المعاني
البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة كتاب الأقضية
باب أدب القضاء
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ يجوز القضاء والتولية
من جهة الظلمة، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب والداعي عن الهادي. وعند
النَّاصِر والمؤيَّد منهم لا يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِك يجوز ومُحَمَّد بن
الحسن يشترط أن يكون القاضي عالمًا، ولا يجوز أن يكون عاميًا، به قال من
الزَّيْدِيَّة القاسم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وبعض الحنفية يجوز ويحكم بقول
العلماء، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى والمؤيَّد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يكون القاضي فاسقًا. وعند
الأصم يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا فسق القاضي وجن ثم تاب إذا فاق فهل
يحتاج إلى تجديد الولاية أو يعود بغير تولية؟ فيه خلاف. وعند النَّاصِر
والمؤيَّد من الزَّيْدِيَّة يعود بغير تجديد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يعود
إلا بالتجديد، وبه قال بعض الزَّيْدِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا
يجوز أن تكون قاضية في غير الحدود، ولا يجوز أن تكون قاضية في الحدود.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز التحكيم في أحد القولين، ويصح في
القول الثاني، وبه قال مالك وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جوزنا التحكيم لم يلزمها حكمه إلا
بتراضيهما في أحد القولين، ويلزمهما في القول الآخر بنفس الحكم، وبه قال
أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد والشعبي وَمَالِك وابن أبي ليلى والثَّوْرِيّ
وإِسْحَاق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا رفع حكم الحاكم إلى حاكم
البلد لم يكن له فسخه، وبه قال زيد بن علي ومن الزَّيْدِيَّة المؤيَّد.
وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه له فسخه إذا خالف رأيه، وإن لم يخالف
الإجماع، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب عن يَحْيَى.
(2/454)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا ينعزل
القضاة بموت الإمام ولا بجنونه، ولا بارتداده ولا بنفيه بل ولا يتهم مستمرة
في الحدود وغيرها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وكافة الزَّيْدِيَّة لا ينعزلون
بذلك لكن لا يجوز لهم إقامة الحدود عندهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا، ولا
لولده وإن سفل وعند أَبِي ثَورٍ وأَبِي يُوسُفَ يجوز.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعمر بن عبد العزيز وابن المسيب يكره
للقاضي أن يقصد الجلوس في المسجد للقضاء. وعند الشعبي وَمَالِك وَأَحْمَد
وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يكره بحال. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
رِوَايَتَانِ: إحداهما: يكره. والثانية: لا يكره إلا في المسجد الأعظم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد لا
يجوز للقاضي أن يقلد غيره في الحكم، ولا للمفتي أن يقلَّد غيره في الفتيا
ويفتى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجوز له أن يقلّد من هو أعلم منه في الحكم
والفتيا. وعند أصحابنا البغداديين إنما أراد إذا لم يكن قد تبين له حكم
الحادثة، فأمَّا إذا تبيَّن له حكمها فلا يجوز له أن يقلَّد. والأول هو
المشهور فى مذهبه.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا كان يعتقد مذهب الشَّافِعِيّ
حكم بما أداه اجتهاده إليه، وفيه وجه أنه لا يجوز له الحكم بمذهب غيره، وبه
قال بعض الناس. وعند أبي حَنِيفَةَ يتخير بين المذاهب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء الحق في مسائل الأصول
كالرؤية وخلق القرآن وخلق الأفعال واحد، عليه دليل يوصل إليه كلف إليه
المكلف إصابته، فإن أخطأه كان مذمومًا عند الله، وعند عبيد اللَّه بن حسن
العنبري كل مجتهد مصيب في ذلك.
مسألة: مذهب الشَّافِعِيّ الحق في مسائل الفروع في قول أبي إِسْحَاق
المروزي وأكثر الشَّافِعِيَّة في واحد وكلف إصابته إلا أنه إذا أخطأ فيه
عُزر قولاً واحدًا، وبه قال مالك وجماعة من العلماء. وذهب جماعة من أصحاب
الشَّافِعِيّ إلى المسألة على قولين: أحدهما هذا، والثاني أن الحق واحد وهو
أشبه مطلوب، ولكن ما أدَّاه اجتهاده دون إصابه الأشبه، وبه قال أبو
حَنِيفَةَ وأهل العراق. وعند مُحَمَّد بن الحسن الحنفي أن هناك أشبه مطلوب.
وعند الأشعرية والمعتزلة كل مجتهد مصيب لما كُلِّف والحق في قول واحد
(2/455)
من المجتهدين، وليس في الحادثة أشبه مطلوب
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أهدى للقاضي من لم تجر عادته أن يهدى
إليه قبل القضاء لم يجز للقاضي قبولها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكره له
قبولها ولا تحرم عليه.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فيمن طلب القضاء رغبة في الولاية
ثلاثة أوجه: أحدها يكره أن يكون طالبًا أو مجيبًا إذا طلب، وهو ظاهر قول
ابن عمر ومَكْحُول، والثاني: يستحب ذلك، وهو ظاهر قول عمر، والحسن،
ومَسْرُوق، والثالث: يكره الطلب ويستحب الإجابة إذا طلب، وهو قول المتوسطين
من الفقهاء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز لمن لم يتعين عليه القضاء أخذ الرزق
عليه، سواء كان به حاجة إليه أو لم يكن، وكذا إذا تعين عليه وبه حاجة إليه.
وعند الحسن والقاسم يكره له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد يكره للحاكم أن يتولى البيع
والشراء بنفسه. وعند أبي حَنِيفَةَ لا يكره له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز للحاكم أن يتخذ شهودًا رائين تسمع
شهادتهم ولا تسمع شهادة غيرهم. وعند إسماعيل بن إِسْحَاق المالكي يجوز ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد
وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يجوز للقاضي أن يحكم بشهادة الشاهدين حتى يبحث عن
عدالتهما ظاهرًا أو باطنًا، سواء شهدا بحد أو قصاص، لم يحكم بشهادتهما حتى
يبحث عن عدالتهما وإن شهدا بمال أو نكاح أو غير ذلك، فإنه يقتصر في العدالة
على الظاهر، ولا يسأل في ذلك عن الباطن إلا أن يجرحهما الخصم فيقول هما
فاسقان، فحينئذ يحتاج إن يسأل عن عدالتهما في الباطن.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شهد عند الحاكم شاهدان ولم يعرفهما
ولم يوجد من يعرفهما لم تقبل شهادتهما. وعند مالك إن رأى فيهما سيماء الخير
قبل شهادتهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ إذا ثبت الحق
للمدعي عند الحاكم بشاهدين عرف عدالتهما حكم له ولم يُحلّفه. وعند ابن أبي
ليلى يحلفه مع بينته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والنَّاصِر من الزَّيْدِيَّة الجرح مقدم
على التعديل. وعند مالك يقدم أعدلهما. وعند أكثر الزَّيْدِيَّة التعديل
مقدم، وهو الصحيح من مذهب النَّاصِر. وعند المؤيَّد إذا عدَّله اثنان
وجرَّحه واحد فالجرح أولى.
(2/456)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك
وَأَحْمَد وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا تقبل التزكية والجرح إلا من اثنين، وبه
قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر ويَحْيَى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي
يُوسُفَ وَأَحْمَد في رِوَايَة يجوز من واحد رجلاً كان أو امرأة، وبه قال
من الزَّيْدِيَّة المؤيَّد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا يقبل الجرح إلا مفصَّلاً،
فإن قال: هو مجروح أو فاسق لم يحكم بجرحه بذلك، وعند أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَحْمَد في رِوَايَة يحكم بجرحه بذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لا تقبل شهادة النساء في
الجرح والتعديل. وعند أبي حَنِيفَةَ تقبل، وبه قال من الزَّيْدِيَّة
النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْمُزَنِي لا يقبل التعديل حتى يقول هو
عدل عليَّ وليَّ، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الداعي.
مسألة: عند أهل العراق منهم أبو حَنِيفَةَ وصاحبيه وَمَالِك وَأَحْمَد يكفي
أن تقول هو عدل، وبه قال أبو سعيد الإصطخري وأبو علي الطبري من
الشَّافِعِيَّة، وبه قال زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة المؤيَّد
والنَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال المزكِّي: لا أعلم فيه إلا خيرًا
لم تحصل التزكية بذلك. وعند أَبِي يُوسُفَ تحصل التزكية بذلك.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا عدل المشهود عليه الشاهد قبل
مع آخر، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند المؤيَّد منهم يكفي قول
المشهود عليه وحده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حكم الحاكم باجتهاد وبان له أن حكمه
خلاف نص الكتاب والسنة والقياس الجلي فإنه ينقض حكمه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ
وَمَالِك لا ينقض حكمه، ولا حكم غيره إلا بما خالف الإجماع. وناقضوا في ذلك
فإن مالكًا قال: ينقض حكمه إذا قضى بالشفعة للجار وقال أبو حَنِيفَةَ: ينقض
حكمه إذا حكم ببيع الذبيحة إذا لم يسم عليها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استعدى على القاضي الأول خصم لم يعده
القاضي الثاني عليه حتى يسأل عن دعواه، فإن ادَّعى أنه حكم عليه بشهادة
فاسقين أو عبدين فوجهان: أحدهما يحضره، والثاني لا يحضره حتى يقيم البينة
على ذلك فإن حضر وقال ما حكمت إلا بشهادة حرين عادلين فالقول قوله. وهل
يحلف؟ وجهان. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا أقر أنه قضى عليه لزمه الضمان حتى
يقيم البينة أنه قضى عليه بحق.
* * *
(2/457)
باب ما على القاضي
في الخصوم والشهود
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حضر اثنان عند القاضي وادَّعى كل
واحد منهما أنه هو الذي أتى بصاحبه وأنه المدَّعى أنه يرجئ أمرهما حتى
يتعيَّن له المدّعى منهما. وعند بعض الناس يقرع بينهما. وعند بعضهم يستحلف
كل واحد منهما على ما يدعيه، فإن استحلفهما وقف أمرهما حتى يعلم المدَّعى
منهما، وعند بعضهم يسمع منهما جميعًا، واختاره ابن المنذر، وعند
الْإِمَامِيَّة يسمع من الذي على يمين خصمه ثم ينظر في دعوى الآخر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد
لا ينبغى للقاضي أن يلقِّن الشهود لكنه يسمع منهم ما يشهدون به، وبه قال
زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والهادي. وعند أَبِي يُوسُفَ لا
بأس أن يقول له: تشهد بكذا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة المؤيَّد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وعلي وَأَحْمَد في إحدى
الروايتين وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا استعدى إنسان للحاكم على خصم لزم
الحاكم أن يُعديه ويحضره، وسواء علم أن بينهما معاملة أو لم يعلم، وسواء
بيَّن دعواه أو لم يبيّن. وعند بعض الشَّافِعِيَّة المستعدى عليه من أهل
الصيانة والمروءة واستعدى عليه من يتهم أنه قصد ببذله لم يحضره إلى مجلس
الحكم لكن ينفذ إليه الحاكم من يحكم بينهما ويحلِّفَه إن وجبت عليه يمين في
منزله أو مسجده، وعند علي أيضًا رضى اللَّه عنه وَمَالِك وكذا أَحْمَد في
إحدى الروايتين لا يعديه عليه إلا إذا علم أن بينهما معاملة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا استعدى على غائب وحرَّر دعواه عند
الحاكم أعداه الحاكم عليه وأحضره، سواء كانت المسافة بينهما قريبة أو
بعيدة. وعند أَبِي يُوسُفَ إن كانت المسافة بحيث إذا أحضره أمكنه أن يعود
إلى منزله ليلاً أحضره وبعث إليه من يحكم بينهما. وعند بعض الناس لا يحضره
إلا إذا كان في مسافة يوم وليلة، ولا يحضره إذا كانت المسافة أكثر من ذلك.
وعند بعضهم يحضره من مسافة ثلاثة أيام ولا يحضره في مسافة أكثر من ذلك.
* * *
(2/458)
باب صفة القضاء
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي والشعبي والنَّخَعِيّ وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ إذا نكل المدَّعى عليه عن الْيَمِين لم يحكم بنكوله بحق
المدَّعى به عليه بل ترد الْيَمِين على المدعي، فإذا حلف حكم له بما
ادَّعاه فيه. وعند زفر ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والهادي يحكم بالنكول
في كل شيء حتى القصاص. وعند مالك إن كان مما لا يقبل فيه إلا الشاهدان لم
ترد الْيَمِين على المدعى بل يحبس المدَّعى عليه حتى يُقرّ أو يجلد، وبه
قال من الزَّيْدِيَّة المؤيَّد. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كانت الدعوى في
المال ونكل المدَّعى عليه عن الْيَمِين كرَّر الحاكم ثلاثًا، فإن حلف وإلا
حكم عليه بنكوله ولزمه المال، وإن كان في القصاص لم يحكم بالقصاص بالنكول
بل يحبس حتى يُقرَّ أو يحلف. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد يقضي عليه
بالنكول بالدية. وعند أَحْمَد وكذا أَبِي حَنِيفَةَ في رِوَايَة لا ترد
الْيَمِين على المدَّعي بل يقضي بنكوله على المدعى عليه. وعند أَحْمَد
أيضًا وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا كانت الدعوى فيما دون النفس لم يقض
بالقصاص وجود النكول. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وكذا أَحْمَد في رِوَايَة يقضي
به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ترد الْيَمِين على المدَّعي إن رام
المدعى عليه ذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة يَحْيَى والمؤيَّد، فإن نكل
المدعى بعد ذلك. قال يَحْيَى من الزَّيْدِيَّة: يحكم بنكوله. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ لا ترد الْيَمِين على المدعي، لأنه متى نكل عن الْيَمِين حكم به،
وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد كل حق لزم
المدعى عليه الإجابة فيه عن الدعوى ولا بينة فيه للمدعي فإن الْيَمِين تعرض
على المدعي، وكالأموال والنكاح والطلاق والعتاق والنسب وما أشبه ذلك. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ لا تعرض الْيَمِين في النكاح والرجعة والعدة والطلاق
والإيلاء. والعتق والاستيلاد والولاء والنسب وحد القذف، فإن كان مع
المدَّعي بينة وإلا لم يحكم بحلف المدعى عليه، وعند مالك وَأَحْمَد لا يعرض
الْيَمِين إلا فيما يثبت بشاهدين ذكرين، وإن كان مع المدَّعي في غير
الأموال شاهد يُستحلف المدعى عليه، وإن لم يكن معه شاهد لم يستحلف. وعند
أَحْمَد رِوَايَة أخرى أنه يستحلف في القصاص وحد القذف والطلاق والعتاق.
(2/459)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقام
المدَّعي شاهدًا واحدًا ولم يحلف حلف المدَّعى عليه، وسقط حق المدَّعي، فإن
نكل المدَّعى عليه عن التهم لم يستحق المدَّعي، وعند مالك يستحق المدَّعى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا كان للمدَّعي بينة غائبة
وقال لا أتمكن من إقامتها، فهو بالخيار إن شاء استحلف خصمه، وإن شاء تركه،
فإن استحلفه جاز، وإن لم يستحلفه تركه، ولم يجز له ملازمته، ولا مطالبته
بالكفيل. وعند أَبِي حَنِيفَةَ له ملازمته ومطالبته بالكفيل إلا أن يقيم
البينة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وشريح والشعبي وَمَالِك وأَبِي حَنِيفَةَ
وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا حلف المدَّعى عليه للمدَّعي ثم حضرت بينة
المدَّعى بالحق الذي حلف عليه المدّعى عليه حكم للمدّعي بها، وبه قال زيد
بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة المؤيَّد. وعند ابن أبي ليلى وداود وَمَالِك في
رِوَايَة وإِسْحَاق وأبي عبيد وأَبِي ثَورٍ لا يجوز سماعها ولا يحكم بها
بعد ذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند القاسم ويَحْيَى
والنَّاصِر والصادق منهم إن حلَّفه شرط البراءة لم يسمع بينته بعد ذلك فيما
حلف له. وعند أبي طالب منهم إنما يكون ذلك إذا قال أبرأته من الحق الذي
ادَّعيته إن حلف، كالشفيع إذا قال إن لم آتك بالثمن إلى وقت كذا فقد أبرأتك
من حقي، وإن حلف بغير هذا الشرط بأن كان وعدًا سُمِعت بينته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا سكت المدَّعى عليه، ولم يقر ولم
ينكر، فقيل له إن أقررت وإلا جعلناك ناكلاً ورددنا الْيَمِين على المدّعي
ويحلف وقضينا عليك. وعند ابن أبي ليلى وَمَالِك يخيَّر حتى يقر أو ينكر.
وعند أَبِي يُوسُفَ تعرض الْيَمِين مرارًا، فإن حلف وإلا قُضي عليه
بالنكول.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذا قال المدَّعي ليس لي بينة
حاضرة ولا غائبة أو كل بينة تشهد لي فهي كاذبة، وطلب يمين المدَّعى عليه
فحلف، ثم أقام المدّعي بينة بالحق الذي حلف عليه المدَّعى عليه ففي سماعها
والحكم بها ثلاثة أوجه: أحدها، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد ومُحَمَّد
بن الحسن لا تسمع. والثاني: إن كان المدَّعي هو الذي تولَّى الإشهاد بنفسه
لم تسمع بينته بعد ذلك، وإن كان وكيله هو الذي تولَّى الإشهاد وكان
الشاهدان يحملان الشهادة له ولم يشهدهما ولا علم له بهما سمعت وحكم بها.
والثالث وهو الأصح وبه قال أَكْثَر الْعُلَمَاءِ أنها تسمع ويحكم بها بكل
حال وبه قال أبو يوسف.
(2/460)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ذكر
المدّعي أن له بيَّنة وأراد تحليف المدَّعى عليه فله ذلك. وعند أَحْمَد ليس
له ذلك. وعند أَبِي يُوسُفَ إن حلفه برئ، وإن نكل قضى عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وكافة العلماء ليس
للقاضي تحليف الشهود فيما شهدوا به، وبه قال النَّاصِر والقاسم والمؤيَّد.
وعند عَطَاء له تحليفهم إذا رأى فيه الاحتياط، وبه قال من الزَّيْدِيَّة
الهادي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق
الآدميين في أصح القولين، وبه قال أبو يوسف واختاره الْمُزَنِي، وبه قال من
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيَّد. وعند الداعي وأبي طالب منهم أنه يحكم
بعلمه في كل شيء إلا في الحدود، سوى حد القذف، وهو الصحيح من مذهب الهادي،
ولا يجوز في القول الآخر، وبه قال شريح والشعبي وَمَالِك وابن أبي ليلى
والْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأبي عبيد ومُحَمَّد بن الحسن
واللَّيْث.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا جوَّزنا الحكم بالعلم ولا فرق بين أن
يعلم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته في علمه أو غير علمه. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ ومُحَمَّد إن علمه قبل ولايته أو فى علمه لم يجز أن يقضي فيه
بعلمه، وإن علمه بعد ولايته في علمه جاز له أن يقضي فيه بعلمه، وما علمه من
الحدود قبل القضاء وبعده لا يحكم فيها بعلمه إلا القذف خاصة. وعند أَبِي
يُوسُفَ ومُحَمَّد وسواء يحكم فيما علمه قبل القضاء من ذلك بعلمه وعند
الحسن بن حُييَّ يقضي بعلمه قبل القضاء بعد أن يستحلفه في حقوق الناس وفي
الحدود، لا يقضي بعد القضاء إذا علمه. وعند الْإِمَامِيَّة وأهل الظاهر
وأَبِي ثَورٍ له أن يحكم بعلمه في جميع الحقوق والحدود من غير استثناء،
وسواء علم ذلك قبل الولاية أو بعدها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا
يجزئ في الترجمه إلا عدلان وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجزئ واحد ولو كانت امرأة.
وعند مُحَمَّد تقبل رجل وامرأتان. وعند مالك إن كان ما يحتكمان فيه يتضمن
إقرارًا بالمال قبل فيه رجل وامرأتان، وإن كان يتعلَّق بالأبدان لم يقبل
إلا عدلان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك واللَّيْث والْأَوْزَاعِيّ وابن
سِيرِينَ وابن شُبْرُمَةَ وَأَحْمَد وإِسْحَاق وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يجوز
القضاء على الغائب، وكذا إذا كان حاضرًا وامتنع من حضور مجلس الحكم، وبه
قال سائر الزَّيْدِيَّة. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه
(2/461)
َوَأَحْمَد في رِوَايَة لا يجوز القضاء في
الغائب إلا أن يكون له خصم حاضر من وكيل أو شفيع وبه قال من الزَّيْدِيَّة
النَّاصِر، واتفق أبو حَنِيفَةَ والزَّيْدِيَّة والشَّافِعِيّ على جواز
الحكم على الغائب إذا غاب بعد إقامة البينة وقبل الحكم، وعلى جواز بيع ماله
لنفقة زوجته إذا غاب الزوج عنها من غير نفقة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومن
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر أنه لا يجوز بيع مال الغائب للديون الواجبة عليه
والنفقة الواجبة عليه إلا لنفقة الزوجة كما تقدم. وعند مالك في رِوَايَة
أيضًا يجوز الحكم على الغائب فيما ينقل دون ما لا ينقل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك إذا قامت البينة على غائب أو
صبي أو مجنون استحلف الحاكم المدَّعى مع بينته. وعند أَحْمَد لا يستحلف في
أشهر الروايتين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كتب قاض إلى قاض بما يثبت عنده لم
يحكم به في مسافة قريبة، مثل أن يكون من جانب البلد إلى جانب، أو من محلة
إلى محلة لم يجز للمكتوب إليه قبوله. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في رِوَايَة
الطحاوي أنه يجوز له، وحكى المتأخرون من أصحابه أن ذلك مذهب أَبِي يُوسُفَ
ومحمد. وأما مذهب أَبِي حَنِيفَةَ فلا يجوز له قبوله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ
وأصحابه أنه لا يجوز قبول الكتاب ولا العمل بموجبه إلا أن يشهد به شاهدان،
ولا يكتفى بمعرفة الخط والختم. وعند أَبِي ثَورٍ يجوز قبوله والعمل بموجبه
من غير شهادة عليه. وعند مالك والحسن البصري وسوار القاضي وعبيد اللَّه بن
الحسن العنبري وأَبِي يُوسُفَ وَمَالِك في إحدى الروايتين إذا عرف المكتوب
إليه خط الكاتب وختمه جاز له قبوله والعمل به، وبه قال أبو سعيد الإصطخري
من الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كتب القاضي الكتاب وأشهد عليه شاهدين
بعد أن قرأه عليهما، أو قرأه غيره وهو يسمع بأن قال لهما أشهدكما أن هذا
كتابي إلى فلان ابن فلان بما سمعتماه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يصح العمل
بما في الكتاب إلا إن كتب هذا كتابي إلى فلان ابن فلان القاضي وإلى كل قاض
من قضاة المسلمين بلغه هذا الكتاب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا
يقبل كتاب القاضي إلى قاض إلا إذا شهد به نفسان أنه كتاب القاضي قرأه
علينا، أو قُرئ عليه بحضرتنا. وعند أَبِي يُوسُفَ يجزئ أن يقولا: هذا كتاب
القاضي فلان. وعند مالك كالمذهبين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كتب قاضٍ إلى قاضٍ وأشهد على نفسه به
ونسي أن يكتب
(2/462)
اسم المكتوب إليه في العنوان وباطن الكتاب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كتب الكتاب بما ثبت عنده بإقرار أو
بينة في عين لا تتميز بالوصف جاز قبول الكتاب في أحد القولين ولا نقبله في
القول الآخر، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وأصحابه، واختاره الْمُزَنِي، إلا أن
أبا يوسف أجاز ذلك في العبد دون الأمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا كتب القاضي كتابًا
إلى قاضٍ وأدرجه وختمه واستدعى بشاهدين وقال لهما اشهدا عليَّ بما فيه لم
يصح هذا التحمل، وعند أبي يوسف إذا ختم الكتاب بختمه جاز أن يتحمل الشهادة
عليه مدرجًا فإذا وصل الكتاب شهدا عنده أنه كتاب فلان إليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد إذا مات
القاضي الكاتب أو عزل بعد ما كتب الكتاب وأشهد عليه فإن المكتوب إليه إذا
شهد به عنده عمل به. وعند أَحْمَد في رِوَايَة لا يعمل به. وعند أَبِي
يُوسُفَ إن مات قبل خروجه من بلده لم يعمل به، وإن مات بعد خروجه من يده
عمل به المكتوب إليه. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في رِوَايَة لا يعمل به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ والحسن
البصري إذا مات المكتوب إليه أو عزل أو فسق ووصل الكتاب إلى من أقيم مقامه
عمل به. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يعمل به، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا لم يعيّن في كتابه أحدًا من القضاة
بل قال: هذا كتابي إلى من بلغه من قضاة المسلمين جاز ذلك، ومن بلغه من قضاه
المسلمين جاز له العمل به. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يجوز ذلك. وعند أَبِي
يُوسُفَ يجوز استحسانًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود
في أحد القولين، وبه قال أبو ثور وابن القاسم والمالكية واختاره ابن
المنذر، ولا يجوز في القول الآخر، وبه قال مالك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا
تثبت العقوبات بكتاب القاضي إلى القاضي وإن كانت لآدمي.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا لم يختم القاضي الكتاب جاز للمكتوب
إليه سماعه والعمل به. وعند الحسن بن زياد عن أَبِي حَنِيفَةَ أنه إذا
انكسر الختم لا يقبل الكتاب. وقال الرازي عن أَبِي حَنِيفَةَ إنه أراد إذا
لم يعرف الشهود ما في باطن الكتاب.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد في
إحدى الروايتين وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ
(2/463)
إذا ادَّعى حقًا عند القاضي، وادَّعى له
حجة في ديوانه فوجدها الحاكم في ديوانه بخطه تحت ختمه، فإن ذكر الحاكم حكمه
حكم به، وإن لم يذكر ذلك لم يحكم به ويتوقف حتى يتذكر. وعند ابن أبي ليلى
وأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَد في إحدى الروايتين يجوز له أن يحكم بذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ إذا ادَّعى حقًّا عند
الحاكم وذكر أن الحاكم حكم له به، فإن ذكره الحاكم أنفذه وألزمه إيَّاه،
وإن لم يذكر فشهد شاهدان على حكمه لم يقبل الشهادة على فعل نفسه. وعند ابن
أبي ليلى وأَبِي يُوسُفَ وَمَالِك وَأَحْمَد ومُحَمَّد تقبل الشهادة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أنكر الحاكم ولم يكذب الشهود الذين
شهدوا على حكمه لم يجز لغيره أن يسمع الشهادة على حكمه مع إنكاره. وعند
مالك يجوز أن يسمعها ويحكم بها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يجوز للحاكم أن يصلح بين الخصمين سواء
اتَّضح له الحق أو لم يتضح له الحق. وعند عَطَاء وأبي عبيد لا يحل له الصلح
بينهما إذا اتَّضح له الحق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ
وَأَحْمَد إذا قال القاضي في حال ولايته: قضيت على فلان بشهادة شاهدين
عدلين قبل منه ذلك، وكذا إذا قال سمعت بينة فلان وهي عندي عادلة، أو قال:
حلفت المدَّعي مع نكول المدَّعَى عليه، أو قال: أمر فلان لفلان بكذا فحكمت
به فإنه يقبل ذلك كله منه. وعند مالك ومُحَمَّد بن الحسن لا يقبل حتى يشهد
معه رجلان أو رجل عدل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا عُزل القاضي
وقال بعد العزل قد كنت حكمت لفلان بكذا، فإنه لا يقبل قوله. وعند إِسْحَاق
وَأَحْمَد يقبل قوله.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هل يكون الحاكم بعد عزله شاهدًا
على حكمه؟ وجهان: أحدهما: لا يكون، والثاني: يكون، وبه قال ابن أبه ليلى
والْأَوْزَاعِيّ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ إذا استعدَى شخص الحاكم
على خصم له وتوارى الخصم وقامت البينة أنه في منزله بعث الحاكم من ينادي
على بابه بحضرة شاهدين إن لم يحضر مع خصمه فلان، وإلاَّ وكَّل الحاكم من
يناظر عنه وسمع الدعوى عليه، وإن ثبت عليه حق ووجد له مالاً قضاه منه، وإن
كان الحق على بدنه وعلم القاضي له مكانًا
(2/464)
أمر القاضي بالاقتحام عليه، فينفذ الخصيان
والغلمان الذين لم يبلغوا والنفاث من النساء ويبعث معهم ذوي عدل من الرجال
ليدخل النساء والغلمان، فإذا حضروا في صحن الدار ودخل الرجال ويؤمر الغلمان
بالتفتش عنه والنساء يتفقدن النساء فإذا وُجد أخرج وحكم عليه بما وجب عليه.
وعند أَحْمَد يختم على بابه ويشدّد عليه حتى يظهر. وعند بعض أصحاب الحديث
يبعث الحاكم رجلين ومعهما جماعة من الخدم والنساء يأتون منزل الخصم ويقف
الأعوان بالباب، ثم يدخل النساء ثم الخدم فيفتشون البيت، فإن وجد أخرج وحكم
عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ ليس
للقاضي أن ينقض حكم الحاكم قبله، إذا كان قد حكم بخلاف ما عنده إذا رفع
إليه، إلا أن يكون قد حكم بما لا يسوغ فيه الاجتهاد. وعند أَبِي ثَورٍ
وداود له أن ينقض ما ليس عنده حق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا
حكم باجتهاده، ثم غير اجتهاده وحكم باجتهاده الثاني فلا ينقض ما حكمه
باجتهاده الأول. وعند مالك وأَبِي ثَورٍ وداود ينقض ما حكم به اجتهاده
الأول.
* * *
(2/465)
باب القسمة
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هل القسمة بيع أو إقرار قَوْلَانِ:
وبالأول قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيَّد عن يَحْيَى، وبالثاني
قال أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد، ومن الزَّيْدِيَّة أبو طالب عن
يَحْيَى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أجرة القسَّام على قدر
الأملاك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأكثر العلماء على عدد رؤسهم. وعند أَبِي
يُوسُفَ ومُحَمَّد القياس أن يقسم عليهم على عدد رؤسهم ولكنَّا نقسِّمها
عليهم على قدر أملاكهم استحسانًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد إذا
طالب أحد الشريكين القسمة كانت الأجرة عليهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تكون
الأجرة على طلب القسمة لا غيره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان ملكًا بين شريكين فطلب بعضهم
القسمة وامتنع الباقون ويلحق الضرر في القسمة على جميعهم، مثل أن يكون
بينهم دار صغيرة إذا قسِّمت لكل واحد منهم ما ينتفع به لم يجبر الممتنع على
القسمة. وعند مالك يجبر.
مَسْأَلَةٌ: فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فيما يعتبر بالضرر وجهان: أحدهما
يعتبر نقصان المنفعة، ونقصان القيمة، والثاني يعتبر نقصان المنفعة لا غير،
وبه قال: أبو حَنِيفَةَ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء إذا كان يستضر بالقسمة
بعضهم دون بعض، فإن كان لأحدهما خمسة أسداس دار، والسدس للآخر، وطلب القسمة
الأكثر أُجبر الآخر على القسمة. وعند ابن أبي ليلى لا يجبر الممتنع ولكن
يباع ويقسَّم الثمن بينهما. وعند أَبِي ثَورٍ لا يجبر الممتنع ويوقف الملك
مشاعًا إلى أن يتراضيا على القسمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا طلب من يستضر بالقسمة القسمة لم يجبر
الآخر عليها. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يجبر، وبه قال بعض الشَّافِعِيَّة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان في القسمة ردّ وتراضيا عليها
جاز. وعند مالك إذا كان الرد فيها قليلًا جاز، وإن كان كثيرًا تطلب القسمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا طلب أحد الشريكين القسمة وفيها ضرر
على أحدهما، فإن لم يكن على الطالب الضرر أجبر شريكه على ذلك، وإن كان على
الطالب ضرر
(2/466)
فوجهان. وعند أَحْمَد لا يقسم وتباع العين
ويقسمان الثمن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إن كان ينتفع به أحدهما أجبر على
القسمة، وإن لم ينتفع به أحدهما لم يجبر. وعند مالك إن كانت الدور في محال
قدِّم قول من دعا إلى القسمة، يجبر الآخر على القسمة بكل حال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وأَكْثَر
الْعُلَمَاءِ إذا كان بين الشريكين دور متفرقة وطلب أحدهما أن تقسَّم كل
دار بانفرادها وطلب الآخر أن تجعل كل دار نصيبًا قدم قول من دعا أن تقسَّم
كل دار بانفراد، سواء كانت الدور في محلة أو محال. وعند مالك إن كانت الدور
في محال قدّم قول من دعا إلى قسمة كل دار وحدها كقول الشَّافِعِيّ، وإن
كانت الدور في محلة واحدة قدم من دعا أن يجعل كل دار نصيبًا. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ في رِوَايَة أيضًا إن كانت إحداهما حجرة للأخرى أجبر. وعند أَبِي
يُوسُفَ ومُحَمَّد إن كان الحظ في قسمة كل دار قسمت كل دار، وإن كان الحظ
في جعل كل دار نصيبًا جعل كل دار نصيبًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت دار بين اثنين فطلب أحدهما أن
تقسَّم، فيكون السفل لأحدهما والعلو للآخر، وامتنع الآخر لم يجبر الممتنع
على ذلك. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقسم الحاكم، ويجعل ذراعًا من أسفل بذراعين
من العلو. وعند أَبِي يُوسُفَ ذراعًا بذراع. وعند محمد، وَأَحْمَد يقسَّم
بالقيمة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد وَأَحْمَد تصح
قسمة الرقيق. وعند أبي حَنِيفَةَ لا تصح.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا طلب أحد الشريكين
المهايأة وهو أن يسكن أحدهما فى بعض الدار والآخر في بعضها، أو تكون أرضًا
فيزرع أحدهما في بعضها والآخر في بعضها، وامتنع الآخر لم يجبر الممتنع وعند
مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه يجبر الممتنع، إلا أن أبا حَنِيفَةَ يقول:
لا يجبر في العبد، وقالا: إذا طلب أحدهما أن يسكنها شهرًا والآخر شهرًا لم
يجبر الممتنع منهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه أيضًا إذا طلب أحدهما
القسمة انقضت المهايأة. وعند مالك تلزم ولا تنتقض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان في يد رجلين شيء فرفعاه إلى
الحاكم لينصب من يقسِّمه بينهما ولم يقيما بينة بملكه فطريقان: أحدهما لا
يقسَّم ذلك قولًا واحدًا، والثانية قَوْلَانِ: أحدهما هذا، والثاني يقسمه
بينهما، وبه قال أَحْمَد وأبو يوسف ومحمد. وعند
(2/467)
أَبِي حَنِيفَةَ إن لم يكن عقارًا قسَّمه
بينهما، وكذا لو كان عقارًا ولم ينسباه إلى الميراث، وإن نسباه إلى
الميراث لم يقسَّم بينهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد
إذا كانت الدار بينهما أثلاثًا واقتسماها، فأخذ أحدهما الثلث، والآخر
الثلثين من مؤخرها، وقيمة كل واحد منهما ستمائة درهم، ثم استحق نصف ما
في يد صاحب المقدِّم فالقسمة باطلة. وعند أبي حَنِيفَةَ هو بالخيار إن
شاء فسخ القسمة وكان بينهما، وإن شاء رجع بربع ما في يده وقيمته مائة
وخمسون درهمًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد إذا اقتسم
رجلان دارين فأخذ كل واحد منهما دارًا وبناها، ثم استحقت الدار في يده
ونقض بناه فلا يرجع على شريكه بنصف البناء. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يرجع
به.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا تقبل شهادة القاسم بعد العزل، وبه
قال مالك ومُحَمَّد بن الحسن. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تقبل، وبه قال بعض
الشَّافِعِيَّة، ومن الزَّيْدِيَّة أبو طالب.
* * *
(2/468)
باب الدعوى والبينات
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وشريح والنَّخَعِيّ والحكم وَمَالِك
وأَبِي ثَورٍ إذا ادَّعى عينًا في يد إنسان وأقام على ذلك بينة، وأقام
المدّعى عليه بينة سمعت بينة المدّعى عليه وقدمت على بينة المدّعي.
وتعرف هذه المسألة بمسألة الداخل والخارج، فالداخل هو المدّعى عليه،
والخارج هو المدّعي. وعند أَبِي حَنِيفَةَ إذا أقام المدّعي البينة، ثم
أراد المدّعى عليه أن يقيم البينة معاملته، نظر إن كانت تشهد بملك
مطلق، أو مضاف إلى سبب يتكرر ذلك السبب، مثل أن تكون الدعوى في آنية
تسبيك ويصاغ ثانيًا وثالثًا، أو في ثوب كتان أو صوف يُنقض ثم ينسج لم
تسمع بينته، وإن كانت بينته بملك مضاف إلى سبب لا يتكرر، مثل أن تكون
الدعوى في دابة وشهدت بينة المدَّعى عليه أن الدابة نتجت في ملكه وشهدت
بينة المدَّعى عليه أنها نتجت في ملكه، فها هنا بينة الذي لا يد له
عليها أولى من بينة صاحب اليد، وبه قال: زيد بن علي، ومن الزَّيْدِيَّة
النَّاصِر. وعند أحمد ثلاث روايات: إحداها بينة من لا يد له أولى بكل
حال، وبه قال سائر الزَّيْدِيَّة، والثانية كقول أَبِي حَنِيفَةَ، إلا
أنه يسوى بين ما تكرر فيه السبب وما لا يتكرر فيه السبب، والثالثة كقول
الشَّافِعِيّ، وبها قال أَكْثَر الْعُلَمَاءِ، واقتصر صاحب البيان على
إيراد الرِوَايَة الأولى عنه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا ادَّعى زوجية امرأة
فلا بد من أن يقول تزوجتها من وليٍّ مرشدٍ وشاهدَي عدل ورضاها. وعند
مالك وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا يشترط ذلك، وبه قال
بعض الشَّافِعِيَّة وكافة الزَّيْدِيَّة. وعند بعض الشَّافِعِيَّة إن
ادَّعى ابتداء العقد اشترط ذلك، وإن ادَّعى استدامته لم يشترط ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى رجلان زوجية امرأة فأقرت
لأحدهما قبل منها وقضي للذي أقرت له. وعند أَحْمَد لا يقبل إقرارها له.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد
إذا أقرت المرأة بالزوجية وأنكرها الرجل، ثم اعترف بعد موتها قبل منه
وورثها، وكذا إذا أقرَّ الرجل وكذبته المرأة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ في
المرأة خاصة إذا أقرت فجحدها الرجل لا يقبل إقراره.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقام البينة على ما ادَّعاه فقال
المشهود عليه للحاكم حلفه أنه
(2/469)
يستحق ما شهدت به بينته لم يحلفه. وعند
شريح والشعبي والنَّخَعِيّ وابن أبي ليلى وعبيد الله بن عتبة وسوار
يحلفه. وعند إِسْحَاق إذا أصر الحاكم وجب ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تداعيا عينًا في يد ثالث ولا يد
لأحدهما عليها وأقام كل واحد منهما بينة أن جميعها له، فقَوْلَانِ:
أصحهما يسقطان فيكون كما لو لم يكن معهما بينة، وبه قال مالك
وَأَحْمَد، ومن الزَّيْدِيَّة النَّاصِر. وعند زيد بن علي وسائر
الزَّيْدِيَّة إن كان المتنازع فيه في أيديهما أو لم يكن في أيديهما
وكل واحد يدعى الجميع فهو بينهما نصفين. فعلى هذا عندهم لو ادَّعى
أحدهم النصف والآخر الكل وأقاما البينة قسم بينهما أرباعًا، لمدَّعي
الكل ثلاثة أرباع، ولمدعي النصف الربع. وعلى قياس قول النَّاصِر لمدعي
الكل نصفها بغير منازعة ونصفها الآخر يوقف في أيديهما أو في يد عدل،
والقول الثاني يستعملان.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تساوما بقرة حاملاً ولم يتبايعا
إلاَّ ما غابت، ثم وجداها بعد مدة قد ولدت، فقال البائع: عقدنا البيع
بعد الولادة فالولد لي، وقال المشتري: بل قبل الولادة فالولد لي،
وأقاما بينتين بذلك جرى قولاً الساقط والاستعمال. وعند النَّاصِر من
الزَّيْدِيَّة تتهاير من البينتين ويوضع ذلك على يد عدل. وعند سائر
الزَّيْدِيَّة يقسم ذلك بينهما نصفين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا يستعملان، ففي الاستعمال
ثلاثة أقوال: أحدها يوقف الأمر إلى أن يصطلحا، والثاني تقسَّم العين
بين المدعيين، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وابن عمر وابن الزبير
والثَّوْرِيّ وَمَالِك في إحدى الروايتين، والثالث يقرع بينهما، وبه
قال أحمد وإِسْحَاق وأبو عبيد، وروى ذلك أيضًا عن عبد الله بن عمر وابن
الزبير. وعند مالك فى رِوَايَة تقدم أعدل البينتين وعند قوم تنزع العين
من يد من هي في يده وتوقف حتى يتبين مستحقها وتدفع إليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى أحدهما الهبة أو العارية،
وادَّعى الآخر الوقف أو العتق وأقاما البينتين بذلك تعارضتا. وعند
الزَّيْدِيَّة، تقدَّم بينة الوقف أو العتق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق،
وأَبِي حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ لا ترجح إحدى البينتين على
الأخرى بكثرة العدد ولا بزيادة العدالة حتى لو كانت بينة أحدهما
شاهدين، وبينة الآخر أربعة فهما متعارضتان. وعند مالك في إحدى
الروايتين تترجح بذلك إحدى البينتين على الأخرى. وعند الْأَوْزَاعِيّ
تقسَّم العين بين المدعيين على عدد
(2/470)
شهودهما، فيكون لصاحب الشاهدين ثلث العين،
ولصاحب الأربعة ثلثاها. وروى عن الْأَوْزَاعِيّ أيضًا إذا اختلفا في
ثلث الثمن وأقام كل واحد منهما بينة قدِّم أعدل البينتين، وإن تساويا
قدِّم أكثرهما عددًا. وعند شريح ترجح بأكثر البينتين عددًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يستحلف المؤتمن فيما يذكر من التلف
وغيره. وعند الحارث العكلي ليس على مؤتمن يمين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا ادَّعى
نفسان شيئًا في يد ثالث فأمر به لأحدهما لا بعينه وقف الأمر حتى يكشف.
وعند أَحْمَد يقرع بينهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى على إنسان ما لا يجحده
المدَّعى عليه فأقام المدّعي البينة بما ادعاه من المال فجاء المدّعى
عليه ببينته أن المدّعي أبرأه من المال سمعت بينته وبرئ من المال. وعند
ابن أبي ليلى وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق لا تسمع بينته.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تداعيا عينًا في يد ثالث فادعى
أحدهما أنها ملكه منذ سنتين وادَّعى الآخر أنها ملكه منذ سنة تعارضت
البينتان في أحد القولين وقدمت بينة من يدعى الملك السابق في القول
الثاني، وبه قال أبو حَنِيفَةَ ومالك. وَأَحْمَد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا لم يؤقت إحداهما ووقت
إحداهما تعارضتا. وعند أَبِي يُوسُفَ. ومُحَمَّد يقضي بها للذى لم
يؤقت.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تنازعا شاة في يد أحدهما رأسها
وجلدها وصوفها، وفي يد الآخر نفسها، وأقام كل واحد منهما بينته بأن
الشاة له قضى لكل واحد منهما بما في يده. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقضي
لكل واحد منهما بما في يدي الآخر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان كبش في يد اثنين فادَّعى
أحدهما نصفه والآخر جميعه، حلف المدّعي للنصف على ما في يده، ويكون
الكبش بينهما. وعند ابن شُبْرُمَةَ يكون لمدَّعي الكل ثلاثة أرباع،
ولمدعي النصف الربع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت دار في يد إنسان فادعها
إنسان آخر وأقام البينة أنها له منذ سنة، وأقام من هي في يده بينة أنه
اشتراها من المدّعي منذ سنتين وهي يومئذ ملكه قضى ببينة المشتري. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ يقرُّ في يد المدّعي إلا أنه يشهد أنه باع ملكه أو باع
ما في يده.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا شهدت له البينة في عين أنها ملكه
أمس ففي الحكم بها
(2/471)
طريقان: أحدهما الحكم له حتى تشهد له
البينة أنه أخذها منه زيد. والطريق الثاني قَوْلَانِ: أصحهما لا يحكم
له بذلك، وبه قال من الزَّيْدِيَّة أبو طالب عن الهادي وأشار إليه
المؤيَّد منهم. والثاني يحكم، وبه قال أبو حَنِيفَةَ وصاحباه، ومن
الزَّيْدِيَّة النَّاصِر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال لعبده إن لم أحج هذا العام
فأنت حر فأقام السيّد بينة أنه وقف بعرفات تلك السنة، وأقام العبد بينة
أن السيّد كان يوم النحر ببغداد لم يحكم بعتق العبد. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ يعتق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا مات رجل وخلَّف اثنين
مسلمًا وكافرًا فأقام المسلم بينة أن أباه مات وآخر قوله الْإِسْلَام،
وأقام الكافر بينة أن أباه مات وآخر قوله الكفر تعارضتا ويجيء فيه
أقوال الاستعمال إلا القسمة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يقضي ببينة
الْإِسْلَام بكل حال. وعند النَّاصِر من الزَّيْدِيَّة يحكم بأن المال
بينهما نصفان. وعند الداعي منهم وسائرهم بأنه يحكم ببينة الكفر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد
إذا ادَّعى رجل دارًا أو عينًا في يد إنسان أنها له ولأخيه الغائب
ورثاها من أبيهما وأنكر الذي في يده العين والدار، فأقام المدّعي بينةً
على ما ادعاه ثبتت الدار والعين للميت، فإن كانت البينة من أهل الخبرة
الباطنة، وقالت لا نعلم له وارثًا غيرهما سلم الحاكم نصف الدار إلى
المدّعي، وأقرع النصف الآخر وجعل على يد أمين يحفظه للغائب، وكذلك يفعل
إن كان المدّعى عينًا، وبهذا قال كافة الزَّيْدِيَّة. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ إن كان المدّعي مما لا ينقل ويحول سلّم إلى المدّعي نصفه،
وأقر نصيب الغائب في يد من هو في يده، وإن كان مما لا ينقل ولا يحول
فالحكم فيه كما ذكر الشَّافِعِيّ ومن وافقه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قالوا لا نعلم له وارثًا غيره
بهذا البلد دُفع إليه العين. وعند أَحْمَد وأَبِي حَنِيفَةَ يدفع إليه
المال. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد لا يدفع من المال شيء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا تنازعا بين نهر
أحدهما وضيعة الآخر، فقال صاحب النهر هي لي، وقال صاحب الضيعة هي لي،
حلف كل واحد منهما على ما يدعيه وجعلت بينهما. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هي
لصاحب النهر. وعند أَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّد هي لصاحب الأرض.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا تنازع اثنان رق عبد
فأقر العبد لأحدهما حكم به لمن
(2/472)
أقر العبد له. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يكون
بينهما نصفين.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا شهد شاهدان بعتق عبد
أو أمة ثبت عتقهما، سواء صدقهما المشهود بعتقه أو لم يصدقهما، ولا
تفتقر الشهادة في المعتق إذا تقدم الدعوى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ الحكم
في الأمة كذلك، وفي العبد لا تثبت الشهادة إلا بعد ما يدعي العبد
العتق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا كان في يد رجل أمة،
فقالت: أنا أم ولد زيد أو مدبرته أو مكاتبته وصدقها زيد، وكذبها الذي
هي في يده قبل قوله. وعند زفر يحكم بها لزيد استحسانًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وابن مسعود وعثمان البتي وزفر إذا
اختلف الزوجان في متاع البيت فادَّعى كل واحد منهما جميعه فمن أقام
منهما البينة على ما يدَّعيه قضى له به، وإن لم يكن معهما بينة حلف كل
واحد منهما على ما يدَّعيه وجعل بينهما نصفين، سواء كان المتاع مما
يصلح للرجل أو المرأة، وسواء كانت أيديهما عليه من طريق المشاهدة أو من
طريق الحكم، وسواء اختلفا في حال الزوجية أو بعد البينونة، وسواء اختلف
ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر. وعند ابن أبي ليلى والثَّوْرِيّ
وَأَحْمَد إن كان مما يصلح للرجال دون النساء كالطيلسان، والعمامة،
وغير ذلك، فالقول قول الزوج فيه، وإن كان مما يصلح للنساء دون الرجال
كالمقانع والوقايات وغير ذلك، فالقول قول المرأة، وإن كان مما يصلح
لهما جميعًا كان بينهما. وعند مالك ما كان للرجل فهو للرجل، وما كان
للمرأة فهو للمرأة، وما كان يصلح لهما فللرجل، وسواء كان في أيديهما من
طريق الحكم أو من طريق المشاهدة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد ما
كان في أيديهما من طريق المشاهدة فهو بينهما، وما كان في أيديهما من
طريق الحكم، فإن كان يصلح للرجال دون النساء فالقول قول الزوج، وما كان
يصلح للنساء دون الرجال فالقول قولها فيه، وما كان يصلح لهما فالقول
قول الزوج، وإذا اختلف أحدهما وورثه الآخر كان القول قول الباقي منهما.
وعند أَبِي يُوسُفَ القول قول المرأة فيما جرت به العادة أنه قدر
جهازها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ والثَّوْرِيّ وبعض التابعين إذا كان
له حق على إنسان فجحده في الظاهر والباطن، أو جحده في الظاهر وأقر في
الباطن، أو أقر به في الظاهر، إلا أنه يمتنع من دفعه لقوة يده،
كالسلطان وغيره فظفر بشيء من ماله كان له أن يأخذ منه
(2/473)
بقدر حقه إذا لم يكن له بينة، وكذا إن كان
له بينة، وبه قال أبو حَنِيفَةَ، إلا أنه يعتبر أن يكون المال من جنس
دينه. وعند بعض أصحابه إذا كان له بينة فلا يأخذ شيئًا، سواء كان من
جنس حقه أو من غير جنسه. وعند أَحْمَد لا يأخذ من ماله شيئًا. وعند
مالك رِوَايَتَانِ: إحداهما كقول أحمد، والثانية وهي المشهورة أنه إن
لم يكن على من عليه الحق دين لغيره جاز له أن يأخذ من ماله بقدر حقه،
وإن كان عليه دين لغيره أخذ لحصته من ماله.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا أقام صاحب الدار بينة أنه كرى
بيتًا منها على شخص بعشرة، وأقام الشخص بينة أنه أكرى جميعها بعشرة
تعارضتا وسقطتا. وعند أَبِي حَنِيفَةَ القول قول المكرى.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى أربعة أنفس دارًا: أحدهم
جميعها، والآخر ثلثيها والآخر نصفها، والرابع ثلثها، وأقام كل واحد
منهم بينة فإنها تقسم الدار على ستة وثلاثين سهمًا ويعطى الذي ادَّعى
جميعها اثني عشر سهمًا وهو ثلثها، ويقسم السدس الآخر بين المدّعي
للجميع وبين المدّعي للثلثين والمدعي للنصف لكل واحد منهم سهمان، ويقسم
الثلث بينهم أرباعًا، لأنهم تساووا في إقامة البينة، فيجعل في يد
المدّعي للجميع عشرون سهمًا من ستة وثلاثين سهمًا، وفي يد المدّعي
للثلثين ثمانية أسهم، وفي يد مدعي النصف خمسة، وفي يد مدعي الثلث ثلاثة
أسهم. وعند ابن أبي ليلى يُقسم بينهم على خمسة عشر سهمًا، ستة أسهم
لمدعي الجميع، وأربعة لمدعي الثلثين، وثلاثة لمدعي النصف، وسهمان لمدعي
الثلث. وعند أحمد وأبي عبيد تدفع الدار لمدعي الجميع، ويقرع بينه وبين
مدعي الثلثين، فمن خرجت له القرعة حلف معها وقضى له به، ويقرع بين مدعي
الجميع ومدعي الثلثين ومدعي النصف في سدس آخر، فمن خرجت له القرعة حلف
معها وقضى له به، ويقرع بين مدعي الجميع ومدعي الثلثين ومدعي النصف
ومدعي الثلث فمن خرجت له القرعة حلف معها وقضى له به وروى ابن المنذر
أيضًا هذا عن الشَّافِعِيّ واختاره. وعند أَبِي ثَورٍ تدفع ثلث الدار
لمدعى الجميع، ويوقف سدسها بين مدعي الجميع ومدعي الثلثين حتى يصطلحا
عليه، ويوقف سدس آخر بين مدعي الجميع ومدعي الثلثين ومدعي النصف حتى
يصطلحوا عليه، ويوقف الثلث بين أربعتهم حتى يصطلحوا عليه. وعند مالك
رِوَايَتَانِ: إحداهما كقول الشَّافِعِيّ أولاً، والثانية كقول أَبِي
ثَورٍ.
(2/474)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت
الدار في يد رجل فادعى رجلان فقال أحدهما: اشتريتها بمائة درهم ونقدت
الثمن وأقام على ذلك بينة، وقال الآخر: اشتريتها بمائتي درهم ونقدت
الثمن وأقام على ذلك بينة، وكانت البينتان مطلقتين فثلاثة أقوال: أحدها
أن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف الدار بنصف الثمن الذي سماه،
ورجع بالنصف الباقي على البائع، وإن شاء فسخ البيع ورجع بجميع الثمن
على البائع، وبه قال أَحْمَد وأبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد، والثاني
يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة سُلمت الدار إليه، ورجع الآخر على
البائع، والثالث أنهما يتعارضان ويسقطان ويتحالفان، فإذا تحالفا انفسخ
البيع إذا لم يعرف أيهما أول. وعند أَبِي ثَورٍ فيهما قَوْلَانِ:
أحدهما يفسخ الحاكم البيع ويرد الدار إلى مالكها، والثاني يؤخذ البائع
برد الْيَمِين وتوقف الدار حتى تتبين لمن هي منهما، أو يصطلحا عليها.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعلي وأنس وَأَحْمَد وإحدى الروايتين
عن عمر إذا تداعى رجلان أو إمرأتان مولودًا فإنه يرى القافة فأيهما
ألحقته التحق به. وعند أَبِي حَنِيفَةَ لا يرى القافة، وليس للقائف حكم
ويلحق بهما جميعًا. وحكى الطحاوي عنه أنه يلحقه باثنين ولا يلحقه
بأكثر، وحكى أبو يوسف عنه أنه يلحقه بثلاثة. وقال المتأخرون من أصحابه
يجوز أن يلحق بمائة، وكذلك يقول أبو حَنِيفَةَ في الروايتين، وعند
أَبِي يُوسُفَ لا يلحقه باثنين. وعند مالك في الأمة كقول الشَّافِعِيّ
وَأَحْمَد، وإن كانت حرة لم يلحق بهما ولم يعرض على القائف ولحق بالزوج
إن كان فيهما، وإن كانا أجنبيين ينظر به حتى يبلغ وينتسب إلى أحدهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا تزوجت في العدة ووطئها وتنازع
الزوج والواطئ في الولد أُرى القافة فأيهما ألحقته لُحِق. وعند مالك
يلحق بالزوج.
مسألة ة عند الشَّافِعِيّ إذا ألحقت القافة الولد بهما لم يلحق بهما
ووقف حتى يبلغ وينتسب إلى أيهما مال طبعه. وعند أَحْمَد يلحق بهما.
* * *
(2/475)
باب الْيَمِين في الدعاوى
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وكافة العلماء وسائر الزَّيْدِيَّة
يجوز القسامة من الولي في القتل إذا وجد اللوث. وعند النَّاصِر من
الزَّيْدِيَّة القسامة باطلة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ورَبِيعَة وَمَالِك وَأَحْمَد
واللَّيْث وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ إذا كان مع المدّعي للدم لوث برئ
بيمينه وحلف خمسين يمينًا، سواء كان في المقصود جراحة أو لم يكن. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ إذا وجد المقتول في محلة قوم فإن لم يكن به جراحة
فالقول قول المدّعى عليه مع يمينه، فإذا حلف فلا شيء عليه، وإن كان به
جراحة فإنه يؤخذ من صالحي المحلة أو القرية خمسون رجلاً فيحلف كل واحد
يمين، فإن لم يكن فيها إلا رجل واحد حلف خمسين يومًا، فإذا حلفوا وجبت
دية المقتول على الذي بنى المحلة، سواء زال ملكه عنها أو لم يزل إن كان
موجودًا، فإن لم يكن موجودًا كانت الدية على عاقلة سكان المحلة من حلف
منهم ومن لم يحلف. وعند أَبِي يُوسُفَ تكون الدية على السكان بكل حال.
فإن قالوا وجد القتيل في مسجد المحلة حلف منهم خمسون رجلاً وكانت الدية
في بيت المال، وإن وجد القتيل في دار نفسه فديته على عاقلته، وإن وجد
بين قريتين نظر إلى أيهما أقرب، ويكون حكمه كما لو وجد فيها. وعند عمر
- رضي الله عنه - والشعبي والنَّخَعِيّ يستحلف خمسون رجلاً من المدّعى
عليهم ويغرمون الدية، وهذا تريب مما قال أبو حَنِيفَةَ. وعند الحسن
يستحلف خمسون رجلاً من المدّعى عليهم والله ما قتلناه ولا علمنا قاتله،
فإن لم يحلفوا حلف خمسون من المدعين أن دمنا لفيكم واستحق الدية. وعند
الحكم والنَّخَعِيّ أيضًا يتوقف عن الحكم والقسامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت الدعوى في القسامة للقتل
عمدًا وحلف المدّعي خمسين يمينًا استحق القود في القول القديم، وبه قال
ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وَمَالِك واللَّيْث وَأَحْمَد وأبو ثور
وفقهاء المدينة. وفي الجديد لا يستحق القود ويستحق دية مغلظة حالة في
مال القاتل، وبه قال ابن عَبَّاسٍ ومعاوية والحسن البصري وأبو
حَنِيفَةَ والثَّوْرِيّ وإِسْحَاق وأهل الكوفة وغيرهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قلنا بالقديم وجب القود على من
ادَّعى عليه القتل، سواء كانوا واحدًا أو جماعة. وعند مالك وَأَحْمَد
أن المولى يختار واحدًا منهم فيقتله، ولا
(2/476)
يقتل جميعهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى القتل على جماعة لا يصلح
اشتراكهم في القتل، كأهل بلد أو قرية كبيرة لم تسمع الدعوى. وعند أَبِي
حَنِيفَةَ تسمع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ للولي أن يقسم
على الجماعة. وعند مالك َوَأَحْمَد، لا يقسم إلا على واحد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يحلف أولياء الدم على قدر حصصهم في
الميراث ويجبر على أصح القولين، سواء كانوا متساويين في الحصص أو بعضهم
أكبر من بعض، وبه قال مالك وَأَحْمَد، والقول الثاني يحلف كل واحد منهم
خمسين يمينًا. وعند مالك يجبر الكسر في حق أكثرهم نصيبًا وإن كانوا
متساويين فعنده رِوَايَتَانِ إحداهما يجبر في حق الكل والثانية يجبر في
حق واحد منهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إذا رُدت الْيَمِين على
المدّعى عليهم فحلفوا لم تلزمهم الدية. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد
في رِوَايَة يحبسون حتى يحلفوا أو يقرّوا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا نكل بعض أولياء الدم حلف الباقون
واستحقوا حصصهم من الدية. وعند مالك في إحدى الروايتين يسقط القود
والدية وترد الأيمان على المدّعى عليهم، وفي الرِوَايَة الأخرى يحلف
الباقون ويستحقون أنصابهم من الدية إن كانوا اثنين، أو بينهم إخوة أو
بنيهم، وإن كانوا أعمامًا أو بنيهم حلفوا واستحقوا القتل.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ردّ المدّعي الْيَمِين على
المدّعى عليه فنكل المدّعى عليه ولم يحلف، فإن قلنا إن الْيَمِين يوجب
المال ردت على المدّعي، وإن قلنا لا يوجب المال لم ترد على المدّعي.
وعند مالك إذا ردّ الْيَمِين على المدّعى عليهم. ولم يحلفوا حبسوا، فإن
طال حبسهم تُركوا وجلد كل واحد منهم مائة، وحبس سنة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا قسامة فيما دون النفس في أحد
القولين، وبه قال أحمد وأبو حَنِيفَةَ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ، والثاني
يقسم فيه، وبه قال كافة الزَّيْدِيَّة إذا كان ذلك عُشر الدية.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كانت الدعوى في موضع لا لوث فيه
غُلِّظ على المدّعى عليه في الْيَمِين فيحلف خمسين يمينًا في أصح
القولين، والثاني لا يُغلظ عليه فيحلف يمينًا واحدة، وبه قال أبو
حَنِيفَةَ وَأَحْمَد، واختاره الْمُزَنِي.
(2/477)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
وَأَحْمَدَ إذا ادَّعى على بعض أهل محلة القتل ولم يعين القاتل لم تسمع
الدعوى. وعند أَبِي حَنِيفَةَ تسمع.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اللوث وجود سبب يوجب عليه الظن أن
الأمر كما يقول المدّعى. وعند أَحْمَد اللوث الذي تثبت القسامة العداوة
الظاهرة. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو الأثر. وعند مالك هو أن يقول الرجل
عند موته ديتي عند فلان، أو شهد واحد بقتله. واختلفت الرِوَايَة عن
مالك أيضًا في صفة الشاهد، فروى عنه لا تعتبر العدالة، وروى عنه يعتبر
ذلك. وروى عنه تجزئ بشهادة امرأة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أسباب اللوث سبعة وهي مشهورة. وعند
مالك لا يكون جميع هذه الأسباب لوثًا إلا إذا شهد رجل عدل أنه قتل
فلانًا فإنه يكون لوثًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يثبت اللوث بشهادة النساء. وعند
مالك في إحدى الروايتين يثبت بشهادة النساء.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يقسم المدَّعي الواحد في العمد. وعند
مالك لا يقسم المدّعي الواحد في العمد، ولا يقسم إلا اثنان فصاعدًا.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا كان أولياء الدم أكثر من خمسين
حلف كل واحد منهم يمينًا فى أحد القولين، وبه قال مالك في رِوَايَة.
وعنده في الرِوَايَة الأخرى يحلف منه خمسون ويستحق.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا اقتتلت طائفتان ثم افترقتا عن
قتيل لا يعرف من قتله، فإن عين أولياؤه على واحد أو جماعة وأتوا بما
يوجب اللوث حلفوا أو استحقوا الدية، فإن لم يأتوا بما يوجب اللوث فلا
قصاص ولا دية. وعند أَحْمَد وكذا مالك في إحدى الروايتين ديته على
الطائفة التي ادعت إن كان القتل من الطائفة الأخرى. وعند أحمد أيضًا
وإِسْحَاق إلا أن يعينوا بالدعوى رجلاً بعينه فتكون قسامة وإن كان برغم
الطائفتين. وعند مالك أيضًا عقله على الطائفتين جميعًا. وعند ابن أبي
ليلى وأَبِي يُوسُفَ ديته على عاقلة الطائفتين. وعند الْأَوْزَاعِيّ
ديته على الطائفتين. وعند أَبِي حَنِيفَةَ هو على عاقلة الطائفة التي
وجد القتيل فيها إذا لم يعين أولياؤه على غيرهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قتل واحد في الزحام فإن وليه
يعين الدعوى على من شاء منهم إذا كان القدر ممن يمكن أن يكونوا قاتليه
ويقسم على ذلك، وتستحق الدية على
(2/478)
عواقلهم مؤجلة في ثلاث سنين. وعند مالك
ديته هدر. وعند الحسن والزُّهْرِيّ ديته على من حضر. وعند الثَّوْرِيّ
وإِسْحَاق وعمر وعلى ديته في بيت المال.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال المجروح جرحني فلان، أو دمي
عند فلان ثم مات لم يكن ذلك لوثًا عليه. وعند مالك ومروان واللَّيْث
يكون ذلك لوثًا عليه.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وإِسْحَاق
وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ تثبت القسامة مع اللوث، سواء وجد في المقتول أمر
أو لم يوجد. وعند الثَّوْرِيّ وأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد في رِوَايَة
لا تثبت القسامة إذا لم يوجد في الميت أثر، وإن خرج الدم من أنفه ودبره
لم تثبت القسامة، وإن خرج الدم من عينه وأذنه ثبت فيه القسامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الحكم في القسامة واجب. وعند ابن
علية لا يحكم بالقسامة.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى بعض أولياء الدم وأنكر
الباقون لم تسقط القسامة في أحد القولين وتسقط في الآخر في العمد، وبه
قال مالك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يحلف غير المدّعى عليه. وعند
أَبِي حَنِيفَةَ يختار المدّعي خمسين رجلاً ويحلّفهم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا امتنع المدّعى عليه من الْيَمِين
لم يحبس. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يُحبس حتى يحلف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا حلف المدّعى عليه في القسامة لم
بغرم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ يغرم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ يقسم الرجال
والنساء. وعند الثَّوْرِيّ والْأَوْزَاعِيّ َوَأَحْمَد لا تقسم النساء.
وعند الْأَوْزَاعِيّ أيضًا لا عفو للنساء ولا قود. وعند مالك لا تقسم
النساء في قتل العمد ولو لم يكن في أولياء الدم إلا النساء ويقسمن في
الخطأ.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أن الولي يقسم، سواء كان مسلمًا أو
كافرًا، أو سواء كان القاتل مسلمًا أو كافرًا. وعند مالك إذا كان
القاتل مسلمًا والمقتول كافرًا لم يقسم ولي الكافر وبناه على أصله أن
القسامة يستحق بها القود، والمسلم لا يقتل بالكافر.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وأَبِي حَنِيفَةَ تثبت
القسامة في العبد. وعند الزُّهْرِيّ وَمَالِك والثَّوْرِيّ
والْأَوْزَاعِيّ وأَبِي ثَورٍ لا تثبت القسامة في العبد، وهو أحد
طريقين في مذهب الشَّافِعِيّ.
(2/479)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
الْيَمِين هو أن يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور لقد قتل فلان فلانًا منفردًا بقتله ما شاركه في قتله أحد
غيره. وعظ مالك يقول: والله الذي لا إله إلا هو لهو ضربه ولما ضربه
مات.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإِسْحَاق الْيَمِين على
نية المستحلف. وعند النَّخَعِيّ إن كان المستحلف ظالمًا فالنية نية
الحالف، وإن كان المستحلف مظلومًا فالنية نية الذي استحلف.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا تغلظ الْيَمِين في المال إلا أن
يكون نصابًا تجب فيه الزكاة. وعند مالك تغلَّظ فيما يقطع فيه السارق
وهو ربع دينار. وعند ابن جرير تغلَّظ في القليل والكثير.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وأبي بكر وعمر وعثمان وابن عَبَّاسٍ
وعبد الرحمن بن عوف وأَكْثَر الْعُلَمَاءِ تغلَّظ الْيَمِين بالمكان
والزمان. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد لا تغلَّظ بهما.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وعامة العلماء الأيمان كلها على
القطع والبتِّ، إلاَّ على فعل الغير فإنها على نفي العلم. وعند الشعبي
والنَّخَعِيّ كلها على نفي العلم. وعند ابن أبي ليلى كلها على البت،
كذا نقل صاحب الشامل والمعتمد والشاشي عن الشعبي والنَّخَعِيّ. وعند
ابن أبي ليلى ما ذكرناه. وعكس في البيان ذلك عنهم فجعل مذهب الشعبي
والنَّخَعِيّ كلها على القطع والبت، وجعل مذهب ابن أبي ليلى كلها على
نفي العلم.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا ادَّعى جماعة حقًّا على رجل حلف
كل واحد منهم يمينًا، وبه قال من الزَّيْدِيَّة الهادي. وعند إسماعيل
بن إِسْحَاق القاضي وأَبِي حَنِيفَةَ يكتفى منه لهم بيمين واحدة، وبه
قال من الزَّيْدِيَّة النَّاصِر والمؤيَّد.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ليس للمعسر أن يحلف أنه لا حق عليه.
وعند أَبِي ثَورٍ له ذلك.
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذا قال البائع: قد بعت ما تدَّعيه
لكن لا أقدر على التسليم، فإن المشتري يحلف أن البائع قادر على
التسليم. وعند أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه وكافة الزَّيْدِيَّة يحلف
المشتري على أنه لا يعلم أنه لا يقدر على التسليم.
(2/480)
|