المعاني
البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة كتاب الرهن
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وكافة العلماء يجوز أخذ الرهن
في الحضر والسفر. وعند مجاهد وداود يجوز في السفر ولا يجوز في الحضر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز أخذ الرهن عن دين
السلم بعد صحته، وقبل قبض رأس المال، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند زفر
ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر لا يجوز الرهن عنه قبل قبض رأس المال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يجوز أخذ الرهن في مال
الكتابة. وعند أبي حَنِيفَةَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يجوز أخذ الرهن عن الأعيان
كالثمن المعين، والأجرة المعينة، والعواري، والغصوب، والمقبوضة على وجه
السوم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
(1/507)
يصح أخذ الرهن لكل عين كانت مضمونة بنفسها
- يريد مضمونة بمثلها أو قيمتها. وأما البيع فلا يجوز عنده أخذ الرهن به،
لأنه مضمون عنده بالثمن، وعنده يجوز أخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع، لأنه
يضمن بمثله ويضمنه، وكذا الصلح عند دم العمد، فإنه يجوز أخذ الرهن به عنده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يصح الرهن قبل ثبوت الحق،
وهو أن يدفع إليه عينًا لتكون رهنًا بما يدفعه إليه من الغد، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند مالك وأبي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ
يصح ذلك، فإذا دفع إليه الحق من الغد صار رهنًا بالعقد، وبه قال سائر
الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ
وسائر الزَّيْدِيَّة لا يلزم الرهن من جهة الراهن إلا بالقبض بإذن من
الراهن. وعند مالك وأَبِي ثَورٍ والْأَوْزَاعِيّ، ومن الزَّيْدِيَّة
النَّاصِر بمجرد الإيجاب والقبول، فمتى رهن شيئًا أجبر على إقباضه، وكذا
قال في الهبة، وبه قال أَحْمَد إذا لم يكن الرهن مكيلًا أو موزونًا، فأمَّا
إذا كان مكيلًا أو موزونًا فإنه لا يلزم إلا بالقبض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رهنه دارًا فخلى بينه وبينها فيها،
ثم خرج الراهن منها صح القبض. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح القبض حتى يخلى
بينه وبينها بعد خروجه منها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رهنه دارًا فسلمها إليه وفيها قماش
للراهن صح القبض في الدار، ولا يمنع ذلك من القبض. وكذلك إذا رهنه دابة
فسلَّمها إليه وعليها حمل فإنه يصح القبض، ولا يمنع الحمل من القبض. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ يمنع القماش من قبض الدار، وكذا الحمل من قبض الدابة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ليس من شرط صحة الرهن استحقاق دوام اليد.
وعند أبي حَنِيفَةَ وَمَالِك هو شرط في صحته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رهنه دارين فقبض إحداهما ولم يقبض
الأخرى كانت
(1/508)
المقبوضة رهنًا بجميع الدين. وكذا إذا قبض
المرتهن الرهن كان وثيقة بالدين، ولكل جزء منه، فإذا رهنه عبدين بألف
وقبضهما المرتهن فتلف أحدهما كان الباقي رهنًا بجميع الألف، وبه قال
أَحْمَد وأبو حَنِيفَةَ فيما روى عنه في الأصول، وروى عنه في الزيادات أن
الدَّين يسقط على الرهن.
* * *
(1/509)
باب ما يجوز رهنه
وما لا يجوز
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي ثَورٍ
وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ رهن المشاع جائز، وهو أن يرهن شريكًا له
في دار، أو في أرض، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة لا يصح من غير شريكه، ومن شريكه عنه
رِوَايَتَانِ، وكذلك عنده إذا طرأت الإشاعة على الرهن بأن يبيع بعضه بإذن
المرتهن هل يبطل الرهن؟ رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في جواز زيادة الرهن بعقد على عقد
قَوْلَانِ: القديم جوازه، وبه قال مالك وأبو يوسف والْمُزَنِي. والقول
الجديد أنه لا يجوز، وبه قال أبو حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في صحة رهن الجاني الخلاف في بيعه وعند
أَحْمَد يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رهنه أو أجَّره أرضًا عليها خراج،
فالخراج على مالك الأرض دون المرتهن والمستأجر، فإن دفع المرتهن أو
المستأجر الخراج بغير أمر من وجبت عليه لم يرجع به عليه. وعند مالك يرجع به
عليه.
(1/510)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر بن
الخطاب وَأَحْمَد لا يجوز تخليل الخمر، فإن خُلِّلت لم تطهر، ولم يجز بيعها
ولا رهنها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك ورَبِيعَة تطهر، فيجوز شربها
وبيعها ورهنها. وعند كافة الزَّيْدِيَّة لا يجوز تخليلها. واختلفوا فيها لو
خُللت مع التحريم، هل يحل تناولها؟ فعند النَّاصِر وزيد بن علي وَأَحْمَد
بن عيسى والمؤيَّد يحل تناولها وشربها. وعند يَحْيَى والقاسم لا يحل، بل هو
نجس محرم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شرط في البيع رهنًا مجهولاً لم يصح
الرهن، وكذا البيع فى أحد القولين، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ. والثاني يصح، وبه قال مالك، وكذا الخلاف في الضامن المجهول.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال بعتك عبدي بمائة على أن ترهن به
رهنًا غير معين ولا موصوف لم يصح هذا الشرط. وعند مالك يصح، ويرجع فيه إلى
العادة فيما يرهن بمثل ذلك الثمن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك إذا اتفق
المتراهنان على أن يكون الرهن على يد عدل جاز ذلك وصح الرهن. وعند الحكم
والحارث وقتادة وابن أبي ليلى وداود لا يصح الرهن.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا اتفقا على وضع الرهن على يد
عدلين، فأراد أحد العدلين أن يجعل الجميع في يد الآخر فوجهان: أصحهما لا
يجوز. والثاني يجوز، فعلى هذا إذا تشاحا فيه وكان ممن ينقسم جاز أن يقسماه،
فيكون عند كل واحد منهما النصف، فإن اقتسماه فسلَّم أحدهما ما حصل معه إلى
الآخر ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز. والثاني يجوز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن
كان مما لا ينقسم جاز لكل واحد منهما إمساك جميعه، وإن كان مما ينقسم لم
يجز ويقسمانه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد يجوز أن يضعاه في يد أحدهما
بكل حال. وعند أَحْمَد ليس لأحدهما الانفراد بحفظه بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا وكَّلا العبد في بيع
الرهن عند محل الحق وعزله الراهن صحَّ عزله، ولم يكن له بيعه. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ وَمَالِك لا ينعزل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا باع العدل الرهن بإذن
الراهن والمرتهن فتلف الثمن فى يده، أو استحق الرهن، فإن العهدة تكون على
الراهن، فيرجع المشتري بالثمن
(1/511)
عليه، ويرجع به على الراهن. وعند مالك لا
عهدة على العدل، ولكن يرجع المشتري على المرتهن ولعود دين المرتهن إلى ذمة
الراهن كما كان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا وكَّل العدل في بيع الرهن
فباعه وقبض الثمن فإن الثمن يكون في يده من ضمان الراهن إلى أن يسلمه إلى
المرتهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو من ضمان المرتهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا خرج الرهن مستحقًا بعد ما
دفع الثمن إلى المرتهن رجع بالعهدة على المرتهن، فإن كان المشتري ردَّه
بعيب لم يرجع بالعهدة على المرتهن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرجع على العدل، ولكون العدل بالخيار إن شاء رجع به
على المرتهن وإن شاء رجع به على الراهن، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع الوصي مال الميت، فأخذ الثمن
وقضى دين الميت ثم استحق المال من يد المشتري، فالمشتري يرجع بالثمن على
مال الميت دون الوصي والغريم، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند
سائر الزَّيْدِيَّة يرجع على الوصي، والوصي يرجع على تركة الميت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استحق بعض الرهن كان الباقي رهنًا في
أحد القولين، وبه قال ابن أبي ليلى وَمَالِك وأبو ثور، ويثبت للبائع الخيار
إن كان مشروطًا في البيع. ويبطل في القول الآخر، وبه قال أبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى الوكيل أن الثمن ضاع بغير
تفريط قبل منه، ويكون مضمونًا على الراهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكون
مضمونًا على المرتهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى الوكيل وهو من عُدِّل الرهن
تحت يده وأذن له في بيعه دفع الثمن إلى المرتهن وأنكر المرتهن ذلك لم يقبل
قول الوكيل على المرتهن، وعليه إقامة البينة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَحْمَد القول قول العدل مع يمينه، فإذا حلف سقط حق المرتهن، ولا يكون
ذلك سببًا للقبض في حق المرتهن، وإنما يجعل ذلك كأنه تلف في يده، لأنه
أمين، ويقبل قوله بإسقاط الضمان عن نفسه، ولا يقبل قوله في إيجاب الضمان
على غيره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا باع العدل الرهن فليس
له إبراء المشتري عن الثمن، وكذا سائر الوكلاء بالبيع ليس لهم إبراء
المشتري من الثمن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة
(1/512)
المؤيَّد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ للوكيل
إبراءه، ويضمن هو للموكل مثله، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مات العدل لم يجز للحاكم أن يدفع
الرهن إلى المرتهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا وكّل الراهن المرتهن في
بيع الرهن عند محل الحق لم تصح الوكالة ولا يصح بيعه. وعند ابن شُبْرُمَةَ
والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد فى رِوَايَة وإِسْحَاق
تصح الوكالة ويملك بيعه.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا علق عتق عبده بصفة توجد قبل
حلول الحق لم يجز رهنه قولاً واحدًا، وإن كان يجوز أن توجد قبله ويجوز أن
توجد بعده فطريقان: لا يجوز قولاً واحدًا. وقَوْلَانِ: أحدهما لا يجوز.
والثاني يجوز، وبه قال أبو حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لا يصح رهن الأشياء الرطبة على أحد
القولين. ويصح فى القول الثاني، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد.
* * *
(1/513)
باب ما يدخل في الرهن وما لا يدخل
وما يملكه الراهن وما لا يملكه
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ النماء الحادث بعد
الرهن، كالولد والثمرة واللبن وسائر منافعه لا يدخل في الرهن، بل هي ملكٌ
للراهن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند قوم من أصحاب الحديث
وأَبِي ثَورٍ نماء الرهن ومنافعه ملك لمن ينفق عليه، فإن كان الراهن هو
الذي ينفق عليها ملكها، وإن كان المرتهن هو الذي ينفق عليها فالنماء ملكٌ
له. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق لبن الرهن ملكٌ للمرتهن، فله حلبه وشربه، وسائر
النماء ملك للراهن، ولا يدخل في الرهن عند أحمد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
والثَّوْرِيّ والحسن بن حيي وسائر الزَّيْدِيَّة الثمرة واللبن الحادث بعد
الرهن ملكٌ للراهن، إلا أنه يدخل في الرهن، ولا يدخل في الكسب والغلة. وعند
مالك الولد الحادث يكون رهنًا كقول أَبِي حَنِيفَةَ، وأما الثمر والكسب فلا
يكون رهنًا كقول الشَّافِعِيّ. وعند اللَّيْث إذا كان الدين حالاً دخلت
الثمرة في الرهن، وإن كان إلى أجل فالثمرة لصاحب الأصل. وروى عنه أنها لا
تدخل فيه إلا أن تكون موجودة يوم الرهن. وعند الْإِمَامِيَّة إذا رهن
حيوانًا حاملاً فأولاده خارجون عن الرهن، فإن حمل الحيوان في الارتهان كان
أولاده رهنًا مع أمهاته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد يجوز للراهن أن ينتفع
بالرهن، وليس
(1/514)
للمرتهن منعه منه، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ ليس للراهن ولا للمرتهن أن يتتفعا بالمرهون بل تترك المنافع
تتلف على ملك الراهن. وعند سائر الزَّيْدِيَّة لا يجوز إلا بإذن المرتهن.
وعند أَحْمَد رِوَايَة حكاها الخرقي عنه أنه إذا أنفق المرتهن على الرهن
كان له أن ينتفع بقدر ما أنفق، وإن لم يأذن له الراهن في النفقة، وعنه
رِوَايَة أخرى أنه لا يرجع في ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يصح رهن الثمرة بعد بدو صلاحها دون
الأصل. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يصح رهنها دون الأصل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ ليس للراهن تزويج
العبد المرهون، ولا الأمة المرهونة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد له
ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يصح بيع المرهون بعد القبض بغير إذن
المرتهن، وبه قال أبو ثابت من الزَّيْدِيَّة. وعند النَّاصِر منهم يقف لزوم
البيع في فكاك الرهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أعتق الراهن العبد المرهون فثلاثة
أقوال: أحدها لا يعتق موسرًا كان أو معسرًا، وبه قال عَطَاء وعثمان البتي
وأبو ثور. والثاني ينفذ موسرًا كان أو معسرًا، وبه قال أبو حَنِيفَةَ
وَأَحْمَد وشريك والحسن بن صالح، إلا أن أبا حَنِيفَةَ يقول: يستسعى العبد
بقيمته إن كان معسرًا ويرجع بها على الراهن. الثالث وهو الصحيح، وبه قال
مالك وَأَحْمَد في رِوَايَة ينفذ إن كان موسرًا، ولا ينفذ إن كان معسرًا،
إلا أن عند مالك إذا طرأ له مال وهو معسر نفذ إذا قضى المرتهن وإلا لم ينفذ
عتقه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا لا ينفذ العتق فقضى الحق من
غيره، أو عاد إليه بعد ما باعه فإنه لا يعتق. وعند مالك يعتق، وبه قال بعض
الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء لا يحل للمرتهن وطء
الجارية المرهونة ولو أذن له الراهن وعند عَطَاء يحل له الوطء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا
وطئ المرتهن الجارية كالمرهونة ولم يدَّع الجهل بالتحريم فعليه الحد. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ في إحدى الروايتين لا حدَّ عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا وطئها بإذن الراهن وادَّعى الإباحة
فهل يجب عليه الحد
(1/515)
والمهر، أو لا حد ولا مهر؟ قَوْلَانِ،
وبالثاني قال أحمد، وبالأول قال أبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جاءت بولد فهو حر، وفي وجوب قيمته
قَوْلَانِ. وعند أَحْمَد هو حر، ولا قيمة عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو
رقيق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا أذن المرتهن للراهن
مطلقًا في بيع الرهن فباعه صح البيع، وسقط حق المرتهن من الرهن، ولم يتعلق
حق بثمنه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد يتعلق الحق بثمنه،
ويكون رهنًا مكانه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أذن الراهن للمرتهن في بيع على أن
يكون ثمثه رهنًا مكانه قَوْلَانِ: أحدهما الشرط فاسد والبيع فاسد. والثاني
يصح البيع والشرط، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأصحاب أَحْمَد والْمُزَنِي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن قبل
محل الحق بشرط أن يعجل له الحق فإن البيع والشرط فاسدان. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ والْمُزَنِي يسقط الشرط ويصح البيع، ويكون ثمنه رهنًا فلا يجب
التعجيل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا غاب الراهن وأنفق
المرتهن على الرهن كان متطوعًا. وعند أَحْمَد لا يكون متطوعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجب على الراهن ما يحتاج إليه الرهن من
نفقة وكسوة وعلف وكفن ومؤنة تجهيز وأجرة حافظة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجب
ذلك على المرتهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جُني على المرهون كانت المداواة على
الراهن إن شاء ما لم يكن في الدواء أضرار، ولا يجبر عليها. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ يكون على المرتهن إذا كانت قيمة الرهن بقدر الدين، وإن كانت
قيمته أكثر من الدين فما زاد يكون على الراهن، وما كان بقدر الدَّين يكون
على المرتهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أجرة من يرد الرهن الآبق على الراهن.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ تكون بقدر الأمانة على الراهن، وبقدر الضمان على
المرتهن.
(1/516)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا رهن
أرضًا فيها شجر أو بناء لم يدخل ذلك في الرهن بإطلاق العقد. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ يدخل البناء والشجر في الرهن بإطلاق العقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يصح إفراد البناء والغراس في الرهن دون
مواضعها، فإذا أطلق لم تدخل مواضعها في العقد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح
إفراد البناء، ويصح إفراد الغراس، فيبيع مواضعه، لأن الغراس عبارة عنه وعن
موضعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شرط في الرهن شرطًا فاسدًا، فإن كان
نقصانًا في حق المرتهن بطل قولاً واحدًا. وإن كان نقصانًا في حق الراهن
فقَوْلَانِ: أحدهما يفسد الرهن. والثاني لا يفسد الرهن ويفسد الشرط. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ لا يبطل الرهن بالشروط الفاسدة. وعند أَحْمَد الشرط والرهن
صحيحان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا إن الرهن يفسد بالشروط الفاسدة،
فهل يفسد البيع إذا كان مشروطًا أم لا؟ فيه قَوْلَانِ: أحدهما يفسد، وبه
قال أبو حَنِيفَةَ. والثاني لا يفسد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا جنى العبد المرهون تعلقت
الجناية برقبته وقدّمت على حق المرتهن، فإذا فداه السيد وأسقط المجني عليه
حقه كان رهنًا بحاله، وإن فداه المرتهن بإذن الراهن ليكون مضافًا إلى الدين
ويكون رهنًا بهما جاز ذلك وهل يكون رهنًا بهما؟ فيه قَوْلَانِ مضيا. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ إذا جنى العبد المرهون كان مضمونًا على المرتهن، فإن فداه
كان رهنًا بحاله، ولا يرجع بالفداء على السيد، وإن بيع في الجناية أو فداه
السيد سقط حقه من الدين إن كان بقدر ذلك أو دونه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقر الراهن بأن العبد المرهون جنى
قبل الرهن وصدقه المقر له بالجناية وكذبه المرتهن فقَوْلَانِ: أحدهما: يقبل
إقراره، وبه قال مالك، إلا أن مالك
(1/517)
يشترط يسار المقر. والثاني لا يقبل إقراره،
وبه قال أَحْمَد وأبو حَنِيفَةَ واختاره المزني.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جنى العبد المرهون فالخصم في الجناية
هو الراهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ الخصم هو المرتهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا جنى
المرهون ففداه المرتهن مع غيبة الراهن لم يحسب له. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
يحسب له الملك لا الرهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا رهنه عصيرًا حلوًا
فاستحال خمرًا بطل الملك فيه والرهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يبطل الملك
ولا الرهن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا رهنه عصيرًا فصار خمرًا
بطل الرهن وزال الملك، فإن زالت النبيذة فهو على الملك والرهن، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة الهادي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه لا يزول الملك ولا
يبطل الرهن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والهادي إذا استحال الخمر
خلاً بصنعة آدمي لم تطهر بذلك وزالت الخمرية عنه، ويكون خلاً نجسًا لا يحل
شربه، ولا يعود ملك الراهن فيه ولا الرهن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكون
طاهرًا ويحل شربه، والرهن فيه بحاله. وعند مالك
(1/518)
رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا كان المرهون حيوانًا فمات في
يد المرتهن وأخذ جلده ودبغه ففي عود الملك في الجلد وجهان: أحدهما: لا
يعود. والثاني يعود الملك ويعود الرهن، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأصحابه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْأَوْزَاعِيّ وعَطَاء وَأَحْمَد وأبي
عبيد وأَبِي ثَورٍ وعمر بن الخطاب وإحدى الروايتين عن على أن الرهن أمانة
في يد المرتهن غير مضمون، فإذا تلف في يد المرتهن من غير تفريط لم يضمنه
ولا يسقط من دينه شيء، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، إلا في مسألة
واحدة وهو أن للمرتهن حبسه إلى اقتضاء حقه، فإنه ليس بأمانة في حق الحبس.
وعند زيد بن علي وسائر الزَّيْدِيَّة أنه أمانة، إلا في مسألتين إحداهما:
في وجوب الضمان، والثانية في الحبس. وعند القاسم منهم لا يضمن. وعند
الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه هو مضمون على المرتهن بأقل الأمرين
من قيمته أو قدر الدين، فإذا هلك وكان الدين مائة وقيمة الرهن تسعين ضمنه
بتسعين وبقى له من دينه عشرة، وإن كان الدين تسعين. وقيمة الرهن مائة سقط
جميع دينه، ولا يرجع الراهن عليه بشيء، وإن تساويا لم يسقط الدين. وعند
إِسْحَاق الرهن مضمون على المرتهن بكمال قيمته ثم يترادان، وهي الرِوَايَة
الأخرى عن علي. وعند الشعبي والحسن البصري وشريح والنَّخَعِيّ أنه إذا هلك
في يد المرتهن سقط دينه، سواء كانت قيمته أكثر من الدين أو أقل، أو كانا
متساويين وعند مالك يضمن من الرهن ما خفي هلاكه كالعروض والذهب، وما ظهر
هلاكه كالعقار والحيوان فلا يضمن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والحسن البصري فوائد الرهن غير مضمونة
على المرتهن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى وأبو العبَّاس وأبو طالب،
وكان السيد منهم يستضعف ذلك، وتوقف في ذلك جماعة من الفقهاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قضى الراهن الدين أو أبرأه منه
المرتهن كان الرهن في يد المرتهن أمانة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن قضاه كان
الرهن مضمونًا، وإن أبرأه المرتهن أو وهبه له لم يكن مضمونًا استحسانًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استعار الراهن من المرتهن الرهن
لينتفع به فتلف في يده كان
(1/519)
مضمونًا عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا
يضمن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ظهر بالرهن عيب فقال الراهن حدث عند
المرتهن، وقال المرتهن أنه حدث عند الراهن فلا شيء على المرتهن، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند سائر الزَّيْدِيَّة القول قول الراهن.
* * *
(1/520)
باب اختلاف
المتراهنين
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ إذا اختلف الراهن والمرتهن فى قدر الرهن، أو ما رهن به، مثل
أن يقول: رهنتك أحد هذين العبدين اللذين في يدك بمائة، وقال: بل رهنتني
العبدين معًا بمائة، أو يقول الراهن: رهنتك هذا العبد بخمسين، فيقول
المرتهن: بل رهنتنيه بمائة، فالقول قول الراهن في المسألتين معًا. وكذا إذا
اختلفا في أصل الدين فالقول قول الراهن. وعند الحسن وقتادة إن كان الرهن
بقدر الدين فالقول قول المرتهن، وإن كان أكثر من الدين فالقول قول الراهن.
وعند إياس بن معاوية إن كانت له بينة أنه دفع الرهن إليه فالقول قول
الراهن، وإن لم تكن له بينة والرهن في يد المرتهن فالقول قول المرتهن.
واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه صاحب المعتمد والدر الشفاف كقول الحسن
وقتادة. ونقل عنه صاحب الشامل والشاشي أن القول قول المرتهن إلى قدر الدين،
وإن ادَّعى أكثر من ذلك فالقول قول الراهن. ونقل عنه صاحب البيان أن القول
قول الراهن فإن كان العبد الذي أقرّ الراهن برهنه في المسألة الأولى يساوي
مائة أو دونها ويرهن مثله بمائة، فالقول قول الراهن، وإن كان لا يساوي مائة
ولا يرهن مثله بمائة في العادة فالقول قول الراهن مع يمينه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد في رِوَايَة
إذا أقرَّ الراهن أنه سلَّم العين المرهونة ثم أنكر وطلب يمين المرهون له
أنه قبض وجب عليه ذلك، وكذا إذا أقر بتسليم الرهن ثم أنكره، وكذا في الثمن،
وأخذ به جماعة من أصحاب الشَّافِعِيّ، ومنهم من لم يأخذ بظاهره، وهو الأشبه
عندهم. وعند أَحْمَد ومُحَمَّد بن الحسن أنه لا تجب عليه الْيَمِين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باعه شيئًا بشرط أن يرهنه عصيرًا،
فرهنه العصير وقبضه
(1/521)
المرتهن فوجده خمرًا، فقال المرتهن:
أقبضتنيه خمرًا فلي الخيار في فسخ البيع، وقال الراهن: بل صار خمرًا بعد أن
قبضته فلا خيار لك، فقَوْلَانِ: أحدهما القول قول المرتهن مع يمينه، وبه
قال أبو حَنِيفَةَ والْمُزَنِي. والثاني القول قول الراهن وهو الصحيح، وبه
قال أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن أقرَّ الراهن على عبده بأنه جنى جناية
توجب المال، وأنه أتلف مالاً، وصدقه المقر له وكذبهما المرتهن فقَوْلَانِ:
أحدهما القول قول الراهن. والثاني وهو الصحيح القول قول المرتهن، وبه قال
أبو حَنِيفَةَ والْمُزَنِي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حلَّ الحق وامتنع الراهن من قضاء
الدين طولب ببيع الرهن، فإن امتنع عزَّره، فإن امتنع باع عليه الحاكم بنفسه
أو بأمينه وصرف في الدين. وعند أبي حَنِيفَةَ ليس للحاكم بيعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استعار عبدًا ليرهنه، فرهنه فتلف في
يد المرتهن، أو جنى فبيع في الجناية، فإن قلنا إنه ضمان لم يرجع السيد على
الراهن بشيء، وإن قلنا إنه عارية رجع عليه بقيمته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
يرجع عليه بما سقط من حق المرتهن.
* * *
(1/522)
باب التفليس
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان عليه دين مؤجل وأراد سفر الجهاد
ويحلُّ الدين قبل رجوعه، فليس لمن له الدين منعه من السفر ولا مطالبته
بالكفيل. وعند مالك له منعه من السفر حتى يقيم له كفيلاً أو رهنًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ إذا كان الدين حالاً ومن عليه الدين معسرًا وثبت اعساره
خلَّاه الحاكم، ولم تجز مطالبته به ولا ملازمته عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
ليس للغريم مطالبته وله ملازمته، فيسير معه حيث سار، ويجلس معه حيث جلس،
إلا أنه لا يمنعه من الاكتساب. وإذا رجع إلى داره، فإن أذن لغريمه في
الدخول معه دخل معه، وإن لم يأذن له بالدخول كان للغريم منعه من الدخول.
(1/523)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك
وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في إحدى الروايتين إذا
لم يف مال المفلس بديونه وكان ممن يقدر على الاكتساب فإنه لا يجبر على
إجارة نفسه، بل إن اكتسب وحصل معه تفضُّل عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته
قضى به الدين. وعند عمر بن عبد العزيز وسوار بن عبد الله القاضي وعبيد الله
بن الحسن العنبري وَأَحْمَد وإِسْحَاق يجبر على إجارة نفسه لقضاء الدين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا
كان لمن كان عليه الدين مال ظاهر وامتنع من بيعه باعه الحاكم عليه، وإن شاء
ألزمه بيعه، وإن قضى الحاكم للغريم شيئًا من مال من عليه الدين جاز. وعد
أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز للحاكم أن يبيع عليه ماله، ولكن يحبسه حتى يقضي
الدين بنفسه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى الإعسار وكان الدين لزمه
بمعاملة، فلا بد من البينة على إعساره، وهو الصحيح عند الزَّيْدِيَّة. وعند
النَّاصِر ويَحْيَى منهم أنه إذا كان ظاهر الإفلاس فبينة اليسار على
المدَّعى لليسار.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ تسمع البينة على إعسار المعسر
إذا كانت من أهل المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة. وعند مالك لا تسمع
البينة على إعساره بحال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تسمع بينة المعسر في الحال ويحبس شهرين.
وروى عنه ثلاثة أشهر. وروى عنه أربعة أشهر. وقال الطحاوي: شهرًا. ومنهم من
قال: ليس بمقدَّر،
(1/524)
وإنما يحبسه قدرًا يغلب على ظن الحاكم أنه
لو كان له مال يظهر. وعند مالك وزيد بن على لا تسمع ولا بعد الحبس، وبه قال
من الزَّيْدِيَّة المؤيَّد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقام المعسر بينة على الإعسار، فقال
الغريم: له مال باطن لم تعلم به البينة، وطلب بينة على ذلك فقَوْلَانِ:
أحدهما لا يجب عليه أن يحلف، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد. والثاني يجب
عليه أن يحلف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا لم يقم بينة على إعساره وجب حبسه إذا
سأله الغرماء. وعند عمر بن عبد العزيز واللَّيْث بن سعد لا يجوز أن يحبس
أحد على دين.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ في حبس الوالد بدين الولد الخلاف.
وعند أَبِي يُوسُفَ يحبس بذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر
والمؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد بن الحسن لا يحبس إلا في نفقة
الولد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو العبَّاس ويَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كل موضع حكم بحبسه حُبس، ولا غاية له، بل
يحبس حتى يكشف عنه ثلاثًا أو أربعًا، فمتى ثبت إعساره خُلّي، ولا تُغفُّل
المسألة عنه. وعند أبي حَنِيفَةَ في رِوَايَة: الأصول تحبس أربعة أشهر،
وقال في موضع: ثلاثة أشهر، وقال في موضع: أربعين يومًا، وقال في موضع:
شهرًا. قال أصحابه: ليس هذا على سبيل التحديد، وإنما هو على قدر حال
المفلس، فإن كان ممن لا يعلم بحاله إلا بحبس أربعة أشهر حبس قدر ذلك، وكذا
إذا كان لا يعلم بحاله إلا بحبس ثلاثة أشهر حُبس قدر ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ نفقته في مدة الحبس في ماله، وعند قوم هي
على غرمائه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حبس في حق رجل وآخر يدَّعي عليه
حقًّا جاز للحاكم أن يحضره ويسمع الدعوى عليه. وعند مالك لا يجوز إخراجه من
الحبس بذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حبسه لم يغفله ويسأل عن حاله. وعند
مالك يجب أن يغفله ولا يتولى الكشف عن حاله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ من حبس لأجل الدين لا
يجوز تقييده، ولو خاف
(1/525)
منه الهرب، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو
عبد الله الحسن عن الهادي. وعند النَّاصِر منهم يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ وسائر
الزَّيْدِيَّة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا سأل الغرماء أو بعضهم الحاكم
الحجر عليه حجر عليه وباع عليه ماله. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يحجر عليه ولا
يبيع عليه ماله، بل يحبسه حتى يقضي ما عليه. وعند النَّاصِر من
الزَّيْدِيَّة لا يجوز له ذلك إلا إذا تمرَّد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة
زيد بن علي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يباع عليه ما لا غنى عنه، كعبده الذي
يحتاج إلى خدمته، وداره التي يسكنها. وعند أَحْمَد لا يباع عليه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعثمان وعلي وأبي هريرة وَأَحْمَد
وإِسْحَاق وَمَالِك وعروة بن الزبير إذا حجر الحاكم على المفلس تعلقت ديون
الغرماء بماله ومنع من التصرف بماله، ومن وجد عين ماله فهو أحق به، وكذلك
إذا مات وعليه ديون ولا تفي تركته بحقوقهم، فحكمه حكم المفلس على ما ذكرناه
حرفًا بحرف. ووافقنا مالك في المفلس، وخالفنا في الميت. وعند الحسن البصري
والنَّخَعِيّ وابن شُبْرُمَةَ وأَبِي حَنِيفَةَ لا يحجر الحاكم على المفلس،
ولا تتعلق حقوق الغرماء بماله، ولا يكون من وجد عين ماله أحق به، وإنما
يملك الحاكم أن يحبسه ويأمر بقضاء ديونه، كما يُفعل بالملي، وكذا قالوا في
الميت: أن حقوق الغرماء لا تتعلق بماله، ومن وجد منهم عين ماله لا يكون أحق
به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حجر على المفلس انقطع تصرفه في ماله، فإن
تصرَّف في غير ماله فقَوْلَانِ: أحدهما أنه باطل، وبه قال ابن أبي ليلى
والثَّوْرِيّ وَمَالِك واختاره الْمُزَنِي، والقول الثاني أنه صحيح ويكون
موقوفًا على ما فضل من قضاء ديونه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا: تصرفه باطل، فالعتق وغيره
سواء. وعند أَبِي يُوسُفَ َوَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَبِي حَنِيفَةَ ينفذ
عتقه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقرَّ المفلس بعد الحجر بدين لزمه
قبل الحجر قبل إقراره.
(1/526)
وهل يشارك الغرماء؟ قَوْلَانِ: أصحهما
يشاركهم ويضرب معهم به. والثاني لا يشارك الغرماء، وإنما يدفع إليه ما فضل
منهم، وبه قال مالك وعبد الله بن الحسن والثَّوْرِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نصب الحاكم أمينًا لبيع مال المفلس
وقبض ثمنه فباع شيئًا منه. وقبض ثمنه، ثم تلف في يده من غير تفريط تلف من
ضمان المفلس. وكذا إذا باع العدل شيئًا من مال المفلس وقبض ثمنه، فلو ادعى
رجل على المشتري أن العين الذي اشتراها ملكه وأقام على ذلك بيّنة أخذها من
يد المشتري، فإن كان الثمن باقيًا في يد العدل رجع به المشتري، وإن كان
المال قد تلف في يد العدل بغير تفريط رجع المشتري بالعهدة في مال المفلس.
ووافقنا أبو حَنِيفَةَ في هذا. وخالفنا في العدل إذا تلف الرهن في يده، وفي
الوكيل والوصيِّ إذا تلف المال في أيديهم بغير تفريط أن الضمان يجب عليهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حُجر على المفلس وعليه دين مؤجَّل لم
يحل في أحد القولين، واختاره الْمُزَنِي، وبه قال أَحْمَد وأبو حَنِيفَةَ.
ويحلُّ في القول الثاني، وبه قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وبعض العلماء إذا
أفلس المشتري قبل توفير الثمن والسلعة قائمة بعينها كان البائع أولى بسلعته
من الغرماء، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه
البائع أسوة الغرماء، وبه قال زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا بذل الغرماء للبائع حقه
ويترك الرجوع في عين ماله لم يلزمه إجابتهم إلى ذلك. وهكذا الورثة إذا
بذلوا له الثمن ويترك الرجوع في عين ماله لم يلزمه إجابتهم إلى ذلك. وعند
مالك إذا بذل الغرماء الثمن لزمه قبوله، ولم يكن له الرجوع بعين ماله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع عينًا وقبض ثمنها ثم أفلس
المشتري، فهل للبائع أن يرجع في بعض العين بقدر ما بقي من الثمن؟
قَوْلَانِ: القديم ليس له ذلك. والجديد له الرجوع في بعض العين بقدر ما بقي
من الثمن. واختلف النقل عن مالك فنقل عنه الشيخ أبو حامد موافقة القول
القديم، ونقل عنه صاحب الشامل والشاشي والمعتمد والخوارزمي في النكت أنه
ليس له الرجوع في بعض العين، بل هو بالخيار إن شاء ردَّ
(1/527)
قيمة ما قبضه من الثمن ورجع في جميع العين،
وإن شاء ضَرَب بقدر ما بقي من الثمن مع الغرماء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى زيتًا فخلطه بزيته، أو قمحًا
فخلطه بقمحه ثم أفلس، فإن كان خلطه بمثله أو بما دونه فالبائع بالخيار إن
شاء أخذ كمكيله وزيته منه، أو كمكيله وقمحه، وإن شاء ترك وضرب مع الغرماء.
وإن خلطه بأجود منه فقَوْلَانِ: أحدهما لا رجوع له ويضرب مع الغرماء.
والثاني يأخذ من الزيت بقدر قيمة زيته. وعند مالك يأخذ زيته بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تغيَّر المبيع، بأن كان حنطة فطحنها،
أو غزلاً فنسجه، أو دقيقًا فخبزه لم يسقط الفسخ، وعند أَحْمَد يسقط.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعثمان وعلي وأبي هريرة من مات وعليه دين
تعلّق ذلك بماله. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ لا يتعلَّق بماله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في
رِوَايَة وعامة أهل العلم إذا مات من له دين إلى أجل وعليه دين إلى أجل،
فإن الدين الذي له إلى أجله لا يحلُّ بموته، والذي عليه يحلُّ بموته. وعند
الحسن البصري والزُّهْرِيّ وطاوس وعمرو بن دينار وَأَحْمَد فى أصح
الروايتين لا يحل ما عليه بموته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان غرماء الميت ممن باع منه عينًا،
ووجد عين ماله ولم يقبض ثمنها، فإن كانت التركة لا تفي بالدين فللبائع أن
يرجع في عين ماله. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ لا يرجع فيها، بل يضرب مع
الغرماء بدينه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع حنطة فطحنها المشتري، أو ثوبا
فقصَّره المشتري، ثم أفلس فقَوْلَانِ: أحدهما يرجع البائع في الجميع، وبه
قال مالك، واختاره الْمُزَنِي. والثاني وهو الصحيح أن المشتري والبائع
شريكان في ذلك.
(1/528)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأصحاب
مالك إذا قُسِّم مال الميت، أو مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر له
دين كان مستحقًّا قبل الحجر رجع على الغريم من سائر الغرماء بما يخصه. وعند
مالك يرجع غريم الميت ولا يرجع غريم المفلس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا استفاد المفلس مالاً ولم
يف بديونه حجر الحاكم عليه ثانيًا وقسَّمه بين غرمائه الأوَّل، وغرمائه
الذين حدثوا بعد الإفلاس. وعند مالك يختص به غرماؤه الآخرون دون الأولين،
إلا أن يكون استفاده من ميراث أو أرش جناية، فيقسَّم بين الأولين والآخرين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا زاد ثمن السلعة بعدما أفلس المشتري
لم يمنع ذلك البائع من الرجوع فيها. وعند مالك الغرماء بالخيار بين أن
يعطوه ثمنها الذي باعها به وبين أن يسلِّموا إليه السلعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى جارية ثم ولدت عنده، ثم أفلس،
فالبائع بالخيار بين أن يرجع في الأمِّ دون الولد وبين أن يترك ويضرب مع
الغرماء. وعند أَحْمَد يرجع فيها. وعند مالك للبائع الرجوع في الأمِّ
وولدها، إلا أن يختار الغرماء أن يعطوه كمال حقه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى أرضًا فبنى فيها، فالبائع
بالخيار بين أن يعطي قيمة البناء، ويكون ذلك له، وبين أن يرجع في الأرض دون
العمارة وتكون العمارة للغرماء، إلا أن يشاءوا أن يقلعوا العمارة ويكون
عليهم ما حصل من النقص. وعند مالك تُقوَّم الأرض وما فيها مما أصلح، ثم
ينظر كم ثمن البقعة وكم ثمن البنيان، ثم يكونان شريكين، لصاحب البقعة بقدر
حصته، وللغرماء حصة البناء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أجر إبلاً بأعيانها ثم أفلس،
فللمكترين أن يركبوا إبلهم، ولا تباع حتى يستوفوا حمولتهم، وبه قال مالك،
إلا أنه قال: إلا أن يضمنوا له الغرماء حملانهم، ويكترون له من مَلي،
ويأخذوا إبلهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استأجر حمولة لتحمل له طَعَامًا إلى
بلد، فمات المكترى، أو أفلس، فإن كان قبل الحمل كان للحمَّال الفسخ، وإن
كان بعد الحمل فهو أسوة الغرماء. وكذلك إذا استأجر أجيرًا في حائط أو زرع،
ثم أفلس، فالأجير أسوة الغرماء. وعند مالك الحمَّال أولى بالطعام إذا كان
تحت يده حتى يستوفى، والأجير أولى بما في يده حتى يقتضي أجرته.
(1/529)
باب الحجر
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وعامة أهل العلم
يثبت الحجر على البائع إذا كان ضعيف العقل. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وزفر لا
يثبت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد
وإِسْحَاق والثَّوْرِيّ وابن الْمُبَارَك سن البلوغ في الذكر والأنثى
استكمال خمس عشرة سنة. وعند مالك وداود
(1/530)
ليس للبلوغ بالسن حد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
سنَّه في الغلام سبع عشرة سنة في رِوَايَة مُحَمَّد عنه وهو الصحيح، وفي
رِوَايَة الحسن اللؤلؤي عنه إذا بلغ ثماني عشرة سنة، وعنده في الجارية سبع
عشرة سنة. وعند مالك يحكم فيها بتسع عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة، ويحكم
ببلوغ الغلام بسبع عشرة سنة وفي الجارية عنه رِوَايَتَانِ إحداهما: تسع
عشرة سنة، والثانية: ثماني عشرة سنة. ومن أصحابه من يقول: إنها رِوَايَة
واحدة، وهو أن يستكمل ثماني عشرة سنة، ويدخل في تسعة عشر.
مسألة: اختلف قول الشَّافِعِيّ في الشعر الخشن الذي ينبت حول ذكر الرجل
وحول فرج المرأة، هل هو حقيقة في البلوغ؟! أم هو دلالة على البلوغ؟ على
قولين: أحدهما: أنه حقيقة في البلوغ، وبه قال مالك وسائر الزَّيْدِيَّة
وزيد بن علي. والثاني أنه دلالة على البلوغ، وبه قال أَحْمَد وإِسْحَاق.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه ليس بدلالة ولا حقيقة في حق المسلم ولا
الكافر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا بلغ الصبي غير مصلح لماله ودينه لم
يدفع إليه المال. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ
ومُحَمَّد وَأَحْمَد وإِسْحَاق يدفع المال إليه إذا كان مصلحًا لماله، وإن
لم يكن مصلحًا لدينه، وبه قال من الشَّافِعِيَّة صاحب التتمة، وبه الفتيا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك يجوز للولي أن يأكل من مال
اليتيم شيئًا إذا كان فقيرًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز له أن يأكل
فقيرًا كان أو غنيًّا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد
وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا بلغ غير مصلح لماله لم يسلَّم إليه
المال ما دام كذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يسلم إليه ماله، لكن إن تصرَّف
فيه ببيع أو عتق أو غيره نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسًا وعشرين سنة انفك الحجر
عنه ودفع المال إليه وإن لم يكن مصلحًا لماله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأكثر أهل العلم إذا
بلغت المرأة وأونس منها الرشد انفك عنها الحجر ودفع المال إليها، تزوجت أم
لم تتزوج. وعند مالك لا ينفك الحجر عنها ولا يدفع المال إليها حتى تتزوج،
ويدخل بها الزوج، وتحبل، وتلد.
(1/531)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ وأَبِي حَنِيفَةَ وإحدى الروايتين عن أَحْمَد ينفذ تصرف
المرأة الرشيدة في مالها بجميع التصرفات بغير إذن زوجها. وعند مالك
َوَأَحْمَد ليس لها أن تتصرف في أكثر من ثلث مالها بغير عوض بغير إذن
زوجها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعثمان وعلي والزبير وابن الزبير وعبد
الله بن جعفر وعائشة وابن عَبَّاسٍ وشريح وعَطَاء وَمَالِك وأهل المدينة
وأهل الشام وأَبِي يُوسُفَ ومحمد َوَأَحْمَد وإِسْحَاق والْأَوْزَاعِيّ
وأَبِي ثَورٍ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا بلغ رشيدًا ودفع إليه المال، ثم
صار مفسدًا لدينه وماله، أو ماله أعيد الحجر عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
وزفر والنَّخَعِيّ وابن سِيرِينَ لا يعاد الحجر عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة أهل العلم يصح طلاق السفيه وخلعه
ولا ينفذ عتقه. وعند ابن أبي ليلى والنَّخَعِيّ وأَبِي يُوسُفَ لا يصح
طلاقه وخلعه ولا ينفذ عتقه.
(1/532)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي
يُوسُفَ لا يعاد الحجر على المبذر إلا بحكم الحاكم. وعند مُحَمَّد يصير
محجورًا عليه بنفس التبذير، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من لم ينفك عنه الحجر لا ينفذ إقراره ولا
تصرفاته. وعند أبي حَنِيفَةَ تنفذ إقراره وتصرفاته. وعند الخرقي من
الحنابلة يتبع به إذا فك عنه الحجر.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا بلغ الغلام، فهل ينفك الحجر
عنه بنفس البلوغ، أو لا بد من حكم الحاكم بالفك؟ فيه وجهان، وبالأول قال
أحمد، وبالثاني قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا احتاج أن يأكل من مال
اليتيم شيئًا، أنفق أقل الأمرين من حاجته أو أجرة عمله، وفي لزوم العوض له
قَوْلَانِ عند الشَّافِعِيّ، ورِوَايَتَانِ عند أحمد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
لا يأكل من ماله شيئًا.
* * *
(1/533)
|