المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة

كتاب البيوع
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لا يصح بيع الصبي، سواء كان بإذن الولي أو بغير إذنه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يصح بيع الصبي المميز بإذن الوَلي. فإن باع بغير إذن وليِّه كان عند أَبِي حَنِيفَةَ موقوفًا على إجازة الوَلي. وعند أَحْمَد يبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لا ينعقد البيع إلا بالإيجاب والقبول، ويكونان بالقول إما بلفظ البيع، أو بلفظ التمليك، أو بلفظ الصرف، أو بلفظ السلم، وكذلك سائر العقودات، وكذلك الهبة والهدايا، فإنها لا تنعقد إلا بالقول. وعند أَبِي حَنِيفَةَ التعاطي بيع، وهو قول للشافعي، واختاره جماعة من أصحاب الشَّافِعِيّ للفتيا، وهو المختار، وبه قالت الزَّيْدِيَّة وخصوه بالمحقرات بقدر دانق وما دونه. وعند مالك كل ما يعده

(1/433)


الناس بيعًا فهو بيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في رِوَايَة ينعقد البيع بلفظ الاستدعاء، وهو أن يقول: بعني، فيقول البائع: بعتك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وَأَحْمَد لا ينعقد البيع بلفظ الاستدعاء، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة وسائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وأبي هريرة وأبي برزة والشعبي وسعيد بن المسيب والحسن وطاوس وعَطَاء والزُّهْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأبي ثور خيار المجلس ثابت في البيع ما لم يتفرقا أو يخيِّر أحدهما صاحبه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند النَّخَعِيّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وسائر الزَّيْدِيَّة لا يثبت خيار المجلس في البيع، ويلزم البيع بمجرد الإيجاب والقبول، وإنما يثبت الخيار بالشرط.

(1/434)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وأبي عبيد وبعض الصحابة والتابعين التفرق الذي يلزم به البيع هو التفرق بالأبدان دون الكلام. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ هو الكلام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا شرط الخيار إلى الليل لم يدخل فيه الليل، وإن شرط الخيار إلى النهار لم يدخل فيه النهار. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة يدخل الليل والنهار في الشرط.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام. وعند ابن أبي ليلى وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد وداود يجوز أن يشترطا ما شاءا من غير تحديد. وعند الْإِمَامِيَّة: يثبت الخيار في بيع الحيوان خاصة، وإن لم يشترط ثلاثة أيام. وعند مالك يجوز أن يشرطا على حسب الحاجة، فإن كان مما يدرك معرفته في يوم شرط يومًا، ولم يجز أن يشرطا زيادة على ذلك. وإن كان لا يمكن معرفته إلا بما زاد على الثلاث جاز أن يشرطا قدرًا يمكن معرفته به، فيتقدَّر عنده بالحاجة. وإن كان المبيع ثوبًا جاز أن يشترطا ساعة، ولا يجوز أكثر. وإن كان المبيع قرية أو ضيعة جاز أن يشترطا ما تدعو الحاجة إليه من شهر وأكثر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا ابتاع نفسان بشرط الخيار كان لأحدهما أن يفسخ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح حتى يفسخا جميعًا.

(1/435)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وزفر وأَبِي حَنِيفَةَ: إذا شرطا الخيار أكثر من ثلاثة أيام فسد العقد، ولا يلحقه الضرر بإسقاط ما زاد على الثلاث. وعند الْإِمَامِيَّة وابن أبي ليلى يجوز أكثر من ثلاثة أيام بعد أن يكون مدة محدودة. وعند الحسن يرجى إذا قال البائع للمشتري: اذهب فأنت فيه بالخيار فهو بالخيار أبدًا حتى يقول: قد رضيت واختلف أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، فقال البغداديون: العقد فاسد، فإن أسقطا الزائد على الثلاث قبل الشروع فيه لحق العقد الصحة، وإن أسقطاه بعد الشروع فيه لم يسقط ولم يلحق العقد الصحة. وقال الخراسانيون: يقع العقد موقوفًا، فإن أسقطا الزائد قبل الشروع تبينَّا أن العقد وقع صحيحًا، وإن أسقطاه بعد الشروع تبينَّا أنه وقع فاسدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. إذا تبايعا بشرط الخيار إلى الأبد فالبيع والشرط باطلان. وعند أَحْمَد في رِوَايَة أخرى هما صحيحان. وعند مالك يكون الخيار إلى مدة يختبر المبيع إلى مثلها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا شرطا خيارًا مجهولاً بطل الشرط والبيع. وعند ابن أبي ليلى الشرط باطل والبيع صحيح. وعند ابن شُبْرُمَةَ يصح البيع والشرط جميعًا، وهو ظاهر قول أحمد. وعند مالك إن لم يققر الخيار جاز وجعل لهما من الخيار قدر ما يختبر به المبيع في العادة. وعند الحسن بن صالح إذا لم يعيق أجل الخيار كان له الخيار أبدًا.

(1/436)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء من ابتاع شيئًا وشرط الخيار ولم يسم وقتًا ولا أجلاً مخصوصًا بل أطلقه إطلاقًا فإنه لا يصح الشرط ويبطل البيع. وعند الْإِمَامِيَّة له الخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام ثم لا خيار له بعد ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ البيع فاسد، فإن أجازه في مدة الثلاثة الأيام صَحَّ، وإن لم يجزه حتى مضت لم يصح. وعند أبي يوسف ومُحَمَّد له أن يخير بعد الثلاثة أيام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ لا يكره نقد الثمن في مدة الخيارين. وعند مالك يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تبايعا على أنه إن لم ينقده الثمن في مدة خيار الثلاث فلا بيع بينهما، فإن هذا الشرط فاسد يفسد العقد ولا يثبت به خيار الثلاث، وكذا إذا قال البائع: بعتك على إن زدت الثمن بعد خيار الثلاث فلا بيع بيننا، فإن هذا الشرط فاسد يفسد العقد ولا يثبت به خيار الثلاث. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يصح هذا الشرط والبيع، ويكون في المسألة الأولى الخيار للمشتري وحده. وفي المسألة الثانية الخيار للبائع وحده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا شرطا في البيع شرطا فاسدًا فسد البيع. وعند أحمد رِوَايَة أخرى أنه يبطل الشرط خاصّة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن اتفقا على إسقاطه عقيب البيع سقط الشرط وصح العقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وزفر وَأَحْمَد يجوز لمن له الخيار أن يفسخ من غير حضور صاحبه، وكذا إذا كان الخيار لهما فيجوز لكل واحد منهما أن يفسخ من غير حضور صاحبه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد لا يجوز له أن يفسخ بغير حضور صاحبه.

(1/437)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا انقضت مدة الخيار ولم يفسخا العقد بمجرد مضي المدة فلا يحتاج في لزومه إلى إجازتهما. وعند مالك لا يلزم العقد بمضي مدة الخيار حتى يخيرا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ خيار الثلاث لا يسقط بالموت، بل ينتقل إلى الورثة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وداود وَأَحْمَد يسقط بالموت، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الزيادة المنفصلة حدوثها في أيام الخيار لا تبطله. وعند أبي حَنِيفَةَ تبطله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فسخ المشتري العقد في أيام الخيار فتلف الثمن في يد البايع لا يبطل الفسخ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يبطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تسليم البيع في مدة الخيار لا يبطل الخيار. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يبطله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تفاسخا في مدة الخيار ثم فات المبيع قبل الاسترداد لم يعد البيع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يعود البيع ويبطل الفسخ.
مسألة: اختلف قول الشَّافِعِيّ في الملك متى ينتقل إلى المشتري في خيار المجلس، وفى خيار الثلاث إذا شرطاه على ثلاثة أقوال: أحدها: ينتقل بنفس العقد، وهو قول أحمد. والثاني: ينتقل بالعقد والتصرف في خيار المجلس. والثالث: بالعقد وانقضاء مدة الخيار، وإن لم يفسخا تبينا بأن الملك ينتقل بنفس العقد، فإن فسخا قبل التصرف أو قبل انقضاء مدة الخيار تبينا أن الملك لم ينتقل عن ملك البائع.

(1/438)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان الخيار للمشتري وحده ففيه الأقوال الثلاثة المذكورة أولًا، إذا كان الخيار لهما أو للبائع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يزول ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أعتق البائع البيع في مدة خياره نفذ. وعند أَحْمَد لا ينفذ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أعتق المشتري البيع والخيار للبائع لم ينفذ. وعند أحمد ينفذ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع عبدًا بجارية بشرط الخيار فأعتقهما جميعًا في حالة واحدة نفذ العتق في العبد دون الجارية. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يعتقان جميعًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا وطئ البائع الجارية المبيعة في مدة الخيار كان فسخًا للبيع ولا حد عليه. وعند أَحْمَد إن كان ذلك قبل الفسخ وهو عالم بالتحريم فعليه الحد.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا شرط خيار الثلاث لأجنبي، فإن شرط أنه وكيله صح، وإن لم يشرط أنه وكيل له ففيه وجهان: أحدهما يصح، وهو ظاهر قول الشَّافِعِيّ. والثاني لا يصح وهو قول مالك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا شرط لأجنبي صح الخيار وكان الأجنبي وكيلاً له. وعند عبد الوهاب بن نصر أن الصحيح من مذهب مالك أنه لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا أتلف البيع في مدة الخيار، أو كان عبدًا فأعتقه المشتري لم يبطل الخيار. وعند أَحْمَد في إحدى الروايتين يبطل، واختارها من أصحابه الخرقي وأبو بكر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا قتلت الأمة المشتري في مدة الخيار لم يبطل خياره. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يبطل.
* * *

(1/439)


باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع الكلب، سواء كان معلمًا أو غير معلم ولا يجب على متلفه قيمة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي. وعند النَّاصِر وزيد بن علي والمؤيد والقاسم منهم يجوز بيع الكلب المعلم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَة أخرى أنه لا يجوز بيع الكلب العقور. وعند عَطَاء والنَّخَعِيّ وجابر بن عبد الله يجوز بيع كلب الصيد دون غيره. واختلف النقل عن مالك، فنقل عنه صاحب البيان أنه لا يحل بيعه وأخذ ثمنه ويجب على متلفه القيمة. ونقل عنه صاحب المعتمد أنه يكره بيع الكلاب كلها، ونقل عنه صاحب المعتمد أيضًا أنه أوجب على من قتل كلب الصيد أو الماشية قيمته. وعند بعض أصحاب مالك لا يجوز بيعه. وعند بعض أصحاب مالك أيضًا أن المأذون له في إمساكه يجوز بيعه له وإن كره.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لا يصح بيع المصادر على الصحيح من الوجهين. وصورته: أن يصادر على مال بعينه ولا يمكنه إلا ببيع ماله فباعه، والثاني يصح، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة. وعند جماعة منهم النَّاصِر الأصح أن يقال: إنه ينعقد وله الخيار بعد ذلك إذا تخلَّص.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز للإنسان أن يبتاع متاعًا أو غيره نقدم أو

(1/440)


نسيئةً على أن يسلف البائع شيئًا أو يقرضه مالاً إلى أجل أو يستقرض منه. وعند الْإِمَامِيَّة يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الخمر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز للمسلم أن يوكل ذميًا بيعها وشرائها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يجوز بيع السرجين وجلد الميتة قبل الدباغ، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه يجوز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز بيع الفقاع وابتياعه. وعند الْإِمَامِيَّة يحرم.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الزيت النجس في أصح الوجهين، وبه قال أَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، ويجوز في الآخر، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر وعامة أهل العلم أنه لا يجوز بيع أم الولد. وعند داود وأَبِي ثَورٍ والْإِمَامِيَّة والشيعة وعبد الله بن الزبير وعلي وكذا ابن عَبَّاسٍ في إحدى الروايتين أنه يجوز بيعها، وهو قول قديم للشافعي. وعن ابن عَبَّاسٍ رِوَايَة أيضا أنها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه. وصح رجوع علي رضي الله عنه عن جواز بيعها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا كان السفل للمالك والعلو لآخر فاستهدم العلو وأراد مالكه بيعه صح ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وعائشة وعمر بن عبد العزيز يجوز بيع المدبَّر، سواءٌ كان التدبير مطلقًا أو مقيدًا. والمطلق أن تقول: إذا مت فأنت حر، والمقيد أن تقول إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا، ونحو ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز بيع المدبَّر إذا كان مطلقًا، ويجوز إذا كان مقيدًا. وعند مالك والثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ لا يجوز بيعه مطلقًا كان أو مقيدًا. وعند أَحْمَد يجوز بيعه في إحدى الروايتين في الدين خاصة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع رقبة المكاتب في قوله الجديد، وهو قول مالك

(1/441)


وأَبِي حَنِيفَةَ، ويجوز في قوله القديم، وهو قول عَطَاء والنَّخَعِيّ وَأَحْمَد. وعند الزُّهْرِيّ ورَبِيعَة وأَبِي يُوسُفَ يجوز بإذن المكاتب ولا يجوز بغير إذنه. وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال: المكاتب أحق باشتراء كتابته ممن اشتراه إذا نوى أنه يؤدي إلى سيده الثمن الذي بيع به. وعند الْأَوْزَاعِيّ يكره بيع المكاتب للخدمة، ولا بأس ببيعه للعتق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عَبَّاسٍ وَأَحْمَد وإِسْحَاق يجوز بيع السنّور. وعند أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد أنه يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز بيع لبن الآدميات. وعند الأنماطي من الشَّافِعِيَّة لا يجوز بيعه، وإن جاز شربه للصغار، ولا يجوز لغير الصغار شربه لنجاسته عنده. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو طاهر، غير أنه لا يجوز بيعه، وهو قول مالك، وكذا أحمد فى رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ لبن ما لا يؤكل لحمه نجس إلا لبن الآدميات. وعند ابن جرير كل لبن طاهر إلا لبن الكلب والخنزير. وعند مالك كل لبن طاهر إلا لبن الخنزير، وعنه رِوَايَة أن لبن الخنزير طاهر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز بيع دور مكة وهبتها ورهنها وإجارتها، وهي مملوكة إلا ما كان موقوفًا منها. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ في أصح الروايتين، وَأَحْمَد في إحدى الروايتين وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ لا يجوز بيعها وإجارتها، وهي غير مملوكة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ومُحَمَّد يصح بيع دود القزّ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز، وعنه رِوَايَة أخرى أنه يجوز بيعه مع القز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا ابتاع سلعة بفلوس فكسدت الفلوس

(1/442)


لم يبطل البيع، وعليه قيمة الفلوس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يبطل البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باعه ثوبًا على أنه عشرة أذرع فبان أنه اثنا عشر ولم يقل كل ذراع بكذا فقَوْلَانِ: أصحهما يصح البيع، ويكون البائع بالخيار بين أن يسلم جميع الثوب ويجبر المشتري على قبوله، وبين أن يفسخ البيع. والثاني يبطل البيع. وعند أبي حَنِيفَةَ البيع صحيح، ويثبت الخيار للمشتري. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة إن قال كل ذراع بكذا وجب عليه قسط الزائد من الثمن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء إذا اشترى شيئًا بثمن مُعين ولم يقبضه ولا قبض ثمنه وفارقه أن البيع صحيح. وعند الْإِمَامِيَّة إذا فارقه قبل قبضه أو قبض ثمنه فالمبتاع أحق به ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يحضر المبتاع الثمن كان البائع بالخيار إن شاء فسخ البيع وباعه من غيره، وإن شاء طالبه بالثمن على التعجيل والوفاء، وليس للمبتاع على البائع في ذلك خيار. فلو هلك المبيع في مدة الأيام الثلاثة كان من مال المبتاع دون البائع، فإن هلك بعد الثلاثة الأيام كان من مال البائع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة لا يجوز بيع الموقوف. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز بيعه ما لم يتصل به حكم حاكم، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ المملوك إذا كان مشركًا جاز بيعه من مسلم ومشرك، صغيرًا كان أو كبيرًا. وعند أَحْمَد لا يجوز بيع المملوك الصغير من المشرك.
* * *

(1/443)


باب ما نُهِيَ عنه من بيع الغرر وغيره
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يصح بيع ما لم يملكه بغير إذن مالكه ولا ولاية عليه، ولا يصح أن يشتري لغيره شيئًا بغير وكالة ولا ولاية، ولا يقف على إجازة المالك ولا إجازة من اشتُرِي له. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح في الصورتين، ويقف على إجازة المالك إن نفَّذه نفذ وإن ردّه بطل. وعند أَكْثَر الْعُلَمَاءِ البيع الموقوف على الإجازة صحيح. وأما الشراء فلا يوقف عند أَبِي حَنِيفَةَ. وعند مالك يوقف البيع والشراء على إجازة المالك والمشتري له. وللشافعي قول قديم موافق لذلك في البيع والشراء. وعند الأكثرين لا يوقف الشراء على الإجازة، ويكون للمشتري دون المشتري له. وعن أحمد رِوَايَتَانِ في ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عَبَّاسٍ ومُحَمَّد بن الحسن وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع المبيع قبل القبض بحال. وعند مالك يجوز بيع ما عدا الطعام قبل القبض. وادعى الترمذي أن أَكْثَر الْعُلَمَاءِ على ذلك. وعند عثمان بن عفان وَأَحْمَد وإِسْحَاق وسعيد بن المسيب إن كان المبيع مكيلاً أو معدودًا أو موزونًا لا يجوز بيعه قبل القبض، وما عدا ذلك يجوز بيعه قبل القبض. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ إن كان المبيع مما ينقل ويحول فلا يجوز بيعه قبل القبض، وإن كان المبيع مما لا ينقل ويحوّل كالعقار فإنه يجوز بيعه قبل القبض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا ابتاع طَعَامًا مكايلة لم يجز بيعه قبل كَيْله، وهكذا فى المزارعة وسواها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في المكيل والموزون كذلك، وعند أَحْمَد في المزروع يجوز، وفي المعدود رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان الصداق أو عوض الخلع عينًا فلا يجوز بيعه قبل قبضه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ يجوز. وعند أَحْمَد إن كان يتعيّن حقها فيه كالعُروض جاز لها بيعه قبل القبض، وإن كان مما لا يتعيّن لم يجز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق يجوز أن يبيع بالذهب ويأخذ عوضه الورق،

(1/444)


ويجوز أن يبيع بالورق ويأخذ عوضه الذهب، ولا يكره ذلك. وعند بعض العلماء من الصحابة والتابعين يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة القبض مما ينقل بالنقل، وفي العقار والشجر بالتخلية. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد قبض جميع الأشياء بالتخلية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز توكيل البائع بقبض المبيع، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، واختاره منهم المؤيد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد يجوز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحيى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة الزَّيْدِيَّة لا يجوز بيع العبد الآبق والجمل الشارد والفرس الغائر. وعند ابن عمر يجوز بيع الآبق. وعند الْإِمَامِيَّة يجوز شراء العبد الآبق مع غيره، ولا يشتري وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري. وعند ابن سِيرِينَ إن عرف موضعه جاز بيعه، وإن لم يعرف موضعه لم يجز بيعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع العبد الآبق، ثم رجع لم يجز تسليمه في هذا العقد ويستأنف فيه العقد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح تسليمه في هذا العقد لأن البيع عنده ثلاثة أضرب: بيع صحيح، وبيع فاسد لا تلحقه الصحة، وهو بيع الطير في الهواء والسمك فى الماء، لأنه غير مقدور على تسليمه، وبيع فاسد تلحقه الصحة، وهو البيع بشرط أكثر من ثلاثة أيام، وهذا البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يصح بيع عبد من عبدين أو ثلاثة أو أكثر. وعند أبي حَنِيفَةَ يصح ذلك في عبد من اثنين أو ثلاثة فقط، ولا يصح من أربعة فما زاد. وعند مالك إذا باعه عبدًا من عبيد، أو ثوبًا من ثياب، أو شاة من شياه، فكانت كلها متقاربة الصفة غير متفاوتة وشرط الخيار للمشتري صح البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها ونوعها، بأن يقول: بعتك ما في هذا الجراب، أو بعتك ما في بيتي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ فى إحدى الروايتين يصح بيع العين الحاضرة المشار إليها، وإن كانت غير مشاهدة، ولا تفتقر إلى ذكر الجنس، وإن كانت غائبة صحّ بيعها إذا ذكر الجنس.
مسألة: اختلف قول الشَّافِعِيّ فيما إذا ذكر بيع العين الغائبة الجنس والنوع بأن قال: بعتك عبدي التركي أو الرومي، ولم ير ذلك المشتري أو البائع فأحد القولين: أن البيع

(1/445)


صحيح، وبه قال الحسن والشعبي والنَّخَعِيّ والْأَوْزَاعِيّ وعبيد الله بن الحسن العنبري وإِسْحَاق. والقول الثاني: أن البيع باطل، وهو الصحيح، وبه قال الحكم وحماد. وعند مالك وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يصح البيع إذا وصفه بصفات السلم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا ذكر الجنس ولم يذكر النوع صح البيع، وثبت للمشتري الخيار إذا رآه، فإن لم يذكر الجنس. فاختلف أصحابه فيه، فمنهم من قال: لا يصح.
مسألة: عند بعض الشَّافِعِيَّة وَأَحْمَد يحتاج إلى ذكر جميع الصفات التي يختلف لأجلها الثمن. وعند بعض الشَّافِعِيَّة يجزئه أكثرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا صححنا بيع العين الغائبة مع وصفها أو دون وصفها ووجدها دون ما وصف ثبت له الخيار. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا خيار له، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا لم ير البائع العين المبيعة وباعها ثم رآها ففي ثبوت الخيار للبائع وجهان: أحدهما لا يثبت، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. والثاني يثبت له الخيار.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تقدمت رؤية البائع والمشتري على العقد فإنه يصح العقد، وإن لم يره حال العقد. وعند الحكم وحماد لا يصح، وبه قال الأنماطي من الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا لم ير المشتري داخل البيت أو الحانوت لم يصح الشراء. وعند زفر وابن أبي ليلى له الخيار. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تكون هذه الرؤية لظاهر البيت كرؤية المثل. وعند المؤيد من الزَّيْدِيَّة تكون رؤية ظاهر السفينة كرؤية باطنها ورؤية البيت لا تكون كرؤية ظاهره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يصح بيع الأعمى ولا شراؤه، إلا ما قد شاهده ثم عمي بعد ذلك، وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز ذلك وأثبت له أبو حَنِيفَةَ الخيار إلى معرفة المبيع إما أن يحسُّ أو يذوقه أو يشمه أو بأن يُوصف له.

(1/446)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان له بركة يحبس فيها الماء ويجتمع فيها السمك، فإن كان الماء صافيًا يشاهد فيه السمك ويمكن أخذه من غير مؤنة فإنه يجوز بيعه في الماء، وإن كان الماء كدرًا لا يمكن مشاهدته فيه ويحتاج في أخذه إلى مؤنة وتكلف فإنه لا يجوز بيعه في الماء. وعند عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى يجوز بيعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الباقلاء في قشرته، وكذا لا يجوز بيع الجوز واللوز وعليهما قشرتاهما العليا حتى تزول عنهما. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يجوز بيع ذلك كله مع القشرة العليا، وبه قال أبو سعيد الإصطخري من الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك الماء مملوك ويجوز بيعه في العيون والأنهار والبرك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، واختاره المؤيد منهم، ونقله أيضًا المؤيد عن مذهب القاسم ويَحْيَى. وعند بعض الشَّافِعِيَّة هو غير مملوك فلا يجوز بيعه. وعند الداعي وأبي طالب من الزَّيْدِيَّة عن يَحْيَى أنه لا يجوز بيعه إلا بعد الإحرار والاستقاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة لا يجوز بيع تراب الصاغة وتراب المعادن بما يخالفهما بالوزن إن كان ذهبًا يدًا بيد ويعرض إلى أجل، ولا يجوز بيع تراب الصاغة بكل حال، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والزَّيْدِيَّة المسك طاهر يجوز بيعه. وعند بعض الناس هو نجس لا يجوز بيعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع ما بَطَن من الثمار، وكذا الجزر والكراث حتى يُقلع ويُشاهد. وعند مالك يجوز، وبه قالت الزَّيْدِيَّة، وأثبتوا له الخيار إذا قُلع ورآه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في بيع الحنطة مع سنبُلها قَوْلَانِ: القديم يجوز، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. والجديد، وهو الصحيح لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع صبرة من طعام مشاهدة بثمن معلوم صحّ البيع، سواء علم البائع قدرها أم لم يعلم. وعند مالك وَأَحْمَد إذا علم البائع قدرها لم يصح البيع حتى يبين للمشتري قدرها، وإن لم يعلم قدرها جاز البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم، أو هذا القطيع كل رأس منه بدرهم، أو هذه

(1/447)


الدار كل ذراع منها بدرهم فإنه يصح البيع في المسائل الثلاث. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح البيع في القطيع والدار، ويصح من الصبرة في قفيز واحد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال: بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة، وهما يعلمان أنها أكثر من ذلك فإن البيع يصح، وعند داود لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا هلكت الصبرة إلا قدر المبيع لم يجب على البائع تسليم الباقي منها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجب عليه ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا قال: بعتك عشرة أذرع من هذه الدار، وهي مائة ذراع صح البيع في عشرها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا باع صبرة طعام مجازفة، وانفرد البائع بمعرفة مبلغها صح ذلك ولزم. وعند مالك وَأَحْمَد لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا استثنى معلومًا من مجهول فى البيع، مثل أن يقول: بعتك ثمرة هذا البستان إلا قفيزًا منها، أو هذه الصبرة إلا قفيزًا منها، وهما لا يعلمان قِفزانها، أو هذه الدار أو هذا الثوب إلا ذراعًا منه وهما لا يعلمان عدد الذراعات لم يصح البيع. وعند مالك وسالم بن عبد الله ومُحَمَّد بن سِيرِينَ يصح.

(1/448)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال: بعتك ثمرة هذا البستان إلا ربعها صَحَّ. وعند الْأَوْزَاعِيّ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة عشر نخلات منها ولم يعينها لم يصح. وعند مالك إن كانت بقدر ثلث الثمرة فما دونه جاز، وكان له عشر نخلات وسط.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا قال: بعتك هذا السمن مع الطرف كل رطل بدرهم، وهما لا يعلمان وزن كل واحد منهما فوجهان: المشهور لا يصح البيع، والثاني يصح، وبه قال الْأَوْزَاعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يجوز بيع النخْل إذا كان محبوسًا في كندوجة غير ممتنع وهو مشاهد، وفي كندوجة من غير حبس وجهان: وكذلك يجوز بيع دود القز من غير قز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز. وعنه رِوَايَة أخرى أنه يجوز بيع دود القز مع القز، والنحل مع الكندوج. وعند أَحْمَد يجوز بيعها منفردًا عن كواراتها إذا شاهدها في الكوارات.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع عشرة أقفزة من صبرة وكالها وسلمها إلى المشتري، ثم ادّعى المشتري بعد ذلك أنها تسعة أقفزة، قَوْلَانِ: أحدهما القول قول المشتري، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. والثاني القول قول البائع، وبه قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع حيوانًا بشرط أنه لبون صح البيع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا باع بقرة واستثنى لبنها الموجود في الضرع تلك

(1/449)


الحالة لم يجز، وبه قال النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة. وعند سائر الزَّيْدِيَّة يصح. قالوا: وهو الأصح من مذهب النَّاصِر أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع اللبن في الضرع مفردًا. وعند سعيد بن جبير يصح. وعند الحسن وَمَالِك ومُحَمَّد بن مسلمة يصح أن يشتري لبن هذه الشاة شهرًا إذا كان لها يومئذٍ لبن، إلا أن مالكًا يقول: إذا عرف حلابها، هذا شرطه عنده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع حيوانًا بشرط أنه حامل فقَوْلَانِ: وإن باع حيوانًا بشرط أنه يحلب في كل يوم كذا فرجهان. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يبطل البيع. وعند يَحْيَى منهم يصح البيع، والأصح من مذهب النَّاصِر أيضًا أنه إن وجد اللبن كما شرط ثبت البيع وإن لم يجده على ما شرط فله الرد، ويرد قيمة اللبن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع رجلاً من رجلين عبدًا بألف قبل أحدهما نصفه لخمسمائة صح. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان. وعند سعيد بن جبير وَمَالِك واللَّيْث ورَبِيعَة وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد في رِوَايَة يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تبايعا بيع التلجئة، وهو أن يُظهر العقد، ولم يكن تبايعا وفعلا ذلك لغرض إما لخوف ولغير ذلك، فإن تبايعا بعد ذلك فإنّ ذلك الاتفاق لا يمنع صحة البيع، وكذا إذا اتفقا على أن يتبايعا بألف ويُظهّر ألفين فتبايعا بألفين، فإن البيع يلزم بألفين. وروى ذلك أبو يوسف عن أَبِي حَنِيفَةَ، وأورد مُحَمَّد عن أَبِي حَنِيفَةَ أنه لا يصح البيع إلا أن يتفقا على ألف فيتبايعا بمائة دينار فيصح البيع استحسانًا، ويكون الثمن مائة دينار، واختاره أبو يوسف ومحمد.

(1/450)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا أظهرا ثمنًا وأبطنا خلافه فالاعتبار بما أظهراه، وكذا الحكم في الصداق. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد العقد يقع بما أبطناه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في البيع كقول الشَّافِعِيّ، وفي النكاح كقول مُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تعاملا بنقد ثم حرم السلطان المعاملة به قبل قبضه وجب تسليم ذلك النقد المتعامل به. وعند أَحْمَد يلزم تسليم قيمته. وعند أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: إحداهما أنه يجعل بمنزلة تلف المبيع فيبطل العقد المتعامل فيه. والثانية لا يبطل، بل يطالب بالنقد الذي استحدثه السلطان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى أرضًا أو ثوبًا بملء كفه دراهم أو دنانير وهما لا يعلمان عَددها صح البيع، وكذا يجوز عند الشَّافِعِيّ بيع الدراهم والدنانير جزافًا. وعند مالك لا يصح في المسألتين، وجوَّز ذلك في البقرة والتبر والحلي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال: بعتك هذه الغنم كل شاة بدينار وهما لا يعلمان عددها وقت البيع صح العقد. وعند داود لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع حزتين وثلث من الرطبة. وعند مالك يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الفصيل شرط تركه إلى أن يدرك. وعند سفيان الثَّوْرِيّ يأخذ رأس ماله ويعطي الباقي المساكين إذا اشترى فصيلاً فصار شعيرًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع العاج، وهو أنياب الفيلة. وعند ابن سِيرِينَ وعروة وابن جريج وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز بيع ذلك. وعند الحسن لا بأس بالانتفاع بأنياب الفيلة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بيع العربون غير جائز، وهو أن يدفع درهمًا أو دينارًا إلى البائع على أنه إذا أخذ السلعة يكون ذلك من الثمن، وإن رد السلعة ولم يدفع الثمن كان ذلك للبائع. وعند ابن سِيرِينَ وَأَحْمَد وابن عمر يصح هذا البيع، ولا بأس به.

(1/451)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا قال: بعتك بألف مثقال ذهب وفضّة لم يصحّ البيع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح، ويكون الثمن نصفه ذهب ونصفه فضّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا كان في يد الشخص مال حرام وحلال كرهت مبايعته والأخذ منه. وقال مالك: إذا علم أن أكثر ماله حرام لم يجز مبايعته، ولا الأخذ منه، وإن كان الأكثر حلالاً جاز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يكره بيع المصحف من المسلم. وعند أحمد رِوَايَتَانِ: إحداهما يكره، والثانية يبطل، وبها قال أصحابه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع العنب لمن يعصره خمرًا أو السيف لمن يقطع به الطريق، فإن كان يتيقن أنه يفعل ذلك فالعقد صحيح والبيع محرم، وإن كان يشك في ذلك فالعقد مكروه. وعند الحسن والثَّوْرِيّ لا بأس بهذا البيع. وعند مالك وَأَحْمَد لا يصح البيع، وكذا قال أَحْمَد فيمن اشترى جارية يتخذها للغناء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع العبد المسلم أو المصحف من الكافر، وكذا لا يجوز أن تباع منه كتب السنن والفقه، وبجور بيع كتب أَبِي حَنِيفَةَ نفسه منهم دون كتب أصحابه، فإن خالف وباع منهم ما ذكرناه ففي الصحة قَوْلَانِ: أحدهما لا يصح، وبه قال أَحْمَد وَمَالِك في إحدى الروايتين، وبهذا قال أيضًا من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، وكذا المؤيد عن يَحْيَى. والثاني لا يصح ولا يقر عليه ويجبر على إزالة ملكه، وبه قال أبو حَنِيفَةَ

(1/452)


وَمَالِك في الرِوَايَة الأخرى، ومن الزَّيْدِيَّة أبو طالب ويَحْيَى. فلو دخل الكافر بهذا العبد المسلم دار الحرب فعند أَبِي حَنِيفَةَ يعتق عليه، وعند أبي طالب من الزَّيْدِيَّة لا يعتق بل يبقى على ملكه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز أن يبيع شاة ويستثنى منها كجلدها ورأسها وكوارعها. وعند الْإِمَامِيَّة يجوز ذلك. وعند أَحْمَد يجوز ذلك، وتوقف في استثناء الشحم. وعند مالك يجوز ذلك في السفر دون الحضر. وعن مالك أيضًا جواز استثناء جلدها مطلقًا، وعنه يجوز استثناء النصف، أو الثلث، أو الربع. وعنه جواز استثناء الجلد أو الرأس في السفر دون الحضر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا باع حيوانًا واستثنى حملها لم يصح البيع. وعند الزَّيْدِيَّة يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز التفرقة بين الأم وولدها المملوك في البيع والهبة فيما دون سبع سنين قولاً واحدًا، وفي السبع إلى الخمس عشرة في أحد القولين، وإذا فعل لم يصح البيع، وبه قال أَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. والقول الثاني يصح، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. وعند أَحْمَد هل يختص ذلك بما قبل البلوغ أو به وبما بعده رِوَايَتَانِ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يختص بما قبل البلوغ. وعند مالك رِوَايَتَانِ: إحداهما يختص بما قبل البلوغ والثانية ما لم يثغر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ إذا ابتاع جارية وولدها، ثم ظهر على عيب بأحدهما ردهما أو أمسكهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ له رد المعيب خاصة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ إذا تعلق بأحدهما حق مال كالجناية والدَّين ونحوهما لا يفرَّق بينهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يفرق بينهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز التفرقة بين الأخوين ويكره ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز لكنه إذا فعل ذلك صح البيع اتفاقًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تختص التفرقة بالوالدين وإن عليا، والولد وإن سفل. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ تعم التفرقة كل ذِي رحم محرم. وعند مالك تختص بالأم مع

(1/453)


ولدها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا قال: هذا عبدي وصدَّقه العبد على ذلك وباعه، ثم بان أنه حر كانت العهدة على البائع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان البائع حاضرًا أو غائبًا غيبة ترجى عودته كانت العهدة عليه، وإن كانت لا ترجى عودته كانت العهدة على العبد المبيع. والله أعلم.
* * *

(1/454)


باب ما يفسد البيع من الشروط وما لا يفسده
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد إذا باع عبدًا بشرط أن يعتقه المشتري صح الشرط والبيع. وفيه قول للشافعي أن الشرط والبيع صحيح، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة، وسائر الزَّيْدِيَّة. وطردوا ذلك فيما إذا اشتراها على أن يتخذها أم ولد وأن لا يطأها، وفيه قول آخر للشافعي أيضًا: أن الشرط والبيع باطلان، وبه قال أبو حَنِيفَةَ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة، إلا أن أبا حَنِيفَةَ يقول: إذا قبضه المشتري ملكه ملكًا ضعيفًا، فإذا أعتقه نفذ عتقه ويلزمه الثمن. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد تلزمه القيمة، وهي رِوَايَة شاذة عن أَبِي حَنِيفَةَ. والمشهور عن أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه أن البيع فاسد، إلا أن الرِوَايَة المشهورة عن أَبِي حَنِيفَةَ أنه مضمون بالثمن المسمّى في العقد. وعند الزَّيْدِيَّة أيضًا لكل شرط يدخل في البيع وفيه منفعة البائع بأن يبيعه بشرط أن يتركه البائع مدة، أو ينفع المشتري، وهو أن يشتريه بشرط أن يحمله البائع إلى منزل المشتري، أو ينفع المبيع بأن يبيعه عبدًا بشرط أن يعتقه، فكل هذا عندهم يفسد العقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى ناقة وشرط على البائع أن يجدوها لم يصح الشراء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح استحسانًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا ابتاع فهدًا على أنه صيود، أو دابة على أنها مُهَمْلَجة، فالبيع والشرط صحيحان. وعند مُحَمَّد بن الحسن هما باطلان.

(1/455)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا باعه عبدًا على أن لا يعتقه، أو على أن لا يبيعه، أو على أن ما خسر فيه فضمانه على البائع، أو بَاعَهُ جاريةً بشرط أن لا يطأها وما أشبه ذلك، فالشرط باطل والبيع باطل. وعند ابن أبي ليلى والحسن البصري والنَّخَعِيّ والشعبي والحكم وأَبِي ثَورٍ وَأَحْمَد يصح البيع ويفسد الشرط. وهو قول الشَّافِعِيّ أيضًا. وعند ابن شُبْرُمَةَ وابن سِيرِينَ وحماد يصح البيع والشرط. وعند إِسْحَاق َوَأَحْمَد وعمر وابن مسعود إن قال البائع: إن لم تأتني بنقدي غدًا فلا بيع بيني وبينك فهو على شرطه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من اشترى سلعة على أن لا خيار عليه في ثمنها كان البيع فاسدًا، ولو قبضها فأعتقها كان العتق فاسدًا. وعند أَحْمَد يصح البيع ويفسد الشرط. وعند مالك ينفذ تصرفه وتلزمه القيمة وإن لم يقبضه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن اشترى عبدًا بخمر أو خنزير وأعتقه قبل القبض لم يعتق، وإن كان بعد القبض عتق، وإن اشتراه بميتة أو دم لم يعتق قبل القبض وبعده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا اشترى دارًا وشرط البائع سكناها لنفسه شهرًا، أو عبدًا واستثنى خدمته مدّة معلومةً، أو جَملاً واشترط أن يركبه إلى موضع معين، أو شرط البائع على المشتري أن لا يتصرف في المبيع، فالشرط فاسد والبيع فاسد. وعند أَحْمَد والْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق يصح الشرط والبيع، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ القبض في البيع الفاسد لا يحصل به الملك ويجب على المشتري رده إلى البائع مع النماء المتصل والمنفصل، ولا ينفذ تصرفه فيه، بعتق ولا ببيع، وإذا تلف في يد المشتري ضمنه بالقيمة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة

(1/456)


النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة إذا قبض المبيع بإذن البائع، وكان قد سمى لهُ عوضًا له قيمة ملكَهُ بالقبض ملكًا ضعيفًا، وكذا إذا قال: بعتك ولم يذكر العوض، فإنه يملكه بالقبض، وللبائع أن ينتزعه منه ويرده مع النماء المتصل والمنفصل، فإن تصرّف فيه المشتري تصرفًا يمنع البائع من الانتزاع، كالبيع والهبة والعتق والكتابة نفذ تصرفه، وكان للبائع عليه ثمنه. وفيه رِوَايَة شاذة عن أَبِي حَنِيفَةَ أيضًا أن عليه قيمته. وإن اشتراه بما لا قيمة له كالدم والميتة لم يملكه بالقبض، وكذا إذا قال: بعتك بغير عوض، لم يملكه بالقبض، وإن كانت جارية فوطئها ردها مع المهر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ المأخوذ من البائع على وجه السّوم يضمنه الآخذ بقيمته يوم قبضه، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند سائرهم حكمه حكم الوديعة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أتت الأمة المبيعة بيعًا فاسدًا بولد ضمن قيمته يوم الولادة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يضمن قيمته يوم المحاكمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع عبدًا بيعًا فاسدًا بثمن وتقابضا، ثم أتلف البائع الثمن وجب على المشتري رد العبد، ولم يكن له إمساكه إلى أن يأخذ الثمن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد له إمساكه، وهو أحق به من سائر الغرماء.
* * *

(1/457)


باب تفريق الصفقة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جمع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز بيعه فقَوْلَانِ: أحدهما يبطل في الجميع. والثاني يصح فيما يصح بيعه، ويبطل فيما لا يصح بيعه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما لا يجوز بيعه ثبت بالنص أو بالإجماع، أو بغيرهما، كالحر والعبد، وبين أن يكون مالاً، أو بين أن لا يكون مالاً كالخل والخمر، وبين أن يبيع مَاله ومال غيره، وبه قالت الزَّيْدِيَّة. وعند مالك وداود يبطل في الكل، إلا أن مالكًا قال: إذا باع مَالَهُ ومال غيره فإنه يصح البيع في ماله، وفي مال غيره يقف على الإجازة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان ما لا يجوز بيعه ثبت بالنص أو بالإجماع كالحر والعبد فسد في الكل، وإن كان ثبت بغير النص أو الإجماع، مثل أن يبيع أمته وأم ولده، أو عبده وعبد غيره فإنه يصح البيع في عبده وأمته، ويكون البيع في أم ولده وعبد غيره موقوفًا على الإجازة. وقال في بيع المذكِّى وما ترك التسمية يبطل في الجميع، وخالفه أبو يوسف ومحمد. وقال هو وصاحباه فيمن باع عبدًا بخمسمائة نقدًا وبخمسمائة دينًا على غيره، أو إلى العَطَاء فسد البيع في الكل. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ كقولي الشَّافِعِيّ في ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد بيع المريض من وارثه في مرض موته بعوض المثل صحيح. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح.
* * *

(1/458)


باب الربا
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وعامة العلماء: الربا يجري في الأعيان الستة المنصوص عليها، وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وكل ما في معنى الأعيان الأربعة سوى الذهب والفضة يجري فيه الربا، أو حكمه حكم المنصوص خاصة. وهذه الأعيان الستة لم ينص عليها لأعيانها، وإنما نصّ عليها لمعنى وُجد فيها، فمتى وُجد ذلك المعنى في غيرها حرِّم فيه الربا. وعند ابن حزم وطاوس وقتادة أن ما عدا الستة يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً. وعند داود ونفاة القياس إنما نص عليها لأعيانها، ولا يحرم الربا في غيرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن هذه الأعيان الستّة معلَّلة، فالعلة في الذهب والفضة أنهما من جنس الأثمان غالبًا، وهذه العلة واقفة لا تتعدى إلى غيرها، وبما قاله الشَّافِعِيّ في علة الذهب والفضة قطع به أَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وعند أَحْمَد وبعض الشَّافِعِيَّة تتعدَّى إلى الفلوس. وعند الشَّافِعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ لا تتعدى إلى الفلوس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد العلة فيهما الوزن في جنس واحد، وقاسا عليهما كل موزون، مثل الرصاص والحديد. ومن أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ من يقول: العلة تقدير الشرع في الجنس. والرازي

(1/459)


يقول: العلة في فساد البيع زيادة وزن في جنس واحد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة يجوز بيع سكين بسكينين. وعند أَحْمَد لا يجوز إلا أن يتساويا في الوزن.
مسألة: اختلف قول الشَّافِعِيّ في علة تحريم التفاضل في الأعيان الأربعة المنصوص عليها، وهي البر والشعير والتمر والملح على قولين، فقال في القديم: العلة فيها كونها معلومة مكيل جنس أو مطعومة موزون جنس، وهو قول أَحْمَد في رِوَايَة، فعلى هذا العلة ذات ثلاثة أوصاف، وبه قال سعيد بن المسيب. وقال في الجديد العلة فيها أنها مطعومة جنس، وهو الصحيح، وهو قول أَحْمَد في رِوَايَة. فعلى هذا العلّة ذات وصفين، فيحرم الربا في كل ما يطعم قوتًا أو تفكُّهًا. وعند أَحْمَد رِوَايَة ثالثة: العلة أنه مكيل جنس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأكثر الزَّيْدِيَّة العلة فيها أنها مكيلة جنس، أو موزونة جنس. فعلى هذا يجوز عندهم بيع تمرة بتمرتين، وبيع كف حنطة بكفين، لأنَّ ذلك غير مكيل ولا موزون، ولا يجوز عندهم بيع الجصّ والنورة والحديد والرصاص بعضه ببعضٍ متفاضلاً، لأنه مكيل أو موزون، حتى لو باع ثوب قطن بديباج أو كساءٍ لا يشترط التقابض في المجلس، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيد. وعند أبي طالب منهم عن يَحْيَى اشتراط التقابض فيه في المجلس. ومن أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ من يقول: العلة في فساد البيع زيادة كيل في جنس واحد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع تمرة بتمرتين ولا كف حنطة بكفَي حنطة، وبه قال بعض أصحاب الهادي من الزَّيْدِيَّة. وعند مالك العلة فيها أنها مكيلة، مقتاتة، جنس، فعلى هذا يحرم الربا عنده فيما كان قوتًا أو يصلح للقوت. وعند رَبِيعَة بن عبد الرحمن العلة فيها أنها جنس واحد تجب فيها الزكاة، فعلى هذا لا يجوز بيع ما تجب فيه الزكاة بعضه ببعض متفاضلاً من الحيوان وغيره. وعند سعيد بن جبير والْمَاجِشُون العلة فيها تقارب المنفعة، فكل شيئين تقاربَ الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، كالتمر بالزبيب والحنطة بالشعير والدُّخن بالجاورس.

(1/460)


وعند ابن سِيرِينَ العلة فيها الجنس فقط، فإذا اختلف الجنس لم يكن فيها ربا، فأعم العلل علَّة سعيد بن جبير، لأنها تتناول الجنس والجنسين، ثم بعدها علة ابن سِيرِينَ، ثم علة الشَّافِعِيّ للقول الجديد، ثم علة أَبِي حَنِيفَةَ، ثم علة مالك ثم علة الشَّافِعِيّ للقول القديم، وأبعدها علة رَبِيعَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ من الصحابة والتابعين يجوز بيع البر بالشعير متفاضلًا إذا كان يدًا بيد. وعند مالك وجماعة من العلماء لا يجوز ذلك إلا مثلاً بمثل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيه الربا، ويجوز بيع بعضه ببعض متفاضلًا ونسيئة، ويجوز أن يشتري حيوانًا بحيوانين، سواء أريد بهما الربح أم لم يرد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في إحدى الروايتين لا يجوز بيع الجنس الواحد بعضه ببعض إلى أجل ولا إسلام أحدهما في الآخر، كالثوب بالثوب والعبد بالعبد. وعند مالك يحرم النَّسَا في الجنس الواحد والجنسين إذا اتفق الغرض فيهما أو المنفعة بهما، فلا يجوز عنده بيع حيوان بحيوانين من جنسه بصفة يقصد بهما أمر واحد، إما الربح وإما غيره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك والثَّوْرِيّ وأكثر العلماء من الصحابة والتابعين ما حرم فيه الربا بعلّة واحدة وأريد بيع بعضه ببعض، كالذهب بالذهب والفضة بالفضة فلا يجوز بيعهما إلا مثلا بمثل، ولا يجوز إسلام أحدهما في الآخر، ولا بيع أحدهما بالآخر إلى أجل، وإليه ذهب ثلاثة عشر نفسًا من الصحابة. وعند ابن عَبَّاسٍ وابن الزبير وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد والبراء بن عازب أنه لا يثبت الربا في التفاضل، فيجوز بيع الجنس بجنسه متفاضلًا، وإنما يثبت الربا فيه من جهة النسا لا غيره.

(1/461)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز بيع المضروب والمصوغ بالتبر متفاضلاً. وعند مالك يجوز بيعه بقيمته من جنسه متفاضلاً، وأصحابه ينكرون ذلك عنه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الأعيان التي يجري فيها الربا ويحرم بعلة واحدة يحرم فيها التصرُّف قبل القبض وشرط خيار الثلاث، فيجوز أن يعقد العقد بصرف دراهم بدنانير في الذمة ثم يحضر ذلك في المجلس قبل التفرق، وبه قال أكثر الزَّيْدِيَّة. وعند زفر ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر لا يجوز العقد في الذمة، بل حتى يُحضر المعقود عليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يحرم فيها التصرُّف قبل القبض، ويجوز شرط خيار الثلاث فيها إذا عينَّا ذلك، إلا الذهب والفضّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة ما ليس بمكيل ولا موزون لا يحرم فيه النسَا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة الجنس بانفراده يحرِّم النسا. وعند أَحْمَد رِوَايَة ثالثة العروض بانفرادها تحرم النسا، واختارها من أصحابه الخرقي. وظاهر هذا أنه لا يجوز النسا إلا فيما أخذ عوضه الأثمان. وعند مالك الجنس الواحد يحرم فيه النسا إن كان متفاضلاً، فأمَّا الجنسين فلا يحرم بحال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الدراهم والدنانير إذا وقع العقد على عينهما تعيّنا بالعقد ولم يجز إبدالهما، وإذا تلفا قبل القبض انفسخ العقد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وهو المشهور عن مالك أنهما لا يتعينان بالعقد، وإذا وقع العقد على عينهما جاز إبدالهما، وإذا تلفا قبل القبض لم ينفسخ العقد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي عن يَحْيَى والنَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الثمن تارة يكون معيَنًا وتارة غير معيَّن، بناءً على أصله في الأولى، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ما تعيَّن في العقود فهو مبيع، وما لم يتعين فهو ثمن بناءً على أصله في الأولى، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي.

(1/462)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق وبعض الصحابة والتابعين يجوز بيع الحيوان بحيوان نسيئة. وعند أَحْمَد والثَّوْرِيّ وأهل الكوفة وبعض الصحابة والتابعين لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وجماعة من الصحابة والتابعين يجوز بيع عبد بعبدين نسيئة. وعند جماعة من الصحابة والتابعين لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الدراهم المغشوشة بعضها ببعض، وبجوز أن يشترى بها سلعة في أظهر الوجهين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان الغش غالبًا لم يجز، واستحسنه القاضي حسين من الشَّافِعِيَّة.
مسألة: عند الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد إذا تصارفا، ثم ظهر عيب في الجنس كالوضوح في الذهب والسواد في الفضة، وكان العقد على العين فليس له الإمساك أو الفسخ وليس له المطالبة بالبدل، ولا فرق بين أن يكون قبل الافتراق وبعده. واختلفت الزَّيْدِيَّة فقال النَّاصِر: له المطالبة قبل التفرُّق بالبَدَل، ويجدد العقد على ذلك، وعند سائرهم إذا أبدل ذلك في المجلس فلا يحتاج إلى تجديد العقد، وهو الأولى عند النَّاصِر منهم أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تصارفا في الذمة وتقابضا وتفرَّقا، ثم وَجَد أحدهما بما قبضه عيبًا في جنسه، كالمشوبة واضطراب السَّكة فقَوْلَانِ: أحدهما يجوز إبداله، وبه قال أبو يوسف ومُحَمَّد وَأَحْمَد. والثاني لا يجوز إبداله، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة، واختاره الْمُزَنِي. وعند أَحْمَد رِوَايَة ثالثة أن البيع قد لزم ولا حقَّ له.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ أن القصد إلى الربا من غير مباشرة لا يحرم، كما إذا كان معه دراهم صحاح فباعها بذهب، ثم اشترى بالذهب دراهم مكسرة أكثر وزنًا من الصحاح التي كانت معه، فإنه يجوز ذلك، سواء فعَل مرة أو تكرّر منه الفعل. وعند مالك إن فعل ذلك مرّة جاز، وإن تكرر منه الفعل لم يجز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان دينار صحيح فدفعه إلى الصراف ليأخذ بنصفه دراهم، فإن ذلك جائز، ويسلِّمه إلى الصراف فيكون نصفه له بالبيع ونصفه وديعة وعند مالك لا يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع ذهبًا بذهب جزافًا لم يصح، وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا علما

(1/463)


التساوي قبل التفرق صح، وإن علما ذلك بعد التفرُّق لم يصح. وعند زفر يصح بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وابن الْمُبَارَك وبعض الصحابة والتابعين لا يجوز بيع سيف محلَّى أو منطقة محلاّة بذلك، وما أشبه هذا بدراهم حتى يُميّز ويفصَّل. وعند بعض الصحابة والتابعين يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء أن الربا يجري بين الولد ووالده، وبين الزوج وزوجته، وبين العبد ومولاه، وبين الذمي والمسلم. وعند الْإِمَامِيَّة لا يجري الربا بين من ذكرناه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك يثبت الربا بين السيد وعبده المأذون له. وعند الزَّيْدِيَّة لا يثبت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وأَبِي يُوسُفَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وسائر الزَّيْدِيَّة يجري حكم الربا في دار الحرب بين المسلمين وبين المسلم والكافر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومحمد ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر لا يجري الربا في دار الحرب بين المسلم والحربي، وهل يجري بين المسلمين؟ فيه رِوَايَتَانِ عند أَبِي حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ الحنطة والشعير جنسان يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا. وعند مالك واللَّيْث والحكم وحماد وَأَحْمَد في رِوَايَة الحنطة والشعير جنس واحد، ولا يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ أن خلّ العنب والتمر جنسان، فيجوز التفاضل بينهما. وعند مالك جنس واحد. وعند أَحْمَد مثله في رِوَايَة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في اللحمان والألبان قَوْلَانِ: أحدهما أنها جنس واحد، وبه قال أبو ثور وَأَحْمَد في رِوَايَة، واختارها الخرقي. والثاني وهو الصحيح أنها أجناس،

(1/464)


وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة، واختاره الْمُزَنِي وبعض الحنابلة. وعند مالك اللحمان ثلاثة أصناف: الإنسي والوحشي صنف، والطير صنف، ولحوم ذوات الماء صنف، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، إلا أنّ أَحْمَد جعل الوحشي جنسًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ما حرم فيه التفاضل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنًا. وعند مالك يجوز بيع ما يكال في البادية دون الحضر بالحزر والتخمين دون ما يوزن، فإنه لا يجوز فيه ذلك حتى يتساويا في الوزن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع الموزونات بعضها ببعض جزافًا. وعند مالك يجوز في جميع الموزونات، إلا الذهب والفضة خاصة، فإنهم يكرهون ذلك فيهما. واختلف أصحابه، فمنهم من قال: يجوز ذلك عند عدم الميراث فى السفر ونحوه، ومنهم من قال: يجوز بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ما لا يكال ولا يوزن من المطعومات فيه قَوْلَانِ: القديم لا ربا فيها، وبه قال سعيد بن المسيب، فعلى هذا حكمها حكم الثياب. والقول الجديد فيها الربا، فعلى هذا إن كان مما يدّخر ويجفَّف كالأنجاص والمشمش والخوخ فإنه لا يجوز بيع رطبه برطبه ولا يابسه بيابسه إذا كان جنسًا واحدًا، ويجوز يابسه بيابسه متساويًا نقدًا، وإن كان مما لا يدّخَرُ ولا يجفَّف كالقثاء والبطيخ، فقَوْلَانِ: أحدهما لا يجوز بيع الجنس الواحد بعضه ببعض، والثاني يجوز، ويجري هذان القَوْلَانِ في الرطب إذا لم يجئ منه تمر، وفي العنب إذا لم يجيء منه زبيب. هذا تفصيل مذهب الشَّافِعِيّ وعند

(1/465)


مالك إن كان من الفاكهة ما يبس ويصير فاكهة يابسة يدخر ويؤكل لا يباع بعضه ببعض إلا يدًا بيد مثلاً بمثل إذا كان من صنف واحد، وإن كان من صنفين مختلفين لا بأس أن يباع اثنان بواحد يدًا بيد، وما يكون رطبًا وإن يبس لم يكن بفاكهة كالبطيخ والأترجُّ والقثاء فلا بأس أن يؤخذ منه اثنان بواحد من صنفه يدًا بيد. وعند الحسن البصري لا بأس بأخذ البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين، وكذا عند مجاهد في البيضة بالبيضتين يدًا بيد، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومحمد، وزاد أبو يوسف وأبو حَنِيفَةَ الفلس بالفلسين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد الحنطة والتمر وسائر المكيلات لا يجوز بيع بعضها ببعض وزنًا بل كيلاً، وعند أَبِي يُوسُفَ يجوز.
مسألة: مذهب الشَّافِعِيّ ما لم يكن مكيلاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كان له عرف في الحجاز اعتبر به، وإن لم يكن له عرف في الحجاز رد إلى الأقرب تهاميتها في أحد الوجهين، وبه قال أَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وإلى العرف والعادة في سائر البلاد على الوجه الثاني، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الأدهان التي أعدت للطيب، كدهن البنفسج ودهن الورد ودهن الحبرى والياسمين واللينوفر يجري فيه الربا، وهو الوجه الثاني للشافعية، فيجوز بيع دهن الورد بدهن البنفسج متفاضلاً، وكذلك دهن الحبرى بدهن اللينوفر، وكذلك قالت الحنفية: يجوز بيع الدهن المطيّب بالدهن الذي ليس بمطيّب متفاضلاً.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لا يجوز التفاضل في الماء على أحد الوجهين، وبه قال مُحَمَّد بن الحسن، ويجوز في الوجه الثاني، وهو المشهور من مذهب مالك، وبه قال أحمد.

(1/466)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ كل جنس فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض ومع كل واحد منهما غيره، أو مع أحدهما، مثل أن يبيع مدّ تمر ودرهم بمُدَّي تمر، أو بمدِّ تمر ودرهم، وكذلك لا يجوز بيع نوعين مختلفي القيمة بنوع واحد، مثل أن يبيع دينارًا جيدًا ودينارًا رديئًا بدينارين جيّدين أو رديئين، وكذلك قفيز جيد وقَفيز رديء بقفيزين جيدين أو رديئين وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة يجوز بيع ذلك كلّه، إلا أنه يجوز بيع نوعين مختلفين بنوع واحد على الإلحاق، ووافقه في ذلك أحمد. وإذا كان مع أحدهما غيره فيعتبر أن يكون العوض الذي ليس معه غيره يزيد على العوض الذي معه غيره حتى تقابل الزيادة ذلك الغير، ويكون ما بقي مقابلاً للعوض الآخر، مثاله أن يبيع دينارًا ومعه خريطة أو قرطاس بمائة دينار، فإن ذلك جائز، فيكون دينارًا في مقابلة دينار وتسعة وتسعين في مقابلة الخريطة أو القرطاس، وإن باع خريطة أو قرطاسًا فيه مائة درهم بمائة درهم لم يصح، لأن الخريطة أو القرطاس لا تغرى عن ثمن، فإذا أخذ ذلك قسطًا من المائة كانت الدراهم التي في الخريطة أو القرطاس مبيعة بأقل منها من المائة الأخرى فلم يجز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد لو راطل مائة دينار عُتق مروانية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار وسط لم يجز، وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيّب وَمَالِك واللَّيْث وَأَحْمَد وإِسْحَاق ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز بيع الرطب بالتمر على وجه الأرض، وكذلك كل ما فيه الربا لا يجوز بيع رطبه بيابسه، كالعنب بالزبيب على الأرض وسائر الفواكه لا يجوز بيع رطبها بيابسها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز بيع الرطب بالتمر على وجه الأرض كيلًا، ويجوز بيع العنب بالزبيب وبيع الحنطة الجافة بالمبلولة، وبيع كل فاكهةٍ يابسةٍ برطبها، ووافقه أبو يوسف ومُحَمَّد في الحنطة المبلولة بالجافّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ كل ما يدَّخر يابسه كالرطب والعنب لا يجوز بيع رطبه برطبه، وفي الرطب الذي لا يجيء منه تمر، أو العنب الذي يجيء منه زبيب قول آخر أنه يجوز بيع بعضه ببعض. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد ومُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ والْمُزَنِي يجوز.

(1/467)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وإِسْحَاق بيع العرايا جائز، وهو بيع الرطب على رءوس النخل خرصًا بالتمر على وجه الأرض كيلاً، وبه قال أَحْمَد في إحدى الروايتين وأكثر العلماء. وعند مالك وَأَحْمَد وإِسْحَاق يجوز بيعها في موضع مخصوص، وهذا إذا كان قد وهب رجل لرجل نخلة من بستانه وشقَّ عليه دخول الموهوب له إلى بستانه. فيجوز له أن يشتري منه الثمرة بالتمر يعجَّله له. واختلف النقل عن أَبِي حَنِيفَةَ فنقل عنه صاحب المعتمد والشاشي والدر الشفَّاف أنه لا يجوز بيع العرايا بحال. ونقل عنه صاحب البيان جوازها، وصورتها عنده أن يهب صاحب البستان ثمرة نخلة بعينها من رجل ولم يقبضها الموهوب له، فإن الهبة لا تلزم عنده. وعند الشَّافِعِيّ إلا بالقبض، فيكره هذا الواهب أن يرجع في هبته ويخاف ضرر المشاركة إن أقبض، فيقول الواهب أعطيتك بدل هذه الثمرة تمرًا فسُمي هذا بيعًا على سبيل المجاز، وبهذا قالت الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يجوز ذلك من الواهب وغيره. وعند مالك يختص بالواهب، وصورته ما ذكرناه عنه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يجوز ذلك نقدًا، ولا يجوز نسيئة. وعند مالك يجوز نسيئة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في جواز بيع العرايا من الأغنياء قَوْلَانِ: الصحيح الجواز. والثاني لا يجوز، وبه قال أحمد، واختاره الْمُزَنِي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء المحاقلة، وهو بيع الحنطة في سنبلها بحنطة موضوعة على الأرض. والمزابنة هو بيع التمر بما زاد على خمسة أوسق من التمر على الأرض. وعند مالك المحاقلة استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها. والمزابنة أن يقول الرجل لصاحبه: كم صبرتك هذه فيقول أكثر من خمسين قفيزًا، فيقول الآخر: بل فيها أقل من خمسين قفيزًا، فيقول لمالكها: تكال الآن فإن نقصت عن خمسين قفيزًا فعليَّ

(1/468)


تمامها، وإن زادت على الخمسين فلي الفضل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بيع العرايا جائز دون خمسة أوسق، ولا يجوز فيما زاد عليها، وفى خمسة أوسق قَوْلَانِ: أحدهما يجوز، وبه قال مالك. والثاني لا يجوز، وبه قال أحمد، واختاره المزني.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز أن يبيع من الواحد عريتين أو ثلاثة وأكثر ولو أتى على جميع حائطه. وعند أَحْمَد لا يجوز أن يبيع من واحد إلا عريَّة واحدة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع رجل تسعة أوسق على رءوس النخل من رجلين بتسعة أوسق تمر وفي عقد واحد جاز، وعند أَحْمَد لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز بيع العرايا في العنب على الشجر بالزبيب على وجه الأرض كما في الرطب على النخل، وعند اللَّيْث لا تجوز العرايا إلا في النخل خاصة.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هل يجوز بيع العرايا فيما سوى الرطب والعنب من سائر الثمار كالفرسك والمشمش والإجاص؟ طريقان، ومنهم من قال قَوْلَانِ: أحدهما

(1/469)


يجوز، وبه قال مالك والْأَوْزَاعِيّ. والثاني لا يجوز. ومنهم من قال يجوز قولاً واحدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا باع قفيزًا من الطعام بدينار نسيئة فلما حلَّ الأجل ابتاع من المشتري بذلك الدينار طَعَامًا جاز. وعند أَحْمَد وَمَالِك لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع اللحم النيئ بالمطبوخ، ولا بيع المطبوخ بالمطبوخ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز بيع النيئ بالمطبوخ متماثلاً، ولا يجوز متفاضلاً. وعند مالك يجوز متماثلاً ومتفاضلاً.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وحماد والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يجوز بيع الحنطة بدقيقها متماثلاً ولا متفاضلاً لا كيلاً ولا وزنًا. وعند رَبِيعَة وَمَالِك واللَّيْث والنَّخَعِيّ وقتادة وابن شُبْرُمَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة يجوز بيعها بدقيقها متماثلاً كيلاً بكيل. وعند الْأَوْزَاعِيّ وإِسْحَاق وَأَحْمَد في إحدى الروايتين يجوز بيعها بدقيقها وزنًا بوزن. وعند أَبِي ثَورٍ الحنطة والدقيق جنسان يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الدقيق بالدقيق من جنس واحد، وفيه قول أن يجوز، وبه قال أَحْمَد وَمَالِك وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز إذا تساويا في النعومة والخشونة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يجوز بيع الحنطة بالسويق، وكذلك لا يجوز بيع الحنطة بالخبز، ولا بيع الدقيق بالخبز. وعند مالك وأَبِي ثَورٍ وأَبِي يُوسُفَ ومحمد َوَأَحْمَد في رِوَايَة يجوز بيع الحنطة بالسويق متماثلان ومتفاضلان، وكذلك قالوا في

(1/470)


الدقيق بالخبز. وعند اللَّيْث وإِسْحَاق والثَّوْرِيّ يجوز بيع الدقيق بالخبز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع السويق بالسويق. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الدقيق بالسويق من جنسه، وهو الصحيح من مذهب أَبِي حَنِيفَةَ. وروى عنه أبو يوسف رِوَايَة شاذة أنه يجوز. وعند أَبِي يُوسُفَ وَمَالِك يجوز متفاضلاً ومتماثلاً.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يجوز بيع خبز الحنطة بالحنطة، ولا بدقيقها. وعند أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ يجوز متفاضلاً، وهو تياس قول أَبِي ثَورٍ في الحنطة بالدقيق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الخبز بالخبز من جنس واحد متماثلاً ولا متفاضلًا إذا كانا رطبين أو أحدهما رطبًا. وعند مُحَمَّد بن الحسن يجوز بيعهما متماثلين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز بيع الخبز بالخبز من جنس واحد وإن كانا يابسين على الصحيح من القولين، ويجوز في القول الآخر متماثلًا. وعند الْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وأبي ثور يجوز بيع الخبز بالخبز بعضه ببعض متماثلًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأبي بكر الصديق وفقهاء المدينة السبعة وَمَالِك لا يجوز بيع لحم إبل بإبل، ولا لحم غنم بغنم، ولا لحم بقر ببقر، وإن باعه بغير جنس. بُني على أن اللحمان أجناس، أو جنس واحد؟ فإن قلنا أجناس، وهو الصحيح جاز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ والْمُزَنِي يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقًا حتى لو باع رطل لحم بحيران جاز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند سائر الزَّيْدِيَّة لا يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقًا. وعند مُحَمَّد يجوز إذا كان اللحم أكثر من لحم الحيوان حتى تكون الزيادة بإزاء الجلد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بيع اللحم بالحيوان غير المأكول كالحمار والبغل وغير ذلك لا

(1/471)


يجوز في أحد القولين، ويجوز في القول الآخر، وهو قول مالك وَأَحْمَد.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا باع لحم جنس من الحيوان بجنس غيره من الحيوان المأكول، كبيع لحم الإبل بالغنم أو البقر. فإن قلنا: اللحمان جنس لم يصح البيع، وإن قلنا: اللحمان أجناس فقَوْلَانِ: أحدهما لا يجوز، وبه قال مالك وَأَحْمَد. والثاني يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز بيع شاة فيها صوف بصوف، وكذلك ما فيها لبن بلبن. وعند أَحْمَد لا يجوز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز بشرط أن يكون اللبن والصوف أكثر مما في الحيوان.
* * *

(1/472)


باب بيع الأصول والثمار
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا قال: بعتك الدار بقبابها فالبيع باطل. وعند محمد وأَبِي يُوسُفَ يصح.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا باع شجرًا المقصود منه ورقه كالتوت، فإن لم يتفتح ورقه فهو للمشتري، وإن تفتح فوجهان: أحدهما أنها للبائع. والثاني أنها للمشتري. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة منهم النَّاصِر وأبو ثابت وأبو طالب تدخل الأغصان في بيع التوت إذا لم يكن على الأغصان أوراق. وإن كان مما يقطع كل سنة. وعند المؤيَّد لا يدخل، فعلى هذا إذا اشترى أغصان التوت أو أوراق الخضروات يجب أن يقول أبيعها بحقوقها حتى لا يؤمر برفعها إلى الوقت المعهود.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا باع نخلاً وعليها طلع، فإن كانت قد أُبِّرت فهي للبائع إلا أن يشرطها المبتاع، وإن لم تؤبَّر فهي للمبتاع

(1/473)


إلا أن يشرطها البائع. وعند ابن أبي ليلى هي للمشتري سواء أُبِّرت أو لم تؤبَّر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هي للبائع سواء أُبِّرت أو لم تؤبَّر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا أُبِّر البعض فالجميع للبائع. وعند أبي بكر من الحنابلة ما أُبِّر يكون للبائع خاصة، ونقله عن أَحْمَد أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع الأرض بحقوقها وفيها زرع لم يدخل الزرع في البيع، ويبقى هذا الزرع للبائع في الأرض إلى أن يُستحصد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجبر على أخذه في الحال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا باع أصلاً وعليه ثمرة للبائع لم يكلَّف البائع قطع ثمرته قبل أوان قطعها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجبر على قطعها في الحال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وإِسْحَاق وكافة العلماء يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها شرط القطع، ولا يجوز بشرط التبقية، ولا مطلقًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي

(1/474)


يوسف لا يصح، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وغيره يصح بيعها مطلقًا بعد بدو صلاحها، ويلزم البائع تبقيتها إلى أوان الجذاذ والحصاد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يلزم المشتري نقلها في الحال. وعند جماعة من الزَّيْدِيَّة لا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها، وهم النَّاصِر ويَحْيَى والقاسم. وعند المؤَيد منهم وأَبِي حَنِيفَةَ إن أمكن الانتفاع بها جاز بيعها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد إذا اشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع فلم يقطعها حتى بدا صلاحها وأتى عليها أوان الجذاذ لم يبطل الشرط. وعند أَحْمَد في إحدى الروايتين يبطل البيع، وتعود الثمرة مع زيادتها إلى البائع. وعند أحمد رِوَايَة ثالثة أنه يتصدَّق بالثمار. وعنه أيضًا يشتركان فيها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد إذا باع ثمرته بعد بدو صلاحها وما يحدث بعد ذلك من الثمرة، لم يصح البيع في الموجودة ولا في المعدومة. وعند مالك يصح فى الجميع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بدو الصلاح في الرطب أن يحمَّر أو يصفَّر، وفي العنب أن يسود أو يحمَّر إن كان مما يحمر، وإن كان مما لا يتلون كالعنب الراذقي والتفاح وغير ذلك، فبان تدور فيه الحلاوة. وعند بعض الناس، أو بعض الفقهاء أن بدو الصلاح فى الثمرة هو طلوع الثريا.

(1/475)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا اشترى ثمرة فاجرة الجذاذ على المشتري. وعند أبي يوسف على البائع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى قثاءً أو بطيخًا أو نحوها بشرط أن ما يحدث فهي للمشتري لم يصح البيع وعند مالك يصح ويكون للمشتري.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا بدا الصلاح في نوع ولو بثمرة واحدة جاز بيع جميع ذلك النوع من ذلك البستان، ولا يجوز بيعه من بستان آخر. وهل يضم إليه نوع آخر من ذلك الجنس؟ وجهان. وعند مالك يبيعه بما يجاوره من بستان آخر، وبه قال أحمد. وفى رِوَايَة أخرى أنه إذا بدا الصلاح في جنس تبعه ثمرة جميع ذلك البلد من ذلك الجنس وعند اللَّيْث إذا بدا الصلاح في جنسه تبعه جميع ثمرة ذلك البلد. وعند أبي بكر من الحنابلة يجوز بيع تلك الشجرة التي بدا صلاحها خاصة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الحشيش النابت في ملكه ملك له قبل القطع وبعده سواء كان له قيمة أو لم يكن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند السيد المؤيد منهم أن هذا إن كان له قيمة، وإن لم يكن فهو لمن أخذه. وعند الداعي منهم أن بيع الحشيش قبل القطع والإجذاذ لا يجوز، سواء كان نابتًا في أرض مملوكة أو في أرض مباحة، ومن أخذه فهو له، واللَّه أعلم.
* * *

(1/476)


باب بيع المصرَّاة والرد بالعيب
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة والحسن وَمَالِك واللَّيْث وإِسْحَاق وابن أبي ليلى وأَبِي يُوسُفَ وزفر وَأَحْمَد والزَّيْدِيَّة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ التصرية عيب يُثبت خيار الرد، وهو جمع اللبن في ضرع الناقة أو الشاة أو البقرة، يدلِّس البائع ليظن المشتري أنها لبون. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد التصرية ليست بعيب ولا يثبت بها خيار الرد. وعند داود يثبت الرد في الناقة والشَّاة دون البقرة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق خيار الرد يتقدر بثلاثة أيام بعد الحلب. وعند بعض المدنيين له الخيار في شراها مصرَّاة، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق إذا ردَّ المصرَّاة رد معها بدل اللبن صاعًا من تمر. وعند ابن أبي ليلى وأَبِي يُوسُفَ يرد قيمة اللبن. وعند الزَّيْدِيَّة يرد اللبن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى جارية جعِّد شعرها أو سوِّد، ثم بان أنها سبطة الشعر، أو بيضاء الشعر، أو حمراء الشعر ثبت للمشتري الخيار. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا

(1/477)


خيار له في ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ من ملك عينًا وعلم بها عيبًا، وأراد بيعها وجب عليه أن يعلم المشتري بعيبها، فإن لم يفعل وباعها أثم بذلك وصح البيع. وعند داود لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا حدث العيب في يد المشتري ولم يسند حدوثه إلى سبب قبل القبض لم يكن له الرد. وعند مالك عهدة الرقيق ثلاثة أيام في الجذام والبرص والجنون، فإن ذلك إذا ثبت إلى ستة ثبت له الخيار. واختلف النقل عن قتادة، فنقل عنه صاحب البيان أنه ثبت له الرد في جميع المبيعات، ونقل عنه صاحب المعتمد أنه إذا رأى عيبًا في مدة ثلاث إذا قبض المشتري المبيع ثم ظهر به عيب في يده في مدة الثلاث ليال رد بغير بينة، وإن رد بعد ثلاث لم يستطع رده إلا ببينة.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا استند حدوث العيب إلى سبب قبل القبض، بأن قطعت يده بسرقة كانت في يد البائع فوجهان: أحدهما أنه يرده، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. والثاني لا يرده ويرجع بالأرش، وبه قال أبو يوسف ومحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى عبدًا أو أمة فوجد أحدهما قد كان زنى في يد البائع ثبت له الردُّ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو عيب في الجارية دون العبد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى عبدًا أو أمة فوجد أحدهما أبخر ثبت له الرد، سواء كان ذلك البخر في فم الجارية أو في فرجها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو عيب في الجارية دون العبد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى عبدًا أو جارية فوجده ولد زنا لم يكن له الرد.

(1/478)


وعند أَبِي حَنِيفَةَ يثبت له الرد في الجارية دون العبد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى جارية فوجدها مغنية لم يكن له الرد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى عبدًا أو أمة مطلقًا فخرج يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا لم يثبت له الرد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يثبت له الرد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى أمة فخرجت مزوجة، أو عبدًا فخرج متزوجًا لم يثبت له الرد. وعند مالك يثبت له الرد بذلك، وبه قال ابن الصبَّاغ من الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة إذا غبن أحد المتبايعين الآخر فليس للمغبون خيار، سواء غبن بقليل أو كثير. وعند مالك وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد في إحدى الروايتين إن كانت بثلث قيمة المبيع أو دونه لم يثبت له الخيار، وإن كان أكثر من ذلك ثبت له الخيار، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَحْمَد في رِوَايَة إن كان المغبون مسترسلاً غير عارف بالمبيع، ولا هو ممن له توقف لمعرفته فغبن ثبت له الخيار. وعند أبي ثور إذا غبن بما لا يتغابن الناس بمثله فالبيع باطل. وعند داود البيع باطل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى عبدًا فوجده مأذونًا له في التجارة، وقد ركبته الديون لم يثبت له الخيار. وعند مالك يثبت له الخيار. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يبطل البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة أهل العلم إذا وجد المشتري في المبيع عيبًا كان موجودًا به في يد البائع فله الرد وله الإمساك، ولا يطالب بأرش ذلك. وعند مالك وَأَحْمَد هو بالخيار بين الرد وبين الإمساك والمطالبة بالأرش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا أراد أن يرد بالعيب فإنه لا بعتبر حضور صاحبه ولا رضاه، ولا حكم الحاكم.

(1/479)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خيار الرد على الفور. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد على التراخي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استخدم العين المبيعة بعد الاطلاع على العيب وقبل الرد سقط حقه في الرد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيد. وعند مُحَمَّد بن الحسن لا يسقط حقه في الرد بذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي عن الهادي، وهو الأصح من مذهب النَّاصِر أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ثبت رد المبيع بالعيب فصالحه البائع على الأرش والإمساك لم يجز. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز. وبه قال ابن سريج من الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى رجل من رجل عينين في عقد واحد، فوجد بإحداهما عيبًا بنى على القولين في تفريق الصفقة. فإن قلنا إن الصفقة لا تفرق فليس له أن يرد المعيب ويمسك الصحيح، بل هو بالخيار إن شاء رد الجميع وإن شاء أمسك الجميع، وإن قلنا إن الصفقة تُفرَّق كان له رد الجميع وكان له رد المعيب منهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان ذلك قبل القبض لم يجز له رد المعيب وإمساك الصحيح، بل يرد الجميع أو يمسك الجميع، وإن كان بعد القبض، فإن كان مما تختلف أجزاؤه ولا يلحق الضرر بتبعيضه، كزوجي الخف ومصراعي الباب، فليس له رد المعيب وإمساك الصحيح، وإن كان مما تتساوى أجزاؤه كالطعام، فإن كانا في ظرف واحد لم يجز له رد المعيب دون الصحيح، وإن كانا في ظرفين جاز له رد المعيب دون الصحيح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد وَمَالِك في إحدى الروايتين عنهما إذا وجد المشتركين للعبد صفقة واحدة من رجل بالعبد عيبًا فأراد أحدهما الرد والآخر الإمساك كان لهما ذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَأَحْمَد فى إحدى الروايتين ليس لهما ذلك، وليس لأحدهما أن ينفرد، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى.

(1/480)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا كان المبيع بهيمة حائلاً فحملت في يد المشتري فولدت ثم وجد بها عيبًا، أو كانت جارية حائلاً فحملت في يد المشتري ثم ولدت، ثم وجد فيها عيبًا، كان له رد الأصل بالعيب، وإمساك النماء بغير عوض. وعند مالك يكون له رد الثمن دون الولد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ حصول هذه الزيادة يبطل حق المشتري في الرد، فيرجع بأرش العيب على البائع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ابتاع أمة حاملاً فوضعت في يده فقَوْلَانِ: أحدهما يأخذ الولد ويرد الأم ويسترد النماء. والثاني يردهما. وعند أَحْمَد يردها وولدها، فإن أراد إمساكها بقسطها من الثمن ففيه رِوَايَتَانِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأبي ذر وعثمان البتي وزيد بن ثابت وإحدى الروايتين عن أَحْمَد إذا كان المبيع جارية ثيّبًا، فوطئها المشتري ثم علم بها عيبًا يردها ولا يرد معها شيئًا. وعند ابن سِيرِينَ والزُّهْرِيّ والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وإِسْحَاق وأَبِي يُوسُفَ وعلي - رضي الله عنه - يبطل حقه في الرد، ويرجع بالأرش. وعند ابن أبي ليلى وعمر يردها ويرد معها مهر مثلها، والمهر في قولهما يأخذ العشر ونصف العشر من قيمتها، فيجعل المهر نصف ذلك. وعند شريح والنَّخَعِيّ يردها ويرد معها نصف عشر ثمنها. وعند الشعبي يردها ويرد معها حكومة. وعند سعيد بن المسيًب يردها ويرد معها عشرة دنانير. وعند الْإِمَامِيَّة ليس له رد الأمة بعد الوطء وله طلب الأرش، إلا أن يكون عيبها من خبل وله ردها بعد الوطء ويرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان المبيع جارية بكرًا، فأقبضها المشتري ثم وجد بها عيبًا، فإنه لا يردها قهرًا على البائع، ويجب على البائع أرش العيب. وعند مالك وَأَحْمَد فى إحدى الروايتين له أن يردها ويرد معها أرش البكارة. وعند شريح والنَّخَعِيّ يردها ويرد معها عشر ثمنها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا حدث بالمبيع عيب عند المشتري ووجد به عيبًا كان موجودًا حال البيع لم يكن أن يرد، إلا أن يرضى به البائع، وإن لم يرض به البائع فللمشتري أن يطالبه بالأرش. وعند حماد وأَبِي ثَورٍ يرده ويرد معه أرش العيب الحادث

(1/481)


عنده. وعند الحكم وعثمان البتي يرده، ولا شيء عليه في قطعه إن كان ثوبًا. وعند مالك وَأَحْمَد المشتري بالخيار إن شاء رد المبيع ورد معه أرش العيب الحادث عنده، وإن شاء أمسكه ورجع بالأرش، ونقله أبو ثور عن الشَّافِعِيّ. وعند إِسْحَاق وَأَحْمَد في إحدى الروايتين إن كان ثوبًا فقطعه ثم رأى عيبًا كان المشتري بالخيار، إن شاء رد القميص ويرجع عليه البائع بنقصان القطع، وإن شاء حسَّنه ورجع على البائع بقدر الثمن الذي نقص من القيمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى مأكولاً كالبطيخ والرانج وما أشبه ذلك، فكسره ثم وجد فيه عيبًا فهل له الرد مع الكسر، فيه قَوْلَانِ: أحدهما ليس له ذلك، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في إحدى الروايتين، واختاره المزني. والثاني له الرد، وبه قال أحمد فى رِوَايَة. فإن قلنا ليس له الرد فله المطالبة بالأرش، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. وعند مالك َوَأَحْمَد في إحدى الروايتين ليس له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا اشترى عبدًا فقبضه ثم مات العبد، أو وقفه، أو أعتقه، أو قتله، أو كان المبيع طَعَامًا فأكله ثم علم به عيبًا كان في يد البائع فله أن يرجع على البائع بالأرش. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا قبله لم يرجع عليه بالأرش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا اشترى عبدًا أو أمة على أنه كافر فخرج مسلمًا ثبت له الخيار. وعند أَبِي حَنِيفَةَ والمزني لا خيار له.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا علم بالعيب بعد ما باع السلعة لم يكن له الرد ولا المطالبة بالأرش. وعند مالك الصحيح أن له المطالبة بالأرش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا رد عليه المبيع بالعيب جاز له رده على بائعه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن ردَّه بغير قضاء قاض لم يجز له الرد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا ابتاع ثوبًا فصبغه، ثم ظهر به عيب فأراد المطالبة بالأرش كان الخيار للبائع بين أن يأخذه وعليه قيمة الصبغ، وبين أن يدفع الأرش. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجبر البائع على دفع الأرش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في بيع العبد الجاني قَوْلَانِ: أحدهما يجوز، وبه قال أبو حَنِيفَةَ

(1/482)


َوَأَحْمَد، واختاره الْمُزَنِي. والثاني لا يجوز. وبه قال أبو بكر من الحنابلة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا كانت الجناية خطأ أو عمدًا وعفا المجني عليه على المال لزم البائع الفداء. وعند الشَّافِعِيَّة لا يلزمه، بل هو بالخيار بين أن يفديه، وبين أن لا يفديه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ أنه إذا قبل بعد أن قبضه المشتري كان بمنزلة الاستحقاق، فيرجع المشتري على البائع بالثمن. وعند بعض الشَّافِعِيَّة يرجع بالأرش لا غير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع بشرط البراءة من العيوب فأقوال: أحدها لا يبرأ من شيء من العيوب، وبه قال شريح وعَطَاء وطاوس والحسن وَأَحْمَد وإِسْحَاق. والثاني يبرأ من الجميع، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأبو ثور وابن عمر وزيد بن ثابت، ومن الزَّيْدِيَّة المؤيد. والثالث يبرأ من عيب باطن في الحيوان لم يعلم به البائع، ولا يبرأ من العيب الباطن الذي علم به، ولا من العيب الظاهر الذي لم يعلمه، وبه قال مالك وعثمان. وعن أَحْمَد رِوَايَة أخرى أنه يبرأ من عيب لم يعلمه في الحيوان أو غيره، ولا يبرأ من العيوب، وبهذه الرِوَايَة قال مالك، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا شرط البراءة جائز، فباع بشرط البراءة تم إبرائه، ثم لو حدث به عيب بعد العقد وقبل القبض فإنه لا يبرأ منه. وعند أَبِي يُوسُفَ يبرأ.

(1/483)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يصح البيع بشرط البراءة من الحمل في المليحة والقبيحة. وعند أَحْمَد لا يصح. وعند مالك لا يصح ذلك في المليحة ويصح في القبيحة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ابتاع ثوبين أو عبدين فتلف أحدهما ثم لم يبن على عيب فى الآخر، فأراد ردَّه واختلفا في قيمة التالف فقَوْلَانِ: أحدهما القول قول المشتري، وبه قال أحمد. والثاني القول قول البائع، وبه قال أبو حَنِيفَةَ.
* * *

(1/484)


باب بيع المرابحة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة أهل العلم بيع المرابحة جائز، وهو أن يخبر البائع المشتري بثمن السلعة ويقول له بعتك به، واربح درهم في كل عشرة، أو اربح درهم لكل عشرة. وعند ابن عمر وابن عَبَّاسٍ ومَسْرُوق وعكرمة والحسن وسعيد بن جبير وعَطَاء بن يسار أنه يكره ذلك. وعند إِسْحَاق لا يصح البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يكره بيع ده يازده ومعناه بعتك بمائة، واربح لكل عشرة درهم. وعند أَحْمَد يكره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عمر وزيد بن أرقم إذا باع سلعة بثمن إلى أجل فإنه يجوز أن يشتريها منه بمثل ذلك الثمن، وبأقل منه، وأكثر منه قبل نقد الثمن وبعده، وكذلك إذا اشتراها بنقد فباعها منه إلى أجل فإنه يجوز أيضًا وكذلك إذا اشتراها بأجل فإنه يجوز بيعها منه بأكثر من ذلك الأجل. وعند الْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وعائشة وابن عَبَّاسٍ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إن كان نقد الثمن جاز أن يبيعها منه كيف شاء، وإن لم يكن نقد الثمن فيجوز أن يبيعها منه بمثل ذلك الثمن وبأكثر، ولا يجوز بأقل منه، إلا أن أبا حَنِيفَةَ يقول: إن باعها منه بعوض أقل من ذلك الثمن جاز، وإذا اشتراها له وكيله بأقل من ذلك الثمن جاز، فأمَّا إذا كان قد اشتراها بدراهم فباعها بدنانير أقل من الثمن، أو اشتراها بدنانير فباعها بدراهم بأقل من ذلك الثمن فإنه لا يجوز، وكذا إذا اشتراها والد البائع أو ولده أو من تُردُّ شهادته له لنفسه، فإنه لا يجوز بأقل من ذلك الثمن، وكذلك إذا اشتراها مؤجلاً فباعها إلى أجل بأكثر منه فإنه لا يجوز.

(1/485)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء إذا كان عليه مال مؤجَّل فلا يجوز إن اتفقا على تعجيله بنقص شيء منه. وعند الْإِمَامِيَّة يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا باع شيئًا مؤَجلاً بأكثر من قيمته صح، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيَّد. وعند النَّاصِر ويَحْيَى منهم لا يصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا اشترى عينين بثمن واحد وأراد بيع إحداهما مرابحة جاز، ويقسَّم الثمن على قدر قيمتهما، ويخبره بما يخصهما من الثمن، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر وأبو طالب. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد إن كانتا مما تتساوى أجزاؤهما كالمكيل والموزون جاز، وإن كانتا مما لا تتساوى أجزاؤهما كالعبدين والثوبين لم يجز، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يصح بيع المرابحة إلا أن يكون رأس المال معلومًا والربح معلومًا، فإن قال: بعتك من رأس مالي أيما اشتريت وربح درهم لكل عشرة وهما لا يعلمان رأس ماله، ولا ما اشترى به لم يصح الشراء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا حطَّ البائع للمشتري بعض الثمن، فإن كان ذلك في حالة المجلس أو مدة خيار الثلاث أخبر بما بقي من الثمن إذا أراد بيع ذلك مرابحة، وإن كان بعد لزوم العقد أخبر بجميع الثمن الذي اشترى به. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يخبر بما بقي من الثمن، وهذا بناء على أصله وأن الحط بعد لزوم الثمن يلحق بالعقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة إذا زاد في الثمن أو نقص منه بعد لزوم البيع لم يلحق بالعقد، وكذا إذا كان الدين حالاً فأجله إلى مدة، أو كان مؤجَّلًا فزاد في الأجل أو نقص منه لم يلزم ذلك كله ولا يلحق بالعقد، وسواء كان ذلك من قرض أو إجارة أو صداق أو غير ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، ومن الزَّيْدِيَّة

(1/486)


القاسم ويَحْيَى والمؤيَّد إذا زاد في الثمن أو نقص منه لحق بالعقد ما لم يسقط الجميع، وكذا إذا جعل له جُعلاً وراد في الأجل أو نقص منه، فإن ذلك كله يلحق بالعقد إلا في القرض، فإنه لا يلحق بذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ إذا لحق بالعقد بعد لزومه زيادة تفسد العقد كالأجل المجهول والزيادة المجهولة فإنها لا تلحق به. وعند مُحَمَّد تلحق، وتجعل كأنها مذكورة في العقد فيفسد العقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تلف المبيع وألحق بالعقد زيادة لم تلحق، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وعند مالك تلحق بالعقد بعد لزومه الأجل قرضًا كان أو غيره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا أسلم في ثوبين بصفة واحدة فقبضهما ثم أراد بيع أحدهما مرابحة فإنه يخبر بحصته من الثمن وهو النصف، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يبيع أحدهما مرابحة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى سلعة بثمن مؤجَّل فباع ذلك مرابحة، ولم يخبر المشتري بذلك ثبت للمشتري الخيار، إن شاء فسخ وإن شاء أمسك. وعند الثَّوْرِيّ وأبي حَنِيفَةَ إن كان المبيع باقيًا كان له الخيار إن شاء أمسك وإن شاء ردَّ، وإن كان تالفًا لزمه الثمن. وعند ابن سريج وابن سِيرِينَ والْأَوْزَاعِيّ يلزم المبيع ويثبت في ذمته الثمن مؤجَّلاً. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق إن كان الثمن باقيًا فإن شاء أمسك ذلك إلى الأجل، وإن كان تالفًا حشَّ من الثمن بقدر الأجل الذي كان للبائع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا واطأ غلامه الحر فباع منه ما اشتراه بعشرة، ثم اشتراه منه بعشرين وأخبر بالعشرين كره ذلك لا غير. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد لا يخبر إلا بالثمن الأول أو يبيعها مساومة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والداعي عن الهادي. وعند أبي طالب منهم هو بالخيار بين أن يبيعها بالثمن الأول وبين أن يبيعها بالثمن الثاني.

(1/487)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا اشترى بعشرة ثم باعه بخمسة عشر، ثم عاد فاشتراه بعشرة، ثم أراد بيعه مرابحة أخبر بالثمن الثاني وهو عشرة، ولا يضم إلى العشرة الربح في البيع الأول وهي خمسة، فيحطها من الثمن الثاني ويخبر بخمسة. وعند ابن سِيرِينَ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد يضم الربح في البيع الأول إلى الثمن الذي اشترى به ويحط منه ويخبر بخمسة، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا اشترى شيئًا. من ابنه أو من أبيه أو مكاتبه جاز أن يبيعه مرابحة ولا يلزمه أن يبين ممن اشترى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا يجوز حتى يبيَّن ممن اشترى.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا أنفق على السلعة كأجرة الخيَّاط والقضاء والتطريز فإنه يضمه إلى ثمن السلعة ويخبر بالكل إذا أراد بيعها مرابحة، إلا أنه يقول: هي عليَّ بكذا وكذا، أو قامت على بكذا وكذا، ولا يقول: ابتعتها بكذا وكذا، وهل له أن يقول رأس مالي فيها كذا وكذا؟ وجهان: وعند الحسن وسعيد بن المسيب وابن سِيرِينَ وطاوس والنَّخَعِيّ والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَبِي ثَورٍ لا تضم النفقة التي أنفقها على السلعة إلى الثمن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى سلعة بمائة، فاستغلاها فأخبر أنه اشتراها بتسعين، فإن البيع صحيح، وقد أساء بالكذب. وعند إِسْحَاق بن راهويه هذا كذب إذا كانت إرادته أنها قامت عليه بتسعين.

(1/488)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا كان ثمن السلعة مائة درهم فباعها مرابحة بوضع كل عشرة درهم، أو لكل عشرة درهم، أو قال: ده يازده، فإن الوضيعة تكون من كل إحدى عشر درهمًا درهم، فيكون ذلك تسعة وجزءًا من أحد عشر جزءًا من درهم، ويكون الباقي تسعين درهمًا وعشرة أجزاء من إحدى عشر درهمًا من جزء. وعند أَبِي ثَورٍ وأبي أيوب ومُحَمَّد بن الحسن أن الوضيعة تكون عشرة، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال: اشتريت هذه السلعة بمائة وبعتكها بمائة، وربح كل عشرة درهم، ثم بان أنه قد اشتراها بتسعين فالبيع صحيح، وبه قالت الزَّيْدِيَّة. وعند مالك باطل، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وبكم يأخذ في هذه المسألة قَوْلَانِ: أحدهما يأخذ بجميع الثمن وهو مائة وعشرة أو يرد، وبه قال أبو حَنِيفَةَ ومحمد. والثاني يأخذها بما ثبت أنه رأس المال وحصته من الربح، وهو تسعة وتسعون، وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وَأَحْمَد والزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا أنه يأخذ بما ثبت أنه رأس المال وهلكت السلعة فإنه يأخذ به. وهل يثبت له الخيار؟ قَوْلَانِ: أحدهما يثبت له ذلك، وبه قال مُحَمَّد والزَّيْدِيَّة فيرد القيمة ويسترجع الثمن. والثاني لا يثبت له، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وابن أبي ليلى وأبو يوسف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ في رِوَايَة وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا أخبر بثمن السلعة وأنه مائة، ثم باعها مرابحة برأس ماله، وربح درهم في كل عشرة، ثم قال البائع أخطأت، وإنما

(1/489)


كان الثمن مائة وعشرة والربح يكون أحد عشر لم يقبل منه ولو أقام البينة على ذلك. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق إذا أقام البينة على ذلك كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ بما أخبر به. وقامت عليه البينة، وإن شاء فسخ.
* * *

(1/490)


باب النجش وبيع الحاضر للبادي والتسعير
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد النجش محرَّم، وهو أن يزيد في السلعة ولا يريد شرائها ليغتر المشتري، فإن اغترَّ به المشتري واشترى كان الشراء صحيحًا. وعند مالك يكون باطلاً، وهو رِوَايَة عن أحمد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا جلب إلى بلد متاع والناس يحتاجون إليه، وقال المجلوب إليه: دعه حتى أبيعه لك بعد هذا الوقت على مهل فيزيد لك الثمن، فإن هذا لا يجوز وإذا باع صح البيع. وعند أَحْمَد لا يصح البيع. وعند جماعة من أهل الظاهر لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي، ويجوز أن يشتري له. وعند جماعة منهم أن الذي في هذا منسوخ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ التسعير محرَّم، وهو أن يأمر الوالي أهل الأسواق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا، سواء كان في بيع الطعام أو غيره، وسواء كان في حال الرخص أو الغلاء. وعند مالك يجوز التسعير بكل حال.

(1/491)


مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سعَّر السلطان على الناس فباع أحدهم متاعه وهو لا يقدر على ترك البيع كان مكرهًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إكراه السلطان يمنع صحة البيع، وإكراه غيره لا يمنع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان في السوق رجل يخالف أهل السوق في أسعارهم فيبيع بزيادة على ذلك أو بنقصان، لم يكن للناظر في أمور المسلمين أن يقول له: إما أن تبيع بسعر السوق أو تمتنع من البيع في السوق وتبيع في بيتك. وعند مالك له ذلك فيقال له: إما أن تلحق بالناس، وإما أن تمتنع. واختلف أصحابه في معنى هذه اللفظة فقال بعضهم: أراد من حط سعرًا، كما إذا ابتاع الناس بعشرة فباع بثمانية، ومنهم من قال: إذا باع الناس بثمانية باع بعشرة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء يكره إحكار الطعام. وعند بعضهم لا يكره في غير الطعام. وعند ابن الْمُبَارَك لا بأس به في القطن والجلود ونحو ذلك.
* * *

(1/492)


باب اختلاف المتبايعين وهلاك المبيع
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ومُحَمَّد وَأَحْمَد في إحدى الروايتين إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو جنسه، فقال البائع: بعتك بألف، وقال المشتري: اشتريت بخمسمائة، أو قال اشتريت بدراهم، فقال البائع بل بما قيل، فإنهما يتحالفان، سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة في يد المشتري. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ إن كانت السلعة قائمة تحالفًا، وإن كانت تالفة فالقول قول المشتري، وهي الرِوَايَة الثانية عن أحمد. وعند مالك ثلاث روايات: إحداها كقول الشَّافِعِيّ. والثانية كقول أَبِي حَنِيفَةَ. والثالثة إن كان قبل القبض تحالفا، وإن كان بعد القبض فالقول قول المشتري. وعند الشعبي وشريح القول قول البائع بكل حال. واختلفت الزَّيْدِيَّة فالصحيح في مذهب المؤيد أن البيع يبطل. وعند يَحْيَى منهم إن اختلفا في الجنس والصفة بطل البيع، وإن اختلفا في المقدار فالبينة على البائع فيما يدعيه من الزيادة، سواء كانت السلعة قائمة أو مستهلكة، وهو مذهب النَّاصِر منهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وزفر إذا اختلف المتعاقدان في زيادة الأجل ونقضانه ونقصان المسلَّم فيه وزيادته، أو زيادة رأس المال ونقصانه، فإن كان لكل واحد منهما بينة تعارضتا، وإن كان لأحدهما بينة حكم له، وإن لم يكن لأحدهما بينة تحالفا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى. وعند النَّاصِر منهم على المدَّعي للزيادة البينة، والْيَمِين على الآخر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في رِوَايَة إذا اختلف المتبايعان في قدر المبيع، فقال البائع: بعتك هذا الثوب بألف، وقال المشتري: بل بعتني هذين الثوبين بألف، فإنهما يتحالفان، وكذا إذا اختلفا في الأجل، أو في قدره، أو في الخيار، أو في قدره، أو في الرهن أو في قدره، أو في الضمان، أو في العهدة، فإنهما يتحالفان في كل ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وَأَحْمَد في رِوَايَة لا يتحالفان في ذلك، بل القول قول من ينفي ذلك.

(1/493)


مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هل يبدأ بيمين البائع أو بالمشتري؟ فيه طريقان: طريقة تقول: ثلاثة أقوال: أحدها يبدأ بيمين البائع، وبه قال أحمد، والثاني يبدأ بالمشتري، وبه قال أبو حَنِيفَةَ، والثالث أنهما سواء فيبدأ بأيهما شاء. والطريقة الثانية: يبدأ بيمين البائع قولاً واحدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا مات المتبايعان واختلف ورثتهما تحالفوا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان المبيع في يد ورثة البائع تحالفوا، وإن كان المبيع في يد ورثة المشتري لم يتحالفوا، وكان القول قول ورثة المشتري.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا اختلف البائع والمشتري، فقال البائع: لا أسلِّم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع فطريقان: أحدهما يجبر البائع على تسليم المبيع قولاً واحدًا، والطريق الثاني ثلاثة أقوال: أحدها هذا، والثاني يجبران على التسليم دفعة واحدة، والثالث لا يجبر واحد منهما وأيهما بدأ بالتسليم أخذ الآخر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك يجبر المشتري أولاً على تسليم الثمن، ثم يجبر البائع على إحضار السلعة. وحكاه بعض أصحاب الشَّافِعِيّ قولاً رابعًا عن الشَّافِعِيّ. وعند أَحْمَد يجبر البائع على تسليم المبيع بجبر المشتري، وعنه رِوَايَة أخرى إن كان الثمن في الذمة أجبر البائع على تسليم المبيع، وإن كان معيَّنًا جعل بينهما عدل يقبض منهما. وعند سعيد بن سالم القدَّاح أنه ينصب الحاكم أمينًا عدلاً لهما ويأمر

(1/494)


كل واحد منهما بتسليم ما عليه إليه، وحكاه في الحاوي قولاً للشافعي أيضًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا اشترى رجل من رجل عينًا بثمن في ذمتهما يسلم أحدهما نصف الثمن إلى البائع، فعلى البائع أن يسلم إليه نصف العين، وإن سلَّم أحدهما إليه جميع الثمن برئ شريكه مما عليه من الثمن، ولم يسلم نصيب الشريك الذي لم يدفع الثمن إلى الناقد بل إلى المالك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا سلَّم أحدهما نصف الثمن لم يجبر البائع على تسليم شيء من المبيع إليه، وإن سلَّم إليه جميع الثمن وجب عليه تسليم جميع المبيع إلى الدافع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا مات أحد العبدين تحالفا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يتحالفان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والشعبي ورَبِيعَة وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ وَأَحْمَد في رِوَايَة إذا تلف المبيع قبل القبض بآفة سماوية انفسخ البيع ورجع المشتري بالثمن إذا كان قد سلَّمه، سواء كان البائع عرضه على المشتري فلم يقبل، أو كان المشتري قد سأل ذلك ومنعه البائع، فإنه يتلف من ضمان البائع. وعند مالك وَأَحْمَد وأَبِي ثَورٍ إن كان مكيلًا أو ورنًا أو معدودًا فهو من ضمان البائع، وإن كان غير ذلك فهو من ضمان المشتري، ولا ينفسخ البيع. وعند مالك أيضًا ينظر إن لم يطلب المشتري ذلك، أو كان البائع قد عرض عليه العين فلم يقبضها حتى تلفت فلا شيء على البائع، كالوديعة إذا تلفت عنده. وإن كان المشتري قد دفع الثمن وطالب بالسلعة المبيعة فلم يفعل البائع وجب على البائع قيمتها كالغاصب، وإن كان المشتري لم يدفع الثمن وطالب بالسلعة، فقال البائع: لا أسلمها حتى أقبض الثمن، ثم تلفت السلعة في يده كان كالرهن إذا تلف في يد المرتهن وحكم الرهن عنده إذا هلك في يد المرتهن ينظر فيه، فإن كان هلاكه بأمر ظاهر فهو من ضمان المرتهن. وعند النَّخَعِيّ وابن سِيرِينَ إن سأل المشتري القبض فامتنع البائع من إقباضه حتى هلك المبيع كان من ضمان البائع، وإن لم يسأل المشتري ذلك فهو من ضمان المشتري. وعند مالك وَأَحْمَد وإِسْحَاق أيضًا لا ينفسخ البيع، ويكون من ضمان المشتري، وإن كان المشتري طالب البائع بالمبيع فلم يقبضه حتى تلف كان من

(1/495)


ضمان البائع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اشترى بثمن معين فتلف الثمن في يد المشتري قبل القبض بطل البيع. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يبطل. وهذا بناه على أصله أن الثمن لا يتعيَّن، وقد مضى الكلام معه فيه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ابتاع من رجل طَعَامًا بعينه ودفع إليه غرائر فقال ضعه فيها فهلك فهو من ضمان البائع. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ هو من ضمان المشتري.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الإقالة فسخ وليست ببيع على القول الجديد، سواء كان قبل القبض أو بعده، وبه قال أبو حَنِيفَةَ، إلا أنه يقول: هي بيع في حق غير المتعاقدين فثبت بها الشفعة، وبهذا الاستثناء قالت الزَّيْدِيَّة، وبالجديد قال منهم الداعي وأبو طالب عن يَحْيَى. والقديم أنها بيع، وبه قال مالك، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، وكذا المؤيَّد عن يَحْيَى. واختاره المؤيَّد أيضًا. وعند أَبِي يُوسُفَ هي قبل القبض فسخ وبعده بيع، إلا في العقار فإنها بغ فيه قبل القبض وبعده. وعند مُحَمَّد هي فسخ إلا أن يكون بأكثر من الثمن الأول وبجنس آخر. وعند وقر فسخ على كل حال. وعند أَحْمَد رِوَايَتَانِ كالقولين عند الشَّافِعِيّ. وعند الزَّيْدِيَّة أيضًا لا تصح الإقالة إلا بعد القبض، ولا تصح مع بقاء المبيع، وإن كان المبيع شيئين فتلف جازت الإقالة على الباقي بحصته من الثمن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا تجوز الإقالة بأكثر من الثمن ولا بأقل منه ولا بجنس آخر. ومتى تقائلا على ذلك كانت الإقالة فاسدة، وكان المبيع باقيًا على ملك المشتري. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تصح الإقالة ويسقط الشرط ويرد الثمن المسمى في العقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن عَبَّاسٍ وابن عمر لا تجوز الإقالة على عوض عن الثمن. وعند مالك إن كان النادم البائع، فسأل المشتري على أن يفسخ البيع ويعطيه شيئًا فذلك جائز، وإن كان النادم المشتري فسأل البائع أن يقبله على أن يعطيه شيئًا فلا جبر فيه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أتلف المبيع بفعل أجنبي ففيه قَوْلَانِ: أحدهما ينفسخ البيع ويكون من ضمان البائع. والثاني لا ينفسخ البيع، ويكون المشتري بالخيار إن شاء فسخ العقد واسترجع الثمن، وإن شاء أقر العقد ورجع ببدله على الجاني، وبه قال أبو حَنِيفَةَ َوَأَحْمَد والزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قطع رجل يد عبد لغيره، ثم باعه السيد فقبضه المشتري،

(1/496)


ثم مات من ذلك القطع ضمن القاطع للمشتري. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجب للمشتري شيء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أتلف البائع المبيع انفسخ البيع على أحد الطريقين، ولا ينفسخ على قول. وعند أَحْمَد لا ينفسخ البيع، ويرجع على البائع بمثله إن كان له مثل، وبقيمته إن لم يكن له مثل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وطء المشتري الجارية المشتراة ليس بقبض. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو قبض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا وطئ البائع الجارية المبيعة قبل القبض فعليه المهر. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا مهر عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان المبيع جارية فقبضها المشتري قبل تسليمه الثمن بغير إذن البائع، ثم قطع البائع يدها وهي في يد المشتري وماتت من القطع لم ينفسخ البيع، بل يجب على البائع قيمتها، وبجب على المشتري جميع الثمن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ينفسخ البيع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا باع الثمرة على رءوس النخل وسلمها إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها، فتلفت قبل القطع ففيها قَوْلَانِ: القديم ينفسخ البيع ويكون من ضمان البائع، وبه قال أحمد. والقول الجديد أنها من ضمان المشتري، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وسواء على القولين تلفت بآفة سماوية أو بالنهبة أو بالسرقة. وعند مالك وَأَحْمَد في رِوَايَة إن كان التالف دون الثلث فهو من ضمان المشتري، وإن كان الثلث فزاد فهو من ضمان البائع. وعند أَحْمَد في رِوَايَة إن كان التالف بآفة سماوية فهو من ضمان البائع، وإن كان بالنهب أو السرقة فهو من ضمان المشتري.
* * *

(1/497)


باب السلم
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعَطَاء وأَبِي ثَورٍ واختاره ابن المنذر يجوز السلم حالاً. وعند مالك وأَبِي حَنِيفَةَ والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يصح السلم حالاً، والأجل شرط فى صحته. واختلفوا في الأجل، فقال مالك: أقله ما له رقم كالشهر وما زاد. وقال الْأَوْزَاعِيّ: أقله ثلاثة أيام. واختلف أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، فمنهم من قال: أقله ساعة، ومنهم من قال أقله ثلاثة أيام.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز السلم فى المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع عند المحل، وإن كان منقطعًا حال العقد وما بعده، إلا أن المسلَّم فيه حالاً يعتبر وجوده حال العقد. وعند الْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ شرط السلم أن يكون المسلَّم فيه موجودًا من حين العقد إلى حين المحل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وسائر الزَّيْدِيَّة يجوز أن يكون رأس مال السلم الدراهم والدنانير وغيرها. وعند زفر، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر لا يجوز أن يكون من غير النقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يكون رأس المال جزافًا في أحد القولين، وبه قال أبو حَنِيفَةَ ومالك، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. والقول الثاني يجوز، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يشترط قبض رأس المال في المجلس، فإن أبرأه عن بعضه قبل التفرُّق بطل السلم في ما تقابل ما لم يقبض من رأس المال، ولا

(1/498)


يكتفى بالبراء عن القبض. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يبطل، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يجوز السلم في الدراهم والدنانير، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وابن عمر وابن عَبَّاسٍ وسعيد بن المسيَّب والحسن البصري والنَّخَعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ كل حيوان جاز بيعه وضبط بالصفة، كالرقيق والأنعام والجمل والبغال والحمير جاز السلم عليه. وعند ابن مسعود والْأَوْزَاعِيّ والثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه لا يجوز السلم في الحيوان بحال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء وسائر الزَّيْدِيَّة أنه يجوز السلم في المكيل والموزون وفى غيرهما، كالثياب والأكسية. وعند زفر، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر لا يجوز إلا في المكيل والموزون، حتى لا تجوز في الثياب والأكسية. وعند النَّاصِر منهم أيضًا الأصح أنه لا يجوز السلم في الثياب إذا ضبطت بالوصف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل يجوز السلم في رءوس ما يؤكل لحمه غير المشوية والمطبوخة؟ قَوْلَانِ أحدهما: يجوز وبه قال مالك وَأَحْمَد. والثاني لا يجوز وهو الصحيح وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز السلم في اللؤلؤ والجواهر. وعند مالك وأَبِي ثَورٍ يجوز وزنًا إن كان أهل الصياغة يتعارفون ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يشترط في السلم في التمر سبعة أشياء: الجنس، والنوع، واللون، ودقة الحبة أو كبرها والبلاد، والجودة أو الرداءة، والعِتق أو الحدوثة. وعند الحنفية يذكر الجنس والنوع والجودة لا غير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ السلم في اللحم جائز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز السلم إلى الحصاد، أو الدباش، أو العَطَاء، أو الموسم، أو قدوم الحاج، أو الشتاء، أو الصيف، أو إلى عيد من أعياد اليهود كالفطير والتعليق، أو إلى أعياد النصارى كالفصيح والشعانين. وعند مالك وَأَحْمَد وأَبِي ثَورٍ يصح السلم إلى العَطَاء أو الحصاد أو الدباش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جعل الأجل في يوم أو في شهر أو في سنة، بأن قال: سلِّمه في يوم كذا في شهر كذا، أو في سنة كذا لم يصح. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح،

(1/499)


ويحمل على أول اليوم، وأول الشهر، وأول السنة، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة من الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سلم في شيء وشرط أنه حالاً ثم اتفقا على تأجيله، أو أسلم إلى مؤجَّل ثم اتفقا على حلوله، أو زادا في الأجل أو نقصا منه، وكان ذلك بعد لزوم العقد بالتفرق أو التخاير لم يلحق بالعقد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يلحق بالعقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أسلم في جنس إلى أجلين أو آجال، أو في جنسين إلى أجل أو آجال فقَوْلَانِ أحدهما: لا يصح. والثاني يصح وهو الصحيح، وبه قال مالك.
مسألة: اختلف أصحاب الشَّافِعِيّ في بيان موضع التسليم وما يجب تسليم المسلَّم فيه إذا كان مؤجَّلاً على ثلاث طرق: فمنهم من قال: إن كان موضع العقد يصلح للتسلم لم يجب بيان موضع التسليم، ولا يجب تسليم المسلَّم فيه في موضع العقد، وإن كان موضع العقد لا يصلح للتسليم، بأن كان العقد في فلاة وجب بيان موضع التسليم. ومنهم من قال: التسليم إن كان بحمله مؤنة وجب بيان موضع التسليم، وإن لم يكن بحمله مؤنة لم يجب بيان موضع التسليم، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. ومنهم من قال: فيه قَوْلَانِ أحدهما: يجب بيان موضع التسليم، وبه قال الثَّوْرِيّ وأبو يوسف وَأَحْمَد. والثاني لا يجب. وعند أَحْمَد رِوَايَة أخرى أنه لا يجب شرطه، وهو قول إِسْحَاق وطائفة من أصحاب الحديث. وإذا شرط بيان موضع التسليم فسد العقد. وعند أحمد فى رِوَايَة أخرى أنه يجوز شرطه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد من شرط صحة السلم قبض رأس المال في المجلس، فإن تفرقا من غير قبض لم يصح العقد. وعند مالك وإن تأخَّر بعد افتراقهما يومًا أو يومين أو ثلاثة جاز ما لم يشترطا ذلك، وإن تأخر أكثر من ذلك بطل.

(1/500)


مسألة: اختلف قول الشَّافِعِيّ في رأس مال السلم إذا كان معيَّنًا على قولين: أحدهما يفتقر إلى معرفة قدره وضبط صفته، وبه قال مالك وَأَحْمَد، وكذا أبو حَنِيفَةَ فى المكيل والموزون. والثاني لا يفتقر إلى معرفة قدره وضبط صفته، واختاره الْمُزَنِي وأبو يوسف ومُحَمَّد وأبو حَنِيفَةَ في غير المكيل والموزون.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا قبض بعض رأس المال في المجلس ثم تفرَّقا من غير قبض الباقي بطل العقد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وإِسْحَاق يصح العقد بقدر ما قبض من رأس المال، ويفسد فيما لم يقبض. وهو وجه حكاه في الحاوي عن بعض الشَّافِعِيَّة. وعند أَحْمَد في رِوَايَة أخرى أنه لا يبطل إذا ردَّ إليه بدلها في المجلس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَة أخرى إن كان جميعها أو كثرها زيوفًا فردها بطل العقد، وإن كان الأقل زيوفًا ردها وأخذ بدلها في مجلس الرد لم يبطل. وعند مُحَمَّد وأَبِي يُوسُفَ لا يبطل الرد بحال. وعند مالك إن تأخر الباقي يومين أو ثلاثة جاز، وإن كان ذلك عن شرط لم يجز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان رأس مال السلم ألف درهم فأقبضه بعضها وقاضه بالباقي بما في ذمته لم يصح السلم، وكذا إن أقبضه البعض وأحاله بالباقي لم يصح. وعند أَحْمَد يصح فيما قبضه في الصورتين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح في الأولى، ويبطل فى الثانية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا خرج فيما قبضه المسلم إليه من رأس المال زائف فسد

(1/501)


العقد. وعند أَحْمَد والثَّوْرِيّ يتم من المسلم بقدر ما قبض من الجيد. وعند مالك وأَبِي ثَورٍ له أن يبدله ولا يبطل السلم. واختلف القول عن إِسْحَاق، فروى عنه مثل قول الثَّوْرِيّ، وروى عنه مثل قول أَبِي ثَورٍ. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان وجد زائفًا فالاستحسان أن يبدله ويأخذ غيره، وإن كانت مزيَّفة ردها وحط عنه بقدره. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إن كان زيوفًا كلها فالاستحسان أن يبدلها والسلم على حاله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز السلم في الجوز والبيض واللوز وزنًا، ولا يجوز عددًا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد يجوز ذلك عددًا، ووافقهما مالك في الجوز، وقال: إن كان له عادة يكال فلا بأس به كيلاً.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز السلم في الفواكه كلها وزنًا، وكذلك في القثاء والبطيخ والبقل والروس إذا جوَّزنا السلم فيها أسلم فيها وزنًا، ولا يجوز كيلاً ولا عددًا. وعند إِسْحَاق وَأَحْمَد يجوز السلم في الرمان والسفرجل والخيار. لكن أحمد يقول هل يجوز ورنًا أو عددًا فيه رِوَايَتَانِ. وعند الْأَوْزَاعِيّ يجوز السلم فيما يتفاوت من ذلك ولا يتفاوت كثيرًا عددًا كالبيض والرمان والسفرجل والباذنجان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز السلم في الخبز. وعند أَحْمَد يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز السلم في القصيل جزمًا. وعند مالك يجوز السلم فيه جزمًا وحبالًا معروفة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أسلم في شيء وشرط أن يأخذه في أيام متفرقة كل يوم شيئًا معلومًا فإنه لا يجوز على أحد القولين، ويجوز على القول الثاني، وبه قال مالك. وعند أَحْمَد لا بأس أن يأخذ من الخيار رطلاً بعد رطل إذا لم يعجَّل له ليرخص عليه.
* * *

(1/502)


باب تسليم المسلم فيه
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تعيَّن موضع التسليم إما بالشرط أو بمطلق العقد، أو قلنا يقتضي إطلاق العقد التسليم في موضع العقد فجابه في غير ذلك الموضع لم يلزمه قبوله، فإن دفع له أجرة ليحمله إلى ذلك الموضع لم يجز له أخذ الأجرة. وعند أبي ثور يجوز له أخذ الأجرة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا تجوز التولية والشركة في المسلم فيه. وعند مالك تجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا قبض المسلم المسلَّم فيه فحدث فيه عنده عيب، ثم وجد به عيب آخر لم يكن له رده بالعيب، وكان له المطالبة بأرش العيب. وعند أبي حَنِيفَةَ يلزمه إمساكه، وليس له المطالبة بالأرش.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا دفع المسلم إليه إلى المسلم رهنًا، وقال ابتع به طَعَامًا واستوف حقك من تحت يدك لم يجز. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تعذر تسليم المسلم فيه، بأن عدم في ذلك العام، أو هرب المسلَّم إليه فقَوْلَانِ: أصحهما لا ينفسخ العقد ويثبت للمسلم الخيار إن شاء فسخ العقد، وإن شاء أقر العقد إلى العام الثاني، وبه قال أبو حَنِيفَةَ. والقول الثاني أنه ينفسخ العقد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعَطَاء وطاوس وأَبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وهو المعروف تصح الإقالة في بعض المسلم فيه. وعند ابن أبي ليلى تكون إقالة في الجميع. وعند الحسن البصري وابن سِيرِينَ والنَّخَعِيّ وَمَالِك ورَبِيعَة واللَّيْث وابن عمر لا تصح الإقالة في بعض المسلم فيه، وبه قال أيضًا ابن أبي ليلى وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، وهو رِوَايَة عن أحمد

(1/503)


أيضًا. وعند أَحْمَد وإِسْحَاق يكره ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تقايلا عقد السلم ملك المسلم التصرُّف في الثمن قبل استرجاعه من المسلم إليه. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ لا يملك التصرف قبل استرجاعه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز أخذ الرهن والكفيل في السلم. وعند سعيد بن جبير والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد في رِوَايَة وزفر وأَبِي ثَورٍ وعلي بن أبي طالب يكره ذلك. واختلفت الرِوَايَة عن ابن عمر وابن عَبَّاسٍ والنَّخَعِيّ، فروى عنهم جواز ذلك، وروى عنهم كراهة ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز أخذ العوض عن رأس السلم إذا تفاسخا عقد السلم مع بقائه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز ذلك استحسانًا. وإن كان السلم فاسدًا جاز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أحضر له جنسًا غير الجنس الذي أسلم فيه، مثل أن يسلم فى التمر، فيحضر له زبيبًا فلا يلزمه قبوله، ولا يجوز له قبوله. وعند مالك لا بأس بذلك، إلا الطعام فإنه لا يجوز أن يكون عنه آخر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أسلم بمائة درهم في كرٍّ من الطعام على أن يكون خمسين منها نقدًا والثاني دينًا في ذمته للمسلم إليه لم يصح الدين، وفي النقد يكون على القولين في تفريق الصفقة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يصح في النقد بحصته من المسلم فيه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا أحضر له أجود من المسلم فيه وقال له تعطيني العوض في مقابلة الزيادة وهي الجودة لم يجز ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان ذلك في المكيل والموزون لم يجز، وإن كان في المزروع والمعدود جاز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ استصناع الخف والسمسكات والنعال والأواني من خشب أو صفر أو نحاس والقماقم والطسوت والأباريق لا يجوز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز.
* * *

(1/504)


باب القرض
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا أقرضه شيئًا إلى أجل لم يلزم الأجل وكان حالاً، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر، وكذا أبو طالب والمؤيد عن يَحْيَى واختاراه، وهو قول الداعي منهم، وكذا لو كان له عنده ثمن حال فأجله، أو كان مؤجلاً فزاد في أجله لم يلزمه ذلك. وعند مالك يدخل الأجل في ابتداء القرض بأن يقرضه إلى أجل، ويدخل في انتهائه بأن يقرضه حالاً ثم يؤجله له فيتأجل. ووافقنا أبو حَنِيفَةَ في أن الأجل لا يدخل في القرض، قال: وأما الثمن الحال فيتأجَّل بالأجل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز قرض غير الجواري من الحيوان كالعبيد والأنعام وغيرها مما يصح ببعها ويضبط وصفها، وقرض ما لا مثل له. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح قرض الحيوان، ولا قرض ما لا مثل له كالشَّاة وغيرها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز استقراض من لا يحل له وطئها بنسب أو رضاع أو مصاهرة، ولا يجوز لمن يحل له وطئها. وعند الْمُزَنِي وابن داود وابن جرير الطبري يجوز

(1/505)


قرض الجواري لمن يحل له ولمن لا يحل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا أقرض عبدًا فتلف عنده أو أتلفه ضمن. وإن أقرض صبيًا فأتلفه فلا ضمان عليه. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ عليهما الضمان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز قرض الخبز. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز، وبه قال بعض أصحاب الشَّافِعِيّ. وعند أَبِي يُوسُفَ يجوز وزنًا، وبه قال أَحْمَد في رِوَايَة. وعند أَحْمَد في رِوَايَة ومُحَمَّد يجوز عددًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا استقرض فلوسًا نافقةً ثم كسرت فعليه قيمتها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرد الفلوس.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا كان في ذمته دين لشخص فقال له: تصدق به أو حج به عني لم يبرأ بذلك الفعل. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد يبرأ.
* * *

(1/506)