الموسوعة
الفقهية الكويتية ثَأْرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثَّأْرُ: الدَّمُ، أَوْ الطَّلَبُ بِالدَّمِ، يُقَال: ثَأَرْتُ
الْقَتِيل وَثَأَرْتُ بِهِ فَأَنَا ثَائِرٌ، أَيْ قَتَلْتُ قَاتِلَهُ (1)
وَالثَّأْرُ: الذَّحْل، يُقَال: طَلَبَ بِذَحْلِهِ، أَيْ بِثَأْرِهِ، وَفِي
الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَرَجُلٌ قَتَل
فِي الْحَرَمِ، وَرَجُلٌ أَخَذَ بِذُحُول الْجَاهِلِيَّةِ (2)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
الثَّانِي وَهُوَ طَلَبُ الدَّمِ.
__________
(1) لسان العرب والنهاية لابن الأثير والمفردات للأصفهاني والمعجم الوسيط،
ومعجم مقاييس اللغة
(2) القرطبي 2 / 225 - 226 ط أولى دار الكتب سنة 1353 هـ. وحديث: " إن من
أعتى الناس. . . " أخرجه أحمد في المسند (4 / 32 - ط الميمنية) من حديث أبي
شريح قال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح " (مجمع
الزوائد 7 / 174 - ط دار الكتاب العربي)
(15/5)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقِصَاصُ:
2 - الْقِصَاصُ: الْقَوَدُ، وَهُوَ الْقَتْل بِالْقَتْل، أَوْ الْجَرْحُ
بِالْجَرْحِ. (1)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّأْرِ وَالْقِصَاصِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَدُل عَلَى
الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَتْل أَوْ الْجَرْحِ، أَمَّا الثَّأْرُ فَلاَ يَدُل
عَلَى ذَلِكَ بَل رُبَّمَا دَل عَلَى الْمُغَالاَةِ لِمَا فِي مَعْنَاهُ
مِنِ انْتِشَارِ الْغَضَبِ، وَطَلَبِ الدَّمِ وَإِسَالَتِهِ.
الثَّأْرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
3 - تَزْخَرُ كُتُبُ التَّارِيخِ وَالتَّفْسِيرِ وَالسُّنَنِ بِذِكْرِ
عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الثَّأْرِ، وَكُلُّهَا تُؤَكِّدُ أَنَّ
عَادَةَ الثَّأْرِ كَانَتْ مُتَأَصِّلَةً عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْل
الإِْسْلاَمِ، وَأَنَّ الثَّأْرَ كَانَ شَائِعًا ذَائِعًا حَيْثُ كَانَ
نِظَامُ الْقَبِيلَةِ يَقُومُ مَقَامَ الدَّوْلَةِ، وَكُل قَبِيلَةٍ
تُفَاخِرُ بِنَسَبِهَا وَحَسَبِهَا وَقُوَّتِهَا، وَتَعْتَبِرُ نَفْسَهَا
أَفْضَل مِنْ غَيْرِهَا، وَكَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْقَبَائِل
خَاضِعَةً لِحُكْمِ الْقُوَّةِ، فَالْقُوَّةُ هِيَ الْقَانُونُ، وَالْحَقُّ
لِلْقَوِيِّ وَلَوْ كَانَ مُعْتَدِيًا، وَالاِعْتِدَاءُ عَلَى أَحَدِ
أَفْرَادِ الْقَبِيلَةِ يُعْتَبَرُ اعْتِدَاءً عَلَى الْقَبِيلَةِ
بِأَجْمَعِهَا، يَتَضَامَنُ أَفْرَادُهَا فِي الاِنْتِقَامِ وَيُسْرِفُونَ
فِي الثَّأْرِ، فَلاَ تَكْتَفِي قَبِيلَةُ الْمَقْتُول بِقَتْل الْجَانِي،
لأَِنَّهَا تَرَاهُ غَيْرَ كُفْءٍ لِمَنْ فَقَدُوهُ. وَكَانَ ذَلِكَ
سَبَبًا فِي نُشُوبِ
__________
(1) لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة، ومختار الصحاح والنهاية لابن الأثير،
والقرطبي 2 / 225
(15/5)
الْحُرُوبِ الْمُدَمِّرَةِ الَّتِي
اسْتَغْرَقَتِ الأَْعْوَامَ الطِّوَال.
4 - وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيل
الَّذِي لَمْ يُؤْخَذْ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَرْقُو عِنْدَ
قَبْرِهِ: وَتَقُول: اسْقُونِي، اسْقُونِي مِنْ دَمِ قَاتِلِي، فَإِذَا
أُخِذَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ.
وَهَذَا أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ (1) كَمَا يَقُول
الدَّمِيرِيُّ فِي كِتَابِهِ (حَيَاةُ الْحَيَوَانِ)
وَكَانَ الْعَرَبُ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الثَّأْرِ وَإِسْرَافِهِمْ فِيهِ،
وَخَوْفِهِمْ مِنَ الْعَارِ إذَا تَرَكُوهُ يُحَرِّمُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ، وَالْخَمْرَ حَتَّى يَنَالُوا
ثَأْرَهُمْ، وَلاَ يُغَيِّرُونَ ثِيَابَهُمْ وَلاَ يَغْسِلُونَ
رُءُوسَهُمْ، وَلاَ يَأْكُلُونَ لَحْمًا حَتَّى يَشْفُوا أَنْفُسَهُمْ
بِهَذَا الثَّأْرِ. (2)
5 - وَظَل الْعَرَبُ مُتَأَثِّرِينَ بِهَذِهِ الْعَادَةِ حَتَّى بَعْدَ
ظُهُورِ الإِْسْلاَمِ، يَرْوِي الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ
السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَال: كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ
__________
(1) حديث: " لا صفر ولا هامة " جزء من حديث أخرجه البخاري (فتح الباري 10 /
215 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1743 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة
(2) ينظر في هذا: الكامل لابن الأثير 1 / 336 وما بعدها، والأم 6 / 8،
والألوسي 5 / 69، والقرطبي 2 / 225 - 226، والطبري 2 / 60 وما بعدها، 15 /
58 وما بعدها، وأحكام القرآن للشافعي / 267 وما بعدها، وأحكام القرآن لابن
العربي 1 / 61، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 155 وما بعدها، والسياسة الشرعية
لابن تيمية / 156
(15/6)
الأَْنْصَارِ قِتَالٌ كَانَ لأَِحَدِهِمَا
عَلَى الآْخَرِ الطَّوْل فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا الْفَضْل، فَأَصْلَحَ
بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) كَمَا نَزَل
عَلَيْهِ مِنْ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ} (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثَّأْرِ:
6 - أ - حَرَّمَ الإِْسْلاَمُ قَتْل النَّفْسِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ حَقٍّ
لِحُرْمَةِ النَّفْسِ الإِْنْسَانِيَّةِ، فَقَال تَعَالَى: {وَلاَ
تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} (3)
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقَّ الَّذِي
يُقْتَل بِهِ الْمُسْلِمُ (4) فَقَال: لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي،
وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ (5) .
7 - ب - أَبَاحَ الإِْسْلاَمُ الأَْخْذَ بِالثَّأْرِ عَلَى سَبِيل
الْقِصَاصِ بِشُرُوطِهِ الْمُفَصَّلَةِ فِي مُصْطَلَحِ:
__________
(1)) حديث: " إصلاح النبي صلى الله عليه وسلم بين حيين من الأنصار. . . "
أخرجه الطبري (2 / 61 - ط دار المعرفة) من طريق السدي عن أبي مالك مرسلا.
والسدي متكلم فيه (التقريب ص 108 - ط دار الرشيد)
(2) سورة البقرة / 178. وانظر الطبري 2 / 61، وأحكام القرآن للشافعي / 271.
(3) سورة الأنعام / 151
(4) السياسة الشرعية لابن تيمية / 153 - 154، وفتح الباري 12 / 201،
والألوسي 15 / 69
(5)) حديث: " لا يحل دم امرئ مسلم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 /
201 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1302 - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن
مسعود
(15/6)
(قِصَاصٌ وَجِنَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ
وَجِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ) .
قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قُتِل لَهُ
قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ
يُقَادَ (1) وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْل الْقَتِيل،
قَال ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ يُؤْخَذُ لَهُمْ بِثَأْرِهِمْ (2) .
هَذَا وَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ إِذْنِ
الإِْمَامِ، فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِدُونِ إِذْنِهِ وَقَعَ
مَوْقِعَهُ، وَعُزِّرَ لاِفْتِيَاتِهِ عَلَى الإِْمَامِ.
وَصَرَّحَ الزُّرْقَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ إِذَا عَلِمَ
وَلِيُّ الْمَقْتُول أَنَّ الإِْمَامَ لاَ يَقْتُل الْقَاتِل، فَلاَ أَدَبَ
عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ وَلَوْ غِيلَةً، وَلَكِنْ يُرَاعِي فِيهِ أَمْنَ
الْفِتْنَةِ وَالرَّذِيلَةِ. (3)
8 - ج - إِبَاحَةُ الإِْسْلاَمِ لِلثَّأْرِ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ
التَّعَدِّي عَلَى غَيْرِ الْقَاتِل، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الإِْسْلاَمُ مَا
كَانَ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَتْل غَيْرِ الْقَاتِل، وَمِنَ
الإِْسْرَافِ فِي الْقَتْل، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ
وَالْعُدْوَانِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِل مَظْلُومًا فَقَدْ
جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْل} (4) ، قَال
الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ فَلاَ يُسْرِفِ
__________
(1) حديث: " من قتل له قتيل. . . " أخرجه النسائي (8 / 38 - ط دار البشائر)
. وابن ماجه (2 / 876 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة
(2) فتح الباري 12 / 205 - 208
(3) شرح الزرقاني 8 / 4
(4) سورة الإسراء / 33
(15/7)
الْوَلِيُّ فِي قَتْل الْقَاتِل بِأَنْ
يُمَثِّل بِهِ، أَوْ يَقْتَصَّ مِنْ غَيْرِ الْقَاتِل، وَقَال النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى
اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ (1)
، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى
اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِْسْلاَمِ
سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ
لِيُهَرِيقَ دَمَهُ (2) ، قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَمُبْتَغٍ فِي الإِْسْلاَمِ
سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عِنْدَ شَخْصٍ
فَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِهِ. (3)
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْقِصَاصِ وَتَحْرِيمِ الثَّأْرِ عَلَى طَرِيقَةِ
الْجَاهِلِيَّةِ:
9 - أ - الْقِصَاصُ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْجَانِي فَلاَ يُؤْخَذُ
غَيْرُهُ بِجَرِيرَتِهِ، فِي حِينِ أَنَّ الثَّأْرَ لاَ يُبَالِي وَلِيُّ
الدَّمِ فِي الاِنْتِقَامِ مِنَ الْجَانِي أَوْ أُسْرَتِهِ أَوْ
قَبِيلَتِهِ
وَبِذَلِكَ يَتَعَرَّضُ الأَْبْرِيَاءُ لِلْقَتْل دُونَ ذَنْبٍ جَنَوْهُ.
__________
(1) حديث: " إن من أعتى الناس على الله عز وجل. . . " سبق تخريجه ف / 1
(2) حديث: " أبغض الناس إلى الله ثلاثة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري
12 / 210 - ط السلفية) من حديث ابن عباس
(3) الألوسي 15 / 69، والطبري 15 / 59 - 60، ومختصر تفسير ابن كثير 2 /
376، وفتح الباري 12 / 210 - 211، وأحكام القرآن للشافعي / 272، والسياسة
الشرعية لابن تيمية / 155
(15/7)
ب - الْقِصَاصُ يَرْدَعُ الْقَاتِل عَنِ
الْقَتْل لأَِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَفَّ عَنِ
الْقَتْل بَيْنَمَا الثَّأْرُ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتَنِ وَالْعَدَاوَاتِ.
يَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُول تَغْلِي
قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْظِ حَتَّى يُؤْثِرُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِل
وَأَوْلِيَاءَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا بِقَتْل الْقَاتِل، بَل
يَقْتُلُونَ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْقَاتِل كَسَيِّدِ الْقَبِيلَةِ
وَمُقَدَّمِ الطَّائِفَةِ، فَيَكُونُ الْقَاتِل قَدِ اعْتَدَى فِي
الاِبْتِدَاءِ، وَتَعَدَّى هَؤُلاَءِ فِي الاِسْتِيفَاءِ كَمَا كَانَ
يَفْعَلُهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ الْخَارِجُونَ عَنِ الشَّرِيعَةِ فِي
هَذِهِ الأَْوْقَاتِ مِنَ الأَْعْرَابِ، وَالْحَاضِرَةِ وَغَيْرِهِمْ،
وَقَدْ يَسْتَعْظِمُونَ قَتْل الْقَاتِل لِكَوْنِهِ عَظِيمًا أَشْرَفَ مِنَ
الْمَقْتُول، فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُول
يَقْتُلُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَاتِل،
وَرُبَّمَا حَالَفَ هَؤُلاَءِ قَوْمًا وَاسْتَعَانُوا بِهِمْ وَهَؤُلاَءِ
قَوْمًا فَيُفْضِي إِلَى الْفِتَنِ وَالْعَدَاوَاتِ الْعَظِيمَةِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ خُرُوجُهُمْ عَنْ سَنَنِ الْعَدْل الَّذِي هُوَ الْقِصَاصُ
فِي الْقَتْلَى، فَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْقِصَاصَ، وَهُوَ
الْمُسَاوَاةُ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي الْقَتْلَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ
حَيَاةً فَإِنَّهُ يَحْقِنُ دَمَ غَيْرِ الْقَاتِل مِنْ أَوْلِيَاءِ
الرَّجُلَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِذَا عَلِمَ مَنْ يُرِيدُ الْقَتْل أَنَّهُ
يُقْتَل كَفَّ عَنِ الْقَتْل. (1) قَال
__________
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية / 156 - 157
(15/8)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى
مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلاَ لاَ يُقْتَل
مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ (1) .
__________
(1) حديث: " المؤمنون تتكافأ. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 666 - 668 ط عزت
عبيد الدعاس) . والنسائي (8 / 24 - ط دار البشائر) . من حديث علي بن أبي
طالب وصححه أحمد شاكر (المسند 2 / 212 - ط دار المعارف)
(15/8)
ثُبُوتٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثُّبُوتُ مَصْدَرُ ثَبَتَ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ثَبَاتًا وَثُبُوتًا
إِذَا دَامَ وَاسْتَقَرَّ فَهُوَ ثَابِتٌ.
وَثَبَتَ الأَْمْرُ صَحَّ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزِ وَالتَّضْعِيفِ،
فَيُقَال: أَثْبَتَهُ وَثَبَّتَهُ، وَرَجُلٌ ثَبْتٌ أَيْ: مُتَثَبِّتٌ فِي
أُمُورِهِ، وَرَجُلٌ ثَبَتٌ إِذَا كَانَ عَدْلاً ضَابِطًا، وَالْجَمْعُ
أَثْبَاتٌ.
وَيُقَال: ثَبَتَ فُلاَنٌ فِي الْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُهُ اصْطِلاَحًا عَنِ الدَّوَامِ
وَالاِسْتِقْرَارِ وَالضَّبْطِ. وَمِنْهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مَثَلاً
يُقْصَدُ بِهِ اسْتِقْرَارُ النَّسَبِ وَلُزُومُهُ عَلَى وَجْهٍ
تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ الشَّرْعِيَّةُ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثُّبُوتِ:
ثُبُوتُ النَّسَبِ:
2 - ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ آثَارِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب مادة: " ثبت "
(15/9)
: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ (1) .
وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِالإِْقْرَارِ بِهِ، وَبِاسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ،
وَبِالْبَيِّنَةِ (2) ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (نَسَبٌ،
إِقْرَارٌ، اسْتِلْحَاقٌ) .
ثُبُوتُ الشَّهْرِ:
3 - يُعْتَمَدُ فِي ثُبُوتِ الشَّهْرِ فِي السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ عَلَى
أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: رُؤْيَةُ الْهِلاَل. وَالثَّانِي: إِكْمَال عِدَّةِ الشَّهْرِ
قَبْلَهُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا، إِنْ غُمَّ الْهِلاَل فِي لَيْلَةِ
الثَّلاَثِينَ مِنْهُ.
وَيُغَمُّ الْهِلاَل بِأَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فِي آخِرِ
الشَّهْرِ، أَوْ حَال دُونَ رُؤْيَتِهِ قَتَرٌ أَوْ غُبَارٌ، فَأَمَّا
إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً فَلاَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى
إِكْمَال ثَلاَثِينَ، بَل تَارَةً يَثْبُتُ بِإِكْمَال الْعِدَّةِ إِذَا
لَمْ يُرَ الْهِلاَل، وَتَارَةً يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل لَيْلَةَ
الثَّلاَثِينَ. (3)
وَتَثْبُتُ الرُّؤْيَةُ لَدَى الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فِي
غَيْرِ رَمَضَانَ، أَمَّا فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا
فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى اشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ،
__________
(1) حديث: " الولد للفراش " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 127 ط السلفية)
ومسلم (2 / 1030 - ط الحلبي) من حديث عائشة رضي الله عنها
(2) نهاية المحتاج 7 / 106، وبدائع الصنائع 7 / 228، والشرح الصغير 3 / 54،
والمغني 5 / 200
(3) حاشية الدسوقي 1 / 519، وحاشية ابن عابدين 2 / 95
(15/9)
وَاكْتَفَى الْبَعْضُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ
وَاحِدٍ. (1)
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّهْرِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ:
كَوُجُوبِ صِيَامِ رَمَضَانَ بِثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَالْفِطْرِ
بِثُبُوتِ شَهْرِ شَوَّال، وَكَالْحَجِّ بِثُبُوتِ أَشْهُرِهِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: شَهْرُ رَمَضَانَ - شَهَادَةٌ
- حَجٌّ.
ثُبُوتُ الْحُقُوقِ:
4 - ثُبُوتُ الْحُقُوقِ لأَِصْحَابِهَا شَرْعًا يَعْتَمِدُ عَلَى ثُبُوتِ
مَا قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَدِلَّةٍ وَبَيِّنَاتٍ، سَوَاءٌ الْحُقُوقُ
الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَال، أَوِ الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ
بِالنَّفْسِ.
وَبَحَثَ الْفُقَهَاءُ ثُبُوتَهَا فِي أَبْوَابِ الدَّعَاوَى،
وَالْبَيِّنَاتِ، وَالْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالإِْقْرَارِ،
وَالأَْيْمَانِ. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيل أَحْكَامِهَا فِي مُصْطَلَحِ:
(إِثْبَاتٌ) .
وَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي مَظَانِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
ثُبُوتُ الْحَدِيثِ:
5 - الْحَدِيثُ هُوَ الأَْصْل الثَّانِي مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ
وَيُعْتَمَدُ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا، وَأَنْ يَتَّصِل
إِسْنَادُهُ بِنَقْل الْعَدْل الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْل الضَّابِطِ إِلَى
مُنْتَهَاهُ، وَلاَ يَكُونَ شَاذًّا، وَلاَ
__________
(1) المجموع 6 / 280
(15/10)
مُعَلًّا. وَيَتَنَوَّعُ الْحَدِيثُ
الثَّابِتُ الْمَقْبُول إِلَى الصَّحِيحِ بِنَفْسِهِ وَالصَّحِيحِ
لِغَيْرِهِ، وَإِلَى الْحَسَنِ بِنَفْسِهِ وَالْحَسَنِ لِغَيْرِهِ.
وَيَقْدَحُ فِي ثُبُوتِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مُعَلًّا.
وَأَسْبَابُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ: الإِْرْسَال، وَالاِنْقِطَاعُ،
وَالتَّدْلِيسُ، وَالشُّذُوذُ، وَالنَّكَارَةُ، وَالاِضْطِرَابُ، وَالَّتِي
تَشْمَلُهَا أَنْوَاعُ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، وَالْمَوْضُوعِ.
وَمِنْ صِفَاتِ رَاوِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ الْمَقْبُول أَنْ يَكُونَ
ثَبْتًا أَيْ عَدْلاً ضَابِطًا، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ
التَّعْدِيل مَا وُصِفَ بِأَفْعَل كَأَثْبَتَ النَّاسِ، أَوْ إِلَيْهِ
الْمُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ، وَيَلِي هَذِهِ الدَّرَجَةَ مَنْ وُصِفَ
بِصِفَتَيْنِ كَقَوْلِهِمْ: ثَبْتٌ ثَبْتٌ، أَوْ ثِقَةٌ حَافِظٌ، أَوْ
عَدْلٌ ضَابِطٌ، مِمَّا يُفِيدُ تَثَبُّتَهُ فِي النَّقْل وَضَبْطَهُ لِمَا
تَلَقَّاهُ وَسَمِعَهُ مِنْ شُيُوخِهِ. (1)
ثُغُورٌ
انْظُرْ: رِبَاطٌ.
ثَلْجٌ
انْظُرْ: مِيَاهٌ، تَيَمُّمٌ
__________
(1) علوم الحديث لابن الصلاح - تحقيق نور الدين عتر ص 10، نزهة النظر ط -
الهند ص 134
(15/10)
ثِمَارٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثِّمَارُ لُغَةً جَمْعُ ثَمَرٍ، وَالثَّمَرُ: حَمْل الشَّجَرِ.
وَيُطْلَقُ الثَّمَرُ أَيْضًا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَال. (1)
وَاصْطِلاَحًا: اسْمٌ لِكُل مَا يُسْتَطْعَمُ مِنْ أَحْمَال الشَّجَرِ.
قَالَهُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ:
الثَّمَرُ الْحَمْل الَّذِي تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَل
فَيُقَال: ثَمَرُ الأَْرَاكِ وَالْعَوْسَجِ، كَمَا يُقَال ثَمَرُ الْعِنَبِ
وَالنَّخْل. قَال: وَفِي الْفَتْحِ: وَيَدْخُل فِي الثَّمَرَةِ الْوَرْدُ
وَالْيَاسَمِينُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْمَشْمُومَاتِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ بِتَعْرِيفِ صَاحِبِ الْكُلِّيَّاتِ وَشَهَّرَهُ. وَقَال
الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: الثِّمَارُ
الْفَوَاكِهُ. (2)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَوَاكِهُ:
2 - الْفَوَاكِهُ لُغَةً أَجْنَاسُ الْفَاكِهَةِ
__________
(1) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: " ثمر "
(2) الكليات 2 / 122، حاشية ابن عابدين 2 / 49، 4 / 37، وحاشية الدسوقي 3 /
176
(15/11)
وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَل عَلَى سَبِيل
التَّفَكُّهِ أَيِ التَّنَعُّمِ بِأَكْلِهِ وَالاِلْتِذَاذِ بِهِ (1)
فَالْفَوَاكِهُ أَخَصُّ مِنَ الثِّمَارِ.
ب - الزُّرُوعُ:
3 - الزُّرُوعُ جَمْعُ زَرْعٍ وَهُوَ مَا اسْتُنِبْتَ بِالْبَذْرِ، سُمِّيَ
بِالْمَصْدَرِ، يُقَال زَرَعَ الْحَبَّ يَزْرَعُهُ زَرْعًا وَزِرَاعَةً
إِذَا بَذَرَهُ. وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ.
وَقِيل: الزَّرْعُ نَبَاتُ كُل شَيْءٍ يُحْرَثُ. (2)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثِّمَارِ:
4 - بَعْضُ الثِّمَارِ مِنَ الأَْمْوَال الزَّكَوِيَّةِ عَلَى خِلاَفٍ
وَتَفْصِيلٍ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلِلثِّمَارِ أَحْكَامٌ
خَاصَّةٌ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنِ، وَالشُّفْعَةِ، وَالسَّرِقَةِ، كَمَا
سَيَأْتِي:
أَوَّلاً: زَكَاةُ الثِّمَارِ:
أ - الثِّمَارُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ:
5 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ
فِي ثَمَرٍ إِلاَّ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ لِكَوْنِهِمَا مِنَ الْقُوتِ.
(3)
وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ الزَّكَاةَ فِي كُل ثَمَرٍ يُكَال
__________
(1) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: " فكه "، والمغرب 364، والكليات 3 /
318، 357، دستور العلماء 3 / 13
(2) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: " زرع "
(3) حاشية الدسوقي 1 / 447، ومواهب الجليل 2 / 280، ونهاية المحتاج 3 / 69
(15/11)
وَيُدَّخَرُ، كَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ،
وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبُنْدُقِ. (1)
وَذَهَبَ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي
جَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ - الَّتِي يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهَا نَمَاءُ
الأَْرْضِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ
مِنَ الأَْرْضِ} (2) وَلأَِنَّ السَّبَبَ هِيَ الأَْرْضُ النَّامِيَةُ
وَقَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لاَ يَبْقَى فَيَجِبُ الْعُشْرُ كَالْخَرَاجِ.
وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الثِّمَارِ الَّتِي لَهَا
ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ
فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ (3) .
ب - نِصَابُ الثِّمَارِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي زَكَاةِ
الثِّمَارِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى
اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ،
__________
(1) المغني لابن قدامة 2 / 690، 691، وكشاف القناع 2 / 204
(2) سورة البقرة / 267
(3) حديث: " ليس في الخضروات صدقة. . . " أخرجه الدارقطني (2 / 96 ط دار
المحاسن بمصر) من حديث طلحة بن عبيد الله بإسناد ضعيف، ونوه بذكر طرقه
وشواهده ابن حجر في التلخيص (2 / 165 - ط شركة الطباعة الفنية) والشوكاني
في نيل الأوطار (4 / 142 - ط المطبعة العثمانية) وقال الشوكاني: " طرقه
يقوي بعضها بعضا "
(15/12)
وَهُوَ عِنْدَهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ،
فَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا دُونَهَا. وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ
قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ
خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ (1) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ
الزَّكَاةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ فِي كَثِيرِ الْخَارِجِ
وَقَلِيلِهِ (2) .
وَمِمَّا اسْتَدَل بِهِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ}
(3) .
ج - وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي
الثِّمَارِ بِبُدُوِّ صَلاَحِهَا؛ لأَِنَّهَا حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ
كَامِلَةٌ. وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا هُوَ انْعِقَادُ سَبَبِ
وُجُوبِ إِخْرَاجِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ عِنْدَ الصَّيْرُورَةِ كَذَلِكَ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وُجُوبَ إِخْرَاجِهَا فِي
الْحَال.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ وَقْتَ
__________
(1) حديث: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري
3 / 310 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 674 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري
(2) ابن عابدين 2 / 49، البدائع 2 / 59
(3) سورة البقرة / 267
(15/12)
الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ ظُهُورِ الثَّمَرِ
مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ} (1) . قَال:
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِْنْفَاقِ مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنَ الأَْرْضِ
فَدَل أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخُرُوجِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ
اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ وَالإِْدْرَاكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (2) وَيَوْمُ حَصَادِهِ يَوْمُ إِدْرَاكِهِ
فَكَانَ هُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ وَقْتُ الْجِذَاذِ لأَِنَّ حَال
الْجِذَاذِ هِيَ حَال تَنَاهِي عِظَمِ الثَّمَرِ وَاسْتِحْكَامِهِ
فَكَانَتْ هِيَ حَال الْوُجُوبِ. (3)
د - الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي زَكَاةِ الثَّمَرِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ الَّتِي
تُسْقَى بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ كَالَّذِي يُسْقَى بِالْغَيْثِ، وَالسُّيُول،
وَالأَْنْهَارِ، وَالسَّوَّاقِي الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنَ
الأَْنْهَارِ بِلاَ آلَةٍ، وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِقُرْبِهِ مِنَ
الْمَاءِ. وَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ مِنْهَا بِمُؤْنَةٍ
كَالدَّالِيَةِ، وَالنَّاعُورَةِ، وَالسَّانِيَةِ. (4) لِقَوْل النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ
أَوْ كَانَ
__________
(1) سورة البقرة / 267
(2) سورة الأنعام / 141
(3) بدائع الصنائع 2 / 63، وحاشية ابن عابدين 2 / 53، وحاشية الدسوقي 1 /
451، ومغني المحتاج 1 / 386، كشاف القناع 2 / 210
(4) السانية: البعير يسني عليه أي يستقي من البئر. وتطلق السانية أيضا على
القرب (الدلو) مع أدواته من حبل ونحوه (المغرب للمطرزي) والعثري: ما يشرب
بعروقه
(15/13)
عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ
بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ (1) .
وَفِي زَكَاةِ الثِّمَارِ تَفْصِيلاَتٌ (2) يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي
مُصْطَلَحِ: (زَكَاةٌ) .
ثَانِيًا: بَيْعُ الثِّمَارِ:
9 - بَيْعُ الثِّمَارِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل ظُهُورِهَا أَوْ
بَعْدَهُ.
وَإِذَا بِيعَتْ بَعْدَ ظُهُورِهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل بُدُوِّ
الصَّلاَحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْل ظُهُورِهَا:
10 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْل
ظُهُورِهَا لأَِنَّهَا مَعْدُومَةٌ. وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ
لِلْغَرَرِ.
ب - بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَقَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ:
11 - بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا لاَ يَخْلُو مِنْ
ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:
__________
(1) حديث: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح
نصف العشر. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 347 ط السلفية) .
(2) بدائع الصنائع 2 / 62، وفتح القدير 2 / 190، وابن عابدين 2 / 48 وما
بعدها، وحاشية الدسوقي 1 / 448، 449، ومغني المحتاج 1 / 385، 386، وكشاف
القناع 2 / 209، 210
(15/13)
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ
بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَحِينَئِذٍ لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالإِْجْمَاعِ
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: نَهَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ
صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ (1) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي
فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْل
بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ.
ثَانِيَتُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَال
فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِالإِْجْمَاعِ. لأَِنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا كَانَ
خَوْفًا مِنْ تَلَفِ الثَّمَرَةِ وَحُدُوثِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا قَبْل
أَخْذِهَا بِدَلِيل مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ.
قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَ، بِمَ تَسْتَحِل مَال
أَخِيكَ (2) وَهَذَا مَأْمُونٌ فِيمَا يُقْطَعُ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا
لَوْ بَدَا صَلاَحُهُ.
ثُمَّ إِنَّ صِحَّةَ هَذَا الْبَيْعِ لَيْسَتْ عَلَى إِطْلاَقِهَا، بَل
هِيَ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ، بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَيْثُ
الْجُمْلَةُ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَالَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
__________
(1) حديث: " نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع. . .
" أخرجه البخاري (الفتح 4 / 394 - ط السلفية)
(2) حديث: " نهى عن بيع ثمر التمر حتى يزهو. قال: أرأيت إن منع الله الثمر
بم تستحل مال أخيك " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 404 - ط السلفية) ،
ومسلم (3 / 1190 - ط الجمل) واللفظ للبخاري
(15/14)
الاِنْتِفَاعُ، أَيْ أَنْ تَكُونَ
الثِّمَارُ الْمَقْطُوعَةُ مُنْتَفَعًا بِهَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهَا
عِنْدَ الْقَطْعِ، وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى مُطْلَقِ الاِنْتِفَاعِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي
الْحَال، وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ لَكِنْ
بِحَيْثُ لاَ يَزِيدُ وَلاَ يَنْتَقِل مِنْ طَوْرِهِ إِلَى طَوْرٍ آخَرَ.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ هُمَا: الْحَاجَةُ، وَعَدَمُ
التَّمَالُؤِ. وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْحَاجَةُ مُتَعَلِّقَةً بِأَحَدِ
الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بِكِلَيْهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّمَالُؤِ
اتِّفَاقُهُمْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، فَإِنْ تَمَالأََ عَلَيْهِ
الأَْكْثَرُ بِالْفِعْل مُنِعَ.
وَشَرَطَ الْحَنَابِلَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ الثَّمَرُ مَشَاعًا، بِأَنْ
يَشْتَرِيَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا مَشَاعًا؛
لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ قَطْعُ مَا يَمْلِكُهُ إِلاَّ بِقَطْعِ مَا لاَ
يَمْلِكُهُ. وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
ثَالِثَتُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا - أَيْ لاَ يَذْكُرُ
قَطْعًا وَلاَ تَبْقِيَةً - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ لإِِطْلاَقِ النَّهْيِ عَنْ
بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ
إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ
غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لاَ
يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الأَْكْل، وَلاَ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ، فَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عَلَى خِلاَفٍ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَإِنْ
(15/14)
كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ،
فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْل الْمَذْهَبِ، وَاسْتَثْنَى
الْفُقَهَاءُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْل بُدُوِّ
صَلاَحِهِ مَا إِذَا بِيعَ الثَّمَرُ مَعَ الأَْصْل، وَذَلِكَ بِأَنْ
يَبِيعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا بِيعَ مَعَ الأَْصْل
دَخَل تَبَعًا فِي الْبَيْعِ فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَال الْغَرَرِ فِيهِ،
كَمَا احْتُمِلَتِ الْجَهَالَةُ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ
الشَّاةِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَ التَّمْرِ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَرَةَ
هُنَا تَبَعٌ لِلأَْصْل وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ.
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ كَذَلِكَ بَيْعَ الثَّمَرِ قَبْل بُدُوِّ
صَلاَحِهِ إِذَا أُلْحِقَ بِأَصْلِهِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ
الإِْلْحَاقُ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا. (1)
ج - بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ بَعْدَ
بُدُوِّ صَلاَحِهَا مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهَا، وَبِشَرْطِ
إِبْقَائِهَا، لأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا. (2) فَيَجُوزُ بَعْدَ
بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنَ الأَْحْوَال الثَّلاَثَةِ.
وَالْفَارِقُ أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ غَالِبًا
لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا. وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إِلَيْهِ لِضَعْفِهِ
فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 38، وحاشية الدسوقي 3 / 176 وما بعدها، ونهاية
المحتاج 4 / 141 وما بعدها، ومغني المحتاج 3 / 88 وما بعدها، وكشاف القناع
3 / 281 وما بعدها
(2) حديث: " نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. . . " تقدم تخريجه ف / 11
(15/15)
ثُمَّ إِنَّ مَعْنَى بُدُوِّ الصَّلاَحِ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، فَبُدُوُّ
الصَّلاَحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ ظُهُورُ مَبَادِئِ النُّضْجِ
وَالْحَلاَوَةِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ فِيمَا لاَ يَتَلَوَّنُ،
وَأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ، أَوْ السَّوَادِ، أَوْ الصُّفْرَةِ
فِيمَا يَتَلَوَّنُ. وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ تُؤْمَنَ
الْعَاهَةُ وَالْفَسَادُ. (1)
بَيْعُ الثِّمَارِ الْمُتَلاَحِقَةِ الظُّهُورِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ
الْمُتَلاَحِقَةِ الظُّهُورِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لأَِنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ
مِنْهَا مَعْدُومٌ، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ (2) ، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ
عَلَى تَسْلِيمِهِ، ثُمَّ هِيَ ثَمَرَةٌ لَمْ تُخْلَقْ فَلَمْ يَجُزْ
بَيْعُهَا كَمَا لَوْ بَاعَهَا قَبْل ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَا لَوْ حَصَل الاِخْتِلاَطُ قَبْل
التَّخْلِيَةِ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّلاَحُقُ وَالاِخْتِلاَطُ، أَوْ
فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لاَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ
لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ؛ وَلإِِمْكَانِ تَسْلِيمِهِ، وَيُخَيَّرُ
الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْجَازَةِ؛ لأَِنَّ الاِخْتِلاَطَ
عَيْبٌ حَدَثَ قَبْل التَّسْلِيمِ.
__________
(1) المراجع السابقة
(2) حديث: " نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان. . . " ورد من حديث حكيم بن
حزام قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي وحسنه
(تحفة الأحوذي 4 / 430 - ط المكتبة السلفية) .
(15/15)
وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْجَوَازِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ
فَجُعِل مَا لَمْ يَظْهَرْ تَبَعًا لِمَا ظَهَرَ، كَمَا أَنَّ مَا لَمْ
يَبْدُ صَلاَحُهُ تَبَعٌ لِمَا بَدَا.
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَصَرُوا الْجَوَازَ عَلَى الثِّمَارِ
الْمُتَتَابِعَةِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بَيْعُ سَائِرِ الْبُطُونِ
بِبُدُوِّ صَلاَحِ الأَْوَّل، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَلاَ
يَجُوزُ بَيْعُ الثَّانِي بِصَلاَحِ الأَْوَّل اتِّفَاقًا.
وَالْحَنَفِيَّةُ إِنَّمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. قَالُوا:
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي
السَّلَمِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْدُومِ فَحَيْثُ
تَحَقَّقَتِ الضَّرُورَةُ هُنَا أَيْضًا أَمْكَنَ إِلْحَاقُهُ بِالسَّلَمِ
بِطَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، فَلِذَا
جَعَلُوهُ مِنْ الاِسْتِحْسَانِ، وَمَا ضَاقَ الأَْمْرُ إِلاَّ اتَّسَعَ،
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَوِّغٌ لِلْعُدُول عَنْ ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ. (1)
مِلْكِيَّةُ الثِّمَارِ عِنْدَ بَيْعِ الشَّجَرِ:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الثِّمَارِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى
الشَّجَرِ عِنْدَ بَيْعِهِ، هَل هِيَ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهَا لِلْبَائِعِ
إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ لَهُ وَذَلِكَ لِقَوْل
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً
بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلاَّ أَنْ
يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ (2) وَلأَِنَّ هَذَا
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 38، 39، وحاشية الدسوقي 3 / 177، 178، والقوانين
الفقهية 260، ومغني المحتاج 2 / 92، والمغني لابن قدامة 4 / 103
(2) حديث: " الثمرة للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ". أخرجه مسلم (3 / 1173
- ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر. بلفظ " من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر
فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع "
(15/16)
نَمَاءٌ لَهُ حَدٌّ، فَلَمْ يَتْبَعْ
أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا لاَ يَتْبَعُ الزَّرْعَ فِي الأَْرْضِ.
وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ الثَّمَرِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَلاَحُهُ
إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي، وَتَسْلِيمِ الشَّجَرِ عِنْدَ
وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ؛ لأَِنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ
الْبَائِعِ، فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَارِغًا.
وَقَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هِيَ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لأَِنَّهَا
مُتَّصِلَةٌ بِالأَْصْل اتِّصَال خِلْقَةٍ، فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ
كَالأَْغْصَانِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ
مُؤَبَّرًا أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ: فَقَرَّرُوا أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ
الثَّمَرَةُ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ
مُؤَبَّرَةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا أَحَدُ
الْمُتَبَايِعَيْنِ فَهِيَ لَهُ مُؤَبَّرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ
مُؤَبَّرَةٍ، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا
لِلَّذِي بَاعَهَا، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ (1) فَإِنَّهُ
جَعَل التَّأْبِيرَ حَدًّا لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِلثَّمَرَةِ، فَيَكُونُ
مَا قَبْلَهُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ حَدًّا، وَلاَ كَانَ
ذِكْرُ التَّأْبِيرِ مُفِيدًا؛ وَلأَِنَّهُ نَمَاءٌ كَامِنٌ لِظُهُورِهِ
غَايَةٌ، فَكَانَ تَابِعًا لأَِصْلِهِ قَبْل ظُهُورِهِ، وَغَيْرَ تَابِعٍ
لَهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ كَالْحَمْل فِي الْحَيَوَانِ.
__________
(1) حديث: " من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر. . . " سبق تخريجه.
(15/16)
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ مَنَعُوا
أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ، وَذَلِكَ
لأَِنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ لَهُ قَبْل بُدُوِّ
صَلاَحِهِ بِشَرْطِ التَّرْكِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ
جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَائِعِ الثَّمَرَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ، بِأَنَّهُ
اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مَعْلُومٌ،
فَصَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ بُسْتَانًا وَاسْتَثْنَى نَخْلَةً بِعَيْنِهَا،
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ
الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ (1) وَلأَِنَّهُ أَحَدُ
الْمُتَبَايِعَيْنِ فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ لِلثَّمَرَةِ كَالْمُشْتَرِي
وَقَدْ ثَبَتَ الأَْصْل بِالاِتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ.
15 - ثُمَّ إِنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي حَالَةِ
مَا إِذَا أُبِّرَ بَعْضُ الشَّجَرِ دُونَ بَعْضٍ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا كُلَّهَا لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ
أُبِّرَتْ كُلُّهَا لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنَ الْعُسْرِ، وَلأَِنَّا
إِذَا لَمْ نَجْعَل الْكُل لِلْبَائِعِ أَدَّى إِلَى الإِْضْرَارِ
بِاشْتِرَاكِ الأَْيْدِي فِي الْبُسْتَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُجْعَل مَا لَمْ
يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ، كَثَمَرَةِ النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ،
فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ تَأْبِيرَ بَعْضِ النَّخْلَةِ يَجْعَل
جَمِيعَ ثَمَرِهَا لِلْبَائِعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا أُبِّرَ فَلِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ
__________
(1) حديث: " نهى عن الثنيا إلا أن تعلم " أخرجه النسائي (7 / 296 - ط
المكتبة التجارية) من حديث جابر بن عبد الله. وأخرجه مسلم (3 / 1175 - ط
الحلبي) دون قوله " إلا أن تعلم "
(15/17)
يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَ
مِنْ نَوْعِ مَا تَشَقَّقَ أَوْ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ
الْمُؤَبَّرُ النِّصْفَ وَمَا قَارَبَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَقَل أَوْ
أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَكْثَرَ مِنَ
النِّصْفِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ عَلَى الأُْصُول لاَ
يَتَنَاوَل تِلْكَ الثَّمَرَةَ، وَالْقَوْل قَوْلُهُ فِي أَنَّ
التَّأْبِيرَ كَانَ قَبْل الْعَقْدِ إِنْ نَازَعَهُ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى
حُدُوثَهُ بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَقَل مِنَ النِّصْفِ
فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ النِّصْفَ أَوْ مَا قَارَبَهُ فَلِكُلٍّ
حُكْمُهُ أَيْ إِنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ
لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا إِذَا كَانَ النِّصْفُ مُعَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَا
أُبِّرَ فِي نَخَلاَتٍ بِعَيْنِهَا، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي نَخَلاَتٍ
بِعَيْنِهَا. وَأَمَّا إِنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُؤَبَّرُ شَائِعًا فِي كُل
نَخْلَةٍ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ شَائِعًا، فَفِيهِ عِنْدَهُمْ
خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: فَقِيل: كُلُّهُ لِلْبَائِعِ، وَقِيل: كُلُّهُ
لِلْمُبْتَاعِ، وَقِيل: يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي تَسْلِيمِهِ جَمِيعَ
الثَّمَرَةِ وَفِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَقِيل: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَقِيل:
إِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَا أَحَدِهِمَا بِتَسْلِيمِ
الْجَمِيعِ لِلآْخَرِ. قَال ابْنُ الْعَطَّارِ: وَهُوَ الَّذِي بِهِ
الْقَضَاءُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ
وَشَيْخُهُ الْعَدَوِيُّ.
16 - ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُودِ
بِالتَّأْبِيرِ هُنَا، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ
بِالتَّأْبِيرِ هُنَا هُوَ بُرُوزُ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا
(15/17)
وَتَمَيُّزُهَا عَنْ أَصْلِهَا وَذَلِكَ
فِي غَيْرِ النَّخْل مِنَ الثِّمَارِ. وَأَمَّا فِي النَّخْل فَهُوَ
تَعْلِيقُ طَلْعِ الذَّكَرِ عَلَى الأُْنْثَى. وَلَمْ يُخَالِفِ
الشَّافِعِيَّةُ الْمَالِكِيَّةَ فِي مَعْنَى التَّأْبِيرِ الْمُضَافِ
لِلنَّخْل، وَفَصَّلُوا فِي غَيْرِهِ مِنَ الثِّمَارِ.
فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِلاَ نَوْرٍ، كَتِينٍ وَعِنَبٍ
فَالاِعْتِبَارُ بِالْبُرُوزِ، فَإِنْ بَرَزَ الثَّمَرُ فَهُوَ
لِلْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِنَوْرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
لِلْبَائِعِ وَهِيَ أَنْ يَسْقُطَ النَّوْرُ وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ
بَارِزَةً فَهِيَ حِينَئِذٍ لِلْبَائِعِ، أَمَّا إِنْ سَقَطَ النَّوْرُ
وَلَمْ تَنْعَقِدِ الثَّمَرَةُ، أَوِ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَسْقُطِ
النَّوْرُ فَهِيَ حِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّهَا فِي حَالَةِ سُقُوطِ
النَّوْرِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهَا كَالْمَعْدُومَةِ، وَفِي حَالَةِ
انْعِقَادِهَا وَعَدَمِ سُقُوطِ النَّوْرِ كَالطَّلْعِ قَبْل تَشَقُّقِهِ؛
لأَِنَّ اسْتِتَارَهَا بِالنَّوْرِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ
النَّخْل بِأَكْمَامِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّأْبِيرِ هُنَا
هُوَ ظُهُورُ الثَّمَرِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّخْل. وَأَمَّا
فِي النَّخْل فَهُوَ تَشَقُّقُ طَلْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ،
فَالْحُكْمُ عِنْدَهُمْ مَنُوطٌ بِالتَّشَقُّقِ. (1)
وَضْعُ الْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ:
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
وَضْعِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 37 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 3 / 171 وما بعدها،
ومغني المحتاج 2 / 86، 87، وكشاف القناع 3 / 279 وما بعدها، والمغني لابن
قدامة 4 / 74 وما بعدها
(15/18)
الْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ،
فَإِذَا تَلِفَتِ الثِّمَارُ بِجَائِحَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَتْ مِنْ
ضَمَانِ الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَتَتِ الْجَائِحَةُ عَلَى كُل الثِّمَارِ
أَمْ بَعْضِهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ (1) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا
فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلاَ يَحِل لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا،
بِمَ تَأْخُذُ مَال أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ (2) .
ثُمَّ إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِوَضْعِ الْجَوَائِحِ أَنْ
تُصِيبَ الْجَائِحَةُ ثُلُثَ الثِّمَارِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ أَصَابَتْ
أَقَل مِنَ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ عَنِ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، وَإِذَا
أَصَابَتْهُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهَا بَعْدَ
حَطِّ مَا أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ
الْجَائِحَةَ مِنَ الْعَطَشِ فَيُوضَعُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ
بَلَغَتِ الثُّلُثَ أَمْ لاَ.
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ
الْجَائِحَةُ قَبْل التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا. فَقَالُوا: إِنْ
تَلِفَتِ الثِّمَارُ بِجَائِحَةٍ قَبْل التَّخْلِيَةِ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ
الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا أَتَتِ
الْجَائِحَةُ عَلَى كُل الثِّمَارِ، أَمَّا إِذَا أَتَتْ عَلَى بَعْضِهَا
فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنَ الْعَقْدِ بِقَدْرِ التَّالِفِ،
__________
(1) حديث: " أمر بوضع الجوائح " أخرجه مسلم (3 / 1191 - ط الحلبي) من حديث
جابر بن عبد الله.
(2) حديث: " إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه
شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ". أخرجه مسلم (3 / 1190 - ط الحلبي) من
حديث جابر بن عبد الله
(15/18)
وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي.
وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي
لِقَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ.
قَالُوا: وَالأَْمْرُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ مَحْمُولٌ
عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى مَا قَبْل التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ
الأَْدِلَّةِ. (1)
ثَالِثًا: رَهْنُ الثِّمَارِ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الثِّمَارِ سَوَاءٌ مَا
كَانَتْ عَلَى الشَّجَرِ أَمْ لاَ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ
يَكُونَ الرَّهْنُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ أَوْ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ
لأَِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْبَيْعِ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ إِنَّمَا كَانَ
لِعَدَمِ الأَْمْنِ مِنَ الْعَاهَةِ وَهَذَا مَفْقُودٌ هُنَا،
وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهَا لاَ يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الدَّيْنِ
لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ.
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ رَهْنَ الثِّمَارِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ
بَعْدُ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُجَوِّزُوا رَهْنَ الثَّمَرِ بِدُونِ
الشَّجَرِ، أَوْ الشَّجَرِ بِدُونِ الثَّمَرِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ
عِنْدَهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْهُونَ مَتَى اتَّصَل بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ
خِلْقَةً لاَ يَجُوزُ لاِمْتِنَاعِ قَبْضِ الرَّهْنِ وَحْدَهُ، وَعَلَى
ذَلِكَ فَلَوْ رَهَنَ شَجَرًا وَفِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الرَّهْنِ
دَخَل فِي الرَّهْنِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَقَدْ فَصَّل الشَّافِعِيَّةُ
فِي رَهْنِ الثِّمَارِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ
__________
(1) مجمع الضمانات 220، وحاشية الدسوقي 3 / 182 وما بعدها، والقوانين
الفقهية 260، 261، وشرح روض الطالب 2 / 108، وكشاف القناع 3 / 285 وما
بعدها
(15/19)
الثِّمَارُ مَعَ الشَّجَرِ أَوْ وَحْدَهَا،
وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ مِمَّا يَتَسَارَعُ فَسَادُهُ أَوْ لاَ،
فَقَرَّرُوا أَنَّ رَهْنَ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ لَهُ حَالاَنِ،
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْهَنَ الثَّمَرَ مَعَ الشَّجَرِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ
كَانَ الثَّمَرُ مِمَّا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ صَحَّ الرَّهْنُ مُطْلَقًا،
أَيْ سَوَاءٌ أَبَدَا فِيهِ الصَّلاَحُ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ كَانَ
الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ فَسَدَ الرَّهْنُ إِلاَّ فِي
ثَلاَثِ مَسَائِل هِيَ: أَنْ يَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ
يَحِل قَبْل فَسَادِهِ، أَوْ يَحِل بَعْدَ فَسَادِهِ، أَوْ مَعَهُ، لَكِنْ
بِشَرْطِ بَيْعِهِ عِنْدَ إِشْرَافِهِ عَلَى الْفَسَادِ وَجَعْل الثَّمَنِ
رَهْنًا مَكَانَهُ.
الثَّانِي: رَهْنُ الثَّمَرِ وَحْدَهُ. فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْفَظُ
بِالْجَفَافِ فَهُوَ كَالَّذِي يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ يَتَجَفَّفُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
الضَّرْبُ الأَْوَّل: أَنْ يَرْهَنَ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ، فَإِنْ
رَهَنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ وَشَرَطَ قَطْعَهُ وَبَيْعَهُ جَازَ، وَإِنْ
أَطْلَقَ جَازَ أَيْضًا، وَإِنْ رَهَنَ بِمُؤَجَّلٍ نَظَرَ، إِنْ كَانَ
يَحِل قَبْل بُلُوغِ الثَّمَرِ وَقْتَ الإِْدْرَاكِ أَوْ بَعْدَهُ جَازَ
الرَّهْنُ، إِلاَّ أَنَّ الْجَوَازَ فِي حَالَةِ مَا قَبْل بُلُوغِهِ
وَقْتَ الإِْدْرَاكِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، أَمَّا إِذَا رَهَنَهَا
مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَرْهَنَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاَحِ. فَيَجُوزُ
بِشَرْطِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا إِنْ رَهَنَ بِحَالٍّ أَوْ
(15/19)
مُؤَجَّلٍ هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَإِنْ
رَهَنَهُ بِمُؤَجَّلٍ يَحِل قَبْل بُلُوغِ الثَّمَرِ وَقْتَ الإِْدْرَاكِ،
فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الضَّرْبِ الأَْوَّل. (1)
رَابِعًا: الشُّفْعَةُ فِي الثِّمَارِ:
19 - الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ ثَابِتَةٌ، لِخَبَرِ جَابِرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ
وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ (2) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي أَرْضٍ
أَوْ رَيْعٍ أَوْ حَائِطٍ (3) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَرَيَانِ
الشُّفْعَةِ فِي الثَّمَرِ، سَوَاءٌ بِيعَ مَعَ الأَْصْل أَمْ مُفْرَدًا.
أَوَّلاً: إِذَا بِيعَ مَعَ الأَْصْل:
20 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الثَّمَرِ إِذَا
بِيعَ مَعَ الأَْصْل، لِتَبَعِيَّتِهِ لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَال
الْحَنَفِيَّةُ: يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الأَْرْضَ مَعَ ثَمَرِهَا
__________
(1)) بدائع الصنائع 6 / 138، 140، 141، وتبيين الحقائق 6 / 69، وحاشية ابن
عابدين 5 / 317، وحاشية الدسوقي 3 / 233، 234، والتاج والإكليل بهامش مواهب
الجليل 5 / 4، وروضة الطالبين 4 / 48، ومغني المحتاج 2 / 124، وكشاف القناع
3 / 328، والمغني 4 / 379
(2) حديث جابر: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم.
. . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 436 - ط السلفية) وأخرجه مسلم (3 / 1229 -
ط الحلبي) بلفظ: " قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم "
(3) حديث: " في أرض أو ريع أو حائط. . " أخرجه مسلم (3 / 1229 - ط الحلبي)
(15/20)
إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى
الأَْرْضَ مَعَ ثَمَرِهَا بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ أَثْمَرَ
الشَّجَرُ عِنْدَ الشِّرَاءِ، قَالُوا: لأَِنَّ الثَّمَرَ لاَ يَدْخُل فِي
الْبَيْعِ إِلاَّ بِالشَّرْطِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ، وَالْقِيَاسُ
أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ
كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّهُ
بِالاِتِّصَال خِلْقَةً صَارَ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ؛ وَلأَِنَّهُ
مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْمَبِيعِ فَيَسْرِي إِلَيْهِ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي
الأَْصْل الْحَادِثِ قَبْل الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَرَ
الْمُؤَبَّرَ (عَلَى خِلاَفٍ تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى التَّأْبِيرِ) لاَ
يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ، فَلاَ
يَدْخُل فِي الشُّفْعَةِ، كَأَثَاثِ الدَّارِ لأَِنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ
فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ الشَّارِعَ جَعَل لِلشَّفِيعِ سُلْطَانَ
الأَْخْذِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا الثَّمَرُ غَيْرُ
الْمُؤَبَّرِ فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الشُّفْعَةِ؛ لأَِنَّهُ يَتْبَعُ فِي
الْبَيْعِ، فَتَبِعَ فِي الشُّفْعَةِ؛ لأَِنَّهَا بَيْعٌ فِي الْمَعْنَى.
ثَانِيًا: إِذَا بِيعَ مُفْرَدًا:
21 - مَنَعَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ) الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرِ إِذَا بِيعَ مُفْرَدًا؛
لأَِنَّ الشُّفْعَةَ لاَ تَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولاَتِ عِنْدَهُمْ،
لِعَدَمِ دَوَامِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَالشُّفْعَةُ إِنَّمَا شُرِعَتْ
لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى الدَّوَامِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ
الَّتِي لَهَا أَصْلٌ أَيْ بِحَيْثُ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَيَبْقَى أَصْلُهُ
(15/20)
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً
حِينَ الشِّرَاءِ وَمُؤَبَّرَةً. (1)
نَمَاءُ ثَمَرِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي:
22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثَمَرِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ، هَل يَكُونُ
لِلشَّفِيعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ
الثِّمَارَ لِلشَّفِيعِ اسْتِحْسَانًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُشْتَرِي
اشْتَرَى الأَْرْضَ مَعَ ثَمَرِهَا بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ، أَمْ
أَثْمَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ
يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ
الْمَوْضُوعِ فِيهَا، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خِلْقَةً صَارَ
تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ؛ وَلأَِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْمَبِيعِ فَيَسْرِي
إِلَيْهِ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الأَْرْضِ الْحَادِثُ قَبْل الأَْخْذِ
بِالشُّفْعَةِ، كَالْمَبِيعَةِ إِذَا وَلَدَتْ قَبْل الْقَبْضِ، فَإِنَّ
الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْوَلَدَ تَبَعًا لِلأُْمِّ كَذَا هَذَا.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي الْمَسْأَلَةِ - حَيْثُ نَقَلُوا
قَوْلَيْنِ لِلإِْمَامِ مَالِكٍ وَذَلِكَ فِيمَا إِذَا بِيعَتِ الثَّمَرَةُ
مُفْرَدَةً أَوْ مَعَ أَصْلِهَا - وَنَصُّهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ -
حَيْثُ قَال مَرَّةً بِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ فِيهَا إِذَا لَمْ يَأْخُذْ
بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَبِسَتِ الثِّمَارُ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَخَذَ
أَصْلَهَا بِالشُّفْعَةِ
__________
(1) تكملة فتح القدير 8 / 326، 327، وتبيين الحقائق 5 / 252، وحاشية
الدسوقي 3 / 480، ومغني المحتاج 2 / 296، 297، ونهاية المحتاج 5 / 193 وما
بعدها، وكشاف القناع 4 / 140
(15/21)
حَطَّ عَنْهُ مَا يَنُوبُهَا مِنَ
الثَّمَنِ إِنْ أَزْهَتْ أَوْ أُبِّرَتْ وَقْتَ الْبَيْعِ لأَِنَّ لَهَا
حِصَّةً حِينَئِذٍ مِنَ الثَّمَنِ، وَمَرَّةً قَال: لَهُ أَخْذُهَا
بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ.
وَوَفَّقَ الدَّرْدِيرُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِحَمْل الأَْوَّل عَلَى مَا
إِذَا اشْتَرَاهَا مُفْرَدَةً عَنِ الأَْصْل فَالشُّفْعَةُ تَابِعَةٌ
فِيهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ، فَإِنْ جُذَّتْ قَبْل الْيُبْسِ فَلَهُ
أَخْذُهَا، وَبِحَمْل الثَّانِي عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَاهَا مَعَ
الأَْصْل، فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِيهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ
وَلَوْ قَبْل الْيُبْسِ.
أَمَّا إِذَا اشْتَرَى أَصْلَهَا فَقَطْ وَلَيْسَ فِيهِ ثَمَرَةٌ أَوْ
كَانَ فِيهِ ثَمَرَةٌ وَلَمْ تُؤَبَّرْ بَعْدُ فَهِيَ لِلشَّفِيعِ، سَوَاءٌ
أُبِّرَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَمْ تُؤَبَّرْ عِنْدَهُ، إِلاَّ أَنْ
تَيْبَسَ أَوْ تُجَذَّ فَتَكُونَ لِلْمُشْتَرِي. وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ
الأُْصُول بِالثَّمَنِ، وَلاَ يَحُطُّ عَنْهُ حِصَّتَهَا مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشَّجَرَ
بِثَمَرَةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ تُؤَبَّرْ عِنْدَ الأَْخْذِ؛
لأَِنَّهَا قَدْ تَبِعَتِ الأَْصْل فِي الْبَيْعِ، فَتَبِعَتْهُ فِي
الأَْخْذِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا أُبِّرَتْ عِنْدَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا؛
لاِنْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ، أَمَّا الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ
إِذَا دَخَلَتْ بِالشَّرْطِ فَلاَ تُؤْخَذُ؛ لاِنْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ
كَمَا سَبَقَ، فَتَخْرُجُ بِحِصَّتِهَا مِنَ الثَّمَنِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الثَّمَرَةِ
الظَّاهِرَةِ وَغَيْرِ الظَّاهِرَةِ.
فَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ
لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقٌّ؛ لأَِنَّهُ مِلْكُهُ، يَبْقَى إِلَى أَوَانِ
أَخْذِهِ بِحَصَادٍ أَوْ جِذَاذٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
(15/21)
وَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ غَيْرَ
ظَاهِرَةٍ فَهِيَ لِلشَّفِيعِ، وَمِثْل الثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَغَيْرِ
الظَّاهِرَةِ، الْمُؤَبَّرَةُ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ. فَلَوْ كَانَ
الطَّلْعُ مَوْجُودًا حَال الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ، ثُمَّ أُبِّرَ
عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ لَهُ مُبْقًى إِلَى أَوَانِ جِذَاذِهِ، لَكِنْ
يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الأَْرْضَ وَالنَّخْل بِحِصَّتِهَا مِنَ الثَّمَنِ؛
لأَِنَّهُ فَاتَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا شَمَلَهُ عَقْدُ الشِّرَاءِ، وَهُوَ
الطَّلْعُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ حَال الْعَقْدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَمَل
الشِّرَاءُ الشِّقْصَ وَعَرْضًا مَعَهُ. (1)
خَامِسًا: الْعَمَل فِي الأَْرْضِ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ:
23 - أَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ
وَهُمَا الْعَمَل فِي الأَْرْضِ أَوِ الشَّجَرِ مُقَابِل جُزْءٍ مَعْلُومٍ
مِنَ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْهُمَا، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَل أَهْل خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا
يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ (2) . قَال أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَامَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ
عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ
__________
(1) تبيين الحقائق 5 / 251، وحاشية الدسوقي 3 / 480، 481، والتاج والإكليل
بهامش مواهب الجليل 5 / 318، ومغني المحتاج ج 2 ص 297، وكشاف القناع 4 /
156
(2) حديث: " عامل أهل الخير خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. . . "
أخرجه البخاري (الفتح 5 / 13 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1186 - ط الحلبي)
من حديث عبد الله بن عمر.
(15/22)
أَهْلُوهُمْ إِلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ
الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ (1) فَهَذَا عَمِل بِهِ الْخُلَفَاءُ
الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ كَالإِْجْمَاعِ؛
وَلأَِنَّهُمَا مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ
الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنَ الآْخَرِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا
بِالْمُضَارَبَةِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ
الْمَال قَدْ لاَ يَهْتَدِي إِلَى الْعَمَل، وَالْمُهْتَدِي إِلَيْهِ قَدْ
لاَ يَجِدُ الْمَال؛ فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى انْعِقَادِ هَذَا
الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا.
قَال ابْنُ جُزَيٍّ فِي حُكْمِ الْمُسَاقَاةِ: وَهِيَ جَائِزَةٌ
مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أَصْلَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ: وَهُمَا الإِْجَارَةُ
الْمَجْهُولَةُ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ (بَيْعُ الْمَعْدُومِ) .
وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ وَذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ
لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنِ
الْمُخَابَرَةِ، فَقِيل: مَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَال: الْمُزَارَعَةُ
بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. (2)
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ
فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيَزْرَعْهَا أَخَاهُ، وَلاَ يُكَارِيهَا
بِثُلُثٍ، وَلاَ بِرُبُعٍ، وَلاَ بِطَعَامٍ مُسَمًّى (3) وَلأَِنَّ
الأَْجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ
__________
(1) حديث: " عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خبير بالشطر ثم أبو بكر "
أخرجه ابن حزم في المحلى (8 / 214 - ط المنيرية) ، وفي إسناده إرسال
(2) حديث: " نهى عن المخابرة. فقيل: ما المخابرة؟ قال: المزارعة بالثلث
والربع ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 50 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1174 ط
الحلبي)
(3) حديث: " من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه ولا يكاريها بثلث أو
بربع ولا بطعام مسمى ". أخرجه أبو داود (3 / 989 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من
حديث رافع بن خديج وأصله في صحيح مسلم (3 / 1181 - ط الحلبي)
(15/22)
مَعْدُومٌ وَكُل ذَلِكَ مُفْسِدٌ
لِلْعَقْدِ.
غَيْرَ أَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ بِالْجَوَازِ لِلْحَاجَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ.
وَمَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ الْمُزَارَعَةَ بِعَقْدٍ مُنْفَرِدٍ.
أَمَّا إِذَا أُدْخِلَتْ مَعَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ
يَكُونَ بَيْنَ النَّخْل بَيَاضٌ، فَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُمْ،
وَلَكِنْ بِشُرُوطٍ. (1)
وَهُنَاكَ شُرُوطٌ لِعَقْدَيِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ
وَتَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (مُزَارَعَةٌ، مُسَاقَاةٌ،
مُعَامَلَةٌ، مُخَابَرَةٌ) .
سَادِسًا: سَرِقَةُ الثِّمَارِ:
24 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي
أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ
لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الشَّجَرِ لِقَوْل
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ
وَلاَ كَثَرٍ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 174 وما بعدها، 181 وما بعدها، وتبيين الحقائق 5
/ 278 وما بعدها 284، وحاشية الدسوقي 3 / 372، 539، ومواهب الجليل 5 / 176،
372، والقوانين الفقهية 277 وما بعدها، ومغني المحتاج 2 / 322 وما بعدها،
وكشاف القناع 3 / 532
(2) حديث: " لا قطع في ثمر ولا كثر. . . " أخرجه أبو داود (4 / 549 - تحقيق
عزت عبيد دعاس) من حديث رافع بن خديج، ونقل ابن حجر في التلخيص (4 / 65 - ط
شركة الطباعة الفنية) عن الطحاوي أنه قال: " هذا الحديث تلقت العلماء متنه
بالقبول "
(15/23)
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: فِيمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً
مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيسَةِ الْجَبَل؟ فَقَال:
هِيَ مِثْلُهَا وَالنَّكَال، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ قَطْعٌ
إِلاَّ فِيمَا آوَاهُ الْمُرَاحُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَفِيهِ
قَطْعُ الْيَدِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ
مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ. قَال: يَا رَسُول اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى
فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ؟ قَال: هُوَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَالنَّكَال،
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ، إِلاَّ فِيمَا
آوَاهُ الْجَرِينُ، فَمَا أُخِذَ مِنَ الْجَرِينِ فَبَلَغَ ثَمَنَ
الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ
فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ (1) . وَلأَِنَّهُ لاَ
إِحْرَازَ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ ".
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِلَى الْقَطْعِ،
وَهَذَا الْقَوْل مُخَرَّجٌ لِلَّخْمِيِّ عَلَى السَّرِقَةِ مِنَ
الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ، وَأَمَّا الْقَوْل الأَْوَّل فَهُوَ
الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَنِ الإِْمَامِ مَالِكٍ. ثُمَّ إِنَّ هَذَيْنِ
الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَحَلُّهُمَا ثِمَارُ الشَّجَرِ
الْمُعَلَّقِ خِلْقَةً إِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَلْقٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ غَلْقٌ فَلاَ قَطْعَ فِي سَرِقَتِهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ لاَ
قَطْعَ اتِّفَاقًا إِنْ قُطِعَ ثُمَّ عُلِّقَ وَلَوْ بِغَلْقٍ.
__________
(1) حديث: عبد الله بن عمرو. أخرجه النسائي (8 / 86 - ط المكتبة التجارية)
وإسناده حسن.
(15/23)
وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ الأَْشْجَارَ
الَّتِي عَلَيْهَا حَارِسٌ يُرَاقِبُهَا مُحْرَزَةً، وَكَذَا الأَْشْجَارُ
إِنْ اتَّصَلَتْ بِجِيرَانٍ يُرَاقِبُونَهَا عَادَةً، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ
الْقَطْعُ عَلَى سَارِقِ ثِمَارِهَا عِنْدَهُمْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ
أَشْجَارَ أَفْنِيَةِ الدُّورِ مُحْرَزَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِلاَ حَارِسٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحْرَزَ
الثِّمَارَ وَجَبَ فِيهِ الْقَطْعُ، فَلَوْ وُضِعَ الثَّمَرُ فِي جَرِينٍ
وَنَحْوِهِ عَلَيْهِ بَابٌ أَوْ حَافِظٌ فَهِيَ مُحْرَزَةٌ عَلَى
سَارِقِهَا الْقَطْعُ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ الْبَابَ أَوْ الْحَافِظَ، فَيُقْطَعُ
عِنْدَهُمْ إِنْ سَرَقَهُ مِنَ الْجَرِينِ مُطْلَقًا. كَمَا أَنَّهُمْ
نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا جُذَّ الثَّمَرُ وَوُضِعَ فِي مَحَلٍّ
اعْتُبِرَ وَضْعُهُ فِيهِ قَبْل وُصُولِهِ إِلَى الْجَرِينِ ثُمَّ سَرَقَ
مِنْهُ سَارِقٌ فَفِيهِ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ:
الأَْوَّل: يُقْطَعُ مُطْلَقًا: وَالثَّانِي: لاَ يُقْطَعُ مُطْلَقًا،
وَالثَّالِثُ: يُقْطَعُ إِنْ كُدِّسَ أَيْ يُجْمَعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ
حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ بِتَكْدِيسِهِ
أَشْبَهَ مَا فِي الْجَرِينِ، ثُمَّ إِنَّ مَحَل هَذِهِ الأَْقْوَال إِذَا
لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ، وَإِلاَّ قُطِعَ قَوْلاً وَاحِدًا، وَأَوْجَبَهُ
الْحَنَابِلَةُ عَلَى سَارِقِ الثِّمَارِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَضْمَنَ
عِوَضَهُ مَرَّتَيْنِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ قَال: سُئِل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ. فَقَال: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي
حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ
بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ
(15/24)
وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ
شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ
فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ
مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ وَلأَِنَّ الثِّمَارَ فِي الْعَادَةِ تَسْبِقُ
الْيَدُ إِلَيْهَا، فَجَازَ أَنْ تُغَلَّظَ قِيمَتُهَا عَلَى سَارِقِهَا
رَدْعًا لَهُ وَزَجْرًا بِخِلاَفِ غَيْرِهَا (1)
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 73، وحاشية ابن عابدين 3 / 198، وحاشية الدسوقي 4 /
339، 344، والقوانين الفقهية 352، وحواشي الشرواني وابن القاسم العبادي على
تحفة المحتاج 9 / 135، وشرح روض الطالب، وكشاف القناع 6 / 139، 140
(15/24)
ثَمَنٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثَّمَنُ لُغَةً: مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشَّيْءُ. وَفِي الصِّحَاحِ:
الثَّمَنُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ثَمَنُ كُل شَيْءٍ
قِيمَتُهُ.
قَال الزَّبِيدِيُّ: قَال شَيْخُنَا: اشْتُهِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقَعُ
بِهِ التَّرَاضِي وَلَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ الْوَاقِعِ، وَالْقِيمَةُ
مَا يُقَاوِمُ الشَّيْءَ، أَيْ: يُوَافِقُ مِقْدَارَهُ فِي الْوَاقِعِ
وَيُعَادِلُهُ.
وَقَال الرَّاغِبُ: الثَّمَنُ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ فِي
مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ سِلْعَةً، وَكُل مَا يُحَصَّل
عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ ثَمَنُهُ.
وَالثَّمَنُ هُوَ: مَبِيعٌ بِثَمَنٍ. (1)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالثَّمَنُ، مَا يَكُونُ بَدَلاً لِلْمَبِيعِ
وَيَتَعَيَّنُ فِي الذِّمَّةِ، وَتُطْلَقُ الأَْثْمَانُ أَيْضًا عَلَى
الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. (2)
__________
(1) لسان العرب وتاج العروس والمصباح والمفردات للراغب الأصفهاني مادة: "
ثمن "
(2) البحر الرائق لابن نجيم 5 / 277، والمغني لابن قدامة - ط دار الكتاب
العربي ببيروت 4 / 2، وكشاف القناع للبهوتي - تحقيق الشيخ هلال مصيلحي.
بيروت 3 / 146، ومغني المحتاج للشربيني 2 / 2، وشرح الزرقاني على سيدي خليل
- دار الفكر بيروت 5 / 3
(15/25)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقِيمَةُ:
2 - الْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ
غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ. (1)
وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى
الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الْقِيمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ
ثَمَنِ الْمِثْل، وَالثَّمَنُ الْمُتَرَاضَى عَلَيْهِ قَدْ يُسَاوِي
الْقِيمَةَ أَوْ يَزِيدُ عَنْهَا أَوْ يَنْقُصُ (2) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل
أَحْكَامِ ثَمَنِ الْمِثْل فِي (الْقِيمَةُ) .
ب - السِّعْرُ:
3 - السِّعْرُ هُوَ الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلسِّلْعَةِ، فَالْفَرْقُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ
الْعَاقِدَانِ أَمَّا السِّعْرُ فَهُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ.
الثَّمَنُ مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ:
4 - اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (3)
عَلَى أَنَّ
__________
(1) المغرب مادة: " ثمن "، المجلة، المادة / 153، ورد المحتار على الدر
المختار لابن عابدين - ط 2 مصرة سنة 1966 - 4 / 575
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 340
(3) مغني المحتاج للشربيني 2 / 3، والمنهج وشرحه والجمل عليه - 3 / 5،
والشرح الكبير للدردير 3 / 2، والزرقاني على سيدي خليل 5 / 3، وكشاف القناع
3 / 146 وما بعدها، ومطالب أولي النهى للرحيباني 3 / 4 وما بعدها.
(15/25)
الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الثَّمَنُ
وَالْمَبِيعُ) مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (1) إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ هُوَ الصِّيغَةُ
فَقَطْ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ أَحَدُ جُزْأَيْ
مَحَل عَقْدِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ (الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ) وَلَيْسَ
الْمَحَل رُكْنًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَفَاسَخَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ قَبْضِ
الْعِوَضَيْنِ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى
يَرُدَّ الْبَائِعُ الَّذِي قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَرَضًا
كَانَ أَوْ نَقْدًا، ثَمَنًا كَانَ أَوْ قِيمَةً؛
لأَِنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ.
فَكَانَ لَهُ وِلاَيَةُ أَنْ لاَ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ
الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.
وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فِي حَالَةِ التَّفَاسُخِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ
بِحَبْسِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لأَِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ
حَال حَيَاتِهِ، فَكَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
(2)
شُرُوطُ الثَّمَنِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فِي عَقْدِ
الْبَيْعِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالاً، وَمَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي،
وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَمَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَإِيضَاحُ
ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
__________
(1) البحر الرائق 5 / 278، ورد المحتار 4 / 504، 505
(2) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 65، والعناية وفتح القدير على الهداية 5 /
234 - طبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1356 هـ
(15/26)
الشَّرْطُ الأَْوَّل - تَسْمِيَةُ
الثَّمَنِ:
6 - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ لاَزِمَةٌ، فَلَوْ بَاعَ بِدُونِ
تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ مَعَ
نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ، إِذْ لاَ مُبَادَلَةَ حِينَئِذٍ، وَمَعَ
السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ، كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ. (1)
فَإِذَا بِيعَ الْمَال وَلَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حَقِيقَةً، كَأَنْ يَقُول
الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذَا الْمَال مَجَّانًا أَوْ بِلاَ
بَدَلٍ فَيَقُول الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حُكْمًا، كَأَنْ يَقُول إِنْسَانٌ
لآِخَرَ: بِعْتُكَ هَذَا الْمَال بِالأَْلْفِ الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي،
فَيَقْبَل الْمُشْتَرِي، مَعَ كَوْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَعْلَمَانِ أَنْ
لاَ دَيْنَ، فَالْبَيْعُ فِي مِثْل هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ أَيْضًا،
وَيَكُونُ الشَّيْءُ هِبَةً فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَسْكُوتًا عَنْهُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ
فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي
الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ الْبَائِعُ عَنِ الثَّمَنِ كَانَ
مَقْصِدُهُ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُول: بِعْتُ مَا لِي
بِقِيمَتِهِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُجْمَلَةً يَجْعَل الثَّمَنَ مَجْهُولاً
فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (2)
وَبَيْعُ التَّعَاطِي صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لأَِنَّ
__________
(1) مجلة الأحكام العدلية المادة 237 وشرحها لمنير القاضي 1 / 276، ومنحة
الخالق على البحر الرائق 5 / 296
(2) درر الحكام شرح مجلة الأحكام - علي حيدر 1 / 185 - طبعة مصورة ببيروت
(15/26)
الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ مَعْلُومَانِ
فِيهِ، وَالتَّرَاضِي قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ
صِفَةٌ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ
إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. قَال ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ
عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى الصَّدَاقِ: الصَّدَاقُ نِحْلَةٌ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى فَرَضَهَا لِلزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لاَ عَنْ عِوَضٍ،
وَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلَى تَسْمِيَةٍ، وَلَوْ
كَانَ الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْبُضْعِ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ
دُونَ تَسْمِيَةٍ، كَالْبَيْعِ الَّذِي لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ
الثَّمَنِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ قَال النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ
الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَال الْعَقْدِ، فَيَقُول: بِعْتُكَ
كَذَا بِكَذَا، فَإِنْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا،
فَقَال الْمُخَاطَبُ: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا
بِلاَ خِلاَفٍ، وَلاَ يَحْصُل بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِل عَلَى
الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيل: فِيهِ وَجْهَانِ
أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ هِبَةً.
وَقَال السُّيُوطِيُّ: إِذَا قَال: بِعْتُكَ بِلاَ ثَمَنٍ، أَوْ لاَ ثَمَنَ
لِي عَلَيْكَ، فَقَال: اشْتَرَيْتُ وَقَبَضَهُ فَلَيْسَ بَيْعًا، وَفِي
انْعِقَادِهِ هِبَةً قَوْلاَ تَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَإِذَا
قَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا، فَإِنْ رَاعَيْنَا
الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً، أَوْ اللَّفْظَ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي الإِْنْصَافِ: يُشْتَرَطُ
مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَال الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ
(15/27)
مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ،
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ
يُسَمِّ الثَّمَنَ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْل كَالنِّكَاحِ. (1)
الشَّرْطُ الثَّانِي - كَوْنُ الثَّمَنِ مَالاً:
7 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ
لاِنْعِقَادِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوِّمًا.
لأَِنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَال بِالْمَال بِالتَّرَاضِي. (2)
وَالْمَال هُوَ مَا يَمِيل إِلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ
لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّل
النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ.
وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا.
فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّل النَّاسِ لاَ
يَكُونُ مَالاً، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ. وَمَا يَكُونُ مَالاً بَيْنَ
النَّاسِ، وَلاَ يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ لاَ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا،
كَالْخَمْرِ. وَإِذَا عُدِمَ الأَْمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
كَالدَّمِ.
فَالْمَال أَعَمُّ مِنَ الْمُتَقَوِّمِ؛ لأَِنَّ الْمَال مَا يُمْكِنُ
ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا
يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الإِْبَاحَةِ. فَالْخَمْرُ مَالٌ غَيْرُ
مُتَقَوِّمٍ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا
لَمْ يَنْعَقِدْ
__________
(1) المقدمات الممهدات 2 / 30، والمجموع 9 / 158، 159 تحقيق المطيعي
والأشباه للسيوطي ص / 184، والإنصاف 4 / 309، الاختيارات الفقهية ص / 122
(2) البحر الرائق 5 / 277
(15/27)
أَصْلاً بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لأَِنَّ
الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَل وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ، إِذْ
الاِنْتِفَاعُ بِالأَْعْيَانِ لاَ بِالأَْثْمَانِ، وَلِهَذَا اشْتُرِطَ
وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَبِهَذَا الاِعْتِبَارِ صَارَ
الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلاَتِ الصُّنَّاعِ.
وَمِنْ هَذَا قَال فِي الْبَحْرِ: الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى
الْبَدَلَيْنِ، لَكِنَّ الأَْصْل فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ،
وَلِذَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ،
وَيَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. (1)
وَالتَّقَوُّمُ فِي الثَّمَنِ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَفِي الْمَبِيعِ شَرْطُ
انْعِقَادٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ
الثَّمَنِ:
أَنْ يَكُونَ مَالاً طَاهِرًا، فَلاَ يَصِحُّ مَا نَجَاسَتُهُ أَصْلِيَّةٌ
كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، (2) وَقَال:
إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ
وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ (3) . وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا فِي
مَعْنَاهَا. وَلاَ يَصِحُّ مَا هُوَ
__________
(1) رد المحتار 4 / 501، والبحر الرائق 5 / 278.
(2) حديث: " نهى عن ثمن الكلب. . . " أخرجه أبو داود (3 / 754 - تحقيق عزت
عبيد دعاس) من حديث جابر بن عبد الله، وأصله في صحيح مسلم (3 / 1199 ط
الحلبي)
(3) حديث: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ".
أخرجه البخاري (الفتح 4 / 424 ط السلفية) من حديث جابر بن عبد الله
(15/28)
مُتَنَجِّسٌ لاَ يَقْبَل التَّطْهِيرَ
كَسَمْنٍ وَلَبَنٍ تَنَجَّسَ. وَأَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا
شَرْعِيًّا وَلَوْ فِي الْمَال كَالْبَهِيمَةِ الصَّغِيرَةِ. فَلاَ يَصِحُّ
بَيْعُ مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مَالاً،
كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ
الثَّمَنُ مَالاً.
وَالْمَال شَرْعًا: (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا، وَيُبَاحُ
اقْتِنَاؤُهُ بِلاَ حَاجَةٍ) فَخَرَجَ: مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ أَصْلاً
كَبَعْضِ الْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ،
وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ
مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَال الْمَخْمَصَةِ،
وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا. (1)
أَنْوَاعُ الأَْمْوَال مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ:
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْمْوَال أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - ثَمَنٌ بِكُل حَالٍ، وَهُوَ النَّقْدَانِ، صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لاَ،
قُوبِل بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ
دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، (2)
وَالنُّقُودُ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ دَيْنًا فِي
__________
(1) الشرح الكبير للدردير 3 / 10، وشرح الزرقاني 5 / 16، والمنهاج ومغني
المحتاج عليه 2 / 11، وكشاف القناع 3 / 152، ومطالب أولي النهى 3 / 12
(2) قال الفراء في قوله عز وجل: (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) . (سورة
البقرة / 41) . اشتريت ثوبا بكساء، أيهما شئت تجعله ثمنا لصاحبه، لأنه ليس
من الأثمان، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدور وجميع العروض فهو
على هذا فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير
(15/28)
الذِّمَّةِ، فَكَانَتْ ثَمَنًا بِكُل
حَالٍ.
ب - مَبِيعٌ بِكُل حَالٍ، كَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا مِنَ الأَْعْيَانِ
غَيْرِ الْمِثْلِيَّةِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لأَِنَّ
الْعُرُوضَ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ عَيْنًا فَكَانَتْ
مَبِيعَةً.
ج - ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ فَثَبَتَتْ فِي
الذِّمَّةِ فَأَشْبَهَتِ النَّقْدَ، وَمَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، نَظَرًا إِلَى
الاِنْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا فَأَشْبَهَتِ الْعُرُوضَ. وَذَلِكَ
كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ
وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْبَيْضِ. فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ
مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا
وَصَحِبَهُ الْبَاءُ، وَقُوبِل بِالْمَبِيعِ فَهُوَ ثَمَنٌ. وَإِنْ لَمْ
يَصْحَبْهُ حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهُ ثَمَنٌ فَهُوَ مَبِيعٌ؛
لأَِنَّ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونَ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ يُسْتَحَقُّ
بِالْعَقْدِ عَيْنًا تَارَةً، وَدَيْنًا أُخْرَى، فَكَانَ ثَمَنًا فِي
حَالٍ، مَبِيعًا فِي حَالٍ.
د - ثَمَنٌ بِالاِصْطِلاَحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الأَْصْل كَالْفُلُوسِ.
(15/29)
فَإِنْ كَانَ رَائِجًا كَانَ ثَمَنًا،
وَإِنْ كَانَ كَاسِدًا فَهُوَ سِلْعَةٌ مُثَمَّنٌ. وَالْحَاصِل - كَمَا
قَال الْحَصْكَفِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ - إِنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَكُونُ
ثَمَنًا إِذَا دَخَلَتْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ، أَيْ:
بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ
تَدْخُلْهَا الْبَاءُ، وَلَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ وَتَعَيَّنَتْ. وَتَكُونُ
مَبِيعًا إِذَا قُوبِلَتْ بِثَمَنٍ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ دَخَلَتْهَا
الْبَاءُ أَوْ لاَ، تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تُقَابَل
بِثَمَنٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُعَيَّنْ، كَبِعْتُكَ كُرَّ
حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ.
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ إِنْ قُوبِلَتْ بِخِلاَفِ
جِنْسِهَا فَهِيَ أَثْمَانٌ، وَكَذَا إِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا
مُتَسَاوِيَةً فِي الْعَدَدِ. وَإِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلَةً
فِي الْعَدَدِ فَهِيَ مَبِيعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ،
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ أَثْمَانٌ عَلَى كُل حَالٍ. (1)
وَقَرِيبٌ مِنْهُ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ
الثَّمَنَ النَّقْدُ إِنْ قُوبِل بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ
الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ أَوْ عَرَضَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا الْتَصَقَتْ بِهِ
بَاءُ الثَّمَنِيَّةِ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ ثَمَنٌ لِلآْخَرِ
وَمُثَمَّنٌ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ كَوْنِ النُّقُودِ مَبِيعَةً؛ لأَِنَّ
كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ مَبِيعٌ بِالآْخَرِ، لَكِنْ جَرَى
__________
(1) تبيين الحقائق 4 / 145، والبحر الرائق 6 / 221، ورد المحتار 4 / 531، 5
/ 272، وفتح القدير 5 / 83، 368، وبدائع الصنائع 7 / 3225
(15/29)
الْعُرْفُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ
الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالْعِوَضُ الثَّانِي شَيْئًا
مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ، عَرَضًا أَوْ نَحْوَهُ، أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ
الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمَا عَدَاهُمَا مُثَمَّنَاتٌ. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ يَتَمَيَّزُ عَنِ
الْمُثَمَّنِ بِبَاءِ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ
نَقْدٌ.
فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ فَهُوَ ثَمَنٌ، فَدِينَارٌ بِثَوْبٍ:
الثَّمَنُ الثَّوْبُ، لِدُخُول الْبَاءِ عَلَيْهِ. (2)
تَعَيُّنُ الثَّمَنِ بِالتَّعْيِينِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَيُّنِ الأَْثْمَانِ بِالتَّعْيِينِ فِي
الْعَقْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: إِنَّ النُّقُودَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ،
فَإِذَا اشْتَرَى بِهَذَا الدِّرْهَمِ فَلَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ غَيْرِهِ.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - إِلاَّ زُفَرَ - وَرِوَايَةٌ عَنْ
أَحْمَدَ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِلاَّ إِنْ كَانَ الْعَاقِدُ
مِنْ ذَوِي الشُّبُهَاتِ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي تَعَيُّنِ الأَْثْمَانِ.
فَالأَْثْمَانُ النَّقْدِيَّةُ الرَّائِجَةُ لاَ تَتَعَيَّنُ
بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ.
أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالأَْمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ
وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ
__________
(1) البهجة شرح التحفة 2 / 86، والحطاب 4 / 479، والمجموع شرح المهذب 9 /
262، ومغني المحتاج 2 / 70
(2) مطالب أولي النهى 3 / 185
(15/30)
بِالتَّعْيِينِ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَكُنْ
وَسَائِل لِغَيْرِهَا بَل تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ، فَإِذَا هَلَكَ
رَأْسُ مَال أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ قَبْل الشِّرَاءِ وَقَبْل الْخَلْطِ
تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْثْمَانُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ غَيْرِ
النُّقُودِ، فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لأَِنَّهَا إِذَا
عُيِّنَتْ تَكُونُ مَبِيعَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَقْصُودَةً بِالذَّاتِ.
أَمَّا الْفُلُوسُ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي غَالِبُهَا الْغِشُّ:
فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، لِكَوْنِهَا
أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَمَا دَامَ ذَلِكَ الاِصْطِلاَحُ مَوْجُودًا
لاَ تَبْطُل الثَّمَنِيَّةُ، لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ
غَيْرَ رَائِجَةٍ فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِزَوَال الْمُقْتَضِي
لِلثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ الاِصْطِلاَحُ، وَهَذَا لأَِنَّهَا فِي الأَْصْل
سِلْعَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَإِذَا
تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إِلَى أَصْلِهَا.
كَمَا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوُا الصَّرْفَ وَالْكِرَاءَ
فَفِيهِمَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بِالتَّعْيِينِ، وَوَجْهُ الْقَوْل
بِأَنَّ الأَْثْمَانَ النَّقْدِيَّةَ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لاَ
تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، أَنَّ الْمَبِيعَ
فِي الأَْصْل اسْمٌ لِمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالثَّمَنَ فِي
الأَْصْل مَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. فَالْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ
مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مَعَانٍ
مُخْتَلِفَةٍ.
فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى هَذَا الأَْصْل أَثْمَانٌ لاَ
تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فِي حَقِّ الاِسْتِحْقَاقِ وَإِنْ
عُيِّنَتْ، حَتَّى لَوْ قَال: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ
الدَّرَاهِمِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ كَانَ
(15/30)
لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْمُشَارَ
إِلَيْهِ وَيَرُدَّ مِثْلَهُ.
وَلَكِنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ
وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْل الْمُشَارِ
إِلَيْهِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَلَوْ هَلَكَ الْمُشَارُ
إِلَيْهِ لاَ يَبْطُل الْعَقْدُ. (1)
10 - وَالثَّمَنُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الذِّمَّةِ، هَكَذَا نُقِل
عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ، وَلأَِنَّ أَحَدَهُمَا
يُسَمَّى ثَمَنًا، وَالآْخَرَ مَبِيعًا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ،
وَاخْتِلاَفُ الأَْسَامِي دَلِيل اخْتِلاَفِ الْمَعَانِي فِي الأَْصْل،
إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَعْمَل أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ تَوَسُّعًا؛
لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَابِل صَاحِبَهُ، فَيُطْلَقُ اسْمُ
أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، كَمَا
يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً، وَجَزَاءُ الاِعْتِدَاءِ
اعْتِدَاءً.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ
مُحْتَمِلاً لِلتَّعْيِينِ بِالإِْشَارَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ
حَقِيقَةً فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ، فَجُعِل كِنَايَةً عَنْ
بَيَانِ الْجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ،
تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِل بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. وَلأَِنَّ
التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لأَِنَّ كُل عِوَضٍ يُطْلَبُ مِنَ
الْمُعَيَّنِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ
__________
(1) رد المحتار 5 / 153، وتبيين الحقائق 4 / 141، والمجلة مادة 243، 244،
ودرر الأحكام لعلي حيدر 1 / 191، والبحر الرائق 5 / 299، 6 / 218، والعناية
5 / 83، والمنتقى شرح الموطأ 4 / 268، والدسوقي 3 / 155، والمغني مع الشرح
الكبير 4 / 169، 175
(15/31)
مِنْ مِثْلِهِ، فَلَمْ يَكُنِ التَّعْيِينُ
فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ مُفِيدًا فَيَلْغُو فِي حَقِّهِ،
وَيُعْتَبَرُ فِي بَيَانِ حَقِّ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ
وَالْقَدْرِ؛ لأَِنَّ التَّعْيِينَ فِي حَقِّهِ مُفِيدٌ.
وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ إِطْلاَقُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي
الْعَقْدِ، فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ، كَالْمِكْيَال
وَالصَّنْجَةِ.
وَيَسْتَثْنِي الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ
الصَّرْفَ فَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالتَّعْيِينِ
فِيهِ لاِشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَثْنَى
بَعْضُهُمْ أَيْضًا الْكِرَاءَ. (1)
الْقَوْل الثَّانِي: الأَْثْمَانُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ:
11 - فَيَتَعَيَّنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ
عَلَى الْمُشْتَرِي الدَّرَاهِمَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا، كَمَا فِي سَائِرِ
الأَْعْيَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَلَوْ هَلَكَ قَبْل الْقَبْضِ يَبْطُل
الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ هَلَكَ سَائِرُ الأَْعْيَانِ، وَلاَ يَجُوزُ
اسْتِبْدَالُهُ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ
وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (2)
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 3223 - 3225، والمنتقى شرح الموطأ 4 / 268، والمغني
لابن قدامة 4 / 169 وبهامشه الشرح الكبير 4 / 175
(2) بدائع الصنائع 7 / 3224، وفتح القدير 5 / 368، والمهذب 1 / 226،
والمجموع 9 / 332 ط المنيرية، والمغني لابن قدامة 4 / 169 وبهامشه الشرح
الكبير ص 175، وكشاف القناع 3 / 270، ومطالب أولي النهى 3 / 187
(15/31)
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل:
أَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ يُسْتَعْمَلاَنِ اسْتِعْمَالاً وَاحِدًا -
فَهُمَا مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُسَمًّى
وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ فِي
الأَْحْكَامِ بِحَرْفِ الْبَاءِ - قَال تَعَالَى: {وَلاَ تَشْتَرُوا
بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} (1) سَمَّى تَعَالَى الْمُشْتَرَى وَهُوَ
الْمَبِيعُ ثَمَنًا، فَدَل عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَبِيعٌ، وَالْمَبِيعَ
ثَمَنٌ.
وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُذَكَّرَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، يُقَال:
شَرَيْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى بِعْتُهُ، قَال تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ
بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} (2) أَيْ: وَبَاعُوهُ؛
وَلأَِنَّ ثَمَنَ الشَّيْءِ قِيمَتُهُ، وَقِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ
مَقَامَهُ. وَلِهَذَا سُمِّيَ قِيمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ.
وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ
صَاحِبِهِ، فَكَانَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمَبِيعًا. دَل عَلَى
أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِي اللُّغَةِ.
وَالْمَبِيعُ يَحْتَمِل التَّعَيُّنَ بِالتَّعْيِينِ فَكَذَا الثَّمَنُ،
إِذْ هُوَ مَبِيعٌ.
وَلأَِنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ، فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ
كَسَائِرِ الأَْعْوَاضِ. (3)
__________
(1) سورة البقرة / 41
(2) سورة يوسف / 20
(3) بدائع الصنائع 7 / 3224، والمغني لابن قدامة 4 / 169، وبهامشة الشرح
الكبير ص 175، (لأنه أحد العوضين، فيتعين بالتعيين كالآخر) . المهذب 1 /
266
(15/32)
مَا يَحْصُل بِهِ التَّعْيِينُ:
12 - يَحْصُل التَّعْيِينُ بِالإِْشَارَةِ، سَوَاءٌ أَضَمَّ إِلَيْهَا
الاِسْمَ أَمْ لاَ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ
الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِهَذِهِ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ.
أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضَيْنِ.
وَيَحْصُل التَّعْيِينُ أَيْضًا بِالاِسْمِ كَبِعْتُكَ دَارِي بِمَوْضِعِ
كَذَا، أَوْ بِمَا فِي يَدِي أَوْ كِيسِي مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ
الدَّنَانِيرِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ. (1)
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا
لِلْمُشْتَرِي:
13 - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا
لِلْمُشْتَرِي. وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَمِلْكُ
الْمُشْتَرِي يَكُونُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، لاَ حَقَّ
لِغَيْرِهِ فِيهِ. (2) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (3) ، وَهُوَ
يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ. وَالثَّمَنُ
الْمُعَيَّنُ مِثْل الْمَبِيعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. (4)
__________
(1) مطالب أولي النهى 3 / 188، وكشاف القناع 3 / 271
(2) رد المحتار 4 / 505، والبحر الرائق 5 / 279 - 280، وكشاف القناع 3 /
157، ومطالب أولي النهى 3 / 18، والزرقاني والبناني عليه 5 / 16، ومغني
المحتاج 2 / 15، والقليوبي 2 / 160
(3) حديث: " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي وحسنه من حديث حكيم بن
حزام (تحفة الأحوذي 4 / 430 - نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة)
(4) كشاف القناع 3 / 157، ومطالب أولي النهى 3 / 18
(15/32)
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ
الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ:
14 - يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ
التَّسْلِيمِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ
مَا لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَبِيهٌ بِالْمَعْدُومِ،
وَالْمَعْدُومُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا. فَلاَ يَصِحُّ أَنْ
يَكُونَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ ثَمَنًا، وَكَذَا الْجَمَل الشَّارِدُ
الَّذِي لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (1) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (2) قَال
الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ
أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا. وَقِيل: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ. .
. وَالْمَبِيعُ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ
عَلَى تَسْلِيمِهِ دَاخِلٌ فِي الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (3)
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فِي الثَّمَنِ:
15 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الثَّمَنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشَارًا
إِلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ.
__________
(1) البحر الرائق 5 / 279 و 280، ورد المحتار 4 / 505، والشرح الكبير
للدردير 3 / 10 - 11، والزرقاني 5 / 16، ومغني المحتاج 2 / 12، والقليوبي 2
/ 158، وكشاف القناع 3 / 162، ومطالب أولي النهى 3 / 25
(2) حديث: " نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر " أخرجه مسلم (3 / 1153 - ط
الحلبي)
(3) مغني المحتاج 2 / 12، وأسنى المطالب 2 / 11
(15/33)
فَإِنْ كَانَ مُشَارًا إِلَيْهِ فَلاَ
حَاجَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.
(وَالْقَدْرُ: كَخَمْسَةِ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْرَارُ
حِنْطَةٍ. (1) وَالصِّفَةُ: كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ كُوَيْتِيَّةٍ أَوْ
أُرْدُنِيَّةٍ، وَكَذَا حِنْطَةٌ بُحَيْرِيَّةٌ أَوْ صَعِيدِيَّةٌ) .
فَإِذَا قَال: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ بِهَذِهِ
الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِكَ وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقَبِل جَازَ
وَلَزِمَ؛ لأَِنَّ الإِْشَارَةَ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، وَجَهَالَةُ
وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ
الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا
عَقْدُ الْبَيْعِ فَلاَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لأَِنَّ الْعِوَضَيْنِ
حَاضِرَانِ.
وَهَذَا بِخِلاَفِ الرِّبَوِيِّ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، حَيْثُ لاَ
يَجُوزُ جُزَافًا؛ لاِحْتِمَال الرِّبَا لأَِنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ
التَّمَاثُل يُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُل، وَبِخِلاَفِ
رَأْسِ مَال السَّلَمِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنَ
الْمُقَدَّرَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ. (2)
وَوَافَقَ الْحَنَابِلَةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ قَال ابْنُ قُدَامَةَ:
(وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَْثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ
بَيْعِهَا جُزَافًا) .
__________
(1) الكر جمعه أكرار، وهو كيل معروف، مقداره ستون قفيزا، والقفيز ثمانية
مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. المصباح المنير للفيومي مادة: (كرر)
(2) تبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5 / 294، والدر المختار ورد
المحتار عليه 4 / 530، وانظر: المادة 238، 239 من مجلة الأحكام العدلية
وفتح القدير 5 / 82، 83
(15/33)
فَذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إِذَا
عُقِدَ عَلَى ثَمَنٍ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ
عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَبِعْتُكَ
هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً، أَوْ بِمِلْءِ هَذَا
الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ.
وَذَهَبُوا أَيْضًا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِصُبْرَةٍ مُشَاهَدَةٍ مِنْ
بُرٍّ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهَا وَلاَ
وَزْنَهَا وَلاَ عَدَّهَا. (1)
وَنَحْوُ هَذَا الْقَوْل مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، قَال الشِّيرَازِيُّ:
إِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا جَازَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ
بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ يُجْهَل قَدْرُهُ عَلَى
الْحَقِيقَةِ. (2)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ
النَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا إِذَا كَانَ مَسْكُوكًا،
وَكَانَ التَّعَامُل بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدَدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ
الْوَزْنِ، لِقَصْدِ أَفْرَادِهِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ مَسْكُوكًا (3) سَوَاءٌ تَعَامَلُوا
بِهِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا، لِعَدَمِ قَصْدِ
آحَادِهِ. (4)
__________
(1) المهذب 1 / 265، 266، ومغني المحتاج 2 / 18
(2) المهذب 1 / 265، 266، ومغني المحتاج 2 / 18
(3) المسكوك: المصوغ بالكيفية الخاصة، والمختوم بختم السلطان / جواهر
الإكليل 2 / 8
(4) جواهر الإكليل 2 / 8، والدسوقي 3 / 22
(15/34)
16 - أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ
مُشَارٍ إِلَيْهِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِهِ
الْعَقْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لأَِنَّ
جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنَ التَّسْلِيمِ
وَالتَّسَلُّمِ، فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَكُل جَهَالَةٍ
تُفْضِي إِلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا.
وَالصِّفَةُ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِي
وَصْفِهَا، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأَْدْوَنِ، وَالْبَائِعُ
يَطْلُبُ الأَْرْفَعَ. فَلاَ يَحْصُل مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ،
وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ.
فَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ عِلْمًا مَانِعًا مِنَ الْمُنَازَعَةِ مِنْ
شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ. (1)
17 - وَبِنَاءً عَلَى هَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ.
أ - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ. فَإِذَا بَاعَهُ
بِقِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّهُ جَعَل ثَمَنَهُ قِيمَتَهُ،
__________
(1) الهداية والعناية عليها 5 / 83، والدر المختار 4 / 529، 5 / 505، وكنز
الدقائق - تبيين الحقائق 4 / 4، وانظر توجيه كلام بدائع الصنائع الوارد في
6 / 3053 (إن معرفة وصف المبيع والثمن ليست شرطا لصحة البيع، والجهل بها
ليس بمانع من الصحة، لكن شرط اللزوم، فيصح بيع ما لم يره) . المنهاج ومغني
المحتاج عليه 2 / 16، والقليوبي 2 / 157 المقدمات الممهدات لابن رشد (الجد)
ص 550، بداية المجتهد لابن رشد (الحفيد) 2 / 147، والشرح الكبير للدردير 3
/ 15، وجواهر الإكليل 2 / 6، والقوانين لابن جزي ص 272، والشرح الكبير لابن
قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 173، ومطالب أولي النهى 3 / 38
(15/34)
وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ
تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.
ب - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا حَل بِهِ، أَوْ بِمَا تُرِيدُ،
أَوْ تُحِبُّ، أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ، أَوْ بِمِثْل
مَا اشْتَرَى فُلاَنٌ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ فِي
الْمَجْلِسِ فَرَضِيَهُ انْقَلَبَ جَائِزًا.
- وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلاَّ دِينَارًا، أَوْ
بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلاَّ دِرْهَمًا.
- وَكَذَا لاَ يَجُوزُ بِمِثْل مَا يَبِيعُ النَّاسُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ
شَيْئًا لاَ يَتَفَاوَتُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ. (1)
- وَكَذَا إِذَا بَاعَ بِحُكْمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِحُكْمِ فُلاَنٍ؛
لأَِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَاذَا يَحْكُمُ فُلاَنٌ فَكَانَ الثَّمَنُ
مَجْهُولاً.
18 - ج - وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا
يَنْقَطِعُ السِّعْرُ بِهِ، أَوْ بِمِثْل مَا بَاعَ بِهِ فُلاَنٌ، وَهُمَا
لاَ يَعْلَمَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ.
د - وَإِنْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَمْ
يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ، لأَِنَّ مِقْدَارَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنَ الأَْلْفِ مَجْهُولٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَال بِمِائَةٍ بَعْضُهَا
ذَهَبٌ؛ وَلأَِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، فَيَدْخُل فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ
بَيْعِ الْغَرَرِ. (2)
__________
(1) فتح القدير 5 / 83، وبدائع الصنائع 6 / 3041، والبحر الرائق 5 / 296
(2) بدائع الصنائع 6 / 3041، والبحر الرائق 5 / 296، والشرح الكبير لابن
قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 174، ومطالب أولي النهى 3 / 40، ومغني
المحتاج 2 / 16، والمهذب 1 / 266، والشرح الكبير للدردير 3 / 15
(15/35)
هـ - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ
بِرَقْمِهِ، وَالْمُرَادُ الثَّمَنُ لاَ يَعْلَمُ بِهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى
يَنْظُرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَهَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالرَّقْمُ: عَلاَمَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ مَا وَقَعَ الْبَيْعُ
بِهِ مِنَ الثَّمَنِ.
وَالْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ
تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ؛ لأَِنَّهَا
بِرَقْمٍ لاَ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ،
لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا.
وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا
قَبْل الْعِلْمِ بَطَل.
وَكَانَ الإِْمَامُ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُول: وَإِنْ
عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لاَ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ
جَائِزًا، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى ذَلِكَ الرِّضَا
وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدَ
ابْتِدَاءٍ بِالتَّرَاضِي. (1)
وَوَرَدَ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: (قَال أَحْمَدُ: وَلاَ بَأْسَ
أَنْ يَبِيعَ بِالرَّقْمِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقُول: بِعْتُكَ
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 3042، والبحر الرائق 5 / 296، وابن عابدين 4 / 514،
541، ومنحة الخالق على البحر الرائق 5 / 296، والمهذب 1 / 266، ومغني
المحتاج 2 / 17، وأسنى المطالب 2 / 17، والمغني لابن قدامة 4 / 266،
وبهامشه الشرح الكبير ص 33، ومطالب أولي النهى 3 / 40، وكشاف القناع 3 /
174.
(15/35)
هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ، وَهُوَ
الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَال
الْعَقْدِ. وَهَذَا قَوْل عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ
وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ
مِقْدَارَهُ، أَوْ مَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا بِمَا اشْتَرَيْتُهُ بِهِ
وَقَدْ عَلِمَا قَدْرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا أَوْ
لأَِحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ) . (1)
إِذَنْ فَالْحُكْمُ بِجَوَازِهِ هُنَا بِنَاءٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ
الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ
مَعْلُومًا حَسَبَ التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلاَ
خِلاَفَ عِنْدَئِذٍ.
و بَيْعُ صُبْرَةِ طَعَامٍ، كُل قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْل عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ:
أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَبْلَغَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ حَال الْعَقْدِ،
وَإِنَّمَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْكَيْل. (2)
الْقَوْل الثَّانِي: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، إِلاَّ أَنْ
يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا. وَهُوَ قَوْل الإِْمَامِ أَبِي
حَنِيفَةَ، بِحُجَّةِ: أَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ إِلَى الْكُل مُتَعَذِّرٌ؛
لِجَهَالَةِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى
__________
(1) المغني لابن قدامة 4 / 294
(2) المقدمات الممهدات ص 541، مغني المحتاج جـ 2 / 17، وأسنى المطالب 2 /
17
(15/36)
الْمُنَازَعَةِ؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ
يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلاً، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَعْلُومٍ،
فَيَقَعُ النِّزَاعُ. وَإِذَا تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إِلَى الْكُل صُرِفَ
إِلَى الأَْقَل، وَهُوَ مَعْلُومٌ، إِلاَّ أَنْ تَزُول الْجَهَالَةُ فِي
الْمَجْلِسِ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْل فِي
الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ، لأَِنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ سَاعَةٍ
وَاحِدَةٍ. (1)
الْقَوْل الثَّالِثُ: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُل، أَيْ: وَإِنْ لَمْ
يَعْلَمَا قَدْرَ قُفْزَانِهَا حَال الْعَقْدِ.
وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ. (2)
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
1 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ
لإِِشَارَتِهِ إِلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لاَ تَتَعَلَّقُ
بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ كَيْل الصُّبْرَةِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ
مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، لِكُل ثَلاَثَةَ عَشَرَ
دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ فِي الْحَال، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ
بِالْحِسَابِ، كَذَا هَاهُنَا.
__________
(1) الهداية والعناية عليها 5 / 88، وتبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5
/ 307، والاختيار 1 / 178، وبدائع الصنائع 6 / 3043، والشرح الكبير لابن
قدامة 4 / 34، والزرقاني 5 / 23، وبداية المجتهد 2 / 158
(2) مصادر الحنفية السابقة، والزرقاني 5 / 23، والشرح الكبير للدردير 3 /
15، وبداية المجتهد 2 / 158، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 34، ومطالب أولي
النهى 3 / 42، وكشاف القناع 3 / 174، والمهذب 1 / 266، ومغني المحتاج 2 /
17، وأسنى المطالب 2 / 17
(15/36)
2 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ
بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ قَدْرَ مَا يُقَابِل كُل جُزْءٍ
مِنَ الْمَبِيعِ فَصَحَّ كَالأَْصْل الْمَذْكُورِ، وَالْغَرَرَ مُنْتَفٍ
فِي الْحَال؛ لأَِنَّ مَا يُقَابِل كُل صَاعٍ مَعْلُومُ الْقَدْرِ
حِينَئِذٍ. فَغَرَرُ الْجَهَالَةِ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيل.
كَمَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا جَازَ بِالْعِلْمِ
بِالْجُمْلَةِ جَازَ بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيل أَيْ: لاَ يَضُرُّ الْجَهْل
بِحَمَلَةِ الثَّمَنَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيل، وَالْغَرَرُ
مُرْتَفِعٌ بِهِ، كَمَا إِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا.
3 - لأَِنَّ إِزَالَةَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا، فَتَرْتَفِعُ بِكَيْل
كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ. (1)
وَانْظُرْ أَيْضًا (بَيْعُ الْجُزَافِ) .
ز - لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الصِّفَةِ:
20 - لِذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ:
مَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ دُونَ
الْقَدْرِ، كَأَنْ قَال: اشْتَرَيْتُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقُل
بُخَارِيَّةً أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةً، وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى غَالِبِ
نَقْدِ الْبَلَدِ، أَيْ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُتَعَامَل بِهِ فِي بَلَدِهِ.
وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْل:
أَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالنَّصِّ، لاَ سِيَّمَا
إِذَا كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ. (2)
__________
(1) المصادر السابقة
(2) الهداية والعناية 5 / 84، وتبيين الحقائق 4 / 5، وانظر الاختيار 1 /
178، وبدائع الصنائع 2 / 3042، والزرقاني 5 / 24، والمنهاج ومغني المحتاج
عليه 3 / 17، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 33، ومطالب أولي النهى 3 / 40،
وكشاف القناع 3 / 174
(15/37)
وَيَبْنِي الْحَنَفِيَّةُ عَلَى هَذِهِ
الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي
الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ، فَإِنَّ
الْمِصْرِيَّ أَفْضَل فِي الْمَالِيَّةِ مِنَ الْمَغْرِبِيِّ، وَكَانَتْ
مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأَِنَّ مِثْل هَذِهِ
الْجَهَالَةِ مُفْضِيَةٌ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ
دَفْعَ الأَْنْقَصِ مَالِيَّةً، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ أَخْذَ الأَْعْلَى،
فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ إِلاَّ أَنْ تُرْفَعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ
أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَرْضَى الآْخَرُ؛ لاِرْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ
قَبْل تَقَرُّرِهِ.
- وَإِذَا كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ
صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأَْرْوَجِ.
- وَإِذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي
الْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأَْرْوَجِ أَيْضًا
تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ.
- أَمَّا إِذَا اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ، وَإِنَّمَا
الاِخْتِلاَفُ فِي الاِسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ، فَيَصِحُّ
الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّهُمَا
شَاءَ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُنَازَعَةَ فِيهَا. (1)
__________
(1) الهداية والعناية 5 / 85، وتبيين الحقائق 4 / 5، وتعيين الذهب المصري
والمغربي في هذا المثال هو في زمن البابرتي صاحب العناية المتوفى سنة 786
هـ، وفتح القدير 5 / 85، ورد المحتار 4 / 536، 538، وفي بدائع الصنائع 6 /
3043 (وإن كان في البلد نقود غالبة فالبيع فاسد، لأن الثمن مجهول، إذ لبعض
ليس بأولى من بعض)
(15/37)
فَالْحَاصِل:
أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لأَِنَّ النُّقُودَ إِمَّا
أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا، أَوْ تَخْتَلِفَ
فِيهِمَا، أَوْ يَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ.
وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ: الاِسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ
وَالاِخْتِلاَفُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالصِّحَّةُ فِي الثَّلاَثِ
الْبَاقِيَةِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْفَاسِدَةُ ذَكَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَعَدَّدَتِ السِّكَكُ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ
يُبَيِّنْ، فَإِنْ اتَّحَدَتْ رَوَاجًا قَضَاهُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ وَإِنْ
اخْتَلَفَتْ قَضَاهُ مِنَ الْغَالِبِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ فَسَدَ
الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْبَيَانِ.
وَعِبَارَةُ الشِّرْبِينِيِّ الشَّافِعِيِّ: إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ
نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا
وَاخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا لاِخْتِلاَفِ
الْغَرَضِ بِاخْتِلاَفِهِمَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ بَاعَ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ
وَلاَ مَوْصُوفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ
كُلُّهَا رَائِجَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. (2)
__________
(1) العناية شرح الهداية 5 / 85، والزرقاني 5 / 24، وانظر المقدمات
الممهدات ص 550، والمنهاج ومغني المحتاج عليه 2 / 17، والشرح الكبير لابن
قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 174، ومطالب أولي النهى 3 / 40
(2) البهجة شرح التحفة 2 / 11، ومغني المحتاج 72، وكشاف القناع 3 / 174
(15/38)
الْحُلُول وَالتَّأْجِيل فِي الثَّمَنِ:
21 - يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ إِذَا كَانَ
الأَْجَل مَعْلُومًا، بِدَلِيل:
1 - إِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) فَشَمَل
مَا بِيعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمَا بِيعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ.
2 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتِ: اشْتَرَى
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ
طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ (2) .
قَال فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ:
إِنَّ الْحُلُول مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجَبُهُ، وَالأَْجَل لاَ يَثْبُتُ
إِلاَّ بِالشَّرْطِ.
فَإِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ صَحَّ؛ لأَِنَّهُ حَقُّهُ.
(3)
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ بِيعَ عَلَى شَرْطِ النَّقْدِ
أَيْ تَعْجِيل الثَّمَنِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَأْجِيلِهِ وَجَبَ
عَلَيْهِ فِي الْمُرَابَحَةِ بَيَانُ الأَْجَل، فَيُفْهَمُ مِنْهُ لُزُومُ
الأَْجَل الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ. قَالُوا: لأَِنَّ
__________
(1) سورة البقرة / 275
(2) حديث: " اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما إلى أجل
ورهنه درعا من حديد " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 433 - ط السلفية) ومسلم (3
/ 1226 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(3) الهداية وفتح القدير 5 / 83 - 84، وتبيين الحقائق 4 / 5، وبدائع
الصنائع 7 / 3227، والبحر الرائق 5 / 301، ورد المحتار 4 / 531، والاختيار
1 / 181
(15/38)
اللاَّحِقَ لِلْعَقْدِ كَالْوَاقِعِ فِيهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي
الأَْجَل إِنْ كَانَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ - خِيَارِ الْمَجْلِسِ
أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ - لَحِقَتْ بِأَصْل الْعَقْدِ، أَمَّا بَعْدَ
لُزُومِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الأَْجَل لاَ تَلْحَقُ
وَلَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَكَذَلِكَ تَأْجِيل الدَّيْنِ
الْحَال. (1)
وَدَلِيل وُجُوبِ كَوْنِ الأَْجَل مَعْلُومًا:
1 - أَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَتَكُونُ مَانِعَةً
مِنَ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ الْوَاجِبَيْنِ بِالْعَقْدِ، فَرُبَّمَا
يُطَالِبُ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يُؤَخِّرُ
إِلَى بَعِيدِهَا.
2 - وَلأَِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَوْضِعِ شَرْطِ
الأَْجَل وَهُوَ السَّلَمُ أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَال: مَنْ
أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ
إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (2) فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَأْجِيل الثَّمَنِ.
3 - وَعَلَى كُل ذَلِكَ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ. (3)
__________
(1) جواهر الإكليل 2 / 57، ومغني المحتاج 2 / 120، والمغني لابن قدامة ط
الرياض 4 / 349، وكشاف القناع ط عالم الكتب 3 / 234
(2) حديث: " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم
" أخرجه البخاري (الفتح 4 / 429 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1227 - ط الحلبي)
من حديث عبد الله بن عباس، واللفظ لمسلم
(3) الهداية وفتح القدير والعناية 5 / 84، وانظر علة الإفضاء إلى المنازعة
في: تبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5 / 301، ورد المحتار 4 / 531
(15/39)
22 - وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى
أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعْلُومِيَّةَ الأَْجَل فِي
الْبَيْعِ الْمُؤَجَّل ثَمَنُهُ. فَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَهُوَ فَاسِدٌ.
وَمِنْ جَهَالَةِ الأَْجَل:
أ - مَا إِذَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ
فِي بَلَدٍ آخَرَ.
وَلَوْ قَال: إِلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ
آخَرَ جَازَ بِأَلْفٍ إِلَى شَهْرٍ. وَيَبْطُل شَرْطُ الإِْيفَاءِ فِي
بَلَدٍ آخَرَ؛ لأَِنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ الإِْيفَاءِ فِيمَا لاَ حَمْل
لَهُ وَلاَ مُؤْنَةَ لاَ يَصِحُّ. فَلَوْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ
صَحَّ.
وَمِنْهُ: عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ: مَا إِذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ
إِلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْل أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ
فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَّلَهُ بِتَضَمُّنِهِ
أَجَلاً مَجْهُولاً، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلِّمُ
إِلَيْهِ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لاَ
يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. (1)
ب - وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ جَهَالَةَ الأَْجَل هِيَ مِنَ
الْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ، وَمَثَّلُوا لَهُ: بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ
السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ إِلَى قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ إِلَى مَوْتِهِ. قَال
ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا بَاعَ الرَّجُل السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ
إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فُسِخَ عَلَى كُل حَالٍ فِي الْقِيَامِ
وَالْفَوَاتِ، شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَبَيَا.
__________
(1) البحر الرائق 5 / 281، 301، 302، ورد المحتار 4 / 505 - 531، وفتح
القدير 5 / 84
(15/39)
ج - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ:
إِنْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ،
كَالْبَيْعِ إِلَى الْعَطَاءِ، لأَِنَّهُ عِوَضٌ فِي بَيْعٍ، فَلَمْ يَجُزْ
إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ.
د - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ تَأْجِيل الثَّمَنِ
إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَيَبْطُل الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ،
وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ.
(1)
الاِخْتِلاَفُ فِي الأَْجَل:
23 - إِذَا اخْتَلَفَا فِي الأَْجَل فَالْقَوْل لِمَنْ يَنْفِيهِ وَهُوَ
الْبَائِعُ، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُهُ وَهُوَ الْحُلُول.
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَالْقَوْل لِمُدَّعِي الأَْقَل
لإِِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ.
وَالْبَيِّنَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لأَِنَّهُ
يُثْبِتُ خِلاَفَ الظَّاهِرِ، وَالْبَيِّنَاتُ لِلإِْثْبَاتِ. (2)
وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ، وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْل
لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا.
لأَِنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى الأَْجَل فَالأَْصْل بَقَاؤُهُ،
__________
(1) المقدمات الممهدات ص 542 - 550، وانظر بداية المجتهد 2 / 147، والمهذب
1 / 266، وكشاف القناع 3 / 194، وفتح القدير 5 / 84
(2) البحر الرائق 5 / 301، والدر المختار مع رد المحتار 4 / 532
(15/40)
فَكَانَ الْقَوْل لِلْمُشْتَرِي فِي عَدَمِ
مُضِيِّهِ؛ وَلأَِنَّهُ مُنْكِرٌ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ
ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا تَقْدِيمُ بَيِّنَتِهِ عَلَى بَيِّنَةِ الْبَائِعِ فَعَلَّلَهُ
فِي الْبَحْرِ عَنِ الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
الدَّعْوَى. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: " وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ شَأْنَ
الْبَيِّنَةِ إِثْبَاتُ خِلاَفِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ هُنَا دَعْوَى
الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ الْمُضِيِّ
شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّهُ
إِثْبَاتٌ فِي الْمَعْنَى؛ لأَِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الأَْجَل بَاقٍ.
وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ تَقْدِيمِ بَيِّنَتِهِ كَوْنُهَا أَكْثَرَ
إِثْبَاتًا، وَيَدُل لَهُ مَا سَيَأْتِي فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُمَا
لَوِ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الأَْجَل فَالْقَوْل لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ
بِيَمِينِهِ.
وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ
بِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ الأَْجَل. قَال: فَالْقَوْل قَوْلُهُ
وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ ". (1)
وَانْظُرْ لاِسْتِكْمَال مَبَاحِثِ الأَْجَل مُصْطَلَحَ (أَجَلٌ) .
اعْتِبَارُ مَكَانِ الْعَقْدِ وَزَمَنِهِ عِنْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ
الْمُؤَجَّل:
24 - يُعْتَبَرُ الْبَلَدُ الَّذِي جَرَى فِيهِ الْبَيْعُ، لاَ بَلَدُ
الْمُتَبَايِعَيْنِ.
فَإِنْ بَاعَ عَيْنًا مِنْ رَجُلٍ بِأَصْفَهَانَ بِكَذَا مِنَ
الدَّنَانِيرِ، فَلَمْ يَنْقُدِ الثَّمَنَ حَتَّى وَجَدَ
__________
(1) البحر الرائق 5 / 301، وانظر الدر المختار مع رد المحتار 4 / 532
(15/40)
الْمُشْتَرِيَ بِبُخَارَى، يَجِبُ عَلَيْهِ
الثَّمَنُ بِعِيَارِ أَصْفَهَانَ. فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ:
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَالِيَّةُ الدِّينَارِ
مُخْتَلِفَةً فِي الْبَلَدَيْنِ، وَتَوَافَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَى أَخْذِ
قِيمَةِ الدِّينَارِ لِفَقْدِهِ أَوْ كَسَادِهِ فِي الْبَلْدَةِ
الأُْخْرَى، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ
الَّتِي فِي بُخَارَى إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ الَّتِي فِي
أَصْفَهَانَ.
وَهَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ.
وَاعْتِبَارُ مَكَانِ الْعَقْدِ قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ.
وَكَمَا يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ زَمَنُهُ أَيْضًا، فَلاَ
يُعْتَبَرُ زَمَنُ الإِْيفَاءِ؛ لأَِنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ مَجْهُولَةٌ
وَقْتَ الْعَقْدِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: لَوْ بَاعَهُ إِلَى أَجَلٍ
مُعَيَّنٍ، وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي أَيَّ نَقْدٍ يَرُوجُ
يَوْمَئِذٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (1)
زِيَادَةُ الثَّمَنِ وَالْحَطُّ مِنْهُ:
25 - بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ قَدْ يَرَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي
أَنَّهُ مَغْبُونٌ فِي الصَّفْقَةِ، أَوْ يَرَى تَعْدِيلَهَا لِمَصْلَحَةِ
الآْخَرِ لِسَبَبٍ مَا، فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ فِي أَحَدِ
الْعِوَضَيْنِ اتِّفَاقًا.
__________
(1) البحر الرائق 5 / 303، ورد المحتار 4 / 536، ومغني المحتاج للشربيني 3
/ 17، والمدونة 4 / 222
(15/41)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الزِّيَادَةِ
وَالْحَطِّ، هَل يَلْتَحِقَانِ بِأَصْل الْعَقْدِ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ
اتِّجَاهَاتٍ:
26 - الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ
عَدَا زُفَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطَّ مِنْهُ أَوْ
الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ وَتَأْخُذُ حُكْمَ
الثَّمَنِ.
فَإِذَا اشْتَرَى عَيْنًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَ عَشْرَةً مَثَلاً، أَوْ
بَاعَ عَيْنًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَ عَلَى الْمَبِيعِ شَيْئًا، أَوْ
حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ جَازَ وَالْتَحَقَتِ الزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ
بِأَصْل الْعَقْدِ. (1)
وَيَتَعَلَّقُ الاِسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، مِنَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ
وَالزِّيَادَةِ، فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى أَنْ
يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ
لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الزِّيَادَةَ، وَلاَ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ
بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْل إِعْطَائِهَا. وَلَوْ سَلَّمَهَا ثُمَّ
اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِهَا مَعَ أَصْل الثَّمَنِ.
وَفِي صُورَةِ الْحَطِّ: لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ
الْمَبِيعِ إِذَا سَلَّمَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ.
فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَلْتَحِقَانِ
بِأَصْل الْعَقْدِ. (2)
27 - وَاحْتَجُّوا بِمَا يَلِي:
1 - أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ غَيَّرَا
__________
(1) الهدية مع الفتح 5 / 270، وتبيين الحقائق 4 / 83، والبحر الرائق 6 /
129، ورد المحتار 5 / 154، والاختيار 1 / 181، وبدائع الصنائع 7 / 3281،
والدسوقي 3 / 35، و 1165، وهامش الفروق 3 / 290
(2) فتح القدير مع الهداية 5 / 270
(15/41)
الْعَقْدَ بِتَرَاضِيهِمَا مِنْ وَصْفٍ
مَشْرُوعٍ إِلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ الْمَشْرُوعَ إِمَّا
خَاسِرٌ، أَوْ رَابِحٌ، أَوْ عَدْلٌ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ تَجْعَل
الْخَاسِرَ عَدْلاً، وَالْعَدْل رَابِحًا، وَالْحَطُّ يَجْعَل الرَّابِحَ
عَدْلاً، وَالْعَدْل خَاسِرًا، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ.
2 - لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وِلاَيَةُ التَّصَرُّفِ بِرَفْعِ أَصْل
الْعَقْدِ بِالإِْقَالَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلاَيَةُ
التَّغْيِيرِ مِنْ وَصْفٍ إِلَى وَصْفٍ؛ لأَِنَّ التَّصَرُّفَ فِي صِفَةِ
الشَّيْءِ أَهْوَنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أَصْلِهِ، وَصَارَ كَمَا إِذَا
كَانَ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ لَهُمَا خِيَارُ الشَّرْطِ،
فَأَسْقَطَاهُ أَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَصَحَّ إِلْحَاقُ
الزِّيَادَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ. وَإِذَا صَحَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْل
الْعَقْدِ، لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ كَالْوَصْفِ لَهُ، وَوَصْفُ
الشَّيْءِ يَقُومُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لاَ بِنَفْسِهِ، فَالزِّيَادَةُ
تَقُومُ بِالثَّمَنِ لاَ بِنَفْسِهَا.
3 - ثَبَتَتْ صِحَّةُ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ شَرْعًا فِي الْمَهْرِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ
مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (1) فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا إِذَا تَرَاضَيَا
بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَهْرِ عَلَى حَطِّ بَعْضِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ جَازَ.
فَهَذَا نَظِيرُهُ.
4 - رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَال لِلْوَازِنِ: زِنْ وَأَرْجِحْ (2) وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ،
وَقَدْ نُدِبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
__________
(1) سورة النساء / 24
(2) حديث: " زن وأرجح " أخرجه النسائي (7 / 284 - ط المكتبة التجارية)
والحاكم (4 / 192 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث سويد بن قيس، وصححه
الحاكم ووافقه الذهبي)
(15/42)
إِلَيْهَا بِالْقَوْل وَالْفِعْل، وَأَقَل
أَحْوَال الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ الْجَوَازُ. (1)
28 - وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ مَا يَأْتِي:
1 - الْقَبُول مِنَ الآْخَرِ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ
يَقْبَل الآْخَرُ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ
تَمْلِيكٌ.
2 - اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوِ افْتَرَقَا قَبْل الْقَبُول
بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ
إِيجَابُ الْبَيْعِ فِيهِمَا، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبُول فِي الْمَجْلِسِ
كَمَا فِي أَصْل الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ.
29 - وَأَمَّا الْحَطُّ فَلاَ يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبُول؛ لأَِنَّهُ
تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ بِالإِْسْقَاطِ وَالإِْبْرَاءِ عَنْ بَعْضِهِ،
فَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، إِلاَّ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ
كَالإِْبْرَاءِ عَنِ الثَّمَنِ كُلِّهِ.
وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا، قَابِلاً
لِلتَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً، حَتَّى لاَ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ
بَعْدَ هَلاَكِهِ، وَيَصِحُّ الْحَطُّ بَعْدَ هَلاَكِ الْمَبِيعِ؛
لأَِنَّهُ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالزِّيَادَةُ إِثْبَاتٌ. (2)
29 م - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْحَطَّ مِنْهُ إِنْ كَانَ
__________
(1) العناية على الهداية 5 / 271، وبدائع الصنائع 7 / 3283، والوازن هو
الذي يزن الثمن ليدفعه للبائع
(2) العناية على الهداية 5 / 271، وبدائع الصنائع 7 / 3283، والوازن هو
الذي يزن الثمن ليدفعه للبائع
(15/42)
فِي زَمَنِ أَحَدِ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارِ
الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ) فَإِنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ
وَتَأْخُذُ الزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ حُكْمَ الثَّمَنِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ
مِنَ الثَّمَنِ فَوَجَبَ إِلْحَاقُهُ بِرَأْسِ الْمَال، وَإِنْ كَانَتِ
الزِّيَادَةُ أَوِ الْحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ
فَإِنَّهَا لاَ تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ. (1)
30 - الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: قَوْل زُفَرَ إِنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَطَّ
لاَ يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الاِلْتِحَاقِ بِأَصْل الْعَقْدِ، بَل
الزِّيَادَةُ بِرٌّ مُبْتَدَأٌ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْحَطُّ
إِبْرَاءٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ مَتَى رَدَّهُ يَرْتَدُّ.
وَاسْتَدَل زُفَرُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَل فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي
بِالْقَدْرِ الأَْوَّل لِلثَّمَنِ، فَلَوِ الْتَحَقَ الزَّائِدُ
بِالْعَقْدِ صَارَ مِلْكَهُ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَزِدْهُ بَدَلاً عَنْ
مِلْكِهِ، وَهُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَا الثَّمَنُ دَخَل فِي مِلْكِ
الْبَائِعِ، فَلَوْ جَازَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ كَانَ الْمَزِيدُ
عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ أَيِ الثَّمَنِ. (2)
31 - وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الاِتِّجَاهِ الْقَائِل بِالْتِحَاقِ
الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ مَا يَلِي:
1 - فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ، تَجُوزُ عَلَى الْكُل فِي
الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ، فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا
حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي قَال لآِخَرَ:
وَلَّيْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَقَعَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَلَى
__________
(1) المجموع 9 / 370، والمهذب 1 / 296، والجمل 3 / 85، وشرح منتهى الإرادات
2 / 151، 183، 446، وكشاف القناع 3 / 234
(2) الهدية وفتح القدير عليها 5 / 270 - 271
(15/43)
مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ بَعْدَ
الْحَطِّ، فَكَانَ الْحَطُّ بَعْدَ الْعَقْدِ مُلْتَحِقًا بِأَصْل
الْعَقْدِ، كَأَنَّ الثَّمَنَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ هُوَ ذَلِكَ
الْمِقْدَارُ، وَكَذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ.
2 - فِي الشُّفْعَةِ، يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْمَشْفُوعَ بِمَا بَقِيَ
بَعْدَ الْحَطِّ، وَلاَ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِبْطَال
حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ الأَْوَّل وَهُمَا لاَ يَمْلِكَانِهِ.
أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى
الْفَسْخُ.
3 - فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ
بِالزِّيَادَةِ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ كَانَ لَهُ أَنْ
يُطَالِبَ بِالزِّيَادَةِ.
4 - فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ، فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الزِّيَادَةَ.
5 - فِي هَلاَكِ الزِّيَادَةِ، فَلَوْ هَلَكَتِ الزِّيَادَةُ قَبْل
الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا مِنَ الثَّمَنِ، بِخِلاَفِ الزِّيَادَةِ
الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الْمَبِيعِ حَيْثُ لاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ
الثَّمَنِ بِهَلاَكِهَا قَبْل الْقَبْضِ. (1) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل
الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَوْسُوعَةِ ج 9 ص 30 مُصْطَلَحُ (بَيْعٌ)
ف 56
تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ:
32 - يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ قَبْل قَبْضِهِ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا إِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ بِتَمْلِيكِهِ مِمَّنْ
__________
(1) العناية 5 / 271، وتبيين الحقائق 834، 84، والبحر الرائق 6 / 130، ورد
المحتار 5 / 155
(15/43)
عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ
عِوَضٍ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ وَلاَ يَتَعَيَّنُ
بِالتَّعْيِينِ، فَلاَ يُحْتَمَل فِيهِ غَرَرُ الاِنْفِسَاخِ بِالْهَلاَكِ؛
وَلأَِنَّ الثَّمَنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَبْضُ لاَ يَرِدُ
عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا بِقَبْضِ غَيْرِهِ مِثْلَهُ عَيْنًا،
فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الثَّمَنُ قِسْمَانِ: تَارَةً يَكُونُ حَاضِرًا
كَمَا لَوِ اشْتَرَى فَرَسًا بِهَذَا الإِْرْدَبِّ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوْ
بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ
بِهِبَةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ.
وَتَارَةً يَكُونُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى الْفَرَسَ
بِإِرْدَبِّ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي
الذِّمَّةِ فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِتَمْلِيكِهِ مِنَ
الْمُشْتَرِي فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ وَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ
مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الْقَوْل الْمُقَابِل الْمُعْتَمَدُ
لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَاسْتَثْنَى ابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ -
وَمِنْهُ الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ - لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ
ثَلاَثَ صُوَرٍ:
الأُْولَى: إِذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ، فَيَكُونُ وَكِيلاً قَابِضًا.
الثَّانِيَةُ: الْحَوَالَةُ.
الثَّالِثَةُ: الْوَصِيَّةُ. (1)
__________
(1) تبيين الحقائق 4 / 82 - 83، ومغني المحتاج 2 / 69، والهداية والعناية
وفتح القدير 5 / 269، والبحر الرائق 6 / 129، والدر المختار ورد المحتار
عليه 5 / 152، والاختيار ص 181، وبدائع الصنائع 7 / 3226
(15/44)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَجُوزُ
التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْل قَبْضِهِ.
أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ: فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ. (1)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْل
قَبْضِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ طَعَامًا فَلاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ
قَبْل قَبْضِهِ. (2)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ
التَّعَاقُدُ عَلَيْهِ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ ذَرْعٍ، أَوْ عَدٍّ
فَلاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ بِالْكَيْل، أَوِ
الْوَزْنِ، أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْعَدِّ، وَإِنْ كَانَ التَّعَاقُدُ
عَلَيْهِ جُزَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلاً، وَلاَ مَوْزُونًا، وَلاَ
مَعْدُودًا، وَلاَ مَزْرُوعًا، جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ.
وَأَمَّا الَّذِي فِي الذِّمَّةِ فَلاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل
قَبْضِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ
لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ. (3)
تَسْلِيمُ الثَّمَنِ:
33 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ
أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ أَيْ نَقْدًا بِنَقْدٍ سُلِّمَا مَعًا،
لاِسْتِوَائِهِمَا فِي
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 69، والمجموع 9 / 263
(2) الحطاب 4 / 482، والدسوقي 3 / 329، والفروق 3 / 279 - 280
(3) شرح منتهى الإرادات 2 / 189
(15/44)
التَّعْيِينِ فِي الأَْوَّل، وَعَدَمِ
التَّعْيِينِ فِي الثَّانِي؛ وَلأَِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي عَقْدِ
الْمُعَاوَضَةِ مَطْلُوبَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ عَادَةً، وَتَحْقِيقُ
الْمُسَاوَاةِ هَاهُنَا فِي التَّسْلِيمِ مَعًا. (1)
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَال الْمَالِكِيَّةُ: فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثَمَنٌ
وَمُثَمَّنٌ، فَالثَّمَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَعَدَا ذَلِكَ
مُثَمَّنَاتٌ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ
بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ
وَتَشَاحَّا فِي الإِْقْبَاضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُ
التَّسْلِيمِ قَبْل الآْخَرِ. وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ
مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ كَعَرَضٍ بِعَرَضٍ وَتَشَاحَّا فِي الإِْقْبَاضِ.
إِلاَّ أَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي فِي الْقَبْضِ فِي
الصُّورَةِ الأُْولَى (الصَّرْفُ) وَلاَ يُفْسَخُ فِي الصُّورَةِ
الثَّانِيَةِ؛ لأَِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ دُونَ
الْمُقَايَضَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا
نَقْدًا أَوْ عَرْضًا، يُجْبَرُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كِلاَهُمَا
عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الأَْظْهَرِ؛ لاِسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ، لأَِنَّ
الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالدَّيْنِ،
وَالتَّسْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا
مِنْهُمَا إِحْضَارَ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى عَدْلٍ، ثُمَّ
يُسَلِّمُ كُلًّا مَا وَجَبَ لَهُ، وَالْخِيَرَةُ فِي الْبِدَايَةِ
إِلَيْهِ.
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عَدَمُ إِجْبَارِهِمَا. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ
الثَّمَنُ عَيْنًا بَل فِي الذِّمَّةِ (الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ) فَفِيهِ
__________
(1) الاختيار 2 / 8، وابن عابدين 4 / 44، والزيلعي 4 / 14، والبناية على
الهداية 6 / 255، والبدائع 7 / 3234
(15/45)
أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، الْمُقَدَّمُ
مِنْهَا إِجْبَارُ الْبَائِعِ.
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَال الْحَنَابِلَةُ: فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا
أَوْ عَرْضًا، وَالْمَبِيعُ مِثْلُهُ جُعِل بَيْنَ الْبَائِعِ
وَالْمُشْتَرِي عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا؛
لأَِنَّهُ حَقُّ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، كَمَا
تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَاسْتَوَيَا.
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى
تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوَّلاً. (1)
34 - وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً حَاضِرَةً بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَقَدِ
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً عَلَى
اتِّجَاهَاتٍ:
الأَْوَّل: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلاً.
وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحَدُ
أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ (2)) . فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ
حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ
لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ
حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ
الثَّمَنُ نَقْدًا مُعَيَّنًا لأَِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
35 - وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ (3)
__________
(1) جواهر الإكليل 2 / 10، والحطاب 4 / 305، ومغني المحتاج 2 / 74،
والقليوبي 2 / 218، والشرح الكبير مع المغني 4 / 113
(2) الهداية 5 / 108، وبدائع الصنائع 7 / 3233، ومواهب الجليل 4 / 305،
ومغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، والشرح الكبير لابن قدامة 4
/ 113
(3) حديث: " الدين مقضي " أخرجه الترمذي (3 / 556 - ط الحلبي) من حديث أبي
أمامة وحسنه
(15/45)
فَقَدْ وَصَفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا،
فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ
يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيًّا، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُول بِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ
فِي تَعَيُّنِ حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَقُّ الْمُشْتَرِي قَدْ
تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ، فَيُسَلِّمُ هُوَ الثَّمَنَ أَوَّلاً،
لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ، كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي
الْمَبِيعِ، إِذْ الثَّمَنُ لاَ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلاَّ
بِالْقَبْضِ.
وَصُورَةُ هَذَا: أَنْ يُقَال لِلْبَائِعِ أَحْضِرِ الْمَبِيعَ لِيُعْلَمَ
أَنَّهُ قَائِمٌ، فَإِذَا حَضَرَ قِيل لِلْمُشْتَرِي: سَلِّمِ الثَّمَنَ
أَوَّلاً.
36 - وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ:
لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ
فَسَدَ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَقَال مُحَمَّدٌ:
لاَ يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الأَْجَل، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي
يُسَلِّمُ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا
فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ
الْبَائِعُ الْمَبِيعَ؛ (1) لأَِنَّ تَقْدِيمَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ
لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا لاَ
تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِالتَّقْدِيمِ، بَل يَتَقَدَّمُ حَقُّ
الْبَائِعِ وَيَتَأَخَّرُ
__________
(1) تبيين الحقائق 4 / 14، والاختيار 1 / 180، وبدائع الصنائع 7 / 3233،
3260، والبحر الرائق 5 / 331، ومغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420
(15/46)
حَقُّ الْمُشْتَرِي، حَيْثُ يَكُونُ
الثَّمَنُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا مُشَارًا إِلَيْهَا وَالْمَبِيعُ لَيْسَ
كَذَلِكَ؛ وَلأَِنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَدْ هَلَكَ
وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَلاَ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ
إِلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ فِي
ذَلِكَ الْمِصْرِ أَمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ تَلْحَقُهُ الْمُؤْنَةُ
بِالإِْحْضَارِ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا لَقِيَ الْبَائِعَ فِي غَيْرِ
مِصْرِهِمَا، وَطَلَبَ مِنْهُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَقْدِرْ
عَلَيْهِ، يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَفِيلاً أَوْ يَبْعَثُ وَكِيلاً
يَنْقُدُ الثَّمَنَ لَهُ ثُمَّ يَتَسَلَّمُ الْمَبِيعَ.
لِذَلِكَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ
مُؤَجَّلاً؛ لأَِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَكَانَ كُل
الْمَبِيعِ مَحْبُوسًا بِكُل جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَنِ.
فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ
الْمَبِيعِ؛ لأَِنَّهُ بِالتَّأْجِيل أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ.
وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً، فَلَهُ حَبْسُ
الْمَبِيعِ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْحَال. (1)
وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ حَقُّ
الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ، لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ
كَالاِسْتِيفَاءِ.
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 3233 - 3234، 3261 - 3262، وفتح القدير 5 / 108،
والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14
(15/46)
وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ
لِلْمَبِيعِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلاً أَوْ رَهَنَ الْمُشْتَرِي
بِهِ رَهْنًا؛ لأَِنَّ هَذَا وَثِيقَةٌ بِالثَّمَنِ فَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ
عَنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. (1)
37 - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسَلُّمُ الْمَبِيعِ
أَوَّلاً.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدُ أَقْوَال
الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ
الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ،
وَهَذَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ.
وَلأَِنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُسْتَقِرٌّ، لأَِمْنِهِ مِنْ
هَلاَكِهِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحَوَالَةِ وَالاِعْتِيَاضِ،
وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَعَلَى الْبَائِعِ
تَسْلِيمُهُ لِيَسْتَقِرَّ. (2)
38 - الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي
مَعًا.
وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
فَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إِذَا تَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ يُجْبَرَانِ؛
لأَِنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا
مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى
__________
(1) فتح القدير 5 / 108 - 109، والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14.
(2) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، والروض وأسنى المطالب
عليه 2 / 89، وبدائع الصنائع 7 / 3260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 13،
113
(15/47)
عَدْلٍ، فَإِنْ فَعَل سَلَّمَ الثَّمَنَ
لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. (1)
39 - الاِتِّجَاهُ الرَّابِعُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي،
وَتَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ، فَلاَ إِجْبَارَ أَوَّلاً، وَعَلَى هَذَا
يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنَ التَّخَاصُمِ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ
صَاحِبُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَلِكَ: لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ إِيفَاءٌ
وَاسْتِيفَاءٌ وَلاَ سَبِيل إِلَى تَكْلِيفِ الإِْيفَاءِ. (2)
وَتَرِدُ هَذِهِ الأَْقْوَال الأَْرْبَعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا
إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ.
40 - وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَبْسَ بِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَقَالُوا:
لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَال كُلَّهُ
إِنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ
الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إِنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلاَ خِلاَفٍ، لِمَا
فِي التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ مِنَ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ.
وَإِنَّمَا الأَْقْوَال السَّابِقَةُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْبَائِعُ
فَوْتَ الثَّمَنِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ
الْمَبِيعِ، وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الاِبْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ؛
لأَِنَّ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، وبدائع الصنائع 7 / 2260،
والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 113.
(2) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420
(15/47)
الإِْجْبَارَ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ
بِالْهَرَبِ، أَوْ تَمْلِيكِ الْمَال لِغَيْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ
ضَرَرٌ ظَاهِرٌ.
أَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّل فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ
بِهِ، لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا مَا إِذَا كَانَ الْبَائِعُ
وَكِيلاً، أَوْ وَلِيًّا، أَوْ نَاظِرَ وَقْفٍ، أَوْ الْحَاكِمَ فِي بَيْعِ
مَال الْمُفْلِسِ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَل لاَ
يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. فَلاَ يَأْتِي إِلاَّ
إِجْبَارُهُمَا أَوْ إِجْبَارُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ تَبَايَعَ وَلِيَّانِ
أَوْ وَكِيلاَنِ لَمْ يَأْتِ سِوَى إِجْبَارِهِمَا.
الْحَوَالَةُ بِالثَّمَنِ هَل تُبْطِل حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ:
41 - قَال أَبُو يُوسُفَ: تُبْطِلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ
الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَحَال الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى
إِنْسَانٍ وَقَبِل الْمُحَال عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ، أَمْ كَانَتْ مِنَ
الْبَائِعِ، بِأَنْ أَحَال الْبَائِعُ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَقَال مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ الْمُشْتَرِي لاَ
تُبْطِل حَقَّ الْحَبْسِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى
يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْبَائِعِ: فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لاَ تُبْطِلُهُ
أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَيْهِ تُبْطِلُهُ.
فَأَبُو يُوسُفَ أَرَادَ بَقَاءَ الْحَبْسِ عَلَى بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي
ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَذِمَّتُهُ بَرِئَتْ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيل
بِالْحَوَالَةِ، فَيَبْطُل حَقُّ الْحَبْسِ.
(15/48)
وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ بَقَاءَ حَقِّ
الْمُطَالَبَةِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ لَمْ
يَبْطُل بِحَوَالَةِ الْمُشْتَرِي، أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ
الْمُحَال عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُل حَقُّ الْحَبْسِ، وَبَطَلَتْ حَوَالَةُ
الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ
فَبَطَل حَقُّ الْحَبْسِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَالصَّحِيحُ قَوْل مُحَمَّدٍ، لأَِنَّ حَقَّ
الْحَبْسِ فِي الشَّرْعِ يَدُورُ مَعَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ،
لاَ مَعَ قِيَامِ الثَّمَنِ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيل: أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا
كَانَ مُؤَجَّلاً لاَ يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ
الْمُشْتَرِي قَائِمٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ، فَدَل ذَلِكَ
عَلَى أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ يَتْبَعُ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ
لاَ قِيَامَ الثَّمَنِ فِي ذَاتِهِ، وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي حَوَالَةِ
الْمُشْتَرِي، وَحَوَالَةُ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَكَانَ
حَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتًا، وَفِي حَوَالَةِ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ
مُقَيَّدَةً يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْحَبْسِ. (1)
مَصْرُوفَاتُ التَّسْلِيمِ:
42 - أُجْرَةُ كَيَّال الْمَبِيعِ وَوَزَّانِهِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ.
إِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَيْل أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ
أَوْ الْعَدِّ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ. قَال الدَّرْدِيرُ: مَا لَمْ
يَكُنْ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ بِخِلاَفِهِ. لأَِنَّ عَلَيْهِ إِيفَاءَ
الْمَبِيعِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ
وَعَدِّهِ وَلأَِنَّهُ بِكُلٍّ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 3264، وفتح القدير 5 / 109، ورد المحتار 4 / 561
(15/48)
مِنْ ذَلِكَ يُمَيِّزُ مِلْكَهُ عَنْ
مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلأَِنَّهُ كَبَائِعِ الثَّمَرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ
سَقْيُهَا.
وَأُجْرَةُ كَيَّال الثَّمَنِ وَوَزَّانِهِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ
تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (1) ؛
لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَتَمْيِيزِ
صِفَتِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ
قَال الصَّاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ:
لَوْ تَوَلَّى الْمُشْتَرِي الْكَيْل أَوِ الْوَزْنَ أَوِ الْعَدَّ
بِنَفْسِهِ، هَل لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ أُجْرَةَ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ لَهُ الأُْجْرَةَ إِذَا
كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَهُ الآْخَرُ.
وَأُجْرَةُ إِحْضَارِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ إِلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ
عَلَى الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ إِحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ عَلَى
الْمُشْتَرِي، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ (2) .
43 - أَمَّا أُجْرَةُ النَّقْل الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ فِي تَسْلِيمِ
الْمَبِيعِ الْمَنْقُول فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 75، وتحفة المحتاج 4 / 423، والجمل 3 / 177.
(2) فتح القدير 5 / 108، وهو مفاد المادة 288 و 289 من مجلة الأحكام
العدلية، وشرح المجلة لمنير القاضي 1 / 253، ومغني المحتاج 2 / 73، والمغني
لابن قدامة 4 / 220، والشرح الصغير للدردير والصاوي عليه 3 / 197، والشرح
الكبير بحاشية الدسوقي 3 / 130 ط التجارية.
(15/49)
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ
عَلَيْهِ الإِْمَامُ أَحْمَدُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ
تَوْفِيَةٍ.
قَالُوا: وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ.
الثَّانِي: عَلَى حَسَبِ عُرْفِ الْبَلْدَةِ وَعَادَتِهَا.
وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ 291
مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ.
أَمَّا الأَْشْيَاءُ الْمَبِيعَةُ جُزَافًا فَمُؤَنُهَا وَمَصَارِيفُهَا
عَلَى الْمُشْتَرِي. . مَثَلاً: لَوْ بِيعَتْ ثَمَرَةُ كَرْمٍ جُزَافًا
كَانَتْ أُجْرَةُ قَطْعِ تِلْكَ الثَّمَرَةِ وَجَزِّهَا عَلَى
الْمُشْتَرِي.
وَكَذَا لَوْ بِيعَ أَنْبَارُ حِنْطَةٍ مُجَازَفَةً فَأُجْرَةُ إِخْرَاجِ
الْحِنْطَةِ مِنَ الأَْنْبَارِ وَنَقْلِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَهُوَ مُفَادُ الْمَادَّةِ 290 مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ
الْعَدْلِيَّةِ (1) .
وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ مُؤَنُ الثَّمَنِ وَمَصَارِيفُهُ إِنْ كَانَ
جُزَافًا عَلَى الْبَائِعِ.
44 - وَاخْتَلَفُوا فِي أُجْرَةِ نَاقِدِ الثَّمَنِ (2) عَلَى الأَْقْوَال
الآْتِيَةِ:
1 - أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الَّذِي
__________
(1) فتح القدير 5 / 108، والصاوي على الشرح الصغير للدردير 3 / 197، ومغني
المحتاج 2 / 73.
(2) مغني المحتاج 2 / 73، والمغني لابن قدامة 4 / 220، وشرح المجلة لمنير
القاضي 1 / 254، وأنبار الطعام واحدها (نبر) ومعنى الأنبار: جماعة الطعام
من البر والتمر والشعير. انظر: " مختار الصحاح مادة: (نبر) .
(15/49)
رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَوَجْهُهُ:
أَنَّ النَّقْدَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَحِينَئِذٍ
يَكُونُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ لاِحْتِيَاجِهِ
إِلَى تَمَيُّزِ حَقِّهِ وَهُوَ الْجِيَادُ عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ، أَوْ
لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ.
2 - أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ سَمَاعَةَ
عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لأَِنَّهُ
يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ، وَالْجَوْدَةُ تُعْرَفُ
بِالنَّقْدِ، كَمَا يُعْرَفُ الْمِقْدَارُ بِالْوَزْنِ فَكَانَ هُوَ
الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
3 - أَنَّ أُجْرَةَ النَّقْدِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ
وَقَبْلَهُ عَلَى الْمَدِينِ لأَِنَّ عَلَى الْمَدِينِ إِيفَاءَ حَقِّهِ،
فَتَكُونُ أُجْرَةُ التَّمْيِيزِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ دَخَل فِي
ضَمَانِ رَبِّ الدَّيْنِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ خِلاَفُ حَقِّهِ، فَيَكُونُ
تَمْيِيزُ حَقِّهِ عَلَيْهِ (1) .
هَذَا وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ تُنْظَرُ فِي
مَوَاضِعِهَا مِنْهَا مَا يَلِي:
اخْتِلاَفُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ (ر: دَعْوَى) .
__________
(1) وأجرة نقد الثمن: هي التي تعطى للناقد (الصيرفي أو نحوه) ليميز النقود
الزيوف من غيرها. والنقد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، وكذا تمييز
غيرها / تاج العروس مادة: (نقد) وانظر: عبارات البحر الرائق 5 / 331.
(15/50)
وَبَيْعُ جِنْسِ الأَْثْمَانِ بَعْضِهِ
بِبَعْضٍ (ر: صَرْفٌ) .
وَكُل مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ
عَيْبٌ: (ر: خِيَارُ الْعَيْبِ) .
وَالْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل (ر: تَوْلِيَةٌ) .
وَالْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل مَعَ زِيَادَةٍ (ر: مُرَابَحَةٌ)
.
وَالْبَيْعُ بِأَنْقَصَ مِنَ الثَّمَنِ: (ر: وَضِيعَةٌ) .
وَإِشْرَاكُ الْغَيْرِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَهُ
مَثَلاً (ر: شَرِكَةٌ (1)) .
الثَّمَنِيَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا (ر: رِبًا) .
__________
(1) الهداية مع فتح القدير 5 / 108، ومغني المحتاج 2 / 73، وتبيين الحقائق
4 / 14، والبحر الرائق 5 / 330، والدر المختار وعليه رد المحتار 4 / 560،
وبدائع الصنائع 7 / 3247 - 3248.
(15/50)
ثُنْيَا
انْظُرْ: اسْتِثْنَاءٌ، بَيْعُ الْوَفَاءِ.
ثَنِيٌّ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثَّنِيُّ فِي اللُّغَةِ: الَّذِي يُلْقِي ثَنِيَّتَهُ وَالْجَمْعُ
ثُنْيَانٌ وَثُنَاءٌ، وَالأُْنْثَى ثَنِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ثَنِيَّاتٌ،
وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الظِّلْفِ وَالْخُفِّ وَالْحَافِرِ.
وَالثَّنِيَّةُ: وَاحِدَةُ الثَّنَايَا وَهِيَ مِنَ الأَْسْنَانِ
الأَْرْبَعِ الَّتِي فِي مُقَدِّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ مِنْ فَوْقُ
وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَل. وَالثَّنِيَّةُ أَيْضًا طَرِيقُ الْعَقَبَةِ
بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (1) .
2 - وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي الْمُرَادِ بِالثَّنِيَّةِ
عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الثَّنِيُّ مِنَ الإِْبِل:
الثَّنِيُّ مِنَ الإِْبِل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
__________
(1) مختار الصحاح مادة: (ثني) .
(15/51)
وَالْحَنَابِلَةِ مَا كَانَ لَهُ خَمْسُ
سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ سِتِّ
سِنِينَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ حَرْمَلَةُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
ب - مِنَ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ:
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ الثَّنِيَّ مِنَ الْبَقَرِ
وَالْجَامُوسِ مَا اسْتَكْمَل سَنَتَيْنِ وَدَخَل فِي الثَّالِثَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ حَرْمَلَةُ عَنِ
الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَل ثَلاَثَ سِنِينَ، وَدَخَل فِي
الرَّابِعَةِ (1) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الثَّنِيَّ مِنَ
الْبَقَرِ مَا اسْتَكْمَل سَنَةً (2) .
ج - مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ،
وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَل سَنَةً
وَدَخَل فِي الثَّانِيَةِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَل سَنَتَيْنِ وَدَخَل فِي
الثَّالِثَةِ (3) .
__________
(1) ابن عابدين 2 / 19، و 5 / 204، والاختيار لتعليل المختار 1 / 108،
والقوانين / 93، وروضة الطالبين 3 / 193 ط المكتب الإسلامي، والمغني 8 /
623 ط مكتبة الرياض، وكشاف القناع 2 / 185.
(2) روضة الطالبين 2 / 152.
(3) ابن عابدين 2 / 19 و 5 / 204 ط دار إحياء التراث العربي، وروضة
الطالبين 3 / 193، والمغني 8 / 623.
(15/51)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجَذَعُ:
3 - الْجَذَعُ بِفَتْحَتَيْنِ قَبْل الثَّنِيِّ، وَلَيْسَ تَسْمِيَتُهُ
بِسِنٍّ تَسْقُطُ أَوْ تَنْبُتُ، وَالْجَمْعُ جِذْعَانٌ وَجِذَاعٌ،
وَالأُْنْثَى جَذَعَةٌ، وَالْجَمْعُ جَذَعَاتٌ، وَجِذَاعٌ، وَهِيَ فِي
اللُّغَةِ لِوَلَدِ الشَّاةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلِوَلَدِ
الْبَقَرَةِ وَوَلَدِ ذَاتِ الْحَافِرِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ،
وَلِلإِْبِل فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ (1) .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى
أَقْوَالٍ (2) يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (جَذَعٌ) .
ب - الْحِقُّ:
4 - الْحِقُّ بِالْكَسْرِ مَا كَانَ مِنَ الإِْبِل ابْنَ ثَلاَثِ سِنِينَ
وَقَدْ دَخَل فِي الرَّابِعَةِ، وَالأُْنْثَى حِقَّةٌ وَحِقٌّ أَيْضًا
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ
وَيُحْمَل عَلَيْهَا، وَيَطْرُقَهَا الْفَحْل (3) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
5 - تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لِلثَّنِيِّ فِي أَبْوَابِ الزَّكَاةِ،
وَالأُْضْحِيَّةِ، وَالْهَدْيِ، وَذَهَبُوا إِلَى جَوَازِ دَفْعِ
__________
(1) مختار الصحاح مادة: (جذع) .
(2) ابن عابدين 5 / 204، والقوانين الفقهية / 193، وروضة الطالبين 2 / 153،
154، 3 / 193، وكشاف القناع 2 / 185.
(3) مختار الصحاح مادة: (حقق) ، وابن عابدين 2 / 17، وكشاف القناع 2 / 185،
186
(15/52)
الثَّنِيِّ مِنَ الإِْبِل، وَالْبَقَرِ،
وَالضَّأْنِ، وَالْمَعْزِ فِي الزَّكَاةِ، وَإِجْزَائِهِ فِي
الأُْضْحِيَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ (ف 2
(1)) .
__________
(1) ابن عابدين 2 / 19، و 5 / 204، 205، والقوانين الفقهية 113، 193، وروضة
الطالبين 3 / 193، و 2 / 153، 154، وكشاف القناع 2 / 186، 191، 194،
والمغني 8 / 622.
(15/52)
ثَوَابٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثَّوَابُ: الْعِوَضُ: وَاللَّهُ يَأْجُرُ عَبْدَهُ، أَيْ يُثِيبُهُ،
وَأَصْلُهُ مِنْ ثَابَ أَيْ رَجَعَ، كَأَنَّ الْمُثِيبَ يُعَوِّضُ
الْمُثَابَ مِثْل مَا أَسْدَى إِلَيْهِ
وَالثَّوَابُ: الْجَزَاءُ؛ لأَِنَّهُ نَفْعٌ يَعُودُ إِلَى الْمَجْزِيِّ،
وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الإِْثَابَةِ أَوِ التَّثْوِيبِ، مِنْهُ قَوْلُهُ فِي
الْهِبَةِ: مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا، أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ (1) .
وَالثَّوَابُ: جَزَاءُ الطَّاعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَثُوبَةُ، قَال
تَعَالَى: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ (2) } وَأَعْطَاهُ
ثَوَابَهُ وَمَثُوبَتَهُ، أَيْ جَزَاءَ مَا عَمِلَهُ.
وَفِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ: الثَّوَابُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ
الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالشَّفَاعَةَ مِنَ
الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيل: الثَّوَابُ هُوَ إِعْطَاءُ مَا يُلاَئِمُ الطَّبْعَ (3) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير والمغرب والزاهر والمعجم الوسيط، وأنيس
الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء مادة: " ثوب ".
(2) سورة البقرة / 103.
(3) التعريفات للجرجاجي وكشاف اصطلاحات الفنون.
(15/53)
وَفِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي:
الثَّوَابُ مِقْدَارٌ مِنَ الْجَزَاءِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى
يُعْطِيهِ لِعِبَادِهِ فِي نَظِيرِ أَعْمَالِهِمْ الْحَسَنَةِ
الْمَقْبُولَةِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحَسَنَةُ:
2 - الْحَسَنَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَدْحُ فِي الْعَاجِل
وَالثَّوَابُ فِي الآْجِل (2) . وَهِيَ بِذَلِكَ تَكُونُ سَبَبًا
لِلثَّوَابِ.
ب - الطَّاعَةُ:
3 - الطَّاعَةُ: الاِنْقِيَادُ (3) فَإِذَا كَانَتْ فِي الْخَيْرِ كَانَتْ
سَبَبًا لِلثَّوَابِ، وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ كَانَتْ سَبَبًا
فِي الْعِقَابِ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّوَابِ مِنْ أَحْكَامٍ.
لِلثَّوَابِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِطْلاَقَانِ:
أ - الثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ جَزَاءَ طَاعَتِهِ.
ب - الثَّوَابُ فِي الْهِبَةِ (أَيْ الْعِوَضِ الْمَالِيِّ) .
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً:
الثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى:
4 - الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ، بَل الثَّوَابُ
فَضْلُهُ وَالْعِقَابُ عَدْلُهُ {لاَ يُسْأَل عَمَّا
__________
(1) الفواكه الدواني 1 / 32.
(2) التعريفات للجرجاني.
(3) لسان العرب والمصباح المنير.
(15/53)
يَفْعَل (1) } وَالتَّكَالِيفُ كُلُّهَا
رَاجِعَةٌ إِلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ
وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَةِ الْكُل، لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ
الطَّائِعِينَ، وَلاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ (2) .، وَقَدْ
أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَامَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى
أَسْبَابٍ رَبَطَهَا بِهَا، لِيَعْرِفَ الْعِبَادُ بِالأَْسْبَابِ
أَحْكَامَهَا، فَيُسَارِعُوا بِذَلِكَ إِلَى طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ
مَعْصِيَتِهِ، إِذَا وَقَفُوا عَلَى الأَْسْبَابِ، فَأَمَرَ
الْمُكَلَّفِينَ كُلَّهُمْ وَنَهَاهُمْ، وَقَدْ وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ
بِالثَّوَابِ، وَتَوَعَّدَ مَنْ عَصَاهُ بِالْعِقَابِ (3) .
مَنْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ:
5 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُثَابُ عَلَى
الطَّاعَاتِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى الْمَعَاصِي إِلاَّ أَنْ يَشْمَلَهُ
اللَّهُ بِعَفْوِهِ؛ لأَِنَّ الْمُكَلَّفَ هُوَ الْمُخَاطَبُ
بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَوَامِرَ وَنَوَاهٍ وَهِيَ الَّتِي
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ (4) .
6 - أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ
فَالأَْصْل أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ،
__________
(1) سورة الأنبياء / 23.
(2) فتح الباري 3 / 229، وصحيح مسلم بشرح النووي 17 / 160.
(3) قواعد الأحكام 1 / 14، 2 / 63، والفروق للقرافي 2 / 3، 3 / 193.
(4) التلويح 2 / 122، والأحكام للآمدي 1 / 147 - 148، والمستصفى 1 / 90،
وقواعد الأحكام 1 / 114، والفروق 3 / 193.
(15/54)
غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ
أَهْلٌ لِلثَّوَابِ لِمَا لَهُ مِنْ قُدْرَةٍ قَاصِرَةٍ، وَتَصِحُّ
عِبَادَتُهُ مِنْ صَلاَةٍ، وَصَوْمٍ، وَاعْتِكَافٍ، وَحَجٍّ، وَغَيْرِ
ذَلِكَ وَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا يَعْمَلُهُ، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّةِ
عِبَادَتِهِ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا
أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ
وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ (1) وَحَدِيثُ
صَلاَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَال: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَصَلَّى رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ
يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ (2) وَحَدِيثُ تَصْوِيمِ
الصَّحَابَةِ الصِّبْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ
مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَْنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا
فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ.
قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَل
لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ. فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى
الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِْفْطَارِ (3) ،
وَقَدْ رَجَّحَ الْمَالِكِيَّةُ تَعَلُّقَ النَّدْبِ
__________
(1) حديث: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم
أبناء عشر سنين ". أخرجه أبو داود (1 / 334 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسنه
النووي في رياض الصالحين (ص 171 ط الرسالة) .
(2) حديث صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري (الفتح
2 / 190 - ط السلفية) .
(3) حديث تصويم الصحابة الصبيان يوم عاشوراء. أخرجه البخاري (الفتح 4 / 200
ط السلفية) .
(15/54)
وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ دُونَ
الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْبُلُوغُ، وَذَلِكَ
لأَِمْرِهِ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ مِنَ الشَّارِعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الأَْمْرَ بِالأَْمْرِ أَمْرٌ بِالشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَذَلِكَ
الْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِلثَّوَابِ؛ لأَِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ
الْجُنُونِ وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ: (صَبِيٌّ،
جُنُونٌ، أَهْلِيَّةٌ) .
7 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْكَافِرُ مِنْ أَعْمَال
الْبِرِّ ثُمَّ يُسْلِمُ، هَل يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ السَّابِقُ أَوْ لاَ
يَنْفَعُهُ؟ وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ
أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ
أَوْ عَتَاقَةٍ وَمِنْ صِلَةِ رَحِمٍ فَهَل فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَال
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا
أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ (2) .
قَال الْحَرْبِيُّ: مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي
عَمِلْتَهُ هُوَ لَكَ. وَقَال الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ
الْخَيْرَ الَّذِي أَسْلَفَهُ، كُتِبَ لَهُ، لَكِنَّ ابْنَ حَجَرٍ نَقَل
عَنِ الْمَازِرِيِّ رِوَايَةً أُخْرَى فِي مَكَانٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ
الْكَافِرَ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ التَّقَرُّبُ، فَلاَ
__________
(1) التلويح 2 / 164 - 167، وجمع الجوامع 1 / 52 - 53، والمجموع 7 / 34
تحقيق نجيب المطيعي، وابن عابدين 1 / 587، وشرح منتهى الإرادات 1 / 119،
وتهذيب الفروق بهامش الفروق 1 / 177، والدسوقي 1 / 186.
(2) حديث: " أسلمت على ما أسلفت من خير ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 301 -
ط السلفية) .
(15/55)
يُثَابُ عَلَى الْعَمَل الصَّالِحِ
الصَّادِرِ مِنْهُ فِي شِرْكِهِ. . . وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى
ذَلِكَ.
وَاسْتَضْعَفَ النَّوَوِيُّ رَأْيَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الثَّوَابِ
وَقَال: الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ بَل نَقَل بَعْضُهُمْ
فِيهِ الإِْجْمَاعَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا فَعَل أَفْعَالاً جَمِيلَةً
كَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ عَلَى
الإِْسْلاَمِ أَنَّ ثَوَابَ ذَلِكَ يُكْتَبُ لَهُ، وَقَدْ جَزَمَ بِمَا
جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَابْنُ بَطَّالٍ
وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْقُدَمَاءِ، وَالْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْمُنِيرِ
مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ (1) .
أَمَّا مَا فَعَلَهُ الْكَافِرُ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ ثُمَّ مَاتَ عَلَى
كُفْرِهِ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا قَال النَّوَوِيُّ عَلَى
أَنَّهُ لاَ ثَوَابَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ، وَإِنَّمَا يُطْعَمُ فِي
الدُّنْيَا بِمَا عَمِلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ (2) ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا
حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآْخِرَةِ،
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِل بِهَا لِلَّهِ فِي
الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآْخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ
حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا (3) .
مَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَشُرُوطُهُ:
8 - مِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الإِْنْسَانَ يُثَابُ - بِفَضْل
__________
(1) فتح الباري 1 / 99 - 100، 3 / 301 - 302.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 17 / 150 وهامش الفروق 3 / 222، والقرطبي 20 /
150 - 151.
(3) حديث: " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة ". أخرجه مسلم (4 / 2162 - ط
الحلبي) .
(15/55)
اللَّهِ - عَلَى مَا يُؤَدِّي مِنْ
طَاعَاتٍ، وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ مَنْدُوبَةً، وَعَلَى مَا يَتْرُكُ مِنْ
مُحَرَّمَاتٍ وَمَكْرُوهَاتٍ. يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَل
مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ (1) } ، وَيَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي
الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآْخِرَةِ لَكِنَّ فِعْل الْوَاجِبَاتِ
وَالْمَنْدُوبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ لَيْسَ
سَبَبًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ - لِلثَّوَابِ - مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ
الْفِعْل مُجْزِئًا وَمُبْرِئًا لِلذِّمَّةِ وَالتَّرْكُ كَافِيًا
لِلْخُرُوجِ مِنَ الْعُهْدَةِ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحُصُول الثَّوَابِ
فِي الْفِعْل وَالتَّرْكِ نِيَّةُ امْتِثَال أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. بَل
إِنَّ الْمُبَاحَاتِ رَغْمَ أَنَّهَا لاَ تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، لَكِنْ
إِنْ أُرِيدَ بِهَا الثَّوَابُ بِجَعْلِهَا وَسِيلَةً لِلْعِبَادَةِ
الْمَشْرُوعَةِ افْتَقَرَتْ إِلَى نِيَّةٍ (2) .
قَال الشَّاطِبِيُّ: الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَالْمَقَاصِدُ
مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ،
وَالأَْدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لاَ تَنْحَصِرُ، مِنْهَا قَوْله
تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ (3) } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا
الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ،
__________
(1) سورة الزلزلة / 7، 8.
(2) الذخيرة / 62، 240، والموافقات للشاطبي وما بعدها 1 / 149 - 151، إلى 2
/ 323 - 329، والفروق للقرافي 1 / 130، 2 / 50 - 51، والمنثور في القواعد 3
/ 287 - 288.
(3) سورة البينة / 5.
(15/56)
وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى (1) .
وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لاَ ثَوَابَ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ،
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: قَرَّرَ الْمَشَايِخُ فِي حَدِيثِ. إِنَّمَا
الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى، إِذْ لاَ
يَصِحُّ بِدُونِ تَقْدِيرٍ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الأَْعْمَال بِدُونِهَا
فَقَدَّرُوا مُضَافًا أَيْ حُكْمَ الأَْعْمَال، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَدُنْيَوِيٌّ
وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ، وَقَدْ أُرِيدَ الأُْخْرَوِيُّ
بِالإِْجْمَاعِ لِلإِْجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لاَ ثَوَابَ وَلاَ عِقَابَ
إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، وَسَاقَ ابْنُ نُجَيْمٍ الأَْمْثِلَةَ عَلَى ذَلِكَ
فِي الأَْفْعَال وَالتُّرُوكِ، ثُمَّ قَال: وَلاَ تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ
صِحَّةُ الْعِبَادَةِ، بَل يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ
فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ
طَهَارَتِهِ (2) .
9 - بَل إِنَّ الإِْنْسَانَ قَدْ يُثَابُ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَل،
وَيَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى النِّيَّةِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ
لَهُ حَسَنَةً (3) وَقَوْلِهِ: مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ
يَقُومَ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْل فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ
كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى
__________
(1) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط
السلفية) ، ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب، واللفظ
للبخاري.
(2) الأشباه لابن نجيم / 19 - 26.
(3) حديث: " من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ". أخرجه البخاري (الفتح
11 / 323 - ط السلفية) ومسلم (1 / 118 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن
عباس واللفظ لمسلم.
(15/56)
وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ
رَبِّهِ عَزَّ وَجَل (1)
وَيُثَابُ كَذَلِكَ عَلَى الْعَمَل وَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ
الْمُنَاسِبَ، فَفِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثُ الْمُتَصَدِّقِ الَّذِي
وَقَعَتْ صَدَقَتُهُ فِي يَدِ زَانِيَةٍ وَغَنِيٍّ وَسَارِقٍ (2) .
وَحَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَْخْنَسِ الَّذِي أَخَذَ صَدَقَةَ
أَبِيهِ مِنَ الرَّجُل الَّذِي وُضِعَتْ عِنْدَهُ وَقَال لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ وَلَكَ
مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ (3) قَال ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ
نِيَّةَ الْمُتَصَدِّقِ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً قُبِلَتْ صَدَقَتُهُ
وَإِنْ لَمْ تَقَعِ الْمَوْقِعَ (4) . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ
قِيل: إِنَّ الْقُرُبَاتِ الَّتِي لاَ لُبْسَ فِيهَا لاَ تَحْتَاجُ إِلَى
نِيَّةٍ كَالإِْيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى (5) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (نِيَّةٌ) .
مَا يُثَابُ عَلَيْهِ الإِْنْسَانُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ:
لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الثَّوَابَ يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ مِنْ كَسْبِ
__________
(1) الموافقات للشاطبي 2 / 235. وحديث: " من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم
يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه
من ربه عز وجل ". أخرجه النسائي (3 / 258، - ط المكتبة التجارية) ، والحاكم
(1 / 311 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي الدرداء وصححه الحاكم
ووافقه الذهبي.
(2) حديث " المتصدق الذي وقعت صدقته في يد زانية ". أخرجه البخاري (الفتح 3
/ 290 - ط السلفية) .
(3) حديث: " لك ما نويت يا يزيد " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 291 - ط
السلفية) .
(4) فتح الباري 3 / 290 - 291.
(5) قواعد الأحكام 1 / 149، والذخيرة 1 / 237.
(15/57)
الإِْنْسَانِ وَاكْتِسَابِهِ، أَمَّا
ثَوَابُ مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ. وَيَأْتِي
ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ:
أَوَّلاً - فِيمَا يَهَبُهُ الإِْنْسَانُ لِغَيْرِهِ مِنَ الثَّوَابِ:
10 - يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنْ يَجْعَل
الإِْنْسَانُ ثَوَابَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ
أَكَانَتِ الْعِبَادَةُ صَلاَةً، أَمْ صَوْمًا، أَمْ حَجًّا، أَمْ
صَدَقَةً، أَمْ قِرَاءَةً وَذِكْرًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ لِظَاهِرِ
الأَْدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلإِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِْيمَانِ (1) } وقَوْله
تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
(2) } وَقَدْ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْهُ وَالآْخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ
(3) ، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِعَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ أَبِيهِ: لَوْ كَانَ مُسْلِمًا
فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ
بَلَغَهُ ذَلِكَ (4) .
__________
(1) سورة الحشر / 10.
(2) سورة محمد / 19.
(3) حديث: " ضحى بكبشين أملحين أحدهما عنه والآخر عن أمته " أخرجه أبو يعلى
عن جابر بن عبد الله كما في مجمع الزوائد (4 / 22 - ط القدسي) وقال
الهيثمي: " إسناده حسن ".
(4) حديث: " لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه ". أخرجه أبو داود (3
/ 302 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده حسن.
(15/57)
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْدِلَّةِ،
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى
(1) } فَمَعْنَاهُ لاَ يَجِبُ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ،
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا عَدَا الصَّلاَةَ، وَفِي الصِّيَامِ
وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خِلاَفٌ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِالإِْجْمَاعِ
وَلأَِنَّ الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال
الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
11 - وَاخْتُلِفَ فِي إِهْدَاءِ الثَّوَابِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ الآْخَرُونَ.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ: لاَ يَجُوزُ أَنْ
يُجْعَل ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي
الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الشَّارِعِ، لَكِنَّ الْحَطَّابَ قَال:
التَّصَرُّفُ الْمَمْنُوعُ مَا يَكُونُ بِصِيغَةِ جَعَلْتُهُ لَهُ، أَوْ
أَهْدَيْتُهُ لَهُ، أَمَّا الدُّعَاءُ بِجَعْل ثَوَابِهِ لَهُ فَلَيْسَ
تَصَرُّفًا بَل سُؤَالٌ لِنَقْل الثَّوَابِ إِلَيْهِ وَلاَ مَانِعَ مِنْهُ
(2) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ أَدَاءٌ (ف 14) .
(الْمَوْسُوعَةُ 2 334) .
ثَانِيًا - ثَوَابُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ:
12 - مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ
__________
(1) سورة النجم / 39.
(2) ابن عابدين 2 / 236 - 237، ومنح الجليل 1 / 306 - 442، والحطاب 2 / 543
إلى 546، ومغني المحتاج 3 / 67 - 69 - 70، وقليوبي 3 / 73، والمغني 2 / 567
- 568، وقواعد الأحكام 1 / 114 - 115.
(15/58)
الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، لَكِنْ
هَل يَحْصُل ثَوَابُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَفْعَل؟
قَال الْفُقَهَاءُ: الثَّوَابُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ يَحْصُل
لِفَاعِلِهِ فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ ثَوَابُ الْفِعْل نَفْسِهِ، وَهُوَ
لِفَاعِلِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْفَاعِل فَيَسْتَوِي مَعَ الْفَاعِل فِي
سُقُوطِ التَّكْلِيفِ، لاَ فِي الثَّوَابِ وَعَدَمِهِ، نَعَمْ إِنْ كَانَ
نَوَى الْفِعْل فَلَهُ الثَّوَابُ عَلَى نِيَّتِهِ، قَال بَعْضُ شُرَّاحِ
الرِّسَالَةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يَحْصُل الثَّوَابُ بِغَيْرِ مَنْ
رَدَّ السَّلاَمَ - أَيْ بَعْدَ رَدِّ غَيْرِهِ - إِذَا نَوَى الرَّدَّ
وَتَرَكَهُ لأَِجْل رَدِّ الْغَيْرِ، وَإِلاَّ فَلاَ. وَنُقِل عَنِ
الأَْبِيِّ أَنَّ الثَّوَابَ يَحْصُل مُطْلَقًا قَال الزُّرْقَانِيُّ:
وَفِيهِ تَعَسُّفٌ (1) .
ثَالِثًا - الْمَصَائِبُ الَّتِي تَنْزِل بِالإِْنْسَانِ هَل يُثَابُ
عَلَيْهَا أَمْ لاَ
13 - الأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ
بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا (2) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:
مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ،
__________
(1) الفروق 1 / 117، ومنح الجليل 1 / 711، والزرقاني 3 / 109، وقواعد
الأحكام 1 / 44، ومغني المحتاج 4 / 213.
(2) حديث: " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله ". أخرجه البخاري (الفتح
10 / 103 ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1992 - ط الحلبي) من حديث عائشة، واللفظ
للبخاري.
(15/58)
وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ،
حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
خَطَايَاهُ (1) .
قَال الشَّاطِبِيُّ: إِنْ كَانَتِ الْمَصَائِبُ مِنْ فِعْل الْغَيْرِ،
كَفَّرَ بِهَا مِنْ سَيِّئَاتِهِ، وَأَخَذَ بِهَا مِنْ أَجْرِ غَيْرِهِ،
وَحَمَل غَيْرُهُ وِزْرَهُ (2) كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُفْلِسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ
كَانَتِ الْمَصَائِبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: فَهِيَ كَفَّارَاتٌ فَقَطْ،
أَوْ كَفَّارَاتٌ وَأُجُورٌ (3) .
وَقَال الْقَرَافِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الْمَصَائِبُ
كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ قَطْعًا، سَوَاءٌ أَسَخِطَ، أَمْ رَضِيَ، غَيْرَ
أَنَّهُ إِنْ صَبَرَ وَرَضِيَ اجْتَمَعَ مَعَ التَّكْفِيرِ الثَّوَابُ،
فَالْمَصَائِبُ لاَ ثَوَابَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُصِيبَةٌ؛
لأَِنَّهَا غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ، وَالتَّكْفِيرُ بِالْمُصِيبَةِ يَقَعُ
بِالْمُكْتَسَبِ وَغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ (4) .
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ
يُوَازِيهَا، وَبِالرِّضَا يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لِلْمُصَابِ ذَنْبٌ عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ بِمَا يُوَازِيهِ
(5) .
__________
(1) حديث: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ". أخرجه البخاري (الفتح 3 /
103 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1992 - 1993 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد
وأبي هريرة معا واللفظ للبخاري.
(2) الموافقات 2 / 234 - 235.
(3) حديث المفلس. أخرجه مسلم (4 / 1997 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(4) الفروق 4 / 234، وقواعد الأحكام 1 / 115.
(5) فتح الباري 10 / 105.
(15/59)
وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: مَا وَرَدَ بِهِ
السَّمْعُ مِنْ وَعْدِ الرِّزْقِ، وَوَعْدِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ،
وَعَلَى أَلَمِ الْمُؤْمِنِ، وَأَلَمِ طِفْلِهِ، حَتَّى الشَّوْكَةِ
يُشَاكُهَا مَحْضُ فَضْلٍ وَتَطَوُّلٍ مِنْهُ تَعَالَى لاَ بُدَّ مِنْ
وُجُودِهِ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ (1) .
تَفَاوُتُ الثَّوَابِ:
يَتَفَاوَتُ الثَّوَابُ قِلَّةً وَكَثْرَةً بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ،
وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَلِي:
أ - مِنْ حَيْثُ الْمَشَقَّةُ:
14 - الأَْصْل أَنَّ الْمَشَقَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ
لِلشَّارِعِ، فَإِنَّ الْحَرَجَ مَرْفُوعٌ عَنِ الْمُكَلَّفِ، وَلَكِنَّ
الْمَشَقَّةَ فِي الْجُمْلَةِ مُثَابٌ عَلَيْهَا إِذَا لَحِقَتْ فِي
أَثْنَاءِ التَّكْلِيفِ، وَيَخْتَلِفُ أَجْرُ تَحَمُّل الْمَشَاقِّ
بِشِدَّةِ الْمَشَاقِّ وَخِفَّتِهَا، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ
الْفِعْلَيْنِ إِذَا اتَّحَدَا فِي الشَّرَفِ، وَالشَّرَائِطِ،
وَالسُّنَنِ، وَالأَْرْكَانِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا شَاقًّا فَقَدِ
اسْتَوَيَا فِي أَجْرِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْوَظَائِفِ،
وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِتَحَمُّل الْمَشَقَّةِ لأَِجْل اللَّهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَأُثِيبَ عَلَى تَحَمُّل الْمَشَقَّةِ لاَ عَلَى
عَيْنِ الْمَشَاقِّ، وَذَلِكَ كَالاِغْتِسَال فِي الصَّيْفِ وَالرَّبِيعِ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الاِغْتِسَال فِي شِدَّةِ بَرْدِ الشِّتَاءِ،
فَيَزِيدُ أَجْرُ الاِغْتِسَال فِي الشِّتَاءِ لأَِجْل تَحَمُّل مَشَقَّةِ
الْبَرْدِ، وَكَذَلِكَ مَشَاقُّ الْوَسَائِل فِي مَنْ يَقْصِدُ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 603.
(15/59)
الْمَسَاجِدَ، وَالْحَجَّ، وَالْغَزْوَ،
مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَنْ يَقْصِدُ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ مِنْ
مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، فَإِنَّ ثَوَابَهَا يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ
الْوَسِيلَةِ، وَيَتَسَاوَى مِنْ جِهَةِ الْقِيَامِ بِسُنَنِ هَذِهِ
الْعِبَادَاتِ وَشَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا، فَإِنَّ الشَّرْعَ يُثِيبُ
عَلَى الْوَسَائِل إِلَى الطَّاعَاتِ، كَمَا يُثِيبُ عَلَى الْمَقَاصِدِ
مَعَ تَفَاوُتِ أُجُورِ الْوَسَائِل وَالْمَقَاصِدِ، وَكَذَلِكَ جَعَل
لِكُل خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا الْمُصَلِّي إِلَى إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ
رَفْعَ دَرَجَةٍ وَحَطَّ خَطِيئَةٍ، وَجَعَل أَبْعَدَهُمْ مَمْشًى إِلَى
الصَّلاَةِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ أَقْرَبِهِمْ مَمْشًى إِلَيْهَا، وَجَعَل
لِلْمُسَافِرِينَ إِلَى الْجِهَادِ بِمَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ الظَّمَأِ،
وَالنَّصَبِ، وَالْمَخْمَصَةِ، وَالنَّفَقَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ،
وَقَطْعِ الأَْوْدِيَةِ، وَبِمَا يَنَالُونَهُ مِنَ الأَْعْدَاءِ أَجْرَ
عَمَلٍ صَالِحٍ، وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّاتُ مِنْ حَيْثُ
هِيَ مَشَقَّاتٌ مُثَابًا عَلَيْهَا زِيَادَةً عَلَى مُعْتَادِ
التَّكْلِيفِ دَل عَلَى أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لَهُ، وَإِلاَّ فَلَوْ لَمْ
يَقْصِدْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ثَوَابٌ (1) .
ب - تَفَاوُتُ الثَّوَابِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ:
15 - مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيل شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ
الشُّهُورِ، وَتَفْضِيل صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ عَلَى
غَيْرِهِمَا مِنَ الأَْيَّامِ، وَتَفْضِيل الْعَمَل فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
عَلَى غَيْرِهَا مِنَ اللَّيَالِيِ مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِقِيَامِ كُل
لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَتَفْضِيل الثُّلُثِ الأَْخِيرِ
__________
(1) قواعد الأحكام 1 / 31، والموافقات 2 / 125.
(15/60)
مِنَ اللَّيْل عَلَى غَيْرِهِ مِنَ
الأَْزْمِنَةِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْكَثِيرُ مِنَ
الأَْدِلَّةِ (1) .
مِنْهَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ (2) } .
ج - تَفَاوُتُ الثَّوَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ:
16 - تَفَضَّل اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَضْعِيفِ الأُْجُورِ
عَلَى الْعِبَادَةِ فِي بَعْضِ الأَْمَاكِنِ، فَجَعَل الصَّلاَةَ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ
مَعَ التَّسَاوِي فِي الصَّلاَةِ، وَالصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ
أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ فِي الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى، وَالصَّلاَةَ فِي
الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ فِي غَيْرِهِ،
وَكَتَفْضِيل عَرَفَةَ، وَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَمُزْدَلِفَةَ،
وَمِنًى، وَمَرْمَى الْجِمَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْبِقَاعِ الَّتِي
وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى غَيْرِهَا (3) . يَقُول النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ
مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (4) .
__________
(1) المغني 3 / 178، وقواعد الأحكام 1 / 26 - 27.
(2) سورة القدر / 3.
(3) فتح الباري 3 / 63 - 64 - 65، والجمل 5 / 333.
(4) حديث: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد
الحرام ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 63 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(15/60)
د - تَفَاوُتُ الثَّوَابِ مِنْ حَيْثُ
الْمَصْلَحَةُ فِي الْفِعْل:
17 - مِنْ ذَلِكَ الإِْيمَانُ فَإِنَّهُ أَفْضَل مِنْ جَمِيعِ الأَْعْمَال
بِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ، فَإِنَّ ثَوَابَهُ الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ
وَالْخُلُوصُ مِنَ النَّارِ.
وَصَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَل مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ
وَعِشْرِينَ صَلاَةً (1) .
بُطْلاَنُ الثَّوَابِ:
18 - لاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَإِجْزَائِهَا وَبَيْنَ
بُطْلاَنِ ثَوَابِهَا، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً
مُجْزِئَةً لاِسْتِكْمَال أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا، وَلَكِنْ لاَ
يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا الثَّوَابَ، لِمَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنَ
الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ الَّتِي تُبْطِل ثَمَرَتَهَا فِي الآْخِرَةِ،
وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى
فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ
يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ (2) .
وَمِنْ ذَلِكَ الرِّيَاءُ فَإِنَّهُ يُبْطِل ثَوَابَ الْعِبَادَةِ فِي
الْجُمْلَةِ.
19 - وَقَدْ يَصِحُّ الْعَمَل وَيَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الثَّوَابَ وَلَكِنْ
يُتْبِعُهُ بِمَا يُبْطِل هَذَا الثَّوَابَ، فَالْمَنُّ وَالأَْذَى يُبْطِل
أَجْرَ الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذَى (3) } يَقُول
__________
(1) قواعد الأحكام 1 / 26 - 27، والحطاب 2 / 84.
(2) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". تقدم ف 8.
(3) سورة البقرة / 264.
(15/61)
ابْنُ الْقَيِّمِ: فَمَثَل صَاحِبِهَا
وَبُطْلاَنِ عَمَلِهِ {كَمَثَل صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ
وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا (1) } ، وَمِنَ الْمَعَاصِي مَا يُبْطِل
ثَوَابَ الْعِبَادَةِ، فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَل لَهُ
صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (2) .
قَال النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لاَ ثَوَابَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ
كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ.
20 - وَالإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ يُبْطِل صِحَّةَ الْعَمَل وَثَوَابَهُ (3)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكَتْ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (4) } .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (رِدَّةٌ) .
ثَانِيًا:
الثَّوَابُ فِي الْهِبَةِ:
21 - الْمَقْصُودُ بِالثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ الْعِوَضُ الْمَالِيُّ،
وَالأَْصْل فِي الْهِبَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا عِوَضٌ مَادِّيٌّ،
لأَِنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَتْ مُعَاوَضَةً، إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ
التَّعْوِيضُ فِيهَا وَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ، وَهِيَ الْهِبَةُ
الَّتِي يَتِمُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَالْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ إِمَّا
__________
(1) سورة البقرة / 264.
(2) حديث: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ".
أخرجه مسلم (4 / 1751 - ط الحلبي) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) الموافقات للشاطبي 1 / 295 - 296، 2 / 118، وأعلام الموقعين 1 / 185،
وصحيح مسلم بشرح النووي 14 / 227، ابن عابدين 1 / 278، وقواعد الأحكام 1 /
124 - 125.
(4) سورة الزمر / 65.
(15/61)
أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لاَ:
فَإِنِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ مَعْلُومًا صَحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي
الأَْظْهَرِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى عِنْدَهُمْ، وَالْقَوْل الثَّانِي
لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ
لِتَنَاقُضِهِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ يَقْتَضِي التَّبَرُّعَ.
وَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ اعْتُبِرَ بَيْعًا أَوْ كَالْبَيْعِ فِي
الْجُمْلَةِ. وَيَكُونُ لَهُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ
الْخِيَارِ، وَحَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ،
وَيَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اشْتَرَطُوا
لإِِسْقَاطِ حَقِّ الرُّجُوعِ التَّقَابُضَ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا
يَقْتَضِي أَنْ يُغَلَّبَ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ فَلاَ تَثْبُتُ فِيهَا
أَحْكَامُ الْبَيْعِ.
22 - وَإِذَا اشْتُرِطَ الْعِوَضُ وَكَانَ مَجْهُولاً صَحَّ الْعَقْدُ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ
وَمُقَابِل الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. إِلاَّ أَنَّ الْعَقْدَ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُعْتَبَرُ هِبَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً،
فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا عَلَى أَصْل مَذْهَبِهِمُ الَّذِي يُجِيزُ
الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلْمَوْهُوبِ لَهُ
دَفْعُ الْقِيمَةِ أَوْ رَدُّ الْهِبَةِ، فَإِذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ
أُلْزِمَ الْوَاهِبُ قَبُولَهَا، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ كَانَ لِلْوَاهِبِ
الرَّدُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بُطْلاَنُ الْعَقْدِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ
الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
23 - وَإِنْ وَهَبَ مُطْلَقًا دُونَ تَقْيِيدٍ بِثَوَابٍ أَوْ عَدَمِهِ
(15/62)
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ ثَوَابَ إِنْ
وَهَبَ الشَّخْصُ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ، وَكَذَا الأَْعْلَى مِنْهُ فِي
الأَْظْهَرِ وَلِنَظِيرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ فِي قَصْدِهِ مَا لَمْ
يَشْهَدِ الْعُرْفُ بِضِدِّهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ تَقْتَضِي ثَوَابًا، أَيْ
عِوَضًا، وَالْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ
هُوَ قِيمَةُ الْمَوْهُوبِ أَوْ مَا يُعْتَبَرُ ثَوَابًا لِمِثْلِهِ
عَادَةً (1) .
24 - وَمِنْ أَحْكَامِ هِبَةِ الثَّوَابِ - غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَالْخِيَارِ، وَإِسْقَاطِ الرُّجُوعِ - أَنَّ
وَلِيَّ الصَّغِيرِ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَال الصَّغِيرِ
هِبَةَ ثَوَابٍ، وَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
لأَِنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ فِيهَا عَلَى
الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُعَاوَضَةً انْتِهَاءً، وَالْوَلِيُّ لاَ
يَمْلِكُ الْهِبَةَ فَلَمْ يَنْعَقِدْ هِبَةً، فَلاَ يُتَصَوَّرُ
صَيْرُورَتُهَا مُعَاوَضَةً يَمْلِكُهَا الْوَلِيُّ كَالْبَيْعِ،
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الأَْبِ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْبِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلْوَلِيِّ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَال الصَّغِيرِ هِبَةَ ثَوَابٍ؛ لِثُبُوتِ
الْعِوَضِ فِيهَا
__________
(1) البدائع 6 / 132، ابن عابدين 4 / 516 إلى 520، والشرح الصغير 2 / 319 -
320 ط الحلبي، ومنح الجليل 4 / 110 - 112، والزرقاني 6 / 179، ومغني
المحتاج 2 / 404، والقليوبي 3 / 114، والروضة 5 / 386، والمغني 5 / 684 -
685، والإفصاح 2 / 59، ومنتهى الإرادات 2 / 519.
(15/62)
فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَجُوزُ
لِلْوَلِيِّ، كَالْبَيْعِ (1) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (هِبَةٌ
- شُفْعَةٌ - خِيَارٌ) .
__________
(1) البدائع 5 / 153، الشرح الصغير 2 / 320 ط الحلبي، ومنتهى الإرادات 2 /
293.
(15/63)
ثَوَلٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثَّوَل دَاءٌ يُشْبِهُ الْجُنُونَ، قَال صَاحِبُ الْقَامُوسِ:
الثَّوَل اسْتِرْخَاءٌ فِي أَعْضَاءِ الشَّاءِ خَاصَّةً، أَوْ كَالْجُنُونِ
يُصِيبُهَا فَلاَ تَتْبَعُ الْغَنَمَ وَتَسْتَدِيرُ فِي مَرْتَعِهَا.
وَقَال ابْنُ الأَْثِيرِ: هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ كَالْجُنُونِ
يَلْتَوِي مَعَهُ عُنُقُهَا، وَقِيل هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ فِي ظُهُورِهَا
وَرُءُوسِهَا فَتَخِرُّ مِنْهُ، وَالثَّوْلاَءُ مِنَ الشَّاءِ، وَغَيْرِهَا
الْمَجْنُونَةُ، وَالذَّكَرُ أَثَوْل (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
قَال الرَّمْلِيُّ: الثَّوْلاَءُ هِيَ الْمَجْنُونَةُ الَّتِي تَسْتَدْبِرُ
الرَّعْيَ وَلاَ تَرْعَى إِلاَّ الْقَلِيل، وَذَلِكَ يُورِثُ الْهُزَال (2)
.
__________
(1) المصباح المنير وتاج العروس والمغرب والصحاح والتعريفات الفقهية
للمجدوي البركتي، والنهاية لابن الأثير (ثول)
.
(2) البناية 9 / 149، ابن عابدين 5 / 205، والجمل على شرح المنهج 5 / 253،
وبدائع الصنائع 5 / 75، 76، وشرح الزرقاني 3 / 34، والحطاب 3 / 241، ونهاية
المحتاج 8 / 128.
(15/63)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْهُيَامُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الْهُيَامِ أَنَّهُ دَاءٌ يُصِيبُ الإِْبِل مِنْ مَاءٍ
تَشْرَبُهُ مُسْتَنْقَعًا، أَوْ هُوَ عَطَشٌ شَدِيدٌ لاَ تَرْتَوِي مَعَهُ
بِالْمَاءِ، فَتَهِيمُ فِي الأَْرْضِ وَلاَ تَرْعَى. وَالْوَاحِدُ
هَيْمَانُ، وَالأُْنْثَى هَيْمَى
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهَيْمَاءِ وَالثَّوْلاَءِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
مُصَابَةٌ بِآفَةٍ تَمْنَعُهَا مِنَ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ (1) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ عَدَمَ
إِجْزَاءِ الثَّوْلاَءِ فِي الأُْضْحِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ
خَصُّوا عَدَمَ الإِْجْزَاءِ بِالشَّاةِ دَائِمَةِ الْجُنُونِ الَّتِي
فَقَدَتِ التَّمْيِيزَ بِحَيْثُ لاَ تَهْتَدِي لِمَا يَنْفَعُهَا وَلاَ
تُجَانِبُ مَا يَضُرُّهَا، أَمَّا الْجُنُونُ غَيْرُ الدَّائِمِ فَلاَ
يَضُرُّ عِنْدَهُمْ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
إِلَى جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِالثَّوْلاَءِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ
قَيَّدُوا جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهَا بِمَا إِذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ،
أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّوَل يَمْنَعُهَا مِنَ الرَّعْيِ وَالاِعْتِلاَفِ
فَلاَ
__________
(1) الموسوعة الفقهية 5 / 84، ونهاية المحتاج 8 / 128.
(2) الحطاب 3 / 241، وحاشية الدسوقي 2 / 120 ط دار الفكر، ونهاية المحتاج 8
/ 128، والجمل على شرح المنهج 5 / 253، وروضة الطالبين 3 / 195، والموسوعة
الفقهية 5 / 86.
(15/64)
تَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى
هَلاَكِهَا فَكَانَ عَيْبًا فَاحِشًا.
كَمَا قَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِالثَّوْلاَءِ
بِكَوْنِهَا سَمِينَةً (1) . وَلَمْ نَرَ نَصًّا فِي ذَلِكَ
لِلْحَنَابِلَةِ. وَلِلتَّفْصِيل: (ر: أُضْحِيَّةٌ) .
ثِيَابٌ
انْظُرْ: لِبَاسٌ، لُبْسٌ.
__________
(1) البناية شرح الهداية 9 / 149، وبدائع الصنائع 5 / 75، 76 ط الجمالية،
وابن عابدين 5 / 205، وشرح الزرقاني 3 / 34.
(15/64)
ثُيُوبَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الثُّيُوبَةُ مَصْدَرٌ صِنَاعِيٌّ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ،
وَيُقَال لِلإِْنْسَانِ إِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبٌ، وَإِطْلاَقُهُ عَلَى
الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ؛ لأَِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهَا بِوَجْهٍ
غَيْرِ الأَْوَّل.
وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ
سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِكَلِمَةِ الثُّيُوبَةِ عَنِ
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَقَرِيبٌ مِنَ الثُّيُوبَةِ (الإِْحْصَانُ)
لأَِنَّهُ حُصُول الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَكَارَةُ:
2 - الْبَكَارَةُ هِيَ: عُذْرَةُ الْمَرْأَةِ، وَمَوْلُودٌ بِكْرٌ إِذَا
__________
(1) حديث: " البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة
والرجم ". أخرجه مسلم (3 / 1316 - ط الحلبي) من حديث عبادة بن الصامت.
(2) تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح المنير مادة: (ثوب) .
(15/65)
كَانَ أَوَّل وَلَدِ أَبَوَيْهِ (1)
فَالْبَكَارَةُ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل ضِدُّ الثُّيُوبَةِ لاَ
يَجْتَمِعَانِ وَلاَ يَرْتَفِعَانِ.
ب - الإِْحْصَانُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الإِْحْصَانِ: التَّزَوُّجُ، وَهُوَ شَرْعًا النِّكَاحُ
الصَّحِيحُ الْمُقْتَرِنُ بِالدُّخُول مَعَ الْبُلُوغِ وَالإِْسْلاَمِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ وَالإِْحْصَانِ أَنَّ الثُّيُوبَةَ قَدْ
تَكُونُ بِالْوَطْءِ بِالزَّوَاجِ وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِهِ.
تَحَقُّقُ الثُّيُوبَةِ:
4 - يَخْتَلِفُ الْمُرَادُ بِالثُّيُوبِةِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاطِنِ
بَحْثِهَا.
فَبِالنِّسْبَةِ لاِشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ فِي الزَّوَاجِ، وَفِي رَدِّ
الأَْمَةِ الْمَبِيعَةِ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ إِذَا ظَهَرَتْ ثَيِّبًا.
وَكَذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ بِالتَّزْوِيجِ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْبِكْرِ
أَوِ الثَّيِّبِ.
يُرَادُ بِالثُّيُوبِةِ زَوَال الْعُذْرَةِ مُطْلَقًا بِجِمَاعٍ أَوْ
غَيْرِهِ.
وَيُرَادُ بِالثُّيُوبِةِ فِي اسْتِئْمَارِ الثَّيِّبِ فِي النِّكَاحِ
زَوَال الْعُذْرَةِ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ، وَيُرَادُ بِالثُّيُوبِةِ فِي
الرَّجْمِ بِالزِّنَا لِلرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةِ سَبْقُ الْوَطْءِ فِي
نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِشُرُوطِهِ. . وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيل ذَلِكَ إِلَى
مَوَاطِنِهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَمُصْطَلَحَاتِ: (نِكَاحٌ،
وَوَصِيَّةٌ، وَزِنًا (2)) .
__________
(1) المصباح المنير مادة: (بكر) .
(2) الاختيار لتلعيل المختار 4 / 88 ط دار المعرفة. ومواهب الجليل 3 / 491
ط دار الفكر، والأشباه والنظائر للسيوطي 534 ط مصطفى الحلبي.
(15/65)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ
الْبَحْثِ:
5 - يَظْهَرُ أَثَرُ الثُّيُوبَةِ فِي الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ فِي
النِّكَاحِ.
أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلاَ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا فِي
قَوْل عَامَّةِ أَهْل الْعِلْمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
لاَ تُنْكَحُ الأَْيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) .
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لَيْسَ
لِلْوَلِيِّ مِنَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ (2) .
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأَْيِّمُ أَحَقُّ
بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا (3) وَقَال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لِلأَْبِ
تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ وَإِنْ كَرِهَتْ (4) .
وَأَمَّا الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ
__________
(1) حديث: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9
/ 191 ط السلفية) ومسلم (2 / 1037 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) حديث: " ليس للولي من الثيب أمر. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 579 -
تحقيق عزت عبيد دعاس) والدارقطني (3 / 239 ط دار المحاسن) وأعله الدارقطني
بمخالفة أحد رواته متنا، وإسنادا لمن اشترك معه في الرواية عن شيخه صالح بن
كيسان فاللفظ الصحيح له هو ما أخرجه مسلم: " الأيم أحق بنفسها من وليها،
والبكر تستأذن من نفسها وإذنها صماتها " صحيح مسلم (2 / 1037 ط الحلبي) .
(3) حديث: " الأيم أحق بنفسها من وليها. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1037 - ط
الحلبي) من حديث ابن عباس.
(4) ابن عابدين 2 / 296، والفتاوى الهندية 1 / 289، ومواهب الجليل 3 / 427،
والقوانين الفقهية 203، والقليوبي 3 / 223، وروضة الطالبين 7 / 54، والمغني
6 / 491، 492، 493.
(15/66)
وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي
وَجْهٍ إِلَى أَنَّ لِلأَْبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ الثَّيِّبَ
الصَّغِيرَةَ وَلاَ يَسْتَأْمِرَهَا، لأَِنَّهَا صَغِيرَةٌ فَجَازَ
إِجْبَارُهَا كَالْبِكْرِ وَالصَّبِيِّ (1) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ لاَ
يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا لِعُمُومِ الأَْخْبَارِ الْمُسْتَلْزِمَةِ
اسْتِئْمَارَهَا، وَعِبَارَتُهَا فِي الأَْمْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ
لِصِغَرِهَا، وَلأَِنَّ الإِْجْبَارَ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ
وَالثُّيُوبَةِ لاَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَهَذِهِ ثَيِّبٌ، وَلأَِنَّ
فِي تَأْخِيرِهَا فَائِدَةً، وَهِيَ أَنْ تَبْلُغَ فَتَخْتَارَ لِنَفْسِهَا
(2) .
6 - وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي أَنَّ إِذْنَ الثَّيِّبِ
النُّطْقُ مِنَ النَّاطِقَةِ، وَالإِْشَارَةُ أَوِ الْكِتَابَةُ مِنْ
غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الثَّيِّبُ
تُشَاوَرُ (3) وَلأَِنَّ النُّطْقَ لاَ يُعْتَبَرُ عَيْبًا مِنْهَا.
وَالثَّيِّبُ الْمُعْتَبَرُ نُطْقُهَا هِيَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْقُبُل
إِذَا كَانَ الْوَطْءُ حَلاَلاً، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَا حُكِيَ عَنِ
الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) الهداية 1 / 197 ط مصطفى الحلبي، والفتاوى الهندية 1 / 289، 290،
والقوانين الفقهية 204، والقليوبي 3 / 323، والمغني 6 / 493.
(3) حديث: " الثيب تشاور. . . " ذكره صاحب الهداية من الحنفية وقال
الزيلعي: (غريب بهذا اللفظ، وتقدم معناه قريبا) نصب الراية (3 / 195 ط
المجلس العلمي) .
(15/66)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي الثُّيُوبَةِ بَيْنَ الْوَطْءِ
الْحَلاَل وَالْحَرَامِ إِذَا كَانَ فِي الْقُبُل، وَأَمَّا إِنْ ذَهَبَتْ
عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الأَْبْكَارِ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي
الأَْصَحِّ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ لِزَوَال
الْعُذْرَةِ (1) .
7 - وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَحْكَامِ الثُّيُوبَةِ فِي
النِّكَاحِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْعُيُوبِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْفَسْخِ،
فَرَأَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ بَكَارَةَ
الزَّوْجَةِ فَتَبَيَّنَتْ ثَيِّبًا فَلَهُ الْفَسْخُ (2) ، وَيُنْظَرُ
التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ بَكَارَةٍ، كَمَا تَكَلَّمُوا عَنْهَا فِي
بَابِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْبَيْتُوتَةِ إذَا تَزَوَّجَ
ثَيِّبًا وَعِنْدَهُ غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ يَبِيتُ عِنْدَهَا ثَلاَثًا
ثُمَّ يَقْسِمُ، وَفِي الشَّهَادَةِ لإِِثْبَاتِ الثُّيُوبَةِ حَيْثُ
تُقْبَل شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قَسْمٌ
بَيْنَ الزَّوْجَاتِ) .
__________
(1) الهداية 1 / 197، والفتاوى الهندية 1 / 289، 290، ومواهب الجليل 3 /
427، والقوانين الفقهية 203، والقليوبي 3 / 223، وروضة الطالبين 7 / 54،
والمغني 6 / 492.
(2) فتح القدير 4 / 122 ط دار إحياء التراث العربي، والاختيار لتعليل
المختار 4 / 116، ومواهب الجليل 3 / 491، وجواهر الإكليل 1 / 300، 301 ط
مصطفى البابي الحلبي، وروضة الطالبين 7 / 355، ونهاية المحتاج 8 / 312 ط
مصطفى البابي الحلبي.
(15/67)
|