعشاء إن كان عليه، ثم ثلاثًا ينوي بها المغرب، إن كان عليه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن من نام عن صلاة العشاء حتى فاتت وجب عليه القضاء، ولا كفارة عليه وعند الْإِمَامِيَّة إذا نام عنها حتى مضى النصف الأول من الليل أنه يجب عليه القضاء إذا استيقظ، وأن يصبح صائمًا كفارة عن تفريطه وعند الْمُزَنِي يجوز أن ينوي الفائتة ويصلي أربع ركعات فيجلس في ركعتين، ويجلس في الثالثة، جلس في الرابعة، ويسجد للسهو ويسلم، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد والنَّاصِر.
* * *

(1/111)


باب الأذان
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن الأذان ثبت برؤيا عبد اللَّه بن زيد وعند الزَّيْدِيَّة ثبت بوحي نزل به جبريل عليه السلام من الله إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: وأما ثبوته برؤيا عبد الله بن زيد فبعيد، فإن صح فإنَّا نقول: الله أراه بعد ثبوته.
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان، فإن تركها ترك السنة وصلاته صحيحة، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأصحابه والثَّوْرِيّ والنَّاصِر للحق من الزَّيْدِيَّة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وقال بعض أصحاب الشَّافِعِيّ: هما فرض كفاية، وبه قال أَحْمَد وداود وسائر الزَّيْدِيَّة وعند الْأَوْزَاعِيّ ليس بواجب، والإقامة واجبة، فإن

(1/112)


تركها فإن كان الوقت باقيًا أعاد الصلاة، وإن خرج الوقت لم يعدها وروى عن الْأَوْزَاعِيّ أيضًا: إن نسي الأذان وصلى أعاد الصلاة في الوقت وعند عَطَاء إن نسي الإقامة أعاد الصلاة. وعند أهل الظاهر الأذان والإقامة واجبان لكل صلاة، فمنهم من قال: هما شرط في صحة الصلاة، ومنهم من قال: ليستا بشرط. وعند مالك هو واجب في مساجد الجماعات، ومن صلى بغير أذان أجزأه إذا كان في بلد قد أذن فيها، ولا تجزئه إقامتهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر الصحابة لا يسن الأذان لصلاة الجنازة والعيد والخسوف والتراويح والاستسقاء. وعند معاوية وعمر بن عبد العزيز يسن الأذان لصلاة العيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل يسن الأذان للفوائت؟ قَوْلَانِ: الجديد لا يسن، وبه قال مالك والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق. والقديم وهو الأصح يسن ذلك، وبه قال أَحْمَد وأبو ثور، واختاره ابن المنذر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن أذّن لكل فائتة فحسن، وإن ترك فجائز. وروى عنه أيضًا أنه إذا فاتته صلوات أذن وأقام لكل واحدة منهن. وعند مالك يقيم لكل صلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جمع بسفر أو مطر جمع تقديم أذن وأقام للأولى، وأقام للثانية من غير أذان، وإن جمع بينهما جمع تأخير أقام لكل واحدة منهما. وفي الأذان للأولى الخلاف الماضي في الأذان للفوائت، ولا يسن الأذان للثانية قطعًا. وعند أبي

(1/113)


حَنِيفَةَ لا يجمع إلاَّ في موضعين: بمزدلفة بين العشائين في وقت الثانية بأذان وإقامة، فإن تطوع بينهما فبأذان وإقامتين. والموضع الثاني: بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الأولى، ويكون بأذان وإقامتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى في بيته هل يصلي بلا أذان ولا إقامة؟ قَوْلَانِ: أحدهما يصلي بغير ذلك، وبه قال الشعبي والأسود وأبو مجلز ومجاهد والنَّخَعِيّ وعكرمة. والثاني الجديد يؤذن ويقيم. وعند ميمون بن مهران وسعيد بن جبير وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وعَطَاء تجزئه الإقامة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَبِي ثَورٍ يجزئه أذان المصر. وعند الحسن إن شاء أقام. وعند ابن سِيرِينَ تجزئه الإقامة، إلا في الفجر فإنه يؤذن ويقيم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا دخل مسجد قد صُلِّيَ فيه أذن وأقام في نفسه، وبه قال أسلمة، بن الأكوع. وحكى ابن المنذر عن الشَّافِعِيّ أنه قال: أذان المؤذنين وإقامتهم

(1/114)


كافية. وعند عَطَاء وطاوس ومجاهد والْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك يقيم ولا يؤذن. وعند الحسن والشعبي وعكرمة وأَبِي حَنِيفَةَ لا يؤذن ولا يقيم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وداود وأَبِي يُوسُفَ وأبي ثور وإِسْحَاق وأهل الشام وابن الْمُبَارَك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز أن يؤذن للصبح قبل دخول وقتها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ ومُحَمَّد لا يجوز ذلك قبل وقتها. وعند بعض أصحاب الحديث إذا كان للمسجد مؤذنان جاز أن يؤذن أحدهما قبل الفجر والآخر بعده. وعند أَحْمَد يكره ذلك في رمضان خاصة لئلا يمنع من السحور.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب الأذان للمنفرد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يستحب له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الأذان تسع عشرة كلمة في غير الصبح، وهو: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول اللَّه أشهد أن محمدًا رسول الله يخفض صوته ثم يقول بهؤلاء الأربع كلمات من الشهادة، ثم يرجع فيمد صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول اللَّه حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح اللَّه أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. وعند مالك الأذان تسع عشرة كلمة، فأسقط من التكبير في أول الأذان تكبيرتين، وأثبت الترجيع. وكذا أثبته أيضًا إِسْحَاق. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ الأذان خمس عشرة كلمة، فأسقط

(1/115)


الترجيع، وهو أربع كلمات. وعند أَبِي يُوسُفَ الأذان ثلاثة عشر كلمة، فأسقط تكبيرتين في أول الأذان كمالك، وأسقط الترجيع. وعند أَحْمَد إن رجَّع فلا بأس، وإن ترك فلا بأس. وعند الخرقي الأذان من غير ترجيع. وعند إِسْحَاق أنه قد ثبت أذان بلال، وأذان أبي محذورة، وكلٌّ سنة. وعند الْإِمَامِيَّة يقول بعد قوله حي على الصلاة حي على خير العمل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن لفظ التكبير في أول الأذان أربعًا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والباقر والصادق والسيد المؤيد. وعند مالك هو دفعتان كآخره، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى والقاسم وزيد بن علي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وكافة العلماء وسائر الزَّيْدِيَّة أن التهليل في آخر الأذان مرة واحدة. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة كالنَّاصِر والباقر والصادق وموسى وإسماعيل بن جعفر وعلي بن موسى الرضى أن التهليل في آخره مرتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وابن الْمُبَارَك وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ وزيد وعمر وابن عمر وعمار وأنس وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن التثويب في أذان الصبح سنة، وهو أن يقول: حي على الصلاة، الصلاة خير من النوم مرتين. وعند النَّخَعِيّ يستحب التثويب لكل صلاة. وعند الحسن يثوب للعشاء والصبح. واختلف أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ في النقل عنه، فحكى الطحاوي عنه في التثويب كقول الشَّافِعِيّ. وحكى عنه مُحَمَّد بن شجاع الثلجي التثويب الأول في نفس الأذان، والثاني بين الأذان والإقامة. وقال مُحَمَّد بن الحسن: كان التثويب الأول الصلاة خير من النوم مرتين بين الأذان والإقامة، ثم أحدث الناس بالكوفة حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة وهو حسن. واختلف أصحابه فيه فمنهم من اختار ما ذكره مُحَمَّد بن شجاع. ومنهم من اختار ما ذكره الطحاوي ولا يحفظ. وعند الْإِمَامِيَّة يكره التثويب في أذان الصبح وغيرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ وبعض الصحابة وبعض التابعين وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الإقامة إحدى عشر كلمة فرادى، سوى لفظ الإقامة فإنها مرتين.

(1/116)


وفى قول قديم للشافعي لفظ الإقامة أيضًا مرة، وبه قال مالك وداود. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وابن الْمُبَارَك وأهل الكوفة والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة الإقامة مثنى مثنى كالأذان، ويزيد على الأذان بلفظ الإقامة مرتين، فتصير الإقامة عندهما تسع عشرة كلمة أكثر من الأذان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول، إلا أن يكون السامع في الصلاة فيؤخر ذلك ويقول بعدها. وعند مالك واللَّيْث إن كان السامع في صلاة النفل قال مثل ما يقول إلا في الحيعلتين، وإن كان السامع في صلاة الفرض لم يقل ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يصح أذان الصبي الذي تصح صلاته ويعتد به للرجال. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وداود وَأَحْمَد في رِوَايَة لا يعتد بأذانه للبالغين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ المستحب أن لا يزيد على أربعة مؤذنين. وعند مالك يزيد على ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في رِوَايَة يصح أذان المحدث والجنب وإقامتهما، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي عن يَحْيَى. وعند مجاهد وعَطَاء والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة أخرى وإِسْحَاق لا يعتد بأذانهما وإقامتهما. وعند مالك يعتد بأذانه ولا يعتد بإقامته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، وكذا المؤيد عن يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق وبعض العلماء يكره الأذان على غير وضوء. وعند أَحْمَد وسفيان الثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وبعض العلماء لا يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا بلغ المؤذن إلى الحيعلة لَوَّى عنقه ورأسه يمينًا وشمالاً، وأما سائر بدنه وقدميه فلا تلتوي، وذلك سواء كان على الأرض أو على المنارة. وعند ابن سِيرِينَ لا يستحب ذلك. وعند أَحْمَد إن كان على المنارة فعل ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وإِسْحَاق لا يكره له أن يدور في مجال المنارة، ويكره له ذلك على الأرض. وعند مالك أنه لا بأس باستدارة المؤذن على يمينه وشماله إذا أراد الإسماع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْأَوْزَاعِيّ يستحب أن يُدخِلَ المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان والإقامة. وعند جماعة يدخل أصبعيه في أذنيه في الأذان لا غير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة أهل العلم أنه إذا تكلم في الإقامة لم تبطل: وعند

(1/117)


الزُّهْرِيّ تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعثمان وسائر الصحابة والتابعين يكره الخروج من المسجد قبل الصلاة، وبعد الأذان إلا لعذر. وعند النَّخَعِيّ يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ يستحب للمؤذن أن يجلس بين الأذان والإقامة للمغرب جلسة خفيفة بقدر ركعتين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجلس.
مسألة: إذا ارتد في أثناء أذانه، ثم عاد في الحال إلى الْإِسْلَام بنى على أذانه على الأصح. والثاني لا يبني لأنه قد بطل بالردة، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يكره أذان الراكب وإقامته. وعند مالك في رِوَايَة يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب الأذان قائمًا ويكره قاعدًا، إلا أن يكون به علة فلا يكره. وعند عَطَاء وَأَحْمَد لا يؤذن قاعدًا إلا أن يكون به علة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق يسن الأذان والإقامة في السفر. وعند الثَّوْرِيّ وعلي هو بالخيار إن شاء أذن وإن شاء أقام وعند القاسم بن مُحَمَّد والحسن تجزئه الإقامة. وعند ابن عمر يقتصر على الإقامة، إلا في الصبح فإنه يؤذن ويقيم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يعتد بأذان المرأة للرجال. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يعتد به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يسن للمرأة الإقامة. وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم. وعند إِسْحَاق أنهن يؤذن ويقمن لصلواتهن. وعند الْأَوْزَاعِيّ يقمن. وعند أنس وابن عمر ليس عليهن أذان ولا إقامة، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ومُحَمَّد بن سِيرِينَ والنَّخَعِيّ والزُّهْرِيّ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وأبو ثور وأبو حَنِيفَةَ وأصحابه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الأولى أن يكون المقيم هو المؤذن وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك إقامة غير المؤذن كإقامة المؤذن.
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أنه يجوز عقد الإجارة على الأذان، وبه قال مالك، والثاني لا يجوز، وبه قال أبو حَنِيفَةَ.
* * *

(1/118)


باب طهارة البدن وما يصلي فيه وعليه
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن طهارة البدن والثوب التي يصلي عليها شرط فى صحة الصلاة. وعند مالك إذا صلَّى مع النجاسة أعاد في الوقت، ولا يعيد بعد فواته. وحكى عنه أن إزالة النجاسة واجبة إلا يسير الدم. وعند ابن عَبَّاسٍ وأبيّ وسعيد بن جبير والنَّخَعِيّ أنه ليس على الثوب جنابة، وروى عنهم خلاف هذا. وروى عن ابن عَبَّاسٍ أنه إذا تفاحش الدم يعيد الصلاة. وعن النَّخَعِيّ يعيد من قدر الدرهم من الدم. وعن سعيد بن جبير أنه ينصرف من الصلاة إذا كان من الدم أكثر من الدرهم. وعن ابن مسعود أنه نَحْر جزورًا فأصابه من فرثه ودمه فصلى ولم يغسله. وعن سعيد بن جبير أيضًا أنه إذا صلى وفي ثوبه نجاسة أنه لا تضره، وقال: اقرأ الآية التي فيها غسل [الثوب] من النجس. وعند مالك إذا كان الحيض كثيرًا وجب غسله، وإن كان قليلًا فرِوَايَتَانِ: إحداهما يعفى عنه. والثانية يجب غسله. وعن طاوس أنه رأي

(1/119)


فى ثوبه دمًا كثيرًا فصلى ولم يبال به. وعند ابن أبي ليلى والعكلى لا تعاد الصلاة من ذلك. وعند أهل الرأي أن دم الحلمة نجس. وعند الشعبي والحكم وحماد وحبيب لا بأس بدم الخفاش ودم البق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان الدم أقل من الدرهم وجب غسله. وعند الثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وبعض التابعين إذا كان أكثر من الدرهم أو قدر الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد الصلاة. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وبعض التابعين لا إعادة عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن دم غير ما لا نفس له سائلة، وغير دم الكلب والخنزير يعفى عن قليله، وهو القدر الذي يتعافاه الناس في الأصح. وعند مالك يعفى عن قليل الدم، ولا يعفى عما تفاحش. وعنه في دم الحيض رِوَايَتَانِ: إحداهما كغيره من الدماء. والثانية أنه يستوى قليله وكثيره. وعند أَحْمَد أن اليسير متفاحش، وعنه أيضًا أنه يعفى عن النقطة والنقطتين. واختلف عنه فيما بين ذلك. واختلف الزَّيْدِيَّة في اليسير من الدم هل هو نجس أو طاهر؟ فعند النَّاصِر والصادق والباقر والمؤيَّد هو نجس لكنه معفو عنه، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. وعند يَحْيَى هو طاهر، واليسير عندهم هو مقدار حب الخردل، ومثل رءوس الإبر. وعند أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ يعفى عن ما لا يتفاحش من غير الدم كالبول والعذرة، واختلفوا في قدر التفاحش، فقال الطحاوي: التفاحش ربع

(1/120)


الثوب. ومنهم من قال: ذراع في ذراع. وقال أبو بكر الرازي: شبر في شبر. وعند مالك يعفى عما دون النصف من الثوب. وعند النَّخَعِيّ وحماد يعفى عما دون الدرهم. وعند سعيد بن جبير يعفى عن قدر الدرهم. وعن قتادة يعفى عما دون درهم، وعنه عما دون الظفر. وعند الْإِمَامِيَّة أن الدم الذي ليس بدم حيض يجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث، وما زاد على ذلك لا تجوز له الصلاة فيه وفرقوا بين الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومني، وحرَّموا الصلاة في القليل منه والكثير، فصارت التفرقة بين الدم وسائر النجاسات منفردين بها. ويقرب بما قالوه ما ذكره زفر أن الدم إذا كان أكثر من درهم لا تجوز الصلاة معه، وإن كان دون ذلك جازت الصلاة معه، ولم يعتبر ذلك من النوافل، بل قال: لا تصح الصلاة مع قليله وكثيره. ويوافق ما ذكروه ما ذكره الحسن بن صالح بن حيي أن الصلاة لا تصح مع قدر الدرهم من الدماء، وتصح مع دون ذلك، وأنها لا تصح مع قليل البول والغائط.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يعفى عن قليل البول. وعند مُحَمَّد بن الحسن ينضح على الثوب من البول.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان على فرجه دم يخاف من غسله صلى وأعاد على أصح القولين. وفي القديم لا يعيد، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد، واختاره المزني. وعند الزَّيْدِيَّة عليه الإعادة وفي الوقت ولا يجب خارج الوقت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جبر عظمه بعظم نجس والتحم عليه اللحم، ولم يخف

(1/121)


التلف من قلعه لزمه قلعه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يلزمه، وبه قطع الغزالي في كتبه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا خاف التلف من قلعه لزمه قلعه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يلزمه قلعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان معه ثوب بعضه طاهر وبعضه نجس فلبسه وصلى فيه، والموضع النجس منه موضوع في الأرض لم تصح صلاته. وعند أَبِي ثَورٍ تصح. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والزَّيْدِيَّة إن لم يتحرك بحركته صحت صلاته. وعند الزَّيْدِيَّة إذا بسط على النجاسة صحت صلاته إذا لم تلتصق النجاسة بالمبسوط ولم تتحرك تحته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى وعلى رأسه عمامة وطرفها على نجاسة لم تصح صلاته، سواء كانت متضاعفة فوق النجاسة أو غير متضاعفة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن لم تتحرك بحركته صحت صلاته. وعند الْإِمَامِيَّة تصح صلاة من في قلنسوته نجاسة أو نكتة أو ما جرى مجراهما مما لا تتم الصلاة به على الانفراد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء تصح الصلاة في ثوب الصوف والشعر والوبر إذا كان طاهرًا. وعند الْإِمَامِيَّة والشيعة لا تصح الصلاة إلا على ما تخرج الأرض من قطن أو كتان أو قصب أو حشيش، ولا تصح في وبر الأرانب والثعالب، ولا في جلودها وإن ذبحت ودبغت الجلود. وعندهم أيضًا لا يصح السجود على الثوب المنسوج من أي جنس كان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر نجس، ولا بشعر آدمي، وما سوى ذلك من الشعور فيجوز لها وصله بشعرها إذا كان لها زوج أو سيد، وإن لم يكن لها ذلك كره لها ذلك. وعند أَحْمَد يكره لها ذلك بكل حال، قال: ولا بأس بالقرامل، وهي الخيوط التي توصل في شعر الصغار ليطول، وهو قول سعيد بن جبير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان معه ثوب عليه نجاسة غير معفو عنها، ولم يجد ما يغسلها به، ولم يجد سترة غيره فقَوْلَانِ: الصحيح أنه يجب عليه أن يصلي عريانًا ولا

(1/122)


يعيد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم والطاهر عن يَحْيَى. والثاني: يصلي فيه ويعيد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والسيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن شاء صلى عريانًا، وإن شاء صلى في الثوب النجس من غير اعتبار مقادير النجاسة، وهذه رِوَايَة أَبِي يُوسُفَ عنه. ورَويَ عنه مُحَمَّد أنه إذا كان الدم في بعض الثوب لم يجزئه أن يصلي عريانًا ويصلي فيه. وإن كان جميعه نجسًا بالدم، فإن شاء صلى فيه، وإن شاء صلى عريانًا. وعند أبي يوسُف أيضًا إن كان ربعه طاهرًا صلى فيه، وإن نقص عن ذلك فهو بالخيار إن شاء صلى فيه، وإن شاء صلى عريانًا. وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ ومُحَمَّد يصلي في الثوب النجس ولا يعيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان معه ثوبان أحدهما نجس واشتبها تحرى فيهما، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. وعند أَحْمَد لا يتحرى فيهما ويصلي في كل واحد منهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ طهارة الموضع الذي يصلي فيه شرط في صحة الصلاة. وعند مالك ليست بشرط. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن وضع قدميه على نجاسة أكثر من الدرهم لم تصح صلاته، وإن وضع ركبتيه أو راحتيه على ذلك صحت صلاته، وإن وضع جبهته على أكثر من الدرهم فعنه رِوَايَتَانِ: إحداهما رِوَايَة مُحَمَّد أنها تبطل. وراوية أبي يوسف لا تبطل استحسانًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى على موضع طاهر من البساط، وفي موضع منه نجاسة لا تحاذيه صحت صلاته، وإن كان تتحرك بحركته لم تصح صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أنه إذا كان مربوطًا على خشبة أو محبوسًا في حش أو موضع نجس، وهو متوضأ أنه يلزمه أن يصلي على حسب حاله. وحكى الطحاوي عن أَبِي حَنِيفَةَ أنه لا يلزمه أن يصلي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أنه إذا صلى في المواضع السبعة المنهي عن الصلاة فيها صحت صلاته. وعن أَحْمَد ثلاث رويات: الصحة والفساد، والثالثة إن كان عالمًا بالنهي أعاد الصلاة وإلا فلا.

(1/123)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن الصلاة في المقبرة التي يتحقق عدم نبشها مكروهة وتصح. وعند مالك تجوز الصلاة في المقبرة ما لم يعلم فيها نجاسة. وعند أَحْمَد لا تصح، وفي كراهية استقبالها رِوَايَتَانِ. وعند بعض أهل الظاهر لا تجوز الصلاة في المقبرة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى في موضع طاهر من الحمام صحت صلاته. وعند أَحْمَد لا تصح الصلاة فيه ولا على سطحته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وكافة العلماء تصح صلاة الغاصب في الأرض المغصوبة، والثوب المغصوب. وعند داود وَأَحْمَد لا تصح. وعند الزَّيْدِيَّة لا يصلي في الثوب المغصوب إلا إذا خاف التلف من نزعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى وفرغ من صلاته، ثم رأى على ثوبه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنها كانت موجودة حال الصلاة، ولم يكن علم بحالها وجبت الإعادة على أصح القولين، وبه قال أبو قلابة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. والثاني: لا يعيد، وبه قال عَطَاء وابن المسيب وطاوس وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والزُّهْرِيّ والنَّخَعِيّ ويَحْيَى الأنصاري وإِسْحَاق وأبو ثور والْأَوْزَاعِيّ. وعن أَحْمَد روايتين كالقولين. واختلف النقل عن أَبِي حَنِيفَةَ، فنقل عنه الشاشي موافقة القول الأصح. ونقل عنه صاحب المعتمد موافقة القول الآخر.
* * *

(1/124)


بَابُ ستر العَوْرة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأهل العراق وأَبِي ثَورٍ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ سترة العورة عن العيون شرط في صحة الصلاة. وعند مالك سترها واجب في الصلاة وغيرها، وليس شرط في صحة الصلاة. فإن صلى مكشوف العورة صحت صلاته. وعند بعض المالكية هي شرط في صحة الصلاة مع الذكر خاصة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والخرقي الحنبلي إذا انكشف شيء من العورة مع القدرة على السترة لم تصح الصلاة. وعند أَحْمَد إذا بان اليسير من العورة لم تبطل الصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا بان من عورة الرجل المغلظة، وهي القبُل والدبر قدر الدرهم في الصلاة لم تبطل الصلاة، وإن بان منها أكثر من ذلك بطلت، وإن بان من العورة المخففة، وهي ما عداهما أقل من الربع لم تبطل، وإن بان الربع فما زاد بطلت، ويعتبر ذلك من العضو الواحد. وأما المرأة فإن انكشف ربع رأسها، أو ربع فخذها، أو ربع بطنها بطلت صلاتها، وإن كان أقل من ذلك لم تبطل. وعند أَبِي يُوسُفَ إن انكشف أقل من النصف من عورتها لم تبطل، وإن كان النصف فما زاد بطلت.

(1/125)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وإحدى الروايتين عن أَحْمَد أن عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة، وليست الركبة والسرة من العورة. وعند أبي حَنِيفَةَ وعَطَاء الركبة من العورة دون السرة. وعند داود وإحدى الروايتين عن أَحْمَد أن العورة هي القبل والدبر لا غير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِك أن جميع بدن الحرة عورة إلا الوجه والكفين، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والقاسم والمؤيد. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه أن قدمها ليس بعورة، واختاره الْمُزَنِي، وبه قال من الزَّيْدِيَّة زيد بن علي والباقر والنَّاصِر والصادق، وكذا الداعي عن يَحْيَى والقاسم. وعند داود وَأَحْمَد أن جميع بدنها عورة إلا الوجه. وعند أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة أن جميع بدنها عورة حتى ظفرها.

(1/126)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ تقبيل اليد وما بين العينين والرأس جائز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند المؤيد منهم يكره تقبيل اليد كتقبيل الرجل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن الأمة ومن فيها جزء من الرق لا يجب عليها تغطية رأسها. وعند الحسن إذا تزوجت الأمة، أو اشتراها سيدها، أو ولدت وجب عليها تغطية رأسها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن حكم أم الولد في العورة حكم الأمة القنية. وعند ابن سِيرِينَ وَمَالِك أنها تتقنَّع بثوب يثبت الحرية لها، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة والتابعين أقل ما يجزئ الرجل في الستر مئزرًا وسراويل. وعند أَحْمَد لا يجزئه حتى يطرح على عاتقه منه شيئًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى في قميص واسع الجيب تُرَى العورة منه من غير سراويل ولم يزره عليه لم تصح صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تصح.

(1/127)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز للرجل أن يصلي في ثوب حرير ولا على ثوب حرير، فإن صلى فيه أو عليه صحت صلاته. وعند أَحْمَد والْإِمَامِيَّة لا تصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والمؤيد إذا لم يجد إلا الثوب الحرير وصلى عريانًا مع وجوده لم تصح صلاته. وعند أَحْمَد تصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ إذا صلى في ثوب حرير لا يعيد. وعند داود يعيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن الْمُبَارَك يكره السدل في الصلاة. وعند أَحْمَد لا يكره ذلك فوق القميص.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا لم يجد السترة صلى عريانًا قائمًا. وعند الْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة والْمُزَنِي يلزمه أن يصلي قاعدًا. وحكى أنه قول للشافعي. واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه صاحب البيان والمعتمد موافقة الْأَوْزَاعِيّ، ونقل عنه الشاشي موافقة الشَّافِعِيّ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن شاء صلى قاعدًا، وإن شاء قائمًا، وهو رِوَايَة عن أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا وجد العريان السترة تريبة منه لم تبطل صلاته بأخذها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل بذلك.

(1/128)


باب استقبال القبلة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا تجب النية في استقبال القبلة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد وأبو طالب، وعند بعض الشَّافِعِيَّة تجب، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد بالله وأبو عبد اللَّه الداعي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وداود وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ تصح صلاة الفرض والنفل فى الكعبة. وعند ابن جرير لا يصح ذلك. وعند مالك وَأَحْمَد يصح فيها النفل دون الفرض، وعن مالك رِوَايَة أخرى أنه تصح صلاة الفرض في جوفها. وعند الزَّيْدِيَّة الصلاة في جوفها أفضل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى على ظهر الكعبة ولم يكن بين يديه سترة متصلة بالبيت لم تصح صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اختلف اجتهاد رجلين في القبلة فلا يقلد أحدهما الآخر، ولا يجوز أن يأتم أحدهما بالآخر. وعند أَبِي ثَورٍ يجوز أن يأتم أحدهما بالآخر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من لا يعرف أدلة القبلة، أو إذا عُرّف لا يعرف، فحكمه حكم الأعمى يقلد من يجتهد لهما. وعند داود يسقط عنهما استقبال القبلة، ويصليان حيث شاءا. واختلفت الرِوَايَة في ذلك فقال النَّاصِر وأبو طالب يرجعان إلى خبر غيرهما، فإن لم يجدا من يخبرهما رجعا إلى محاريب البلد التي نصبها أهل المعرفة. وقال المؤيد بالله يرجعان أولاً إلى محاريب البلد، فإن لم يكن فإلى من يخبرهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل الفرض في القبلة إصابة العين أو الجهة؟ قَوْلَانِ: أصحهما

(1/129)


إصابة العين، وهو قول الجرجاني من الحنفية، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وزيد بن علي. والثاني الجهة، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وسائر أصحابه وعمر وعلي وابن عبَّاس وابن عمر وابن الْمُبَارَك وسائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا اجتهد في القبلة فأداه اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها، أو صلى من غير اجتهاد ثم بان أنها القبلة لم تصح صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد بالله. وعند أَبِي يُوسُفَ تصح، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو طالب ويَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى إلى جهة بالاجتهاد، فلما فرغ من صلاته تيقن أنه إلى غير جهة القبلة فقَوْلَانِ: أصحهما تلزمه الإعادة، وبه قال المؤيد باللَّهِ من الزَّيْدِيَّة. والثاني لا تلزمه، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وإِسْحَاق وَأَحْمَد وأكثر العلماء، ومن الزَّيْدِيَّة الباقر والقاسم ويَحْيَى، واختاره الْمُزَنِي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز التنفل على الراحلة في السفر الطويل وفي القصير على أصح القولين، وبه قال أَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. والثاني لا يجوز، وبه قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يصلي على راحلته في الماء والطين. وعند مالك َوَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان المسافر ماشيًا جاز له التنفل إلى جهة مقصده. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ المتنفل على الراحلة يلزمه أن يستقبل القبلة حال الإحرام، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والصادق والباقر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة لا يلزمه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الصحيح عدم جواز ترك استقبال القبلة في النفل في الحضر. والثاني يجوز، وهو رِوَايَة عن أَبِي يُوسُفَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وكافة العلماء من الصحابة والتابعين إذا مر بين يدي المصلي مار لم تبطل صلاته. وعند الحسن تبطل صلاته. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق ومجاهد وعَطَاء وطاوس ومَكْحُول أن من مر بين يديه كلب أسود أو امرأة حائض أو أتان بطلت صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب للمصلي إذا لم يكن مصلى ولا غيره أن يخط بين يديه خطًّا في الطول. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ يكره له ذلك.

(1/130)


بابُ صفة الصلاة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن من صلّى قبل دخول الوقت لا تصح صلاته. وعند الحسن تصح صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجب القيام في السفينة السائرة، وفي صلاة يعجز في بعضها يجب عليه القيام فيما يقدر عليه منها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجب القيام في المسألتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَبِي يُوسُفَ إذا فرغ المؤذن من الإقامة قام الإمام والمأموم إلى الصلاة. قال أحمد: هذا إذا كان الإمام حاضرًا، فإن كان غائبًا فهل يقومون أو ينتظرون حتى يروه؟ على روايتين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ إذا قال المؤذن حي على الصلاة قاموا في الصف، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبَّر الإمام وكبَّر القوم. وعند زفر إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة مرة نهض الإمام. وقامُوا في الصف، فإذا ثنى المؤذن وقال: قد قامت الصلاة كبَّر الإمام وكبر القوم، فإذا قال المؤذن: الله أكبر إلى آخره، أخذ الإمام في القراءة، وهو قول الحسن بن زياد. وعند الطحاوي أن محمدًا موافق لأَبِي يُوسُفَ في هذه المسألة. وعند أبي بكر الرازي أن محمدًا موافق لأَبِي حَنِيفَةَ فى هذه المسألة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد لا يكبر المأموم حتى يفرغ الإمام

(1/131)


من التكبير. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وسفيان الثَّوْرِيّ ومُحَمَّد يجوز أن يكبر مع تكبير الإمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي تكبيرة الإحرام لم تجز الصلاة. وعند سعيد بن المسيب والحسن وقتادة والنَّخَعِيّ والحكم والْأَوْزَاعِيّ لا إعادة عليه وتجزئه تكبيرة الركوع، وهو رِوَايَة عن حماد بن أبي سليمان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي الإمام تكبيرة الإحرام فإنه يقطعها بالتسليم ويستأنف التكبير ويتابعه. وعند مالك أنه يعتد بتكبيرته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أدرك المسبوق الإمام راكعًا كبر تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، فإن كبر تكبيرةً واحدة نوى بها الافتتاح والركوع لم يجزئه. وعند سعيد بن المسيب والحسن وعَطَاء والنَّخَعِيّ وميمون والحكم والثَّوْرِيّ وابن عمر وزيد بن ثابت يجزئه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ ينوي حال التكبير لا قبله ولا بعده. ومعناه أن تكون نيته ذكرًا بقلبه مقترنة بالتكبير من أوله إلى آخره، وبه قال النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة في رِوَايَة عنه. وعند داود يجب أن تتقدم النية على التكبير، وإن نوى مع التكبير لم

(1/132)


يجزئه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد إذا تقدمت النية على التكبير بزمان يسير انعقدت الصلاة، كذا ذكره أبو بكر الرازي، وبه قال أكثر الزَّيْدِيَّة. وذكر الطحاوي والكرخي أن مذهب أَبِي حَنِيفَةَ كمذهب الشَّافِعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ومُحَمَّد بن الحسن إذا نوى الفرض والنفل لم تنعقد صلاته وعند أَبِي حَنِيفَةَ تنعقد بالفرض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِك إذا نوى الخروج من الصلاة أو قطعها أو شك هل يخرج منها أم لا، بطلت صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تبطل، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن تكبيرة الإحرام فرض لا تنعقد الصلاة إلا بها. وعند الزُّهْرِيّ والحسن بن صالح أنها تنعقد بمجرد النية من غير لفظ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن مسعود وسفيان وداود وأَبِي ثَورٍ لا يجزئه في تكبيرة

(1/133)


الإحرام إلا قوله: اللَّه أكبر أو الله الأكبر. وعند مالك وَأَحْمَد والْإِمَامِيَّة لا تنعقد بقوله اللَّه الأكبر، وتنعقد بقوله الله أكبر لا غير، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيَّد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد تنعقد بكل اسم لله على وجه التعظيم، كقوله الله العظيم، أو الله الجليل، وكقوله الحمد للَّهِ أو سبحان الله، وبهذا قال زيد بن علي. فأمَّا الدعاء كقوله: اللهم ارحمني واغفر لي فلا تنعقد به الصلاة، وإن قال: الله أو الرحمن فعن أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، روى الحسن بن زياد عنه أنه يجوز، وظاهر رِوَايَة الأصول عنه أنه لا يجوز، فلابد من ذكر الصفة، وبه قال مُحَمَّد بن الحسن. وعند أَحْمَد بن يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة تنعقد بقوله: الله أجل أو أعظم. وعند أبي عبد الله الداعي منهم إن سبح أو هلل لم يكن داخلاً في الصلاة. وعند أبي طالب منهم الأولى انعقادها بالتهليل، وإن لم تنعقد بالتسبيح. وعند أَبِي يُوسُفَ تنعقد بلفظ التكبير، فيضيف الله الكبير، ولا تنعقد بما سوى ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ تكبيرة الإحرام من الصلاة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو طالب عن يَحْيَى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والمؤيد من الزَّيْدِيَّة أنه ليس منها، وإنما هو شرط من شروطها.

(1/134)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ النية من الصلاة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والهادي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والمؤيد من الزَّيْدِيَّة أنها ليست من الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ومُحَمَّد بن الحسن وأَبِي يُوسُفَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز أن يكبر بالفارسية ولا بغيرها مع القدرة على العربية. وكذا سائر الأذكار فيها مثل التسبيح والتشهد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز أن يكبر بغير العربية مع قدرته على العربية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأبي سعيد الخدري وابن الزبير وأنس والْأَوْزَاعِيّ واللَّيْث وَأَحْمَد وإِسْحَاق وَمَالِك يستحب أن يرفع يديه في تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه. وعند داود يجب ذلك. وعند يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة لا يرفع يديه فى شيء من الصلاة. وعند الْإِمَامِيَّة يجب رفع اليدين في كل تكبيرات الصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وابن أبي ليلى وَمَالِك في رِوَايَة يرفع يديه في تكبيرة الافتتاح، ولا يرفع في الركوع، ولا في الرفع منه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد. قال المؤيد: إلا في صلاة الجنازة فإنه يرفع فيها في التكبيرات كلها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق والقاسم من الزَّيْدِيَّة والْأَوْزَاعِيّ وعمر وابن عمر وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يستحب رفع يديه حتى تجاوز كفَّاه منكبيه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرفعهما حيال أذنيه. وعند الثَّوْرِيّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يرفع يديه حتى يكون إبهامه حذو أذنيه. وعند بعض أصحاب الحديث وَأَحْمَد أيضًا في رِوَايَة هو بالخيار بين أن يرفع يديه حذو منكبيه أو يرفع حيال أذنيه. وعند بعض الزَّيْدِيَّة يرفع يديه إلى الهامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وكافة العلماء والمؤيد من الزَّيْدِيَّة أن المرأة كالرجل فى هذا الرفع. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة ترفع إلى حذاء صدرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وداود وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة والتابعين فمن بعدهم يأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن، وبه قال مالك في رِوَايَة، والرِوَايَة الثانية عنه أنه مباح. وعند الحسن البصري وابن سِيرِينَ وابن الزبير يرسل يديه إرسالاً، وهو رِوَايَة أخرى عن مالك. وعند اللَّيْث بن سعد أنه يرسل يديه إلا أن يطيل القيام فيغير. وعند الْأَوْزَاعِيّ من شاء فعل، ومن شاء ترك. وعند الْإِمَامِيَّة يكره وضع الْيَمِين على الشمال في الصلاة.

(1/135)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يضعهما تحت صدره وفوق سرته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وإِسْحَاق يجعلهما تحت سرته، وهو قول بعض الشَّافِعِيَّة وَمَالِك في رِوَايَة. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ فى ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ يستحب أن يكون نظره في جميع صلاته إلى موضع سجوده. وعند مالك ينظر أمام قبلته. وعند شريك بن عبد اللَّه ينظر في القيام إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى قدميه، وفي السجود إلى أنفه، وفي القعود إلى حجره، وهو وجه لبعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يسن أن يأتي بدعاء الاستفتاح عقب الإحرام، وهو قوله: "وجهت وجهي للذى فطر السماوات والأرض .. إلى آخره"، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الباقر والصادق والمؤيد وزيد بن علي. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة كالنَّاصِر والقاسم ويَحْيَى وأبي طالب وأبي عبد الله الداعي يفتتح قبل التكبير. وعند مالك لا يسن ذلك، بل يكبر ويفتتح القراءة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وإِسْحَاق والثَّوْرِيّ وعمر وابن مسعود ومُحَمَّد بن الحسن السنة أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وعند أَبِي يُوسُفَ وجماعة من الشَّافِعِيَّة يسن أن يجمع بين هذا الدعاء وبين ما قبله. وعند أَحْمَد بن عيسى والقاسم من الزَّيْدِيَّة أنه يخير بينهما. وعند جماعة منهم أبو ثور يقول بعد التكبير: الله أكبر كبيرًا والحمد للَّهِ كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً. وعند الْإِمَامِيَّة يستحب استفتاح الصلاة بسبع تكبيرات يفصل بينهن بتسبيح وذكر للَّهِ تعالى فهو مسطور، وهو من السنن الذكور عندهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يسن أن يتعوذ قبل القراءة وبعد دعاء الاستفتاح. وعند النَّخَعِيّ وابن سِيرِينَ وأبي هريرة يتعوذ بعد القراءة وعند مالك لا يتعوذ إلا في قيام رمضان بعد القراءة. واختلفت الزَّيْدِيَّة فقال النَّاصِر: التعوذ بعد الافتتاح كقول الشَّافِعِيّ، وقال يَحْيَى: قبل الافتتاح. وحاصل مذهبهم: أنه يقرأ وجهت وجهي ثم يتعوذ ثم ينوي ويكبر. وعند يَحْيَى منهم يؤذن ويقيم، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم، ثم يقرأ وجهت وجهي ثم ينوي ويكبر. وعند القاسم منهم يقرأ وجهت وجهي، ثم ينوي ويكبر، ثم يتعوذ، ثم يقرأ فاتحة الكتاب. وعند المؤيد كقول الشَّافِعِيّ، وهو أن يؤذن ويقيم، ثم ينوي ويكبر، ثم يقرأ وجهت وجهي، ثم يتعوذ، ثم يقرأ فاتحة الكتاب.

(1/136)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن صفة التعوذ أن يقول: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم. وعند الثَّوْرِيّ يقول: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. وعند الحسن بن صالح وابن سِيرِينَ يقول: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم. وعند أحمد يقول: أعوذ باللَّهِ السميع العليم من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم.
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أنه يتعوذ في كل ركعة، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وابن سِيرِينَ، وهو في الأولى آكد. والثاني لا يتعوذ إلا في الأولى، وقطع به الشيخ أبو إِسْحَاق في التنبيه، وبه قال أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك قراءة فاتحة الكتاب فرض فى الصلاة، وبه قال عمر وابن عَبَّاسٍ وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وعثمان بن أبي العاص وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وخوّاتُ بن جبير وغيرهم. وعند الحسن بن صالح والأصم القراءة في الصلاة سنة ولا تجب. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه القراءة واجبة في الصلاة، إلا أنها لا تتعين. واختلفوا في ما يجزئه منها، فالمشهور من مذهبه أن الواجب آية طويلة أو قصيرة ورُوِيَ عنه ما يقع عليه اسم القراءة. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إن قرأ آية طويلة كآية الكرسي، أو آية الدين أجزأه، وإن كانت قصيرة لم يجزئه إلا ثلاث آيات وعند أبي العالية الرياحي أنه تجزئه آية قصيرة كـ (مُدْهَامَّتَانِ).
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وعَطَاء والزُّهْرِيّ وإِسْحَاق وعبد الله بن الْمُبَارَك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أنه يجب أن يبتدئ القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية من الفاتحة، ومن وسط النمل، وليست آية من أول براءة، وهل هي آية من أول كل سورة غير ما ذكرناه؟ فيه خلاف في مذهب الشَّافِعِيّ، والصحيح أنها آية في كل سورة. وعلى هذا هل هي آية مستقلة بنفسها أو بانضمام شيء إليها من تلك السورة؟ فيه وجهان. إذا قلنا إنها آية مستقلة. وأما بانضمام شيء إليها فهل ذلك على سبيل القطع

(1/137)


أو على سبيل الحكم؟ وجهان. فإن قلنا على سبيل القطع كفَّرنا رادها، وإن قلنا على سبيل الحكم فسَّقناه لا غير. هذا تحقيق مذهب الشَّافِعِيّ. وكان ابن الْمُبَارَك وَأَحْمَد بن حنبل والفراء وابن عباس يقولون: من ترك بسم اللَّه الرحمن الرحيم فقد ترك مائة آية وثلاث عشرة آية من القرآن. وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ وداود وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أنها ليست من القرآن، إلا في سورة النمل فإنها بعض آية منها، وفي سائر السور إنما ذكرت تبركًا بها، ولا تقرأ في الصلاة إلا في قيام رمضان فإنها تقرأ في ابتداء السورة بعد الفاتحة، ولا تقرأ في ابتداء الفاتحة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه أنها ليست بآية من الفاتحة، وليست شرطًا في صحة الصلاة؛ لأن القراءة لا تتعين عندهم، إلا أنه يستحب له قراءتها في نفسه سرًّا. واختلف أصحابه في مذهبه، فقال بعضهم: مذهبه كمذهب مالك وأنها ليست من القرآن إلا في النمل بعض آية، وهو الظاهر من مذهبه وقال بعضهم: مذهبه أنها آية تامة في كل موضع ذكرت فيه، إلا أنها ليست من السورة، ويختارون هذا ويناظرون عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عَبَّاسٍ وإحدى الروايتين عن عمر وابن الزبير، وبه قال عَطَاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير أنه يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في أول الفاتحة، وفي أول السورة فيما يجهر به من القراءة في الصلاة ويسر بها فيما يسر بالقراءة في الصلاة، وإلى هذا كان يميل إِسْحَاق ابن راهويه. وعند الشَّافِعِيّ والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وعلي وابن مسعود وعمار وأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وابن الْمُبَارَك وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وبه قال أَحْمَد إلا أنه يقول هي من القرآن ولكن يسر بها. وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ لا يقرأها في الصلاة، لأنها ليست من القرآن عندهما، إلا في النمل فإنها بعض آية منها.

(1/138)


وعند ابن أبي ليلى والحكم وإِسْحَاق إن جهر بها فحسن، وإن أسر بها فحسن. وعند النَّخَعِيّ الجهر بها بدعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعَطَاء وَأَحْمَد وابن أبي أوفى وداود أن التأمين عقب الفاتحة يسن لكل قارئ للفاتحة، سواء كان في الصلاة أو في غيرها، وسواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، وبه قال غير واحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وَأَحْمَد بن عيسى من الزَّيْدِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه يؤمن الإمام والمأموم. وعند مالك في رِوَايَة لا يؤمن الإمام، ويؤمن المأموم، وهي الأظهر عندهم. وعند الْإِمَامِيَّة يكره التأمين. وعند النَّاصِر وسائر الزَّيْدِيَّة تبطل الصلاة بالتأمين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا كانت الصلاة يجهر فيها جهر المنفرد والإمام بالتأمين قطعًا، وكذا المأموم على الصحيح. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه

(1/139)


يخفيه الإمام والمأموم. وعند مالك المأموم يقولها في نفسه، وفي رِوَايَة يخفيه الإمام. وعند عَطَاء وداود يجهر به الإمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وعلي وجابر وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ تجب قراءة الفاتحة في كل ركعة. وعند مالك تجب القراءة على الإمام والمنفرد في معظم الصلاة. فإن كانت رباعية قرأ في ثلاث منها، وإن كانت ثلاثية قرأ في ركعتين، وإن كانت ركعتين قرأ فيهما. وروى عنه أيضًا كقول الشَّافِعِيّ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ َوَأَحْمَد في رِوَايَة القراءة إنما تجب في الركعتين الأولتين، فأمَّا الأخرتان فهو فيهما بالخيار إن شاء قرأ، وإن شاء سبَّح أو سكت، فإن لم يقرأ في الأولتين قرأ في الأخرتين، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وزيد بن علي. وعند علي أنه يقرأ في الأولتين ويسبح في الأخرتين، وبه قال النَّخَعِيّ. وعند الْإِمَامِيَّة تجب القراءة في الركعتين الأولتين، ويتخير في الركعتين الأخرتين بين القراءة والتسبيح. واختلفت الزَّيْدِيَّة في الركعتين الأخيرتين من الرباعية، والثالثة من الثلاثية: فقال النَّاصِر والمؤيد: يستحب قراءة الفاتحة فى ذلك، وهو أولى من التسبيح. قال الباقر أيضًا إنما إن سبح في ذلك. وعند أحمد والحسن البصري وبعض أهل الظاهر تجب القراءة في الصلاة في ركعة واحدة، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وإحمد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وأكثر الصحابة والتابعين

(1/140)


تجب القراءة على المأموم خلف الإمام في الصلاة السرية. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تجب عليه القراءة خلف الإمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية على الجديد الصحيح، وبه قال الْأَوْزَاعِيّ وابن عون وأبو ثور والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة وابن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وإِسْحَاق ومالك، هكذا نقله الترمذي في جامعه، وبهذا قال جماعة من الصحابة والتابعين. وفي القديم: لا تجب عليه القراءة، وهو قول مالك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وسفيان بن عيينة وابن مسعود وابن عمر وأنس وسائر الزَّيْدِيَّة أنه لا يجب على المأموم القراءة، سواء كانت سرية أو جهرية، وبه قال أحمد أيضًا. فإن قلنا: إن القراءة لا تجب على المأموم استحب له أن يقرأ فيما لا يجهر فيه الإمام خاصة، وبه قال مالك. وقال أبو حَنِيفَةَ لا يستحب له القراءة أصلاً، فإن قرأ، قال أبو عبد الله الداعي من الزَّيْدِيَّة: بطلت صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وعامة الفقهاء لا يقوم تفسير القراءة ولا

(1/141)


العبارة عنها بالفارسية مقامها، ولا تجزه في الصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ المصلي بالخيار إن شاء قرأ القرآن، وإن شاء قرأ معنى القرآن وتفسيره بالعربية أو الفارسية وغير ذلك، سواء كان يحسن القراءة أم لا يحسنها. واختلف أصحابه إذا قرأ المصلي معنى القرآن وتفسيره هل يكون قد قرأ القرآن؟ فمنهم من قال: إذا قرأ معنى القرآن فقد قرأ القرآن، وعلى هذا يناظرون. ومنهم من قال: لا يكون قرأ القرآن، وإنما يكون في الحكم يقوم مقامه. وعند مُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ إن كان المصلي يحسن القرآن لم يجز أن يقرأ معنى القرآن، وإن كان لا يحسنه جاز أن يقرأ معناه، ومعبر عن القرآن بعبارة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا كان لا يحسن شيئًا من الفاتحة ولا من غيرها فإنه يأتي مكانها بالذكر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يلزمه ويقوم ساكتًا. وعند مالك لا يلزمه الذكر ولا القيام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يسن بعد الفاتحة قراءة سورة. وعند عمر ابن الخطاب تجب القراءة بعد الفاتحة وأقله ثلاث آيات. وعند سائر الزَّيْدِيَّة تجب سورة من المفصل، أو ثلاث آيات، وتجزئ آية طويلة كآية الدَّين. وعند عثمان بن أبي العاص تجب القراءة بعد الفاتحة، وأقله ما يقع عليه الاسم. وعند الْإِمَامِيَّة تجب قراءة السورة

(1/142)


بعد الفاتحة. وعندهم أيضًا إذا ابتدأ بسورة الإخلاص، أو بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) كره له الرجوع إلى غيرهما، وإن كان له أن يرجع عن كل سورة إلى غيرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وسائر العلماء المستحب في صلاة الصبح أن يقرأ بطوال المفصل، وهو السبع الأخير من القرآن، مثل الحجرات وقاف والواقعة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقرأ في الأولى من ثلاثين آية إلى ستين آية، وفي الثانية من عشرين إلى ثلاثين آية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة أنه يقرأ في الظهر مثل ما يقرأ في الصبح. وعند الشَّافِعِيّ يقرأ في العصر والعشاء بأوساط المفصل كسورة "الجمعة" والمنافقون، وما أشبه ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقرأ في العصر في الأولتين في كل ركعة بعد الفاتحة عشرين آية وكذا في العشاء. وعند أَحْمَد يقرأ خمسة عشر آية، وذلك نحو قول الشَّافِعِيّ. وعند الْإِمَامِيَّة يستحب أن يقرأ ليلة الجمعة بسورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى في المغرب وفي العشاء الآخرة، وفي صلاة الغداة بالجمعة وسورة وفي الظهر والعصر إذا صلاهما من غير قصر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء تكره القراءة المنكوسة في الصلاة، كما إذا قرأ فى المغرب في الركعة الأولى بعد الفاتحة بالإخلاص ثم يقرأ بعد الفاتحة في الثانية بـ قل يا

(1/143)


أيها الكافرون. وعند علي والزَّيْدِيَّة أن هذه القراءة على هذا الوضع لا تكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في استحباب قراءة السورة بعد فيما زاد على الركعتين قَوْلَانِ: القديم: وهو الصحيح لا يستحب، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد. والجديد: يستحب ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يسوِّي بين الركعات في القراءة ولا يفضل أولى على ثانية، ويستحب في الآخر من الحذف والإيجاز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ يستحب أن يطيل الأولى على الثانية في الفجر خاصة. وعند الثَّوْرِيّ ومُحَمَّد يستحب فى جميع الصلوات تطويل كل ركعة على التي بعدها، وهو قول الماسرجسي من الشَّافِعِيَّة. وعند أَحْمَد يطيل في الأولتين من الظهر والعصر، ويطيل الأولى من الفجر على الثانية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز في الصلاة قراءة الآية أو السورة التي فيها سجدة من السجدات. وعند مالك يكره. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقرأ ذلك فيما يجهر به من الصلوات دون ما لا يجهر فيه. وعند الْإِمَامِيَّة يمنع في صلاة الفريضة من القراءة بعزائم السجود، وهي سجدة لقمان، وسجدة الحواميم، وسورة النجم، وسورة العلق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب للمنفرد أن يجهر بالقراءة في الصبح، والأولتين من المغرب، والأولتين من العشاء، ويسر فيما سوى ذلك من الصلوات الخمس، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو عبد الله الداعي والمؤيد. وادعى صاحب البيان الإجماع في ذلك، وليس كما ادعى، بل عند أَبِي حَنِيفَةَ أنه لا يسن له الجهر في ذلك. وعند ابن أبي ليلى، ومن الزَّيْدِيَّة يَحْيَى يجب الجهر والمخافتة في ركعة واحدة، إمامًا كان أو

(1/144)


منفردًا إذا كان ذلك أو قضاء. وقال الداعي منهم: لو ترك الجهر في موضع الجهر والمخافتة في موضعها بطلت صلاته عند يَحْيَى.
مسألة: الصحيح من الوجهين في مذهب الشَّافِعِيّ أن فائتة الليل والمقضية بالنهار أنه يسر بها. والثاني: أنه يجهر، وبه قال أبو حَنِيفَةَ في الإمام وأبو ثور.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن فائتة الليل المقضية بالليل يجهر فيها. وعند الْأَوْزَاعِيّ إن شاء جهر، وإن شاء أسر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عَبَّاسٍ وابن مسعود وجابر بن عبد الله ومن بعدهم من التابعين وعامة الفقهاء والعلماء يستحب التكبير في كل خفض ورفع إلا عند الرفع من الركوع فإنه يقول سمع اللَّه لمن حمده. وعند سعيد ابن جبير وعمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم لا يكبر إلا عند الافتتاح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق والْأَوْزَاعِيّ وابن الْمُبَارَك وبعض العلماء من الصحابة ومنهم ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأنس وابن عَبَّاسٍ وابن الزبير، ومن التابعين الحسن البصري وعَطَاء وطاوس ومجاهد ونافع وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير وغيرهم يستحب أن يرفع يديه حذو منكبيه في هذا التكبير. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد والثَّوْرِيّ لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح. وعند

(1/145)


مالك في ذلك رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وداود تجب الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو أن يلبث بعد أن بلغ حد الإجزاء لبثًا ما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا تجب الطمأنينة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وعلي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر أكمل الركوع أن يقبض على ركبتيه بيديه، ويفرق أصابعه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، ويمد ظهره وعنقه، ولا يقنع رأسه، ولا يخفضه، ولا يطبق يديه بين ركبتيه. وعند ابن مسعود والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن الأسود وشريك وأبي عبيدة يطبق بين يديه ويجعلهما بين ركبتيه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثًا. وعند الحسن البصري يقول خمسًا أو سبعًا. وعند الثَّوْرِيّ يقول الإمام ذلك خَمسًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجب التسبيح في الركوع والسجود، وهو قول كافة أهل العلم. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق والْإِمَامِيَّة التسبيح واجب مرة واحدة، وكذلك التكبيرات، وكذلك سمع الله لمن حمده ورب اغفر لي ما بين السجدتين، فإن تركه ناسيًا لم تبطل صلاته، إلا أن يكون عامدًا، وبه قال داود، إلا أنه قال: إذا تركه لم تبطل صلاته وإن كان عامدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الأولى أن يقول سبحان ربي العظيم وبحمده، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى والقاسم والصادق. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يقول وبحمده، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد باللَّه وزيد بن علي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجب إذا رفع رأسه من الركوع أن يعتدل. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجب، بل لو انحط من الركوع إلى السجود أجزأه. واختلف أصحاب مالك في مذهبه فمنهم من قال: هو واجب عنده كقول الشَّافِعِيّ. ومنهم من قال: مذهبه أنه ليس بواجب عنده كقول أَبِي حَنِيفَةَ.

(1/146)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعَطَاء ومُحَمَّد بن سِيرِينَ وإِسْحَاق بن راهويه يستحب للإمام والمأموم عند الرفع من الركوع أن يقول سمع اللَّه لمن حمده، وعند الاستواء ربنا لك الحمد ملء السموات إلى آخر الدعاء المشهور. وعند أَبِي حَنِيفَةَ الإمام يقول: سمع الله لمن حمده لا يزيد عليه، والمأموم يقول ربنا لك الحمد، ولا يقول سمع اللَّه لمن حمده، واختاره ابن المنذر. واختلف الزَّيْدِيَّة فقال النَّاصِر وزيد بن علي يجمع بين قوله سمع الله لمن حمده وقوله ربنا لك الحمد إمامًا كان أو منفردًا، إن كان مؤتمًا اقتصر على قوله ربنا لك الحمد. وعند سائر الزَّيْدِيَّة يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده، إلا المؤتم فإنه لا يقول ذلك، ولكن يقتصر على قوله ربنا لك الحمد. واختلف النقل عن الثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وأَبِي يُوسُفَ ومحمد، فنقل صاحب الشامل والدر الشفاف عنهم أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، والمأموم يقول ربنا لك الحمد لا يزيد عليه. ونقل عنهم صاحب البيان فقال: إن الإمام يأتي بهما، والمأموم يقتصر على قوله سمع اللَّه لمن حمده. ونقل عنهم الشاشي فقال: الإمام لا يزيد على قوله سمع اللَّه لمن حمده، ولا يزيد على قوله ربنا لك الحمد. ونقل عنهم صاحب المعتمد أن الإمام يأتي بهما، والمأموم يقتصر على قوله ربنا لك الحمد. واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه صاحب الشامل والمعتمد موافقة أَبِي حَنِيفَةَ، ونقل عنه صاحب البيان موافقة الْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وموافقوهما. ونقل الشاشي عن أَحْمَد وَمَالِك موافقة أَبِي حَنِيفَةَ فيما نقلناه عنه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يمد التكبير من ابتداء انحنائه إلى السجود حتى تكون آخر تكبيره مع أول السجود على الأصح. والقول الثاني: أنه لا يمد، وبه قال أبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر بن الخطاب وابن عمر والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه َوَأَحْمَد وإِسْحَاق والنَّخَعِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ المستحب أن يكون أول ما وقع منه على الأرض فى السجود ركبتاه، ثم يداه، ثم جبهته وأنفه. وعند الْأَوْزَاعِيّ يستحب أن يضع يديه ثم ركبتيه. وعند مالك وأصحابه إن شاء وضع اليدين أولا، وإن شاء وضع الركبتين أولاً، ووضع اليدين أحسن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ يستحب أن يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى، وبه قال من الزَّيْدِيَّة زيد بن علي والمؤيد. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة وهم النَّاصِر ويَحْيَى

(1/147)


والقاسم والصادق يقول سبحان ربي الأعلى وبحمده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك والثَّوْرِيّ والحسن وابن سِيرِينَ وعَطَاء وطاوس وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إن اقتصر في السجود على الجبهة دون الأنف أجزأه. وعند الْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق وَأَحْمَد في رِوَايَة وسعيد بن جبير وعكرمة والنَّخَعِيّ والثَّوْرِيّ وابن أبي ليلى يجب السجود عليهما، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا سبقه بهذا القول ولا قال به أحد بعده، لهذا قال أَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز الاقتصار على الأنف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا يكره السجود على المنسوج واللبود، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والسيد والمؤيد. وعند يَحْيَى منهم يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وابن عمر وعبادة بن الصامت وَأَحْمَد في رِوَايَة لا يجزئه السجود على حائل متصل به مثل كور عمامته، أو طرف منديله أو ذيله أو كفّه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق والحسن ومَكْحُول وعبد الرحمن بن يزيد وشريح وعمر وعَطَاء وطاوس وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجزئه السجود على ذلك. واختلف النقل عن مالك َوَأَحْمَد، فنُقِلَ في البيان عنهما كقول الشَّافِعِيّ، ونقل صاحب الشامل والمعتمد والشاشي عنهما كقول أَبِي حَنِيفَةَ. وعند الزَّيْدِيَّة لا يجوز السجود على كور العمامة، فإن خشي من الحرِّ والبرد وثنى طرف العمامة، أو أرسل طرفها على الجبهة عند السجود فله ذلك، وأما إذا ثنى طرفيها واسترسل على الجبهة من غير عذر فسدت صلاته عند النَّاصِر، وعند المؤيد لا تفسد ولو كان لغير عذر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في وجوب السجود على اليدين والركبتين والقدمين قَوْلَانِ: أحدهما لا يجب، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة وأكثر الفقهاء. والثاني يجب، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة وإِسْحَاق ومَسْرُوق وسليمان بن داود.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في وجوب كشف الكفين في السجود قَوْلَانِ: أحدهما لا يجب، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. والثاني يجب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تجب الطمأنينة في السجود، وهو أن يلبث لبثًا مَا. وعند أبي حَنِيفَةَ لا تجب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والْإِمَامِيَّة يرفع رأسه من السجود مكبرًا حتى يعتدل

(1/148)


جالسًا، ويجب عليه الطمأنينة في هذا الاعتدال. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا تجب عليه الطمأنينة فيه، فمتى رفع رأسه رفعًا ما أجزأه، حتى حكى عن أَبِي حَنِيفَةَ أنه قال لو رفع جبهته بقدر ما يدخل بين جبهته والأرض سمك سيف أجزأه. ومالك يعتبر ما كان أقربه إلى الجلوس، وكذلك يقول في الاعتدال في الركوع ما كان أقربه إلى القيام.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هل الأفضل كثرة الركوع والسجود أم القيام أفضل منهما؟ فيه خلاف. وعند إِسْحَاق هما بالنهار أفضل من القيام، وبالليل هو أفضل منهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكره الإقعاء في الجلوس، وبه قال على وابن عمر وأبو هريرة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وعند العبادلة عبد الله بن عمر وعبد الله بن العبَّاس وعبد الله بن الزبير أنه من السنة، وبه قال نافع وطاوس ومجاهد وعَطَاء وسالم. وقال أحمد: أهل مكة يفعلونه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وَأَحْمَد وإِسْحَاق يسن أن يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وأجبُرني وارفعنى واهدني وارزقني واهدني للسبيل الأقوم وعافني، هكذا ورد به الحديث. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ليس فيه ذكر مسنون.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تسن جلسة الاستراحة على أصح القولين، وبه قال بعض

(1/149)


العلماء. والثاني لا تسن، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق. وعند الزَّيْدِيَّة هو بالخيار إن شاء جلس للاستراحة، وإن شاء لم يجلس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وعمر بن عبد العزيز وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق يستحب إذا أراد القيام إلى الركعة الثانية إما من السجدة الثانية وإما من جلسة الاستراحة أن يقوم معتمدًا على الأرض بيديه. وعند الثَّوْرِيّ والنَّخَعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وعلي وابن مسعود رضي الله عنهما وَأَحْمَد أنه لا يعتمد على الأرض بيديه، وإنَّما يعتمد على صدور قدميه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وعامة أهل العلم أن التشهد الأول

(1/150)


والجلوس فيه سنتان. وعند اللَّيْث وَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود وأَبِي ثَورٍ والْإِمَامِيَّة هما واجبان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الجلسات في الصلاة أربع، وهن: الجلسة بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير. والسنة عنده في الثلاث الأول أن يجلس مفترشًا، وهو أن يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها ويفضي ببطون أصابعه إلى الأرض. وفي الجلسة الأخيرة يتورك، وهو أن يخرج رجله اليسرى من تحت وركه ويفضي بمقعدته إلى الأرض وينصب قدمه اليمنى، وهو قول أحمد وإِسْحَاق ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند مالك السنة أن يتورك في جميعها. وعند الثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وسائر الزَّيْدِيَّة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ السنة أن يفترش في جميعها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي ثَورٍ الأفضل أن يتشهد بالمروي عن ابن عَبَّاسٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو: التحيات الْمُبَارَكات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وإِسْحَاق وَأَحْمَد وابن الْمُبَارَك وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة والتابعين الأفضل أن يتشهد بالمروي عن ابن

(1/151)


مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وعند مالك الأفضل أن يتشهد بالمروي عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات للَّه الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله. وعند الزَّيْدِيَّة المختار أن يتشهد بالمروي عن على - رضي الله عنه - وهو بسم الله وخير الأسماء كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإلى رسوله التحيات للَّهِ والصلوات والطيبات الطاهرات الزاكيات الغاديات الرائحات الناميات الحسيبات الْمُبَارَكات للَّه ما طاب وزكى وطهر وما خبث فلغيره اللهم صل على مُحَمَّد وعلى آل مُحَمَّد إلى آخره. واختلف النقل عن الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد، فنقل عنهما الشاشي كقول الشَّافِعِيّ، ونقل عنهما صاحب المعتمد والبيان كقول أَبِي حَنِيفَةَ. ولا خلاف بين العلماء أن له أن يتشهد بما أحب من هذه التشهدات، وإنما الخلاف في الأفضل لا غير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر أصحابه أن التسمية قبل التشهد ليست بمستحبة. وعند عمر وابن عمر وأبي داود السجستاني ويَحْيَى بن سعيد وهشام وعلى أنها تستحب، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.

(1/152)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في استحباب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول قَوْلَانِ: أحدهما لا يستحب، وبه قال الثَّوْرِيّ وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وعَطَاء والنَّخَعِيّ والشعبي وإِسْحَاق. والثاني يسن، وبه قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يدعو في التشهد الأول بل يقتصر على التشهد لا غير. وعند مالك وابن عمر يدعو بما شاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قام إلى الثالثة ابتدأ بالتكبير من ابتداء القيام ويمده إلى حال استواءه. وعند مالك أنه لا يكبر حتى يستوى قائمًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكره تقديم إحدى رجليه عند النهوض في الصلاة. وعند مالك لا بأس به. وعند مجاهد وإِسْحَاق أنه يرخص في ذلك للشيخ الكبير.

(1/153)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والحسن البصري والشعبي وعمر وابن عمر وأبي مسعود البدري أن التشهد الأخير والجلوس فيه والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجب، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ وسعيد بن المسيب والنَّخَعِيّ والزُّهْرِيّ والثَّوْرِيّ وعلي بن أبي طالب لا يجب شيء من ذلك، بل إذا فرغ من الركعة الأخيرة فقد تمت صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة أن التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجبان، وبه قال أكثرهم في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما الجلوس فيجب منه بقدر قراءة التشهد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّخَعِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز أن يدعو في آخر التشهد الأخير قبيل السلام بما شاء من أمر الدِّين والدنيا، وبما يجوز أن يدعو به خارج الصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يدعو إلا بالأدعية المأثورة أو ما شابه ألفاظ القرآن. ومن أصحابه من قال: ما لا يطلب إلا من الله يجوز أن يدعو به في الصلاة وما يجوز أن يطلب من المخلوقين إذا سأله من الله في الصلاة أفسدها وبه قال الحسن البصري، وروى عنه أنه أباح الدعاء في التطوع وكرهه في المكتوبة. وعند عَطَاء والنَّخَعِيّ يكره أن يدعو له باسمه في صلاته. وعند مالك والْإِمَامِيَّة يجوز الدعاء في الصلاة المكتوبة أين شاء المصلي فيها. وعن مالك أنه قال: لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في أولها ووسطها وآخرها، وحكى ابن القاسم عنه أنه يكره الدعاء في الركوع، ولا يرى به بأسًا في السجود.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأكثر أهل العلم أن السلام واجب في الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه

(1/154)


والنَّخَعِيّ والنَّاصِر والمؤيد باللَّه من الزَّيْدِيَّة السلام ليس واجب، وإنما على المصلي إذا وقف قدر التشهد أن يخرج من الصلاة بما ينافيها من قيام أو كلام أو حدث أو سلام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وسائر الزَّيْدِيَّة وأكثر أهل العلم أن السلام من الصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة ليس هو من الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أنه إذا قال في السلام سلام عليكم لم يجزئه على الصحيح، وهو قول مالك. والثاني يجزئه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المصلي إذا كان في مسجد صغير ولا لغط هناك، أو كان منفردًا فقَوْلَانِ: الجديد الصحيح أنه يسن تسليمتان إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره، وبه قال أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأبو حَنِيفَةَ وأصحابه. والقول القديم: يسن تسليمة واحدة تلقاء وجهه، وبه قال ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة والحسن البصري وابن سِيرِينَ وعمر بن عبد العزيز وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ. وعند الْإِمَامِيَّة يسلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة وينحرف بوجهه قليلًا إلى يمينه، وإن كان مأمومًا يسلم تسليمتين واحدة عن يمينه والأخرى عن شماله، إلا أن تكون جهه شماله خالية من أحد فيقتصر على التسليم عن يمينه، ولا يترك السلام على جهة يمينه على كل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأكثر أهل العلم الواجب تسليمة واحدة. وعند الحسن بن صالح وَأَحْمَد في أصح الروايتين عنه الواجب تسليمتان. وعند مالك

(1/155)


الاختيار للإمام، وللمنفرد الاقتصار على واحدة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ التسليمة الثانية سنة، وهو رِوَايَة عن أحمد والرِوَايَة الثانية عنه أنها واجبة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وابن أبي ليلى والحسن بن صالح والخلفاء الأربعة وأنس وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن السنة القنوت في صلاة الصبح في جميع الدهر. وعند الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وابن عَبَّاسٍ وابن عمر وابن مسعود وأبي الدرداء أنه لا يسن ذلك. وعند أَبِي يُوسُفَ إذا قنت الإمام فاقنت معه. وعند أَحْمَد أيضًا القنوت للأئمة يدعون للجيوش، فإن ذهب ذاهب إليه فلا بأس. وعند إِسْحَاق هو سنة عند

(1/156)


الحوادث لا تدعه الأئمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ محل القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع في الثانية، وبعدما يقول سمع الله لمن حمده إلى آخره. وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ وابن أبي ليلى محله قبل الركوع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا صلى خلف من يقنت في الفجر تابعه في الدعاء، وهو التأمين. وأصحاب الشَّافِعِيّ يقولون: ما كان ثناء على الله فيباركه فيه، وما كان دعاء يُؤَمَّن عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يسكت ولا يتابعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْإِمَامِيَّة يسن القنوت في صلوات الفرض للنوازل. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يسن ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء من الزَّيْدِيَّة وغيرهم لا يقنت في المغرب. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة، وهم النَّاصِر والباقر والصادق يقنت فيها في الركعة الثالثة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء من الزَّيْدِيَّة وغيرهم لا يقنت في شيء من الصلوات التي يجهر فيها، ولا في صلاة الجمعة. وعند النَّاصِر عن الزَّيْدِيَّة يقنت في الصلوات التي يجهر فيها، وفي الجمعة، إلا في العتمة فإنه لا يقنت فيها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الدعاء في القنوت: اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره. وعند مالك: اللهم إنا نستعينك إلى آخره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد بن الحسن وأَبِي يُوسُفَ يرفع يديه في القنوت. وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند مالك وسائر الزَّيْدِيَّة وبعض الشَّافِعِيَّة لا يرفع يديه.

(1/157)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن المرأة كالرجل في أفعال الصلاة إلا في بعض الهيئات، وهو ما يكون في فعله ترك الستر، وقعودها كقعود الرجل. وعند الشعبي تجلس كما تيسر لها، وكان ابن عمر يأمر نساءه أن يجلسن متربعات في التشهد.
* * *

(1/158)


باب صلاة التطوع
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ السنن التابعة للفرائض غير الوتر ثماني ركعات: ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب. وعند بعض أصحابه الزيادة على ذلك ركعتان بعد العشاء. وعند بعض أصحابه أيضًا زيادة على هذه العشر ركعتان قبل الظهر. وعند بعض أصحابه ثماني عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وركعتان قبل الصبح، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وأربع قبل العصر. واختلفت الزَّيْدِيَّة في ذلك فعند النَّاصِر أربع وثلاثون ركعة: ثماني ركعات قبل الظهر، وثمان بعدها، وأربع بعد المغرب، وثماني ركعات في جوف الليل، وثلاث ركعات الوتر، وركعتي الفجر، وركعتان من قعود بعد صلاة العتمة بعد أن يوتر بواحدة. فهذه مع الفرائض إحدى وخمسون ركعة، واختار هذا الباقر والصادق. وعند زيد بن علي خمسون ركعة لا غير. وعند سائر الزَّيْدِيَّة المؤكد من ذلك ركعتان بعد

(1/159)


الظهر، وركعتان بعد المغرب، وثلاث للوتر، وركعتا الفجر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وبعض الصحابة يسن ركعتين قبل صلاة المغرب بين الأذان والإقامة. وعند بعض الصحابة لا يسن ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والثَّوْرِيّ واللَّيْث والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي يُوسُفَ ومحمد وأكثر أهل العلم أن الوتر سنة، وليس بواجب ولا فرض. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وحده أنه واجب، وليس بفرض؛ لأن الواجب عنده ما ثبت بدليل غير مقطوع به، والفرض ما ثبت بدليل مقطوع به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات. وعند مالك أقله ركعة، وليس لما بعدها من الشفع حد، وأقله ركعتان ويكره أن يوتر بثلاث ركعات بتسليمة، إلا أن يكون مع إمام فيوتر بوتره ولا يخالفه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وعمر وعلي وأبي بن كعب وأنس وابن مسعود وابن عَبَّاسٍ وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز الوتر ثلاث لا يسلم إلا في الأخيرة، ولا تجوز الزيادة عليها ولا النقصان، وعند أَحْمَد أقله ركعة، وأفضله ثلاث

(1/160)


ويفصل بينهما سلام، فإن أوتر بأكثر من ذلك من أربع أو ست أو تسع أو نحو ذلك لم يجلس إلا في الأخيرة، ثم يجلس ويسلم ويوتر بواحدة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وابن عمر الأفضل أن يفصل بين ركعة الوتر وما قبلها من الشفع. وعند الْأَوْزَاعِيّ إن فصل بينهما فحسن، وإن لم يفصل فحسن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يفصل بين الركعة والركعتين. وعند مالك في الإمام الذي يوتر بالناس في رمضان بثلاث لا يسلم أرى أن يصلي خلفه ولا يفارقه. وقال مالك: كنت مرة أصلى معهم فإذا كان الوتر انصرفت فلم أوتر معهم. وعندي أنه إن كان لا يتهجد فالأولى أن يصلي مع الإمام، وإن كان يتهجد فالأولى أن لا يصلي معه. وعند ابن المنذر يوتر معه بكل حال، وهذا أحب إلى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ السنة القراءة في الوتر في الأولى بعد الفاتحة بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الثانية بعد الفاتحة بـ (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة بعد الفاتحة بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين. وعند مالك ليس في الشفع قراءة معينة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يقرأ

(1/161)


المعوذتين بل يقتصر على سورة الإخلاص. وعند الزَّيْدِيَّة يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة بعد الفاتحة ثلاث مرات، إلا في الركعة الثالثة فإنه يقرأها خمسًا، فإن قرأها مرة فى كل ركعة أجزأه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وابن عمر وأبي بن كعب وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ السنة أن يقنت في الركعة الأخيرة من الوتر في النصف الأخير من رمضان لا غير. وروى أيضًا عن أحمد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك يقنت فى الوتر في جميع السنة، وهو قول الزبيري من الشَّافِعِيَّة، وبه قال الحسن والنَّخَعِيّ وإِسْحَاق وأبو ثور وابن مسعود. وروى عن الحسن أنه لا يقنت في جميع السنة كلها، وهو قول قتادة. وروى عن ابن عمر رِوَايَة أخرى أنه لا يقنت في الوتر ولا في الصبح. وعند طاوس القنوت في الوتر بدعة. وعند مالك في رِوَايَة لا يقنت في الوتر. وعند مالك في رِوَايَة لا يسن في رمضان.

(1/162)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك المستحب أن يقنت فيه بالمروي في الصبح، وهو اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والباقر والصادق والمؤيد. وعند يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة لا يقنت في شيء من الصلوات إلا بآية من القرآن. وعند أبي حَنِيفَةَ يقنت في الوتر بسورتين في القنوت.
مسألة: نص الشَّافِعِيّ على أن محل هذا القنوت بعد الركوع، وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأيوب السختياني وَأَحْمَد. والوجه الثاني محله قبل الركوع

(1/163)


وهو قول علي وابن مسعود وأبي موسى والبراء وأنس وابن عَبَّاسٍ وعبيدة السلماني وعمر بن عبد العزيز وحميد الطويل وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومالك وإِسْحَاق وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك إذا أوتر أول الليل ثم نام ثم قام للتهجد لا ينتقض وتره. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وعلي وابن عمر وكذا ابن عَبَّاسٍ في رِوَايَة أنه ينتقض الوتر فيصلي ركعة ويضيفها إلى الوتر ليصير شفعًا، ثم يتهجد، ثم يوتر بركعة بعد التهجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا اعتقد أنه صلى العشاء فأوتر، ثم ذكر أنه لم يكن صلى العشاء يعيد وتره. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ يعتد بما قد أوتره. وعنده أيضًا يجزئه إذا صلَّاه قبل العشاء عمدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد والثَّوْرِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وابن الْمُبَارَك أن التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات. وعند مالك وأهل المدينة وبعض العلماء هي ستة وثلاثون ركعة. ونقل الترمذي عن أَحْمَد أنه قال: نُقِلَ في هذا ألوان، ولم يقض

(1/164)


فيه بشيء. وعند الْإِمَامِيَّة يصلي في كل ليلة من رمضان عشرين ركعة: منها ثمان بعد صلاة المغرب، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء الأخيرة. وإذا كان في ليلة تسع عشرة صلى مائة ركعة، ويعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الذي تقدم. ويصلي في ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة، وفي ليلة اثنين وعشرين ثلاثين ركعة منها ثمان بعد المغرب، والباقي بعد العشاء، ويصلي في ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة، وفيما بقي من الشهر ثلاثين ركعة في كل ليلة على الترتيب الذي ذكرناه. ويصلي في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات، أربع منها صلاة علي - عليه السلام - يقرأ في كل ركعة الفاتحة مرة، وسورة الإخلاص خمسين مرة، وركعتين من صلاة فاطمة - عليها السلام - وصفتها أن تقرأ في أول كل ركعة (الحمد) مرة، و (إنا أنزلناه في ليلة القدر) مائة مرة، وفى الثانية (الحمد) مرة وسورة الإخلاص مائة مرة، ثم يصلي أربع ركعات صلاة التسبيح، وتعرف بصلاة جعفر الطيار. وصفتها معروفة، ويصلي في كل آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة من صلاة علي - عليه السلام - المتقدم صفتها. وفي ليلة آخر سبت من الشهر عشرين ركعة من صلاة فاطمة - عليها السلام - وقد مضى صفتها فيكمل له بذلك ألف ركعة.
مسألة: الصحيح المنصوص في مذهب الشَّافِعِيّ إن فعلها جماعة أفضل، واختاره ابن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وإِسْحَاق. والوجه الثاني فعلها في البيت أفضل، وهو قول مالك. والوجه الثالث إن لم يصبه كسل عن ذلك فالبيت أفضل، وإلا فالجماعة أفضل، وهو قول أَبِي يُوسُفَ. وعند الْإِمَامِيَّة يمنع من الاجتماع لهذه الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن آكد الراوتب ركعتا الفجر والوتر. وعند ابن عبد الحكم وأصبغ من أصحاب مالك أن ركعتي الفجر ليست بسنة، وإنَّما هي من الرغائب. وعند أشهب هما سنة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل الآكد ركعتا الفجر أو الوتر قَوْلَانِ: القديم ركعتا الفجر، وبه قال أحمد. والقول الجديد الصحيح أن الوتر آكد. واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه الشاشي موافقة القول الجديد. ونقل عنه صاحب البيان موافقة القديم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يكره الكلام بعد ركعتي الفجر وإن لم يكن ذكرًا. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وجماعة من العلماء يكره الكلام بعد ركعتي الفجر إذا لم يكن الكلام ذكرًا.

(1/165)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وبعض العلماء: الأربع التي قبل الظهر يفصل بينهم بالسلام. وعند الثَّوْرِيّ وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يصليها بتسليم واحد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ الأربع التي قبل العصر يفصل بينهن بالسلام. وعند إبراهيم النَّخَعِيّ لا يفصل بينهن بالتسليم، بل بالتشهد لا غير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جزأ الليل ثلاثًا، فالثلث الأوسط أفضل. وعند مالك الجزء الأخير أفضل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ الأفضل أن يسلم في الركعتين، سواء في ذلك صلاة الليل أو النهار، وهو قول أَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وسيأتي خلاف أَبِي حَنِيفَةَ في ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ تجوز صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وثلاثًا وأربعًا، وخمسًا، وستًا، وأكثر بسلام واحد، إلى أي عدد شاء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز أن يصلي نوافل النهار مثنى مثنى، وأربعًا أربعًا، فإن زاد على ذلك بطلت صلاته، والأربع أفضل. ونوافل الليل مثنى مثنى، وأربعًا، وستًا، وثمانيًا، ولا تجوز الزيادة على ذلك، والأربع أفضل. وعند مالك لا تجوز الزيادة على ركعتين ليلاً كان أو نهارًا. وعند أبي يوسف ومُحَمَّد صلاة الليل مثنى مثنى. وعند الثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وإِسْحَاق صلاة الليل ركعتين ركعتين، وبالنهار أربعًا. وثبت عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد يجوز أن يتطوع بواحدة لا غير. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وعمر وعلي وابن مسعود وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وابن عَبَّاسٍ وأبي ذر وجماعة من التابعين يكثر تعدادهم وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، واختاره ابن المنذر أنه يجوز التنفل وفعل الرواتب مع الفرائض في السفر. وعند ابن عمر وعلي بن الحسين وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب أنه لا يفعل ذلك في السفر، لا قبل الفريضة ولا بعدها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فاته شيء من السنن الراتبة هل يقضيها قَوْلَانِ: أحدهما لا يقضي، وبه قال مالك. والثاني يقضي، وبه قال أَحْمَد في إحدى الروايتين، واختاره الْمُزَنِي، وهو الصحيح. واختلف النقل عن أَبِي حَنِيفَةَ، فنقل عنه صاحب البيان أنها تقضى، ونقل عنه صاحب المعتمد إن فاتت مع الفرائض قضيت، وإن فاتت وحدها فلا.

(1/166)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وعمر وابن عمر وأبي هريرة إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة لم يصلِّ التحية ولا غيرها من السنن. وعند ابن مسعود ومَسْرُوق ومَكْحُول والحسن ومجاهد وحماد أنه يصلي ذلك. وعند مالك إن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركع خارجًا قبل أن يدخل، وإن خاف فوات الركعة فليدخل مع الإمام. وعند الْأَوْزَاعِيّ وسعيد بن عبد العزيز اركعهما في ناحية المسجد ما تيقنت أنك تدرك الركعة الأخيرة، وإن خشيت فواتها فادخل مع الناس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا خاف فوات الركعة الثانية من صلاة الصبح اشتغل بركعتي الفجر خارج المسجد، ولا يصلي في المسجد خشية أن يحمل ذلك على الوهن عن الجماعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي صلاة الصبح حتى طلعت الشمس صلى ركعتي السنة ثم صلى الصبح. وعند مالك يبدأ بالفرض. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن صلى الفرض ولم يكن صلى ركعتي السنة فذكرهما بعد ذلك فلا قضاء عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وقت ركعتي الفجر من طلوع الفجر الثاني، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة كالنَّاصِر والباقر والصادق وقتهما من طلوع الفجر الأول. وقبل طلوع الفجر الثاني.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك إذا فاتته سنة الصبح يصليهما بعد الصبح، ويمتد وقتها إلى الزوال، وبه قال ابن عمر والقاسم بن محمد، ومن أصحابه من قال: يمتد وقتها إلى طلوع الشمس. وعند مالك إن شاء قضاهما إلى نصف النهار، وإن شاء تركهما ولا يقضيهما بعد الزوال. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن أحب قضاهما عند ارتفاع الشمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن مسعود وأَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة وقت الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، فمن أخَّره إلى طلوع الفجر فقد فاته، فيأتي به قضاء. وعند الثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ وأيوب السختياني وحميد الطويل وابن عمر وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وحذيفة وعائشة وابن عَبَّاس أنه يوتر بعد طلوع الفجر. وعند مالك وَأَحْمَد وإِسْحَاق والحسن والنَّخَعِيّ والشعبي يوتر ما لم يصل الصبح. وعند طاوس وسعيد بن جبير يوتر وإن صلى الصبح. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة كالنَّاصِر والصادق والباقر أن وقته من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني، وبه قالت الْإِمَامِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي الوتر فذكره وهو في صلاة الصبح مضى في صلاته

(1/167)


وأتى به بعد فراغه من الصلاة. وعند الحسن البصري وَمَالِك ينصرف فيوتر ثم يصلي الصبح، وكذا يفعل إن كان خلف الإمام.
مسألة: إذا قلنا محل القنوت قبل الركوع ففي مذهب الشَّافِعِيّ أنه يكبر إذا فرغ من القراءة، ثم يقنت ويكبر للركوع بعده، وبه قال علي وابن مسعود والبراء بن عازب. وعند الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد لا يكبر قبل القنوت. وعند سعيد بن جبير أنه يقنت بعد الركوع فى الوتر ويكبر قبل القنوت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يستحب رفع اليدين في هذا القنوت، وهو قول عمر وابن عَبَّاسٍ وابن مسعود. وعند مالك بن أنس وأَبِي حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيّ ويزيد بن أبي مريم أنه لا يرفع اليد فيه. وعند الْأَوْزَاعِيّ أيضًا إن شئت فأشر بأصبعيك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي هذا القنوت سجد للسهو. وعند حماد بن أبي سُليمان وَمَالِك وإسماعيل بن علية لا يسجد. وعند أَحْمَد إن كان ممن تعود القنوت سجد للسهو.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ليس بعد الوتر صلاة. وعند أَحْمَد إن صلى ركعتين بعده فلا أضيق عليه. وعند الْأَوْزَاعِيّ إن شاء صلاهما، واختاره ابن المنذر. ومن الشَّافِعِيَّة صاحب المعتمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وبعض الصحابة يجوز الوتر على الراحلة. وعند بعض أهل الكوفة. وبعض العلماء لا يجوز ذلك على الراحلة، بل ينزل عنها ويوتر على الأرض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز التنفل بركعة واحدة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز.
* * *

(1/168)


باب سجود التلاوة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وابن عَبَّاسٍ وَأَحْمَد وكافة العلماء أن سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق هو واجب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من سمع القارئ من غير استماع لا يتأكد السجود في حقه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ السامع والمستمع سواء في ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك إذا قرأت المرأة السجدة لم يسجد الرجل، ولو قرأ الرجل سجدت المرأة. وعند النَّخَعِيّ يسجد الرجل لقراءة المرأة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان القارئ في الصلاة والمستمع خارجها لم يسجد المستمع معه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان القارئ خارج الصلاة والمستمع في الصلاة لم يسجد

(1/169)


المستمع لذلك بعد فراغه من الصلاة. وعند الحكم وحماد يسجد. وعند النَّخَعِيّ يسجد إلا أن يكون ساجدًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وابن سِيرِينَ يسجد إذا فرغ من الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استمع المتطهر لقراءة المحدث لم يسجد المستمع. وعند أبي حَنِيفَةَ يسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سجد للتلاوة في مجلس، ثم أعاد تلك السجدة في ذلك المجلس سجد على الأصح. والثاني لا يسجد، وبه قال أبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قرأ صبي أو كافر آية سجدة لم يسجد المستمع. وعند أبي حَنِيفَةَ يسجد، قلت: وفيما ذكره الشَّافِعِيّ في الصبي إشكال من حيث أنه يسن له التطوع بالصلاة وتصح إمامته، فكيف لا يسن له ولمن سمعه السجود، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قرأ آية السجدة في الصلاة فلم يسجد حتى خرج منها قضى السجود. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يقضيه. قلت: وفيما ذكره الشَّافِعِيّ إشكال من حيث أنه لابد من النظر إلى طول الزمان وقصره، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يكره للإمام قراءة آية السجدة في الصلاة. وعند مالك يكره. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يكره في السرية دون الجهرية، حتى قال أحمد: لو أسر

(1/170)


بها لم يسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في الجديد الصحيح أن سجدات التلاوة أربع عشرة سجدة، وبه قال أَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وهو رِوَايَة عن مالك. وفي القديم أنها إحدى عشرة سجدة، ولم تثبت سجدات المفصل، وبه قال مالك في الرِوَايَة الأخرى وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن. وعند علي وابن مسعود أربع سجدات من العزائم، سجدتان في الحج وآخر النجم وآخر العلق. وعند ابن عَبَّاسٍ السجدات عشر فأسقط، سجدة (ص) من الأحد عشرة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وابن الْمُبَارَك وإِسْحَاق وعمر وابن عمر في الحج

(1/171)


سجدتان. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وسعيد بن جبير والحسن والنَّخَعِيّ وجابر ابن زيد وَمَالِك ليس فيها إلا سجدة واحدة، وهي الأولى، وأسقطوا الثانية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن مواضع السجود من هذه السجدات معروفة لا خلاف فيها إلا سجدة (حم) فإن أبا حَنِيفَةَ وَأَحْمَد ومالكًا وابن عَبَّاسٍ وكذا الثَّوْرِيّ في إحدى الروايتين عنه وأهل المدينة وابن عمر والحسن فإنهم قالوا: إنها (ص) عند قوله (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37).
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن مسعود سجدة (ص) ليست من عزائم السجود، وإنَّما هي سجدة شكر. وعند الثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وكذا أَحْمَد هي من عزائم السجود في رِوَايَة. وعند إِسْحَاق سجدات التلاوة خمس عشرة، وعدَّ سجدة (ص) منها عند

(1/172)


قوله: (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)، واختاره ابن سريج وأبو إِسْحَاق المروزي الشَّافِعِيّين وأكثر العلماء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هي من عزائم السجود، وعزائم السجود عنده أربع عشرة سجدة فأسقط الثانية من الحج، وجعل هذه من عزائم السجود. وعند أَبِي ثَورٍ سجدات التلاوة أربع عشرة سجدة فعد سجدة (ص) ولم يعد سجدة النجم. وعند مالك أنها إحدى عشرة كما ذكرنا عنه، إلا أنه أسقط الثانية من الحج وجعل عوضها سجدة (ص).
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والحسن البصري يكره اختصار السجود. وعند مالك وجماعة لا يكره. مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكبر لسجود التلاوة تكبيرتين، تكبيرة افتتاح وتكبيرة سجود. وعند طائفة من العلماء إنما يكبر للرفع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يعتد بالإيماء عن السجود. وعند أَحْمَد والحسن البصري إذا سمع السجدة أومأ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل في الشروط. وعند عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب أن الحائض تومئ برأسها إلى السجود وتقول: اللهم لك سجدت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء إذا كان المستمع على غير طهارة لم يسجد. وعند

(1/173)


الشعبي يسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء إذا قرأ آية سجدة أو سمع آية سجدة وهو محدث توضأ وسجد. وعند النَّخَعِيّ يتيمم ويسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يقوم الركوع مقام السجود في سجود التلاوة. وعند أبي حَنِيفَةَ هو بالخيار إن شاء ركع وإن شاء سجد استحسانًا لقوله تعالى: (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24).
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي ثَورٍ وأبي بكر وعلي وكعب بن مالك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا تجددت عنده نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة استحب له أن يسجد شكرًا لله تعالى. وعند مالك والنَّخَعِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ سجود الشكر مكروه، وهو إحدى الروايتين عن أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ. وروى عنه أنه قال: لا أعرف سجود الشكر. وعند مُحَمَّد لا يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة يستحب للمصلي إذا مرت به آية رحمة أن يسألها، وإذا مرت به آية عذاب أن يتعوذ منه، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا.

(1/174)


وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في الرِوَايَة الأخرى يستحب ذلك في النفل دون الفرض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قرأ الماشي آية سجدة سجد على الأرض. وعند الأسود بن يزيد وعلقمة وأبي عبد الرحمن وعَطَاء ومجاهد لا يسجد.
* * *

(1/175)


باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سبقه الحدث وهو في الصلاة فقَوْلَانِ: الجديد الصحيح تبطل صلاته، وبه قال ابن سِيرِينَ والمسور بن مخرمة وَأَحْمَد في رِوَايَة. والقديم لا تبطل فيتوضأ ويبني على صلاته، وبه قال عمر وعلي وابن عمر وأبو حَنِيفَةَ وابن أبي ليلى والْأَوْزَاعِيّ وداود وَأَحْمَد في رِوَايَة، إلا أن أبا حَنِيفَةَ قال: إذا غلبه المني أو شجه آدمي فخرج منه الدم بطلت صلاته. واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه الشاشي وصاحب الدر الشفاف. وغيره موافقه القول الجديد، ونقل عنه صاحب البيان موافقة القول القديم. وعند الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة ثالثة إن كان حدث به رعافًا أو قيئًا توضأ وبنى، وإن كان بولاً أو ريحًا أو ضحكًا أعاد الصلاة والوضوء. وعند مالك الرعاف ليس بحدث، فيغسل الدم ويبني على صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وبعض العلماء لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله ذلك عن الصلاة. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق والصحابة والتابعين لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئًا من الغائط أو البول، فإن دخل في الصلاة فوجد شيئًا من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وابن عَبَّاسٍ وابن مسعود وابن الزبير وأنس وأكثر العلماء أن المصلي إذا تكلم عامدًا عالمًا بتحريمه لمصلحة الصلاة بطلت صلاته. وعند

(1/176)


مالك والْأَوْزَاعِيّ لا تبطل. وعند الخرقي من أصحاب أَحْمَد لا تبطل في حق الإمام خاصة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وأنس وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن المصلي إذا تكلم ناسيًا أو جاهلاً بالتحريم أو سبق لسانه إليه ولم يطل لم تبطل صلاته. وهو رِوَايَة عن أحمد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند سعيد بن المسيب وقتادة والنَّخَعِيّ وحماد بن أبي سليمان وأبي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك تبطل صلاته، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة تبطل بالكلام ولا تبطل بالسلام ناسيًا في غير محله. وعند عبيد الله بن الحسن العنبري أنه تبطل صلاته بكلام الناسي. وعند أبي

(1/177)


حَنِيفَةَ في السلام من نسيان، إن قصد به الخروج من الصلاة وكان عنده أنه أتمها بطلت صلاته، وإن كان سلم ساهيًا غير قاصد السلام لم تبطل صلاته، وبه قال زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة المؤيد عن يَحْيَى. وعند أبي طالب منهم عن يَحْيَى أنها تبطل إذا سلم تسليمتين بكل حال، وإن سلم واحدة لم تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق أن المصلي إذا قصد إلى الكلام وهو يجهل أن الكلام محرم في الصلاة لا تبطل صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المصلي إذا تنحنح أو أَنَّ أو تنفس أو نفخ فبان منه حرفان بطلت صلاته، وإن لم يبن منه حرفان لم تبطل، وبه قال النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة، وعند أبي ثور لا بأس به إلا أن يكون كلامًا مفهومًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ إذا نفخ بطلت صلاته بكل حال، وإن تأوَّه أو أنَّ لمرض بطلت، وإن كان لخوف من الله تعالى لم تبطل وإن بان منه حرفان، وبه قال يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه إذا تنحنح متعمدًا بطلت، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق إذا نفخ في

(1/178)


صلاته لم تبطل صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ إذا قرأ من المصحف في الصلاة لم تبطل صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل إلا أن تكون آية قصيرة. وعن أَحْمَد في رِوَايَة أنه يقرأ في النافلة خاصة وقال أصحابه: وهذا على طريق الاستحباب وإلا فهما سواء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شمَّت المصلي العاطس بإشارة مفهمة لم تبطل صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والصادق. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد تبطل، وبه قال زيد بن علي وسائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق إذا ناب المصلي شيء في صلاته سبَّح الرجل وصفقت المرأة. وعند مالك يسبِّح الرجل والمرأة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن نبه بذلك الإمام جاز، وإن نبه غير الإمام بطلت صلاته.

(1/179)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكره للمصلي أن يلتفت في صلاته، وإذا التفت لم تبطل. وعند الحكم من تأمل مَنْ على يمينه وشماله حتى يعرفهُ فليس له صلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وابن مسعود وأبي ذر وأبي هريرة لا يكره مسح الحصى في الصلاة مرة. وعند الْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا أفهم غير إمامه بالتسبيح أو التكبير أو التهليل أو القرآن لم تبطل صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والسيد والمؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن نبه إمامه والمارُّ بين يديه لم تبطل صلاته، وإن نبه غيرهما بطلت، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم ويَحْيَى. وعند يَحْيَى والقاسم أيضًا لا يجوز الفتح على الإمام إلا بالآية التي أشكلت عليه، وبه قال أبو حَنِيفَةَ ومحمد. وعند النَّاصِر والمؤيد منهم أيضًا يجوز أن يفتح بسائر الآيات والتسبيح والتهليل ورفع الصوت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا فتح على غير الإمام لم تبطل صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند سائر الزَّيْدِيَّة تبطل صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا دُعى المصلي فأجاب بقرآن، أو دعا منبهًا أنه في الصلاة لم تبطل صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد. وعند يَحْيَى منهم أنها تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المصلي إذا أكل أو شرب عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت

(1/180)


صلاته. وعند سعيد بن جبير وطاوس أنه لا بأس بشرب الماء في النافلة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى عاقصًا شعرَهُ وجامِعًا ثَوبَهُ كره له وأجزأته صلاته. وعند الحسن يلزمه إعادة الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وبعض العلماء يكره التثاؤب في الصلاة. وعند إبراهيم النَّخَعِيّ لا يكره ذلك ويرد ما استطاع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في رِوَايَة إذا أخبر في الصلاة بأمر يسوؤه فقال: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وقصد به قراءة القرآن لم تبطل صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد في رِوَايَة تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وجابر يكره السلام على المصلي، وحكاه ابن المنذر عن جماعة منهم عَطَاء. وعند أَحْمَد وابن عمر لا بأس به. وعن مالك رِوَايَتَانِ: إحداهما يكره. والثانية لا يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وابن عَبَّاسٍ إذا سلم على المصلي ردَّ

(1/181)


بالإشارة بيده أو برأسه، ولا تبطل صلاته بذلك، وقال به من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والصادق. وعن مالك رِوَايَتَانِ. وعند أَحْمَد لا بأس بذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد لا يرد عليه، فإن رد عليه بطلت، وبه قال زيد بن علي وسائر الزَّيْدِيَّة. وعند عَطَاء والثَّوْرِيّ أنه يرد عليه بعد فراغه. قال الثَّوْرِيّ: إن كان حاضرًا رد عليه، وإن كان غائبًا تبعه بالرد. وعند النَّخَعِيّ يرد عليه في قلبه. وعند سعيد بن المسيب والحسن وقتادة يرد عليه لفظًا، ولا تبطل صلاته، وبه قالت الْإِمَامِيَّة الشيعة، إلا أنهم يقولون: يجب أن يقول المصلي في رد السلام مثل ما قاله المسلم بسلام عليكم، ولا يقول وعليكم السلام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا عمل في صلاته من جنسها في غير محله عمدًا بطلت صلاته، بأن يسجد في محل الركوع، أو ركع في محل السجود، أو قعد في محل القيام. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تبطل ما لم يقيد الركعة بسجدة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فعل ذلك ساهيًا عاد إلى الركن، وصحت صلاته، ويسجد للسهو، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى والقاسم. وعند النَّاصِر منهم يستأنف الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك الإشارة المفهمة لا تبطل الصلاة إذا لم يتكلم، ولا كثر الفعل باليد والرأس، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا كانت مفهمة بطلت صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى وبعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا زاد في صلاته ركوعًا أو سجودًا عمدًا بطلت صلاته، سواء

(1/182)


كان على وجه التحري أم لا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تبطل، وبه قال مالك والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وبعض العلماء يكره الاختصار في الصلاة. وعند بعض العلماء يكره أن يمشي الرجل مختصرًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وبعض الصحابة وبعض التابعين يجوز قَتلُ الحية والعقرب في الصلاة ولا يكره. وعند النَّخَعِيّ يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا عد الآية في الصلاة عقدًا ولم يتلفظ به لم تبطل صلاته،

(1/183)


والترك أحب إليه. وعند مالك والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق والنَّخَعِيّ وابن أبي ليلى لا بأس به. وعند أَبِي يُوسُفَ لا بأس به في التطوع. واختلف النقل عن أَبِي حَنِيفَةَ ومحمد، فنقل عنهما في البيان موافقة الشَّافِعِيّ، ونقل عنهما في الشامل وصاحب المعتمد أنه يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يجوز للمصلي أن يدفع المارَّ بين يديه، ويقتل الحية، ويحمل الصبي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة لا يجوز ذلك.
* * *

(1/184)


باب سجود السهو
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شك الإمام في عدد الركعات أو فرض من فروض الصلاة غير النية وتكبيرة الإحرام لا يرجع إلى المأمومين، قلوا أو كثروا، بل يبني على يقين نفسه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرجع إلى قول واحد. وعند مالك وَأَحْمَد يرجع إلى قول اثنين، فإن لم يرجع إلى قولهما بطلت صلاته وصلاتهما. وعند الْإِمَامِيَّة لا سهو في الركعتين الأولتين من كل صلاة، ولا سهو في صلاة الفجر أو المغرب أو صلاة السفر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ورَبِيعَة وما لك وأبي بكر وعمر وعلي وابن عمر وابن مسعود والثَّوْرِيّ وأَبِي ثَورٍ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن المصلي إذا شك وهو فى الصلاة هل صلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثًا أو أربعًا فإنه يأخذ بالأقل ويبني على صلاته، ويسجد للسهو، وبهذا قال أَحْمَد في المنفرد، وعنه في الإمام رِوَايَتَانِ: إحداهما

(1/185)


أنه يبنى على اليقين. والثانية على غالب ظنه. وعند الشعبي وشريح وسعيد بن جبير وعَطَاء والْأَوْزَاعِيّ وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن عَبَّاسٍ تبطل صلاته. وعن سعيد بن جبير رِوَايَة أنه يعيد المكتوبة، ويسجد سجدتي التطوع. وروى عن سعيد بن جبير أيضًا وعَطَاء وميمون بن مهران أنهم كانوا إذا شكوا في الصلاة أعادوها ثلاث مرات، فإذا كانت الرابعة لم يعيدوا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ، إن لحقه ذلك أول دفعة بطلت صلاته، وإن تكرر ذلك منه اجتهد وعمل على ما يؤديه اجتهاده إليه، فإن لم يؤده اجتهاده إلى شيء عمل على اليقين. وعند الحسن البصري وأبي هريرة وأنس يذهب على وهمه ويسجد للسهو. ونقل الشاشي عن الحسن البصري أنه يأخذ بالأكثر ويسجد للسهو. وعند النَّخَعِيّ في الإمام لا يدري كم صلى ينظر

(1/186)


ما يصنع مَنْ وراءه. وعند الْإِمَامِيَّة إذا اعتدل في ذلك ظنه بنى على الأكثر وهي الثلاث، فإذا سلَّم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مقام ركعة واحدة، وإن كان الذي بنى عليه هو الصحيح كان ما صلَّاه نافلة وإن كان ما أتى به لثلاث تكون الرابعة جبرًا لصلاته. وكذلك قولهم فيمن شك ولا يدرى أصلى ثلاثًا أو أربعًا، أو من شك بين الثنتين والثلاث والأربع أيضًا بنى على الأكثر، فإذا سلَّم صلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس حتى إن كان بناؤه على الصحيح، فالذي فعله نافلة له، وإن كان الذي صلاه اثنتين كانت الركعتان من قيام جبرًا لصلاته، وإن كان الذي صلاه ثلاثًا فالركعتان من جلوس، وهي مقام واحدة جبران صلاته. واختلفت الزَّيْدِيَّة، فعند النَّاصِر إن كان من أهل التحري تحرى وبنى على غالب ظنه، وإن لم يكن من أهل التحري بنى على الأقل، سواء كان الشك أول عارض، أو كان مبتلى بكثرة الشك، فإن استوى الطرفان بنى على الأقل. وعند سائر الزَّيْدِيَّة إن كان الشك أول عارض فإنه يعيد لكل حال، وإن كان كثير الشك لا يخلو إما أن يكون مبتلى بكثرة الشك أو لا يكون مبتلى به، فإن لم يكن مبتلاً به عمل على ظنه، فإن استوى طرفاه بنى على الأقل، فإن كان مبتلاً به تحرى وبنى على غالب ظنه، ثم إن استوى طرفاه بنى على الأقل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سبح المأموم للإمام لنسيان لم يلزمه الرجوع إلى قولهم، ويبني على يقينه خاصة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرجع إلى قولهم، أو قول واحد منهم. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ: إحداهما، وبها قال مالك أن يرجع إلى قولهم بكل حال في الزيادة والنقصان، سواء قلنا يجب على المصلي أن يبني على اليقين أو غالب الظن. والثانية إن لم يرجع إلى قولهم لم تبطل صلاته ولم يتبعوه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا قام من الركعة الأولى إلى الثانية وإن لم يتيقن أنه ترك سجدة من الأولى، أو شك في تركها لم يحتسب له بما فعله من الثانية حتى تتم الأولى. وعند مالك إذا ذكر بعد الركوع والسجود في الثانية صحت الركعة الثانية وبطلت الأولى، وإذا ذكر قبل الركوع سجد وتمت له الأولى. وعند أَحْمَد إذا ذكرها بعد القراءة في الثانية بطلت الأولى وتمت الثانية، وإن ذكرها قبل القراءة في الثانية يسجد لتمام الأولى كقول الشَّافِعِيّ.

(1/187)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وداود وإِسْحَاق الكوسج إذا ذكر في الركعة الرابعة أنه نسي من كل ركعة سجدة، وكان قد جلس عقيب كل سجدة جلسة الفصل حصل له ركعتان وبقي عليه ركعتان. وعند مالك تصح له الرابعة إلا سجدة، ويلغو ما تقدم. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ. إحداهما كقول مالك، والثانية يبطل الجميع، وهو رِوَايَة أيضًا عن مالك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والحسن البصري والثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ أنه يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات ويجزئه. وعند الحسن بن صالح وشريك بن عبد اللَّه أنه لو نسي ثماني سجدات أتى بهن متواليات وأجزأه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قام من الثانية ناسيًا إلى الثالثة، وترك التشهد الأول ثم ذكره، فإن ذكر بعد انتصابه قائمًا لم يعد إليه، وإن ذكر قبل انتصابه قائمًا عاد إليه. وعند مالك إن قام أكثر القيام لم يرجع، وإن قام أقله رجع. وحكى ابن المنذر عنه أنه إذا فارقت إليتاه الأرض لم يرجع. وعند النَّخَعِيّ يرجع ما لم يشرع في القراءة. وعند الحسن البصري يرجع ما لم يركع. وعند حماد إذا ذكر ساعة يقوم جلس. وعند أحمد يرجع قبل أن يستوى قائمًا، وإن استوى قائمًا فهو بالخيار إن شاء رجع، وإن شاء لم يرجع.
مسألة: وعند الشَّافِعِيّ والحسن وعَطَاء والزُّهْرِيّ وَمَالِك واللَّيْث وَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود وأَبِي ثَورٍ إذا قام المصلي من ركعة إلى ركعة خامسة ساهيًا ثم ذكر في القيام، أو فى الركوع، أو في السجود فإنه يلزمه العود إلى الجلوس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والثَّوْرِيّ إن ذكر قبل السجود في الخامسة رجع إلى الجلوس كقول الشَّافِعِيّ وإن ذكر بعد ما سجد في الخامسة، فإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته، ويضيف إلى هذه الركعة ركعة أخرى تكون له نافلة، لأنه لا يجوز التنفل بأقل من ركعتين، وإن لم يكن قد قعد في الرابعة قدر التشهد بطل فرضه، وصار الجميع نفلاً.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رجع وجلس قبل الانتصاب فقَوْلَانِ: أحدهما يسجد للسهو، وبه قال أَحْمَد وأنس بن مالك. والثاني لا يسجد، وبه قال الْأَوْزَاعِيّ والأسود.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ترك التشهد الأول ثم ذكر وقد انتصب قائمًا لم يجز له أن يعود، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد ويَحْيَى. وعند أَحْمَد إن ذكر قبل الشروع في القراءة استحب له أن لا يعود فإن عاد لم تبطل صلاته. وعند أبي عبد اللَّه الداعي من

(1/188)


الزَّيْدِيَّة أنه يعود وإن شرع في القراءة. وعند النَّاصِر منهم لو عاد بطلت صلاته. وعند مالك إن ارتفعت أليتاه من الأرض لم يعد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جلس في الأولى وفي الثانية وتشهد سجد لسهو. وعند علقمة والأسود لا يسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا صلى نافلة فقام إلى ثالثة جاز أن يتمها أربعًا، وجاز أن يرجع إلى الثانية ويساوي ذلك فعل، سجد للسهو، والأولى أن يرجع إلى الثانية، ولا فرق في ذلك بين صلاة الليل وصلاة النهار. وعند حماد إن كانت صلاة نهار فالأولى إتمامها أربعًا، وإن كانت صلاة ليل فالأولى العود إلى الثانية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تعمد ترك ما يقتضي تركه السجود سجد للسهو، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد والنَّخَعِيّ والثَّوْرِيّ لا يسجد، وهو قول لبعض الشَّافِعِيَّة، وبه قال يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ والنَّاصِر والمؤيد من الزَّيْدِيَّة إذا ترك شيئًا من هيئات الصلاة ناسيًا، كدعاء الاستفتاح وقراءة السورة بعد الفاتحة، والتكبيرات في الصلاة للركوع، والسجود، والرفع وتكبيرات العيد، والجهر والإسرار وغير ذلك من هيئات، فإنه لا يسجد للسهو، وبه قال أَحْمَد في تكبيرات العيد، وقراءة السورة، وفيما إذا جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر. وعنه رِوَايَة أخرى أنه يسجد في ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ والثَّوْرِيّ إذا ترك تكبيرات العيد سجد للسهو، ولا يسجد لترك سائر التكبيرات، وإن ترك الجهر والإسرار سجدَ إذا كان إمامًا. وعند قتادة والْأَوْزَاعِيّ يقضي تكبيرات الصلاة والتسبيح في الركوع والسجود ودعاء الافتتاح. وعند الحكم وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ يسجد لذلك. وعند ابن أبي ليلى إذا جهر في موضع الإسرار أو أسرَّ في موضع الجهر بطلت صلاته. وعند النَّخَعِيّ والثَّوْرِيّ وأبي حَنِيفَةَ وأَبِي ثَورٍ وَمَالِك عليه السجود، وبه قال من الزَّيْدِيَّة زيد بن علي وأبو عبد الله الداعي وَأَحْمَد بن عيسى. وحكى ابن المنذر عن مالك أنه إذا جهر في صلاة الظهر وأطال سجد، وإن لم يطل فلا شيء عليه. وعند أَحْمَد إن سجد فحسن، وإن ترك فلا بأس. وعند أَحْمَد أيضًا إذا قرأ في الأخرتين من الظهر والعصر والعشاء الأخيرة بالحمد وسورة ساهيًا، أو صلى على النبي في التشهد الأول، أو دعا فيه بما يدعو به الأخير، أو قرأ في موضع تشهده أو ركوعه أو سجوده أو تشهد في موضع قيامه، أو قال في

(1/189)


ركوعه سمع الله لمن حمده ونحو ذلك سجد للسهو. وعنه رِوَايَة أخرى أنه لا يسجد، وبها قال أَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وعند الشَّافِعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ لا يسجد لترك تكبيرات الخفض والرفع والتسبيح في الركوع والسجود وقول سمع اللَّه لمن حمده، ربنا لك الحمد. وعند أَحْمَد يسجد. وعند الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ إن ترك التشهد الأول ودعاء القنوت سجد للسهو، وإن ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير سجد للسهو، واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه صاحب البيان موافقة الشَّافِعِيّ، ونقل عنه الشاشي إن جهر في موضع الإسرار سجد سجدتين بعد السلام، وإن أسرَّ في موضع الجهر سجد قبل السلام، ونقل عنه صاحب المعتمد أن من جعل مكان سمع الله لمن حمده، الله أكبر رجع إليه، فإن لم يرجع سجد للسهو.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا ترك من الصلاة المفروضة ما هو مسنون متعمدًا لم تبطل صلاته، إلا إذا تركه استخفافًا، وبه قال بعض أصحاب النَّاصِر وسائر الزَّيْدِيَّة. وعند النَّاصِر منهم أنها تبطل بذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر أهل العلم أنه إذا اجتمع عليه في صلاته سهوان أو أكثر كفاه للجميع سجدتان. وعند الْأَوْزَاعِيّ إن كانا من جنس واحد تداخلا، وإن كانا من جنسين لم يتداخلا. وعند ابن أبي ليلى وداود يسجد لكل سهو سجدتين. وعند أبي حرام وابن الْمَاجِشُون إن سها سهوًا مختلفًا سجد لكل سهو منه سجدتين، إحداهما قبل السلام، والثانية بعد السلام. وعند الزَّيْدِيَّة إن سها الإمام سجد المأموم مرتين، مرة لسهوه ومرة لسهو الإمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وكافة العلماء وزيد بن علي والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة والمؤيد منهم إذا سها خلف الإمام فلا سجود عليه، وإن سها إمامه سجد معه. وعند مَكْحُول أنه يقوم عن قعود مع الإمام ويسجد سجدتي السهو، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ واللَّيْث وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وإحدى الروايتين عن أَحْمَد إذا لم يسجد الإمام سجد المأموم، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والنَّخَعِيّ وعَطَاء والقاسم وحماد والثَّوْرِيّ لا يسجد، وهو قول الْمُزَنِي وأبي حفص بن الوكيل الشَّافِعِيّين، والرِوَايَة الأخرى عن أحمد، وبه قال زيد بن علي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر أهل العلم إذا سها الإمام ثم لحقه مسبوق فأحرم بعده لزم

(1/190)


المأموم حكم سهو الإمام، فإذا سجد الإمام لسهوه لزم المأموم متابعته في السجود. وعند ابن سِيرِينَ لا يلزمه السجود معه، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سلَّم الإمام قبل أن يسجد، ثم سجد الإمام بعد الصلاة، قام المأموم إلى ما بقي من صلاته ولم يتابع الإمام في سجود السهو. وعند أَبِي حَنِيفَةَ عليه متابعته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلَّى المغرب أربع ركعات ساهيًا سجد للسهو وأجزأته صلاته. وعند قتادة والْأَوْزَاعِيّ يضيف إليها أخرى كيلا تكون شفعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سها في سجود السهو فلا سهو عليه. وعند قتادة عليه السهو.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أدرك مأموم الإمام بعد الرفع من الركوع فإنه يحرم ويتبعه فيما بقي من الركعات بين السجدتين، ولا يحتسب له بها، فإذا فرغ الإمام أتى بما بقي عليه من الركعة، ولم يسجد لذلك السهو. وعند ابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وعَطَاء وطاوس يمجاهد وإِسْحَاق أنه يسجد للسهو في آخر صلاة نفسه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أنه إذا صلى الظهر خمسًا ناسيًا سجد للسهو وأجزأته صلاته. وعند طائفة يضيف إليها ركعة فتصير ستًا فيكون ظهره أربعًا، وركعتين بعدها، وكذلك الصبح إن صلاها ثلاثًا أضاف إليها رابعة فتصير ركعتين فرضًا وركعتين تطوعًا، ويسجد للسهو وهو جالس. وعند حماد إن لم يكن جلس في الرابعة أضاف إليها ركعة فتصير ستًا ويسلم، ويستأنف الصلاة. وعند الثَّوْرِيّ إذا لم يجلس في الرابعة فالمستحب أن يعيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن جلس قدر التشهد أضاف إليها ركعة وتشهد وسجد سجدتين ثم يسلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سجود السهو سنة وليس واجب، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد هو واجب، وليس بشرط في صحة الصلاة، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند مالك إن كان لنقصان فهو واجب، وإن كان لزيادة فليس بواجب. وعند أَحْمَد وداود هو واجب بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري والزُّهْرِيّ ورَبِيعَة واللَّيْث والْأَوْزَاعِيّ وأكثر الفقهاء من أهل المدينة كيَحْيَى بن سعيد أن محل سجود

(1/191)


السهو قبل السلام، سواء كان لزيادة أو نقصان، وبه قال زيد بن علي وسائر الزَّيْدِيَّة والنَّاصِر أيضًا في رِوَايَة عنه. وعند مالك وابن الْمَاجِشُون والْأَوْزَاعِيّ واللَّيْث وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ والْمُزَنِي وَأَحْمَد في رِوَايَة أنه إن كان السهو لنقصان فمحله قبل السلام، وإن كان لزيادة فمحله بعد السلام، وهو قول قديم للشافعي أيضًا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وجعفر، وقال النَّاصِر أيضًا: إن سجد بعد السلام مطلقًا فجائز. وعند أبي حَنِيفَةَ وداود وَأَحْمَد في رِوَايَة وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد والحسن البصري والنَّخَعِيّ وابن أبي ليلى والثَّوْرِيّ والحسن بن صالح وعلي وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وأنس بن مالك وابن الزبير وابن عَبَّاسٍ وعمار أن محلهُ بعد السلام، سواء كان لزيادة أو نقصان. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق لا يسجد قبل السلام إلا في المواضع التي لم يرد فيها الأثر وفي سائر المواضع التي ورد فيها الأثر يسجد على ما ورد به الأثر، واختاره ابن المنذر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اجتمع عليه سهوان، سهو زيادة وسهو نقص، قال الشَّافِعِيّ: يسجد قبل السلام سجدتين لا يزيد عليهما، وصححه أصحابه، وقطع به المتولى من أصحابه. وعند بعض الشَّافِعِيَّة يسجد بعد السلام سجدتين، وبه قطع البندنيجي من أصحابه، وهو قول مالك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والْمُزَنِي لا يزيد على سجدتين بعد السلام للنقصان، وتصير الزيادة كأن لم تكن. وعند الْأَوْزَاعِيّ والْمَاجِشُون يسجد أربع سجدات اثنتين قبل السلام واثنتين بعده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سلم ناسيًا لسجود السهو، فإن ذكر على القرب سجد، وإن تطاول الفصل فلا يسجد على الجديد، ويسجد على القديم، وفي القرب والبعد قَوْلَانِ: الجديد المرجع فيه إلى العرف والعادة. والقديم القرب ما لم يقم من مجلسه، والبعد هو إذا قام من مجلسه. هذا تحقيق مذهب الشَّافِعِيّ. وعند الحسن البصري وابن سِيرِينَ يسجد ما لم يلتفت من محرابه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد يسجد ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد. وعند مالك يسجد متى ذكره، ولو بعد شهر، فإن كان قبل السلام بنى فيما قرب من ذلك، وإن تباعد ابتدأ الصلاة. وعند أَحْمَد ما لم يخرج من المسجد فعليه أن يسجد، وإن خرج من المسجد لم يسجد. وعنه رِوَايَة يسجد وإن خرج وتباعد. وعند الحكم وابن شُبْرُمَةَ إن خرج من المسجد أعاد الصلاة. وعند أَبِي ثَورٍ إن تركه عامدًا فسدت صلاته إذا كانت قبل السلام. واختلفت الزَّيْدِيَّة فقال النَّاصِر ويَحْيَى: يسجد وإن تطاولت المدة به عن مصلاه، وقال المؤيد: إن كان قريبًا من مصلاه عاد

(1/192)


وسجد، وإن بعد عنه فلا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سجد بعد السلام فإنه يسجد ويسلم على الأصح، وبه قال مالك في رِوَايَة. والوجه الثاني يسجد ثم يتشهد ثم يسلم، وبه قال أبو حَنِيفَةَ ومالك فى الرِوَايَة الثانية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا يسجد بعد السلام للزيادة كبَّر وتشهد وسلَّم، وإن قلنا يسجد قبل السلام فنسي وسجد معه كبّر وسجد وسلَّم، ولا يتشهد، وقيل: يتشهد. وعند الحسن وعَطَاء وأنس لا يتشهد ولا يسلم. وعند قتادة والحكم وحماد والنَّخَعِيّ واللَّيْث والثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ وابن مسعود فيهما تشهد وسلام. وعند يزيد بن عبد الله بن قسط فيهما تشهد وسلام. وعند ابن سِيرِينَ يسلم منهما ولا يتشهد. وعند عَطَاء أنه إن شاء تشهد وسلم وإن شاء ترك. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق إن سجد بعد السلام تشهد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سجد للسهو بعد السلام فإنه يسلم بعد سجود السهو تسليمتين. وعند النَّخَعِيّ لا يسلم إلا تسليمة واحدة، وكذا قال في صلاة الجنازة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أنه يسجد للسهو في صلاة النفل على الأصح. والثاني لا يسجد لذلك فيها، وهو قول ابن سِيرِينَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قام ليقضي ما فاته مع الإمام فنسي أو دخل في التطوع. فإن كان ما عمل في التطوع قليلًا رجع إلى المكتوبة فأتمها سجد للسهو، وإن تطاول بطلت المكتوبة وعليه إعادتها. وعند الحسن وحماد إذا دخل في التطوع بطلت المكتوبة واستأنف. وعند مالك الأحب أن يبتدأ به. وعند الحكم والْأَوْزَاعِيّ وأنس إن نسي ركعة من صلاة الفريضة حتى دخل في التطوع فذكر صلى بقية صلاة الفرض، ثم يسجد سجدتين وهو جالس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نوى أن يصلي ركعتين تطوعًا فقام منهما، فإن وصلهما حتى تكون أربعًا سجد سجدتين. وعند الْأَوْزَاعِيّ يمضي فيهما، فإذا صلى أربع ركعات سجد سجدتين وهو جالس، فإن كان في صلاة الليل فقام فتذكر قبل أن يركع الثالثة رجع فتشهد وسلم ولم يسجد. وعند مالك يمضي في صلاة الليل والنهار حتى يتم الرابعة ثم يسجد سجدتين.
* * *

(1/193)


باب السَّاعَاتِ التي نهى عن الصلاة فيها
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خمسة أوقات، ثلاثة نهى عن الصلاة فيها لأجل الوقت، وهو إذا طلعت الشمس حتى ترتفع قيد رمح. وعند الاستواء حتى تزول. وعند الاصفرار حتى تغرب. واثنان نهى عن الصلاة فيها لأجل الفعل، وهو ما بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر. وعند ابن المنذر لا يكره فعل النوافل بعد العصر ما لم تصفر الشمس. وعند داود يجوز فعل النوافل إلى غروب الشمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق أنه لا بأس بالصلاة والطواف بعد العصر وبعد الصبح بمكة. وعند الثَّوْرِيّ وَمَالِك إذا طاف بعد العصر لم يصل حتى تغرب الشمس، وكذا إن طاف بعد صلاة الصبح لم يصل حتى تطلع الشمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِك وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز قضاء الفوائت في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم والنَّاصِر ويَحْيَى. وعند أبي حَنِيفَةَ يجوز بعد الفجر والعصر خاصة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة زيد بن علي وأبو عبد الله الداعي، وأشار إليه منهم السيد المؤيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وعلي بن أبي طالب أن من نسي الصلاة يصليها متى ذكرها في وقت وغير وقت. وعند قوم من أهل الكوفة وأبي بكرة أن من نام عن صلاة العصر واستيقظ عند غروب الشمس لا يصليها حتى تغرب الشمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا نذر صلاة مطلقة، أو عينها بوقت وفات جاز فعلها فى الأوقات الخمسة المنهي عن الصلاة فيها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز، وهو قول أحمد فى رِوَايَة أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والزبير وابنه وعائشة وأبي أيوب والنعمان بن بشير وتميم الداري لا يحرم في هذه الأوقات فعل الصلاة الواجبة والسق وصلاة الجنازة وسجود التلاوة. وعند مالك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يقضي الفرائض في هذه الأوقات ولا يقضي فيها السنن، وبه قال أحمد، إلا أنه أجاز فيها ركعتي الطواف وصلاة الجنازة مع إمام الحي. واختلف عن مالك في صلاة الكسوف، وسجود القرآن في وقت النهي، وأبو حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ موافقون للشافعي على جواز فعل الصلاة التي لا سبب لها بعد صلاة الصبح. وبعد

(1/194)


صلاة العصر، وأما الأوقات الثلاثة فقال: لا يجوز فعل الصلوات إلا عصر يومه. وعند الزَّيْدِيَّة يكره قضاء النوافل التي لها أوقات في هذه الأوقات. وعند بعضهم لا يكره ذلك.
مسألة: الظاهر من مذهب الشَّافِعِيّ أنه يكره التنفل بعد طلوع الفجر، وبه قال ابن عمر وعبد الله بن عمر وابن المسيب والنَّخَعِيّ وأبو حَنِيفَةَ. والوجه الثاني في مذهب الشَّافِعِيّ لا يكره، وبه قال مالك.
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن من صلى ركعتي الفجر كره له التنفل وبه قال كافة العلماء وأبو حَنِيفَةَ. والوجه الثاني لا يكره التنفل بعدهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يكره التنفل بما لا سبب لها يوم الجمعة عند استواء الشمس لمن حضر الجامع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وجماعة من الصحابة والتابعين لا يكره التنفل فى أوقات النهي بمكة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَمَالِك والثَّوْرِيّ يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا يكره التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس قدر رمح إلى زوالها. وعند الْإِمَامِيَّة يحرم التنفل بها في هذا الوقت، إلا في يوم الجمعة خاصة.
* * *

(1/195)


باب صلاة الجماعة
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن الجماعة فرض على الكفاية، وبه قال أبو عبد اللَّه الداعي من الزَّيْدِيَّة. والوجه الثاني أنها سنة: وبه قال أكثرهم، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والسيد المؤيد وبمذهب الشَّافِعِيّ قال الثَّوْرِيّ وَمَالِك وأبو حَنِيفَةَ وأصحابه وإِسْحَاق وسائر الفقهاء. وقال الْأَوْزَاعِيّ وعَطَاء وَأَحْمَد وأبو ثور وداود وابن المنذر: الجماعة فرض على الأعيان، وليست شرطًا فيها. وقال بعض أهل الظاهر الجماعة شرط في الصلاة، ولا تصح صلاة المنفرد، وهو وجه لبعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقيمت الصلاة وحضر العَشاء، وكانت نفسه تتوق إليه بدأ بالطعام وأكل منه قدر ما يسد به نفسه، وإن لم تتق نفسه إليه بدأ بالصلاة. وعند مالك يبدأ بالصلاة، إلا أن يكون الطعام خفيفًا. وعند الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وعمر وابن عمر يبدأ بالطعام بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعَطَاء والْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق أنه يستحب للنساء الجماعة في الصلوات التي يسن لها الجماعة، إلا أنها لا تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال. وعند قتادة والنَّخَعِيّ والشعبي تكره لهن الجماعة في الفرائض، ولا تكره فى النوافل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ أنه لا بأس بحضور العجائز الجماعة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكره إلا الفجر والعشاء والعيدين.
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن المصلي إذا خرج إلى الصلاة أن يمشي على سجية مشيه وعليه السكينة ولو فات الجماعة والتكبيرة الأولى، وبه قال زيد بن ثابت وأنس وأَبِي ثَورٍ. والثاني أنه يسرع إلى ذلك، وبه قال ابن عمر وابن مسعود والأسود ابن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد وإِسْحَاق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك أنه لا بد من نية الجماعة في حق المأموم، ولا تفتقر إلى نية الإمام لها، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والسيد المؤيد. وعند الثَّوْرِيّ َوَأَحْمَد لا تصح الجماعة حتى ينوي الإمام الإمامة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم ويَحْيَى. وعند الْأَوْزَاعِيّ لا تصح صلاة المأموم حتى ينوي الإمام أنه إمام.

(1/196)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وزفر وَمَالِك أنه لا يشترط على الإمام إذا أمَّ نساءً نية إمامته لهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والزَّيْدِيَّة إن أمَّ الرجل رجالاً لم يشترط نية الإمام أن يكون إمامًا لهم، وإن أمَّ نساءً لم تصح صلاتهن خلفه حتى ينوي الإمام أنه إمامهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وابن الْمُبَارَك والثَّوْرِيّ إذا كان للمسجد إمام راتب وأقيمت الجماعة كره إقامة جماعة أخرى فيه إذا لم يكن المسجد على قارعة الطريق وكان في المحلة، ويجوز في مساجد الأسواق التي تتكرر فيها الجماعات. وعند عَطَاء والحسن والنَّخَعِيّ وقتادة وَأَحْمَد وإِسْحَاق وداود وابن المنذر وأنس وابن مسعود يندب إلى إقامة جماعة بعد جماعة وإن كان للمسجد إمام راتب، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز. وعند أَبِي يُوسُفَ يجوز بلا أذان ولا إقامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نقل المنفرد صلاة من الانفراد إلى جماعة، بأن نوى الدخول مع الجماعة في الصلاة صحت صلاته على الجديد الصحيح، واختاره الْمُزَنِي. والقديم لا يصح، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب والحسن البصري والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق ومُحَمَّد بن الحسن والزُّهْرِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة أن ما أدركه المأموم مع الإمام فهر أول صلاة المأموم فعلاً وحكمًا، واختاره ابن المنذر. وعند مالك وأبي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد في الرِوَايَة الصحيحة ما أدركه مع الإمام فهو آخر صلاته، وما يقضيه بعد سلام الإمام فهو أول صلاته حكمًا وآخرها فعلاً.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أنه لا يحتاج إلى أن ينوي أنها أول صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد وصححه جماعة منهم. وعند النَّاصِر ويَحْيَى منهم أنه يحتاج إلى ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وحذيفة وأنس بن مالك أن المصلي إذا صلى صلاة ثم أدركها في جماعة استحب له أن يعيدها مع الجماعة، سواء صلى الأولى منفردًا أو في جماعة، إلا أن حذيفة وعليًا وأنسًا قالوا في المغرب: إذا أعادها وسلم الإمام أضاف إليها أخرى ويسلم، وبه قال أَحْمَد وسعيد بن جبير وابن المسيب والزُّهْرِيّ وإِسْحَاق والثَّوْرِيّ. وعند الشَّافِعِيّ لا يضيف إليها أخرى. وعند الحسن البصري وأَبِي ثَورٍ أنه يعيد الصلوات كلها إلا الصبح والعصر، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة. وعند ابن مسعود ومالك والْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ والنَّخَعِيّ وابن عمر وأبي مجلز وأبي مسعود وأبي موسى يعيد كل

(1/197)


صلاة صلاَّها إلا المغرب. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يعيد إلا الظهر والعشاء. وعند أَحْمَد أيضًا يعيد الصبح والعصر مع إمام الحي دون غيره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أعادها هل يسقط الفرض بالأولى والثانية تطوّع؟ أو الثانية هي الفرض أو يحتسب الله له بأيهما شاء؟ القول الجديد الصحيح الأول، وبه قال علي وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وعند الشعبي والْأَوْزَاعِيّ الجميع فرض. وعند مالك الفريضة واحدة لا يعينها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أحسَّ الإمام وهو راكع بداخل يريد الصلاة فهل يكره أن ينتظره قَوْلَانِ: أحدهما يكره ذلك، وهو قول مالك وأَبِي حَنِيفَةَ. والثاني: لا يكره، وهو قول أَحْمَد وإِسْحَاق والشعبي، ونقله في البيان عن أَبِي حَنِيفَةَ أيضًا. وعند محمد ابن الحسن أنه قال: أخاف أن أنتظره قد أُشرِك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فارق المأموم الإمام من غير عذر هل تبطل صلاته قَوْلَانِ: أحدهما تبطل، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك والزَّيْدِيَّة. والثاني لا تبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أخرج نفسه من الجماعة بعذر صحت صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب، وهو الأصح من مذهب النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حضر المصلي وقد فرغت صلاة الجماعة استحب لأحدهم أن يصلي معه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يستحب لأحدهم ذلك، بل يكره له.
* * *

(1/198)


باب صفة الأئمة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وبعض العلماء أن الإمام إذا عجز عن القيام صلى قاعدًا، والمأموم القادر يصلي خلفه قائمًا. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وجابر ابن عبد الله وأسيد بن حضير وأبي هريرة وجماعة من الصحابة يصلي المأموم خلفه قاعدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تصح إمامة الصبي المميز العاقل للبالغين في الفرض والنفل، وكذا في الجمعة على أصح القولين. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ لا تجوز إمامته في الفرض، وفي النفل رِوَايَتَانِ: أحدهما وهو قول مالك والثَّوْرِيّ يجوز أن يكون إمامًا في النفل دون الفرض، وبه قال أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ. وعند ابن عَبَّاسٍ أنه لا يؤم الغلام حتى يحتلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وداود وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا صلَّى الكافر لم يحكم بإسلامه، سواء صلى فرادى أو في جماعة. وعند القاضي أبي الطيب من أصحاب الشَّافِعِيّ أنه إذا صلى في دار الحرب حكم بإسلامه. وعند المحاملي من أصحاب الشَّافِعِيّ أيضًا يحكم بإسلامه في الظاهر، ولكن لا يلزمه حكم الْإِسْلَام بذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا صلى في جماعة إمامًا كان أو مأمومًا حكم بإسلامه، وإن صلى مفردًا لم يحكم بإسلامه. وعند مُحَمَّد إن صلى في مسجد منفردًا حكم بإسلامه، وكذا إذا أذن حيث يؤذن مؤذن المسلمين، أو حج، أو طاف حكم بإسلامه عنده. وعند أَحْمَد يحكم بإسلامه بالصلاة بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ تصح إمامة الفاسق إلا أنها تكره. وعند مالك والْإِمَامِيَّة لا تصح خلف الفاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني، ومن فسق بتأويل كمن سبَّ السلف وكفَّرهم صحت الصلاة خلفه. وعند أَحْمَد لا تصح الصلاة خلف الفاسق على أصح الروايتين. وعند الزَّيْدِيَّة لا تصح صلاة الفاسق خلف الفاسق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه تكره الصلاة خلف ولد الزنا، وخلف من لا يعرف أبوه وتصح خلفه. وعند الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وكذا مالك في رِوَايَة أنه لا يكره، واختاره ابن المنذر، وبه قالت عائشة. وعند الْإِمَامِيَّة تكره الصلاة

(1/199)


خلفه ولا تصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا تكره الصلاة خلف الأبرص والمجذوم والمفلوج، وخلف كل ذي عاهة، وعند الْإِمَامِيَّة تكره الصلاة خلفهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا تجوز إمامة المرأة للرجال ولا للخناث. وعند الْمُزَنِي وأَبِي ثَورٍ ومُحَمَّد بن جرير الطبري يجوز أن تؤم الرجال في التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها وتقف خلف الرجال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن عباس، ومن التابعين الحسن والنَّخَعِيّ وابن جبير، ومن الفقهاء الْأَوْزَاعِيّ وأَبِي ثَورٍ أنه إذا صلى الجنب أو المحدث بقوم بطلت صلاته، علم بحدثه أو لم يعلم، ولا تبطل صلاة من خلفه إذا لم يعلموا. وعند أَحْمَد إن كان عالمًا بحدث نفسه أعادوا بكل حال، وإذا لم يعلم ثم علم بعد الفراغ أعاد الإمام خاصة، وفي أثناء الصلاة يعيد هو، وفي إعادتهم رِوَايَتَانِ. وعند مالك إن علم بحدث نفسه أو جنابته بطلت صلاته وصلاة من خلفه، وإن لم يعلم بذلك بطلت صلاته، ولا تبطل صلاة من خلفه، وقيل هذا قول للشافعي، وليس بمشهور. وعند الشعبي وابن سِيرِينَ وحماد وأَبِي حَنِيفَةَ تبطل صلاته وصلاة من خلفه. وعند عَطَاء إن كان جنبًا صحت صلاة من خلفه، وإن كان محدثًا أعادوا في الوقت، فإن خرج لم يعيدوا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وسائر الصحابة والتابعين والفقهاء يجوز أن يصلي المتوضئ خلف المتيمم، لكن تكره. وعند علي بن أبي طالب وقوم آخرين لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز للمحبوس والمربوط في الجذع والمصلي بالإيماء للعري والمتيمم ومن يطلب مكانًا يتأتى السجود له فعليه الصلاة في أول الوقت، وبه قال من الزَّيْدِيَّة السيد المؤيد. وعند سائر الزَّيْدِيَّة لا يصلون إلا في آخر الوقت حتى قالوا: المريض لا يصلي قاعدًا إلا في آخر الوقت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وأَبِي ثَورٍ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا لم يستطع الإمام القيام صلى جالسًا والمؤتم به قائمًا، وهو رِوَايَة عن مالك. والرِوَايَة الثانية عنه لا تجوز صلاة القائم خلف القاعد، وهو قول مُحَمَّد بن الحسن. وعند الْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق َوَأَحْمَد والْمُزَنِي يصلي من خلفه قعود، واختاره ابن المنذر. وعند أَحْمَد لا يؤم القادر

(1/200)


على القيام بالعاجز عنه إلا مع إمام الحي إذا كان يرجى بُرؤه، فإن صلى بهم إمام الحي جالسًا صلوا جلوسًا. وعند الشَّافِعِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إن صلوا جلوسًا بطلت صلاتهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز للمومئ أن يؤم القاعد والقائم. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أم الأمي القارئ فثلاثة أقوال: أصحها لا تصح، وهو قول مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ وسائر الزَّيْدِيَّة. والثاني تصح، وهو قول الثَّوْرِيّ وأَبِي ثَورٍ، واختاره الْمُزَنِي وابن المنذر ورواه عن عَطَاء وقتادة. والثالث يجوز في الصلاة السرية، ولا يجوز في الجهرية. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة إذا صلى الأميّ بالقارئ فى أول الوقت بطلت صلاتهما جميعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى أميّ وقارئ خلف أميّ صحت صلاة الأميّ، وفي صلاة القارئ الأقوال المتقدمة. وعند أَحْمَد وَمَالِك تبطل صلاة القارئ وحده. وعند أبي حَنِيفَةَ تبطل صلاة الجميع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعَطَاء وطاوس والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة وإِسْحَاق يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل، والتنفل خلف المفترض، والمفترض خلف من يصلي غير فرضه. وعند الزُّهْرِيّ ورَبِيعَة وَمَالِك ويَحْيَى الأنصاري إذا اختلفت نية الإمام والمأموم لم يجز أن يأتم به بحال. وعند الحسن وأبي قلابة يجوز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وكذا أَحْمَد في الرِوَايَة الصحيحة يجوز للمتنفل أن يصلي خلف المفترض، ولا يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل، ولا خلف من يصلي غير فرضه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والمؤيد باللَّه من الزَّيْدِيَّة يجوز للقاضي أن يأتم بالمؤدى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن الأفقه أولى بالإمامة من الأقرأ. وعند الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن سِيرِينَ الأقرأ أولى واختاره ابن المنذر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أذِن رب الدار وإمام المسجد لمن حضر معه أن يتقدم في الصلاة فله أن يتقدم. وعند إِسْحَاق لا يجوز.

(1/201)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعائشة ومُحَمَّد بن أبي بكر وعروة بن الزبير لا تكره إمامة العبد للأحرار. وعند أبي مجلز وأَبِي حَنِيفَةَ تكره. وعند مالك لا يؤم في جمعة ولا عيد. وعند الْأَوْزَاعِيّ لا يؤم الناس، ويؤم مولاه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تجوز إمامة الأعمى، وهو والبصير سواء. وروي عن ابن عباس أنه كان يؤم وهو أعمى وعتبان بن مالك وقتادة. وروي عن ابن عَبَّاسٍ أنه كان يقول: كيف أكون إمامهم وهم يعدلوا بي إلى القبلة. وعن أنس بن مالك أنه قال: وما حاجتهم إليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز أن يصلي الكاسي خلف العاري. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إمامة الأعرابي جائزة. وعند أبي مجلز تكره إمامته. وعند مالك لا يؤم الأعرابي وإن كان أقرأهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا صلى خلف كافر أو امرأة ولم يعلم بحالهما ثم علم أعاد الصلاة. وعند أَبِي ثَورٍ وبعض أصحاب الظاهر لا إعادة عليه. وعند الْمُزَنِي مثل قولهم في الكافر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أحدث الإمام بطلت صلاته وينوي من خلفه مفارقته، ويبني على صلاته، وإن بان ذلك بعد الفراغ فلا إعادة على المأمومين. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة تبطل صلاة من خلفه.
* * *

(1/202)


باب موقف الإمام والمأموم
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وجماعة من العلماء لا يكره الصف بين السواري. وعند أحمد وإِسْحَاق وجماعة من العلماء يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة الفقهاء إذا كان المأموم واحدًا وقف عن يمين الإمام.
وعند سعيد بن المسيب يقف عن يساره. وعند النَّخَعِيّ يقف وراءه، فإن جاء آخر وقف معه، فإن ركع الإمام ولم يجيء أحد تقدم ووقف عن يمين الإمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وعلي بن أبي طالب وكافة العلماء إذا كان مع الإمام اثنان اصطفا خلفه. وعند ابن مسعود والنَّخَعِيّ يصطف واحد عن يمينه، وآخر عن يساره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب للإمام إذا أراد تعليم المأمومين الصلاة أن يصلي على موضع مرتفع ليروه ويتعلموا صلاته. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ يكره ذلك. وعند الْأَوْزَاعِيّ لا يجوز ذلك، فتبطل صلاتهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وَمَالِك يكره أن يصلي وحده خلف الصف وتصح صلاته، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الفاسم ويَحْيَى. وعند النَّخَعِيّ والحكم والحسن بن صالح بن حيي وَأَحْمَد وإِسْحَاق والْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك وجماعة من العلماء تبطل صلاته. واختاره ابن المنذر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والسيد المؤيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تقدم على المأموم لم تصح صلاته على القول الجديد، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد، وتصح في القول القديم. وهو قول مالك وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا صلى جماعة في المسجد الحرام جاز لبعض المأمومين أن يقفوا قُدام الإمام متوجهين إلى الإمام في أصح الطريقين، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وصاحباه، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. والطريقة الثانية: قَوْلَانِ: أحدهما هذا. والثاني لا تصح صلاة من وقف قُدَّام الإمام مستقبلاً بوجهه إليه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا لم يجد في الصف فرجة فهل يصلي وحده ولا يجذب رجلاً إليه؟ أو يجذب رجلاً إليه؟ وجهان: الأول أنه لا يجذب ويصلي وحده

(1/203)


وهو المنصوص، وقول القاضي أبي الطيب وابن الصباغ من الشَّافِعِيَّة وَمَالِك وَأَحْمَد والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق. والثاني يجذب، وهو قول الشيخ أبي حامد والمحاملي وسليم الرازي من الشَّافِعِيَّة وعَطَاء والنَّخَعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا وقفت امرأة في الصف بين الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة واحد منهم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل من على يمينها وشمالها ومن خلفها من المأمومين ولا تبطل صلاتها، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر بالله. وعند سائر الزَّيْدِيَّة تبطل صلاتها أيضًا، وهو الأولى من مذهب النَّاصِر. وعند داود تبطل صلاتها خاصة. وعند أبي بكر الحنبلي تبطل صلاة من يليها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وزيد بن ثابت وابن مسعود وزيد بن وهب إذا ركع دون الصف ومشى إلى الصف كره له ذلك وأجزأته صلاته. وعند الزُّهْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ إن كان قريبًا من الصفوف فعل، وإن كان بعيدًا لم يفعل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأنس إذا كان مع الإمام رجل وامرأة جعل الرجل عن يمينه والمرأة من خلفه. وعند الحسن البصري يصلون متواترين بعضهم خلف بعض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء إذا افتتح الصلاة منفردًا ثم صار إمامًا لم تبطل صلاته. وعند أَحْمَد في رِوَايَة تبطل صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء إذا صلى في الصحراء اعتبر أن يكون بين الإمام وبين المأموم في الصف الذي يليه ثلاث مائة ذراع فما دون، فإن كان أكثر من ذلك لم تصح صلاة المأموم. وعند عَطَاء والحسن البصري والنَّخَعِيّ يجوز له أن يأتم به إذا علم بصلاته، قريبًا كان أو بعيدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك إذا كان بينه وبين الإمام حائل يمنع المشاهدة والاستطراق، كحائط المسجد لم يجز الائتمام به. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يجوز الائتمام به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان بين المأموم وبين الإمام، أو بين الصفوف وبين آخر الصفوف طريق أو بئر لم يمنع صحة الائتمام. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يمنع، وهو قول الفوراني من الشَّافِعِيَّة. وعند مالك إذا لم تمنعهم رؤية الصفوف وسماع التكبير جاز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى في سفينة الفرض صلى قائمًا، إلا أن يخاف دوران

(1/204)


الرأس والغرق. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز أن يصلي قاعدًا بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا صلى في سفينة بإمام في سفينة أخرى ولا حائل بينهما يمنع الاستطراق والمشاهدة وكانتا متصلتين صح، وكذا إذا كانتا منفصلتين وبينهما ثلاث مائة ذراع أو أقل صح ذلك على قول أكثر الشَّافِعِيَّة. وعند أبي سعيد الإصطخري منهم لا تصح، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يصلي في داره بصلاة الإمام إذا لم تتصل الصفوف بداره. وعند مالك يجوز إلا في الجمعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا صلى في بيته بصلاة الإمام وهو لا يرى الإمام، ولا يرى من خلفه لأجل الحائط لم تصح صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تصح ما لم يكن بينهما طريق.
* * *

(1/205)


باب صلاة المريض
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا عجز عن الركوع لعلة في ظهره، ولم يعجز عن القيام لم يسقط عنه القيام، وبه قال النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة. وعند مُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ يسقط عنه فرض القيام. واختلف النقل عن أَبِي حَنِيفَةَ، فنقل عنه صاحب البيان والمعتمد أنه بالخيار إن شاء صلى قائمًا، وإن شاء صلى قاعدًا، ونقل عنه الشاشي أنه سقط عنه فرض القيام، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد والداعي وأبو طالب ويَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في كيفية الجلوس إذا أراد أن يصلي قاعدًا قَوْلَانِ: أحدهما يصلي متربعًا، وروى ذلك عن ابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأنس، وهو قول مالك واللَّيْث والثَّوْرِيّ وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق ومحمد، وحكاه الحسن بن زياد عن أَبِي حَنِيفَةَ، وقال: إذا أراد أن يركع ثنى رجله، وبه قال من الزَّيْدِيَّة القاسم ويَحْيَى والمؤيد. والثاني يصلي مفترشًا وهو قول زفر، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وحكى عن أَبِي حَنِيفَةَ أنه يجلس كيف شاء.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا لم يستطع أن يصلي قاعدًا في كيفية اضطجاعه وجهان: أصحهما وهو المنصوص نص عليه يكون على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة، وروى ذلك عن عمر ورِوَايَة عن ابن عمر، وهو قول أَحْمَد وَمَالِك والثَّوْرِيّ في رِوَايَة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، واختاره منهم المؤيد. والثاني يصلي مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة، وبه قال ابن عمر والثَّوْرِيّ في إحدى الروايتين عنهما والْأَوْزَاعِيّ وأبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد، ومن الزَّيْدِيَّة القاسم ويَحْيَى وأبو طالب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا عجز عن الإيماء ولم يمكنه تحريك لسانه عند القراءة وعقله معه نوى الصلاة وعرض القراءة على قلبه ونوى، وكذا يعرض سائر أفعال الصلاة على قلبه، وينويها، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، واختاره منهم المؤيد. وعند أبي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد ومن الزَّيْدِيَّة يَحْيَى يسقط عنه فعل الصلاة في هذه الحالة. ونقل ابن الصباغ وصاحب المعتمد والدر الشفاف والغزالي والزَّيْدِيَّة خلاف أَبِي حَنِيفَةَ

(1/206)


وصاحبيه فيما إذا لم يستطع أن يومئ برأسه في الركوع والسجود، قالوا: فإنه عند الشَّافِعِيّ يومئ بطرفه وحاجبيه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه لا تجب عليه الصلاة في هذه الحالة، وما حكوه عن أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه في هذه الحالة لا يصح عنهم، وإنما خلافهم فى الحالة التي ذكرناها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا كانت السفينة سائرة لم يسقط القيام عن المصلي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يسقط عنه القيام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ وَمَالِك وأكثر أهل العلم إذا افتتح الصلاة قاعدًا ثم قدر على القيام لزمه وبنى على صلاته. وعند مُحَمَّد تبطل صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا افتتح الصلاة مومئًا، ثم قدر على القيام والقعود لزمه الانتقال إليهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه والزَّيْدِيَّة تبطل صلاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا افتتح العريان الصلاة ثم قدر على السترة ستر وبنى على صلاته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه تبطل صلاته.
مسألة: الذي يجيء على أصل الشَّافِعِيّ أنه إذا كان بعينه رمد، فقيل له: إن صليت مستلقيًا أمكن مداواتك فلا يجوز له ذلك، وهو قول مالك والْأَوْزَاعِيّ. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يجوز له ذلك، وهو قولٌ لبعض الشَّافِعِيَّة.
* * *

(1/207)


باب صلاة المسافر
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يترخص بشيء من رخص السفر في سفر المعصية. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه والثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ والْمُزَنِي يجوز له الترخص بجميع الرخص، حتى لو خرج مع الحاج ليسرقهم ولا ينوي حجًّا ولا عمرة جاز له أن يترخص، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند مالك له أن يأكل الميتة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء وسائر الزَّيْدِيَّة أنه لا يشترط في القصر الخوف. وعند داود وأهل الظاهر والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يشترط ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر أهل العلم أنه يترخص في السفر المباح والطاعة كما يترخص في السفر الواجب. وعند ابن مسعود لا يجوز قصر الصلاة إلا في السفر الواجب وعند عَطَاء لا يجوز القصر إلا في سفر الطاعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك واللَّيْث وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأكثر أهل العلم لا يجوز القصر في أقل من مسيرة يومين، وهو ستة عشر فرسخًا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الباقر. وعند ابن مسعود وسويد بن علقمة وسعيد بن جبير والنَّخَعِيّ والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه والحسن بن صالح بن حُيي لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل، وهي أربعة وعشرون فرسخًا، وبه قال زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة أبو عبد الله الداعي والسيد المؤيد. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة أقل المسافة أربعة فراسخ، منهم القاسم ويَحْيَى وَأَحْمَد بن عيسى. وعند الْأَوْزَاعِيّ وأنس يقصر في مسيرة يوم. روى الْأَوْزَاعِيّ عن أنس أنه كان يقصر في خمسة فراسخ. وعند الزُّهْرِيّ وابن عمر يقصر في مسيرة يوم تام، وهو ثلاثون ميلاً. وعند قبيصة بن ذؤيب وهانئ بن كلثوم وعبد الله بن محيريز يقصر فيما بين الرملة وبيت المقدس. وعند داود وأهل الظاهر يقصر في طويل السفر وقصيره مع الخوف، ولا يقصر مع الأمن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وداود وعثمان وسعد بن أبي وقاص وعائشة وابن عمر وابن عَبَّاسٍ القصر رخصة، وهو بالخيار إن شاء قصر، وإن شاء أتم، إلا أن القصر أفضل إذا كانت المسافة ثلاثة أيام. وعند الْإِمَامِيَّة يقصر في بريدين، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاث أميال، فالجملة أربعة وعشرون ميلاً. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ

(1/208)


وصاحبيه وبعض أصحاب مالك وطائفة من العلماء وعمر وعلي وزيد بن علي وسائر الزَّيْدِيَّة القصر عزيمة لا يجوز التمام، حتى قال أبو حَنِيفَةَ: إذا صلى أربع ركعات، فإن جلس للتشهد الأول أجزأته الركعتان الأولتان، وإن لم يجلس للتشهد أعاد الصلاة. وعند الحسن بن حيي إذا صلى أربعًا متعمدًا أعاد إذا كان منه الشيء اليسير، فإذا طال ذلك في سفره وكثر لم يعد. وعند حماد إذا صلى أربعًا أعاد. وعند الْإِمَامِيَّة تجب عليه الإعادة وإن كان متعمدًا على كل حال، وإن كان أتم ناسيًا أعاد ما دام في الوقت، وبعد خروج الوقت لا إعادة عليه. وهذا الكلام مبهم يقرب مما قاله الحسن بن حيي وحماد. وعند الحسن البصري إذا افتتح الصلاة على أنه يصلي أربعًا أعاد، وإن نوى أن يصلي أربعًا بعد أن افتتح الصلاة بنية أن يصلي ركعتين ثم بدا له وسلم في الركعتين أجزأته صلاته. وعند مالك إذا صلى المسافر أربعًا فإنه يعيد ما دام في الوقت، فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه، وقال: لو أن مسافرًا افتتح المكتوبة ينوي أربعًا، فلما صلى ركعتين بدا له فسلم أنه لا يجزأه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وزيد بن علي إذا نوى السفر لم يجز له القصر حتى يفارق بنيان البلد أو القرية التي يسكنها. وعند مالك رِوَايَتَانِ: إحداهما أن يفارق بنيان بلده، ولا يحاذيه عن يمينه ولا عن يساره منه شيء. والثانية أن يكون من المصر على ثلاثة أميال. وعند عَطَاء له أن يقصر وإن لم يخرج عن بيوت القرية. وحكى أن الحارث بن رَبِيعَة أراد سفرًا فصلى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله بن مسعود. وعند قتادة إذا جاوز الجسر أو الخندق قصر. وعند مجاهد إن خرج نهارًا لم يقصر إلى الليل، وإن خرج ليلاً لم يقصر إلى النهار. واختلفت الزَّيْدِيَّة في ذلك، فقال النَّاصِر: يقصر إذا خرج من وطنه ميلاً، وقال السيد المؤيد عن يَحْيَى: يقصر إذا توارى تفاصيل بيوت أهله لا جملته. وعند النَّاصِر الأقرب أن له القصر وإن تجاوز البينان بقدر الميل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان للبلد الذي يقصده طريقان يقصر في أحدهما لطوله دون الآخر، فسلك الأبعد لا لغرض سوى القصر، فإنه يجوز له القصر في أحد القولين، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد واختاره الْمُزَنِي. والقول الثاني لا يقصر، واختاره أبو إِسْحَاق المروزي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ ملاح السفينة له القصر، وإن كان ماله وأهله

(1/209)


وولده فيها. وعند أَحْمَد والحسن وإِسْحَاق وعَطَاء وأبي أيوب لا يجوز له القصر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان سفره مسيرة ثلاثة أيام كان القصر أفضل من الإتمام على أحد القولين، وبه قال مالك وَأَحْمَد. والقول الثاني الإتمام أفضل، وبه قال الْمُزَنِي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نوى الكافر والصبي السفر إلى مسيرة ثلاثة أيام، فسارا يومين فأسلم الكافر وبلغ الصبي جاز لهما أن يقصرا فيما بقي من سفرهما. وعند بعض أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ لا يقصر دون الصبي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز له القصر حتى ينويه عند الإحرام بالصلاة. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يفتقر إلى نية القصر، لأن القصر عنده عزمة. وعند الْمُزَنِي لا يختص القصر بأول الصلاة، بل يجوز أن ينويه في أثنائها. وعند المغربي من أهل الظاهر يجوز له القصر وإن نوى الإتمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وابن عَبَّاسٍ وابن عمر وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا ائتم المسافر بمتم في جزء من صلاته لزمه الإتمام، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والباقر والصادق وزيد ابن علي. وعند طاوس والشعبي وإِسْحَاق يجوز له القصر. وعند مالك والحسن وقتادة والنَّخَعِيّ والزُّهْرِيّ إن أدرك ركعة لزمه التمام، وإن كان دونها لم يلزمه التمام. وعند المؤيد من الزَّيْدِيَّة له الاقتداء، إلا أنه يسلم من ركعتين. وعند القاسم ويَحْيَى منهم لا يجوز له الائتمام بالمتم إلا فيما يتفق فيه فرضاهما كالمغرب والفجر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى إمام بمسافرين ومقيمين، فأحدث واستخلف مقيمًا لزم المسافرين الإتمام. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يلزمهم الإتمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة إذا دخل المسافر في صلاة المقيم ثم أفسدها وزاد، وقضاها في سفره أو حضره فعليه أن يتمها أربعًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصليهما قصرًا. وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي والقاسم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعثمان بن عفان واللَّيْث وسعيد بن المسيب في رِوَايَة ومالك وأَبِي ثَورٍ إذا نوى المسافر أن يقيم في بلد أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج انقطعت رخص سفره، فيتم الصلاة ولا يقصر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ إذا نوى إقامة خمسة عشر يومًا مع اليوم الذي يدخل فيه واليوم الذي يخرج فيه أتم الصلاة، ولا يجوز له القصر، وإن نوى دون ذلك قصر، وهي إحدى الروايات عن ابن عمر،

(1/210)


واختاره الْمُزَنِي. وعند سعيد بن جبير واللَّيْث أنه إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يومًا أتم الصلاة، وإن نوى دون ذلك قصر. وعند علي وابن عَبَّاسٍ والحسن بن صالح بن حيي والْإِمَامِيَّة إن نوى إقامة عشرة أيام أتم، وإن نوى دون ذلك قصر. وعند رَبِيعَة إن نوى إقامة يوم وليلة أتم الصلاة، وإن نوى دون ذلك قصر. وعند الْأَوْزَاعِيّ إن نوى إقامة اثني عشر يومًا أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، وهي الرِوَايَة الثالثة عن ابن عمر. وعند إِسْحَاق إن نوى إقامة سبعة عشر يومًا أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، وهي رِوَايَة أخرى عن ابن عباس. وعند أَحْمَد إن نوى إقامة مدة يفعل فيها أكثر من عشرين صلاة أتم، وهذا قريب من مذهب الشَّافِعِيّ، واختاره ابن المنذر. وعند الحسن البصري إذا دخل المسافر البلد أتم الصلاة. وعند عائشة إذا وضع المسافر رحله أتم الصلاة، سواء كان في البلد أو خارجًا منه. وعند سعيد بن المسيب رِوَايَة ثانية كقول الثَّوْرِيّ، وثالثة إذا وطنت نفسك بأرض أكثر من ثلاث فأتم الصلاة. ورابعة إذا أقام المسافر ثلاثًا أتم الصلاة. وفي الترمذي: أن أهل العلم أجمعوا على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون. قلت: وفي دعوى الإجماع هنا نظر، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن من كان سفره أكثر من حضره كالملاَّحين والجمَّلين ومن جرى مجراهم أن لهم القصر. وعند الْإِمَامِيَّة لا قصر لهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا نوى إقامة في صلاته أتمها ولا يستأنفها، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وزيد بن علي ويَحْيَى. وعند أبي عبد الله الداعي منهم عن يَحْيَى أنه يستأنف الصلاة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر الصحابة إذا نوى الإقامة في موضع لا يصلح للإقامة كمفازة من الأرض كان، كما لو نوى الإقامة في بلده. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يلزمه الإتمام، وهو قول ضعيف للشافعي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ترك المسافر قرية فأقام بها أربعة أيام من غير نية الإقامة لم يكن له أن يقصر بعدها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقصر ما لم ينو الإقامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر أتم. وعند الحسن رِوَايَة كذلك. وعنه رِوَايَة أنه يقصرها. وعند الْمُزَنِي أنه يقصرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فاتته صلاة في السفر فقضاها في الحضر فقَوْلَانِ: القديم:

(1/211)


له قصرها، وهو قول الحسن وَمَالِك وحماد والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ. والجديد يتمها، وهو قول الْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وداود وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ والْمُزَنِي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إن فاتته صلاة السفر المقضية في السفر يقضيها مقصورة على أصح القولين، وهو قول مالك. والقول الثاني يقضيها تامة.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الصحيح إذا سافر بعد دخول وقت الصلاة جاز له القصر، ومقابله أنه إذا سافر وقد بقي من وقت الصلاة قدر الصلاة لم يكن له القصر، وهو قول أحمد، وكذا الْمُزَنِي في رِوَايَة عنه، والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة. وعند سائر الزَّيْدِيَّة إن بقى قدر ركعة أو أكثر فسافر صلى قصر، وإن لم يبق هذا القدر أتم القضاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا دخل بلدًا لينجز حاجةً ونوى أنه متى نجزت رحل، فله القصر إلى سبعة عشر يومًا أو ثمانية عشر يومًا في أحد القولين. والقول الثاني: يقصر أيضًا، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وأكثرهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نوى المحارب إقامة أربعة أيام أو أكثر فقَوْلَانِ: القديم يقصر، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ. والجديد يتم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نوى القصر، ثم نوى الإقامة أو الإتمام في أثناء الصلاة انقطع سفره، ولزمه الإتمام ولزم من خلفه متابعته. وعند مالك لا يجوز فيه الإتمام، ولا يلزم المأمومين الإتمام. وإن لزم الإمام بنية الإقامة بل يقصرون. والأولى عنده إذا نوى الإقامة. وقد صلى ركعة أن يضيف إليها ركعة أخرى ويجعلها نافلة ويسلم ويستأنف صلاة مقيم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نوى القصر، ثم نوى الإتمام لزمه الإتمام ولا يجوز له القصر. وعند مالك لا يجوز له الإتمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نوى القصر فسها فصلى أربعًا أجزأته صلاته وسجد للسهو. وعند بعض المالكية لا تجزئه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نزل المسافر في طريقه على أهله وماله لم يلزمه الإتمام إلا أن ينوي الإقامة أربعة أيام. وعند ابن عَبَّاسٍ وَأَحْمَد أنه يلزمه الإتمام. وعند الزُّهْرِيّ إذا مر بمزرعة له في سفره أتم صلاته. وعند مالك إذا مر بقرية فيها أهله وماله أتم صلاته إذا أراد أن يقيم فيها يومه وليلته.

(1/212)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى خلف من لا يدرى أمقيم هو أو مسافر لزمه الإتمام وإن قصر إمامه، وإن فسدت صلاته لزمه الإتمام أيضًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يلزمه الإتمام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذ ائتم مسافر بمقيم ثم أفسد صلاته لزمه الإتمام وعند الثَّوْرِيّ لا يلزمه الإتمام. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن أفسد الإمام صلاته عاد المسافر إلى حاله. وعن أَبِي ثَورٍ رِوَايَتَانِ: إحداهما يتم. والأخرى يقصر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأبي موسى ومعاذ بن جبل وجابر بن سمرة يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما في السفر الطويل، وبه قال المؤيد باللَّهِ من الزَّيْدِيَّة. وعند الحسن البصري وابن سِيرِينَ والنَّخَعِيّ ومَكْحُول وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وبعض الزَّيْدِيَّة لا يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر بحال، ويجوز لأجل النسك في عرفة ومزدلفة لا غير، واختاره الْمُزَنِي. وعند القاسم ويَحْيَى من الزَّيْدِيَّة يجوز ذلك للمعذور، كالخائف والمريض والمشتغل بالطاعات. وعند أبي طالب منهم يجوز أيضًا للمشتغل بالمباحات.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز الجمع فيما ذكر في السفر القصير على أصح القولين. ويجوز في القول الثاني، وهو قول مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في وقت الأول منهما في الحضر وفي المطر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والْمُزَنِي لا يجوز. وعند مالك وَأَحْمَد يجوز الجمع في ذلك بين المغرب والعشاء، ولا يجوز بين الظهر والعصر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز الجمع في الوحل. وعند مالك وَأَحْمَد يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر للمرض والخوف. وعند مالك وَأَحْمَد وإِسْحَاق يجوز ذلك في المرض والخوف. وعند ابن سِيرِينَ يجوز في غير مرض أيضًا، واختاره ابن المنذر. وعند عمر بن عبد العزيز يجوز الجمع للريح والظلمة والخائف في الحضر.
* * *

(1/213)


باب صلاةُ الخَوفِ
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء صلاة الخوف ثابتة في وقتنا لم تنسخ. وعند أبي يوسف والْمُزَنِي كانت جائزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخت في آخر زمانه وفي حق غيره، فلا يجوز لأحد فعلها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: لم تنسخ، وإنَّما كانت خاصة للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون من بعده، وهذا ما نقله في البيان هكذا. ونسب في المعتمد والشاشي الوجه القائل بأنها كانت خاصة للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون من بعده إلى أَبِي يُوسُفَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد صلاة الخوف جائزة في الحضر والسفر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند سائر الزَّيْدِيَّة لا يجوز إلا في السفر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يؤثر الخوف في عدد الركعات للصلاة. وعند ابن عَبَّاسٍ والحسن البصري وطاوس يؤثر فتكون صلاة الخوف ركعة لكل طائفة، وللإمام ركعتان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا تجوز صلاة الخوف في القتال المحرم. وعند أبي حَنِيفَةَ تجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ تجوز صلاة الخوف في أول الوقت. وعند الزَّيْدِيَّة لا تصلي إلا في آخر الوقت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وداود إذا كانوا في السفر وكان العدو في غير جهة القبلة، ولم يأمنوهم، وكان في المسلمين كثرة فرَّقهم الإمام فرقتين، فيجعل طائفة بإزاء العدو وفرقة تصلي معه فيحرم بهم ويصلي بهم ركعة، فإذا قام إلى الثانية نووا مفارقته وصلوا ركعة أخرى لأنفسهم وتشهدوا وسلموا، ثم ذهبوا ووقفوا بإزاء العدو، وجاءت الفرقة التي بإزاء العدو والإمام منتظرٌ لهم. فيحرمون معه ويصلي بهم ركعة، فإذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة قاموا فأتموا لأنفسهم والإمام ينتظرهم جالس، فإذا تشهدوا سلم بهم، وبهذا قال سائر الزَّيْدِيَّة، ومنهم النَّاصِر والصحيح عند النَّاصِر أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة، ثم يقوم ويصلي الركعة الثانية ولا يسلمون لكنهم ينصرفون إلى وجه العدو، وتأتي الفرقة الثانية ويصلي بهم الإمام ركعة ثانية، ثم يصلون باقي صلاتهم والإمام ينتظرهم جالسًا، فإذا أتموا لأنفسهم سلم الإمام بالطائفتين جميعًا.

(1/214)


وعند مالك وَأَحْمَد والحكم كذلك إلا في شيء واحد، وهو أنه إذا صلى الإمام بالفرقة الثانية الركعة التي بقيت عليه فإنه يتشهد بهم ويسلم، فإذا سلم أمر الطائفة الثانية يقضون ما عليهم ويسلمون لأنفسهم كالمسبوق. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصلي بالطائفة الأولى ركعة، فإذا قام الإمام إلى الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وهم في الصلاة، وجاءت الطائفة الأخرى إلى مكان الأولى فيصلي بهم الإمام ركعة ثانية ويتشهد بهم ويسلم الإمام وحده، فإذا فرغ من السلام قامت الطائفة أو مضت إلى وجه العدو وهم فى الصلاة، ثم جاءت الطائفة إلى مكانها فأتمت صلاتها وسلمت ومضت إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الثانية إلى مكانها فأتمت صلاتها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت الصلاة مغربًا في الخوف صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالأخرى ركعة في أحد القولين، وهو قول مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه، وفي القول الثاني يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين، وبه قال النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة. وعند الحسن يصلي بكل طائفة ثلاث ركعات.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ والْإِمَامِيَّة والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة إذا كان العدو في جهة القبلة افتتح الإمام الصلاة بهم جميعًا، ولا يجعلهم فرقتين، ثم يقرأون جميعا ويركع بهم، فإذا سجد الإمام سجد الذين يلونه والصف الأخير قيام يحرسون، فإذا رفع الإمام رأسه من السجدتين سجد الصف الذي حرس بعد تأخر الصف الذي يلي الإمام إلى مقام الصف الثاني ويقدم الصف الأخير مقام الصف الأول، ثم قرأوا جميعًا وركع وقام الآخرون يحرسونهم، فإذا جلس الإمام والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعًا فسلم بهم الإمام جميعًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة الحكم في ذلك إذا كان العدو في غير جهة القبلة من غير فرق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت الصلاة في الحضر واحتاج الإمام إلى صلاة الخوف، بأن ينزل العدو على باب البلد فيخرج الناس ليقاتلوهم جاز للإمام أن يصلي بهم صلاة الخوف. وعند مالك لا يجوز. وعند أصحابه لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أيجب حمل السلاح في صلاة الخوف؟ قَوْلَانِ: أحدهما يجب، وهو قول داود. والثاني لا يجب، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد، وهو الصحيح وبه قالت الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك إذا استبد الخوف وأحاط العدو بالمسلمين ولم يمكن

(1/215)


تفرقتهم صلوا كيف شاءوا رجالاً وركبانًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ويومئون بالركوع والسجود، ولا يجوز لهم إخراج الصلاة عن وقتها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز لهم تأخير الصلاة عن وقتها، فإذا زال ذلك صلوا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلوا ركبانًا جاز لهم أن يصلوا جماعة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز ترك القيام في صلاة الخوف. وعند مُحَمَّد إذا لم يستطع القيام لأجل الخوف جاز له أن يصلي قاعدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صلى ركعة راكبًا صلاة شدة الخوف، ثم أمن لم يجز له فعلها راكبًا، فإن نزل ولم ينحرف عن القبلة بنى عليها، وإن صلى ركعة على الأرض وهو آمن، ثم لحقه شدة الخوف فركب استأنف على الصحيح. وعند أَبِي ثَورٍ يبني في حال النزول والركوب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رأوا إبلاً أو سوادًا أو غبارًا فظنوا ذلك عدوًا، أو أخبرهم مخبر بالعدو فصلوا صلاة شدة الخوف، ثم بان أنه لم يكن عدوًا لزمهم الإعادة في أحد القولين، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ، واختاره الْمُزَنِي والثاني لا تلزمهم الإعادة.
* * *

(1/216)


باب ما يكره لبسه
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يحرم على الرجال استعمال الحرير في اللبس والجلوس عليه والاستناد إليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يحرم اللبس خاصة دون ما سواه.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الصحيح يجوز لبس الثوب المخلوط من الحرير والقطن والكتان إذا كان القطن أكثر، وبه قال كافة العلماء. وعند الْإِمَامِيَّة يحل وإن كان الغالب الحرير. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه يجوز لبس الحرير إذا كان سَدأة اللحمة من القطن أو الكتان، ولا يجوز إذا كانت اللحمة حرير. وروى الطحاوي عن الشَّافِعِيّ أنه أباح لبس القباء المحشو بالقز. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة إذا كان نصفه من حرير ونصفه من قطن لا تجوز الصلاة فيه. وعند جماعة منهم أنه يكره ويجزئ. وعندهم أيضًا لا يجوز للرجل أن يصلي وقد شد وسطه بمشد من حرير إلا إذا خاف من حله ولم يجد غيره. وعندهم أيضًا إذا تقلَّد مصحفًا وحمالته من حرير فلا يجوز.
* * *

(1/217)


باب صلاةُ الجُمُعة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وعلي وابن عمر وأنس وعبد الله بن سمرة وعامة الفقهاء لا تجب الجمعة على المسافر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة زيد بن علي والمؤيد. وعند الزُّهْرِيّ والنَّخَعِيّ إذا سمع النداء وجبت عليه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، وكذا أبو عبد اللَّه الداعي وأبو طالب عن القاسم ويَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك لا تجب الجمعة على العبد والمكاتب. وعند داود تجب الجمعة عليهما، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة. وعند الحسن وقتادة تجب على المكاتب وعلى العبد الذي يؤدي الضريبة دون من لم يؤد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن المسيب وَأَحْمَد وإِسْحَاق وقتادة وأَبِي ثَورٍ أنه تجب الجمعة على أهل المصر سمعوا النداء أو لم يسمعوا، ومن كان خارج المصر إذا سمع النداء من الموضع الذي تجوز فيه إقامة الجمعة وجب عليهم، وإن لم يسمعوا النداء لم تجب عليهم. وعند ابن عمر وأنس وأبي هريرة وأَبِي يُوسُفَ وأبي ثور أيضًا تجب الجمعة على من يمكنه إتيان الجمعة ويأوي إلى منزله بالليل. وعند عَطَاء تجب الجمعة على من كان من المصر على عشرة أميال. وعند الزُّهْرِيّ تجب على من كان من المصر على ست أميال. وعند رَبِيعَة ومُحَمَّد بن المنكدر تجب على من كان من المصر على أربعة أميال. وعند رَبِيعَة أيضًا أنها تجب على من إذا نودي للصلاة خرج من بيته ماشيًا أدرك الصلاة. وعند مالك واللَّيْث على ثلاثة أميال. وعند أَحْمَد أيضًا على فرسخ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وزيد بن علي لا تجب على من كان خارج المصر، ولو كان بينه وبين المصر خطوة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وعند القاسم ويَحْيَى منهم يجب حضورها على من سمع النداء بلديًا كان أو قرويًا حضريًا كان أو بدويًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وابن عَبَّاسٍ إذا كانت قرية فيها أربعون نفسًا توجد فيهم شرائط وجوب الجمعة لزمهم إقامة الجمعة في مواضعهم. وعند عمر بن عبد العزيز والْأَوْزَاعِيّ واللَّيْث إذا كانت قرية عليها أمير جمع فيها. وعند النَّخَعِيّ والحسن وابن سِيرِينَ والثَّوْرِيّ وزيد بن علي وأَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وعلى لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد. وعند عمر بن عبد العزيز أيضًا أي قرية اجتمع فيها

(1/218)


خمسون رجلاً فليصلوا الجمعة. وعند مَكْحُول إذا كانت القرية فيها الجماعة صلوا الجمعة. وعند مالك القرية التي اتصلت دورها أنه تجمع فيها الجمعة كان فيها والي أم لم يكن. وعند مالك أيضًا يجوز أداؤها في المناهل والقرى إذا كان مسجدًا يجمع فيه ويمكن أن تقوم فيه أربعة أنفس، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى. وعند الزَّيْدِيَّة أيضًا إذا كان في الصحراء أو في المفازة بيت له حصيرة مثل المسجد والبيت جاز إقامتها فيه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ البيع يوم الجمعة بعد الزوال وقبل ظهور الإمام على المنبر مكروه، ولا يحرم. وعند الضحاك ورَبِيعَة وَأَحْمَد يحرم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن هذا التحريم يختص بأهل فرض الجمعة فأمَّا من لم يكن من أهل فرض الجمعة كالمسافرين أو العبيد والنساء فلا يحرم عليهم. وعند مالك يحرم عليهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إن كان موضع حرّم فيه البيع ووقع فيه صح البيع. وعند مالك وَأَحْمَد وداود لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن تقام الجمعة خارج المصر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز إذا كان الموضع قريبًا منه، نحو الموضع الذي يصلي فيه العيد. وعند أَبِي ثَورٍ كسائر الصلوات إلا أن فيها خطبة فحيث ما أقيمت جاز. وعند ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أن أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأكثر الفقهاء أنه إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحد لا تسقط الجمعة بفعل العيد في حق أهل الأمصار. وعند عَطَاء والشعبي والنَّخَعِيّ تسقط الجمعة بفعل العيد. وعند أَحْمَد وابن الزبير وعمر وابن عَبَّاسٍ وعلي وعبد الرحمن السلمى أنه يسقط عنهم حضور الجمعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المعذور إذا صلى الظهر في أول الوقت صحت صلاته وسقط عنه الفرض، فإذا سعى إلى الجمعة وصلاها كانت له نافلة في القديم يحتسب الله بأيهما شاء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا سعى إلى الجمعة بطلت صلاته. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد تبطل صلاته بالإحرام بالجمعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أنه يستحب للمعذورين الجماعة في الظهر يوم الجمعة. وعند

(1/219)


مالك وأَبِي حَنِيفَةَ تكره لهم الجماعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا زالت الشمس يوم الجمعة لم يجز له السفر إذا لم يخف فوات الرفقة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز له. وعند أَحْمَد يجوز له سفر الجهاد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في جواز السفر في يوم الجمعة قبل الزوال قَوْلَانِ: القديم الجواز، وهو قول عمر والزبير وأبي عبيدة بن الجراح والحسن بن صالح وابن سِيرِينَ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه. والجديد لا يجوز إذا لم يخف فوات الرفقة، وهو قول ابن عمر وعائشة وَأَحْمَد، إلا أن أَحْمَد يقول: يجوز إذا كان سفر الجهاد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ العدد شرط في الجمعة، ولا خلاف أنها لا تنعقد بواحد. واختلف العلماء في أقل العدد والذي تنعقد به الجمعة. فعند الشَّافِعِيّ وعمر بن عبد العزيز وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وَأَحْمَد أنها تنعقد بأربعين رجلاً والإمام محسوب منهم، ولا تنعقد بدون ذلك. وعند رَبِيعَة تنعقد باثني عشر رجلاً، ولا تنعقد بما دون ذلك. وعند عكرمة تنعقد بتسعة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ ومحمد تنعقد بأربعة: إمام وثلاثة مأمومين، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد عن يَحْيَى، واختاره المؤيد. وعند الْأَوْزَاعِيّ واللَّيْث وأَبِي ثَورٍ وأَبِي يُوسُفَ، وكذا الثَّوْرِيّ أيضًا أنها تنعقد بثلاثة إمام ومأمومين، وهو قول قديم للشافعي أيضًا، وبه قال أبو عبد الله الداعي من الزَّيْدِيَّة عن الهادي. وعند الحسن بن صالح أنها تنعقد بإمام ومأموم. وعند الْإِمَامِيَّة تنعقد بخمسة الإمام أحدهم. وعند مالك العدد غير معتبر، ولا حد في ذلك، وإنما يعتبر عدد تتقرى بهم قرية ويجلبهم المقام فيها والبيع والشراء. وإذا كانت قرية وفيهم سوق ومسجد انعقدت بهم الجمعة، ومنع ذلك في الثلاثة والأربعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أحرم الإمام في الجمعة بأربعين، ثم أنفضى عنه بعضهم أتمها ظهرًا في أصح القولين، وهو قول أحمد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن انفضوا بعد ما صلى بهم ركعة بسجدة أتمها جمعة، وإن انفضوا قبل ذلك أتمها ظهرًا. وعند أَبِي يُوسُفَ ومحمد إذا انفضوا بعد ما أحرم أتمها جمعة وإن بقي وحده. واختلفت الزَّيْدِيَّة في ذلك، فقال النَّاصِر وأبو عبد الله الداعي عن الهادي: إن انفضوا قبل أن يقعد في آخر الصلاة بمقدار التشهد، ولم يبق معه ثلاثة أنفس بنى عليها صلاة الظهر وأتمها ظهرًا. وقال المؤيد: إذا أدركوا الخطبة وافتتحوا الصلاة ثم انفضوا صلاَّها جمعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اجتمع أربعون عبيدًا ومسافرين وعقدوا جمعة بانفرادهم لم

(1/220)


تنعقد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تنعقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن من عليه فرض الجمعة إذا صلى الظهر قبل فعل الإمام الجمعة لا تصح في أصح القولين، وهو الجديد، وبه قال مالك وإِسْحَاق وزفر، وكذا أَحْمَد في رِوَايَة. والقول القديم تصح، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ، وأصل القولين هل الجمعة أصل والظهر بدل عنها، أو الظهر أصل والجمعة بدل عنه؟ فيه القَوْلَانِ، وبالأول قال مُحَمَّد بن الحسن، ومن الزَّيْدِيَّة المؤيد بالله، وبالثاني قال أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو طالب عن يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يلزمه السعي إلى الجمعة، وإذا سعى إليها بطل ظهره. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد يبطل بالإحرام لا بنفس السعي. وعند أبي إِسْحَاق المروزي من الشَّافِعِيَّة أن الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن صلاته جائزة، وإن حضر الجمعة لم ينتقض ظهره، فإذا أتى بالجمعة قال الشَّافِعِيّ: يحتسب الله له بما شاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِك العدد مشروط في الجمعة مشروط في الخطبة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في رِوَايَة يجوز أن يخطب وحده، ثم يحضر العدد بعد ذلك ويصلي بهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من أدرك الإمام قبل الركوع في الثانية صحت له الجمعة وإن لم يسمع الخطبة، وبه قال زيد بن علي ومن الزَّيْدِيَّة المؤيد. وعند عَطَاء وطاوس من لم يدرك شيئًا من الخطبة صلى الظهر أربعًا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الفاسم ويَحْيَى والنَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وكذا أَحْمَد في رِوَايَة أول وقت جواز فعل الخطبة إذا زالت الشمس. وعند أَحْمَد يجوز فعلها قبل الزوال. واختلف أصحابه فى وقتها، فمنهم من قال: أول وقتها وقت صلاة العيد، ومنهم من قال: يجوز فعلها فى الساعة السادسة. وعند مالك يجوز فعل الخطبة قبل الزوال، ولا يجوز فعل الصلاة قبل الزوال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا خرج وقت الجمعة قبل الفراغ منها لم يجز أن يتمها جمعة ويتمها ظهرًا، ولا يحتاج إلى تجديد النية. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تبطل صلاته، ولا تجزئه النية، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة. وعند عَطَاء وَمَالِك وَأَحْمَد يتمها جمعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ القيام في الخطبة مع القدرة شرط، فإن خطب قاعدًا مع القدرة

(1/221)


لم تصح، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد القيام ليس بشرط فيها بحال. وعند مالك القيام فيها واجب بالسنة، فإن خطب جالسًا كره له ذلك وأجزأه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو عبد الله الداعي وأبو طالب عن يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الجلوس بين الخطبتين واجب. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد هو مستحب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في اشتراط طهارة الحدث والنجس وسترة العورة في الخطبة قَوْلَانِ: القديم لا يشترط ذلك، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد. والجديد يشترط ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أقل ما يجزئ في الخطبة الحمد للَّهِ ويصلي على نبيه ويوصي بتقوى الله، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ آيةً من القرآن، وفي الثانية يحمد الله ويصلي على نبيه ويوصي بتقوى الله، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات. وعند الْأَوْزَاعِيّ والحسن وأَبِي ثَورٍ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد يجزئ ما يسمى خطبة في العادة. وعند أبي حَنِيفَةَ يجزئ في الخطبة التحميدة والتسبيحة. وعند مالك رِوَايَتَانِ: إحداهما: إن هلل وسبح أعاد ما لم يصل والثانية: لا يجزئه إلا ما تسميه العرب خطبة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن الزبير إذا صعد الإمام على المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك يكره له هذا السلام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق إذا خطب استحب له أن يقبل على الناس بوجهه، ولا يلتفت يمينًا وشمالاً. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يلتفت يمينًا وشمالاً كالمؤذن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز شرب الماء في حال الخطبة للعطش أو التبرد. وعند مالك َوَأَحْمَد والْأَوْزَاعِيّ لا يجوز. قال الْأَوْزَاعِيّ: فإن شرب بطلت جمعته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الجمعة، وفى الثانية بعد الفاتحة سورة المنافقين. وعند مالك يقرأ في الأولى سورة الجمعة، وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية). وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تتعين القراءة المستحبة فيهما، ويقرأ بما شاء.
* * *

(1/222)


باب هيئة الجمعة والتبكير
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة أهل العلم غسل الجمعة سنة وليس بواجب. وعند الحسن البصري وداود وأهل الظاهر هو واجب، وروي عن كعب الأحبار أنه قال: لو لم أجد في يوم الجمعة صاعًا إلا بدينار اشتريته واغتسلت به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وقت غسل الجمعة بعد الفجر فإن اغتسل قبله لم يجزئه. وعند الْأَوْزَاعِيّ إذا اغتسل قبل الفجر وراح عقيبه أجزأه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا اغتسل بعد طلوع الفجر للجمعة وراح عقيبه إليها فقد أتى بالأفضل، وإن لم يرح عقيبه أجزأه. وعند مالك لا يجزئه إلا إذا راح عقيبه. وعند أكثر الزَّيْدِيَّة من شرط الإجزاء ألا يحدث بين الاغتسال والرواح. وعند بعضهم لا يشترط ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الغسل مسنون في حق من حضر الجمعة دون من لم يحضر. وعند أَبِي ثَورٍ مسنون في حق الجميع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يسن للمرأة الغسل إذا أرادت حضور الجمعة. وعند أَحْمَد لا يسن لأنها لا تختلط بالرجال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اغتسل للجنابة وللجمعة غسلاً واحد ونوى لهما أجزأه. وعند مالك لا يجزئه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا نوى بغسله الجمعة عن الجنابة لا يجزئه. وعند مالك لا يجزئه في رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن كل عذر يسقط الجماعة يسقط الجمعة، من وحل ومطر وغير ذلك. وعند مالك أن المطر ليس بعذر في ترك الجمعة، ورواه عنه ابن المنذر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وجماعة وابن عمر لا يكره الاحتباء في حال الخطبة. وعند بعض أصحاب الحديث يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا ينقطع التنفل يوم الجمعة حتى يجلس الإمام على المنبر، ولا ينقطع الكلام إلا بابتداء الإمام في الخطبة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا خرج الإمام. حرم

(1/223)


الكلام والتنفل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر في رِوَايَة لا يكره الكلام عند فراغ الإمام من الخطبة قبل اشتغاله بالصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والحكم وابن عَبَّاسٍ يكره ذلك، وهي الرِوَايَة الأخرى عن ابن عمر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يكره لمن دخل وقد ازدحم الناس أن يتخطى رقابهم، ويصلي حيث انتهى به المجلس، إلا أن لا يجد موضعًا يصلي فيه فلا يكره له التخطي، وكذلك إذا كان هناك فرجة ولا يحتاج في الوصول إليها إلا أن يتخطى الواحد والاثنين فيجوز ذلك، فإن كانوا أكثر من ذلك كره له. وعند قتادة يتخطاهم إلى مجلسه. وعند الْأَوْزَاعِيّ يتخطَّاهم إلى السبعة. وعند مالك يكره له إذا خرج الإمام وقعد على المنبر فأمَّا قبل خروجه فلا يكره له. وعند ابن بطة يجوز أن يتخطاهم بإذنهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والحسن ومَكْحُول وَأَحْمَد وإِسْحَاق إذا دخل والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين خفيفتين، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو عبد اللَّه الداعي والقاسم ومُحَمَّد بن يَحْيَى. وعند عَطَاء وابن سِيرِينَ وشريح والنَّخَعِيّ وقتادة وَمَالِك واللَّيْث بن سعد والثَّوْرِيّ وسعيد بن عبد العزيز وأَبِي حَنِيفَةَ يكره ذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد وأبو طالب عن يَحْيَى. وعند أبي مجلز إن شئت ركعت، وإن شئت جلست. وعند الْأَوْزَاعِيّ إن كان قد ركع في بيته لم يصلي، وإن لم يكن قد صلى في بيته ركع ركعتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل يجب الإنصات عند الخطبة أو يستحب؟ قَوْلَانِ: أحدهما: وهو القديم يجب، وبه قال عثمان وابن عمر وابن مسعود وَمَالِك وأبو حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيّ َوَأَحْمَد وزيد بن علي، واختاره ابن المنذر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وهو الجديد يستحب ذلك ولا يجب، وبه قال عروة بن الزبير والنَّخَعِيّ والشعبي والثَّوْرِيّ. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة كالقاسم وابنه مُحَمَّد ومُحَمَّد بن يَحْيَى وأبي عبد الله الداعي لا بأس بالكلام الخفى الذي لا يشغله عن سماع الخطبة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل يرد السلام ويشمت العاطس؟ يبنى ذلك على القولين: فإن حرَّمنا الكلام لم يجز رد السلام، ولا تشميت العاطس، وهو قول مالك والْأَوْزَاعِيّ وإن أجزنا الكلام جاز رد السلام وتشميت العاطس، وهو قول الحسن والشعبي والحكم

(1/224)


وحماد والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق. وعند قتادة لا يشمت العاطس ويرد السلام ويسمعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا الكلام محرم في حال الخطبة حرم في حق من كان قريبًا يسمع الخطبة، ومن كان بعيدًا لا يسمعها إلا أن البعيد بالخيار إن شاء سكت، وإن شاء قرأ القرآن، فإن سبح فلا بأس. وعند الزُّهْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ يؤمر بالسكوت. وعند الْأَوْزَاعِيّ إذا عطس حمد الله في نفسه. وعند ابن الزبير لا بأس بالكلام لمن لا يسمع الخطبة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قرأ الإمام في الخطبة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ) الآية جاز للمستمع أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرفع بها صوته. وعند مالك َوَأَحْمَد وإِسْحَاق يصلي عليه في نفسه ولا يرفع صوته، وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ السكوت أحب إليهما، واختاره ابن المنذر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا بأس بالإشارة إلى من يتكلم في حال الخطبة، ويكره الحصب بالحصى. وعند ابن عمر من تكلم والإمام يخطب يُحصب، وربما أشار إليه. وعند طاوس تكره الإشارة إليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والزُّهْرِيّ ومُحَمَّد وابن عمر وابن مسعود وأنس والْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة وغيرهم إذا أدرك ركعة من الجمعة أتمها بجمعة. وإن أدرك دون الركعة أتمها ظهرًا. وعند النَّخَعِيّ والحكم وحماد وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ إذا أدرك جزءًا من الصلاة ولو كان في سجدتي السهو أتمها جمعة. وعند عمر وعَطَاء وطاوس ومجاهد ومَكْحُول لا يدرك الجمعة إلا بإدراك الخطبتين، ومن لم يدرك الخطبتين لم يدرك الجمعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا دخل مع الإمام ولم يدر أجمعة هي أم ظهر فصلى معه ركعتين لم يجزئه ذلك عن جمعة ولا ظهر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا علق نيته بنية الإمام أجزأه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي ثَورٍ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق إذا زحم المأموم عن السجود، فإن أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان أو جزء منه فعل، وإن لم يمكنه ذلك صبر حتى يزول الزحام. وعند عَطَاء والزُّهْرِيّ وَمَالِك لا يجوز له أن يسجد على ظهر إنسان، بل ينتظر حتى يزول الزحام، وهو وجه لبعض الشَّافِعِيَّة. وعند الحسن البصري

(1/225)


هو بالخيار إن شاء سجد على ظهر إنسان، وإن شاء وقف حتى يزول الزحام ويسجد على الأرض، وهو قول قديم للشافعي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا زال الزحام والإمام راكع فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتابعه فى الركوع؟ فيه قَوْلَانِ. أحدهما لا يتابعه، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ واختاره الشيخ أبو حامد. والثاني يتابعه وهو قول مالك، واختاره القفال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز أن يكون العبد إمامًا في الجمعة إذا كان زائدًا على الأربعين. وعند مالك لا يجوز، وهو رِوَايَة عن أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ المسافر يجوز أن يكون إمامًا في الجمعة إذا كان زائدًا على الأربعين. وعند أَحْمَد وَمَالِك لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في جواز الاستخلاف للإمام في الصلاة قَوْلَانِ: القديم لا يجوز، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة والجديد الجواز، وهو قول مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا خرج من المسجد قبل الاستخلاف جاز لهم أن يستخلفوا، أو يتموا فرادى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وجماعة من الزَّيْدِيَّة إذا خرج ولم يستخلف بطلت صلاتهم، سواء استخلفوا أو لم يستخلفوا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا صلى بقوم، ثم تأخر وقدم رجلاً جاز وعند أبي يوسف ومُحَمَّد لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استخلف امرأة فلم يقتدوا بها لا تبطل صلاتهم. وعند أبي حَنِيفَةَ تبطل صلاتهم بنفس الاستخلاف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استخلف الإمام جنبًا، ثم استخلف الجنب رجلاً طاهرًا لم يجز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أحدث في الصلاة قبل الركوع جاز له أن يستخلف من أحرم معه، وإن لم يكن يسمع الخطبة. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي ثَورٍ لا يجوز له أن يستخلف إلا من سمع الخطبة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تجوز الصلاة نصف النهار يوم الجمعة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد

(1/226)


يكره ذلك في الصيف والشتاء، وهو قول ابن الْمُبَارَك، إلا أن ابن الْمُبَارَك يقول: إذا علمت ذلك، فأمَّا إذا لم أعلم، ولا أستطيع أن أنظر فإني أراه واسعًا واسعًا. وعند عَطَاء يجوز ذلك في الشتاء دون الصيف. وعند مالك لا أثني عليه ولا أحبه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأكثر أهل العلم لا تفتقر إقامة الجمعة إلى إذن الإمام. وعند الْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ لا تقام إلا بإذن الإمام، وهو قول قديم للشافعي غير مشهور. وعند مُحَمَّد إن مات الإمام فقدم الناس رجلاً يصلي بهم الجمعة جاز ذلك، لأنه موضع ضرورة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك لا يُقَامُ في البلد الواحد إلا جمعة واحدة، وإن عظم. وعند أَبِي يُوسُفَ إن كان البلد جانبين، بأن كان في وسطه نهر جاز أن تقام فيه جمعتان، وإن كان جانبًا واحدًا لم تقم فيه إلا جمعة واحدة. وعند مُحَمَّد تقام فيه جمعتان، وإن كان جانبًا واحدًا. وروي عنه ثلاث جمع. وعند أَحْمَد يجوز أن تقام جمعتان وثلاث وأكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك كبغداد والبصرة وغيرهما. وعند عَطَاء وداود تجوز إقامة الجمعة في كل مسجد. وأهل الخلاف يذكرون أن مذهب أَبِي حَنِيفَةَ فيها كمذهب الشَّافِعِيّ، قال الشيخ أبو حامد: والذي يدل عليه كلام الشَّافِعِيّ أن مذهب أَبِي حَنِيفَةَ كمذهب محمد.
مسألة: الذي يجيء على أصل الشَّافِعِيّ أن الذي يُصلى بعد الجمعة هو الذي يصلي بعد الظهر. وعند النَّخَعِيّ وإِسْحَاق وأَبِي حَنِيفَةَ وابن مسعود والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك يصلي أربعًا. وعند عَطَاء ومجاهد وحميد بن عبد الرحمن وعلي وابن عمر وأبي موسى يصلي ركعتين ثم يصلي أربعًا. وعند أَحْمَد إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعًا، وعند ابن عمر والنَّخَعِيّ رِوَايَة أخرى أنه يصلي ركعتين، وعند إِسْحَاق إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعًا وإن صلى في بيته صلى ركعتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي والنعمان بن بشير والمغيرة بن شعبة وكافة العلماء وسائر الزَّيْدِيَّة أن القنوت في الجمعة غير مشروع. وعند عمر بن عبد العزيز وبني أمية، وكذا النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة أنه مشروع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والحسن لا تكره الصلاة في المقصورة. وعند الأحنف بن قيس وابن محيريز والشعبي وَأَحْمَد وإِسْحَاق يكره ذلك، إلا أن إِسْحَاق يقول: تجزئ الصلاة. وروى عن ابن عمر أنه كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى المسجد.

(1/227)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن المسافر إذا أدرك التشهد في صلاة الجمعة صلى أربعًا. وعند إِسْحَاق يصلي ركعتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أدرك ركعة من الجمعة فذكر بعد سلام الإمام أنه فاتته سجدة فيها، سجد سجدة وأتى بثلاث ركعات، وعند أَحْمَد إن لم يكن انتقل بالثانية سجد سجدة وأضاف إليها ركعة أخرى وأجزأه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا يحرم الكلام في الخطبة فلا يجوز الكلام بين الخطبتين إذا سكت الإمام. وعند الحسن البصري لا بأس به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر في رِوَايَة لا يكره الكلام عند فراغ الإمام من الخطبة قبل اشتغاله بالصلاة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والحكم وابن عَبَّاسٍ يكره ذلك، وهو رِوَايَة عن ابن عمر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مر الإمام بآية سجدة وهو على المنبر جاز له أن ينزل ويسجد على الأرض، فإن تركه كان أولى. وعند عثمان بن عفان وأبي موسى الأشعري وعمار ابن ياسر والنعمان بن بشير وعقبة بن عامر أنه ينزل ويسجد. وعند مالك أنه لا يحمل على ذلك.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا ترك المسبوق مع الإمام ركعة عن الجمعة، ثم خرج الوقت فهل يتمها ظهرًا أو جمعة؟ فيه وجهان. وعند مالك يجوز أن يتبدئ الجمعة بعد خروج الوقت بناء على أصله.
* * *

(1/228)


باب صلاةُ العيدين
مسألة: الصحيح في مذهب الشَّافِعِيّ أن صلاة العيد سنة، وبه قال زيد بن علي والنَّاصِر والمؤيد. والوجه الثاني أنها فرض على الكفاية، وبه قال أحمد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو العبَّاس والسيد المؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ واجبة وليست بفرض، وبه قال مُحَمَّد بن القاسم من الزَّيْدِيَّة، واختاره أيضًا منهم السيد المؤيد. وعند الْإِمَامِيَّة هي واجبة على كل من وجبت عليه صلاة الجمعة وملك الشروط.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الأفضل أن يصلي صلاة العيد في المسجد إلا أن يضيق بالناس فيخرجوا إلى الصحراء وعند مالك الأفضل أن يصلي في المصلَّى بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يحضرن العجائز صلاة العيد وصلاة الجماعة وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يحضرن ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في وقت الغسل لصلاة العيد قَوْلَانِ: أحدهما بعد طلوع الفجر الثاني، وهو قول أحمد. والثاني يجزئه ذلك قبل طلوعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة أهل العلم أنه لا يسن الأذان والإقامة لصلاة العيد. وعند معاوية ومروان وابن الزبير وزياد أنه يسن لها، وأحدثه الحجاج. واختلف العلماء في أول من أحدث هذا، فقال سعيد بن المسيب: هو معاوية، وقال ابن سِيرِينَ: هو مروان، وقال أبو قلابة: هو ابن الزبير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي بكر وعمر وعلي وابن عمر وعائشة وأبي هريرة وزيد بن ثابت وابن عَبَّاسٍ والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق واللَّيْث وداود وأهل المدينة وَمَالِك أيضًا في رِوَايَة أنه إذا فرغ من دعاء الاستفتاح كبَّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى والداعي وأبو طالب. وعند مالك وَأَحْمَد وأَبِي ثَورٍ والْمُزَنِي يكبر في الأولى ستًا وفي الثانية خمسًا. وعند سائر العلماء من الزَّيْدِيَّة هي ركعتان بتكبيراتها الزوائد، منفردًا كان أو مع الإمام. وعند النَّاصِر منهم يصليها بتكبيراتها الزوائد مع الإمام، وبغير تكبيرات إذا كان منفردًا، وبه قال زيد بن علي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وابن مسعود وأبي موسى وحذيفة والْمُزَنِي والثَّوْرِيّ يكبر ست تكبيرات، ثلاث في الأولى قبل القراءة، وثلاث في الأخرى بعد القراءة.

(1/229)


ونقل عن أَحْمَد موافقة الشَّافِعِيّ أيضًا. وعند سعيد بن المسيب والنَّخَعِيّ وابن عباس أيضًا والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك يكبر في الأولى تسعًا وفي الثانية تسعًا. وعند ابن عبَّاس أيضًا أنه يكبر في الأولى في الفطر سبع، منهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع، وفى الثانية ست تكبيرات منهن تكبيرة الركوع. وعند الْإِمَامِيَّة يكبر في الأولى تسع تكبيرات، وفي الثانية خمس من جملتهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع. وعند الحسن يكبر في الأولى خمس تكبيرات، وفي الأخرى ثلاث سوى تكبيرة الركوع، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند جابر يكبر في الأولى أربع تكبيرات سوى تكبيرة الصلاة، وفي الثانية ثلاث تكبيرات بعد القراءة سوى تكبيرة الصلاة. وعند المؤيد من الزَّيْدِيَّة يكبر في الأولى خمسًا، وفي الثانية أربعًا. وعند الحسن رِوَايَة أيضًا أن التكبير في الأضحى والفطر واحد، يكبر في الأولى ثلاثًا غير تكبيرة الافتتاح، وفي الثانية ثلاثًا بعد القراءة منها تكبيرة الركوع. وعن على أيضًا أنه يكبر في الفطر إحدى عشرة تكبيرة، يكبر واحدة، ثم يقرأ، ثم يكبر خمسًا ويركع بإحداهن، ثم يقوم فيكبر، ثم يكبر خمسًا يركع بإحداهن، وكان يكبر في الأضحى تكبيرة واحدة التي توجب لها الصلاة، ثم يقرأ، ثم يكبر بثنتين يركع بإحداهما، ثم يقوم فيقرأ، ثم يكبر بثنتين يركع بإحداهما. وروى عنه أيضًا أنه كان يكبر في الفطر اثني عشر، وفي الأضحى خمسًا. وعند يَحْيَى ابن يعمر يكبر في الأضحى تكبيرتين في الأولى ثم يقرأ في الأخرى مثل ذلك، وفي الفطر مثل قول ابن مسعود. وعند حماد بن أبي سليمان ليس في تكبيرات العيد شيء يوقّت. وعند ابن عَبَّاسٍ رِوَايَة أخرى أن التكبير يوم الفطر، ويوم النحر تسع تكبيرات وأحد عشر وثلاثة عشر كل سُنَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يعتد بتكبيرة الافتتاح والركوع في جملة التكبيرات. وعند مالك يعتد في الركعة الأولى بتكبيرة الافتتاح في جملة التكبيرات.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يستحب أن يرفع يديه في كل تكبيرة من هذه التكبيرات. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرفعهما إلى شحمة أذنيه. وعند مالك والثَّوْرِيّ لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والزَّيْدِيَّة يقف بين كل تكبيرة بين ساعة يدعو الله ويذكره في نفسه. وسئل الْأَوْزَاعِيّ هل بين التكبيرتين شيء؟ فقال: ما علمت. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكبر متواليًا ولا يقف. وعند الْإِمَامِيَّة يجب القنوت بين كل تكبيرتين.

(1/230)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ومُحَمَّد بن الحسن وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا كبَّر تكبيرة الافتتاح قرأ بعدها دعاء الاستفتاح، ثم يأتي بالتكبيرات السبع، ثم يتعوذ بعدها قبل القراءة. وعند أَبِي يُوسُفَ يتعوذ عقيب دعاء الافتتاح. وعند الْأَوْزَاعِيّ يأتي بدعاء الافتتاح بعد فراغه من التكبيرات كلها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك التكبيرات في الركعتين قبل القراءة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه القراءة في الركعة الثانية قبل التكبير، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والقاسم. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ. وعند الْإِمَامِيَّة القراءة في الركعتين قبل التكبيرات، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى والمؤيَّد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي تكبيرات العيد فذكرها قبل الركوع فقَوْلَانِ: القديم يأتي بها، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ. والجديد لا يأتي بها، وهو قول مالك وأَبِي ثَورٍ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ إذا أدرك المأموم الإمام وقد فاته بعض تكبيرات العيد قضى ما فاته على القديم، وكذا إذا أدركه وهو يقرأ، ولا يقضيها في قوله الجديد، وإن أدركه في حال الركوع لم يقضها قطعًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد يكبر فى الركوع تكبيرات العيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي تكبيرة من تكبيرات العيد لم يسجد للسهو. وعند أبي ثور وَمَالِك يسجد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة ب (ق)، وفي الثانية بعد الفاتحة (اقتربت الساعة). وعند مالك وعمر وأَبِي ثَورٍ وكذا أَحْمَد في رِوَايَة يقرأ فى الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، وفي الثانية بعد الفاتحة (هل أتاك حديث الغاشية). وفى رِوَايَة عن مالك يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك)، وبها قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ليس في صلاة العيد قراءة معينة، وهي الرِوَايَة الأخرى عن أحمد، وبها قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند ابن مسعود أنه يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة من المفصَّل. وعند أبان بن عثمان يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (اقرأ باسم ربك).
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجهر بالقراءة فيهما. وعند علي لا يرفع صوته ويسمع من بله.

(1/231)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي بكر وعمر وعثمان وابن عَبَّاسٍ وأبي مسعود البدري والمغيرة بن شعبة وَأَحْمَد أن صلاة العيد قبل الخطبة. وعند ابن الزبير ومروان بن الحكم أنه يخطب ثم يصلي، وهو رِوَايَة عن عثمان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وأنس وأبي هريرة وسهل بن سعد وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج يكره للإمام التنفل قبل صلاة العيد وبعدها، ويجوز ذلك لغير الإمام قبلها وبعدها. وعند الشعبي ومَسْرُوق والضحاك بن مزاحم والقاسم بن محمد وسالم والزُّهْرِيّ ومعمر وَمَالِك وَأَحْمَد وعلي وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وابن أبي أوفى وجابر أيضًا لا يتنفل قبل الصلاة ولا بعدها. وفي المسجد رِوَايَتَانِ عن مالك. وعند علقمة والأسود ومجاهد وابن أبي ليلى والنَّخَعِيّ والثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ والحسن وأبي مسعود البدري يكره التنفل قبلها ولا يكره بعدها. وعند إِسْحَاق يصلي قبلها ويصلي بعدها إذا رجع إلى بيته أربعًا، ولا يصلي في الجبان شيئًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في صلاة العيد قَوْلَانِ. أصحهما: وهو الجديد يصليها المنفرد والمسافر والمرأة والعبد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والقاسم ويَحْيَى. والثاني لا تقام إلا حيث تقام الجمعة، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وزيد بن علي وَأَحْمَد في رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام صلاها ركعتين وحده كصلاة الإمام. وعند أَحْمَد وابن مسعود يصلي أربعًا. وعند الثَّوْرِيّ إن شاء صلى، وإن شاء ترك، وإن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعًا، وهي رِوَايَة أخرى عن أحمد. وعند الْأَوْزَاعِيّ يصلي ركعتين ولا يجهر فيهما، ولا يكبر كما يكبر الإمام. وعند إِسْحَاق إن صلاها في الجبان صلى ركعتين كصلاة الإمام، وإن لم يصلها في الجبان صلاها أربعًا.
* * *

(1/232)


باب التَّكبير
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وأَبِي حَنِيفَةَ في رِوَايَة التكبير في العيدين سنة. وعند داود هو واجب في عيد الفطر. وعند النَّخَعِيّ إنما يفعل ذلك الجوَّاكون. وعند ابن عباس يكبر مع الإمام، ولا يكبر المنفرد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في رِوَايَة لا يكبر في عيد الفطر، ويكبر في عيد الأضحى. واختلفت الزَّيْدِيَّة فقال النَّاصِر: هو بعد غروب الشمس من ليلة الفطر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكبر يوم الأضحى في ذهابه إلا المصلي ويجهر به، ولا يكبر يوم الفطر. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يكبر من المغرب ليلة الفطر بعدها وبعد العشاء وبعد الصبح والظهر والعصر. وعند سائر الزَّيْدِيَّة يكبر للفطر حين يخرج الإمام إلى أن يبتدئ الخطبة. وعند مالك والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ لا يكبر ليلة الفطر، وإنَّما يكبر عند ذهابه إلى المصلي في العيدين جميعًا. وعند مالك أيضًا يكبر في المصلي إلى أن يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام قطع التكبير، ولا يكبر إذا رجع. وعند الْإِمَامِيَّة يجب على المصلي التكبير في ليلة الفطر، وابتداؤه من دبر صلاة المغرب إلى رجوع الإمام من صلاة العيد، فيصير التكبير خلف أربع صلوات، أولاهن مغرب الفطر، وآخراهن صلاة العيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وقت انقطاع تكبير الفطر ثلاثة أقوال: أحدها: إلى أن يظهر الإمام في المصلي. والثاني: إلى أن يحرم بالصلاة. والثالث: إلى أن يفرغ من الصلاة. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ: إحداهما: إلى أن يفرغ من الخطبتين. والثانية: حتى يأتي المصلي ويخرج الإمام، وبها قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ التكبير في التشريق مستحب، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى. وعند النَّاصِر والمؤيد من الزَّيْدِيَّة أنه واجب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في ابتداء التكبير في الأضحى ثلاثة أقوال أصحها: يبتدأ التكبير بعد صلاة الظهر يوم النحر، وآخره بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وروى ذلك عن عثمان وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عَبَّاسٍ وأبي سعيد الخدري، وهو قول مالك وعمر بن عبد العزيز. والثاني يكبر بعد المغرب من ليلة النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق، وهو قول الثورى وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ ومحمد، واختاره ابن

(1/233)


المنذر،. وروى ذلك عن عمر وعلي. والثالث يكبر من بعد صلاة الفجر يوم عرفة ويقطعه بعد العصر آخر أيام التشريق. وعن أَحْمَد رِوَايَة وهي الصحيحة عنده أنه يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، فإن كان محرمًا فمن الظهر يوم النحر. وعند علقمة والنَّخَعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ يكبر بعد الصبح يوم عرفة إلى بعد العصر يوم النحر، وبه قال ابن مسعود في رِوَايَة، وروي عنه أيضًا إلى الظهر يوم النحر. وعند الْأَوْزَاعِيّ والْمُزَنِي ويَحْيَى بن سعيد الأنصاري يكبر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث من أيام التشريق. وعند داود والزُّهْرِيّ وسعيد بن جبير وابن عَبَّاسٍ يكبر من الظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق. وعند الحسن يكبر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من النفر الأول. وعند سفيان بن عيينة أهل منى يكبرون من الظهر يوم النحر، وأهل الأمصار يكبرون غداة يوم عرفة. واختلف القول عن أبي وائل فروى عنه مثل قول الْأَوْزَاعِيّ، وروى عنه أنه قال: يكبرون من الظهر يوم عرفة إلى الظهر من يوم النحر. وعند الْإِمَامِيَّة يجب التكبير على كل من كان بمنى في عيد الأضحى عقب خمس عشرة صلاة، أولاهن صلاة الظهر من يوم العيد، ومن كان في غير منى من سائر الأمصار يكبر عقب عشر صلوات، أولاهن صلاة الظهر من يوم العيد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكبر خلف الفرائض في الأمصار، ويكبر المقيم والمسافر والرجل والمرأة، سواء صلى جماعة أو منفردًا، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة. وعند أبي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ التكبير مسنون للرجال ومن أهل الأمصار إذا صلوا الفرض في جماعة. وأما أهل السواد والقرى والمسافرون ومن صلى منفردًا فلا يكبرون. ومن صلى في جماعة فإنما يكبر عقيب السلام، فإن أتى بما ينافي الصلاة، مثل أن يتكلم، أو خرج من المسجد لم يكبر، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكبر خلف النوافل وصلاة الجنازة في أصح القولين، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى. والثاني لا يكبر خلفها، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ وصاحباه وَأَحْمَد والثَّوْرِيّ، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد وزيد بن علي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نسي التكبير أتى به متى ذكره. وعند مالك إن ذكره قريبًا أتى به، وإن تباعد فلا شيء عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن تكلم أو خرج من المسجد يسقط التكبير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ السنة في التكبير الذي يكبر به خلف الصلوات أن يقول: الله

(1/234)


أكبر اللَّه أكبر الله أكبر ثلاثًا أو سبعًا، وما زاد على ذلك من ذكر فهو حسن. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد وإِسْحَاق وعمر وابن مسعود يكبر مرتين وفي آخره مرة عند أَبِي حَنِيفَةَ، ومرتين عند أحمد. وعند ابن عَبَّاسٍ أنه يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وعند الحكم وحماد ليس فيه شيء مؤقت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أدرك مع الإمام بعض الصلاة، فإذا سلَّم الإمام لم يكبر معه وقضى ما عليه من بقية الصلاة، فإذا سلَّم كبَّر. وعند الحسن وابن أبي ليلى يكبر ثم يقضي ما عليه من بقية الصلاة. وعند مجاهد ومَكْحُول يكبر ثم يقضي ما عليه، فإذا سلَّم أعاد وكبر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شهد شاهدان بوفاء الثلاثين بعد الزوال أن الهلال رؤي من الليل ليلة الثلاثين وعُدِّلا بعد الزوال، فالحكم فيها واحد، فيفطر الناس في الحال، وقد فات وقت الصلاة فهل تقضى؟ فيه قَوْلَانِ: أحدهما تقضى، وهو قول مالك وأَبِي ثَورٍ وداود والْمُزَنِي. والثاني لا تقضى، وهو قول أَحْمَد وأبي العبَّاس من الزَّيْدِيَّة. وعند أبي حَنِيفَةَ تقضى في الفطر في اليوم الثاني، وفي الأضحى في اليوم الثاني والثالث، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والقاسم. وعند مالك لا تصلي في غير يومها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إن أمكن جمع الناس في زمن بأن كان البلد صغيرًا جمع الناس وصلى بهم، وإن لم يمكن جمع الناس لكبر البلد أخرها إلى الغد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يؤخرها إلى الغد بكل حال.
* * *

(1/235)


باب صلاة الكسوف
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء صلاة كسوف الشمس والقمر سنة مؤكدة ولا تقضى إذا فاتت. وعند الخفاف من الشَّافِعِيَّة هي فرض على الكفاية. وعند الْإِمَامِيَّة هي واجبة، ومن فاتته هذه الصلاة وجب قضاؤها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ السنة في صلاة الكسوف فعلها في الجماعة والإقامة، فإن فعلها منفردًا أو مسافرًا جاز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد. وعند الثَّوْرِيّ ومُحَمَّد لا يجوز فعلها منفردًا. وعند أَكْثَر الْعُلَمَاءِ يصلي ركعتين فرادى، وبه قال القاسم من الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يسن الصلاة لخسوف القمر كما يسن لكسوف الشمس، إلا أنه يجهر في خسوف القمر ويسرّ في كسوف الشمس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصلي في خسوف القمر فرادى، ويكره أن يصلي جماعة. وعند مالك لا يصلي في خسوف القمر، وروي عنه مثل قول أَبِي حَنِيفَةَ أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعثمان وابن عَبَّاسٍ وعلي وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ واللَّيْث وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان، وفي رِوَايَة عن أَحْمَد في كل ركعة أربع ركوعات وعند الثَّوْرِيّ والنَّخَعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ يصلي ركعتين كصلاة الصبح، وبه قال جماعة من الشَّافِعِيَّة. وعند حذيفة أنها تصلَّى ست ركعات وأربع سجدات. وعن ابن عَبَّاسٍ كذلك فى رِوَايَة. وعند علي في رِوَايَة والحسن البصري والْإِمَامِيَّة يصلي ركعتان في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان. عند بعض الناس في كل ركعة ركوعان وثلاثة وأربعة، وله أن يفعل ما شاء، واختاره ابن المنذر. وعند العلاء بن زياد أنه يقوم فيكبر ويركع، وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده نظر فإن لم تنجل قرأ ثم ركع، فإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده نظر فإن تُجلى سجد ثم شفع إليها ركعة أخرى، وإن لم تنجل لم يسجد أبدًا حتى تنجلى. وعند إِسْحَاق يصلي أربع ركوعات في ركعتين، وست ركوعات في ركعتين، وثمان ركوعات في ركعتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ يسر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس، ولا

(1/236)


يجهر بها في كسوف القمر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي. وعند النَّاصِر والمؤيد منهم هو بالخيار فيهما، وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وعلي وعبد الله بن يزيد والبراء بن عازب وزيد بن أرقم، واختاره ابن المنذر أنه يجهر فيها بالقراءة ونقل الترمذي عن مالك موافقة أَحْمَد وإِسْحَاق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يخطب بعد فراغه من صلاة الكسوف. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد لا يخطب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا تكره صلاة الكسوف في الوقت المنهي عنه الصلاة فيه. وعند الحسن وعَطَاء وعكرمة وابن أبي مليكة وعمرو بن شعيب وأبي بكر بن عمرو بن حزم وقتادة وأبي إسماعيل بن أبي أمية والثَّوْرِيّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ لا يُصلي، بل يذكرون الله تعالى ويدعونه. وعند إِسْحَاق يجوز الصلاة بعد ما لم تتضيف الشمس للغروب، وكذلك بعد الفجر ما لم يطلع حاجب الشمس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يسن هذه الصلاة لغير الكسوف من الآيات، كالزلازل والظُّلم والريح والشدة والمطر والبرد وغير ذلك، بل يكبرون ويدعون، فإن صلَّوا منفردين لئلاَّ يكونوا غافلين فلا بأس. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي ثَورٍ يسن الصلاة لذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ الصلاة لذلك حسنة.
* * *

(1/237)


باب صلاة الاستسقاء
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وعامة العلماء الاستسقاء الأكمل يكون بالصلاة والخطبة والدعاء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تسن الصلاة في الاستسقاء وإنما يسن الدعاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يكره إخراج أهل الذمة إلى مستسقى المسلمين، فإن خرجوا لم يمنعوا، إلا أنهم لا يختلطون بالمسلمين ويكونوا متميزين. وعند مَكْحُول ويزيد بن عبد الملك لا بأس بإخراجهم للاستسقاء مع المسلمين. وعند إِسْحَاق لا نأمرهم ولا ننهاهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب ومَكْحُول وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في إحدى الروايتين صلاة الاستسقاء كصلاة العيد. وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد وزيد بن علي. وعند الزُّهْرِيّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي ثَورٍ َوَأَحْمَد في الرِوَايَة الثانية أنها كصلاة الصبح من غير تكبير زائد. وعند يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة أنها أربع ركعات. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا تسن الصلاة في الاستسقاء، وإنَّما يسن الدعاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يخطب بعد الصلاة. وعند ابن الزبير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وعمر بن عبد العزيز واللَّيْث بن سعد وعمر بن الخطاب أنه يخطب قبل الصلاة. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ لا تسن الخطبة بعد هذه الصلاة، وكذا أَحْمَد في رِوَايَة، والرِوَايَة الثانية أن فيها خطبة واحدة. وأما الشاشي فقال: لم يذكر أَحْمَد الخطبة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحب خطبتين يفصل بينهما بجلسة خفيفة وعند عبد الرحمن ابن مهدي يخطب خطبة خفيفة يعظهم ويحثهم على الخير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا خطب الخطبة الثانية استقبل القبلة وحول رداءه ونكسه إن أمكنه. والتحويل أن يجعل ما على عاتقه الأيمن على عاتقه الأيسر ويجعل ما على عاتقه الأيسر على عاتقه الأيمن. والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، ويفعل ذلك المأمومين. وعند مالك وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يحول ولا ينكَّس، وهو قول قديم للشافعي، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وصححه وخصه بالإمام دون المأمومين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يحول رداءه ولا ينكسه. وعند عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب ومُحَمَّد بن الحسن وأَبِي يُوسُفَ يستحب ذلك للإمام دون المأمومين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يبدأ بالصلاة أولًا ثم يدعو. وعند أَحْمَد يتخيَّر بين أن يبدأ بالصلاة أو الدعاء.

(1/238)