الموسوعة الفقهية الكويتية

عَقِيقٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَقِيقُ فِي اللُّغَةِ: الْوَادِي الَّذِي شَقَّهُ السَّيْل قَدِيمًا.
قَال أَبُو مَنْصُورٍ: وَيُقَال لِكُل مَا شَقَّهُ مَاءُ السَّيْل فِي الأَْرْضِ فَأَنْهَرَهُ وَوَسَّعَهُ عَقِيقٌ، وَالْجَمْعُ أَعِقَّةٌ وَعَقَائِقُ.
قَال ابْنُ مَنْظُورٍ: الْعَقِيقُ وَادٍ بِالْحِجَازِ غَلَبَتِ الصِّفَةُ عَلَيْهِ غَلَبَةَ الاِسْمِ وَلَزِمَتْهُ الأَْلِفُ وَاللاَّمُ.
وَفِي بِلاَدِ الْعَرَبِ عِدَّةُ مَوَاضِعَ تُسَمَّى الْعَقِيقُ، مِنْهَا عَقِيقُ أَرْضِ الْيَمَامَةِ، وَمِنْهَا عَقِيقٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، وَمِنْهَا عَقِيقٌ آخَرُ يَدْفُقُ مَاؤُهُ فِي غَوْرَيْ تِهَامَةَ، وَمِنْهَا عَقِيقُ الْقَنَانِ.
وَالْعَقِيقُ أَيْضًا: خَرَزٌ أَحْمَرُ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ، الْوَاحِدَةُ عَقِيقَةٌ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: حَجَرٌ يُعْمَل مِنْهُ الْفُصُوصُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.

(30/273)


الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحَجَرُ:
2 - الْحَجَرُ: الصَّخْرَةُ، وَالْجَمْعُ فِي الْقِلَّةِ أَحْجَارٌ، وَفِي الْكَثْرَةِ حِجَارٌ وَحِجَارَةٌ (1) .
فَالْحَجَرُ أَعَمُّ مِنَ الْعَقِيقِ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ.

ب - الْمَعْدِنُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الْمَعْدِنِ: مَكَانُ كُل شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ أَصْلُهُ وَمَبْدَؤُهُ نَحْوُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالأَْشْيَاءِ.
وَالْمَعَادِنُ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا جَوَاهِرُ الأَْرْضِ (2)
وَالْمَعْدِنُ بِأَحَدِ مَعَانِيهِ أَعَمُّ مِنَ الْعَقِيقِ.

ج - الْيَاقُوتُ:
4 - الْيَاقُوتُ مِنَ الْجَوَاهِرِ، أَجْوَدُهُ الأَْحْمَرُ الرُّمَّانِيُّ (3) .
وَكُلٌّ مِنَ الْعَقِيقِ وَالْيَاقُوتِ مِنَ الأَْحْجَارِ الَّتِي تُسْتَعْمَل لِلزِّينَةِ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَتَعَلَّقُ بِالْعَقِيقِ بِمَعْنَيَيْهِ أَحْكَامٌ:
أَوَّلاً: الْعَقِيقُ بِمَعْنَى الْوَادِي:
5 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ إِحْرَامِ أَهْل
__________
(1) لسان العرب.
(2) لسان العرب.
(3) القاموس المحيط، والمعجم الوسيط.

(30/273)


الْعِرَاقِ وَمَنْ فِي نَاحِيَتِهِمْ مِنَ الْعَقِيقِ عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ، وَالْعَقِيقُ وَادٍ وَرَاءَ ذَاتِ عِرْقٍ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ، قَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: وَالاِعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْعَقِيقِ مِنَ الاِحْتِيَاطِ، قِيل: وَفِيهِ سَلاَمَةٌ مِنَ الْتِبَاسٍ وَقَعَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ؛ لأَِنَّ ذَاتَ عِرْقٍ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ وَحُوِّل بِنَاؤُهَا إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ، فَالاِحْتِيَاطُ الإِْحْرَامُ قَبْل مَوْضِعِ بِنَائِهَا الآْنَ (1) .
وَاسْتَأْنَسُوا مَعَ الاِحْتِيَاطِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: وَقَّتَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِهْل الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مِيقَاتُ أَهْل الْعِرَاقِ: ذَاتُ عِرْقٍ (3)
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِحْرَام 48)

ثَانِيًا: الْعَقِيقُ بِمَعْنَى نَوْعٍ مِنَ الْحَجَرِ:
أ - التَّيَمُّمُ بِالْعَقِيقِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْعَقِيقِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْعَقِيقِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْعَقِيقِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الأَْرْضِ (4) .
__________
(1) المجموع شرح المهذب 7 / 194، 197، 198.
(2) حديث ابن عباس: " وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق ". أخرجه الترمذي (3 / 185) ، وفي إسناده انقطاع، كذا في نصب الراية للزيلعي (3 / 14) .
(3) حاشية الدسوقي 2 / 23، وكشاف القناع 2 / 4000.
(4) فتح القدير 1 / 88، ومراقي الفلاح بحاشية الطحاوي (64) .

(30/274)


وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَيَمُّم ف 26)

ب - زَكَاةُ الْعَقِيقِ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَقِيقِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ - إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْعَقِيقِ كَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ زَكَاةَ فِي حَجَرٍ. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَقِيقِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ} (2) ؛ وَلأَِنَّهُ مَعْدِنٌ فَتَعَلَّقَتِ الزَّكَاةُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ كَالأَْثْمَانِ؛ وَلأَِنَّهُ مَالٌ لَوْ غَنِمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ خُمُسُهُ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَعْدِنٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالذَّهَبِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: صِفَةُ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ هُوَ كُل مَا خَرَجَ مِنَ الأَْرْضِ مِمَّا يُخْلَقُ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ كَالْحَدِيدِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْعَقِيقِ (3)
__________
(1) حديث: " لا زكاة في حجر ". أخرجه ابن عدي في الكامل (5 / 1681) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وذكر جهالة أحد رواته.
(2) سورة البقرة / 267.
(3) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 2 / 14، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 461، ومغني المحتاج 1 / 394، والمجموع 6 / 6، وكشاف القناع 2 / 222 - 223، والمغني لابن قدامة 3 / 24.

(30/274)


ج - الرِّبَا فِي الْعَقِيقِ:
8 - لاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي الْعَقِيقِ وَذَلِكَ لِعَدَمِ تَوَافُرِ الْعِلَل الرِّبَوِيَّةِ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِيهِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَكِيلٍ وَلاَ مَوْزُونٍ إِلاَّ إِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ بَيْعَهُ بِالْكَيْل أَوْ بِالْوَزْنِ (1) .

د - السَّلَمُ فِي الْعَقِيقِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْعَقِيقِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْعَقِيقِ؛ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْعَقِيقِ، وَاسْتَثْنَوْا حَالَةَ مَا إِذَا كَانَ بِالْوَزْنِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي صُنُوفِ الْفُصُوصِ وَالْحِجَارَةِ مُطْلَقًا (2)

هـ - التَّزَيُّنُ بِالْعَقِيقِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَةِ التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ لِلرَّجُل.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 181، وحاشية الدسوقي 3 / 47، وروضة الطالبين 3 / 377، وكشاف القناع 3 / 151 - 263.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 205، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 537، وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلى 2 / 252، وكشاف القناع 3 / 291.

(30/275)


وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَقَال ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ كَلاَمِ أَكْثَرِ الأَْصْحَابِ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا (1)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 229، ومواهب الجليل 1 / 127، ومغني المحتاج 1 / 30، وكشاف القناع 2 / 239.

(30/275)


عَقِيقَة

التَّعْرِيفُ:
1 - تُطْلَقُ الْعَقِيقَةُ فِي اللُّغَةِ عَلَى: الْخَرَزَةِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الأَْحْجَارِ الْكَرِيمَةِ، وَقَدْ تَكُونُ صَفْرَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ، وَعَلَى: شَعْرِ كُل مَوْلُودٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ يَنْبُتُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَعَلَى الذَّبِيحَةِ الَّتِي تُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ.
وَيُقَال: عَقَّ فُلاَنٌ يَعُقُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْضًا: حَلَقَ عَقِيقَةَ مَوْلُودِهِ، وَعَقَّ فُلاَنٌ عَنْ مَوْلُودِهِ يَعُقُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْضًا: ذَبَحَ عَنْهُ (1) .
وَالْعَقِيقَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُذَكَّى عَنِ الْمَوْلُودِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةٍ وَشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.
وَكَرِهَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تَسْمِيَتَهَا عَقِيقَةً وَقَالُوا: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا: نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً (2)
__________
(1) القاموس المحيط، والمعجم الوسيط.
(2) تحفة المحتاج بحاشية الشرواني 8 / 164، 165، ونهاية المحتاج بحاشيتي الرشيدي والشبراملسي 8 / 137، ومطالب أولي النهى 2 / 492.

(30/276)


الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الأُْضْحِيَّةُ:
2 - الأُْضْحِيَّةُ: مَا يُذَكَّى تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.
وَكُلٌّ مِنَ الْعَقِيقَةِ وَالأُْضْحِيَّةِ يُذْبَحُ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ.
غَيْرَ أَنَّ الْعَقِيقَةَ تُذْبَحُ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشُّكْرِ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ بِالْمَوْلُودِ، وَعَلَى الْمَوْلُودِ بِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ، وَلَيْسَ لَهَا مِنَ الْعَامِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِوِلاَدَةِ الْمَوْلُودِ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ الْعَامِ.
وَأَمَّا الأُْضْحِيَّةُ فَإِنَّهَا تُذْبَحُ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالشُّكْرِ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعْمَةِ الْحَيَاةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهِيَ وَقْتُهَا.

ب - الْهَدْيُ:
3 - الْهَدْيُ مَا يُذَكَّى مِنَ الأَْنْعَامِ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِلتَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ وَتَجْتَمِعُ الْعَقِيقَةُ وَالْهَدْيُ فِي أَنَّهُمَا قُرْبَةٌ، غَيْرَ أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُرْتَبِطَةٌ بِوَقْتِ وِلاَدَةِ الْمَوْلُودِ، وَفِي أَيِّ مَكَانٍ، أَمَّا الْهَدْيُ فَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَفِي الْحَرَمِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْعَقِيقَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ (1) .
__________
(1) نهاية المحتاج بحاشيتي الرشيدي والشبراملسي 8 / 137 والمجموع للنووي 8 / 435، مطالب أولي النهى 2 / 488.

(30/276)


وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُبَاحُ الْعَقِيقَةُ فِي سَابِعِ الْوِلاَدَةِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَالْحَلْقِ وَالتَّصَدُّقِ، وَقِيل: يَعُقُّ تَطَوُّعًا بِنِيَّةِ الشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ (2) . وَالْمَنْدُوبُ عِنْدَهُمْ أَقَل مِنَ الْمَسْنُونِ.
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَوْنِهَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ (3) ، مِنْهَا: حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْغُلاَمُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ (4) وَفِي رِوَايَةٍ: كُل غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى. (5)
وَمَعْنَى " مُرْتَهَنٌ " " وَرَهِينٌ " قِيل: لاَ يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يُعَقَّ عَنْهُ
.
__________
(1) البدائع 5 / 59 وابن عدي 5 / 213.
(2) الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي 2 / 126.
(3) نهاية المحتاج: بحاشيتي الرشيدي والشبراملسي 8 / 137، والمجموع للنووي 8 / 435.
(4) حديث: " الغلام مرتهن بعقيقته. . . ". أحرجه الترمذي (4 / 101) من حديث سمرة. وقال: حديث حسن صحيح.
(5) حديث: " كل غلام رهينة بعقيقته. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 260) والحاكم (4 / 237) من حديث سمرة. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

(30/277)


حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْعَقِيقَةِ:
5 - شُرِعَتِ الْعَقِيقَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ إِظْهَارٍ لِلْبِشْرِ وَالنِّعْمَةِ وَنَشْرِ النَّسَبِ.

الْعَقِيقَةُ عَنِ الْمَيِّتِ:
6 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْل السَّابِعِ اسْتُحِبَّتِ الْعَقِيقَةُ عَنْهُ كَمَا تُسْتَحَبُّ عَنِ الْحَيِّ.
وَقَال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ: لاَ تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ عَنْهُ (1) .

الْعَقِيقَةُ عَنِ الأُْنْثَى:
7 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الأُْنْثَى تُشْرَعُ الْعَقِيقَةُ عَنْهَا كَمَا تُشْرَعُ عَنِ الذَّكَرِ لِحَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي الْعَقِيقَةِ: عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ (2)

مَنْ تُطْلَبُ مِنْهُ الْعَقِيقَةُ:
8 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَقِيقَةَ تُطْلَبُ مِنَ الأَْصْل الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ بِتَقْدِيرِ فَقْرِهِ، فَيُؤَدِّيهَا مِنْ مَال نَفْسِهِ لاَ مِنْ مَال الْمَوْلُودِ،
__________
(1) المجموع للنووي 8 / 448.
(2) حديث أم كرز " عن الغلام شاتان. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 97) وقال: حديث حسن صحيح.

(30/277)


وَلاَ يَفْعَلُهَا مَنْ لاَ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ إِلاَّ بِإِذْنِ مَنْ تَلْزَمُهُ.
وَلاَ يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ (1) ، مَعَ أَنَّ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا هُوَ وَالِدُهُمَا؛ لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّ نَفَقَتَهُمَا كَانَتْ عَلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ عَلَى وَالِدَيْهِمَا، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَقَّ عَنْهُمَا بِإِذْنِ أَبِيهِمَا.
وَمَنْ بَلَغَ مِنَ الأَْوْلاَدِ وَلَمْ يَعُقَّ عَنْهُ أَحَدٌ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) .
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُطَالَبِ بِالْعَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلَةً عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَبْل مُضِيِّ أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَهِيَ سِتُّونَ يَوْمًا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُسَنَّ لَهُ (3) .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُطَالَبَ بِالْعَقِيقَةِ هُوَ الأَْبُ (4) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ يَعُقُّ غَيْرُ أَبٍ إِلاَّ إِنْ
__________
(1) حديث: " عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 261 - 262) من حديث ابن عباس. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9 / 589) .
(2) نهاية المحتاج 8 / 138، وتحفة المحتاج بحاشية الشرواني 8 / 166.
(3) نفس المرجعين.
(4) الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي 2 / 126.

(30/278)


تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوِ امْتِنَاعٍ، فَإِنْ فَعَلَهَا غَيْرُ الأَْبِ لَمْ تُكْرَهْ وَلَكِنَّهَا لاَ تَكُونُ عَقِيقَةً، وَإِنَّمَا عَقَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ؛ لأَِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّهَا تُسَنُّ فِي حَقِّ الأَْبِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَيَقْتَرِضُ إِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْوَفَاءَ.
قَال أَحْمَدُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا مَا يَعُقُّ فَاسْتَقْرَضَ أَرْجُو أَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ أَحْيَا سُنَّةَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .

وَقْتُ الْعَقِيقَةِ:
9 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ يَبْدَأُ مِنْ تَمَامِ انْفِصَال الْمَوْلُودِ، فَلاَ تَصِحُّ عَقِيقَةٌ قَبْلَهُ، بَل تَكُونُ ذَبِيحَةً عَادِيَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَقِيقَةِ يَكُونُ فِي سَابِعِ الْوِلاَدَةِ وَلاَ يَكُونُ قَبْلَهُ (2) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي وَقْتِ الإِْجْزَاءِ كَمَا سَبَقَ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ يَوْمَ الْوِلاَدَةِ يُحْسَبُ مِنَ السَّبْعَةِ، وَلاَ تُحْسَبُ اللَّيْلَةُ إِنْ وُلِدَ لَيْلاً، بَل يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهَا (3) .
__________
(1) مطالب أولي النهى 2 / 489.
(2) الطحطاوي على الدر 4 / 168، وحاشية الدسوقي 2 / 126.
(3) المجموع 8 / 431.

(30/278)


وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلاَدَةِ فِي حَقِّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ مَعَ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّ الْيَوْمَ يُحْسَبُ فِي حَقِّهِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ وَقْتَ الْعَقِيقَةِ يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْيَوْمِ السَّابِعِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ وَقْتَ الإِْجْزَاءِ فِي حَقِّ الأَْبِ وَنَحْوِهِ يَنْتَهِي بِبُلُوغِ الْمَوْلُودِ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ فَاتَ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يُسَنُّ ذَبْحُهَا فِي الرَّابِعَ عَشَرَ، فَإِنْ فَاتَ ذَبْحُهَا فِيهِ انْتَقَلَتْ إِلَى الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ وِلاَدَةِ الْمَوْلُودِ فَيُسَنُّ ذَبْحُهَا فِيهِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا (4) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْعَقِيقَةَ لاَ تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَلاَّ تُؤَخَّرَ عَنْ سِنِّ الْبُلُوغِ فَإِنْ أُخِّرَتْ حَتَّى يَبْلُغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّال الشَّاشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهَا، وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ: أَنَّهُ لاَ يَفْعَل ذَلِكَ وَاسْتَغْرَبُوهُ (5)
__________
(1) الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي 2 / 126.
(2) المرجع السابق.
(3) نهاية المحتاج 8 / 138، وتحفة المحتاج 8 / 166.
(4) المحلى 7 / 528، وحاشية الدسوقي 2 / 126، والمغني 11 / 121.
(5) المجموع 8 / 431، وروضة الطالبين 3 / 229.

(30/279)


مَا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا:
10 - يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ الْجِنْسُ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الأُْضْحِيَّةِ، وَهُوَ الأَْنْعَامُ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُهَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (1) وَمُقَابِل الأَْرْجَحِ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْغَنَمِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُجْزِئُ فِيهَا الْمِقْدَارُ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الأُْضْحِيَّةِ وَأَقَلُّهُ شَاةٌ كَامِلَةٌ، أَوِ السُّبُعُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ مِنْ بَقَرَةٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ إِلاَّ بَدَنَةٌ كَامِلَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ كَامِلَةٌ (2) .
11 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ (3) إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ عَنِ الذَّكَرِ بِشَاتَيْنِ مُتَمَاثِلَتَيْنِ وَعَنِ الأُْنْثَى بِشَاةٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ. (4)
__________
(1) المجموع للنووي 8 / 447، تحفة المحتاج بحاشية الشرواني 8 / 167، البدائع 5 / 72 وحاشية ابن عابدين 5 / 213، ومطالب أولي النهى 2 / 489، وحاشيتا الرهوني وكنون على الزرقاني 3 / 67، 68، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2 / 126.
(2) الشرح الكبير أيضًا والمطالب أيضًا.
(3) نهاية المحتاج 8 / 138، ومطالب أولي النهى 2 / 489.
(4) حديث عائشة: " أمرهم عن الغلام شاتان. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 97) وقال: حديث حسن صحيح.

(30/279)


وَيَجُوزُ الْعَقُّ عَنِ الذَّكَرِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَبْشًا كَبْشًا. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ (2) إِلَى أَنَّهُ يَعُقُّ عَنِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ شَاةً شَاةً وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ.
وَقَال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ لاَ عَقِيقَةَ عَنِ الْجَارِيَةِ (3) .
12 - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ مَا يُشْتَرَطُ فِي أَيِّ ذَبِيحَةٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلاَنٍ (4) ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَقَال: قُولُوا بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلاَنٍ. (5)

طَبْخُ الْعَقِيقَةِ:
13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
__________
(1) حديث ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق. . . " سبق تخريجه ف7.
(2) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 213، الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي 2 / 126.
(3) المجموع للنووي 8 / 447.
(4) المرجع السابق.
(5) حديث: " قولوا بسم الله والله أكبر. . . ". أخرجه البيهقي (9 / 304) وحسن إسناده النووي في المجموع (8 / 428) .

(30/280)


طَبْخُ الْعَقِيقَةِ كُلِّهَا حَتَّى مَا يُتَصَدَّقَ بِهِ مِنْهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: السُّنَّةُ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ عَنِ الْغُلاَمِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، تُطْبَخُ جُدُولاً وَلاَ يَكْسِرُ عَظْمًا، وَيَأْكُل وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ وَذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ. (1)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ فِي الْعَقِيقَةِ تَفْرِيقُهَا نِيئَةً وَمَطْبُوخَةً (2) .
وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْعَقِيقَةِ أُمُورًا مِنْهَا تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ، وَحَلْقُ رَأْسِهِ، وَمَا يُقَال فِي أُذُنَيْهِ، وَتَحْنِيكُهُ، وَخِتَانُهُ، وَالتَّهْنِئَةُ بِمَوْلِدِهِ. . . وَتُنْظَرُ كُلُّهَا فِي مُصْطَلَحَاتِهَا

عِلاَج

انْظُرْ: تَطْبِيب
__________
(1) حديث: " السنة شاتان مكافئتان. . . ". قال النووي في المجموع (8 / 428) غريب، وقد رواه البيهقي (9 / 302) من قول عطاء: تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم. وقال أيضًا: يقطع آرابًا ويطبخ بماء وملح ويهدى في الجيران.
(2) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 213.

(30/280)


عَلاَنِيَة

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَلاَنِيَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنَ الإِْعْلاَنِ وَهُوَ إِظْهَارُ الشَّيْءِ، يُقَال: عَلَنَ الأَْمْرُ عُلُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ أَيْ: ظَهَرَ وَانْتَشَرَ وَعَلِنَ الأَْمْرُ عَلَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةٌ فِيهِ، وَالاِسْمُ مِنْهُمَا الْعَلاَنِيَةُ وَهِيَ ضِدُّ السِّرِّ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَال ذَلِكَ فِي الْمَعَانِي دُونَ الأَْعْيَانِ، وَأَعْلَنْتُ الأَْمْرَ أَيْ أَظْهَرْتُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} (1) أَيْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجَهْرُ:
2 - الْجَهْرُ فِي الأَْصْل رَفْعُ الصَّوْتِ، يُقَال: جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِهَا.
وَالْجَهْرُ أَخَصُّ مِنَ الْعَلاَنِيَةِ (2) .

ب - السِّرُّ:
3 - السِّرُّ هُوَ الْحَدِيثُ الْمَكْتُومُ فِي النَّفْسِ، قَال
__________
(1) سورة نوح / 9.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، وغريب القرآن للأصفهاني.

(30/281)


تَعَالَى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْل فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (1) .
وَالسِّرُّ ضِدُّ الْعَلاَنِيَةِ (2)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
وَرَدَتْ أَحْكَامُ الْعَلاَنِيَةِ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْهَا:

فِي الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ:
قَال الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الطَّاعَاتِ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
4 - الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا شُرِعَتْ فِيهِ الْعَلاَنِيَةُ كَالأَْذَانِ، وَالإِْقَامَةِ، وَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَالتَّلْبِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ، وَالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُْولَيَيْنِ مِنَ الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ، وَدُعَاءِ الْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتِ الاِنْتِقَال، وَقَوْل سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الصَّلاَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلإِْمَامِ وَالْمُبَلِّغِ، وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ وَالاِسْتِسْقَاءِ، وَإِقَامَةِ الْجُمَعِ، وَالْجَمَاعَاتِ، وَالأَْعْيَادِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ، وَتَعْلِيمِ النَّاسِ أُمُورَ دِينِهِمْ، وَبَقِيَّةِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ الأُْخْرَى، فَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ الْعَلاَنِيَةُ، فَإِنْ خَافَ فَاعِلُهُ الرِّيَاءَ عَلَى نَفْسِهِ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي دَفْعِهَا إِلَى أَنْ تَحْضُرَهُ نِيَّةُ
__________
(1) سورة طه / 7.
(2) المفردات في غريب القرآن.

(30/281)


إِخْلاَصِهِ فَيَأْتِي بِهَذِهِ الأَْعْمَال مُخْلِصًا كَمَا شُرِعَتْ، فَيَحْصُل عَلَى أَجْرِ ذَلِكَ الْفِعْل وَعَلَى أَجْرِ الْمُجَاهَرَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى الْغَيْرِ.
وَمِمَّا يَجِبُ عَلاَنِيَتُهُ جَرْحُ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالأُْمَنَاءِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَالأَْوْقَافِ وَالأَْيْتَامِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَلاَ يَحِل السَّتْرُ عَلَيْهِمْ إِذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَل هُوَ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ (1) .
5 - الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ إِسْرَارُهُ خَيْرًا مِنْ إِعْلاَنِهِ. كَإِسْرَارِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ غَيْرِ الْجَهْرِيَّةِ أَوِ الْجَهْرِيَّةِ لِغَيْرِ الإِْمَامِ.
6 - الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يُخْفَى تَارَةً وَيُظْهَرُ تَارَةً أُخْرَى كَالصَّدَقَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً كَالزَّكَاةِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ يُرِيدُ إِظْهَارَ السُّنَّةِ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّيَاءَ كَانَتِ الْعَلاَنِيَةُ أَفْضَل لَهُ مِنَ السِّرِّيَّةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِبْعَادِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفُقَرَاءِ مَعَ مَصْلَحَةِ الاِقْتِدَاءِ فَيَكُونُ قَدْ نَفَعَ الْفُقَرَاءَ بِصَدَقَتِهِ وَبِتَسَبُّبِهِ إِلَى تَصَدُّقِ الأَْغْنِيَاءِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَفَعَ الأَْغْنِيَاءَ بِتَسَبُّبِهِ إِلَى اقْتِدَائِهِمْ بِهِ فِي
__________
(1) الآداب الشرعية 1 / 266.

(30/282)


نَفْعِ الْفُقَرَاءِ؛ وَلأَِنَّ الْفَرَائِضَ لاَ يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ.
وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ نَافِلَةً كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهَا مِنَ النَّوَافِل وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّيَاءَ أَوْ عَرَفَ مِنْ عَادَتِهِ الرِّيَاءَ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يُقْتَدَى بِهِ، أَوْ خَافَ مِنَ احْتِقَارِ النَّاسِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، كَانَ إِخْفَاؤُهَا أَفْضَل مِنْ عَلاَنِيَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1) الآْيَةَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَحْتَ ظِل عَرْشِهِ: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ (2) . الْحَدِيثَ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.
(3) وَلِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَعَل اللَّهُ صَدَقَةَ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُل عَلاَنِيَتَهَا بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَجَعَل صَدَقَةَ الْفَرِيضَةِ
__________
(1) سورة البقرة / 271.
(2) حديث: " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 293 ط. السلفية) ومسلم (2 / 715 ط. عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3) حديث: " صدقة السر تطفئ غضب الرب. . . ". أخرجه الحاكم (3 / 568 ط. دائرة المعارف العثمانية) والطبراني في الصغير (2 / 205 ط. المكتب الإسلامي) من حديث عبد الله بن جعفر، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4 / 535 نشر المكتبة الإسلامية) .

(30/282)


عَلاَنِيَتَهَا أَفْضَل مِنْ سِرِّهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل فِي الأَْشْيَاءِ كُلِّهَا (1) .

عَلاَنِيَةُ الْحَجْرِ لِلإِْفْلاَسِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِنَ حَجْرَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلْفَلَسِ وَيُشْهِدَ عَلَى حَجْرِهِ وَيُشْهِرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ لِيُحْذَرَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ، وَلِئَلاَّ يَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِضَيَاعِ أَمْوَالِهِمْ فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ: إِنَّ الْحَاكِمَ حَجَرَ عَلَى فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ هَذَا الإِْشْهَادَ عَلَى الْحَجْرِ وَاجِبٌ (2) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِظْهَار ف 10)
.
__________
(1) تفسير القرطبي 3 / 332، وحاشية ابن عابدين 1 / 261، والفواكه الدواني 1 / 201، 205 - 207، ومغني المحتاج 1 / 161، 481، 165، 167، 3 / 121، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1 / 128، والمغني لابن قدامة 3 / 82، 2 / 141، 151 و1 / 423، 490 - 491، 495 - 496، وكشاف القناع 2 / 163.
(2) المغني لابن قدامة 4 / 487، مغني المحتاج 2 / 148، كشاف القناع 3 / 423، جواهر الإكليل 2 / 90.

(30/283)


عَلَقَةٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَلَقَةُ فِي اللُّغَةِ مُفْرَدُ عَلَقٍ، وَالْعَلَقُ: الدَّمُ، وَقِيل: هُوَ الدَّمُ الْجَامِدُ الْغَلِيظُ لِتَعَلُّقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ (1) ، وَقِيل الْجَامِدُ قَبْل أَنْ يَيْبَسَ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ عَلَقَةٌ.
وَفِي التَّنْزِيل: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} . (2)
قَال الْفَيُّومِيُّ: الْعَلَقَةُ: الْمَنِيُّ يَنْتَقِل بَعْدَ طَوْرِهِ فَيَصِيرُ دَمًا غَلِيظًا مُتَجَمِّدًا، ثُمَّ يَنْتَقِل طَوْرًا آخَرَ فَيَصِيرُ لَحْمًا وَهُوَ الْمُضْغَةُ (3)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْعَلَقَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (4) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النُّطْفَةُ:
2 - النُّطْفَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقَلِيل مِنَ الْمَاءِ، وَقِيل: الْمَاءُ الصَّافِي قَل أَوْ كَثُرَ.
__________
(1) المغرب للمطرزي.
(2) سورة المؤمنون آية: 14.
(3) المصباح المنير.
(4) القرطبي 12 / 6، ونهاية المحتاج 1 / 228.

(30/283)


قَال الْفَيُّومِيُّ: النُّطْفَةُ مَاءُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ وَجَمْعُهَا نُطَفٌ وَنِطَافٌ (1) ، وَفِي التَّنْزِيل: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} . (2)
وَالنُّطْفَةُ اصْطِلاَحًا: مَاءُ الرَّجُل وَهُوَ الْمَنِيُّ (3) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَلَقَةَ تُخْلَقُ مِنَ النُّطْفَةِ.

ب - الْمُضْغَةُ:
3 - الْمُضْغَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ.
وَمِنْهُ قِيل: فِي الإِْنْسَانِ مُضْغَتَانِ إِذَا صَلُحَتَا صَلُحَ الْبَدَنُ، الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ، وَالْجَمْعُ مُضَغٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ. (4)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْمُضْغَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (5) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2) سورة القيامة آية: 37.
(3) تفسير القرطبي 12 / 6 ط. دار الكتاب المصرية 1964 وطلبة الطلبة 21.
(4) حديث: " إن أحدكم يجمع في بطن أمه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 477) ومسلم (4 / 2036) من حديث ابن مسعود، واللفظ للبخاري.
(5) تفسير القرطبي 12 / 6.

(30/284)


وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ هِيَ أَنَّ الْعَلَقَةَ تُخْلَقُ مِنْهَا الْمُضْغَةُ.

ج - الْجَنِينُ:
4 - الْجَنِينُ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ جَنَنَ الَّتِي تَدُل عَلَى الاِسْتِتَارِ، يُقَال جَنَّ الشَّيْءَ يَجِنُّهُ جَنًّا: سَتَرَهُ، وَبِهِ سُمِّيَ الْجِنُّ لاِسْتِتَارِهِمْ وَاخْتِفَائِهِمْ عَنِ الأَْبْصَارِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْجَنِينُ لاِسْتِتَارِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَاصْطِلاَحًا: الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَجَمْعُهُ أَجِنَّةٌ وَأَجْنُنٌ (1) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْعَلَقَةِ وَالْجَنِينِ أَنَّ الْعَلَقَةَ أَحَدُ أَطْوَارِ الْجَنِينِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَلَقَةِ:
إِسْقَاطُ الْعَلَقَةِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِسْقَاطِ الْعَلَقَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: - الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى حُرْمَةِ إِسْقَاطِ الْعَلَقَةِ، قَال الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَلاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا
وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَنِ
__________
(1) لسان العرب، والمغرب، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 6 / 139.

(30/284)


الإِْحْيَاءِ فِي مَبْحَثِ الْعَزْل مَا يَدُل عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ الأَْوْجَهُ؛ لأَِنَّهَا بَعْدَ الاِسْتِقْرَارِ آيِلَةٌ إِلَى التَّخَلُّقِ مُتَهَيَّأَةٌ لِنَفْخِ الرُّوحِ، وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: يَجُوزُ إِلْقَاءُ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لإِِلْقَاءِ الْعَلَقَةِ لاِنْعِقَادِهَا، وَأَجَازُوا شُرْبَ الدَّوَاءِ لإِِلْقَاءِ النُّطْفَةِ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ بَعْدُ، وَقَدْ لاَ تَنْعَقِدُ وَلَدًا (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى إِبَاحَةِ إِسْقَاطِ الْعَلَقَةِ حَيْثُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِإِبَاحَةِ إِسْقَاطِ الْحَمْل مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَنْ يَتِمَّ التَّخَلُّقُ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِطْلاَقُهُمْ يُفِيدُ عَدَمَ تَوَقُّفِ جَوَازِ إِسْقَاطِهَا قَبْل الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى إِذْنِ الزَّوْجِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْحَنَفِيُّ يَقُول: إِنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ، قَال ابْنُ وَهْبَانَ: فَإِبَاحَةُ الإِْسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ أَوْ أَنَّهَا لاَ تَأْثَمُ إِثْمَ الْقَتْل (2) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ،
__________
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 266، 267، وتحفة المحتاج 7 / 186 ومطالب أولي النهى 1 / 267.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 380.

(30/285)


وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِإِلْقَاءِ الْعَلَقَةِ؛ لأَِنَّ الْعَلَقَةَ لَمْ تَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِإِلْقَاءِ الْعَلَقَةِ (1) .

. مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى سُقُوطِ الْعَلَقَةِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ لاَ تُعْتَبَرُ حَمْلاً، فَلاَ تُعْتَبَرُ الْمَرْأَةُ بِسُقُوطِهَا نُفَسَاءَ لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلاَقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى الْوِلاَدَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ تُعْتَبَرُ حَمْلاً فَتُعْتَبَرُ الْمَرْأَةُ بِسُقُوطِهَا نُفَسَاءَ وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلاَدَةِ وَتَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 378، وحاشية الدسوقي 4 / 268 وأسنى المطالب 4 / 91 والمغني لابن قدامة 7 / 802.
(2) بدائع الصنائع 3 / 196، وحاشية ابن عابدين 1 / 201، والشرح الصغير 2 / 672، وحاشية الدسوقي 2 / 474، ونهاية المحتاج 1 / 338، وحاشية الشرواني 8 / 106، وحاشية عميرة على المحلي 1 / 109، وكشاف القناع 1 / 219، والإنصاف 7 / 492، 9 / 81.

(30/285)


عِلَّةٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعِلَّةُ لُغَةً تُطْلَقُ عَلَى الْمَرَضِ، وَتُطْلَقُ عَلَى السَّبَبِ.
أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الأُْصُولِيِّينَ: فَقَدْ عَرَّفَهَا الْغَزَالِيُّ بِقَوْلِهِ: هِيَ مَا أَضَافَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ إِلَيْهِ وَنَاطَهُ بِهِ، وَنَصَبَهُ عَلاَمَةً عَلَيْهِ (1) ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (2) جُعِلَتِ السَّرِقَةُ فِيهِ مَنَاطًا لِقَطْعِ الْيَدِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَاتِل لاَ يَرِثُ (3) جَعَل فِيهِ قَتْل الْمُوَرَّثِ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ وَهُوَ حِرْمَانُ الْقَاتِل إِرْثَ الْمَقْتُول.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحِكْمَةُ:
2 - الْحِكْمَةُ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ أَفْضَل
__________
(1) المستصفى 2 / 230 ط. المطبعة الأميرية ببولاق بمصر سنة 1324هـ.
(2) سورة المائدة / 38.
(3) حديث: " القاتل لا يرث ". أخرجه الترمذي (4 / 425) والبيهقي (6 / 220) من حديث أبي هريرة وذكر البيهقي تضعيف أحد رواته ثم قال: " إلا أن شواهد تقويه ".

(30/286)


الأَْشْيَاءِ بِأَفْضَل الْعُلُومِ (1) .
وَفِي اصْطِلاَحِ الأُْصُولِيِّينَ هِيَ: الْمَصْلَحَةُ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِعُ مِنْ تَشْرِيعِ الْحُكْمِ تَحْقِيقَهَا أَوْ تَكْمِيلَهَا، أَوِ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِعُ بِتَشْرِيعِ الْحُكْمِ دَفْعَهَا أَوْ تَقْلِيلَهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ حِكْمَةِ الْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ: أَنَّ حِكْمَةَ الْحُكْمِ: هِيَ الْبَاعِثُ عَلَى تَشْرِيعِهِ، وَالْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ، أَمَّا عِلَّةُ الْحُكْمِ فَهِيَ الأَْمْرُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي بَنَى الشَّارِعُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَرَبَطَهُ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا؛ لأَِنَّ مِنْ شَأْنِ بِنَائِهِ عَلَيْهِ وَرَبْطِهِ بِهِ أَنْ يُحَقِّقَ حِكْمَةَ تَشْرِيعِ الْحُكْمِ (2) .

ب - السَّبَبُ:
3 - السَّبَبُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْل، وَهُوَ مَا يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى الاِسْتِعْلاَءِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُل شَيْءٍ يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ (4) ، كَالزَّوَال مَثَلاً فَإِنَّ الشَّرْعَ وَضَعَهُ سَبَبًا لِدُخُول وَقْتِ الظُّهْرِ.
وَعِنْدَ أَهْل الشَّرْعِ يَشْتَرِكُ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ فِي
__________
(1) لسان العرب.
(2) حاشية العطار 2 / 318 - 319.
(3) المصباح المنير ونهاية المحتاج 1 / 108.
(4) نهاية المحتاج 1 / 108، والكليات 3 / 21.

(30/286)


تَرْتِيبِ الْمُسَبَّبِ، وَالْمَعْلُول عَلَيْهِمَا، وَيَفْتَرِقَانِ فِي وَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ السَّبَبَ مَا يَحْصُل الشَّيْءُ عِنْدَهُ لاَ بِهِ، وَالْعِلَّةُ مَا يَحْصُل بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْلُول يَتَأَثَّرُ عَنْ عِلَّتِهِ بِلاَ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلاَ شَرْطَ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى وُجُودِهِ، وَالسَّبَبُ إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِالسَّبَبِ: الْعِلَّةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَيَقُولُونَ: النِّكَاحُ سَبَبُ الْحِل، وَالطَّلاَقُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ شَرْعًا (1) .

ج - الشَّرْطُ:
4 - الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلاَمَةُ: جَاءَ فِي التَّنْزِيل: {فَهَل يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} (2) أَيْ: عَلاَمَاتُهَا.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ أَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِهِ كَالْوُضُوءِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلاَةِ، وَالْعِلَّةُ مُنَاسَبَتُهَا فِي نَفْسِهَا كَالنِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ (3) .
__________
(1) نهاية المحتاج 1 / 108، والكليات 3 / حرف السين.
(2) سورة محمد / 18.
(3) أسنى المطالب 1 / 170، والفروق للقرافي 1 / 109 - 110.

(30/287)


د - الْمَانِعُ:
5 - الْمَانِعُ لُغَةً: الْحَائِل.
وَاصْطِلاَحًا مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ (1) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعِلَّةِ:
6 - الْعِلَّةُ مِنْ أَهَمِّ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ مِنْ مَصَادِرِ الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْعَقْل عِلَّةً لِحُكْمِ الأَْصْل امْتَنَعَ الْقِيَاسُ؛ لاِنْعِدَامِ أَهَمِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ (2) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

شُرُوطُ الْعِلَّةِ:
7 - لِلْعِلَّةِ شُرُوطٌ مِنْهَا:
أ - أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا ظَاهِرًا أَيْ: وَاضِحًا يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ وَالتَّحَقُّقُ مِنْ وُجُودِهِ أَوْ عَدَمِهِ، وَذَلِكَ كَالصِّغَرِ فِي ثُبُوتِ الْوِلاَيَةِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالرُّشْدِ فِي ثُبُوتِهَا لِلرَّشِيدِ، وَالإِْسْكَارِ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ، وَقَدْ تَكُونُ الْعِلَّةُ أَمْرًا خَفِيًّا أَقَامَ الشَّارِعُ مَقَامَهُ أَمْرًا ظَاهِرًا يَقْتَرِنُ بِهِ وَيَدُل عَلَيْهِ. كَالرِّضَا الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ
__________
(1) أسنى المطالب 1 / 170.
(2) الإبهاج في شرح المنهاج 2 / 29، وما بعدها، والتحصيل من المحصول 2 / 244 وفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2 / 250، المستصفى 2 / 264

(30/287)


لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَتَشْرِيعِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ خَفِيٌّ لاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ الشَّارِعُ مَقَامَهُ أَمْرًا ظَاهِرًا يَقْتَرِنُ بِهِ وَيَدُل عَلَى وُجُودِهِ وَهُوَ: الإِْيجَابُ وَالْقَبُول، وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ لِلْحُكْمِ فِي الْقِصَاصِ وُقُوعُ الْقَتْل عَمْدًا وَعُدْوَانًا، فَإِذَا كَانَ الْقَتْل أَمْرًا ظَاهِرًا فَالتَّعَمُّدُ أَمْرٌ خَفِيٌّ، فَأَقَامَ الشَّارِعُ مَقَامَهُ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَيَدُل عَلَيْهِ، وَهُوَ اسْتِعْمَال الآْلَةِ الَّتِي تُسْتَعْمَل عَادَةً فِي الْقَتْل (1) .
ب - أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا مُنْضَبِطًا لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مَوْصُوفِهِ، فَقَتْل الْوَارِثِ مُوَرَّثَهُ - الْمُؤَدِّي إِلَى الْحِرْمَانِ مِنْ إِرْثِ الْمَقْتُول - أَمْرٌ مَحْدُودٌ، لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْقَاتِل أَوِ الْمَقْتُول، وَالشِّدَّةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى السُّكْرِ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَصْفٌ مَحْدُودٌ؛ لأَِنَّهَا فِي نَبِيذِ الْعِنَبِ مِثْلُهَا فِي نَبِيذِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فَيُقِيمُ الشَّارِعُ أَيْضًا مَقَامَهُ أَمْرًا مُنْضَبِطًا يَقْتَرِنُ بِهِ وَيَدُل عَلَيْهِ، كَإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، فَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ لإِِبَاحَةِ الْفِطْرِ الْمَشَقَّةُ وَهِيَ أَمْرٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، فَقَدْ يُعَدُّ مَشَقَّةً عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مَا لَيْسَ بِمَشَقَّةٍ عِنْدَ آخَرِينَ، فَأَقَامَ الشَّارِعُ مَقَامَهَا مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي الأُْمُورِ الْمُنْضَبِطَةِ: وَهُوَ السَّفَرُ أَوِ الْمَرَضُ.
__________
(1) المستصفى 2 / 335 وما بعدها.

(30/288)


ج - أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُتَعَدِّيًا غَيْرَ مَقْصُورٍ عَلَى الأَْصْل، فَإِذَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الأَْصْل لَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ؛ لاِنْعِدَامِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، كَإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهِمَا الْمُشْتَغِل بِالأَْعْمَال الشَّاقَّةِ؛ لأَِنَّ الْعِلَّةَ هِيَ السَّفَرُ وَهُوَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ فِي مُسَافِرٍ، أَوِ الْمَرَضُ وَهُوَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ فِي مَرِيضٍ.
د - أَلاَّ يَكُونَ مِنَ الأَْوْصَافِ الَّتِي أَلْغَى الشَّارِعُ اعْتِبَارَهَا، كَأَنْ يُضِيفَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ إِلَى وَصْفٍ وَيَنُوطَهُ بِهِ ثُمَّ تَقْتَرِنُ بِهِ أَوْصَافٌ عُلِمَ بِعَادَةِ الشَّرْعِ وَمَوَارِدِهِ وَمَصَادِرِهِ فِي أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لاَ مَدْخَل لَهَا فِي التَّأْثِيرِ كَكَوْنِ الَّذِي أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِوِقَاعِ أَهْلِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ الْعِتْقَ أَعْرَابِيًّا، فَإِنَّا نُلْحِقُهُ كُل مُكَلَّفٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ، وَنَحْذِفُ عَنْ دَرَجَةِ الاِعْتِبَارِ وَصْفَ كَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا وَاقَعَ مَنْكُوحَتَهُ فِي رَمَضَانَ مُعَيَّنٍ وَفِي يَوْمٍ مِنْهُ؛ لأَِنَّا نَعْلَمُ مِنْ عَادَةِ الشَّرْعِ وَمَوَارِدِهِ وَمَصَادِرِهِ أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ وِقَاعُ مُكَلَّفٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَتَفْصِيل شُرُوطِ الْعِلَّةِ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ

. مَا تَثْبُتُ بِهِ الْعِلَّةُ:
8 - تَثْبُتُ الْعِلَّةُ بِالأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الْكِتَابِ

(30/288)


وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، أَوْ نَوْعٍ مِنَ الاِسْتِدْلاَل الْمُسْتَنْبَطِ.
فَالَّتِي تَثْبُتُ بِالأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ النَّقْلِيَّةِ إِنَّمَا تُسْتَفَادُ مِنْ صَرِيحِ النُّطْقِ، أَوِ الإِْيمَاءِ، أَوْ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى الأَْسْبَابِ، فَالْمُسْتَفَادُ مِنَ الصَّرِيحِ: أَنْ يَرِدَ فِيهِ لَفْظُ التَّعْلِيل مِثْل قَوْله تَعَالَى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (1) قَوْلُهُ جَل شَأْنُهُ: {مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل} (2) الآْيَةَ.
وَالْمُسْتَفَادُ مِنَ الإِْيمَاءِ عَلَى الْعِلَّةِ: كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا سُئِل عَنِ الْهِرَّةِ: إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ (3) فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْتِ بِأَدَوَاتِ التَّعْلِيل عَلَى قَوْل بَعْضِ الأُْصُولِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعُدُّونَ (إِنْ) مِنْ أَدَوَاتِ التَّعْلِيل (4) ، إِلاَّ أَنَّهُ أَوْمَأَ إِلَى التَّعْلِيل؛ لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الطَّوَافُ عِلَّةً لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ مُفِيدًا.
وَالْمُسْتَفَادُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى الأَْسْبَابِ: أَنْ يُرَتِّبَ الأَْحْكَامَ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ - أَوْ بِإِلْغَاءِ الَّتِي هِيَ لِلتَّعْقِيبِ - وَالتَّسْبِيبِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً
__________
(1) سورة الحشر / 7.
(2) سورة المائدة / 32.
(3) حديث: " إنها من الطوافين عليكم. . . ". أخرجه أحمد (5 / 303) والترمذي (1 / 154) من حديث أبي قتادة واللفظ لأحمد، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح) .
(4) البحر المحيط للزركشي 5 / 192.

(30/289)


فَهِيَ لَهُ (1) وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} . (2)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
9 - وَتَثْبُتُ الْعِلَّةُ كَذَلِكَ بِالإِْجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مُؤَثِّرٌ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُمْ: إِذَا قُدِّمَ الأَْخُ مِنَ الأَْبِ وَالأُْمِّ عَلَى الأَْخِ لِلأَْبِ فِي الْمِيرَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي وِلاَيَةِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْمِيرَاثِ بِسَبَبِ امْتِزَاجِ الأُْخُوَّةِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ بِالاِتِّفَاقِ.
وَكَذَلِكَ يُقَال: يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ وَإِنْ قُطِعَ؛ لأَِنَّهُ مَالٌ تَلِفَ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَيُضْمَنُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَهَذَا الْوَصْفُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْغَصْبِ اتِّفَاقًا.

إِثْبَاتُ الْعِلَّةِ بِالاِسْتِنْبَاطِ، وَطُرُقِ الاِسْتِدْلاَل:
10 - إِذَا لَمْ تَثْبُتِ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ - أَوْ إِجْمَاعٍ - بَحَثَ الْمُجْتَهِدُ فِي الأَْصْل الْمَنْصُوصِ عَلَى حُكْمِهِ عَنْ وَصْفٍ يُدْرِكُ الْعَقْل مُنَاسَبَتَهُ، أَيْ: صَلاَحِيَتَهُ لِرَبْطِ الْحُكْمِ بِهِ، وَبِنَائِهِ عَلَيْهِ، لِتَتَحَقَّقَ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ، فَإِذَا وَجَدَ فِي الْفِعْل الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا
__________
(1) حديث: " من أحيا أرضًا ميتة فهي له ". أخرجه الترمذي (3 / 655) من حديث جابر بن عبد الله وقال: " حديث حسن صحيح ".
(2) سورة المائدة / 38. وانظر المستصفى 2 / 288 وما بعدها، والبحر المحيط 5 / 32 وما بعدها 184 وما بعدها.

(30/289)


مُتَمَيِّزًا كَانَ هُوَ الْعِلَّةُ، وَإِذَا أَدْرَكَ وَصْفًا مُنَاسِبًا تَشُوبُهُ أَوْصَافٌ لاَ تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْحُكْمِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَنْقِيحِهِ أَيْ: تَخْلِيصِهَا مِمَّا يَشُوبُهَا مِنْ أَوْصَافٍ لاَ دَخْل لَهَا فِي الْعِلِّيَّةِ، وَيُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ، كَالأَْعْرَابِيِّ الَّذِي أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ.
وَإِذَا وَجَدَ فِي الْفِعْل عِدَّةَ أَوْصَافٍ مُنَاسِبَةٍ كَانَ سَبِيلُهُ إِلَى تَعْيِينِ أَحَدِهَا التَّقْسِيمَ، وَالسَّبْرَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُول: هَذَا الْحُكْمُ مُعَلَّلٌ وَلاَ عِلَّةَ لَهُ إِلاَّ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَطَل أَحَدُهُمَا فَيَتَعَيَّنُ الآْخَرُ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) المصادر السابقة.

(30/290)


عِلْمٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعِلْمُ فِي اللُّغَةِ: يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ وَالشُّعُورِ وَالإِْتْقَانِ وَالْيَقِينِ، يُقَال: عَلِمْتُ الشَّيْءَ أَعْلَمُهُ عِلْمًا عَرَفْتُهُ، وَيُقَال: مَا عَلِمْتُ بِخَبَرِ قُدُومِهِ أَيْ: مَا شَعَرْتُ، وَيُقَال: عَلِمَ الأَْمْرَ وَتَعَلَّمَهُ: أَتْقَنَهُ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ حُصُول صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْل.
وَاخْتَارَ الْعَضُدُ الإِْيجِيُّ بِأَنَّهُ: صِفَةٌ تُوجِبُ لِمَحَلِّهَا تَمْيِيزًا بَيْنَ الْمَعَانِي لاَ يَحْتَمِل النَّقِيضَ.
وَقَال صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ: وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلَفْظِ الْعِلْمِ هُوَ الإِْدْرَاكُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى مُتَعَلَّقٌ وَهُوَ الْمَعْلُومُ، وَلَهُ تَابِعٌ فِي الْحُصُول يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَيْهِ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ الْمَلَكَةُ، فَأُطْلِقَ لَفْظُ الْعِلْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا؛ إِمَّا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوِ اصْطِلاَحِيَّةً أَوْ مَجَازًا مَشْهُورًا (2) .
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير.
(2) شرح المواقف للجرجاني 1 / 62 وما بعدها ط. مطبعة السعادة 1325هـ، والكليات 3 / 204 وما بعدها، المستصفى 1 / 25.

(30/290)


الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجَهْل:
2 - الْجَهْل لُغَةً: نَقِيضُ الْعِلْمِ، وَيُطْلَقُ عَلَى السَّفَهِ وَالْخَطَأِ، يُقَال: جَهِل عَلَى غَيْرِهِ سَفِهَ وَأَخْطَأَ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الإِْضَاعَةِ، يُقَال: جَهِل الْحَقَّ أَضَاعَهُ، فَهُوَ جَاهِلٌ وَجَهُولٌ، وَتَجَاهَل: أَظْهَرَ الْجَهْل (1) .
وَالْجَهْل اصْطِلاَحًا: هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى خِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ.
فَالْجَهْل ضِدُّ الْعِلْمِ.

ب - الْمَعْرِفَةُ:
3 - الْمَعْرِفَةُ لُغَةً: اسْمٌ مِنْ مَصْدَرِ عَرَفَ، يُقَال: عَرَفْتُهُ عِرْفَةً بِالْكَسْرِ وَعِرْفَانًا: عَلِمْتُهُ بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ (2) ،.
وَاصْطِلاَحًا: إِدْرَاكُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.
قَال صَاحِبُ التَّعْرِيفَاتِ: وَهِيَ مَسْبُوقَةٌ بِجَهْلٍ بِخِلاَفِ الْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الْحَقُّ تَعَالَى بِالْعَالِمِ دُونَ الْعَارِفِ (3) .

أَقْسَامُ الْعِلْمِ:
4 - يَنْقَسِمُ الْعِلْمُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْكَلاَمِ إِلَى قَدِيمٍ وَحَادِثٍ.
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير.
(2) المصباح المنير.
(3) التعريفات للجرجاني، والكليات 4 / 219 - 296.

(30/291)


فَالْقَدِيمُ: هُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِلْمُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الأَْزَلِيَّةِ، وَهِيَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ تَنْكَشِفُ الْمَعْلُومَاتُ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا. (1)
وَالْعِلْمُ الْحَادِثُ: هُوَ عِلْمُ الْعِبَادِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: ضَرُورِيٌّ، وَاكْتِسَابِيٌّ.
فَالضَّرُورِيُّ مَا يَحْصُل فِي الْعَالَمِ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ وَتَخْلِيقِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَكَسْبٍ مِنْ جِهَتِهِ.
وَعَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيِّ بِأَنَّهُ: مَا لاَ يَكُونُ تَحْصِيلُهُ مَقْدُورًا لِلْمَخْلُوقِ، وَيُقَابِلُهُ الْعِلْمُ الاِكْتِسَابِيُّ وَهُوَ الْعِلْمُ الْمَقْدُورُ تَحْصِيلُهُ (2) .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ تَبَعًا لِفَائِدَةِ الْعِلْمِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَمِنْهُ مَا تَعَلُّمُهُ فَرْضٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ، وَالْفَرْضُ مِنْهُ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَمِنْهُ مَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
6 - فَمِنِ الْعُلُومِ الَّتِي تَعَلُّمُهَا فَرْضُ عَيْنٍ تَعَلُّمُ مَا يَحْتَاجُهُ الإِْنْسَانُ مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ وَالْعَقِيدَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْعَلاَّمِيِّ: مِنْ فَرَائِضِ الإِْسْلاَمِ تَعَلُّمُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ فِي إِقَامَةِ دِينِهِ وَإِخْلاَصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُعَاشَرَةِ عِبَادِهِ، وَفَرْضٌ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ وَمُكَلَّفَةٍ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ عِلْمَ الدِّينِ وَالْهِدَايَةِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الْوُضُوءِ
__________
(1) شرح العقائد النسفية للتفتازاني 83 ط. دار الطباعة العامرة.
(2) شرح المواقف للجرجاني 1 / 93 وما بعدها، والكليات 3 / 213.

(30/291)


وَالْغُسْل وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ، وَعِلْمِ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَهُ نِصَابٌ، وَالْحَجِّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْبُيُوعِ عَلَى التُّجَّارِ لِيَحْتَرِزُوا عَنِ الشُّبُهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ، وَكَذَا أَهْل الْحِرَفِ وَكُل مَنِ اشْتَغَل بِشَيْءٍ يُفْرَضُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ لِيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرَامِ فِيهِ (1) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: مِنْ أَقْسَامِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ تَعَلُّمُ الْمُكَلَّفِ مَا لاَ يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ إِلاَّ بِهِ، كَكَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا أَصْل وَاجِبِ الإِْسْلاَمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَائِدِ فَيَكْفِي فِيهِ التَّصْدِيقُ بِكُل مَا جَاءَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتِقَادُهُ اعْتِقَادًا جَازِمًا سَلِيمًا مِنْ كُل شَكٍّ، وَلاَ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ حَصَل لَهُ هَذَا تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُطَالِبْ أَحَدًا بِشَيْءٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ تَشَكَّكَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُصُول الْعَقَائِدِ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنَ اعْتِقَادِهِ وَلَمْ يَزُل شَكُّهُ إِلاَّ بِتَعَلُّمِ دَلِيلٍ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَجَبَ تَعَلُّمُ ذَلِكَ لإِِزَالَةِ الشَّكِّ وَتَحْصِيل ذَلِكَ الأَْصْل.
وَلاَ يَلْزَمُ الإِْنْسَانَ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ وَشِبْهِهَا إِلاَّ بَعْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 29 وما بعدها

(30/292)


الشَّيْءِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَشِبْهِهِمَا - مِمَّا لاَ يَجِبُ أَصْلُهُ - فَيَحْرُمُ الإِْقْدَامُ عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ شَرْطِهِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: عِلْمُ الْقَلْبِ هُوَ مَعْرِفَةُ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ كَالْحَسَدِ، وَالْعُجْبِ، وَشِبْهِهِمَا، فَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَطِبِّهَا وَعِلاَجِهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقَال غَيْرُهُ: إِنْ رُزِقَ الْمُكَلَّفُ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْ هَذِهِ الأَْمْرَاضِ الْمُحَرَّمَةِ كَفَاهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُ دَوَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ نَظَرَ: إِنْ تَمَكَّنَ مِنْ تَطْهِيرِ قَلْبِهِ مِنْ ذَلِكَ بِلاَ تَعَلُّمٍ لَزِمَهُ التَّطْهِيرُ، كَمَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الزِّنَا وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمِ أَدِلَّةِ التَّرْكِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّرْكِ إِلاَّ بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ تَعَيَّنَ حِينَئِذٍ (1) .

7 - وَأَمَّا الْعُلُومُ الَّتِي هِيَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَهِيَ الْعُلُومُ الَّتِي لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا فِي إِقَامَةِ دِينِهِمْ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، كَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالأَْحَادِيثِ، وَعُلُومِهِمَا وَالأُْصُول، وَالْفِقْهِ، وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ، وَمَعْرِفَةِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، وَالإِْجْمَاعِ، وَالْخِلاَفِ.
وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا: الْعُلُومُ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي قِوَامِ أَمْرِ الدُّنْيَا كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالصَّنَائِعِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ قِيَامِ
__________
(1) المجموع 1 / 24 وما بعدها، وإحياء علوم الدين 1 / 21، 3 / 47 ط مصطفى الحلبي 1939، والآداب الشرعية 2 / 36.

(30/292)


مَصَالِحِ الدُّنْيَا كَالْخِيَاطَةِ وَالْفِلاَحَةِ وَنَحْوِهِمَا (1) .

8 - وَالْعُلُومُ الْمَنْدُوبَةُ هِيَ التَّوَسُّعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَآلاَتِهَا، وَالاِطِّلاَعُ عَلَى غَوَامِضِهَا (2)

9 - وَأَمَّا الْعُلُومُ الْمُحَرَّمَةُ فَمِنْهَا: الشَّعْوَذَةُ، وَهِيَ: خِفَّةٌ فِي الْيَدِ كَالسِّحْرِ تَرَى الشَّيْءَ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ أَصْلُهُ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَفْتَى ابْنُ حَجَرٍ فِي أَهْل الْحِلَقِ فِي الطُّرُقَاتِ الَّذِينَ لَهُمْ أَشْيَاءُ غَرِيبَةٌ كَقَطْعِ رَأْسِ إِنْسَانٍ وَإِعَادَتِهِ وَجَعْل نَحْوِ دَرَاهِمَ مِنَ التُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى السَّحَرَةِ إِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلاَ لأَِحَدٍ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِمْ (3) .
وَمِنَ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ: الْكِهَانَةُ وَالسِّحْرُ وَالرَّمْل وَبَعْضُ أَنْوَاعِ التَّنْجِيمِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
وَأَمَّا عِلْمُ الْفَلْسَفَةِ فَيَرَى ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ لَفْظٌ يُونَانِيٌّ وَتَعْرِيبُهُ الْحِكَمُ الْمُمَوَّهَةُ أَيْ: مُزَيَّنَةُ الظَّاهِرِ فَاسِدَةُ الْبَاطِنِ، كَالْقَوْل بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُكَفِّرَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ.
وَذَكَرَ فِي الإِْحْيَاءِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِلْمًا بِرَأْسِهَا بَل
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 29، 30، والمجموع 1 / 26، 27.
(2) المراجع السابقة.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 30 وما بعدها.

(30/293)


هِيَ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ.
أَحَدُهَا: الْهَنْدَسَةُ وَالْحِسَابُ وَهُمَا مُبَاحَانِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْطِقُ وَهُوَ بَحْثٌ مِنْ وَجْهِ الدَّلِيل وَشُرُوطِهِ وَوَجْهِ الْحَدِّ وَشُرُوطِهِ وَهُمَا دَاخِلاَنِ فِي عِلْمِ الْكَلاَمِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: مَنْطِقُ الإِْسْلاَمِيِّينَ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ قَوَاعِدُ إِسْلاَمِيَّةٌ فَلاَ وَجْهَ لِلْقَوْل بِحُرْمَتِهِ، بَل سَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ مِعْيَارَ الْعُلُومِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ عُلَمَاءُ الإِْسْلاَمِ.
وَالثَّالِثُ: الإِْلَهِيَّاتُ، وَهُوَ بَحْثٌ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، انْفَرَدُوا فِيهِ بِمَذَاهِبَ بَعْضُهَا كُفْرٌ وَبَعْضُهَا بِدْعَةٌ.
الرَّابِعُ: الطَّبِيعِيَّاتُ، وَبَعْضُهَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، وَبَعْضُهَا بَحْثٌ عَنْ صِفَاتِ الأَْجْسَامِ وَخَوَاصِّهَا وَكَيْفِيَّةِ اسْتِحَالَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا (1) .
وَأَمَّا عِلْمُ الْمُوسِيقَى: فَهُوَ عِلْمٌ رِيَاضِيٌّ يُعْرَفُ مِنْهُ أَحْوَال النَّغَمِ وَالإِْيقَاعَاتِ، وَكَيْفِيَّةُ تَأْلِيفِ اللُّحُونِ، وَإِيجَادِ الآْلاَتِ (2) .
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ تَعَلُّمِهِ أَقْوَالٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِمَاع - غِنَاء - مَعَازِف)

10 - وَأَمَّا الْعُلُومُ الْمَكْرُوهَةُ فَهِيَ أَشْعَارُ
__________
(1) إحياء علوم الدين 1 / 21 و3 / 47.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 30 وما بعدها، والمجموع للنووي 1 / 27.

(30/293)


الْمُوَلَّدِينَ مِنَ الْغَزَل وَالْبَطَالَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْمَكْرُوهُ مِنْهُ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ صِنَاعَةً لَهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ وَأَشْغَلَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأََنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا (1) فَالْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ لاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ إِظْهَارَ النِّكَاتِ وَاللِّطَافَاتِ، وَالتَّشَابِيهِ الْفَائِقَةِ، وَالْمَعَانِي الرَّائِقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الْخُدُودِ وَالْقُدُودِ، أَمَّا الزَّهْرِيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَضَمِّنَةُ وَصْفَ الرَّيَاحِينِ وَالأَْزْهَارِ وَالْمِيَاهِ فَلاَ وَجْهَ لِمَنْعِهِ (2) .

11 - وَالْعُلُومُ الْمُبَاحَةُ كَأَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا سُخْفٌ، وَلاَ شَيْءَ مِمَّا يُكْرَهُ، وَلاَ مَا يُنَشِّطُ إِلَى الشَّرِّ، وَلاَ مَا يُثَبِّطُ عَنِ الْخَيْرِ، وَلاَ مَا يَحُثُّ عَلَى خَيْرٍ أَوْ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَيْهِ (3)

عُلُوٌّ

انْظُرْ: تَعَلِّي
__________
(1) حديث: " لأن يمتلئ جوف أحدكم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 548) من حديث ابن عمر.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 32، 33، المجموع 1 / 27.
(3) المراجع السابقة.

(30/294)


عُلُوقٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعُلُوقُ لُغَةً: مِنْ عَلِقَ بِالشَّيْءِ عَلَقًا وَعَلَقَةً: نَشِبَ فِيهِ، وَهُوَ عَالِقٌ بِهِ أَيْ: نَشِبَ فِيهِ، وَعَلِقَتِ الْمَرْأَةُ بِالْوَلَدِ، وَكُل أُنْثَى تَعْلَقُ: حَبِلَتْ، وَالْمَصْدَرُ الْعُلُوقُ وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ (عُلُوقٍ) عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْوَطْءُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الْوَطْءِ لُغَةً: النِّكَاحُ وَالْجِمَاعُ (2) ، أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَسْتَعْمِلُونَهُ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ (3) .

ب - الإِْنْزَال:
3 - مِنْ مَعَانِي الإِْنْزَال لُغَةً: إِنْزَال الرَّجُل مَاءَهُ، إِذَا أَمْنَى بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَيُطْلَقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى خُرُوجِ مَاءِ
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب، والمفردات، والمغرب.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير.
(3) ابن عابدين 2 / 135.

(30/294)


الرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةِ بِجِمَاعٍ أَوِ احْتِلاَمٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (1) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْعُلُوقِ وَبَيْنَ الْوَطْءِ وَالإِْنْزَال أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ وَكَذَا الإِْنْزَال فِي الْفَرْجِ يَكُونَانِ سَبَبًا لِلْعُلُوقِ، إِذِ الْعُلُوقُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْمَنِيِّ.

أَثَرُ الْعُلُوقِ:
4 - الْعُلُوقُ فِي الْفِرَاشِ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ فَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لَهُ وَوَطِئَهَا وَلَمْ يُشَارِكْهُ أَحَدٌ فِي وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فِي الْمُدَّةِ الْمُقَرَّرَةِ لِلْحَمْل الَّتِي حَدَّدَهَا الْفُقَهَاءُ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ؛ لأَِنَّ الْوَلَدَ وُجِدَ مِنْ وَطْءٍ عَلَى فِرَاشِ الزَّوْجِ، وَالْعُلُوقُ فِي فِرَاشِهِ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (نَسَب)

. أَثَرُ الْعُلُوقِ فِي الرَّجْعَةِ:
5 - الْمُطَلَّقَةُ طَلاَقًا رَجْعِيًّا يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَلِدُهُ
__________
(1) القاموس المحيط، وحاشية ابن عابدين 2 / 100، وحاشية الشرواني 3 / 410.
(2) بدائع الصنائع 2 / 331 - 332 و3 / 211 - 212 وفتح القدير 4 / 169 - 170، والدسوقي 2 / 459، والشرح الصغير 1 / 500 ط. الحلبي، ومغني المحتاج 3 / 313، والمهذب 2 / 122، وشرح منتهى الإرادات 3 / 211 - 214 وكشاف القناع 5 / 405 - 409.

(30/295)


وَلَوْ لأَِكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلَوْ لِعِشْرِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لاِحْتِمَال امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَعُلُوقِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ الَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ مُرَاجِعًا، وَتَكُونُ الْوِلاَدَةُ دَلِيل الرَّجْعَةِ؛ لأَِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ فَحَمْلُهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ يُحْمَل عَلَى الْحَلاَل؛ لاِنْتِفَاءِ الزِّنَى مِنَ الْمُسْلِمِ ظَاهِرًا (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (رَجْعَة ف 13)

أَثَرُ الْعُلُوقِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالإِْرْثِ:
6 - لِلْعُلُوقِ أَثَرٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَالإِْرْثِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْل وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلإِْرْثِ فَتُوقَفُ التَّرِكَةُ لِوَضْعِ الْحَمْل.
وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِرْث ف 109، وَوَصِيَّة) .
__________
(1) الزيلعي 3 / 39 - 40 وابن عابدين 2 / 623.

(30/295)


عَمًى

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَمَى فِي اللُّغَةِ: ذَهَابُ الْبَصَرِ كُلِّهِ، يُقَال: عَمِيَ يَعْمَى عَمًى فَهُوَ أَعْمَى: إِذَا فَقَدَ بَصَرَهُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَالأُْنْثَى عَمْيَاءُ، وَلاَ يَقَعُ هَذَا النَّعْتُ عَلَى الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ؛ لأَِنَّ الْمَعْنَى يَقَعُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَيُطْلَقُ عَلَى فَقْدِ الْبَصِيرَةِ، يُقَال: عَمِيَ فُلاَنٌ عَنْ رُشْدِهِ، وَعَمِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ (1) ، قَال تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَْبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . (2)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَوَرُ:
2 - الْعَوَرُ: نَقْصُ بَصَرِ الْعَيْنِ، يُقَال عَوِرَتِ الْعَيْنُ عَوَرًا نَقَصَتْ أَوْ غَارَتْ فَالرَّجُل أَعْوَرُ وَالأُْنْثَى عَوْرَاءُ (3) .
__________
(1) لسان العرب، ومتن اللغة، ومختار الصحيح.
(2) سورة الحج / 46.
(3) المصباح المنير.

(30/296)


فَالْعَمَى: فَقْدُ الْبَصَرِ، وَالْعَوَرُ: نَقْصُ الْبَصَرِ.

ب - الْعَمَشُ:
3 - الْعَمَشُ هُوَ سَيَلاَنُ الدَّمْعِ مَعَ ضَعْفِ الْبَصَرِ، يُقَال عَمِشَتِ الْعَيْنُ عَمَشًا مِنْ بَابِ تَعِبَ سَال دَمْعُهَا فِي أَكْثَرِ الأَْوْقَاتِ مَعَ ضَعْفِ الْبَصَرِ، فَالرَّجُل أَعْمَشُ وَالأُْنْثَى عَمْشَاءُ (1) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَمَى:
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْعَمَى لاَ يُزِيل الأَْهْلِيَّةَ فَالْمُصَابُ بِهَذِهِ الآْفَةِ كَالْبَصِيرِ فِي الأَْحْكَامِ إِلاَّ فِي بَعْضِ أُمُورٍ اقْتَضَتْهَا الضَّرُورَةُ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ بَدَنِيَّةً كَانَتْ أَمْ مَالِيَّةً، إِلاَّ مَا أُسْقِطَ لِعُذْرٍ أَوْ لِضَرُورَةٍ (2) .

تَخَلُّفُ الأَْعْمَى عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى الأَْعْمَى إِذَا كَانَ يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ أَوْ يَجِدُ مَنْ يَقُودُهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ وَجَدَ مُتَبَرِّعًا يَقُودُهُ مَجَّانًا أَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْل (3)
__________
(1) المصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 68.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 547، وجواهر الإكليل 1 / 100، وأسنى المطالب 1 / 236، وكشاف القناع 1 / 495.

(30/296)


وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلاَةُ الْجُمُعَةِ ف 15)

. أَذَانُ الأَْعْمَى:
6 - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ أَذَانُ الأَْعْمَى إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَصِيرٌ يُعْلِمُهُ دُخُول الْوَقْتِ؛ لأَِنَّهُ رُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّل الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِالسُّؤَال عَنْهُ، وَالتَّحَرِّي فِيهِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُكْرَهُ أَذَانُهُ؛ لأَِنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي الأُْمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مَقْبُولاً فَيَحْصُل بِهِ الإِْعْلاَمُ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي: (أَذَان) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ أَذَانُ الأَْعْمَى جَائِزٌ وَكَانَ مَالِكٌ لاَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الأَْعْمَى مُؤَذِّنًا، وَلاَ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ أَذَانِهِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْل الثِّقَةِ وَالأَْمَانَةِ (2) .

إِمَامَةُ الأَْعْمَى:
7 - قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ تُكْرَهُ إِمَامَةُ الأَْعْمَى فِي الصَّلاَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ فَلاَ كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِنَّهُ كَالْبَصِيرِ فِي
__________
(1) ابن عابدين 1 / 261، وأسنى المطالب 1 / 129، وكشاف القناع 1 / 235.
(2) مواهب الجليل مع التاج والإكليل 1 / 451.

(30/297)


إِمَامَةِ الصَّلاَةِ، لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا؛ لأَِنَّ الأَْعْمَى لاَ يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ وَالْبَصِيرُ يَرَى الْخُبْثَ لِتَجَنُّبِهِ عَنِ النَّجَاسَاتِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِمَامَةُ الصَّلاَةِ ف 24)

شَهَادَةُ الأَْعْمَى:
8 - لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الأَْعْمَى عَلَى الْمَرْئِيَّاتِ، وَتُقْبَل شَهَادَتُهُ فِيمَا يُدْرَكُ بِالذَّوْقِ، وَاللَّمْسِ، وَالشَّمِّ؛ لأَِنَّ الإِْدْرَاكَ بِهَذِهِ الْحَوَاسِّ يَسْتَوِي فِيهَا الأَْعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ شَهَادَتِهِ بِالْمَسْمُوعَاتِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَة ف 19)

عَقْدُ الأَْعْمَى:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الأَْعْمَى بِالصِّفَةِ لِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِالصِّفَةِ لِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: كُل عَقْدٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ لاَ يَصِحُّ مِنَ الأَْعْمَى، كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالاِرْتِهَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا
__________
(1) حاشية الدسوقي 4 / 167، وجواهر الإكليل 2 / 233، والمغني 6 / 453.
(2) ابن عابدين 4 / 68، وحاشية الدسوقي 3 / 24 وكشاف القناع 3 / 165.

(30/297)


يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَمَّا مَا لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ كَالسَّلَمِ فَيَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الأَْعْمَى بِهِ إِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَال فِي الذِّمَّةِ؛ لأَِنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ بِالْوَصْفِ لاَ الرُّؤْيَةِ؛ وَلأَِنَّهُ يَعْرِفُ صِفَتَهُ بِالسَّمَاعِ، وَيَتَخَيَّل مَا يُمَيِّزُهُ (1) .
وَيُوَكِّل غَيْرَهُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ مُبَاشَرَتُهُ فِي الْعُقُودِ (2) .

لِعَانُ الأَْعْمَى:
10 - يَصِحُّ لِعَانُ الأَْعْمَى بِزِنًا تَيَقَّنَهُ: بِلَمْسٍ، أَوْ سَمَاعٍ؛ لأَِنَّ الْعِلْمَ بِهِ يَحْصُل لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقٍ: مِنْ جَسٍّ، أَوْ حِسٍّ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: " لِعَان ".
__________
(1) نهاية المحتاج 3 / 422، 6 / 218.
(2) المصادر السابقة، وأسنى المطالب 2 / 18.

(30/298)


عِمَارَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعِمَارَةُ فِي اللُّغَةِ مَا يَعْمُرُ بِهِ الْمَكَانُ، يُقَال: عَمَّرَ اللَّهُ بِكَ مَنْزِلَكَ: وَأَعْمَرَهُ جَعَلَهُ آهِلاً عَامِرًا بِكَ، وَعَمَّرْتُ الْخَرَابَ أَعْمُرُهُ عِمَارَةً أَحْيَيْتُهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْبِنَاءِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْقِيَامُ بِمَا يُصْلِحُ الْعَقَارَ، أَوِ الْبِنَاءَ مِنْ إِحْيَاءِ الأَْرْضِ، وَتَرْمِيمِ الْبِنَاءِ، وَتَجْصِيصِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُصْلِحُهُ عُرْفًا (2) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبِنَاءُ:
2 - الْبِنَاءُ: وَضْعُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ عَلَى وَجْهٍ يُرَادُ بِهِ الثُّبُوتُ (3) .
فَالْبِنَاءُ أَخَصُّ مِنَ الْعِمَارَةِ.

ب - التَّرْمِيمُ:
3 - التَّرْمِيمُ: إِصْلاَحُ الْبِنَاءِ (4) .
__________
(1) لسان العرب، متن اللغة.
(2) القليوبي 3 / 108.
(3) الكليات 1 / 417.
(4) أساس البلاغة.

(30/298)


وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْعِمَارَةِ.

ج - الإِْحْيَاءُ:
4 - الإِْحْيَاءُ: عِمَارَةُ الأَْرْضِ الْخَرِبَةِ بِبِنَاءٍ، أَوْ غَرْسٍ، أَوْ سَقْيٍ (1) وَيَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ بِاخْتِلاَفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَيُقَال: إِحْيَاءُ السُّنَّةِ وَإِحْيَاءُ اللَّيْل وَنَحْوِهِمَا.
وَعَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْعِمَارَةِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعِمَارَةِ:
5 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الْعِمَارَةِ بِاخْتِلاَفِ الْمَعْمُورِ، فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ عِمَارَةُ الْمَوْقُوفِ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ، أَوْ مِنْ جِهَةٍ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ عِمَارَةُ عَقَارِ مُوَلِّيهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ لَهُ، وَعَلَى النَّاظِرِ فِي الْمُشْتَرَكِ بِطَلَبِ شَرِيكِهِ، سَوَاءٌ الْمَوْقُوفُ وَالْمَمْلُوكُ لِنَحْوِ مَسْجِدٍ، وَعَلَى وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عِمَارَةُ أَمْلاَكِهِ، وَعَلَى وَلِيِّ الأَْمْرِ فِي مَال غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ لاَ وَارِثَ لَهُ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، أَمَّا الْبَالِغُ الرَّشِيدُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِمَارَةُ أَمْلاَكِهِ مِمَّا لاَ رُوحَ لَهُ كَقَنَاةٍ وَدَارٍ، وَأَرْضٍ لَهُ خَرَابٍ؛ لأَِنَّ تَنْمِيَةَ الْمَال غَيْرُ وَاجِبَةٍ، لَكِنَّهُ يُنْدَبُ عِمَارَتُهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا حَذَرًا مِنْ إِضَاعَةِ الْمَال بِغَيْرِ الْفِعْل (2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 277، وحاشية القليوبي 3 / 87.
(2) حاشية القليوبي 4 / 95.

(30/299)


عِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ:
6 - عِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ مَأْمُورٌ بِهَا بِالْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِنْ قَامَ بِهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ الإِْثْمُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ تَرَكُوهَا جَمِيعًا أَثِمُوا جَمِيعًا، قَال تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ} (1) قَال ابْنُ كَثِيرٍ (2) فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ: إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِمَارَتُهَا لِهَؤُلاَءِ الْجَامِعِينَ لِلْكَمَالاَتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَمِنْ عِمَارَتِهَا: بِنَاؤُهَا، وَتَزْيِينُهَا بِالْفُرُشِ، وَتَنْوِيرُهَا بِالسُّرُجِ، وَإِدَامَةُ الْعِبَادَةِ وَدَرْسِ الْعِلْمِ فِيهَا، وَصِيَانَتُهَا عَمَّا لَمْ تُبْنَ لَهُ كَحَدِيثِ الدُّنْيَا، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: قَال تَعَالَى: إِنَّ بُيُوتِي فِي أَرْضِي الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ زُوَّارِي عُمَّارُهَا، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي فَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ (3)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (مَسْجِد) .
__________
(1) سورة التوبة / 18.
(2) تفسير ابن كثير في قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله) وروح المعاني، والقليوبي 3 / 108.
(3) حديث: " قال الله: إن بيوتي في أرضي المساجد ". قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (2 / 354 - بحاشية الكشاف) لم أجده هكذا، وفي الطبراني عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر لله، وحق على المزور أن يكرم زائره "، وهذا أورده الهيثمي في المجمع (2 / 31) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح.

(30/299)


عِمَامَة

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعِمَامَةُ لُغَةً: اللِّبَاسُ الَّذِي يُلاَثُ (يُلَفُّ) عَلَى الرَّأْسِ تَكْوِيرًا، وَتَعَمَّمَ الرَّجُل: كَوَّرَ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَالْجَمْعُ عَمَائِمُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَذَبَةُ:
2 - الْعَذَبَةُ: طَرَفُ الشَّيْءِ كَعَذَبَةِ الصَّوْتِ وَاللِّسَانِ أَيْ: طَرَفُهُمَا، وَالطَّرَفُ الأَْعْلَى لِلْعِمَامَةِ يُسَمَّى عَذَبَةً وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلاِصْطِلاَحِ الْعُرْفِيِّ (3) .

ب - الذُّؤَابَةُ:
3 - الذُّؤَابَةُ تُطْلَقُ عَلَى الضَّفِيرَةِ مِنَ الشَّعْرِ إِذَا كَانَتْ مُرْسَلَةً كَمَا تُطْلَقُ عَلَى طَرَفِ الْعِمَامَةِ،
__________
(1) المصباح المنير والمعجم الوسيط والمخصص لابن سيده 4 / 81.
(2) قواعد الفقه للبركتي.
(3) إرشاد الساري 8 / 428.

(30/300)


وَالْجَمْعُ ذَوَائِبُ وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.
فَالْعَذَبَةُ وَالذُّؤَابَةُ جُزْءٌ مِنَ الْعِمَامَةِ.
وَلاَ يُفَرِّقُ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْعَذَبَةِ وَالذُّؤَابَةِ (1) .

ج - الْعِصَابَةُ:
4 - لِلْعِصَابَةِ فِي الاِسْتِعْمَال الْعَرَبِيِّ عِدَّةُ مَعَانٍ مُتَشَابِهَةٍ: الْعِصَابَةُ بِمَعْنَى الْعِمَامَةِ، فَهِيَ مُرَادِفَةٌ لَهَا.
قَال الْجَاحِظُ: وَالْعِصَابَةُ وَالْعِمَامَةُ سَوَاءٌ (2) .
فَهِيَ مُرَادِفَةٌ لِلْعِمَامَةِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ (3) ، وَفُسِّرَتِ الْعَصَائِبُ هُنَا بِالْعَمَائِمِ.
وَتُطْلَقُ الْعِصَابَةُ عَلَى مَا يُشَدُّ بِهِ الرَّأْسُ وَغَيْرُهُ، فَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنَ الْعِمَامَةِ.

د - الْمِعْجَرُ:
5 - الْمِعْجَرُ: ثَوْبٌ أَصْغَرُ مِنَ الرِّدَاءِ وَأَكْبَرُ مِنَ
__________
(1) المصباح المنير وكشاف القناع 1 / 57 - 119.
(2) البيان والتبيين 3 / 99 تحقيق عبد السلام هارون (نشر لجنة التأليف والترجمة مصر ط 11 - 1368 - 1949) .
(3) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابهم. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 101) من حديث ثوبان، وقال ابن حجر في التلخيص (1 / 89) : منقطع.

(30/300)


الْمِقْنَعَةِ تَعْتَجِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فَتَلُفَّهُ عَلَى اسْتِدَارَةِ رَأْسِهَا ثُمَّ تَجَلْبَبُ فَوْقَهُ بِجِلْبَابِهَا، وَالْجَمْعُ الْمَعَاجِرُ.
وَيَكُونُ الاِعْتِجَارُ بِالْمِعْجَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ وَبِالْعِمَامَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَال، وَهُوَ لَيُّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ إِدَارَةٍ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ لَفُّ الْعِمَامَةَ دُونَ التَّلَحِّي.
وَالاِعْتِجَارُ بِالْعِمَامَةِ أَنْ يَلُفَّهَا عَلَى رَأْسِهِ وَيَرُدَّ طَرَفَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَلاَ يَعْمَل مِنْهَا شَيْئًا تَحْتَ ذَقَنِهِ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمِعْجَرِ وَالْعِمَامَةِ أَنَّ الْمِعْجَرَ وَالْعِمَامَةَ كِلَيْهِمَا يُلَفُّ بِهِ الرَّأْسُ غَيْرَ أَنَّ الْمِعْجَرَ لِلْمَرْأَةِ وَالْعِمَامَةَ لِلرَّجُل.

هـ - الْقِنَاعُ:
6 - يُطْلَقُ الْقِنَاعُ وَالْمِقْنَعُ وَالْمِقْنَعَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْقُمَاشِ يَضَعُهُ الْجِنْسَانِ عَلَى الرَّأْسِ (2) .
وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْخِمَارِ الَّذِي تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا (3) .
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْقِنَاعَ بِمَا يُفِيدُ خُصُوصِيَّتَهُ بِالْمَرْأَةِ فَقَالاَ: " الْقِنَاعُ وَالْمِقْنَعَةُ: مَا تَتَقَنَّعُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ ثَوْبٍ يُغَطِّي رَأْسَهَا وَمَحَاسِنَهَا ".
__________
(1) فتح الباري 7 / 369، ولسان العرب.
(2) المعجم المفصل: 303.
(3) المرجع نفسه: 305.

(30/301)


وَوَصَفَ الْبَعْضُ الرَّجُل بِالتَّقَنُّعِ فَقَال: رَجُلٌ مُقَنَّعٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ بَيْضَةٌ وَمِغْفَرٌ (1) فَالْقِنَاعُ يُسْتَعْمَل لِلنِّسَاءِ، وَالْعِمَامَةُ لِلرِّجَال.

و الْقَلَنْسُوَةُ:
7 - الْقَلَنْسُوَةُ لُغَةً مِنْ مَلاَبِسِ الرُّءُوسِ وَتُجْمَعُ عَلَى قَلاَنِسَ، وَالتَّقْلِيسُ لُبْسُ الْقَلَنْسُوَةِ (2) .
وَاصْطِلاَحًا - مَا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ وَيُتَعَمَّمُ فَوْقَهُ أَوْ هِيَ الطَّاقِيَّةُ (3) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ الْعِمَامَةَ تُلَفُّ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ غَالِبًا.

أَشْكَال الْعِمَامَةِ:

8 - لِلْعِمَامَةِ عِدَّةُ أَشْكَالٍ مِنْهَا:
أَنْ يَلُفَّ الشَّخْصُ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَيَسْدُلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ، وَتُسَمَّى بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ " الْقِعَاطَةَ ".
أَنْ تُلَفَّ عَلَى الرَّأْسِ دُونَ التَّلَحِّي بِهَا، وَتُسَمَّى الاِعْتِجَارُ.
أَنْ يُرْخَى طَرَفَاهَا مِنْ نَاحِيَتَيِ الرَّأْسِ وَتُسَمَّى " الزَّوْقَلَةُ ".
أَنْ تُلاَثَ عَلَى الرَّأْسِ وَلاَ تُسْدَل عَلَى الظَّهْرِ وَلاَ تُرَدَّ تَحْتَ الْحَنَكِ وَتُسَمَّى " الْقَفْدَاءُ (4) "
__________
(1) لسان العرب مادة (قنع) .
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح.
(3) الدر المختار 1 / 181، الدسوقي 1 / 163.
(4) المخصص لابن سيدة 4 / 84 ونقل هذه المعاني صلاح حسين العبيدي في كتابه الملابس العربية الإسلامية في العصر العباسي ص113 - 114.

(30/301)


صِفَةُ عَمَائِمِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
9 - رَوَى الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَخْبَارًا تَتَعَلَّقُ بِعِمَامَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّتْ عَلَى لَوْنِهَا وَشَكْلِهَا وَنَوْعِهَا.
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَل يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. (1)
وَالْعِمَامَةُ بِهَذَا اللَّوْنِ اسْتَعْمَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ الْخَطَابَةِ، فَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. (2)
وَعَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَال: رَأَيْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِزَعْفَرَانٍ رِدَاءً وَعِمَامَةً. (3)
وَكَانَتْ لِعِمَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَبَةٌ وَكَانَ يُسْدِلُهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ
__________
(1) حديث جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة ". أخرجه مسلم (2 / 990) .
(2) حديث جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس. . . ". أخرجه مسلم (2 / 990) .
(3) الحاوي للفتاوي 2 / 104. وحديث عبد الله بن جعفر " رأيت على النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين. . . ". أخرجه الحاكم (3 / 568) وأبو يعلى (12 / 160) وذكر ابن حجر في فتح الباري (10 / 305) تضعيف أحد رواته.

(30/302)


أَبِيهِ قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا (1) . بَيْنَ كَتِفَيْهِ. (2)
تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالإِْضَافَةِ إِلَى التَّنْصِيصِ عَلَى لَوْنِ عِمَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِْخْبَارَ بِإِرْخَائِهِ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
وَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِذَلِكَ فَقَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَمَّ سَدَل عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. (3)
وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ قَطَرِيَّةٍ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ، فَأَدْخَل يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ (4) وَفُسِّرَتِ الْعِمَامَةُ الْقَطَرِيَّةُ
__________
(1) علق النووي على هذه التثنية فقال: هكذا هو في جمع نسخ بلادنا وغيرها " طرفيه " بالتثنية وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف: " طرفها " بالإفراد، وأن بعضهم رواه طرفيها بالتثنية. شرح مسلم على هامش القسطلاني 6 / 66 - 67. وجاء عند أبي داود بالإفراد: السنن 26 كتاب اللباس 24 باب في العمائم.
(2) حديث عمرو بن حريث: " كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 990) .
(3) حديث ابن عمر: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 225 - 226) وقال: حديث حسن غريب.
(4) حديث أنس: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وعليه عمامة. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 102 - 103) والحاكم (1 / 169) وأشار الذهبي إلى عدم صحته.

(30/302)


بِتَفْسِيرَيْنِ:
الأَْوَّل: قِيل هِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَلَهَا أَعْلاَمٌ وَفِيهَا بَعْضُ الْخُشُونَةِ.
الثَّانِي: قِيل هِيَ حُلَلٌ جِيَادٌ تُحْمَل مِنْ قَرْيَةٍ فِي الْبَحْرَيْنِ يُقَال لَهَا قَطَرٌ (1) .
وَأَمَّا مِقْدَارُهَا فَقَدْ لاَحَظَ السُّيُوطِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ فِي مِقْدَارِ عِمَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَنْتَجَ مِنْ حَدِيثٍ نَسَبَهُ إِلَى الْبَيْهَقِيِّ يَصِفُ تَعَمُّمَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهَا عِدَّةُ أَذْرُعٍ، ثُمَّ قَال " وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَذْرُعٍ أَوْ فَوْقَهَا بِيَسِيرٍ (2) ".
وَمِنَ الأَْوْصَافِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا: سَدْل الْعِمَامَةِ.
وَصَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِمَامَتَهُ فَقَال: عَمَّمَنِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي. (3)
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُسْدِل عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَمِمَّنْ فَعَل ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ سَالِمُ بْنُ
__________
(1) قال الأزهري في أعراض البحرين قرية يقال لها قطر. وأحسب الثياب القطرية نسبت إليها فكسروا القاف للنسبة وحفظوا. (النهاية لابن الأثير 4 / 80) .
(2) الحاوي للفتاوي 1 / 72 - 73.
(3) حديث عبد الرحمن بن عوف: " عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 341) وذكر المنذري في مختصر السنن (6 / 45) أن فيه رجلاً مجهولاً.

(30/303)


عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (1) .
وَثَبَتَ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ جَعَل فِي عِمَامَتِهِ عَلاَمَةً لِيُعْرَفَ بِهَا.
وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ الْعِمَامَةَ نَفْسَهَا سِمَةً فَقَدْ كَانَ حَمْزَةُ يَوْمَ بَدْرٍ مُعَلَّمًا بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ حَمْرَاءَ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ مُعَلَّمًا بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ (2)

. صِفَةُ عَمَائِمِ أَهْل الذِّمَّةِ:
10 - لَبِسَ أَهْل الذِّمَّةِ الْعَمَائِمَ الْمُلَوَّنَةَ تَمْيِيزًا لَهُمْ فَكَانَتْ عَمَائِمُ الْمَسِيحِيِّينَ زَرْقَاءَ وَعَمَائِمُ الْيَهُودِ صَفْرَاءَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُمْ بِذَلِكَ (3) .
بَيْدَ أَنَّ هَذِهِ التَّعْلِيمَاتِ لَمْ تُطَبَّقْ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ تَعَمَّمَ الْمُسْلِمُونَ بِالْعَمَائِمِ الْمُلَوَّنَةِ، وَمِنْ صِفَاتِ عَمَائِمِ أَهْل الذِّمَّةِ خُلُوُّهَا مِنَ الْعَذَبَةِ، عَدَمُ إِدَارَتِهَا تَحْتَ الْحَنَكِ عِنْدَ التَّعَمُّمِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: ". . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلاَ لَهَا ذُؤَابَةٌ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهَا عَلَى صِفَةِ عَمَائِمِ أَهْل الذِّمَّةِ " (4)
__________
(1) انظر سنن الترمذي 25 كتاب اللباس 12 باب في سدل العمامة بين الكتفين.
(2) البيان والتبيين للجاحظ 3 / 101.
(3) الملابس العربية الإسلامية للعبيدي 117 تعليق 122 وقد نقل هذه المعلومات عن (ماير) الملابس المملوكية: 115 - 116.
(4) المغني: 1 / 301.

(30/303)


الصَّلاَةُ بِالْعِمَامَةِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلاَةِ لِلرَّجُل بِعِمَامَةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا؛ لأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالْعِمَامَةِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَوَاجِبٌ سَتْرُ رَأْسِهَا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلاَةِ الرَّجُل مَكْشُوفَ الرَّأْسِ إِذَا كَانَ تَكَاسُلاً لِتَرْكِ الْوَقَارِ، لاَ لِلتَّذَلُّل وَالتَّضَرُّعِ
(1) انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَأْس ف 5)

السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَْرْضِ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ (2) وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ (3) وَعَنِ الْحَسَنِ قَال: كَانَ
__________
(1) انظر مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه (197) ط. الثانية ببولاق مصر 1318هـ.
(2) حديث أنس: " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 492) ومسلم (1 / 433) واللفظ له.
(3) حديث: " أنه سجد على كور عمامته. . . ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1 / 400) وأورده الزيلعي في نصب الراية (1 / 384) وذكر تضعيف أبي حاتم لأحد رواته.

(30/304)


أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَسْجُدُ الرَّجُل عَلَى عِمَامَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى وُجُوبِ كَشْفِ الْجَبْهَةِ وَمُبَاشَرَتِهَا بِالْمُصَلَّى، وَعَدَمِ جَوَازِ السُّجُودِ عَلَى كُمِّهِ وَذَيْلِهِ وَيَدِهِ وَكَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ قَلَنْسُوَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ، وَيَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الأَْرْضِ (2) الْحَدِيثَ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَْرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: أَتَيْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا (3) ، وَفِي رِوَايَةٍ فَمَا أَشْكَانَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَرْضٌ، وَيُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ إِنْ كَانَ لَفَّتَيْنِ مِنْ شَالٍ رَقِيقٍ كَشَاشٍ وَلاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ لَفَّتَيْنِ وَاسْتَقَرَّتْ
__________
(1) حديث الحسن: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 492) تعليقًا ووصله البيهقي (2 / 106) .
(2) حديث: " إذا سجدت فمكن جبهتك. . . ". أخرجه ابن حبان (5 / 206) من حديث ابن عمر وحسن إسناده البيهقي في دلائل النبوة (6 / 294) .
(3) حديث خباب: " أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه. . . ". أخرجه مسلم (1 / 433) ورواية " فما أشكانا " أخرجها ابن المنذر في الأوسط (2 / 358) .

(30/304)


عَلَيْهِ الْجَبْهَةُ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِمَامَةُ مَشْدُودَةً عَلَى الرَّأْسِ وَسَجَدَ عَلَى كَوْرِهَا وَلَمْ تَمَسَّ جَبْهَتُهُ الأَْرْضَ فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ يُعِيدُهَا أَبَدًا وُجُوبًا (1) .
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (سُجُود ف 7) ، وَمُصْطَلَحِ: (صَلاَة ف 101) .

حُكْمُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ:
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَرَجَ فِي نَزْعِهَا (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِنْ خِيفَ ضَرَرٌ بِسَبَبِ نَزْعِهَا مِنَ الرَّأْسِ وَلَمْ يُمْكِنْ حَلُّهَا، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ مُبَاشَرَةً مَسَحَهُ وَكَمَّل عَلَى عِمَامَتِهِ وُجُوبًا (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَإِنْ لَبِسَهَا عَلَى حَدَثٍ سَوَاءٌ عَسِرَ عَلَيْهِ تَنْحِيَتُهَا أَمْ لاَ، وَلاَ يَكْفِي الاِقْتِصَارُ عَلَى الْعِمَامَةِ بَل يَمْسَحُ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالأَْفْضَل أَنْ لاَ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَل مِنَ النَّاصِيَةِ (4) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ. (5)
__________
(1) انظر جواهر الإكليل 1 / 54.
(2) ابن عابدين 1 / 181، فتح القدير 1 / 109.
(3) جواهر الإكليل 1 / 29.
(4) مغني المحتاج 1 / 60، والقليوبي 1 / 54.
(5) حديث المغيرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 308) ومسلم (1 / 231) واللفظ لمسلم.

(30/305)


وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَبِهِ قَال عُمَرُ وَأَنَسُ وَأَبُو أُمَامَةَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَكْحُولٌ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: مِمَّنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (1) .
وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ بِمَا رُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مَسْح، وَوُضُوء) .

الْعِمَامَةُ لِلْمَيِّتِ:
14 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ اشْتِمَال الْكَفَنِ عَلَى قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ، وَاعْتَمَدَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدًا فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلاَثِ لَفَائِفَ وَأَدَارَ الْعِمَامَةَ إِلَى تَحْتِ حَنَكِهِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: وَالرَّجُل أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعَمَّمَ. قَال: إِنَّ مِنْ شَأْنِ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 181، والمغني لابن قدامة 1 / 300.

(30/305)


الْمَيِّتِ عِنْدَنَا أَنْ يُعَمَّمَ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الأَْفْضَل أَنْ لاَ يَكُونَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ (2) ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كُفِّنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ (3) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

لُبْسُ الْعِمَامَةِ فِي الإِْحْرَامِ:
15 - الْعِمَامَةُ مِنَ اللِّبَاسِ الْمُحَرَّمِ فِي الإِْحْرَامِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ بَيَّنَ فِيهِ مَا يُمْنَعُ عَلَى الْمُحْرِمِ لِبَاسُهُ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً قَال: يَا رَسُول اللَّهِ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْبَرَانِسَ وَلاَ الْخِفَافَ إِلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَل مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ.
(4)
__________
(1) عمدة القارئ 8 / 50 والمدونة 1 / 187 و188.
(2) شرح مسلم للنووي على هامش القسطلاني 4 / 266 المغني جـ2 / 464.
(3) حديث عائشة: " كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 135)
(4) حديث ابن عمر أن رجلاً قال: " يا رسول الله ". أخرجه البخاري (3 / 401) ومسلم (2 / 834) واللفظ للبخاري.

(30/306)


قَال النَّوَوِيُّ: نَبَّهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ عَلَى كُل سَاتِرٍ لِلرَّأْسِ مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى الْعِصَابَةِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا لِشَجَّةٍ أَوْ صُدَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا شَدَّهَا، وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ (1)

التَّعْزِيرُ بِخَلْعِ الْعِمَامَةِ:
16 - التَّعْزِيرُ عُقُوبَةٌ فِيمَا لاَ حَدَّ وَلاَ كَفَّارَةَ، يَجْتَهِدُ الْقَاضِي فِي تَقْدِيرِهَا.
وَمِمَّا يُعَزَّرُ بِهِ خَلْعُ الْعِمَامَةِ، قَال ابْنُ شَاسٍ كَانُوا يُعَاقِبُونَ الرَّجُل عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ جِنَايَتِهِ، مِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَامُ وَاقِفًا عَلَى قَدَمَيْهِ فِي الْمَحَافِل، وَمِنْهُمْ مَنْ تُنْزَعُ عِمَامَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَل إِزَارُهُ (2) .
__________
(1) شرح مسلم للنووي على هامش القسطلاني 5 / 182.
(2) المواق، التاج الإكليل على هامش شرح مختصر خليل 6 / 319، وهذا الكلام نفسه نسب إلى بكر الطرشوشي في تبصرة الحكام لابن فرحون على هامش فتح العل لعليش 2 / 295 - 296.

(30/306)


عَمْد

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَمْدُ فِي اللُّغَةِ: قَصْدُ الشَّيْءِ وَالاِسْتِنَادُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّيَّةِ يُقَال: تَعَمَّدَ وَتَعَمَّدَ لَهُ وَعَمَدَ إِلَيْهِ وَلَهُ، أَيْ قَصَدَهُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقَصْدُ:
2 - يُقَال: قَصَدْتُ الشَّيْءَ وَلَهُ وَإِلَيْهِ قَصْدًا: إِذَا طَلَبْتَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَصَدَ الأَْمْرَ: تَوَجَّهَ إِلَيْهِ عَامِدًا، وَالْمَقْصِدُ: مَوْضُوعُ الْقَصْدِ، وَقَصَدَ فِي الأَْمْرِ: تَوَسَّطَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الْحَدَّ فِيهِ، وَقَصَدَ الطَّرِيقَ: أَيِ: اسْتَقَامَ (2) .
وَالْقَصْدُ أَعَمُّ مِنَ الْعَمْدِ.

ب - الْعَزْمُ:
3 - الْعَزْمُ فِي اللُّغَةِ: عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني.
(2) المصادر السابقة.

(30/307)


الأَْمْرِ، يُقَال: عَزَمَ فُلاَنٌ عَزْمًا أَيْ: جَدَّ وَصَبَرَ، وَعَزَمَ الأَْمْرَ أَيْ: عَقَدَ نِيَّتَهُ وَضَمِيرَهُ عَلَى فِعْلِهِ (1) .

ج - الْخَطَأُ:
4 - الْخَطَأُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الصَّوَابِ وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَخْطَأَ فَهُوَ مُخْطِئٌ، يُقَال لِمَنْ يُذْنِبُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ، وَلِمَنْ أَرَادَ الصَّوَابَ فَصَارَ إِلَى غَيْرِهِ، قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: الْخَطَأُ الْعُدُول عَنِ الْجِهَةِ (2) .
وَالْخَطَأُ فِي الاِصْطِلاَحِ: فِعْلٌ يَصْدُرُ مِنَ الإِْنْسَانِ بِلاَ قَصْدٍ إِلَيْهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ أَمْرٍ مَقْصُودٍ سِوَاهُ (3) -

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَمْدِ:
وَرَدَتِ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَمْدِ فِي أَبْوَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، مِنْهَا:

أ - فِي الصَّلاَةِ:
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا تَرَكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ عَمْدًا أَوِ انْتَقَل إِلَى مَا بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَكَذَا إِنْ تَكَلَّمَ فِي صَلاَتِهِ أَوْ
__________
(1) لسان العرب، غريب القرآن للأصفهاني، والتعريفات للجرجاني.
(2) المراجع السابقة.
(3) التلويح 2 / 195.

(30/307)


أَكَل أَوْ شَرِبَ عَمْدًا (1) .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلاَة ف 107 وَمَا بَعْدَهَا)

ب - فِي الصَّوْمِ:
6 - لَوْ أَكَل الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ بَاشَرَ أَهْلَهُ عَامِدًا أَفْطَرَ بِالإِْجْمَاعِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْم ف 37 وَمَا بَعْدَهَا)

ج - فِي الْجِنَايَاتِ:
7 - الْقَتْل الْعَمْدُ مُحَرَّمٌ بِالإِْجْمَاعِ مُسْتَوْجِبٌ لِلْقِصَاصِ وَالنَّارِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا. .} .
(2) وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَبُول تَوْبَةِ قَاتِل الْعَمْدِ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ إِلَى قَبُول تَوْبَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 412 - 417، والقوانين الفقهية ص74، 77، وجواهر الإكليل 1 / 63 - 65، والمجموع للنووي 4 / 77 - 92، والمغني لابن قدامة 1 / 461، 2 / 4.
(2) سورة النساء / 93، وانظر حاشية ابن عابدين 5 / 340، والفواكه الدواني 2 / 246، وروضة الطالبين 9 / 122 والمغني لابن قدامة 7 / 636.

(30/308)


ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (1) وقَوْله تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) ؛ وَلأَِنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْل الْعَمْدِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ فَإِذَا قُبِلَتِ التَّوْبَةُ مِنْهُ فَقَبُول التَّوْبَةِ مِنَ الْقَتْل أَوْلَى.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِقَاتِل الْعَمْدِ تَوْبَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (3)

د - فِي الرِّدَّةِ:
8 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا فَعَل الإِْنْسَانُ مَا يَكْفُرُ بِهِ عَمْدًا أَوْ قَال قَوْلاً يُخْرِجُهُ عَنِ الْمِلَّةِ عَمْدًا فَقَدِ ارْتَدَّ وَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ (4) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (رِدَّة ف 10 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) سورة الفرقان 68 - 70.
(2) سورة النساء / 116.
(3) سورة النساء / 93، وانظر تفسير القرطبي 5 / 329، وتفسير الفخر الرازي 10 / 239.
(4) الفواكه الدواني 2 / 274 ومغني المحتاج 4 / 136، وروضة الطالبين 10 / 64 والمغني لابن قدامة 8 / 147.

(30/308)


هـ - فِي الطَّلاَقِ:
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُقُوعِ الطَّلاَقِ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ، فَإِنْ مَرَّ لَفْظُ الطَّلاَقِ بِلِسَانِ نَائِمٍ أَوْ تَلَفَّظَ بِهِ مَنْ زَال عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ فِيهِ أَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِ الطَّلاَقِ أَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلاَقِ حَاكِيًا كَلاَمَ غَيْرِهِ أَوْ كَرَّرَ الْفَقِيهُ لَفْظَ الطَّلاَقِ فِي الدَّرْسِ فَلاَ يَقَعِ الطَّلاَقُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل كُلِّهَا (1) .

و الْكَذِبُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْدًا:
10 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2) . وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يُدْعَى الرَّجُل إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُول عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُل. (3)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 417، والفواكه الدواني 2 / 57، ومغني المحتاج 3 / 287، والمغني لابن قدامة 7 / 113 - 121.
(2) حديث: " من كذب علي معتمدًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 160) ومسلم (1 / 10) من حديث المغيرة بن شعبة.
(3) حديث: " إن من أعظم الفرى أن يدعى إلى غير أبيه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 540) من حديث واثلة بن الأسقع.

(30/309)


وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ مَنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَال الذَّهَبِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ يَنْقُل عَنِ الْمِلَّةِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيل حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلاَلٍ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الْكَلاَمُ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ (1) .
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل رِوَايَةُ مُتَعَمِّدِ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ طَرِيقَتُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَزَجْرًا عَنِ الْكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخِلاَفِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُ لَيْسَتْ عَامَّةً بَل تَكُونُ قَاصِرَةً (2)

ز - حَلِفُ الْيَمِينِ كَذِبًا عَمْدًا:
11 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَلِفَ الْيَمِينِ كَذِبًا عَمْدًا حَرَامٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي
__________
(1) الزواجر عن اقتراف الكبائر 1 / 79، والكبائر للذهبي ص61، والفواكه الدواني 1 / 91، ومغني المحتاج 4 / 136، 427.
(2) تدريب الراوي للسيوطي ص220، والمنثور في القواعد 1 / 430.

(30/309)


الآْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) وقَوْله تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2) وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ (3) وَلِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكَبَائِرُ: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْل النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ.
(4) وَالْيَمِينُ الَّتِي يُتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبُ سُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لأَِنَّهَا تَغْمِسُ الْحَالِفَ فِي الإِْثْمِ فِي الدُّنْيَا وَتَغْمِسُهُ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: الْكَذِبُ حَرَامٌ فَإِذَا كَانَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ كَانَ أَشَدَّ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِنْ أَبْطَل بِهِ حَقًّا أَوِ اقْتَطَعَ بِهِ مَال مَعْصُومٍ كَانَ أَشَدَّ (5)
__________
(1) سورة آل عمران / 77.
(2) سورة المجادلة / 14.
(3) حديث: " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 558) من حديث عبد الله بن مسعود.
(4) حديث: " الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 555) .
(5) الكبائر للذهبي ص91، والزواجر عن اقتراف الكبائر 2 / 151 - 152، والفواكه الدواني 2 / 7، ومغني المحتاج 4 / 325، والمغني لابن قدامة 8 / 682.

(30/310)


رَاجِعْ مُصْطَلَحَ: (أَيْمَان ف 108 - 114)

ح - الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ عَمْدًا:
12 - تَعَمُّدُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ تَجْرِي عَلَيْهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ:
فَقَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ وَاجِبًا وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ أَوْ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فَإِذَا حَلَفَ مَثَلاً عَلَى أَنْ لاَ يُصَلِّيَ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ.
وَقَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ مَنْدُوبًا وَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ كَسُنَّةِ الضُّحَى أَوْ عَلَى فِعْل مَكْرُوهٍ كَأَنْ يَلْتَفِتَ بِوَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ فَيُنْدَبُ الْحِنْثُ وَقَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ مُبَاحًا وَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ كَدُخُول دَارٍ وَأَكْل طَعَامٍ مُعَيَّنٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ فَقَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: الأَْفْضَل فِي هَذَا تَرْكُ الْحِنْثِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ حَرَامًا وَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْل وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِذَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْقُضُوا الأَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (1) وَقَدْ
__________
(1) سورة النحل / 91.

(30/310)


يَكُونُ تَعَمُّدُ الْحِنْثِ مَكْرُوهًا وَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْل مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ لِلأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حِنْث ف 6)
__________
(1) بدائع الصنائع 3 / 17 - 18، والقوانين الفقهية ص163، ومغني المحتاج 4 / 325 - 326، والمغني 8 / 682.

(30/311)


عُمْرَى

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعُمْرَى لُغَةً: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ: مَا تَجْعَلُهُ لِلرَّجُل طُول عُمُرِكَ أَوْ عُمُرِهِ، وَقَال ثَعْلَبٌ: الْعُمْرَى: أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُل إِلَى أَخِيهِ دَارًا فَيَقُول: هَذِهِ لَكَ عُمُرَكَ أَوْ عُمُرِي أَيُّنَا مَاتَ دُفِعَتِ الدَّارُ إِلَى أَهْلِهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا جَعْل الْمَالِكِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ عُمُرَ أَحَدِهِمَا (2) .
وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهَا جَعْل الْمَالِكِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ عُمُرَ هَذَا الشَّخْصِ (3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْعَارَةُ:
2 - الإِْعَارَةُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِلاَ
__________
(1) لسان العرب، ومختار الصحاح، والمغرب في ترتيب المعرب، والمفردات في غريب القرآن.
(2) التعريفات، بدائع الصنائع 6 / 116، والمغني 5 / 686، وكشاف القناع 4 / 307.
(3) الشرح الصغير 4 / 160، والقوانين الفقهية ص245، وجواهر الإكليل 2 / 157، وروضة الطالبين 5 / 370، والإقناع 2 / 34.

(30/311)


عِوَضٍ (1) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعُمْرَى مُقَيَّدَةٌ بِالْعُمُرِ

ب - الْعَرِيَّةُ:
3 - أَنْ يَهَبَ لَهُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ ثَمَرَ شَجَرَةٍ دُونَ أَصْلِهَا
(2) فَالْعَرِيَّةُ تَنْفَرِدُ بِأَنَّهَا بِثَمَرٍ، وَأَمَّا الْعُمْرَى فَهِيَ بِثَمَرٍ وَبِغَيْرِهِ مُدَّةَ الْعُمُرِ.

ج - الْمِنْحَةُ:
4 - الْمِنْحَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً يَحْلُبُهَا فِي أَيَّامِ اللَّبَنِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى رَبِّهَا
(3) فَالْمِنْحَةُ خَاصَّةٌ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُمْرَى.

د - الرُّقْبَى:
5 - الرُّقْبَى فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ، يُقَال أَرْقَبْتُ زَيْدًا الدَّارَ إِرْقَابًا، وَالاِسْمُ الرُّقْبَى؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ لِتَبْقَى لَهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هِيَ أَنْ يَقُول الشَّخْصُ أَرْقَبْتُكَ الدَّارَ مَثَلاً أَوْ هِيَ لَكَ رُقْبَى مُدَّةَ حَيَاتِكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إِلَيَّ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ.
__________
(1) التعريفات وحاشية ابن عابدين 4 / 502، وشرح الزرقاني 7 / 102، والشرح الصغير 3 / 570.
(2) القوانين الفقهية ص245، والمغني 5 / 687.
(3) القوانين الفقهية ص245، والمغني 5 / 687.

(30/312)


وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلآْخَرِ إِنْ مِتَّ قَبْلِي فَدَارُكَ لِي وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَدَارِي لَكَ (1)

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
6 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى جَوَازِ الْعُمْرَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ (2) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعُمْرَى جَائِزٌ لأَِهْلِهَا. (3)
وَالْعُمْرَى نَوْعٌ مِنَ الْهِبَةِ يَفْتَقِرُ إِلَى مَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ سَائِرُ الْهِبَاتِ مِنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول وَالْقَبْضِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ (4) .
7 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْعُمْرَى تَمْلِيكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا تَمْلِيكُ عَيْنٍ فِي الْحَال، وَتُنْقَل إِلَى الْمُعْمَرِ (5) لِمَا
__________
(1) المصباح المنير، والهداية 3 / 222، والتعريفات ص111، والقوانين الفقهية ص245، ونهاية المحتاج 5 / 410، والمغني 6 / 686.
(2) حديث: " من أعمر عمري. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1246 - 1247) من حديث جابر.
(3) حديث: " العمري جائزة لأهلها ". أخرجه الترمذي (3 / 623) من حديث سمرة. وأخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 238) ومسلم (3 / 1248) بلفظ " العمري جائزة " ولمسلم " العمري ميراث لأهلها ".
(4) الاختيار 3 / 53 والبدائع 6 / 116، والقوانين الفقهية ص245، والشرح الصغير 4 / 160، والإقناع 2 / 34، ومغني المحتاج 3 / 309، والمغني 5 / 687، ونيل الأوطار 6 / 118.
(5) تبيين الحقائق 5 / 93، والبدائع 6 / 116، وبداية المجتهد 2 / 361 ط. مكتبة الكليات الأزهرية، ونهاية المحتاج 5 / 407، وروضة الطالبين 5 / 370، والمغني لابن قدامة 5 / 687 - 688.

(30/312)


رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلاَ تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ (1) وَفِي لَفْظٍ: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعْمَرِ فِيهَا إِلاَّ الْمَنْفَعَةُ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَى الْمُعْمِرِ، لِمَا رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَال: سَمِعْتُ مَكْحُولاً يَسْأَل الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعُمْرَى مَا يَقُول النَّاسُ فِيهَا؟ فَقَال الْقَاسِمُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَمَا أَعْطَوْا.
وَقَال إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعَرَبُ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْمِنْحَةِ وَنَحْوِهَا أَنَّهَا عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا وَمَنَافِعُهَا لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ،؛ وَلأَِنَّ التَّمْلِيكَ لاَ يَتَأَقَّتُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ إِلَى مُدَّةٍ فَإِذَا كَانَ لاَ يَتَأَقَّتُ حُمِل قَوْلُهُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ؛ لأَِنَّهُ يَصْلُحُ تَوْقِيتُهُ (3) .
__________
(1) حديث: " أمسكوا عليكم أموالكم ". أخرجه مسلم (3 / 1246 - 1247) .
(2) حديث: " قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمري ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 238) ومسلم (3 / 1246) من حديث جابر، واللفظ للبخاري.
(3) مواهب الجليل 6 / 61، وجواهر الإكليل 2 / 34، وبداية المجتهد 2 / 361، والمغني 5 / 687.

(30/313)


وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ، فَقَالُوا: لِلْعُمْرَى ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: إِذَا قَال الرَّجُل: أَعَمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ لِوَرَثَتِكَ أَوْ لِعَقِبِكَ فَيَصِحُّ وَهِيَ الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا، فَإِذَا مَاتَ فَالدَّارُ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَال، وَلاَ تَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ.
الثَّانِي: يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا سِوَاهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ حُكْمُ الْهِبَةِ، وَفِي الْقَدِيمِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقُول جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ فَإِذَا مِتَّ عَادَتْ إِلَيَّ أَوْ إِلَى وَرَثَتِي إِنْ كُنْتُ مِتُّ، فَالأَْصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ هِبَةُ إِلْغَاءٍ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ بُطْلاَنُ الْعَقْدِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ (1) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ حَتَّى قَال الْبُهُوتِيُّ: فَتَصِحُّ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَمْثِلَةُ الْعُمْرَى، وَتَكُونُ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِنْ كَانُوا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِبَيْتِ الْمَال كَسَائِرِ الأَْمْوَال الْمُتَخَلِّفَةِ (2) .
__________
(1) روضة الطالبين للنووي 5 / 370، ونهاية المحتاج 5 / 407.
(2) كشاف القناع 4 / 307.

(30/313)


عُمْرَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعُمْرَةُ: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ لُغَةً: الزِّيَارَةُ، وَقَدِ اعْتَمَرَ إِذَا أَدَّى الْعُمْرَةَ، وَأَعْمَرَهُ: أَعَانَهُ عَلَى أَدَائِهَا (1) .
وَاصْطِلاَحًا عَرَّفَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِإِحْرَامٍ (2) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحَجُّ:
2 - الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، أَوِ الْقَصْدُ إِلَى مُعَظَّمٍ (3)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الدَّرْدِيرُ بِأَنَّهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ (4) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَثِيقَةٌ، فَالْحَجُّ
__________
(1) لسان العرب، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، والقاموس المحيط للفيروزآبادي.
(2) الشرح الكبير للدردير بهامش حاشية الدسوقي 2 / 2.
(3) المصادر اللغوية السابقة.
(4) الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير 2 / 2.

(30/314)


يَتَضَمَّنُ أَعْمَال الْعُمْرَةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِأَشْيَاءَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَال الْحَجِّ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْوَاجِبِ (1) .
وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لاَ تَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ (2) ؛ لأَِنَّ أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ مُعْظَمُهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ فَأَجْزَأَ عَنْهُمُ.
اسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى سُنِّيَّةِ الْعُمْرَةِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَال: لاَ، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَل (3) ، وَبِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
__________
(1) الهداية وفتح القدير 2 / 306، وبدائع الصنائع 2 / 226، والدسوقي 2 / 2.
(2) المنهاج للنووي وشرحه للمحلي بحاشيتي القليوبي وعميرة 2 / 92 (ط. محمد علي صبيح وأولاده) . والمغني لابن قدامة 3 / 223، 224) ط. دار المنار الثالثة) والفروع لابن مفلح 3 / 203 (تصوير عالم الكتب) ، وكشاف القناع 2 / 376.
(3) حديث جابر: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 261) والبيهقي (4 / 349) وصوّب البيهقي وقفه.

(30/314)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ.
(1) وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (2) ، أَيِ: افْعَلُوهُمَا تَامَّيْنِ، فَيَكُونُ النَّصُّ أَمْرًا بِهِمَا فَيَدُل عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ هَل عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَال: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَال فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (3)

فَضِيلَةُ الْعُمْرَةِ:
4 - وَرَدَ فِي فَضْل الْعُمْرَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ
__________
(1) حديث طلحة بن عبيد الله: " الحج جهاد، والعمرة تطوع ". أخرجه ابن ماجه (2 / 995) وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص (2 / 227) .
(2) سورة البقرة / 196.
(3) حديث عائشة: " هل على النساء جهاد ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1968) وقال ابن حجر في التلخيص (2 / 91) " أصله في صحيح البخاري " وهو في صحيح البخاري (فتح الباري 3 / 381) .

(30/315)


الْجَنَّةُ (1) . وَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ (2)

وُجُوهُ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ:
5 - تَتَأَدَّى الْعُمْرَةُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ، وَهِيَ:
أ) إِفْرَادُ الْعُمْرَةِ: وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ أَيْ: يَنْوِيَهَا وَيُلَبِّيَ - دُونَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِحَجٍّ - فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ، أَوْ يَأْتِيَ بِأَعْمَال الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهَذِهِ كُلُّهَا إِفْرَادٌ لِلْعُمْرَةِ.
ب) التَّمَتُّعُ: وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِهَا وَيَتَحَلَّل، ثُمَّ يَحُجَّ، فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ بِالشُّرُوطِ الْمُقَرَّرَةِ لِلتَّمَتُّعِ.
(ر: تَمَتُّع ف 7 وَحَجّ ف 37) .
ج) الْقِرَانُ: وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا فِي إِحْرَامٍ وَاحِدٍ، فَيَأْتِي بِأَفْعَالِهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ، وَتَدْخُل أَفْعَال الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ،
__________
(1) حديث أبي هريرة: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 597) ومسلم (2 / 983) .
(2) حديث: " الحجاج والعمار وفد الله. . . ". أخرجه ابن ماجه (2 / 966) وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 127) .

(30/315)


وَيُجْزِئُهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ، وَيَظَل مُحْرِمًا حَتَّى يَتَحَلَّل بِأَعْمَال يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْحَجِّ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِحَجِّهِ، وَلاَ يَتَحَلَّل بَعْدَ أَفْعَال الْعُمْرَةِ، بَل يَظَل مُحْرِمًا أَيْضًا حَتَّى يَتَحَلَّل تَحَلُّل الْحَجِّ (ر: قِرَان، وَحَجّ ف 37 ب) .
وَكَيْفَمَا أَدَّى الْعُمْرَةَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تُجْزِئُ عَنْهُ، وَيَتَأَدَّى فَرْضُهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِفَرْضِيَّتِهَا كَمَا تَتَأَدَّى سُنِّيَّتُهَا عَلَى الْقَوْل بِسُنِّيَّتِهَا (1) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ وَعُمْرَةُ الْقَارِنِ، وَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِل عَنِ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ، وَلاَ نَعْلَمُ فِي إِجْزَاءِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ خِلاَفًا، كَذَلِكَ قَال ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَلاَ نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلاَفَهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لاَ تُجْزِئُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ أَدْنَى الْحِل لاَ تُجْزِئُ عَنِ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ، وَقَال: إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ،
__________
(1) المغني 3 / 225، والمجموع للنووي 7 / 137 - 138 (ط. مطبعة العاصمة) .

(30/316)


وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لاَ تُجْزِئُ بِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ أَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ فَلَوْ كَانَتْ عُمْرَتُهَا فِي قِرَانِهَا أَجْزَأَتْهَا لِمَا أَعْمَرَهَا بَعْدَهَا.
وَاسْتَدَل ابْنُ قُدَامَةَ بِقَوْل الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: إِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا، فَقَال عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ (1) وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِمَا يَعْتَقِدُ أَدَاءَ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَالْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَتِهِمَا، فَصَوَّبَهُ عُمَرُ، وَقَال: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَال لَهَا لَمَّا جَمَعَتْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ (2) ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنَّمَا أَعْمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّنْعِيمِ قَصْدًا لِتَطْيِيبِ قَلْبِهَا وَإِجَابَةِ مَسْأَلَتِهَا، لاَ؛ لأَِنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَجْزَأَتْهَا عُمْرَةُ الْقِرَانِ فَقَدْ أَجْزَأَتْهَا الْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِل، وَهُوَ أَحَدُ مَا قَصَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَلَيْهِ،؛ وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا صَحِيحَةً فَتُجْزِئُهُ كَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ؛ وَلأَِنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ أَحَدُ
__________
(1) حديث الصُّبَي بن معبد: " إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين ". أخرجه أبو داود (2 / 394) وصحح إسناده النووي في المجموع (7 / 157) .
(2) حديث عائشة: يجزئ عنك طوافك. . . ". أخرجه مسلم (2 / 880) .

(30/316)


نُسُكَيِ الْقِرَانِ فَأَجْزَأَتْ كَالْحَجِّ، وَالْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ يُجْزِئُ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ، فَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِل فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ - لِلْعُمْرَةِ - أَوْلَى (1)

صِفَةُ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ:
6 - مَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَعِدُّ لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى بَلَغَ الْمِيقَاتَ أَوِ اقْتَرَبَ مِنْهُ إِنْ كَانَ آفَاقِيًّا، أَوْ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ أَيْ: مِنْ حَيْثُ يَشْرَعُ فِي التَّوَجُّهِ لِلْعُمْرَةِ إِنْ كَانَ مِيقَاتِيًّا، أَيْ يَسْكُنُ أَوْ يَنْزِل فِي الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَا يُحَاذِيهَا، أَوْ فِي الْمِنْطَقَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَرَمِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ حَرَمِيًّا أَوْ مُقِيمًا أَوْ نَازِلاً فِي مَكَّةَ أَوْ فِي مِنْطَقَةِ الْحَرَمِ حَوْل مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى أَقْرَبِ مَنَاطِقِ الْحِل إِلَيْهِ، فَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مَتَى جَاوَزَ الْحَرَمَ إِلَى الْحِل وَلَوْ بِخُطْوَةٍ.
7 - وَالاِسْتِعْدَادُ لِلإِْحْرَامِ أَنْ يَفْعَل مَا يُسَنُّ لَهُ، وَهُوَ: الاِغْتِسَال وَالتَّنَظُّفُ وَتَطْيِيبُ الْبَدَنِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الإِْحْرَامِ، وَتُجْزِئُ عَنْهُمَا صَلاَةُ الْمَكْتُوبَةِ، ثُمَّ يَنْوِي بَعْدَهُمَا الْعُمْرَةَ، بِنَحْوِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثُمَّ يُلَبِّي قَائِلاً: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ
__________
(1) المغني لابن قدامة 3 / 225.

(30/317)


الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ " وَبِهَذَا يُصْبِحُ مُحْرِمًا أَيْ: دَاخِلاً فِي الْعُمْرَةِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَحْظُورَاتُ الإِْحْرَامِ، وَيَسْتَمِرُّ يُلَبِّي حَتَّى يَدْخُل مَكَّةَ وَيَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ.
8 - فَإِذَا دَخَل الْمُعْتَمِرُ مَكَّةَ بَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِغَايَةِ الْخُشُوعِ وَالاِحْتِرَامِ، وَيَبْدَأُ بِالطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ، فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ طَوَافَ رُكْنِ الْعُمْرَةِ، فَيَنْوِيهِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَيُقَبِّلُهُ إِنْ لَمْ يَخْشَ الزِّحَامَ أَوْ إِيذَاءَ أَحَدٍ وَيُكَبِّرُ وَإِلاَّ أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِاسْتِلاَمِ الْحَجَرِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ أَوِ الإِْشَارَةِ إِلَيْهِ، وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ.
9 - وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَضْطَبِعَ فِي أَشْوَاطِ طَوَافِهِ هَذَا كُلِّهَا، وَالاِضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَل وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ إِبْطِهِ الْيُمْنَى، وَيَرُدَّ طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَيُبْقِي كَتِفَهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً، كَمَا يُسَنُّ لِلرَّجُل الرَّمَل فِي الأَْشْوَاطِ الثَّلاَثَةِ الأُْولَى، وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَلْيُكْثِرِ الْمُعْتَمِرُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي طَوَافِهِ كُلِّهِ.
10 - ثُمَّ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ فَيَسْتَلِمَهُ وَيُقَبِّلُهُ إِنْ تَيَسَّرَ وَيُكَبِّرُ أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ وَيُكَبِّرُ، وَيَذْهَبُ إِلَى الصَّفَا، وَيَقْرَأُ الآْيَةَ: {إِنَّ

(30/317)


الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} . (1)
وَيَبْدَأُ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الصَّفَا، فَيَرْقَى عَلَى الصَّفَا حَتَّى يَرَى الْكَعْبَةَ الْمُعَظَّمَةَ، فَيَقِفُ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهَا وَيُهَلِّل وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو ثُمَّ يَنْزِل مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَرْوَةِ وَيُسْرِعُ الرَّجُل بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْوَةَ، فَيَقِفَ عَلَيْهَا يَذْكُرُ وَيَدْعُو بِمِثْل مَا فَعَل عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِل فَيَفْعَل كَمَا فِي الشَّوْطِ الأَْوَّل حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ تَنْتَهِي عَلَى الْمَرْوَةِ، وَلْيُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي سَعْيِهِ، ثُمَّ إِذَا فَرَغَ الْمُعْتَمِرُ مِنْ سَعْيِهِ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَصَّرَهُ وَتَحَلَّل بِذَلِكَ مِنْ إِحْرَامِهِ تَحَلُّلاً كَامِلاً، وَيَمْكُثُ بِمَكَّةَ حَلاَلاً مَا بَدَا لَهُ.
11 - ثُمَّ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ مِنْ مَكَّةَ - وَلَوْ كَانَ مَكِّيًّا - وُجُوبًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَسُنَّةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلاَّ إِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَدَاعُ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَجِبُ عِنْدَهُمْ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَلَى الْمُعْتَمِرِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ؛ لأَِنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ عِنْدَهُمْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، شُرِعَ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ (2)
__________
(1) سورة البقرة / 158.
(2) بدائع الصنائع 2 / 134 - 135، والدسوقي 2 / 21 - 40، ومغني المحتاج 1 / 513، وكشاف القناع 2 / 519.

(30/318)


أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ ثَلاَثَةٌ هِيَ: الإِْحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (1) ، وَقَال بِرُكْنِيَّتِهَا الشَّافِعِيَّةُ، وَزَادُوا رُكْنًا رَابِعًا هُوَ: الْحَلْقُ (2) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الإِْحْرَامَ شَرْطٌ لِلْعُمْرَةِ، وَرُكْنُهَا وَاحِدٌ هُوَ: الطَّوَافُ (3) .

الرُّكْنُ الأَْوَّل: الإِْحْرَامُ:
13 - الإِْحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ (4) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: نِيَّةُ الْعُمْرَةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوِ الْخُصُوصِيَّةِ.
وَمُرَادُهُمْ بِالذِّكْرِ: التَّلْبِيَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِالْخُصُوصِيَّةِ: مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدِ
__________
(1) الشرح الكبير وحاشيته للدسوقي 2 / 21 وشرح الرسالة بحاشية العدوي 1 / 483، 497، وكشاف القناع 2 / 521.
(2) مغني المحتاج 1 / 513.
(3) المسلك المتقسط ص307.
(4) الشرح الكبير والدسوقي 2 / 21 - 26 وشرح المنهاج للمحلي بهامش القليوبي وعميرة 2 / 96، ونهاية المحتاج للرملي 2 / 394، والكافي لابن قدامة 1 / 530. ط. المكتب الإسلامي.

(30/318)


الْبُدْنِ (1) .
وَيُشْتَرَطُ فِي الإِْحْرَامِ مُقَارَنَتُهُ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالتَّلْبِيَةُ شَرْطٌ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، فَلاَ يَصِحُّ الإِْحْرَامُ بِدُونِ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَهُمْ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا، فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الأَْصْل، وَالسُّنَّةُ قَرْنُهَا بِالإِْحْرَامِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا سُنَّةٌ فِي الإِْحْرَامِ مُطْلَقًا (2) .
وَصِيغَةُ التَّلْبِيَةِ هِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ.

وَاجِبَاتُ الإِْحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ:
14 - يَجِبُ فِي الْعُمْرَةِ الإِْحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَتَجَنُّبُ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ

مِيقَاتُ الإِْحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ:
الْمِيقَاتُ قِسْمَانِ: مِيقَاتٌ زَمَانِيٌّ، وَمِيقَاتٌ مَكَانِيٌّ:

الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ:
15 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ
__________
(1) رد المختار لابن عابدين 2 / 213.
(2) المسلك المتقسط ص62، ورد المحتار 2 / 213 - 214، ومواهب الجليل 3 / 9، وشرح الرسالة بحاشية العدوي 1 / 460، والمهذب والمجموع 3 / 388، والكافي 1 / 541.

(30/319)


الزَّمَانِيَّ هُوَ جَمِيعُ الْعَامِ لِغَيْرِ الْمُشْتَغِل بِالْحَجِّ، فَيَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا الإِْنْسَانُ وَيَفْعَلَهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهِيَ أَفْضَل فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، لِمَا سَيَأْتِي.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ (1) ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " حَلَّتِ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلاَّ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ: يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ (2) ؛ وَلأَِنَّ هَذِهِ الأَْيَّامَ أَيَّامُ شُغْلٍ بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ فِيهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَقَعُ الْخَلَل فِيهِ فَتُكْرَهُ.

الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ:

مِيقَاتُ الآْفَاقِيِّ:
16 - وَالآْفَاقِيُّ: هُوَ مَنْ مَنْزِلُهُ خَارِجَ مِنْطَقَةِ الْمَوَاقِيتِ، وَمَوَاقِيتُ الآْفَاقِيِّ هِيَ: ذُو الْحُلَيْفَةِ لأَِهْل الْمَدِينَةِ وَمَنْ مَرَّ بِهَا، وَالْجُحْفَةُ لأَِهْل الشَّامِ وَمَنْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا كَأَهْل مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، وَيُحْرِمُونَ الآْنَ مِنْ رَابِغٍ قَبْل الْجُحْفَةِ
__________
(1) فتح القدير 2 / 304، والبدائع 2 / 227، ومواهب الجليل 3 / 22 - 26، وشرح الزرقاني 2 / 250، والمجموع 7 / 133 - 136، ونهاية المحتاج 2 / 389 والكافي 1 / 528، ومطالب أولي النهى 2 / 301 - 302 و445.
(2) حديث عائشة: " حلت العمرة. . . ". أخرجه البيهقي (نصب الراية 3 / 146 - 147) .

(30/319)


بِقَلِيلٍ، وَقَرْنُ الْمَنَازِل " وَيُسَمَّى الآْنَ السَّيْل " لأَِهْل نَجْدٍ، وَيَلَمْلَمُ لأَِهْل الْيَمَنِ وَتِهَامَةَ وَالْهِنْدِ، وَذَاتُ عِرْقٍ لأَِهْل الْعِرَاقِ وَسَائِرِ أَهْل الْمَشْرِقِ.

ب) الْمِيقَاتِيُّ:
17 - وَالْمِيقَاتِيُّ: هُوَ مَنْ كَانَ فِي مَنَاطِقِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَا يُحَاذِيهَا أَوْ مَا دُونَهَا إِلَى مَكَّةَ.
وَهَؤُلاَءِ مِيقَاتُهُمْ مِنْ حَيْثُ أَنْشَئُوا الْعُمْرَةَ وَأَحْرَمُوا بِهَا، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: مِيقَاتُهُمُ الْحِل كُلُّهُ، وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: يُحْرِمُ مِنْ دَارِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ لاَ غَيْرُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: مِيقَاتُهُمُ الْقَرْيَةُ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا لاَ يُجَاوِزُونَهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.

ج) الْحَرَمِيُّ:
18 - وَالْحَرَمِيُّ وَهُوَ الْمُقِيمُ بِمِنْطَقَةِ الْحَرَمِ وَالْمَكِّيُّ وَمَنْ كَانَ نَازِلاً بِمَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ، هَؤُلاَءِ مِيقَاتُهُمْ لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْحِل، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَخْرُجُوا لِلْعُمْرَةِ عَنِ الْحَرَمِ إِلَى الْحِل وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَجَاوَزُونَ بِهَا الْحَرَمَ إِلَى الْحِل.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَام ف 39 - 52 - 53) .
وَالدَّلِيل عَلَى تَحْدِيدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ السُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ، فَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(30/320)


وَقَّتَ لأَِهْل الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَِهْل الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَِهْل نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِل، وَلأَِهْل الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْل مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ (1) .
وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ فَقَال النَّوَوِيُّ: إِذَا انْتَهَى الآْفَاقِيُّ إِلَى الْمِيقَاتِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ أَوِ الْقِرَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَتُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالإِْجْمَاعِ (2) .
وَأَمَّا مِيقَاتُ الْحَرَمِيِّ وَالْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ فَقَدْ خُصَّ مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ حَجِّهَا قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ (3)

اجْتِنَابُ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ:
19 - مَحْظُورَاتُ الإِْحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ هِيَ مَحْظُورَاتُ الإِْحْرَامِ لِلْحَجِّ، مِنْهَا:
__________
(1) حديث ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 384) ومسلم (2 / 838 - 839) .
(2) المجموع 7 / 206.
(3) حديث عائشة في قصة حجها. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 606) ومسلم (2 / 881) واللفظ للبخاري.

(30/320)


أ) يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل: لُبْسُ الْمَخِيطِ وَكُل مَا نُسِجَ مُحِيطًا بِالْجِسْمِ أَوْ بِبَعْضِ الأَْعْضَاءِ كَالْجَوَارِبِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَضْعُ غِطَاءٍ عَلَى الرَّأْسِ وَتَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَلُبْسُ حِذَاءٍ يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ.
ب) يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ سَتْرُ الْوَجْهِ بِسِتْرٍ يُلاَمِسُ الْبَشَرَةَ، وَلُبْسُ قُفَّازَيْنِ، وَتَلْبَسُ سِوَى ذَلِكَ لِبَاسَهَا الْعَادِيَّ.
ج) يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاءِ الطِّيبُ وَأَيْ شَيْءٍ فِيهِ طِيبٌ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنَ الرَّأْسِ وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ فِي الْجِسْمِ، وَاسْتِعْمَال الدُّهْنِ الْمُلَيِّنِ لِلشَّعْرِ أَوِ الْجِسْمِ - وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ - وَتَقْلِيمُ الأَْظْفَارِ، وَالصَّيْدُ وَالْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ الْمُهَيِّئَةُ لَهُ، وَالرَّفَثُ " أَيْ: الْمُحَادَثَةُ بِشَأْنِهِ " وَلْيَجْتَنِبِ الْمُحْرِمُونَ الْفُسُوقَ أَيْ: مُخَالَفَةَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا الْجِدَال بِالْبَاطِل.
وَيَجِبُ فِي ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ الْجَزَاءُ، وَفِي الْجِمَاعِ خَاصَّةً فَسَادُ الْعُمْرَةِ وَالْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ، عَدَا مَا حَرُمَ مِنَ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَال فَفِيهَا الإِْثْمُ وَالْجَزَاءُ الأُْخْرَوِيُّ فَقَطْ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِحْرَام: ف 145 - 185)

مَكْرُوهَاتُ الإِْحْرَامِ:
20 - يُكْرَهُ فِي إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ مَا يُكْرَهُ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ، مِثْل تَمْشِيطِ الرَّأْسِ أَوْ حَكِّهِ بِقُوَّةٍ،

(30/321)


وَكَذَا حَكُّ الْجَسَدِ حَكًّا شَدِيدًا، وَالتَّزَيُّنُ
(ر: إِحْرَام ف 95 - 98)

سُنَنُ الإِْحْرَامِ:
21 - يُسَنُّ فِي الإِْحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ هِيَ:
الاِغْتِسَال، وَتَطْيِيبُ الْبَدَنِ لاَ الثَّوْبِ، وَصَلاَةُ رَكْعَتَيْنِ، يَفْعَل هَذِهِ الثَّلاَثَةَ قَبْل الإِْحْرَامِ. ثُمَّ التَّلْبِيَةُ عَقِبَ النِّيَّةِ، وَالتَّلْبِيَةُ فَرْضٌ فِي الإِْحْرَامِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ (ر: إِحْرَام ف 108 - 116)
وَيُسَنُّ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّلْبِيَةِ مُنْذُ نِيَّةِ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى بَدْءِ الطَّوَافِ بِاسْتِلاَمِ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ الْمُعْتَمِرُ الآْفَاقِيُّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ، لاَ إِلَى رُؤْيَةِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَوْ مِنَ التَّنْعِيمِ يُلَبِّي إِلَى دُخُول بُيُوتِ مَكَّةَ (1)

الرُّكْنُ الثَّانِي: الطَّوَافُ:
22 - الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ، وَفَرْضُهُ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الأَْرْبَعَةُ فَرْضٌ، وَالثَّلاَثَةُ الْبَاقِيَةُ وَاجِبَةٌ.
وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الطَّوَافِ: سَبْقُ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ سَائِرُ شُرُوطِ الطَّوَافِ الْعَامَّةِ،
__________
(1) انظر نقد البدائع لهذا التمييز 2 / 227.

(30/321)


وَهِيَ: أَصْل نِيَّةِ الطَّوَافِ، وَوُقُوعُ الطَّوَافِ حَوْل الْكَعْبَةِ، وَأَنْ يَشْمَل الْحِجْرَ (أَيِ الْحَطِيمَ) وَالتَّيَامُنَ، وَالطَّهَارَةَ مِنَ الأَْحْدَاثِ وَالأَْنْجَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَجَعَل الْحَنَفِيَّةُ شُمُول الطَّوَافِ لِلْحِجْرِ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَاجِبَاتٍ فِي الطَّوَافِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُوَالاَةَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ، وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ سُنَّةٌ.
وَيَجِبُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ: الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: كِلاَ هَذَيْنِ سُنَّةٌ.
وَيُسَنُّ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ: الرَّمَل فِي الأَْشْوَاطِ الثَّلاَثَةِ الأُْولَى، ثُمَّ يَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَالاِضْطِبَاعُ فِيهِ كُلِّهِ، وَهَذَانِ لِلرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ؛ لأَِنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي كُل طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَهَذَا طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَيُسَنُّ ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ قَبْل الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ بِقَلِيلٍ، وَاسْتِقْبَال الْحَجَرِ، وَاسْتِلاَمُهُ وَتَقْبِيلُهُ إِنْ تَيَسَّرَ وَإِلاَّ اسْتَقْبَلَهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدَيْهِ، وَاسْتِلاَمُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالدُّعَاءُ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (طَوَاف ف 12 وَمَا بَعْدَهَا)
__________
(1) المسلك المتقسط ص98 و103 - 105 و108 - 112 والشرح الكبير وحاشيته 2 / 30 - 34 ومغني المحتاج 1 / 485 - 492، والمغني 2 / 370 - 385.

(30/322)


الرُّكْنُ الثَّالِثُ: السَّعْيُ:
23 - السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحْكَامُ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ هِيَ أَحْكَامُ السَّعْيِ فِي الْحَجِّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَأَنْ يَسْبِقَهُ الطَّوَافُ، وَأَنْ يَبْدَأَ السَّعْيَ بِالصَّفَا فَالْمَرْوَةِ، فَلَوْ عَكَسَ لَغَا الشَّوْطُ وَاحْتُسِبَ مِنْ عِنْدِ الصَّفَا.
وَرُكْنُ السَّعْيِ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَرْبَعَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَاقِي وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ.
وَيَجِبُ الْمَشْيُ فِي السَّعْيِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَيُسَنُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَتُسَنُّ الْمُوَالاَةُ بَيْنَ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ، وَنِيَّةُ السَّعْيِ، وَالسَّعْيُ الشَّدِيدُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ، كَمَا تُسَنُّ الْمُوَالاَةُ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (سَعْي ف 5 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) المسلك المتقسط ص118 - 122 والشرح الكبير 2 / 34 - 36 ومغني المحتاج 1 / 493 - 495، والمغني 2 / 385 - 390.

(30/322)


شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ:
24 - شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِفَرْضِيَّتِهَا هِيَ شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْل بِوُجُوبِهَا وَسُنِّيَّتِهَا.
فَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ: الْعَقْل وَالإِْسْلاَمُ، وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَالاِسْتِطَاعَةُ، وَالاِسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ لِفَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ فَقَطْ، لَكِنْ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا سُقُوطُ الْفَرْضِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِفَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ أَوْ وُجُوبِهَا، فَلَوِ اعْتَمَرَ مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ الاِسْتِطَاعَةِ صَحَّتْ عُمْرَتُهُ وَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ.
وَتَتَلَخَّصُ الاِسْتِطَاعَةُ فِي مِلْكِ الزَّادِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى آلَةِ الرُّكُوبِ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ.
وَتَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِشَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا: مُصَاحَبَةُ الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ، وَعَدَمُ الْعِدَّةِ.
وَيُجْزِئُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رُفْقَةُ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ عِوَضًا عَنِ الْمَحْرَمِ أَوِ الزَّوْجِ فِي سَفَرِ الْفَرْضِ.
أَمَّا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَهُمَا شَرْطَانِ

(30/323)


لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَإِجْزَائِهَا عَنِ الْفَرْضِ، فَلَوِ اعْتَمَرَ الصَّبِيُّ أَوِ الْعَبْدُ صَحَّتْ عُمْرَتُهُمَا، وَلَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهَا عَنْهُمَا عِنْدَ الْبُلُوغِ أَوِ الْعِتْقِ.
وَأَمَّا الْعَقْل وَالإِْسْلاَمُ: فَهُمَا شَرْطَانِ لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَصِحَّتِهَا، فَلاَ تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَى كَافِرٍ، وَلاَ مَجْنُونٍ وَلاَ تَصِحُّ مِنْهُمَا، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ عَنِ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ وَيُؤَدِّيَ الْمَنَاسِكَ عَنْهُ، وَيُجَنِّبَهُ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ وَهَكَذَا، لَكِنْ لاَ يُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيِ الإِْحْرَامِ أَوِ الطَّوَافِ، بَل تَسْقُطَانِ عَنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيُصَلِّيهِمَا عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ
(1) (ر: إِحْرَام ف 135 وَحَجّ ف 104 - 106)

وَاجِبَاتُ الْعُمْرَةِ:
25 - يَجِبُ فِي الْعُمْرَةِ أَمْرَانِ:
الأَْوَّل: السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَال غَيْرُهُمْ: هُوَ رُكْنٌ.
الثَّانِي: الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ: إِنَّهُ رُكْنٌ.
وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ هُوَ حَلْقُ شَعْرِ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَرُبُعُ الرَّأْسِ عَلَى الأَْقَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَثَلاَثُ شَعَرَاتٍ عَلَى الأَْقَل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْحَلْقُ لِلرِّجَال أَفْضَل فِي الْعُمْرَةِ إِلاَّ
__________
(1) المسلك المتقسط ص1008 ومغني المحتاج 1 / 461 - 469، والمجموع 7 / 17، والمغني 3 / 218

(30/323)


لِلْمُتَمَتِّعِ، فَالتَّقْصِيرُ لَهُ أَفْضَل، لِكَيْ يُبْقِيَ شَعْرًا يَأْخُذُهُ فِي الْحَجِّ.
وَالسُّنَّةُ لِلنِّسَاءِ التَّقْصِيرُ فَقَطْ، وَيُكْرَهُ الْحَلْقُ فِي حَقِّهِنَّ؛ لأَِنَّهُ مُثْلَةٌ (1)

سُنَنُ الْعُمْرَةِ:
26 - يُسَنُّ فِي الْعُمْرَةِ مَا يُسَنُّ فِي الأَْفْعَال الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ: فِي الإِْحْرَامِ وَالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْحَلْقِ

مَمْنُوعَاتُ الْعُمْرَةِ:
27 - يُمْنَعُ فِي الْعُمْرَةِ مُخَالَفَةُ أَحْكَامِهَا بِحَسْبِ الْحُكْمِ الَّذِي تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ لَهُ.
فَمُحَرَّمَاتُ الْعُمْرَةِ: هِيَ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، فَيَحْرُمُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنَ الطَّوَافِ، أَوِ السَّعْيِ أَوِ الْحَلْقِ، عَلَى الْقَوْل بِرُكْنِيَّتِهِمَا، وَلاَ يَتَحَلَّل مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا تَرَكَهُ.
وَمَكْرُوهَاتُ الْعُمْرَةِ: تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِهَا، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ حَرَامٌ، وَالْمَعْنَى
__________
(1) فتح القدير 2 / 178 - 179 و352 - 353 والمسلك المتقسط ص151 - 154 و307 و308 وشرح الرسالة بحاشية العدوي 1 / 478 - 479، والشرح الكبير وحاشيته 2 / 46، والإيضاح في مناسك الحج للنووي ص379 - 786، ومغني المحتاج 1 / 502 - 513، والمغني 3 / 435 - 442، والفروع 3 / 513، 516، 527، 528.

(30/324)


وَاحِدٌ؛ لأَِنَّهُ يَلْزَمُ الإِْثْمُ عِنْدَ الْجَمْعِ، وَيَلْزَمُ الدَّمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَيُكْرَهُ تَرْكُ سُنَّةٍ مِنَ السُّنَنِ، وَلاَ تُسَمَّى كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَلاَ يَلْزَمُ جَزَاءٌ بِتَرْكِهَا.

الْمُبَاحُ فِي الْعُمْرَةِ:
28 - يُبَاحُ فِي الْعُمْرَةِ كُل مَا لاَ يُخِل بِأَحْكَامِهَا، وَخُصُوصًا أَحْكَامُ الإِْحْرَامِ الَّتِي سَبَقَتِ.

الْعُمْرَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ:
29 - تُنْدَبُ الْعُمْرَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ (1) ، لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَْنْصَارِ: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلاَّ نَاضِحَانِ (2) ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَال: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِل حَجَّةً وَفِي رِوَايَةٍ: تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي (3)

الْمَكَانُ الأَْفْضَل لإِِحْرَامِ الْمَكِّيِّ:
30 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ الْحِل أَفْضَل
__________
(1) الدر المختار 2 / 207.
(2) الناضح: البعير يستقي عليه.
(3) حديث ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 603) ومسلم (2 / 917) واللفظ لمسلم، والرواية الأخرى لمسلم (2 / 918) .

(30/324)


لِلإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الإِْحْرَامَ مِنَ التَّنْعِيمِ أَفْضَل؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ (1) فَهُوَ أَفْضَل تَقْدِيمًا لِدَلاَلَةِ الْقَوْل عَلَى دَلاَلَةِ الْفِعْل.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ يَلِي الإِْحْرَامَ مِنَ التَّنْعِيمِ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ الإِْحْرَامُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ: الإِْحْرَامُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَل، ثُمَّ مِنَ التَّنْعِيمِ ثُمَّ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ (2) وَأَمَرَ عَائِشَةَ بِالاِعْتِمَارِ مِنَ التَّنْعِيمِ وَبَعْدَ إِحْرَامِهِ بِهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ هَمَّ بِالدُّخُول إِلَيْهَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا، فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ.
وَقَال أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ: التَّنْعِيمُ وَالْجِعْرَانَةُ مُتَسَاوِيَانِ، لاَ أَفْضَلِيَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآْخَرِ، وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ وُرُودُ الأَْثَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (3) .
__________
(1) تقدم تخريجه ف18.
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 600) ومسلم (2 / 916) من حديث أنس.
(3) المسلك المتقسط ص308، وحاشية الدسوقي 2 / 22، والمنهاج للنووي وشروحه 2 / 95، والمغني 3 / 259. وكشاف القناع 2 / 516، والإنصاف 4 / 54، والفروع 3 / 379.

(30/325)


الإِْكْثَارُ مِنَ الْعُمْرَةِ:
31 - يُسْتَحَبُّ الإِْكْثَارُ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلاَ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ) وَهُوَ قَوْل عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ (1) ، وَتَدُل لَهُمُ الأَْحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْل الْعُمْرَةِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ تَتَنَاوَل تَكْرَارَ الْعُمْرَةِ تَحُثُّ عَلَيْهِ.
وَفَصَّل ابْنُ قُدَامَةَ مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الإِْكْثَارُ فَقَال: قَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةً، وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ، وَقَال عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إِذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ، وَقَال عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُل شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَقَال أَحْمَدُ: إِذَا اعْتَمَرَ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَحْبَبْتُ لَهُ ذَلِكَ (3) .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْعُمْرَةِ
__________
(1) المسلك المتقسط ص308، وشرح الرسالة 1 / 428 والإيضاح ص421، والمغني 3 / 226.
(2) المغني 3 / 226.
(3) حاشية الهيثمي على الإيضاح ص421، والمجموع 7 / 136.

(30/325)


فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَتُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ لَكِنْ فِي عَامٍ آخَرَ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ فِي الْعَامِ السَّنَةُ الْهِجْرِيَّةُ، فَلَوِ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ فِي الْمُحَرَّمِ لاَ يُكْرَهُ؛ لأَِنَّهُ اعْتَمَرَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ.
وَمَحَل كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ دُخُول مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ عَلَيْهِ فِيهِ إِحْرَامٌ، كَمَا لَوْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ قَبْل أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ؛ لأَِنَّ الإِْحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْل أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ.
وَقَدِ اسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْل مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ جَوَازِ التَّكْرَارِ، بَل قَال ابْنُ حَبِيبٍ: لاَ بَأْسَ بِهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةً.
وَعَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ لَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ إِجْمَاعًا، قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ (1) .
وَيَشْمَل اسْتِحْبَابُ الْعُمْرَةِ وَاسْتِحْبَابُ تَكْرَارِهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِيهَا، وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِزَعْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، بَل
__________
(1) شرح الرسالة وحاشية العدوي 1 / 428.

(30/326)


إِنَّ عُمُرَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ أَرْبَعٌ - كَانَتْ كُلُّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِل فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ (1) .
وَدَرْءًا لِمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ تَعَارُضٍ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: إِنَّ رَمَضَانَ أَفْضَل بِتَنْصِيصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ لاِقْتِرَانِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهُ كَاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَاتٍ أُخْرَى فِي رَمَضَانَ تَبَتُّلاً، وَأَنْ لاَ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَوِ اعْتَمَرَ فِيهِ لَخَرَجُوا مَعَهُ، وَلَقَدْ كَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، وَقَدْ أَخْبَرَ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا؛ لِئَلاَّ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهَا كَالْقِيَامِ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، وَمَحَبَّتِهِ لأََنْ يَسْقِيَ بِنَفْسِهِ مَعَ سُقَاةِ زَمْزَمَ ثُمَّ تَرَكَهُ كَيْ لاَ يَغْلِبَهُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً.
وَمَا قَالَهُ الْكَمَال يَتَّفِقُ وَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ، مِنْ أَنَّ دَلاَلَةَ الْقَوْل مُقَدَّمَةٌ عَلَى
__________
(1) حديث أنس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 600) ومسلم (2 / 916) واللفظ لمسلم.

(30/326)


دَلاَلَةِ الْفِعْل (1) .
لَكِنِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الاِعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ، وَالْمُقِيمِ بِهَا، وَلأَِهْل الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ، فَيُكْرَهُ لِهَؤُلاَءِ الاِعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَحُجُّونَ، فَيُصْبِحُونَ مُتَمَتِّعِينَ، وَيَلْزَمُهُمْ دَمُ جَزَاءٍ إِنْ فَعَلُوهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُمْ يُجِيزُونَ لَهُمُ التَّمَتُّعَ، وَيُسْقِطُونَ عَنْهُمْ دَمَ التَّمَتُّعِ أَيْضًا (2) .
(ر: تَمَتُّع ف 11 12)

. الإِْخْلاَل بِأَحْكَامِ الْعُمْرَةِ:
أَوَّلاً: تَرْكُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ بِمَانِعٍ قَاهِرٍ:
32 - يُعْتَبَرُ الْمَنْعُ مِنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ بِمَانِعٍ قَاهِرٍ إِحْصَارًا يُبِيحُ التَّحَلُّل مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَيَتَفَاوَتُ اعْتِبَارُهُ إِحْصَارًا بِاخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ فِي أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ، وَفِيمَا يُعْتَبَرُ سَبَبًا لِلإِْحْصَارِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ.
(انْظُرْ: إِحْصَار ف 12 - 25)

ثَانِيًا: تَرْكُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ قَاهِرٍ:
33 - مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ كَالطَّوَافِ
__________
(1) فتح القدير 2 / 305 والقليوبي 2 / 92.
(2) المسلك المتقسط ص124 - 125 و182 وما بعدها.

(30/327)


أَوِ السَّعْيِ - عِنْدَ الْقَائِل بِرُكْنِيَّتِهِ - فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَعَل حَرَامًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الإِْتْيَانُ بِمَا تَرَكَهُ، وَيَظَل مُحْرِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ كُلِّهَا حَتَّى يَرْجِعَ وَيَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ، وَلاَ تَفُوتُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ أَبَدًا؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لأَِرْكَانِهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ

. ثَالِثًا: فَسَادُ الْعُمْرَةِ:
34 - لاَ تَفْسُدُ الْعُمْرَةُ بِتَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَلاَ بِتَرْكِ وَاجِبٍ فِيهَا، إِلاَّ بِالْجِمَاعِ قَبْل التَّحَلُّل مِنْ إِحْرَامِهَا، عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ قَبْل أَنْ يُؤَدِّيَ رُكْنَ الْعُمْرَةِ - وَهُوَ الطَّوَافُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ عِنْدَهُمْ - فَإِنَّهُ تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ، أَمَّا لَوْ وَقَعَ الْمُفْسِدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ تَفْسُدُ الْعُمْرَةُ؛ لأَِنَّهُ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ أَمِنَ الْفَسَادَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ إِنْ حَصَل قَبْل تَمَامِ سَعْيِهَا وَلَوْ بِشَوْطٍ فَسَدَتْ، أَمَّا لَوْ وَقَعَ بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ قَبْل الْحَلْقِ فَلاَ تَفْسُدُ؛ لأَِنَّهُ بِالسَّعْيِ تَتِمُّ أَرْكَانُهَا، وَالْحَلْقُ مِنْ شُرُوطِ الْكَمَال عِنْدَهُمْ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا حَصَل الْمُفْسِدُ قَبْل التَّحَلُّل مِنَ الْعُمْرَةِ فَسَدَتْ، وَالتَّحَلُّل يَحْصُل بِالْحَلْقِ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ رُكْنٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

(30/327)


وَيَجِبُ فِي إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ مَا يَجِبُ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ مِنَ الاِسْتِمْرَارِ فِيهَا، وَالْقَضَاءِ، وَالْفِدَاءِ.
35 - وَاخْتَلَفُوا فِي فِدَاءِ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ: فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ؛ لأَِنَّ الْعُمْرَةَ أَقَل رُتْبَةً مِنَ الْحَجِّ، فَخَفَّتْ جِنَايَتُهَا، فَوَجَبَتْ شَاةٌ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ.
أَمَّا فِدَاءُ الْجِمَاعِ الَّذِي لاَ يُفْسِدُ الْعُمْرَةَ فَشَاةٌ فَقَطْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَدَنَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
(ر: إِحْرَام ف 174 - 175)

رَابِعًا: تَرْكُ وَاجِبٍ فِي الْعُمْرَةِ:
36 - مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فِي الْعُمْرَةِ، كَالسَّعْيِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي الْقَوْل الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَالْحَلْقِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِهَذَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَهُمْ

خَامِسًا: تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْعُمْرَةِ:
37 - تَارِكُ السُّنَّةِ يُحْرِمُ نَفْسَهُ الثَّوَابَ وَالْفَضْل الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِمَنْ أَتَى بِالسُّنَّةِ، وَصَرَّحَ
__________
(1) فتح القدير 2 / 241، وحاشية العدوي 1 / 486، والمجموع 7 / 381 - 382 وشرح المحلى 2 / 136، والمغني 3 / 486 وغيرها.

(30/328)


الْحَنَفِيَّةُ فِي تَارِكِ السُّنَّةِ بِكَوْنِهِ مُسِيئًا، وَلاَ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَلاَ فِدَاءٌ.

أَدَاءُ الْعُمْرَةِ عَنِ الْغَيْرِ:
38 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ عَنِ الْغَيْرِ؛ لأَِنَّ الْعُمْرَةَ كَالْحَجِّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ عَنِ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ؛ لأَِنَّ جَوَازَهَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، وَالنِّيَابَةُ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِالأَْمْرِ، فَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَاعْتَمَرَ جَازَ؛ لأَِنَّهُ فَعَل مَا أُمِرَ بِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الاِسْتِنَابَةُ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَدَاءِ الْعُمْرَةِ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ مَيِّتًا أَوْ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهَا بِنَفْسِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ عُمْرَةٌ وَاجِبَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ مِنْ فِعْلِهَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَاتَ. وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى الْعُمْرَةُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ أَدَّاهَا عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلاَ إِذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِلاَ إِذْنٍ.
وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَدَاءِ عُمْرَةِ التَّطَوُّعِ إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهَا بِنَفْسِهِ، كَمَا فِي النِّيَابَةِ عَنِ الْمَيِّتِ.

(30/328)


وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْعُمْرَةُ عَنِ الْحَيِّ إِلاَّ بِإِذْنِهِ؛ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَلَمْ تَجُزْ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، أَمَّا الْمَيِّتُ فَتَجُوزُ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (1) .
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 213، 214، منح الجليل 1 / 449، مغني المحتاج 1 / 468 وما بعدها، والمجموع 7 / 120، المغني لابن قدامة 3 / 234.

(30/329)


عُمَرِيَّة

التَّعْرِيفُ:
1 - الْعُمَرِيَّةُ - وَيُعَبِّرُ عَنْهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ " بِالْعُمَرِيَّتَيْنِ " لَهَا صُورَتَانِ لِمَسْأَلَةٍ فِي الْفَرَائِضِ، أَوْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ اشْتُهِرَتَا بِهَذَا الاِسْمِ نِسْبَةً إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ أَوَّل مَنْ قَضَى فِيهِمَا، وَتُسَمَّيَانِ أَيْضًا: بِالْغَرَّاوَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْكَوْكَبِ " الأَْغَرِّ " لِشُهْرَتِهِمَا وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ؛ لأَِنَّهُمَا لاَ نَظِيرَ لَهُمَا (1) .
وَصُورَتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوِ الْمَسْأَلَةِ:
1) زَوْجٌ، وَأَبَوَانِ.
2) أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعُمَرِيَّةِ:
2 - نَصِيبُ الأُْمِّ فِي الْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا السُّدُسُ أَوِ الثُّلُثُ، فَتَأْخُذُ السُّدُسَ فِي حَالَتَيْنِ:
1) إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ.
2) إِذَا كَانَ مَعَهَا عَدَدٌ مِنَ الإِْخْوَةِ وَالأَْخَوَاتِ وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ.
__________
(1) نهاية المحتاج 6 / 19، إعلام الموقعين 1 / 357.

(30/329)


وَتَأْخُذُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مِنْ ذَكَرٍ وَتَفَرَّدَ الأَْبَوَانِ بِالْمِيرَاثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَِبَوَيْهِ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ السُّدُسُ} (1) .
فَإِنْ كَانَ مَعَ الأَْبَوَيْنِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ فَرْضَ الأُْمِّ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْعُمَرِيَّةُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي فَرْضِهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ فَرْضَهَا ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ، فَفِي حَالَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ النِّصْفَ وَهُوَ ثَلاَثَةٌ، وَتَأْخُذُ الأُْمُّ ثُلُثَ الْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ، وَيَأْخُذُ الأَْبُ الْبَاقِيَ وَهُوَ اثْنَانِ، وَفِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَتَأْخُذُ الزَّوْجَةُ الرُّبُعَ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَتَأْخُذُ الأُْمُّ ثُلُثَ الْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ، وَلِلأَْبِ مَا بَقِيَ هُوَ اثْنَانِ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فِي هَذَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَعْطَاهَا الثُّلُثَ كَامِلاً إِذَا انْفَرَدَ الأَْبَوَانِ بِالْمِيرَاثِ؛ لأَِنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ الثُّلُثُ} شَرَطَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ عَدَمَ الْوَلَدِ، وَتَفَرُّدَهُمَا بِمِيرَاثِهِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ
__________
(1) سورة النساء / 11.

(30/330)


تَفَرُّدُهُمَا شَرْطًا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} فَائِدَةٌ، وَكَانَ تَطْوِيلاً يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلأُِمِّهِ الثُّلُثُ} ، فَلَمَّا قَال: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} عُلِمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الأُْمِّ الثُّلُثَ مَوْقُوفٌ عَلَى الأَْمْرَيْنِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ذَكَرَ أَحْوَال الأُْمِّ كُلَّهَا: نَصًّا وَإِيمَاءً فَذَكَرَ أَنَّ لَهَا السُّدُسَ مَعَ الإِْخْوَةِ أَوِ الْوَلَدِ، وَأَنَّ لَهَا الثُّلُثَ كَامِلاً مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَتَفَرُّدِ الأَْبَوَيْنِ بِالْمِيرَاثِ بَقِيَتْ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ عَدَمُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ تَفَرُّدِ الأَْبَوَيْنِ بِالْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَعَ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ، فَإِمَّا أَنْ تُعْطَى فِي هَذَا الْحَال الثُّلُثَ كَامِلاً، وَهُوَ خِلاَفُ مَفْهُومِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ} (1) وَإِمَّا أَنْ تُعْطَى السُّدُسَ وَاللَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ فَرْضَهَا إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ: مَعَ الْوَلَدِ وَمَعَ عَدَدٍ مِنَ الإِْخْوَةِ وَالأَْخَوَاتِ، فَإِنِ امْتَنَعَ الأَْمْرَانِ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ: هُوَ الْمَال الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الأَْبَوَانِ وَلاَ يُشَارِكُهُمَا مُشَارِكٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَال كُلِّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ وَلاَ زَوْجَةٌ، فَإِذَا تَقَاسَمَاهُ أَثْلاَثًا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَتَقَاسَمَا الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ الْمَحْضُ أَنَّ الأُْمَّ مَعَ الأَْبِ كَالْبِنْتِ مَعَ الاِبْنِ، وَالأُْخْتِ مَعَ الأَْخِ؛ لأَِنَّهُمَا ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأَعْطَى اللَّهُ الأَْبَ ضِعْفَ مَا أَعْطَى الأُْمَّ
__________
(1) سورة النساء / 11.

(30/330)


تَفْضِيلاً بِجَانِبِ الذُّكُورَةِ.
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ الأُْمَّ تَأْخُذُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثُلُثَ أَصْل التَّرِكَةِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: جَعَل لَهَا أَوَّلاً: سُدُسَ التَّرِكَةِ مَعَ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَِبَوَيْهِ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ لَهَا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ الثُّلُثَ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ثُلُثُ أَصْل التَّرِكَةِ أَيْضًا، وَقَدْ تَنَاظَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي الْعُمَرِيَّتَيْنِ فَقَال لَهُ: أَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، فَقَال زَيْدٌ: وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِعْطَاؤُهَا الثُّلُثَ كُلَّهُ مَعَ الزَّوْجَيْنِ (1) .
وَقَال أَبُو بَكْرٍ الأَْصَمُّ: إِنَّ لِلأُْمِّ مَعَ الزَّوْجِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِهِ، وَمَعَ الزَّوْجَةِ ثُلُثَ أَصْل التَّرِكَةِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ جَعَل لَهَا مَعَ الزَّوْجِ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَال لَزَادَ نَصِيبُهَا عَلَى نَصِيبِ الأَْبِ؛ لأَِنَّ الْمَسْأَلَةَ حِينَئِذٍ مِنْ سِتَّةٍ لاِجْتِمَاعِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ، فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ ثَلاَثَةً، وَلِلأُْمِّ اثْنَانِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَيَبْقَى لِلأَْبِ وَاحِدٌ، وَفِي هَذَا تَفْضِيل الأُْنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَإِذَا جَعَل لَهَا ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا وَاحِدٌ، وَلِلأَْبِ اثْنَانِ، وَلَوْ جَعَل لَهَا مَعَ الزَّوْجَةِ ثُلُثَ الأَْصْل لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ التَّفْضِيل؛ لأَِنَّ الْمَسْأَلَةَ
__________
(1) إعلام الموقعين لابن القيم 1 / 357 وما بعده، ونهاية المحتاج 6 / 19.

(30/331)


مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ، لاِجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالثُّلُثِ، فَإِذَا أَخَذَتِ الأُْمُّ أَرْبَعَةً - وَهُوَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ - بَقِيَ لِلأَْبِ خَمْسَةٌ فَلاَ تَفْضِيل لَهَا عَلَيْهِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِرْث ف 151) .
وَالأُْمُّ تَأْخُذُ سُدُسَ التَّرِكَةِ فِي حَالَةِ الزَّوْجِ وَالأَْبَوَيْنِ، وَتَأْخُذُ الرُّبُعَ فِي حَالَةِ الزَّوْجَةِ وَالأَْبَوَيْنِ، وَلَمْ يُعَبِّرِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالسُّدُسِ، وَالرُّبُعِ تَأَدُّبًا مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ (2) .

عَمْشَاءُ

انْظُرْ: أُضْحِيَّة
__________
(1) السراجية ص133.
(2) المصادر السابقة.

(30/331)