الموسوعة
الفقهية الكويتية فُحْشُ الْقَوْل
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفُحْشُ لُغَةً: مَا عَظُمَ قُبْحُهُ مِنَ الأَْفْعَال
وَالأَْقْوَال. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ: الْفُحْشُ كُل مَا
خَرَجَ عَنْ مِقْدَارِهِ حَتَّى يُسْتَقْبَحَ، وَيَدْخُل فِيهِ الْقَوْل
وَالْفِعْل وَالصِّفَةُ، يُقَال: فُلاَنٌ طَوِيلٌ فَاحِشُ الطُّول إِذَا
أَفْرَطَ فِي طُولِهِ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْقَوْل أَكْثَرُ.
(2)
وَقَال الْغَزَالِيُّ: الْفُحْشُ: هُوَ التَّعْبِيرُ عَنِ الأُْمُورِ
الْمُسْتَقْبَحَةِ بِالْعِبَارَاتِ الصَّرِيحَةِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي
أَلْفَاظِ الْوِقَاعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَإِنَّ لأَِهْل الْفَسَادِ
عِبَارَاتٌ صَرِيحَةٌ فَاحِشَةٌ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيهِ، وَأَهْل
الصَّلاَحِ يَتَحَاشَوْنَ عَنْهَا بَل يُكَنُّونَ عَنْهَا، وَيَدُلُّونَ
عَلَيْهَا بِالرُّمُوزِ، فَيَذْكُرُونَ مَا يُقَارِبُهَا وَيَتَعَلَّقُ
بِهَا. (3)
__________
(1) المفردات للراغب الأصفهاني.
(2) عمدة القاري 22 / 116، وفتح الباري 1 / 453.
(3) إحياء علوم الدين 3 / 118، وانظر بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية 3
/ 202 ط الحلبي.
(32/53)
وَالْبَاعِثُ عَلَى الْفُحْشِ إِمَّا
قَصْدُ الإِْيذَاءِ، وَإِمَّا الاِعْتِيَادُ الْحَاصِل مِنْ مُخَالَطَةِ
الْفُسَّاقِ وَأَهْل الْخُبْثِ وَاللُّؤْمِ، وَمَنْ عَادَتُهُمُ السَّبُّ
(1) ، وَإِضَافَةُ (فُحْشٍ) إِلَى (الْقَوْل) هِيَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ
الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - اللَّغْوُ:
2 - اللَّغْوُ هُوَ الْبَاطِل الَّذِي لاَ يَتَّصِل بِفِعْلٍ صَحِيحٍ،
وَلاَ يَكُونُ لِقَائِلِهِ فِيهِ فَائِدَةٌ وَرُبَّمَا كَانَ وَبَالاً
عَلَيْهِ، كَأَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُل بِمَا لاَ يَعْنِيهِ مِنْ أُمُورِ
النَّاسِ فَيُفْشِيَ أَسْرَارَهُمْ، وَيَهْتِكَ أَسْتَارَهُمْ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ فُحْشِ الْقَوْل وَاللَّغْوِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ.
ب - السَّبُّ:
3 - السَّبُّ: الشَّتْمُ قَال الدُّسُوقِيُّ: هُوَ كُل كَلاَمٍ قَبِيحٍ (3)
، وَفُحْشُ الْقَوْل أَعَمُّ مِنَ السَّبِّ.
ج - الرَّفَثُ:
4 - مِنْ مَعَانِي الرَّفَثِ فِي اللُّغَةِ: اللَّغْوُ مِنَ الْكَلاَمِ،
يُقَال: رَفَثَ فِي كَلاَمِهِ يَرْفُثُ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْقَبِيحِ،
ثُمَّ جُعِل كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ وَعَنْ كُل
__________
(1) إحياء علوم الدين 3 / 119 وبريقة محمودية 3 / 202.
(2) المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 3 / 401.
(3) الدسوقي 4 / 309.
(32/54)
مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَالرَّفَثُ
بِاللِّسَانِ ذِكْرُ الْمُجَامَعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَالرَّفَثُ
بِالْيَدِ اللَّمْسُ، وَبِالْعَيْنِ الْغَمْزُ، وَبِالْفَرْجِ الْجِمَاعُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الرَّفَثُ: الْجِمَاعُ أَوِ الْكَلاَمُ الْفَاحِشُ
أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ. (1)
وَبَيْنَ الرَّفَثِ وَفُحْشِ الْقَوْل عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
5 - الْفُحْشُ فِي الْقَوْل مَذْمُومٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ،
(2) قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ
وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ الْمُتَفَحِّشَ
(3) . وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ
بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ. (4)
غِيبَةُ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ:
6 - تَجُوزُ غِيبَةُ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ مَعَ
__________
(1) تاج العروس، وتفسير الرازي، وابن كثير في تفسير آية: (فلا رفث ولا
فسوق) ، وفتح القدير 2 / 141.
(2) إحياء علوم الدين 3 / 117، 118، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 11
وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية 3 / 202.
(3) حديث: " إياكم والفحش. . . " أخرجه أحمد (2 / 191) والحاكم (1 / 12) من
حديث أبي هريرة، واللفظ لأحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(4) حديث: " ليس المؤمن بالطعان. . . " أخرجه الترمذي (4 / 350) من حديث
ابن مسعود، وقال: " حديث حسن غريب ".
(32/54)
جَوَازِ مُدَارَاتِهِ اتِّقَاءَ شَرِّهِ
مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللَّهِ. (1)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: غِيبَة) .
فَحْوَى الْخِطَابِ
انْظُرْ: مَفْهُوم
فَحْوَى الدَّلاَلَةِ
انْظُرْ: مَفْهُوم
__________
(1) فتح الباري 10 / 454، وعمدة القاري 22 / 117، 118.
(32/55)
فَخِذٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَخِذُ فِي اللُّغَةِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَسْكِينِهَا -
قِطْعَةٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ، وَهِيَ مَا فَوْقَ الرُّكْبَةِ إِلَى
الْوَرِكِ، أَوْ هِيَ وَصْل مَا بَيْنَ السَّاقِ وَالْوَرِكِ، وَالْفَخِذُ
مُؤَنَّثَةٌ وَالْجَمْعُ أَفْخَاذٌ.
وَالْفَخِذُ أَيْضًا اسْمٌ دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْبَطْنِ، وَهُوَ
بِهَذَا الْمَعْنَى مُذَكَّرٌ، لأَِنَّهُ بِمَعْنَى النَّفَرِ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَخِذِ مِنْ أَحْكَامٍ:
وَرَدَتْ أَحْكَامُ الْفَخِذِ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ مِنْهَا:
أ - الْعَوْرَةُ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ فَخِذَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ
عَوْرَةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ فَخِذِ الرَّجُل عَوْرَةً.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ فَخِذَ الرَّجُل عَوْرَةٌ،
وَيَجِبُ سَتْرُهَا، سَوَاءٌ فِي الصَّلاَةِ أَوْ فِي خَارِجِهَا.
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(32/55)
فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ
أَجِيرَهُ فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ، فَإِنَّ مَا
أَسْفَل مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ، (1) فَإِذَا
كَشَفَ الرَّجُل فَخِذَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلاَّ
الْمَالِكِيَّةَ، فَيَقُولُونَ بِعَدَمِ بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِكَشْفِ
الْفَخِذِ أَوِ الْفَخِذَيْنِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ بَيْنِهِمْ عَطَاءٌ
وَدَاوُدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الإِْصْطَخْرِيُّ
مِنَ الشَّافِعِيَّةِ - وَهُوَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّ الْفَخِذَ
لَيْسَ مِنَ الْعَوْرَةِ. (2)
لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول
اللَّهِ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ
سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَذِنَ
لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَال فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَلَسَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ. . الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ
فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ
تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ؟ (3) .
__________
(1) حديث: " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره. . . " أخرجه أحمد (2 / 187) ،
وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه (11 / 41) .
(2) البدائع 1 / 116، جواهر الإكليل 1 / 41، المجموع للنووي 3 / 1167،
المغني لابن قدامة 1 / 577.
(3) حديث عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي. . .
". أخرجه مسلم (4 / 1866) .
(32/56)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَة) .
ب - الْمُفَاخَذَةُ:
3 - يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل مُفَاخَذَةُ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ،
وَيَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ
لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُفَاخَذَةِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ،
مِنْ وُجُوبِ الْغُسْل، وَإِفْطَارِ الصَّائِمِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ
فِيهِ، وَقَطْعِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَثَلاً،
وَإِفْسَادِ الاِعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِهِ، وَصَيْرُورَةِ
الْبِنْتِ ثَيِّبًا بِهِ، وَوُجُوبِ الصَّدَاقِ بِهِ، وَكَذَا الْعِدَّةُ
وَالرَّجْعَةُ وَالاِسْتِبْرَاءُ وَتَحْلِيل الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا
لِلَّذِي طَلَّقَهَا، وَسُقُوطُ الإِْيلاَءِ عَنِ الْمُولِي، وَثُبُوتُ
بِرِّ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَطَأَ، وَحِنْثُ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَطَأَ،
وَثُبُوتُ إِحْصَانِ الزَّوْجِ بِهِ، وَوُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا، وَغَيْرُ
ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِل الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ
أَحْكَامِهَا حُصُول الْوَطْءِ، وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا
مِنَ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ، فَلاَ يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ
الأَْحْكَامِ بِالْمُفَاخَذَةِ وَلاَ بِالْمُضَاجَعَةِ، وَلاَ
بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ الأُْخْرَى. (1)
ج - فِي الْقِصَاصِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ
__________
(1) البدائع 7 / 37، 41 والقوانين الفقهية ص34، 117، 123، 135، 203، 206،
210 مغني المحتاج 3 / 147، 177، 178، 224، 349، 359 و4 / 144، المغني لابن
قدامة 8 / 161، 165، 181، 189، و1 / 204، و7 / 273، 324، 356.
(32/56)
إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي قَطْعِ
الرِّجْل مِنْ أَصْل الْفَخِذِ وَهُوَ الْوَرِكُ، لاِنْضِبَاطِهِ
وَإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ بِهِ.
وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا
إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْقِصَاصُ إِلاَّ بِإِجَافَةٍ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي كَسْرِ عَظْمِ
الْفَخِذِ، لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ، لأَِنَّ الْكَسْرَ لاَ
يَدْخُل تَحْتَ الضَّبْطِ وَقَدْ يَنْتِجُ عَنِ الْقِصَاصِ بِهِ زِيَادَةُ
عُقُوبَةِ الْجَانِي وَهُوَ مَعْصُومُ الدَّمِ، إِلاَّ فِي قَدْرِ
جِنَايَتِهِ، قَال تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْل مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ} (1) ، وَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَمَنِ اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (2) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ: أَنَّ
لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَطْعَ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إِلَى أَسْفَل الْفَخِذِ
وَهُوَ مَفْصِل الرُّكْبَةِ، لأَِنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ بَعْضِ الْحَقِّ،
وَلَهُ - عِنْدَ ذَلِكَ - حُكُومَةُ الْبَاقِي، لأَِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ
عِوَضًا عَنْهَا، وَهَذَا إِذَا قُطِعَتْ رِجْلُهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ. (3)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَاتِ: (قِصَاص، قَوَد، عَظْم) .
__________
(1) سورة النحل / 126.
(2) سورة البقرة / 194.
(3) حاشية ابن عابدين 5 / 354، والبدائع 7 / 298، وجواهر الإكليل 2 / 260،
ومغني المحتاج 4 / 27، 28، والمغني لابن قدامة 7 / 707، 709.
(32/57)
فَخْر
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَخْرُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ فَخَرَ، وَالاِسْمُ الْفَخَارُ
بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الْمُبَاهَاةُ بِالْمَكَارِمِ وَالْمَنَاقِبِ مِنْ
حَسَبٍ وَنَسَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِمَّا فِي الْمُتَكَلِّمِ أَوْ فِي
آبَائِهِ. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْجُرْجَانِيُّ: الْفَخْرُ التَّطَاوُل عَلَى
النَّاسِ بِتَعْدِيدِ الْمَنَاقِبِ (2) وَقَال صَاحِبُ دُسْتُورِ
الْعُلَمَاءِ الْفَخْرُ: الاِسْتِعْظَامُ عَلَى النَّاسِ بِتَعْدِيدِ
الْمَنَاقِبِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعُجْبُ.
2 - الْعُجْبُ فِي اللُّغَةِ: الزَّهْوُ وَالْكِبْرُ (4) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَصَوُّرُ شَخْصٍ اسْتِحْقَاقَ رُتْبَةٍ لاَ يَكُونُ
مُسْتَحِقًّا لَهَا (5) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَخْرِ وَالْعُجْبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ،
وَالْفَخْرُ أَعَمُّ.
__________
(1) المصباح المنير.
(2) التعريفات للجرجاني.
(3) دستور العلماء 3 / 17.
(4) القاموس المحيط.
(5) دستور العلماء 2 / 300، والتعريفات للجرجاني.
(32/57)
ب - الْكِبْرُ:
3 - الْكِبْرُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنْ كَبُرَ الأَْمْرُ وَالذَّنْبُ
كُبْرًا إِذَا عَظُمَ، وَالْكِبْرُ: الْعَظَمَةُ، وَالْكِبْرِيَاءُ
مِثْلُهُ. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال صَاحِبُ دُسْتُورِ الْعُلَمَاءِ: الْكِبْرُ
الرِّفْعَةُ وَالشَّرَفُ، وَالْعَظَمَةُ وَمِنْهُ الْكِبْرِيَاءُ. (2)
قَال ابْنُ حَجَرٍ: الْكِبْرُ الْحَالَةُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا
الإِْنْسَانُ مِنْ إِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ
أَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ. (3)
وَالْفَخْرُ يُعْتَبَرُ ثَمَرَةَ الْكِبْرِ (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - الْفَخْرُ مِنَ الأُْمُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرْعًا فِي
الْجُمْلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ:
مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال:
قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ
بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ
بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ
لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ
__________
(1) المصباح المنير.
(2) دستور العلماء 3 / 116.
(3) فتح الباري 10 / 489.
(4) إحياء علوم الدين 3 / 352، ط المكتبة التجارية الكبرى.
(32/58)
بِأَنْفِهَا النَّتِنَ. (1)
قَال الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ رَجُلاَنِ: مُؤْمِنٌ
تَقِيٌّ فَهُوَ الْخَيِّرُ الْفَاضِل، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيبًا فِي
قَوْمِهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ الدَّنِيُّ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ
شَرِيفًا رَفِيعًا.
وَقِيل: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتَخِرَ إِمَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَإِذَنْ
لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ
فَهُوَ ذَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ وَالذَّلِيل لاَ يَسْتَحِقُّ التَّكَبُّرَ،
فَالتَّكَبُّرُ مَنْفِيٌّ بِكُل حَالٍ. (2)
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أَرْبَعٌ
فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ
فِي الأَْحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ
بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ (3) .
قَال الأَْبِيُّ: يَعْنِي الْفَخْرَ بِهَا مَعَ احْتِقَارِ الْغَيْرِ،
لأَِنَّ مُطْلَقَهُ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيل طَلَبِ الْكَفَاءَةِ فِي
النِّكَاحِ. (4)
وَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ، كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ قُدَامَةَ
__________
(1) حديث: " إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عِبّيَّة الجاهلية. . . ". أخرجه
أبو داود (5 / 340) والترمذي (5 / 734) من حديث أبي هريرة والسياق لأبي
داود، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
(2) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 10 / 455، ط مطبعة الاعتماد، وعون
المعبود شرح سنن أبي داود 14 / 21، 22، ط دار الفكر 1979م.
(3) حديث أبي مالك الأشعري: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية. . . " أخرجه
مسلم (2 / 644) .
(4) شرح الأبي على صحيح مسلم 3 / 73، ط دار الكتب العلمية.
(32/58)
الْفَخْرَ مِنْ دَرَجَاتِ الْكِبْرِ (1)
وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنَ الْفَخْرِ الْمَذْمُومِ الْفَخْرَ
وَالْخُيَلاَءَ فِي الْحَرْبِ، وَنَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْفَخْرِ
وَالْخُيَلاَءِ فِي الْحَرْبِ لإِِرْهَابِ الْعَدُوِّ (2) . وَكَانَ أَبُو
دُجَانَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَتَبَخْتَرُ فِي الْحَرْبِ،
فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ
لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلاَّ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ. (3)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كِبْر) .
__________
(1) إحياء علوم الدين 3 / 351، ومختصر منهاج القاصدين 238، ط المكتب
الإسلامي 1394هـ.
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 469.
(3) حديث: " إن هذه لمشية يبغضها الله. . . ". أخرجه ابن إسحاق، كما في
السيرة النبوية لابن هشام (3 / 71) .
(32/59)
فِدَاء
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِدَاءُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ، وَبِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ
مَعَ الْقَصْرِ - فِي اللُّغَةِ: فَكَاكُ الأَْسِيرِ، يُقَال: فَدَاهُ
يَفْدِيهِ، وَفَادَى الأَْسِيرَ: اسْتَنْقَذَهُ مِنَ الأَْسْرِ، وَفَدَتْ
وَافْتَدَتْ وَفَادَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا: بَذَلَتْ
لَهُ مَالاً لِيُطَلِّقَهَا، وَقَال ابْنُ بَرِّيٍّ نَقْلاً عَنِ
الْوَزِيرِ بْنِ الْمَعَرِّيِّ: يُقَال: فَدَى: إِذَا أَعْطَى مَالاً
وَأَخَذَ رَجُلاً، وَأَفْدَى: إِذَا أَعْطَى رَجُلاً وَأَخَذَ مَالاً،
وَفَادَى: إِذَا أَعْطَى رَجُلاً وَأَخَذَ رَجُلاً، وَالْفِدَاءُ
وَالْفِدْيَةُ وَالْفَدَى كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَقَال بَعْضُهُمُ:
الْفِدْيَةُ اسْمٌ لِلْمَال الَّذِي يُفْتَدَى بِهِ الأَْسِيرُ،
وَنَحْوُهُ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ) الْفِدْيَةُ:
2 - الْفِدْيَةُ: مَا يَقِي بِهِ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ مِنْ مَالٍ
__________
(1) لسان العرب، ومتن اللغة، والمصباح المنير.
(32/59)
يَبْذُلُهُ فِي عِبَادَةٍ قَصَّرَ فِيهَا،
كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ، (1) نَحْوُ قَوْله
تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . (2)
وَالْفِدْيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْفِدَاءِ
ب - الْفَكَاكُ:
3 - الْفَكَاكُ: - بِالْفَتْحِ وَقَدْ يُكْسَرُ - مِنْ فَكَكْتُ الشَّيْءَ
فَانْفَكَّ. وَفَكَّ الشَّيْءَ: خَلَّصَهُ، يُقَال: فَكَّ الرَّهْنَ
يَفُكُّهُ فَكًّا، وَالأَْسِيرَ: خَلَّصَهُ، وَكُل شَيْءٍ أَطْلَقْتَهُ
فَقَدْ فَكَكْتَهُ (3) .
وَبَيْنَ الْفِدَاءِ وَالْفَكَاكِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِدَاءِ:
فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ:
4 - الأَْصْل أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مُسْلِمٌ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ
أَسِيرًا لَزِمَ الْمُسْلِمِينَ النُّهُوضُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ يَدِهِمْ،
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا دَارَنَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُمْ
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وُجُوبَ عَيْنٍ
النُّهُوضُ لِدَفْعِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا دَخَلُوا بَلَدًا
لِلْمُسْلِمِينَ، وَحُرْمَةُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ،
هَذَا إِنْ رُجِيَ
__________
(1) المفردات للراغب الأصفهاني.
(2) المفردات للراغب الأصفهاني.
(3) القاموس المحيط.
(32/60)
إِمْكَانُ تَخْلِيصِهِ، (1) فَإِنْ
تَعَذَّرَ تَخْلِيصُهُ بِالْقِتَال وَجَبَ فِدَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِمَا رَوَى
سَعِيدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فَيْئِهِمْ أَنْ
يُفَادُوا أَسِيرَهُمْ، وَيُؤَدُّوا عَنْ غَارِمِهِمْ (2) ، وَلأَِنَّ
بَيْتَ الْمَال مَوْضُوعٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْ
أَهَمِّهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فِدَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، بِأَنْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ مَالٌ، أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُول إِلَيْهِ، فَمِنْ مَال
الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، وَيَتَوَلَّى الإِْمَامُ
جِبَايَتَهُ، وَالأَْسِيرُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، (3)
لِحَدِيثِ: أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا
الْعَانِيَ. (4)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اضْطُرِرْنَا لِبَذْل مَالٍ لِفِدَاءِ
أَسْرَى يُعَذِّبُونَهُمْ أَوْ لإِِحَاطَتِهِمْ بِنَا،
__________
(1) المنهج 5 / 192، ومغني المحتاج 4 / 220، والتاج والإكليل على هامش
مواهب الجليل 3 / 190، والسير الكبير 1 / 207.
(2) حديث: " إن على المسلمين في فيئهم. . . " أخرجه سعيد بن منصور (2 /
317) من حديث حبان بن أبي جبلة مرسلاً.
(3) كشاف القناع 3 / 33، 53، 54، 55، ومغني المحتاج 4 / 212، والبحر الرائق
5 / 90، وفتح القدير 5 / 219 وابن عابدين جـ 3 / 229، والسير الكبير 4 /
1660، وحاشية الدسوقي 2 / 174، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 /
387.
(4) حديث: " أطعموا الجائع. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 112) من
حديث أبي موسى الأشعري.
(32/60)
وَخِفْنَا اسْتِئْصَالَهُمْ لَنَا وَجَبَ
بَذْلُهُ، قَال الشُّبْرَامِلْسِيُّ: يُبْذَل مِنْ بَيْتِ الْمَال إِنْ
وُجِدَ فِيهِ، وَإِلاَّ فَمِنْ مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ مَحَل ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْسُورِ مَالٌ،
وَإِلاَّ قُدِّمَ عَلَى بَيْتِ الْمَال، وَقَالُوا يُنْدَبُ فَكُّ
الأَْسْرَى غَيْرِ الْمُعَذَّبِينَ إِذَا أُمِنَ قَتْلُهُمْ. (1) فَإِنْ
لَمْ يَفْدِ الإِْمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ أَثِمُوا جَمِيعًا، لأَِنَّهَا
مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهَا،
وَعَلَى الأَْسِيرِ فِي هَذَا الْحَال أَنْ يَفُكَّ نَفْسَهُ مِنْ مَالِهِ،
وَإِذَا افْتَدَاهُ مُسْلِمٌ بِأَمْرِ الأَْسِيرِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا
افْتَدَاهُ بِهِ قَلِيلاً كَانَ أَمْ كَثِيرًا (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (أَسْرَى ف 56 - 61) .
فِدَاءُ أَسْرَى الْكُفَّارِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأَْسْرَى الرِّجَال
الأَْحْرَارَ الْعُقَلاَءَ مِنَ الْكُفَّارِ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَخْذُ
الْفِدْيَةِ بِالْمَال عَنْهُمْ، إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} . (3)
أَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنَ الْكُفَّارِ فَلاَ يَجُوزُ
__________
(1) نهاية المحتاج 8 / 102.
(2) التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 378، وشرح الزرقاني 3 / 150،
وحاشية الدسوقي 2 / 207، والسير الكبير 4 / 1629، وفتح القدير 5 / 219 وابن
عابدين 3 / 229.
(3) سورة محمد / 4.
(32/61)
عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
فِدَاؤُهُمْ بِالْمَال، لأَِنَّهُمْ يَصِيرُونَ رَقِيقًا بِالسَّبْيِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ فِدَاءُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
بِالْمَال.
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِدَاءُ
الأَْسْرَى. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لاَ بَأْسَ بِالْفِدَاءِ إِذَا
كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلاَلاً بِأَسْرَى بَدْرٍ. (1)
فِدَاءُ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ، بِآلاَتِ الْحَرْبِ، وَالْكُرَاعِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ فِدَاءِ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ
بِسِلاَحٍ نَدْفَعُهُ لِلْعَدُوِّ.
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ وَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ: يَجُوزُ
ذَلِكَ.
وَفِي جَوَازِهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ،
لاِبْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: فَالْمَنْعُ لاِبْنِ الْقَاسِمِ،
وَالْجَوَازُ لأَِشْهَب، مَا لَمْ يَكُنِ الْخَيْل وَالسِّلاَحُ أَمْرًا
كَثِيرًا يَكُونُ لَهُمْ بِهِ الْقُدْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا رَأْيَانِ. (2)
__________
(1) البحر الرائق 5 / 90، والزرقاني 3 / 120، ونهاية المحتاج 8 / 65، 66،
والمغني 8 / 376، وحاشية ابن عابدين 3 / 230.
(2) روض الطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 68، وحاشية الدسوقي 2 / 208،
وحاشية الزرقاني 3 / 150، والبحر الرائق 5 / 90.
(32/61)
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ:
وَلاَ يَجُوزُ رَدُّ أَسْلِحَتِهِمُ الَّتِي اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا
بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لَنَا، لأَِنَّا لاَ نَبِيعُهُمْ سِلاَحًا،
لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الأَْوْجَهِ عِنْدَهُمْ مُفَادَاةُ أَسْرَانَا
بِسِلاَحِهِمُ الَّذِي غَنِمْنَاهُ مِنْهُمْ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ فِدَاءُ أَسْرَى
الْمُسْلِمِينَ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ
الإِْمَامُ أَهْل الذِّمَّةِ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ، وَيُحَاسِبَهُمْ
بِقِيمَةِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ
ذَلِكَ جَازَ شِرَاءُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لاِفْتِدَاءِ أَسْرَى
الْمُسْلِمِينَ لِلضَّرُورَةِ، وَقَالُوا: وَمَحَل ذَلِكَ إِنْ لَمْ
يَرْضَوْا إِلاَّ بِذَلِكَ، أَمَّا إِذَا رَضُوا بِغَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ
الْفِدَاءُ بِهِمَا. (1)
فِدَاءُ أَسْرَى الْعَدُوِّ بِأَسْرَى مُسْلِمِينَ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ فِدَاءَ
أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ بِأَسْرَى مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمِّيِّينَ، وَلَوْ
وَاحِدًا فِي مُقَابِل جَمْعٍ مِنْ أَسْرَاهُمْ، قَال الشَّافِعِيَّةُ:
رِجَالاً، أَوْ نِسَاءً، أَوْ خَنَاثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِنْ رَأَى
الإِْمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ " (2) . لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 208، وشرح الزرقاني 3 / 150، وأسنى المطالب 4 / 193،
ونهاية المحتاج 8 / 65.
(2) روض الطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 65، 68، وكشاف القناع 3 / 53،
والمغني 8 / 376، وحاشية الدسوقي 2 / 208، وشرح الزرقاني 3 / 150، وفتح
القدير 5 / 219، وابن عابدين 3 / 229، والسير الكبير 4 / 1587.
(32/62)
وَإِمَّا فِدَاءً} (1) . وَلِمَا رَوَى
عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ
بِرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَنِي عَقِيلٍ، وَصَاحِبَ
الْعَضْبَاءِ بِرَجُلَيْنِ. (2)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لاَ مُفَادَاةَ
بِالأَْسْرَى، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً لِلْكُفْرِ، لأَِنَّ
أَسْرَاهُمْ يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ
خَيْرٌ مِنَ اسْتِنْقَاذِ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ، لأَِنَّهُ إِذَا بَقِيَ
فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلاَءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إِلَيْنَا،
وَالإِْعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إِلَيْهِمْ مُضَافٌ إِلَيْنَا، وَهُوَ
مِنْ بَابِ تَحَمُّل الضَّرَرِ الْخَاصِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ،
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (3) . وَفِي
الْمُفَادَاةِ تَرْكُ الْقَتْل وَهُوَ فَرْضٌ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ
الْفَرْضِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِقَامَتِهِ بِحَالٍ، وَفِي رِوَايَةٍ
عَنْهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ. وَجَاءَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَهِيَ
أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ: أَنَّ تَخْلِيصَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ وَلاَ
يُتَوَصَّل إِلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْمُفَادَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ
أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِ قَتْل أَسَارَى الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ
__________
(1) سورة محمد / 4.
(2) حديث عمران بن حصين " أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى رجلين. . . ".
أخرجه مسلم (3 / 1262 - 1263) .
(3) سورة التوبة / 5.
(32/62)
جَائِزٌ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ،
وَأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْل الْكَافِرِ وَمِنَ
الاِنْتِفَاعِ بِهِ، لأَِنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَظِيمَةٌ. (1)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَسْرَى ف 25)
8 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ
مُفَادَاةِ الأَْسْرَى مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ بِمَالٍ أَوْ
بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ. وَوَجَّهَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ الرَّدِّ
بِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ سَابِيهِ، فَلاَ يَجُوزُ
رَدُّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا
إِذَا أُسِرَ الصِّبْيَانُ وَحْدَهُمْ بِدُونِ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ
وَأُخْرِجُوا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَال
يَصِيرُونَ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِلدَّارِ، فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُمْ
لِدَارِ الْكُفْرِ لِذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ قَال: وَلَعَل
الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا أُخِذَ الْبَدَل مَالاً وَإِلاَّ فَلاَ. (2)
فِدَاءُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمُوا:
9 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَسْلَمَ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ قَبْل أَنْ
يُفَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ
الْمُفَادَاةُ، لأَِنَّهُمْ صَارُوا كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الإِْسْلاَمِ،
فَلاَ يَجُوزُ تَعْرِيضُهُمْ لِلْفِتْنَةِ بِطَرِيقِ الْمُفَادَاةِ، إِلاَّ
إِذَا أُمِنَ عَلَى إِسْلاَمِهِمْ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ. (3)
__________
(1) فتح القدير5 / 220، والسير الكبير 4 / 1587، وابن عابدين 3 / 219.
(2) المصادر السابقة.
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 230.
(32/63)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ
لِلإِْمَامِ مُفَادَاتُهُمْ بِالأَْسْرَى، وَبِالْمَال إِنْ كَانَ فِي
ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، إِذَا كَانَ الأَْسِيرُ لَهُ ثَمَّ
عَشِيرَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ
يَجُوزُ، لِحُرْمَةِ الإِْقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ لَيْسَ
لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُ عَنْهُ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَسْلَمَ الأَْسِيرُ صَارَ رَقِيقًا
كَالْمَرْأَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى إِلاَّ بِإِذْنِ
الْغَانِمِينَ، لأَِنَّهُ صَارَ مَالاً لَهُمْ، لأَِنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ
قَتْلُهُ فَصَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ، وَقِيل: يَحْرُمُ الْقَتْل،
وَيُخَيَّرُ فِيهِمُ الأَْسِيرُ بَيْنَ رِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ.
وَيَحْرُمُ رَدُّهُ إِلَى الْكُفَّارِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ
يَمْنَعُهُ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا، (2)
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرُوا رَجُلاً فَأَسْلَمَ، وَفَادَى بِهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ
(3) .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لِلإِْمَامِ أَنْ
يُفَادِيَ بِالأَْسِيرِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي سَهْمِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ،
رَضِيَ أَمْ أَبَى، وَيُعَوِّضَهُ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، لأَِنَّ
تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ مِنَ الأَْسْرِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَعَلَى كُل
مُسْلِمٍ، بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ
__________
(1) نهاية المحتاج 8 / 66، وأسنى المطالب 4 / 193.
(2) كشاف القناع 3 / 54، والمغني 8 / 374.
(3) حديث: " أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسروا رجلاً فأسلم. . . ".
تقدم ف7 من حديث عمران بن الحصين.
(32/63)
وَالإِْمْكَانِ، فَإِنِ امْتَنَعَ عَنْهُ
نَابَ عَنْهُ الأَْمِيرُ وَعَوَّضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، كَمَا لَوِ
اسْتُحِقَّ سَهْمٌ.
أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلاَ يُجِيزُ الْمُفَادَاةَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ
وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (1) .
فِدَاءُ الْمَمْلُوكِ الْجَانِي:
10 - إِذَا جَنَى مَمْلُوكٌ جِنَايَةَ خَطَأٍ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ
عَمْدًا وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ، فَلِسَيِّدِهِ الْخِيَارُ، بَيْنَ فِدَائِهِ
بِالْمَال، وَتَسْلِيمِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنِ اخْتَارَ
الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْل الْقَدِيمُ
لِلشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إِنْ كَانَتِ
الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ.
وَفِي الْقَوْل الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ يَفْدِيهِ بِالأَْقَل مِنْ
قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ
فَمَا دُونَهَا فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ
جِنَايَتِهِ، أَوْ يُسَلِّمَهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَأَمَّا إِنْ
كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ
رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ
يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ
يُسَلِّمَهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ، إِلاَّ
أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ (2) .
__________
(1) فتح القدير 5 / 220، والسير الكبير 4 / 1660.
(2) حاشية الدسوقي 4 / 241، وفتح القدير 8 / 355، والقليوبي 4 / 158.
(32/64)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِقٌّ ف
120)
فِدَاءُ أُمِّ الْوَلَدِ:
11 - يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَوْلِدِ فِدَاءُ أُمِّ وَلَدِهِ إِذَا جَنَتْ
بِمَا يُوجِبُ الْمَال، وَإِنْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لِمَنْعِهِ
بَيْعَهَا بِالإِْيلاَدِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِيلاَدٌ ف 14)
(32/64)
فِدْيَة
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِدْيَةُ لُغَةً: مَالٌ أَوْ نَحْوُهُ يُسْتَنْقَذُ بِهِ الأَْسِيرُ
أَوْ نَحْوُهُ فَيُخَلِّصُهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ. (1)
قَال تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ، (2) أَيْ جَعَلْنَا
الذِّبْحَ فِدَاءً لَهُ وَخَلَّصْنَاهُ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ.
وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الْبَدَل الَّذِي يَتَخَلَّصُ بِهِ الْمُكَلَّفُ مِنْ
مَكْرُوهٍ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْجِزْيَةُ:
2 - الْجِزْيَةُ هِيَ: اسْمٌ لِلْمَال الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْل
الذِّمَّةِ لإِِسْكَانِهِمْ فِي دِيَارِنَا وَحِمَايَتِهِمْ وَحَقْنِ
دِمَائِهِمْ، وَتُطْلَقُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْعَقْدِ أَيْضًا (4) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْفِدْيَةِ وَالْجِزْيَةِ أَنَّ الْفِدْيَةَ أَعَمُّ
مِنَ الْجِزْيَةِ.
__________
(1) لسان العرب، ومختار الصحاح، والقاموس المحيط.
(2) سورة الصافات / 107.
(3) التعريفات للجرجاني ط دار الكتب العلمية.
(4) القليوبي وعميرة 4 / 228.
(32/65)
ب - الدِّيَةُ:
3 - الدِّيَةُ هِيَ: الْمَال الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى حُرٍّ فِي
نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (1)
وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْفِدْيَةِ.
ج - الْكَفَّارَةُ:
4 - الْكَفَّارَةُ لُغَةً: السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ (2) ، وَاصْطِلاَحًا:
مَا يُغَطِّي الإِْثْمَ (3) .
وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْفِدْيَةِ.
د - الْخُلْعُ:
5 - الْخُلْعُ لُغَةً: النَّزْعُ، وَمِنْهُ خَالَعَتِ الْمَرْأَةُ
زَوْجَهَا إِذَا افْتَدَتْ مِنْهُ بِمَالٍ.
وَالْخُلْعُ فِي الشَّرْعِ: فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ لِجِهَةِ
الزَّوْجِ بِلَفْظِ طَلاَقٍ أَوْ خُلْعٍ (4) ، قَال تَعَالَى: {فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (5) .
وَالْخُلْعُ أَخَصُّ مِنَ الْفِدْيَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْفِدْيَةِ وُجُوبًا أَوْ
نَدْبًا أَوْ إِبَاحَةً بِحَسَبِ مَا يَلِي:
__________
(1) القليوبي وعميرة 4 / 129.
(2) المصباح المنير.
(3) المفردات للراغب.
(4) جواهر الإكليل 1 / 330، والقليوبي 3 / 307، وكشاف القناع 5 / 212،
وروضة الطالبين 7 / 374.
(5) سورة البقرة / 229.
(32/65)
أ - ارْتِكَابُ أَحَدِ مَحْظُورَاتِ
الإِْحْرَامِ:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَل شَيْئًا مِنْ
مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ وَقَصِّ الأَْظْفَارِ
وَالاِدِّهَانِ وَالتَّطَيُّبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ
وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِحْرَامٌ ف 148)
ب - الإِْحْصَارُ:
8 - الإِْحْصَارُ: مَنْعُ الْحَاجِّ أَوِ الْمُعْتَمِرِ مِنَ الْمُضِيِّ
إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّل مِنْ
إِحْرَامِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ لِئَلاَّ يَمْتَدَّ إِحْرَامُهُ فَيَشُقَّ
عَلَيْهِ، وَإِذَا تَحَلَّل حَل لَهُ كُل مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ،
فَإِذَا كَانَ الإِْحْصَارُ فِي الْحِل وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ
شَاةً إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا
فَعَلَيْهِ شَاةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَشَاتَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
(1) ، قَال تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (2) . وَاخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَلْقِ
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْصَارٌ ف 38 - 42) .
__________
(1) فتح القدير 3 / 51 - 56، واللباب في شرح الكتاب 1 / 218 - 220، وأوجز
المسالك 5 / 14، وأحكام القرآن 1 / 280، والمنثور في القواعد للزركشي 3 /
21.
(2) سورة البقرة / 196.
(32/66)
ج - الْوُقُوعُ فِي الأَْسْرِ:
9 - الأَْسْرُ لُغَةً: الْحَبْسُ، وَاصْطِلاَحًا: وُقُوعُ الْمُحَارِبِ
حَيًّا فِي يَدِ عَدُوِّهِ أَثْنَاءَ الْقِتَال، فَإِذَا وَقَعَ
الْمُحَارِبُ أَسِيرًا وَجَبَ فِدَاؤُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ،
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى نَدْبِهِ إِذَا لَمْ يُعَذَّبْ، فَإِذَا
عُذِّبَ وَجَبَ الْفِدَاءُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (أَسْرَى ف 56 - 61) .
مَا تَكُونُ بِهِ الْفِدْيَةُ:
أَوَّلاً - الْفِدْيَةُ فِي الصِّيَامِ:
10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ إِذَا
تَكَلَّفَ الصَّوْمَ، فَصَامَ فِي رَمَضَانَ، فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي
يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً أَنْ
يُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وُجُوبًا
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ (1) ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2) . وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ
خَيْرٌ لَهُ} (3) ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
تَفْسِيرِهَا:
__________
(1) البدائع 2 / 92، 97، وجواهر الإكليل 1 / 146، والمجموع للنووي 6 / 257
- 259، والمغني 3 / 141.
(2) سورة الحج / 78.
(3) سورة البقرة / 184.
(32/66)
نَزَلَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ
وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا
وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُل يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ
إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلاَدِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا، وَلِقَوْل
أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْكِبَرُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ صِيَامَ
رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ لِكُل يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ قَمْحٍ وَذَهَبَ
الْمَالِكِيَّةُ وَمَكْحُولٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ
الْمُنْذِرِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى
أَنَّهُ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لأَِنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ
الصَّوْمِ لِعَجْزِهِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَالصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ، وَكَالْمَرِيضِ الَّذِي تَرَكَ الصِّيَامَ لِمَرَضٍ
اتَّصَل بِهِ الْمَوْتُ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّهُ
يُنْدَبُ لَهُ إِعْطَاءُ الْفِدْيَةِ.
مِقْدَارُ الْفِدْيَةِ
11 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِقْدَارَ
الْفِدْيَةِ مُدٌّ عَنْ كُل يَوْمٍ، وَبِهِ قَال طَاوُوسٌ وَسَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ
الْفِدْيَةِ هُوَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفُ
صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَذَلِكَ عَنْ كُل يَوْمٍ يُفْطِرُهُ، يُطْعِمُ بِهِ
مِسْكِينًا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْوَاجِبُ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ
تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ (1) .
__________
(1) البدائع 2 / 92، 97، وجواهر الإكليل 1 / 146، والمجموع للنووي 6 / 257
- 259، والمغني 3 / 141.
(32/67)
اشْتِرَاطُ الْيَسَارِ فِي وُجُوبِ
الْفِدْيَةِ
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ لَوْ كَانَ
مُوسِرًا.
وَقَال النَّوَوِيُّ: إِذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ عَلَى الشَّيْخِ. . .
وَكَانَ مُعْسِرًا هَل يَلْزَمُهُ إِذَا أَيْسَرَ أَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ؟
فِيهِ قَوْلاَنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الأَْصَحُّ هُنَا أَنَّهَا
تَسْقُطُ وَلاَ يَلْزَمُهُ إِذَا أَيْسَرَ كَالْفِطْرَةِ، لأَِنَّهُ
عَاجِزٌ حَال التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ، وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ
جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّهُ
إِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الإِْفْطَارِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ لَمْ
يَفْدِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَ إِخْرَاجُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، قَال: لأَِنَّ
الإِْطْعَامَ فِي حَقِّهِ كَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ
وَالْمُسَافِرِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ إِذَا
مَاتَا قَبْل تَمَكُّنِهِمَا مِنَ الْقَضَاءِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَإِنْ
زَال عُذْرُهُمَا وَقَدَرَا عَلَى الْقَضَاءِ لَزِمَهُمَا، فَإِنْ مَاتَا
قَبْلَهُ وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُمَا مَكَانَ كُل يَوْمٍ مُدَّ
طَعَامٍ، فَكَذَا هُنَا، وَإِلَى مِثْل هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، قَال
ابْنُ قُدَامَةَ: وَالشَّيْخُ الْهِمُّ - أَيِ الْفَانِي - لَهُ ذِمَّةٌ
صَحِيحَةٌ فَإِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنِ الإِْطْعَامِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ
(1) ، قَال تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}
(2) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 119، والمجموع 6 / 258، والمغني لابن قدامة 3 /
140.
(2) سورة البقرة / 286.
(32/67)
تَعْجِيل الْفِدْيَةِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إِذَا كَانَ يَجُوزُ
لِلشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ تَعْجِيل
الْفِدْيَةِ، فَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ دَفْعَ الْفِدْيَةِ فِي أَوَّل
الشَّهْرِ كَمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا فِي آخِرِهِ. (1) وَقَال النَّوَوِيُّ:
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الْعَاجِزِ
وَالْمَرِيضِ الَّذِي لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ تَعْجِيل الْفِدْيَةِ قَبْل
دُخُول رَمَضَانَ، وَيَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ كُل يَوْمٍ، وَهَل
يَجُوزُ قَبْل الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ؟ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِالْجَوَازِ
وَهُوَ الصَّوَابُ. (2)
مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَاتَهُ بِعُذْرٍ:
14 - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَاتَهُ بِمَرَضٍ أَوْ
سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الأَْعْذَارِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ
قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَامُ عَنْهُ وَلاَ
يُطْعَمُ عَنْهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. (3)
وَلأَِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِالشَّرْعِ، وَمَاتَ مَنْ
يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْل إِمْكَانِ فِعْلِهِ، فَسَقَطَ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ
كَالْحَجِّ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 119.
(2) المجموع للنووي 6 / 260.
(3) حديث: " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ". أخرجه البخاري (فتح
الباري 13 / 251) ومسلم (2 / 975) من حديث أبي هريرة.
(32/68)
وَقَال طَاوُوسٌ وَقَتَادَةُ: يَجِبُ أَنْ
يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ مِسْكِينٌ، لأَِنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ سَقَطَ
بِالْعَجْزِ عَنْهُ فَوَجَبَ الإِْطْعَامُ عَنْهُ، كَالشَّيْخِ الْهِمِّ
إِذَا تَرَكَ الصِّيَامَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ. (1)
وَأَمَّا مَنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَصُمْهُ،
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ
أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ
وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَأَبِي عُبَيْدٍ
إِلَى أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ مِسْكِينٌ، لِحَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَال: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ
مَكَانَ كُل يَوْمٍ مِسْكِينًا (2) ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلاَ يُصَامُ
عَنْهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ
مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ يَصُومُ شَهْرًا، وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ،
قَال: أَمَّا رَمَضَانُ فَيُطْعَمُ عَنْهُ، وَأَمَّا النَّذْرُ فَيُصَامُ
عَنْهُ، وَلأَِنَّ الصَّوْمَ لاَ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ
فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَفَاةِ
__________
(1) البدائع 2 / 103، والقوانين الفقهية ص110، والمجموع للنووي 6 / 372،
والمغني لابن قدامة 3 / 142، ومغني المحتاج 1 / 438.
(2) حديث ابن عمر " من مات وعليه صيام شهر. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 87)
، ونقل ابن حجر في التلخيص (2 / 209) عن الدارقطني والبيهقي أنهما صوبا
وقفه على ابن عمر.
(32/68)
كَالصَّلاَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي الدَّلِيل
عِنْدَهُمْ، كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَطَاوُوسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ إِلَى أَنَّهُ
يُصَامُ عَنْهُ (1) ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (2) ،
وَلأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لاِمْرَأَةٍ قَالَتْ
لَهُ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ
عَنْهَا؟ صُومِي عَنْ أُمِّكِ (3) ، زَادَ الشَّافِعِيَّةُ: سَوَاءٌ فِي
هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ مَنْ فَاتَهُ الصِّيَامُ بِعُذْرٍ كَالْمَرَضِ،
أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَالْمُتَعَدِّي بِالْفِطْرِ إِذَا مَاتَ قَبْل
الْقَضَاءِ لِمَا فَاتَهُ، كَمَا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يُفَرِّقُوا
فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ فَاتَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ وَبَيْنَ مَنْ فَاتَهُ
صِيَامُ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ فِي ذَلِكَ
(4) .
الْحَامِل وَالْمُرْضِعُ إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى وَلَدَيْهِمَا:
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِل وَالْمُرْضِعَ إِذَا
أَفْطَرَتَا خَوْفًا مِنَ الصَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَعَلَيْهِمَا
الْقَضَاءُ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ،
__________
(1) المصادر السابقة.
(2) حديث: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه ". أخرجه البخاري (فتح الباري
4 / 192) ، ومسلم (2 / 803) من حديث عائشة.
(3) حديث: أنه صلى الله عليه وسلم " قال لامرأة قالت له: إن أمي ماتت
وعليها صوم نذر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 804) من حديث ابن عباس.
(4) مغني المحتاج 1 / 439.
(32/69)
وَكَذَا إِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا
وَوَلَدَيْهِمَا. (1)
إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى
وَلَدَيْهِمَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الأَْقْوَال
عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِمَا
الْقَضَاءَ وَإِطْعَامَ مِسْكِينٍ عَنْ كُل يَوْمٍ، لأَِنَّهُمَا
دَاخِلَتَانِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . (2)
وَسَبَقَ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِهَذِهِ
الآْيَةِ (ف 10) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، وَلأَِنَّهُ فِطْرٌ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ طَرِيقِ
الْخِلْقَةِ فَوَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَالشَّيْخِ (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ
وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيُّ
وَرَبِيعَةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو
ثَوْرٍ - وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ
عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ بَل تُسْتَحَبُّ لَهُمَا (4) ، لِمَا رُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ اللَّهَ
وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاَةِ، وَعَنِ
__________
(1) المجموع للنووي 6 / 267 - 269، والمغني لابن قدامة 3 / 139 - 140،
والبدائع 2 / 97، والفواكه الدواني 1 / 359 وما بعدها.
(2) سورة البقرة / 184.
(3) المصادر السابقة.
(4) المصادر السابقة.
(32/69)
الْحَامِل أَوِ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ
الصِّيَامَ، قَال الرَّاوِي: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ - وَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّ الْحَامِل تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَلاَ
فِدْيَةَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْمُرْضِعَ تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَتَفْدِي،
لأَِنَّ الْمُرْضِعَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهَا، بِخِلاَفِ
الْحَامِل، وَلأَِنَّ الْحَمْل مُتَّصِلٌ بِالْحَامِل، فَالْخَوْفُ
عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلأَِنَّ الْحَامِل
أَفْطَرَتْ لِمَعْنًى فِيهَا، فَهِيَ كَالْمَرِيضِ، وَالْمُرْضِعَ
أَفْطَرَتْ لِمُنْفَصِلٍ عَنْهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. (2)
وَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى
أَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا. (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ فِي
إِيجَابِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ: مَنْ أَفْطَرَ لإِِنْقَاذِ آدَمِيٍّ
مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مُشْرِفٍ عَلَى هَلاَكٍ بِغَرَقٍ أَوْ
غَيْرِهِ إِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ،
__________
(1) حديث: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. . . " أخرجه
الترمذي (3 / 85) من حديث أنس بن مالك، وحسنه.
(2) البدائع 2 / 97، والفواكه الدواني 1 / 359، والمجموع 6 / 267 - 269،
والمغني 3 / 139.
(3) المجموع للنووي 6 / 269.
(32/70)
فَهُوَ فِطْر ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ:
وَهُوَ حُصُول الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ، وَالْخَلاَصِ لِغَيْرِهِ (1) .
مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إِمْكَانِهِ حَتَّى دَخَل رَمَضَانُ
آخَرُ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الإِْنْسَانِ
قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضِهِ، وَأَخَّرَهُ إِلَى أَنْ يَدْخُل
رَمَضَانُ، وَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ بِأَنِ اسْتَمَرَّ
مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ وَنَحْوُهُمَا، جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ مَا دَامَ
الْعُذْرُ وَلَوْ بَقِيَ سِنِينَ، وَلاَ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِهَذَا
التَّأْخِيرِ وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُول شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَِنَّهُ يَجُوزُ
تَأْخِيرُ أَدَاءِ رَمَضَانَ بِهَذَا الْعُذْرِ، فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ
أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَل
رَمَضَانُ آخَرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، هَل تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مَعَ
الْقَضَاءِ أَوْ لاَ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ
أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالزُّهْرِيُّ
وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ - إِلَى لُزُومِ الْفِدْيَةِ
مَعَ الْقَضَاءِ، وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُل يَوْمٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ وَدَاوُدُ وَالْمُزَنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ
لاَ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 441.
(32/70)
فِدْيَةَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ صَوْمٌ
وَاجِبٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ فِدْيَةٌ، وَلأَِنَّ
الْفِدْيَةَ تَجِبُ خَلَفًا عَنِ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ
تَحْصِيلِهِ عَجْزًا لاَ يُرْجَى مَعَهُ الْقُدْرَةُ عَادَةً، كَمَا فِي
حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَلَمْ يُوجَدِ الْعَجْزُ، لأَِنَّهُ قَادِرٌ
عَلَى الْقَضَاءِ فَلاَ مَعْنَى لإِِيجَابِ الْفِدْيَةِ. (1)
مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عُدْوَانًا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ:
17 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَوِ الْفِدْيَةِ
عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عُدْوَانًا بِغَيْرِ
الْجِمَاعِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ
عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلاَ فِدْيَةٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ
الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ (2) ، وَلأَِنَّ
الأَْصْل عَدَمُ الْكَفَّارَةِ أَوِ الْفِدْيَةِ إِلاَّ فِيمَا وَرَدَ بِهِ
الشَّرْعُ، وَلأَِنَّهُ أَفْطَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ فَلَمْ تَجِبِ
الْكَفَّارَةُ، وَلاَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْجِمَاعِ، لأَِنَّ
الْحَاجَةَ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ أَمَسُّ، وَالْحُكْمُ فِي التَّعَدِّي
بِهِ آكَدُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ
وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَدَاوُدُ (3) ،
__________
(1) البدائع 2 / 104، والفواكه الدواني 1 / 360، والمجموع 6 / 363 - 366،
مغني المحتاج 1 / 441، والمغني 3 / 144 - 145.
(2) حديث: " من استقاء عمدًا فليقض ". أخرجه الترمذي (3 / 89) من حديث أبي
هريرة وحسنه.
(3) المجموع للنووي 6 / 328 - 330، المغني لابن قدامة 3 / 115 - 116.
(32/71)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ
تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِذَا أَفْطَرَ بِإِيصَال مَا يُقْصَدُ بِهِ
التَّغَذِّي أَوِ التَّدَاوِي إِلَى جَوْفِهِ عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ،
لأَِنَّ بِهِ يَحْصُل قَضَاءُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ، كَمَا يَحْصُل
بِالْجِمَاعِ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: حُكِيَ
عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ
وَالأَْوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ أَنَّ الْفِطْرَ بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ
يُوجِبُ مَا يُوجِبُهُ الْجِمَاعُ.
أَمَّا مَا لاَ يُقْصَدُ بِهِ التَّغَذِّي أَوِ التَّدَاوِي كَبَلْعِ
الْحَصَاةِ أَوِ التُّرَابِ أَوِ النَّوَاةِ وَنَحْوِهَا فَلاَ تَجِبُ
فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَا إِنْ بَاشَرَ دُونَ
الْفَرْجِ فَأَنْزَل أَوِ اسْتَمْنَى (1) .
وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ عَلَيْهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا
فَبَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِشُرُوطٍ
مِنْهَا: أَنْ يُفْطِرَ مُتَعَمِّدًا، وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، وَأَنْ
يَأْكُل أَوْ يَشْرَبَ عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ وَأَنْ يَكُونَ الإِْفْطَارُ
فِي رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ
الَّذِي فَعَلَهُ وَإِنْ جَهِل وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِهِ،
وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي هَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِثْل
الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْجِمَاعِ، لأَِنَّهُ إِفْطَارٌ فِي
رَمَضَانَ فَأَشْبَهَ الْجِمَاعَ،
__________
(1) المصدران السابقان، والبدائع 2 / 97 - 98.
(32/71)
حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا هَتَكَ
حُرْمَةَ الصِّيَامِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِمَعْصِيَةٍ (1) .
ثَانِيًا - الْفِدْيَةُ فِي الْحَجِّ:
18 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ فِدْيَةَ الْحَجِّ تَجِبُ فِي حَجِّ
التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَفِي تَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ، وَفِي فِعْل مَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ،
وَفِي الْفَوَاتِ وَالإِْحْصَارِ.
وَاتَّفَقُوا فِي بَعْضِ تَفَاصِيل هَذِهِ الأَْحْكَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي
بَعْضِهَا كَمَا يَلِي
التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ:
19 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ
فِدْيَةٌ، وَهِيَ ذَبْحُ شَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الأَْنْعَامِ، لِقَوْل
اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (2) ، وَلأَِنَّهُ فِي الْقَارِنِ إِذَا وَجَبَ
الدَّمُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لأَِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي
وَقْتِ أَحَدِهِمَا، فَلأََنْ يَجِبَ عَلَى الْقَارِنِ وَقَدْ جَمَعَ
بَيْنَهُمَا فِي الإِْحْرَامِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْقَارِنُ
وَالْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِمَا صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي
الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا إِلَى بِلاَدِهِمَا.
__________
(1) البدائع 2 / 97 - 98، والمجموع 6 / 328 - 330، والمغني 3 / 115 - 116،
والفواكه الدواني 1 / 365.
(2) سورة البقرة / 196.
(32/72)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (تَمَتُّعٌ
ف 16، وَهَدْي وَقِرَان)
تَرْكُ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ فِدْيَةٌ فِي تَرْكِ
وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كَتَرْكِ الإِْحْرَامِ مِنَ
الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَتَرْكِ الْمَبِيتِ
بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ، وَتَرْكِ الرَّمْيِ لِلْجَمَرَاتِ،
وَتَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ
الَّتِي لاَ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهَا.
وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِاتِّفَاقِهِمْ ذَبْحُ شَاةٍ
مُسْتَوْفِيَةٍ لِشُرُوطِ الأُْضْحِيَّةِ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا،
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً
إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ كَالْمُتَمَتِّعِ (1) ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ
الْفُقَهَاءِ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (حَجّ ف 126 وَمَا بَعْدَهَا)
وَهَل الْفِدْيَةُ تَجِبُ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ كُلِّهِ أَوْ فِي تَرْكِ
الرَّمْيِ لِجَمْرَةٍ مِنَ الْجِمَارِ الثَّلاَثَةِ، أَوْ فِي تَرْكِ
رَمْيِ ثَلاَثِ حَصَيَاتٍ مِنَ الْحَصَيَاتِ السَّبْعِ وَهَكَذَا فِي
الْمَبِيتِ؟
تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ ف 57، 58، 59 وَمَا بَعْدَهَا)
فِعْل مَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَكَبَ الْحَاجُّ
__________
(1) المجموع للنووي 7 / 507 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 3 / 491، 552.
(32/72)
أَوِ الْمُعْتَمِرُ مَحْظُورًا مِنْ
مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَوْ
كَفَّارَةٌ حَسَبَ الْمَحْظُورِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ: فَفِعْل بَعْضِ
مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ كَالْجِمَاعِ يُفْسِدُ الْحَجَّ كُلِّيَّةً،
بَيْنَمَا غَيْرُهُ لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَعَلَيْهِ تَخْتَلِفُ
الْفِدْيَةُ الْوَاجِبَةُ فِي هَذَا عَنِ الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ فِي
ذَاكَ. (1)
وَتَفْصِيل هَذِهِ الْفِدْيَةِ، وَهَل هِيَ مُخَيَّرَةٌ أَوْ مُرَتَّبَةٌ،
مُقَدَّرَةٌ أَوْ مُعَدَّلَةٌ؟ وَهَل تَجِبُ بِمُجَرَّدِ ارْتِكَابِ
الْمَحْظُورِ أَمْ يُشْتَرَطُ لِتَكَامُلِهَا تَكْرَارُ الْفِعْل
وَتَعَدُّدُهُ أَوِ اسْتِمْرَارُ ارْتِكَابِهِ لِفَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ
مُحَدَّدَةٍ؟ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ ف 108 وَإِحْرَامٌ ف 145 وَمَا
بَعْدَهَا)
الْفَوَاتُ وَالإِْحْصَارُ:
22 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ ذَبْحِ الْهَدْيِ عَلَى
الْمُحْصَرِ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَقَطْ، أَوْ بِعُمْرَةٍ
فَقَطْ أَوْ كَانَ قَارِنًا، أَيْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا.
وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَارٌ ف 36 وَمَا
بَعْدَهَا) .
ثَالِثًا - فِدَاءُ الأَْسْرَى: الاِفْتِدَاءُ بِالْمَال:
23 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَْسِيرَ الْمُسْلِمَ فِي
أَيْدِي الْكُفَّارِ يَجِبُ فِدَاؤُهُ وَمِمَّا يُفْدَى بِهِ الْمَال،
__________
(1) انظر المصادر السابقة.
(32/73)
وَيَكُونُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ،
وَإِلاَّ فَمِنْ مَال الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِمْ،
وَالأَْسِيرُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ يَجِبُ الْمَال الَّذِي يُفْدَى بِهِ الأَْسِيرُ
عَلَى الأَْسِيرِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ وَجَبَ فِي بَيْتِ مَال
الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ يُعَذَّبُ، وَإِلاَّ نُدِبَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَسْرَى ف 56)
الاِفْتِدَاءُ بِتَعْلِيمِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُفِيدُهُمْ:
24 - يَجُوزُ افْتِدَاءُ أَسْرَى الْكُفَّارِ، بِتَعْلِيمِهِمُ
الْمُسْلِمِينَ مَا يَنْفَعُهُمْ كَتَعْلِيمِ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ
أَوْ تَعْلِيمِهِمْ حِرْفَةً كَالْحِدَادَةِ وَالنِّجَارَةِ، أَوْ
صِنَاعَةً مِنَ الصِّنَاعَاتِ النَّافِعَةِ، لأَِنَّ تَعْلِيمَ مِثْل
هَذِهِ الْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ يَقُومُ مَقَامَ الْمَال وَيُقَوَّمُ
بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَال: كَانَ نَاسٌ مِنَ
الأَْسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَل رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا
أَوْلاَدَ الأَْنْصَارِ الْكِتَابَةَ (1) .
الاِفْتِدَاءُ بِتَبَادُل الأَْسْرَى:
25 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ فِدَاءَ
أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، لِمَا رَوَى
__________
(1) البداية والنهاية 3 / 307.، وحديث ابن عباس " كان ناس من الأسرى يوم
بدر. . . ". أخرجه أحمد (1 / 417) .
(32/73)
عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ
بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ
لاَ يُفَادَى الأَْسِيرُ الْمُسْلِمُ بِأَسْرَى الْمُشْرِكِينَ، لأَِنَّ
فِي ذَلِكَ مَعُونَةً لِلْكُفْرِ، فَأَسْرَاهُمْ بَعْدَ فِدَائِهِمْ
يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (أَسْرَى ف 25)
فَرَائِض
انْظُرْ: إِرْث
__________
(1) حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم " فدى رجلين من
أصحابه. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1262) .
(32/74)
فِرَار
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِرَارُ - بِالْكَسْرِ - وَالْفَرُّ - بِالْفَتْحِ - لُغَةً:
الْهَرَبُ، يُقَال: فَرَّ مِنَ الْحَرْبِ فِرَارًا أَيْ هَرَبَ (1) . وَفِي
الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي
إِلاَّ فِرَارًا} (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(3) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِرَارِ:
أ - الْفِرَارُ مِنَ الزَّكَاةِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْفِرَارِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَقَال
الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّهُ
يَحْرُمُ الاِحْتِيَال لِسُقُوطِ الزَّكَاةِ، وَتَجِبُ مَعَ الْحِيلَةِ،
كَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ فَبَاعَهَا قَبْل الْحَوْل بِدَرَاهِمَ
__________
(1) تاج العروس، والمصباح المنير، ومختار الصحاح، والقاموس المحيط،
والمفردات.
(2) سورة نوح / 6.
(3) العناية على الهداية 4 / 320 ط بولاق.
(32/74)
فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَبْدَل
النِّصَابَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لِيَقْطَعَ الْحَوْل وَيَسْتَأْنِفَ حَوْلاً
آخَرَ، أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنَ النِّصَابِ قَصْدًا لِنَقْصِ النِّصَابِ
لِتَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ، بَل تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ
كَانَ الْمُبْدَل مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنَ النُّصُبِ، بِدَلِيل
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ
الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلاَ
يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ
نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ
(21) } (1) . فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِفِرَارِهِمْ مِنَ
الصَّدَقَةِ، لأَِنَّهُمْ لَمَّا قَصَدُوا قَصْدًا فَاسِدًا اقْتَضَتِ
الْحِكْمَةُ مُعَاقَبَتَهُمْ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ، كَمَنْ قَتَل
مُوَرِّثَهُ لاِسْتِعْجَال مِيرَاثِهِ عَاقَبَهُ الشَّرْعُ بِالْحِرْمَانِ.
(2)
وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْحِيلَةُ عِنْدَ قُرْبِ الْوُجُوبِ، وَلَوْ فَعَل
ذَلِكَ فِي أَوَّل الْحَوْل لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، لأَِنَّ ذَلِكَ
لَيْسَ بِمَظِنَّةٍ لِلْفِرَارِ، وَكَذَلِكَ لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ لَوْ
أَتْلَفَهُ لِحَاجَتِهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالشَّيْخَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِسُقُوطِ
الزَّكَاةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لأَِنَّهُ نَقَصَ قَبْل تَمَامِ حَوْلِهِ،
فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا إِذَا أَتْلَفَهُ
__________
(1) سورة القلم / 17 - 21.
(2) ابن عابدين 2 / 37، ومواهب الجليل 2 / 4 ط دار الفكر بيروت، وشرح
الزرقاني 2 / 120، والمغني مع الشرح الكبير 2 / 534 ط دار الكتاب العربي،
ومطالب أولي النهى 2 / 64.
(32/75)
لِحَاجَتِهِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: زَكَاةٌ (ف 114) .
طَلاَقُ الْفَارِّ:
3 - هُوَ تَطْلِيقُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بَائِنًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
لِحِرْمَانِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ فِرَارًا مِنْ إِرْثِ الزَّوْجَةِ يَصِحُّ طَلاَقُهُ
كَصِحَّتِهِ مَا دَامَ كَامِل الأَْهْلِيَّةِ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى إِرْثِهَا مِنْهُ إِذَا مَاتَ وَهِيَ فِي
عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِطَلَبِهَا أَمْ لاَ،
وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ فَقَدِ
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ مُعَامَلَةً
مِنْهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِتَوْرِيثِهَا
انْقَسَمُوا إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ: فَفِرْقَةٌ قَالَتْ: لَهَا الْمِيرَاثُ
مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ (2) . وَقَال أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى:
لَهَا الْمِيرَاثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَقَال مَالِكٌ وَاللَّيْثُ:
تَرِثُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَمْ تَكُنْ، تَزَوَّجَتْ أَمْ
لَمْ تَتَزَوَّجْ (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 37، وبداية المجتهد 2 / 89، وأسنى المطالب 1 /
353، ط مكتبة الكليات الأزهرية.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 528.
(3) بداية المجتهد 2 / 89، والمغني 6 / 329.
(32/75)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ
طَلاَقِ الْفَارِّ، فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو
يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ زَوْجَةَ الْفَارِّ لاَ تَعْتَدُّ
بِأَطْوَل الأَْجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ،
وَإِنَّمَا تُكْمِل عِدَّةَ الطَّلاَقِ، لأَِنَّ زَوْجَهَا مَاتَ
وَلَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، لأَِنَّهَا بَائِنٌ مِنَ النِّكَاحِ، فَلاَ
تَكُونُ مَنْكُوحَةً، وَاعْتِبَارُ الزَّوَاجِ قَائِمًا وَقْتَ الْوَفَاةِ
فِي رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الإِْرْثِ فَقَطْ، لاَ
فِي حَقِّ الْعِدَّةِ. (1)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا تَنْتَقِل مِنْ عِدَّةِ
الطَّلاَقِ إِلَى الْعِدَّةِ بِأَبْعَدِ الأَْجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ
الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الطَّلاَقِ احْتِيَاطًا، بِأَنْ تَتَرَبَّصَ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ تَرَ
فِيهَا حَيْضَهَا تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلاَثِ حَيْضَاتٍ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: طَلاَقٌ (ف 66) وَ (عِدَّة)
الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الثَّبَاتُ فِي الْجِهَادِ
وَمُحَرَّمٌ الْفِرَارُ مِنْهُ (3) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 197، وحاشية ابن عابدين 2 / 605 ط بولاق، والمهذب 2
/ 146، والقوانين الفقهية ص157.
(2) بدائع الصنائع 2 / 197، وحاشية ابن عابدين 2 / 605 ط بولاق، وكشاف
القناع 5 / 416 ط عالم الكتب.
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 224 ط بولاق، وبدائع الصنائع 7 / 99، وحاشية
الدسوقي 2 / 178، والمهذب 2 / 322، وتفسير القرطبي 7 / 380، ونهاية المحتاج
2 / 65، والمغني 8 / 484، وكشاف القناع 3 / 45، وتفسير ابن كثير 3 / 330 ط
دار الأندلس بيروت.
(32/76)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ}
(1) ، وَقَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا
لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} (2) . وَقَدْ عَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ،
بِقَوْلِهِ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا:
التَّوَلِّيَ يَوْمَ الزَّحْفِ (3) . وَهُنَاكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي
شَرْطِ وُجُوبِ الثَّبَاتِ (ر: جِهَادٌ ف 37) (وَتَوَلٍّ ف 3) .
__________
(1) الأنفال / 15.
(2) الأنفال / 45.
(3) حديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 /
393) ومسلم (1 / 92) من حديث أبي هريرة.
(32/76)
فِرَاسَة
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِرَاسَةُ لُغَةً: مِنْ فَرُسَ فُلاَنٌ بِالضَّمِّ، يَفْرُسُ
فُرُوسَةً وَفِرَاسَةً: إِذَا حَذَقَ أَمْرَ الْخَيْل، وَالْفِرَاسَةُ
بِالْفَتْحِ: الثَّبَاتُ عَلَى الْخَيْل، وَالْحِذْقُ بِأَمْرِهَا،
وَالْعِلْمُ بِرُكُوبِهَا، وَالْفِرَاسَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ هِيَ:
النَّظَرُ وَالتَّثَبُّتُ وَالتَّأَمُّل فِي الشَّيْءِ وَالْبَصَرُ بِهِ،
يُقَال: تَفَرَّسْتُ فِيهِ الْخَيْرَ: تَعَرَّفْتُهُ بِالظَّنِّ
الصَّائِبِ، وَتَفَرَّسَ فِي الشَّيْءِ: تَوَسَّمَهُ، وَرَجُلٌ فَارِسٌ
عَلَى الدَّابَّةِ: بَيِّنُ الْفُرُوسِيَّةِ.
وَالْفَارِسُ أَيْضًا: الْحَاذِقُ بِمَا يُمَارِسُ مِنَ الأَْشْيَاءِ
كُلِّهَا. (1)
وَفِي الْحَدِيثِ: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ
بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل. (2)
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3 /
428 ط المكتبة الإسلامية، وفيض القدير للمناوي 1 / 43 ط دار المعرفة،
بيروت.
(2) حديث: " اتقوا فراسة المؤمن. . . ".
أخرجه الترمذي (5 / 298) من حديث أبي سعيد الخدري. وقال: هذا حديث غريب
إنما نعرفه من هذا الوجه.
(32/77)
وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الاِسْتِدْلاَل
بِالأُْمُورِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الأُْمُورِ الْخَفِيَّةِ، وَأَيْضًا هِيَ
مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ نَظَرٍ وَحُجَّةٍ (1) . وَقَسَّمَهَا
ابْنُ الأَْثِيرِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأَْوَّل: مَا دَل ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ اتَّقُوا فِرَاسَةَ
الْمُؤْمِنِ وَهُوَ مَا يُوقِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ
أَوْلِيَائِهِ، فَيَعْلَمُونَ أَحْوَال بَعْضِ النَّاسِ بِنَوْعٍ مِنَ
الْكَرَامَاتِ وَإِصَابَةِ الظَّنِّ وَالْحَدْسِ.
الثَّانِي: نَوْعٌ يُتَعَلَّمُ بِالدَّلاَئِل وَالتَّجَارِبِ وَالْخَلْقِ
وَالأَْخْلاَقِ فَتُعْرَفُ بِهِ أَحْوَال النَّاسِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقِيَافَةُ:
2 - الْقِيَافَةُ: لُغَةً مِنْ قَافَ يَقُوفُ قِيَافَةً فَهُوَ قَائِفٌ،
وَهُوَ: الَّذِي يَتَتَبَّعُ الآْثَارَ وَيَعْرِفُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ
الرَّجُل بِأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَالْجَمْعُ: الْقَافَةُ. وَلاَ يَخْرُجُ
الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِيَافَةِ وَالْفِرَاسَةِ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقُومُ
عَلَى النَّظَرِ إلاَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَارِقًا.
وَقَدْ سُئِل ابْنُ فَرْحُونَ: هَل الْقِيَافَةُ مِنَ
__________
(1) قواعد الفقه للبركتي.
(2) النهاية في غريب الحديث 3 / 428.
(32/77)
الْفِرَاسَةِ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً
عَلَى الْحَدْسِ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، بَل هِيَ مِنْ
بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَهُوَ أَصْلٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ. (1)
ب - الْعِيَافَةُ:
3 - الْعِيَافَةُ لُغَةً مِنْ عَافَ يَعِيفُ عَيْفًا إِذَا زَجَرَ،
وَحَدَسَ، وَظَنَّ.
وَالْعَائِفُ: مَنْ كَانَ صَادِقَ الْحَدْسِ وَالظَّنِّ، وَالطَّائِرُ
عَائِفٌ عَلَى الْمَاءِ بِمَعْنَى: يَحُومُ حَوْلَهُ لِيَجِدَ فُرْصَةً
فَيَشْرَبَ.
وَالْعِيَافَةُ: زَجْرُ الطَّائِرِ وَالتَّفَاؤُل بِأَسْمَائِهَا
وَأَصْوَاتِهَا وَمَمَرِّهَا، وَهِيَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ وَذُكِرَتْ
كَثِيرًا فِي أَشْعَارِهِمْ.
وَمِمَّنِ اشْتَهَرَ بِهَا بَنُو أَسَدٍ، فَكَانُوا يُوصَفُونَ بِهَا،
وَيُلْجَأُ إِلَيْهِمْ لِلْبَحْثِ عَنِ الْحَيَوَانَاتِ الضَّالَّةِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الْعِيَافَةِ وَالْفِرَاسَةِ
مَبْنِيٌّ عَلَى النَّظَرِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - فِرَاسَةُ الْمُؤْمِنِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا فِي الْجُمْلَةِ،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ
__________
(1) النهاية لابن الأثير 4 / 121، وفتح الباري 12 / 56 ط المكتبة السلفية،
وتبصرة الحكام 2 / 107.
(2) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3 / 330.
(32/78)
لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (1) . قَال
الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} رَوَى
التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الأُْصُول مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: " لِلْمُتَفَرِّسِينَ " (2) . وَلِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ
يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ. (3)
وَنَقَل الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
أَنَّهُمَا كَانَا بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَرَجُلٌ عَلَى بَابِ
الْمَسْجِدِ، فَقَال أَحَدُهُمَا: أُرَاهُ نَجَّارًا، وَقَال الآْخَرُ: بَل
حَدَّادًا، فَتَبَادَرَ مَنْ حَضَرَ إِلَى الرَّجُل فَسَأَلَهُ فَقَال:
كُنْتُ نَجَّارًا وَأَنَا الْيَوْمَ حَدَّادٌ (4) .
اعْتِبَارُ الْفِرَاسَةِ مِنْ وَسَائِل الإِْثْبَاتِ:
5 - لِلْمُتَفَرِّسِ الْمُؤْمِنِ الأَْخْذُ بِفِرَاسَتِهِ فِي خَاصَّةِ
نَفْسِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى مَحْظُورٍ شَرْعِيٍّ.
أَمَّا فِيمَا يَتَّصِل بِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَقَدِ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْفِرَاسَةِ مِنْ وَسَائِل الإِْثْبَاتِ فِي
الْقَضَاءِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا:
فَذَهَبَ الطَّرَابُلُسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ
__________
(1) سورة الحجر / 75.
(2) حديث أبي سعيد الخدري في تفسير قوله تعالى: (للمتوسمين) . أخرجه الخطيب
البغدادي في تاريخه (3 / 191) وأشار إلى إعلاله.
(3) حديث: " اتقوا فراسة المؤمن. . . ".
(4) القرطبي 10 / 42 - 44.
(32/78)
وَابْنُ فَرْحُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ؛ لأَِنَّهُ حُكْمٌ
بِالظَّنِّ وَالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ، وَوُصِفَ الْحَاكِمُ الَّذِي
يَعْتَمِدُ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِهِ بِالْفِسْقِ وَالْجَوْرِ، لأَِنَّ
الظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلأَِنَّ مَدَارِكَ الأَْحْكَامِ
مَعْلُومَةٌ شَرْعًا مُدْرَكَةٌ قَطْعًا، وَلَيْسَتِ الْفِرَاسَةُ مِنْهَا.
وَذَهَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّامِيُّ الْمَالِكِيُّ بِبَغْدَادَ إِلَى
الأَْخْذِ بِالْفِرَاسَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا، جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ
إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي قَضَائِهِ، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا ابْنُ
الْقَيِّمِ وَقَال: وَلَمْ يَزَل حُذَّاقُ الْحُكَّامِ وَالْوُلاَةِ
يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ بِالْفِرَاسَةِ وَالأَْمَارَاتِ، فَإِذَا
ظَهَرَتْ لَمْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا شَهَادَةً تُخَالِفُهَا وَلاَ
إِقْرَارًا (1) .
مَقَايِيسُ الْفِرَاسَةِ:
6 - الْفِرَاسَةُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ تَحْصُل
لِلإِْنْسَانِ دُونَ سَبَبٍ، فَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْحَدْسِ، وَنَوْعٌ
يَكُونُ نَتِيجَةَ التَّعَلُّمِ وَالتَّجْرِبَةِ.
أَمَّا الأَْوَّل فَلَيْسَتْ لَهُ مَقَايِيسُ يَسْتَعْمِلُهَا
الْمُتَفَرِّسُ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ بِنُورِ اللَّهِ
تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ السَّابِقِ، وَمِنْ
__________
(1) معين الحكام ص206، تبصرة الحكام 2 / 103. وأحكام القرآن لابن العربي 3
/ 1119 تفسير القرطبي 10 / 44 - 45، والطرق الحكمية ص24 - 34.
(32/79)
شُرُوطِهَا الاِسْتِقَامَةُ وَغَضُّ
النَّظَرِ عَنِ الْمَحَارِمِ، فَإِنَّ الْمَرْءَ إِذَا أَطْلَقَ نَظَرَهُ
تَنَفَّسَتْ نَفْسُهُ الصُّعَدَاءَ فِي مِرْآةِ قَلْبِهِ فَطَمَسَتْ
نُورَهَا {وَمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}
(1) . وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُجَازِي الْعَبْدَ عَلَى
عَمَلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ
عَوَّضَهُ إِطْلاَقَ نُورِ بَصِيرَتِهِ، قَال الْبَعْضُ: مَنْ غَضَّ
بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ،
وَعَمَّرَ بَاطِنَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ، وَتَعَوَّدَ أَكْل الْحَلاَل، لَمْ
تُخْطِئْ فِرَاسَتُهُ، فَكُلَّمَا زَادَتْ تَقْوَى الْمُؤْمِنِ أَلْهَمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى التَّبَصُّرَ بِالأُْمُورِ وَسُرْعَةَ الْفَهْمِ،
فَكَانَتْ فِرَاسَتُهُ أَثْبَتَ مِمَّنْ كَانَ أَقَل تَقْوَى مِنْهُ؛
لأَِنَّ هَذَا النَّوْعَ لاَ يَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُتَفَرِّسُ عَلَى
عَلاَمَاتٍ مَحْسُوسَةٍ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ الْفِرَاسَةُ الْمُكْتَسَبَةُ،
فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ مِنْ مُلاَحَظَةِ الصِّفَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي
أَبْدَانِ النَّاسِ، وَتَتَبُّعِ حَرَكَاتِهِمْ لِلتَّعَرُّفِ مِنْ
خِلاَلِهَا عَلَى أَحْوَالِهِمُ الْبَاطِنَةِ، وَهِيَ وَإِنِ اشْتَرَكَتْ
مَعَ النَّوْعِ الأَْوَّل فِي بَعْضِ هَذَا فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ عَنْهَا
بِمَا وَضَعَهُ لَهَا الْقَائِلُونَ بِهَا مِنْ مَقَايِيسَ وَعَلاَمَاتٍ.
(2)
عَلَى أَنَّ الأَْحْكَامَ الْمُتَوَصَّل إِلَيْهَا بِالْفِرَاسَةِ
ظَنِّيَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُصَدِّقَهَا الْوَاقِعُ، وَيُمْكِنُ أَنْ
__________
(1) سورة النور / 40.
(2) فيض القدير للمناوي 1 / 143.
(32/79)
يَحْصُل مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا أَوْ
عَكْسُهَا.
وَفِي كُل الأَْحْوَال فَإِنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهَا فِي حَيَاةِ النَّاسِ
بِالتَّفَاؤُل أَوِ التَّشَاؤُمِ وَالشُّعُورِ بِالشَّقَاءِ أَوِ
السَّعَادَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُسْتَعْمَل فِيمَا يَنْفَعُ النَّاسَ فِي
حُدُودِ مَا أَجَازَهُ الشَّرْعُ.
(32/80)
فِرَاش
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفِرَاشُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوِطَاءِ - وَهُوَ مَا
افْتُرِشَ - كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةُ
تُسَمَّى فِرَاشًا لأَِنَّ الرَّجُل يَفْتَرِشُهَا (1) ، وَمِنْهُ حَدِيثُ
الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (2) . أَيْ لِمَالِكِ
الْفِرَاشِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ الْفِرَاشِ
بِمَعْنَى الْوِطَاءِ، كَمَا يَسْتَعْمِلُونَهَا بِمَعْنَى كَوْنِ
الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنَةً لِلْوِلاَدَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، قَال
الزَّيْلَعِيُّ: مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ
لِلْوِلاَدَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ (3) ، وَفَسَّرَ الْكَرْخِيُّ الْفِرَاشَ
بِأَنَّهُ الْعَقْدُ (4) .
__________
(1) متن اللغة، والمغرب للمطرزي، والنهاية في غريب الحديث والأثر.
(2) حديث: " الوليد للفراش. . . ".
أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 292) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(3) تبيين الحقائق 3 / 43، وانظر التعريفات للجرجاني.
(4) حاشية الشلبي بهامش الزيلعي 3 / 39.
(32/80)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلاً: الْفِرَاشُ بِمَعْنَى الْوِطَاءِ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ
تَدْبِيرُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الزَّوْجَةُ لِلنَّوْمِ مِنَ الْفِرَاشِ
وَاللِّحَافِ وَالْوِسَادَةِ، كُلٌّ حَسَبُ عَادَتِهِ، فَإِنْ كَانَ
الزَّوْجُ مِمَّنْ عَادَتُهُ النَّوْمُ فِي الأَْكْسِيَةِ وَالْبُسُطِ
فَعَلَيْهِ لَهَا لِنَوْمِهَا مَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ، كَمَا يَجِبُ
عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَفْرِشُهُ لِلْقُعُودِ عَلَيْهِ،
وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ حَال الزَّوْجِ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَحْكَامِ الْفِرَاشِ بِهَذَا الْمَعْنَى (ر: نَفَقَة)
ثَانِيًا: الْفِرَاشُ بِمَعْنَى كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنَةً
لِلْوِلاَدَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ زَوْجَةً
تَصِيرُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ اشْتَرَطَ
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِمْكَانَ الْوَطْءِ
بَعْدَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ نَكَحَ
الْمَغْرِبِيُّ مَشْرِقِيَّةً، وَلَمْ يُفَارِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
وَطَنَهُ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ
يَلْحَقْهُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ (2) .
__________
(1) الاختيار 4 / 4، والشرح الصغير 2 / 738، ونهاية المحتاج 7 / 184، وروضة
الطالبين 9 / 48، والمغني 7 / 568.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 10 / 38، وفتح الباري 12 / 34، والمغني 3 / 429،
والشرح الصغير 3 / 540 - 541.
(32/81)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْفِرَاشَ
فِي الزَّوْجَةِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ
اشْتِرَاطِ إِمْكَانِ الدُّخُول مَا دَامَ الدُّخُول مُتَصَوَّرًا عَقْلاً،
وَيَقُولُونَ: إِنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَاءِ مَا دَامَ
التَّصَوُّرُ الْعَقْلِيُّ حَاصِلاً، فَمَتَى أَتَتِ الزَّوْجَةُ بِوَلَدٍ
لأَِدْنَى مُدَّةِ الْحَمْل مِنْ حِينِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ
الزَّوْجِ، كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْمَشْرِقِيِّ بِالْمَغْرِبِيَّةِ،
وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ، فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ
يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ لَمْ يُتَوَهَّمِ الدُّخُول لِبُعْدِهِ عَنْهَا
(1) . وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، (2) أَيْ
لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اشْتِرَاطَ الْوَطْءِ وَلاَ
ذَكَرَهُ، وَلأَِنَّ الْعَقْدَ فِي الزَّوْجَةِ كَالْوَطْءِ (3) .
وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إِلَى أَنَّ
الزَّوْجَةَ لاَ تَصِيرُ فِرَاشًا إِلاَّ بِالدُّخُول (4) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَحْكَامِ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ بِالزَّوَاجِ الْفَاسِدِ
وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (ر: نَسَب)
مَرَاتِبُ الْفِرَاشِ:
4 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْفِرَاشَ عَلَى أَرْبَعِ
__________
(1) البناية 4 / 818، وابن عابدين 5 / 630، وفتح القدير 3 / 301.
(2) حديث: " الولد للفراش. . . " سبق تخريجه ف1.
(3) عمدة القارئ 23 / 251.
(4) الفروع لابن مفلح 5 / 518 نشر عالم الكتب.
(32/81)
مَرَاتِبَ: ضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ
الأَْمَةِ لاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ إلاَّ بِالدِّعْوَةِ (بِكَسْرِ
الدَّال) ، وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ
يَثْبُتُ فِيهِ بِلاَ دِعْوَةٍ وَلَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ،
وَقَوِيٌّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ وَمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ،
فَإِنَّهُ فِيهِ لاَ يَنْتَفِي إِلاَّ بِاللِّعَانِ، وَأَقْوَى كَفِرَاشِ
مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لاَ يَنْتَفِي فِيهِ أَصْلاً؛
لأَِنَّ نَفْيَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى اللِّعَانِ، وَشَرْطُ اللِّعَانِ
الزَّوْجِيَّةُ (1) . وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (نَسَب)
(وَلِعَان) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 640.
(32/82)
فَرَاغ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَرَاغُ فِي اللُّغَةِ: الْخَلاَءُ، وَالْخُلُوُّ، يُقَال: فَرَغَ
الْمَكَانُ يَفْرَغُ فَرَغًا، وَفَرَغَ يَفْرُغُ فُرُوغًا: إِذَا خَلاَ،
وَالاِسْمُ الْفَرَاغُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ:
النُّزُول عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ كَالْوَظِيفَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ
(2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَرَاغِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْفَرَاغِ - وَهُوَ أَنْ
يَتَنَازَل صَاحِبُ وَظِيفَةٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ
بِدُونِهِ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ
صِحَّةِ الْفَرَاغِ، وَأَنَّهُ لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارٌ
شَرْعِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ إِذَا عَزَل صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ نَفْسَهُ
وَفَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ
الْمَنْزُول لَهُ غَيْرَ أَهْلٍ فَلاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب.
(2) ابن عابدين 3 / 386.
(32/82)
تَقْرِيرُهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ أَهْلاً
لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ، وَلَهُ تَقْرِيرُ غَيْرِهِ فِيهَا؛
لأَِنَّ مُجَرَّدَ الْفَرَاغِ سَبَبٌ ضَعِيفٌ فَلاَ يُثْبِتُ لِلْمَفْرُوغِ
لَهُ حَقًّا، إِلاَّ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ تَقْرِيرُ نَاظِرِ الْوَقْفِ،
أَوِ الْقَاضِي، جَاءَ فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: وَلَوْ مَاتَ ذُو
وَظِيفَةٍ، فَقَرَّرَ النَّاظِرُ آخَرَ، فَبَانَ أَنَّهُ نَزَل عَنْهَا
لآِخَرَ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ لأَِنَّ مُجَرَّدَ
النُّزُول سَبَبٌ ضَعِيفٌ إِذْ لاَ بُدَّ مِنَ انْضِمَامِ تَقْرِيرِ
النَّاظِرِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَقُدِّمَ الْمُقَرَّرُ، وَجَاءَ فِي
حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مِصْرَ
بِالْفَرَاغِ عَنِ الْوَظِيفَةِ بِالدَّرَاهِمِ، وَلاَ يَخْفَى مَا فِيهِ،
وَيَنْبَغِي الإِْبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى
عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ، وَنَقَل ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْخَيْرِ
الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ قَال لِتَعْلِيل عَدَمِ الْجَوَازِ: إِنَّهُ حَقٌّ
مُجَرَّدٌ، لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلاَ طَرِيقَ لِجَوَازِهِ
(1) .
وَلأَِنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لاَ تَحْتَمِل التَّمْلِيكَ، وَلاَ
يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا، وَإِتْلاَفُهَا لاَ يُوجِبُ الضَّمَانَ،
وَعَلَى هَذَا لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ
مِنْ إِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ، وَأَذَانٍ، وَفِرَاشَةٍ وَبِوَابَةٍ، وَعَلَى
وَجْهِ الْبَيْعِ؛ لأَِنَّ بَيْعَ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ لاَ يَجُوزُ،
وَسُئِل صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ عَمَّا إِذَا قَرَّرَ
السُّلْطَانُ رَجُلاً فِي وَظِيفَةٍ
__________
(1) ابن عابدين بتصرف 3 / 386، والفتاوى الخيرية 1 / 152، وتحفة المحتاج 6
/ 261.
(32/83)
كَانَتْ لِرَجُلٍ فَرَغَ لِغَيْرِهِ
عَنْهَا بِمَالٍ، أَجَابَ بِأَنَّهَا لِمَنْ قَرَّرَهُ السُّلْطَانُ، لاَ
لِلْمَفْرُوغِ لَهُ، إِذِ الْفَرَاغُ لاَ يَمْنَعُ التَّقْرِيرَ سَوَاءٌ
قُلْنَا بِصِحَّةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا أَوْ بِعَدَمِهَا الْمُوَافِقِ
لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلاَّمَةُ
الْمَقْدِسِيُّ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ
عَنِ الْوَظِيفَةِ بِمَالٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَال
لأَِنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ، وَقَال:
صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَمَنْ أَفْتَى عَلَى خِلاَفِهِ فَقَدْ أَفْتَى
بِخِلاَفِ الْمَذْهَبِ، لِبِنَائِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ،
وَهُوَ خِلاَفُ الْمَذْهَبِ.
وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَيْهِ فَيُفْتَى بِجَوَازِ
النُّزُول عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ، وَقَال الْعَلاَّمَةُ الْعَيْنِيُّ
فِي فَتَاوِيهِ: لَيْسَ لِلنُّزُول شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ
الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ مَشَوْا عَلَى ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ،
وَاشْتَرَطُوا إِمْضَاءَ النَّاظِرِ لِئَلاَّ يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ (1) .
وَمَا يُقَال فِي الْفَرَاغِ عَنِ الْوَظِيفَةِ، يُقَال مِثْلُهُ فِي
الْفَرَاغِ عَنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مِشَدِّ مَسْكَةِ الأَْرَاضِيِ -
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِرَابِ الأَْرْضِ، وَكَرْيِ أَنْهَارِهَا -
سُمِّيَتْ مَسْكَةً، لأَِنَّ صَاحِبَهَا صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ بِهَا
بِحَيْثُ لاَ تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا
مِشَدَّ مَسْكَةٍ، لأَِنَّ الْمِشَدَّ مِنَ الشِّدَّةِ بِمَعْنَى
الْقُوَّةِ، أَيْ قُوَّةُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 386، 4 / 14 البحر الرائق 5 / 254 الفتاوى
الخيرية 1 / 159.
(32/83)
التَّمَسُّكِ، وَكَذَا فِي فَرَاغِ
الزَّعِيمِ عَنْ تَيْمَارِهِ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ
يُوَجِّهْهُ السُّلْطَانُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ، بَل أَبْقَاهُ عَلَى
الْفَارِغِ، أَوْ وَجَّهَهُ لِغَيْرِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ
الرُّجُوعُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ عَلَى الْفَارِغِ بِبَدَل الْفَرَاغِ؛
لأَِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ إِلاَّ بِمُقَابَلَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ
الْحَقِّ لَهُ، لاَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَإِنْ حَصَل لِغَيْرِهِ، قَال
ابْنُ عَابِدِينَ: وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الإِْسْمَاعِيلِيَّةِ،
وَالْحَامِدِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا، خِلاَفًا لِمَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ مِنْ
عَدَمِ الرُّجُوعِ، لأَِنَّ الْفَارِغَ فَعَل مَا فِي وُسْعِهِ
وَقُدْرَتِهِ، إِذْ لاَ يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنَ
الطَّرَفَيْنِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا أَبْقَى السُّلْطَانُ أَوِ الْقَاضِي
التَّيْمَارَ أَوِ الْوَظِيفَةَ عَلَى الْفَارِغِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ
اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ خِلاَفُ قَوَاعِدِ
الشَّرْعِ (1) .
__________
(1) ابن عابدين 4 / 14 - 15.
(32/84)
فَرْج
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَرْجُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِجَمْعِ سَوْآتِ الرِّجَال
وَالنِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ مِنَ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا مِنَ الْخَلْقِ.
وَقَال الْفَيُّومِيُّ: الْفَرْجُ مِنَ الإِْنْسَانِ يُطْلَقُ عَلَى
الْقُبُل وَالدُّبُرِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مُنْفَرِجٌ أَيْ مُنْفَتِحٌ،
وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْعُرْفِ فِي الْقُبُل.
وَالْفَرْجُ أَيْضًا الْخَلَل بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَالثَّغْرُ
الْمَخُوفُ، وَالْعَوْرَةُ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: قَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ
الْفَرْجَ لاَ يَشْمَل الدُّبُرَ لُغَةً، وَإِنَّمَا يَشْمَلُهُ حُكْمًا،
وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ صَرَّحَ
بِأَنَّ الْفَرْجَ حَيْثُ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ فَلاَ يُرِيدُونَ بِهِ
إِلاَّ الْقُبُل.
وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: الْفَرْجُ
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمغرب، والكليات للكفوي 3 / 358 وانظر
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 523.
(32/84)
يُطْلَقُ عَلَى الْقُبُل وَالدُّبُرِ مِنَ
الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَرْجِ:
لِلْفَرْجِ - بِمَا يَشْمَل الْقُبُل وَالدُّبُرَ - أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ فِي
الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ مِنْهَا:
الْفَرْجُ عَوْرَةٌ:
2 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْفَرْجَ مِنَ الْعَوْرَةِ، بَل
هُوَ أَشَدُّهَا. وَهُوَ عَوْرَةٌ مُغَلَّظَةٌ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَة) .
رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ:
3 - رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ هِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ
الْمَذْيِ وَالْعِرْقِ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ
الْخَارِجَةِ مِنْ بَاطِنِهِ، لأَِنَّهَا حِينَئِذٍ رُطُوبَةٌ
دَاخِلِيَّةٌ، أَمَّا الْخَارِجَةُ مِنْ ظَاهِرِ الْفَرْجِ وَهُوَ مَا
يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْغُسْل وَالاِسْتِنْجَاءِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ
الْفَرْجِ مُطْلَقًا (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 100، ومواهب الجليل 3 / 405، وتهذيب الأسماء
واللغات 4 / 70.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 270، 274، وحاشية الدسوقي 1 / 211 وما بعدها،
مغني المحتاج 1 / 185، وكشاف القناع 1 / 264 وما بعدها.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 112، 208، 233، وحاشية الدسوقي 1 / 57، ونهاية
المحتاج 1 / 228، 229، ومغني المحتاج 1 / 81، وكشاف القناع 1 / 195.
(32/85)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَة) .
الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْفَرْجِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى
أَنَّ مَسَّ الْفَرْجِ بِالْكَفِّ فِي الْجُمْلَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ،
لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَسَّ
فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ (1) ، وَحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ
فَلاَ يُصَل حَتَّى يَتَوَضَّأَ (2) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ
بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلاَ حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ (3) .
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهَذَا لاَ
يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ.
وَاشْتَرَطُوا لِلنَّقْضِ عَدَمَ الْحَائِل، لِلْحَدِيثِ (4) .
__________
(1) حديث: " من مس فرجه فليتوضأ " أخرجه ابن ماجه (1 / 162) من حديث أم
حبيبة، وصححه أبو زرعة والحاكم كما في التلخيص لابن حجر (1 / 124) .
(2) حديث بسرة بنت صفوان: " من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ ". أخرجه الترمذي
(1 / 121) وقال: حديث حسن صحيح.
(3) حديث: " إذا أفضى أحدكم بيده على فرجه. . . ". أخرجه ابن حبان،
(الإحسان 3 / 401) ، من حديث أبي هريرة، أخرجه الحاكم (1 / 138) مختصرًا
وصححه.
(4) مواهب الجليل 1 / 299، وحاشية الدسوقي 1 / 121، ومغني المحتاج 1 / 35،
وكشاف القناع 1 / 126.
(32/85)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَسَّ
الْفَرْجِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لِمَا رَوَى طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ
الْحَنَفِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل
عَنِ الرَّجُل يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ، قَال: وَهَل هُوَ
إِلاَّ مُضْغَةٌ مِنْهُ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْهُ (1) .
قَالُوا: لَكِنْ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ يَغْسِل يَدَهُ نَدْبًا لِحَدِيثِ:
مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ أَيْ لِيَغْسِل يَدَهُ، جَمْعًا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَل هُوَ
إِلاَّ مُضْغَةٌ مِنْهُ (2) .
ثُمَّ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاقِضَ
هُوَ مَسُّ ذَكَرِ الرَّجُل وَقُبُل الْمَرْأَةِ، وَكَذَا حَلْقَةُ
الدُّبُرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي الْجَدِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الَّذِي بِمَسِّهِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ الذَّكَرُ فَقَطْ، فَلاَ نَقْضَ عِنْدَهُمْ بِمَسِّ
الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا إِلاَّ إِنْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَتْ
يَدَهَا فِيمَا بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
عِنْدَهُمُ اتِّفَاقًا (3)
__________
(1) حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم: " سئل عن الرجل يمس ذكره. . . ". /
5 أخرجه أبو داود (1 / 127) والترمذي (1 / 131) والسياق لأبي داود، وصححه
جماعة من العلماء كما في التلخيص لابن حجر (1 / 125) .
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 99.
(3) مواهب الجليل 1 / 299، 302 وحاشية الدسوقي 1 / 121، ومغني المحتاج 1 /
35، 36، وكشاف القناع 1 / 127، 128.
(32/86)
5 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي
نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْفَرْجِ الْمَقْطُوعِ أَوْ مَحَلِّهِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ
بِمَسِّ الْفَرْجِ الْمَقْطُوعِ، لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ، وَكَذَا مَسُّ
مَحَلِّهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى فَرْجًا.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَسَّ الْفَرْجِ الْبَائِنِ مِنَ الْمَرْأَةِ،
فَإِنَّهُ يَنْقُضُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ الْمُنْفَصِل -
كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ - يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلاَّ مَا قُطِعَ فِي
الْخِتَانِ، إِذْ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ، وَأَمَّا الدُّبُرُ
وَقُبُل الْمَرْأَةِ فَإِنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نُقِضَ
الْوُضُوءُ بِمَسِّهِمَا، وَإِلاَّ فَلاَ، لأَِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ
بِالاِسْمِ.
وَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِمَسِّ مَحَل قَطْعِ
الْفَرْجِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (وُضُوء) .
وَطْءُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ
وَالنُّفَسَاءِ فِي الْفَرْجِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى
__________
(1) مواهب الخليل 1 / 299، وحاشية الدسوقي 1 / 121، ومغني المحتاج 1 / 35،
36، وكشاف القناع 1 / 127.
(32/86)
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ
وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (1) ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُل شَيْءٍ إِلاَّ
النِّكَاحَ (2) ، وَلأَِنَّ دَمَ النِّفَاسِ مَا هُوَ إِلاَّ دَمُ حَيْضٍ
مُحْتَبِسٌ لأَِجْل الْحَمْل، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَنْ بِهِ شَبَقٌ لاَ تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ
بِدُونِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَلاَ يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ (3) .
7 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي
الْفَرْجِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ
فِي رِوَايَةٍ إِلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ، لِمَا
رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: " أَنَّهَا كَانَتْ
مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا ".
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ إِلاَّ
أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ (4) .
(ر: اسْتِحَاضَةٌ ف 26، وَوَطْء)
__________
(1) سورة البقرة / 222.
(2) حديث: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح ". أخرجه مسلم (1 / 246) من حديث أنس
بن مالك.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 194، 199، وحاشية الدسوقي 1 / 173، 175،
والقوانين الفقهية 45، ومغني المحتاج 1 / 110، 120، والمجموع 2 / 358، 518،
وكشاف القناع 1 / 199، 220، والمغني 1 / 33، 37.
(4) حاشية ابن عابدين 1 / 198، والقوانين الفقهية 46، والمجمع 2 / 372،
542، ومغني المحتاج 1 / 111، 112، وكشاف القناع 1 / 217، والفروع 1 / 281،
والمغني لابن قدامة 1 / 339.
(32/87)
عَصْبُ الْمُسْتَحَاضَةِ فَرْجَهَا
لِلصَّلاَةِ:
8 - إِذَا أَرَادَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلاَةَ غَسَلَتْ فَرْجَهَا قَبْل
الْوُضُوءِ وَحَشَتْهُ بِقُطْنَةٍ وَخِرْقَةٍ دَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ
وَتَقْلِيلاً لَهَا، فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلاً يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ
وَحْدَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ
بِذَلِكَ وَحْدَهُ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ (1)
.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنْعَتُ لَكِ
الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ، فَقَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ
ذَلِكَ، فَقَال: فَتَلَجَّمِي (2) .
فَسَادُ الصَّوْمِ بِإِدْخَال شَيْءٍ فِي الْفَرْجِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِإِدْخَال شَيْءٍ فِي
الْفَرْجِ أَوْ عَدَمِ فَسَادِهِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ فِي
حَال إِفْسَادِ الصَّوْمِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ جِمَاعَ الصَّائِمِ غَيْرِ النَّاسِي
فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلاَ تَجِبُ
مَعَ ذَلِكَ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتِ الشُّرُوطُ الآْتِيَةُ:
1 - أَنْ يَكُونَ عَامِدًا.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 204، والمجموع 2 / 533، 534، والمغني 1 / 340.
(2) حديث: " أنعت لك الكرسف. . . ". أخرجه الترمذي (1 / 222) من حديث حمنة
بنت جحش، وقال: حديث حسن صحيح.
(32/87)
2 - أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا.
3 - أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا.
4 - أَنْ لاَ يَطْرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ كَحَيْضٍ
وَمَرَضٍ بِغَيْرِ صُنْعِهِ.
5 - أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى الصِّيَامَ لَيْلاً.
6 - أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
7 - أَنْ يَكُونَ أَدَاءً.
8 - أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُول بِهِ آدَمِيًّا فَلاَ يَجِبُ فِي الْجِنِّ.
9 - أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَال فَلاَ كَفَّارَةَ بِجِمَاعِ
بَهِيمَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَلَوْ أَنْزَل، وَبِجِمَاعِ الصَّغِيرَةِ
خِلاَفٌ، فَالأَْوْجَهُ عِنْدَهُمْ أَنْ لاَ كَفَّارَةَ بِجِمَاعِهَا.
10 - أَنْ تَتَوَارَى الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ.
11 - أَنْ يَكُونَ الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ، أَمَّا الْجِمَاعُ فِي
الدُّبُرِ فَلاَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ، لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، لأَِنَّ الْمَحَل مُسْتَقْذَرٌ
وَمَنْ لَهُ طَبِيعَةٌ سَلِيمَةٌ لاَ يَمِيل إِلَيْهِ، وَفِيمَا رَوَى
أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الدُّبُرِ، قَال
الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ الأَْصَحُّ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ
الصَّحِيحُ.
وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا جَامَعَهَا صَبِيٌّ أَوْ
مَجْنُونٌ، وَإِذَا أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا عُودًا أَوْ أُصْبُعًا أَوْ
نَحْوَهُمَا، أَوْ أَدْخَل رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ نَحْوَ ذَلِكَ فِي
دُبُرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الأُْصْبُعُ مُبْتَلَّةً
(32/88)
أَوْ غَيَّبَ الْعُودَ وَنَحْوَهُ فِي
الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ فَسَدَ الصَّوْمُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ
الأُْصْبُعُ يَابِسَةً أَوْ بَقِيَ طَرَفُ الْعُودِ أَوْ نَحْوِهِ خَارِجَ
الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ فَلاَ يَفْسُدُ الصَّوْمُ، قَال الزَّيْلَعِيُّ:
لَوْ أَدْخَلَتِ الصَّائِمَةُ أُصْبُعَهَا فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا
لاَ يَفْسُدُ عَلَى الْمُخْتَارِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ
أَوْ دُهْنٍ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُل مَا يَصِل إِلَى جَوْفِ
الصَّائِمِ عَنْ طَرِيقِ الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ
الْوَاجِبَ وَالتَّطَوُّعَ، وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، سَوَاءٌ
كَانَ ذَلِكَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ
التَّالِيَةُ:
1 - أَنْ يَكُونَ الْجِمَاعُ مُوجِبًا لِلْغُسْل، فَوَطْءُ الصَّغِيرَةِ
الَّتِي لاَ تُطِيقُ الْوَطْءَ لاَ قَضَاءَ فِيهِ وَلاَ كَفَّارَةَ إِذَا
لَمْ يَحْصُل مِنْهُ مَنِيٌّ وَلاَ مَذْيٌ، وَلاَ قَضَاءَ وَلاَ كَفَّارَةَ
كَذَلِكَ عَلَى امْرَأَةٍ وَطِئَهَا صَبِيٌّ وَلَمْ تُنْزِل.
2 - أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا.
3 - أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا.
4 - أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَلاَ
يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ.
5 - أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ الَّذِي أَفْسَدَهُ فِي رَمَضَانَ
__________
(1) ابن عابدين 2 / 107، 99، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1 / 327، 330.
(32/88)
الْحَاضِرِ، وَلاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ
فِي أَضْدَادِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمُحْتَرَزَاتِهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ
الْقَضَاءُ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ وَصَل إِلَى جَوْفِ
الصَّائِمِ شَيْءٌ عَنْ طَرِيقِ الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ بَطَل صَوْمُهُ،
قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ أَدْخَل الرَّجُل أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا
دُبُرَهُ أَوْ أَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ أُصْبُعَهَا أَوْ غَيْرَهَا
دُبُرَهَا أَوْ قُبُلَهَا. . . بَطَل الصَّوْمُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا،
ثُمَّ قَال: قَال أَصْحَابُنَا: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمَةِ أَنْ لاَ
تُبَالِغَ بِأُصْبُعِهَا فِي الاِسْتِنْجَاءِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ
فَرْجِهَا إِذَا قَعَدَتْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ
فَيَلْزَمُهَا تَطْهِيرُهُ وَلاَ يَلْزَمُهَا مُجَاوَزَتُهُ، فَإِنْ
جَاوَزَتْهُ بِإِدْخَال أُصْبُعِهَا زِيَادَةً عَلَيْهِ بَطَل صَوْمُهَا،
وَلاَ كَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ إِلاَّ عَلَى مَنْ بَطَل صَوْمُهُ بِجِمَاعٍ
أَثِمَ بِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، فَلاَ كَفَّارَةَ
عَلَى نَاسٍ أَوْ مُكْرَهٍ أَوْ جَاهِل التَّحْرِيمِ، وَلاَ عَلَى مُفْسِدِ
غَيْرِ رَمَضَانَ، أَوْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَلاَ عَلَى مُسَافِرٍ
جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الأَْصَحِّ،
وَلاَ عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْل فَبَانَ نَهَارًا، وَلاَ عَلَى مَنْ
جَامَعَ بَعْدَ الأَْكْل نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَلاَ
عَلَى مَنْ زَنَى نَاسِيًا (2) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
__________
(1) الفواكه الدواني 1 / 359، 365، وحاشية العدوي على رسالة ابن أبي زيد 1
/ 400، والقوانين الفقهية ص34.
(2) المجموع 6 / 314، 321 ومغني المحتاج 1 / 427، 442، 443.
(32/89)
بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فِي نَهَارِ
رَمَضَانَ، سَوَاءٌ أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِل، أَوْ كَانَ الْجِمَاعُ
دُونَ الْفَرْجِ وَأَنْزَل عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا مُخْتَارًا أَوْ
مُكْرَهًا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْجِمَاعَ دُونَ
الْفَرْجِ وَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الإِْنْزَال فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ،
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَالْعَامِدِ فِي
وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْجِمَاعِ فِي الْقُبُل أَوِ الدُّبُرِ مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْوَطْءِ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي
أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ؛ لأَِنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُوجِبٌ
لِلْغُسْل مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ فَأَشْبَهَ وَطْءَ الآْدَمِيَّةِ، وَذَكَرَ
أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لاَ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، لأَِنَّهُ لاَ
نَصَّ فِيهِ، وَمُخَالِفٌ لِوَطْءِ الآْدَمِيَّةِ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ
عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهِ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً
أَوْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَيَفْسُدُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ وَيَجِبُ
عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ بِإِدْخَال أُصْبُعِهَا أَوْ
أُصْبُعِ غَيْرِهَا فِي فَرْجِهَا، وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: لاَ
يَفْسُدُ صَوْمُهَا إِلاَّ بِالإِْنْزَال (1) .
نَظَرُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى فَرْجِ الآْخَرِ:
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
__________
(1) المغني لابن قدامة 3 / 102، 105، 122، وكشاف القناع 2 / 324، 325.
(32/89)
جَوَازِ نَظَرِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ
إِلَى فَرْجِ الآْخَرِ مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا
نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ، قَال: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ
زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ (1) ، وَلأَِنَّ الْفَرْجَ مَحَل
الاِسْتِمْتَاعِ، فَجَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ (2) .
لَكِنْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الأَْوْلَى
أَدَبًا تَرْكُ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ
فَلْيَسْتَتِرْ وَلاَ يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ (3) ، وَلِقَوْل
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا نَظَرْتُ أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ وَفِي لَفْظٍ
قَالَتْ: مَا رَأَيْتُهُ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلاَ رَآهُ مِنِّي (4) .
__________
(1) حديث: " احفظ عورتك إلا من زوجك. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 110) وقال:
حديث حسن.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 234، وحاشية الدسوقي 2 / 215، ومغني المحتاج 3 /
134، وكشاف القناع 5 / 16.
(3) حديث: " إذا أتى أحدكم. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 619) من حديث عتبة
بن عبد السلمي، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 337) .
(4) حديث عائشة: " ما نظرت أو رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 619) ، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 /
337) لجهالة في إسناده.، واللفظ الآخر: " ما رأيته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ". أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
(ص252) ، وفي إسناده راو متهم بالكذب كما في ترجمته من الميزان للذهبي (4 /
11) .
(32/90)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ
نَظَرِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْفَرْجَ مِنَ الآْخَرِ وَمِنْ نَفْسِهِ
بِلاَ حَاجَةٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ بِالنَّظَرِ
إِلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُكْرَهُ النَّظَرُ فِي
حَالَةِ الْجِمَاعِ بَل يَجُوزُ (1) .
لَمْسُ فَرْجِ الزَّوْجَةِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مَسُّ فَرْجِ
زَوْجَتِهِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: سَأَل أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ
عَنِ الرَّجُل يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ تَمَسُّ فَرْجَهُ
لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهَا هَل تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؟ قَال: لاَ، وَأَرْجُو
أَنْ يَعْظُمَ الأَْجْرُ (2) .
وَقَال الْحَطَّابُ: قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَال: لاَ بَأْسَ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْفَرْجِ فِي حَال الْجِمَاعِ، وَزَادَ فِي
رِوَايَةٍ: وَيَلْحَسَهُ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي
الإِْبَاحَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ (3) .
وَقَال الْفَنَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ لِلزَّوْجِ كُل
تَمَتُّعٍ مِنْهَا بِمَا سِوَى حَلْقَةِ دُبُرِهَا، وَلَوْ بِمَصِّ
بَظْرِهَا (4)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 234، مغني المحتاج 3 / 134، وكشاف القناع 5 / 16.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 234.
(3) مواهب الجليل 3 / 406، والخرشي على مختصر خليل 3 / 166.
(4) إعانة الطالبين 3 / 340 ط مصطفى الحلبي 1938م.
(32/90)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِجَوَازِ
تَقْبِيل الْفَرْجِ قَبْل الْجِمَاعِ، وَكَرَاهَتِهِ بَعْدَهُ (1) .
إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي
دُبُرِهَا (2) . لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَلاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ
فِي أَدْبَارِهِنَّ. (3) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَطْء)
أَثَرُ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ فِي التَّحْرِيمِ:
13 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ، وَانْفَرَدَ
الْحَنَفِيَّةُ بِالْقَوْل بِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ
إِلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ
إِلَى ذَكَرِ رَجُلٍ بِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ هُوَ إِلَى فَرْجِهَا
بِشَهْوَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مَا لَمْ يُنْزِل،
فَلَوْ أَنْزَل فَلاَ حُرْمَةَ، لأَِنَّ النَّظَرَ مُؤَدٍّ إِلَى
الْجِمَاعِ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، فَإِذَا أَنْزَل عُلِمَ أَنَّهُ
لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ فَلاَ حُرْمَةَ، وَلِلشَّرْعِ مَزِيدُ اعْتِنَاءٍ
فِي حُرْمَةِ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 16، 17.
(2) حاشية ابن عابدين 3 / 156، ومواهب الجليل 3 / 407، ومغني المحتاج 4 /
144، وإعانة الطالبين 3 / 340، وكشاف القناع 5 / 188، 189.
(3) فتح القدير 2 / 368 ط الأميرية 1315هـ، والفتاوى الهدية 1 / 274،
وحاشية ابن عابدين 2 / 280، والقليوبي وعميرة 3 / 243، وحاشية الدسوقي 2 /
251، وكشاف القناع 5 / 72.
(32/91)
خَصِيٌّ، فَقَال لَهُ عُمَرُ:
أَعْلَمْتَهَا؟ قَال: لاَ، قَال: أَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا وَلأَِنَّهُ
عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ
الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي فَرْجِ الآْخَرِ،
وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَأَبِي زِيَادٍ وَأَبِي قِلاَبَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى
وَالأَْوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَوْلُهُ: " لاَ تُرَدُّ الْحُرَّةُ بِعَيْبٍ "
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " لاَ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ " (2) .
وَلِلزَّوْجَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طَلَبُ التَّفْرِيقِ لِعَيْبٍ فِي
فَرْجِ زَوْجِهَا، وَهُوَ الْعُنَّةُ وَالْخِصَاءُ وَالْجَبُّ، وَلَيْسَ
ذَلِكَ لِلزَّوْجِ، لأَِنَّ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَلاَقٌ ف 93، 94) .
النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ لأَِجْل التَّدَاوِي:
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلتَّطْبِيبِ إِلَى
مَوْضِعِ الْمَرَضِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ، وَلاَ
بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ حِينَئِذٍ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، إِذِ
الضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
__________
(1) القوانين الفقيهية 237 ط دار العلم للملايين 1979م، ومغني المحتاج 3 /
202، وكشاف القناع 5 / 109 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 6 / 650.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 597.
(32/92)
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ
الْجَوْهَرَةِ: إِذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرِ
الْفَرْجِ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ، لأَِنَّهُ
مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ
تُعْلَمَ امْرَأَةٌ تُدَاوِيهَا، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ وَخَافُوا عَلَيْهَا
أَنْ تَهْلِكَ أَوْ يُصِيبَهَا وَجَعٌ لاَ تَحْتَمِلُهُ يَسْتُرُوا مِنْهَا
كُل شَيْءٍ إِلاَّ مَوْضِعَ الْعِلَّةِ ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُل
وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إِلاَّ عَنْ مَوْضِعِ الْجُرْحِ،
وَيَنْبَغِي هُنَا لِلْوُجُوبِ.
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ امْرَأَةٍ
يُمْكِنُهَا تَعَاطِي ذَلِكَ مِنَ امْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ، وَأَنْ لاَ
يَكُونَ ذِمِّيًّا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ، وَقِيَاسُهُ مَا قَال
الأَْذْرَعِيُّ: أَنْ لاَ تَكُونَ كَافِرَةً أَجْنَبِيَّةً مَعَ وُجُودِ
مُسْلِمَةٍ عَلَى الأَْصَحِّ، وَلَوْ لَمْ نَجِدْ لِعِلاَجِ الْمَرْأَةِ
إِلاَّ كَافِرَةً وَمُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَال الأَْذْرَعِيُّ
أَنَّ الْكَافِرَةَ تُقَدَّمُ، لأَِنَّ نَظَرَهَا وَمَسَّهَا أَخَفُّ مِنَ
الرَّجُل.
وَفِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: وَلِطَبِيبٍ نَظَرُ وَلَمْسُ مَا تَدْعُو
الْحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ وَلَمْسِهِ حَتَّى فَرْجِهَا، وَظَاهِرُهُ
وَلَوْ ذِمِّيًّا (1) .
دِيَةُ الْفَرْجِ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ فِي الذَّكَرِ أَوِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 237، ومواهب الجليل 3 / 405، مغني المحتاج 3 /
133، وكشاف القناع 5 / 13.
(32/92)
الْحَشَفَةِ دِيَةً كَامِلَةً وَفِي شُفْرِ
فَرْجِ الْمَرْأَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَفِي الشُّفْرَيْنِ دِيَةً
كَامِلَةً. كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي إِفْضَاءِ الْمَرْأَةِ
عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: فِي الإِْفْضَاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَتَفْصِيل
ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 38، 40، 51) .
الْخِتَانُ:
17 - الْخِتَانُ فِي الرَّجُل: قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي
الْحَشَفَةَ، بِحَيْثُ تَنْكَشِفُ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا، وَفِي الْمَرْأَةِ
- وَيُسَمَّى خِفَاضًا - قَطْعُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الاِسْمُ مِنَ
الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْل (1) .
وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرِّجَال،
مَكْرُمَةٌ فِي النِّسَاءِ، وَقِيل: هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
فِي النِّسَاءِ أَيْضًا، وَوَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ،
وَالْحَنَابِلَةِ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاءِ (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (خِتَانٌ ف 2، 3) .
الأَْصْل فِي الأَْبْضَاعِ التَّحْرِيمُ:
18 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ قَاعِدَةُ أَنَّ
الأَْصْل فِي الأَْبْضَاعِ التَّحْرِيمُ.
__________
(1) ابن عابدين 5 / 478، والفواكه الدواني 1 / 461، والمجموع 1 / 302،
والإنصاف 1 / 124، 125.
(2) ابن عابدين 5 / 479، والفواكه الدواني 1 / 461، والمجموع 1 / 297، وما
بعدها، والإنصاف 1 / 123.
(32/93)
فَإِذَا تَقَابَل فِي الْمَرْأَةِ حِلٌّ
وَحُرْمَةٌ غَلَبَتِ الْحُرْمَةُ، وَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي
الْفُرُوجِ كَمَا يَقُول ابْنُ نُجَيْمٍ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ
الشَّيْءِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى
حَقِيقَتِهِ (1) .
قَال السُّيُوطِيُّ: وَلِهَذَا امْتَنَعَ الاِجْتِهَادُ فِيمَا إِذَا
اخْتَلَطَتْ مُحَرَّمَةٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ مَحْصُورَاتٍ، لأَِنَّهُ
لَيْسَ أَصْلُهُنَّ الإِْبَاحَةَ حَتَّى يَتَأَيَّدَ الاِجْتِهَادُ
بِاسْتِصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ النِّكَاحُ فِي صُورَةِ غَيْرِ
الْمَحْصُورَاتِ رُخْصَةً مِنَ اللَّهِ لِئَلاَّ يَنْسَدَّ بَابُ
النِّكَاحِ عَلَيْهِ (2) .
وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ: إِذَا طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِهِ
بِعَيْنِهَا ثَلاَثًا ثُمَّ نَسِيَهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ مُتْنَ كُلُّهُنَّ
إِلاَّ وَاحِدَةً لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا
غَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ (3) .
وَصَرَّحَ ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إِنَّمَا هِيَ
فِيمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ سَبَبٌ مُحَقِّقٌ لِلْحُرْمَةِ، فَلَوْ
كَانَ فِي الْحُرْمَةِ شَكٌّ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ
أَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعَةٍ وَوَقَعَ
الشَّكُّ فِي وُصُول اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِهَا لَمْ تَحْرُمْ، لأَِنَّ فِي
الْمَانِعِ شَكًّا (4) .
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم 67. والمبسوط 10 / 185.
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي 61.
(3) المسوط للسرخسي 10 / 203.
(4) الأشباه والنظائر لابن نجيم 68.
(32/93)
فُرْجَة
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفُرْجَةُ - بِالضَّمِّ - لُغَةً: مِنْ فَرَجْتُ بَيْنَ
الشَّيْئَيْنِ فَرْجًا - مِنْ بَابِ ضَرَبَ -: فَتَحْتُ، وَفَرَجَ
الْقَوْمُ لِلرَّجُل فَرْجًا: أَوْسَعُوا فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَجْلِسِ،
وَذَلِكَ الْمَوْضِعِ فُرْجَةٌ، وَالْجَمْعُ فُرَجٌ، مِثْل غُرْفَةٍ
وَغُرَفٍ.
وَكُل مُنْفَرِجٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَهُوَ فُرْجَةٌ، وَالْفُرْجَةُ
بِالضَّمِّ أَيْضًا فِي الْحَائِطِ، وَنَحْوُهُ الْخَلَل، وَكُل مَوْضِعِ
مَخَافَةٍ فُرْجَةٌ.
وَالْفَرْجَةُ - بِالْفَتْحِ - مَصْدَرٌ يَكُونُ فِي الْمَعَانِي، وَهُوَ
الْخُلُوصُ مِنْ شِدَّةٍ (1) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ
عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفُرْجَةِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْفُرْجَةِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ
مِنْهَا:
أ - فُرْجَةُ الصَّفِّ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ:
2 - مِنْ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ أَنْ
__________
(1) المصباح المنير.
(32/94)
لاَ يَقِفَ الْمُصَلِّي فِي صَفٍّ
وَأَمَامَهُ صَفٌّ آخَرُ نَاقِصٌ أَوْ فِيهِ فُرْجَةٌ، فَيَجُوزُ لَهُ
شَقُّ الصُّفُوفِ لِسَدِّ الْخَلَل أَوِ الْفُرْجَةِ فِي الصُّفُوفِ،
وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
نَظَرَ إِلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَلْيَسُدَّهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَفْعَل فَمَرَّ مَارٌّ فَلْيَتَخَطَّ عَلَى رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لاَ
حُرْمَةَ لَهُ. (1)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَفٌّ ف 3، وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ ف
40، وَصَلاَةُ الْجَمَاعَةِ ف 26، وَتَخَطِّي الرِّقَابِ ف 2 وَ 4)
ب - تَرَبُّصُ الْفُرْجَةِ لِلرَّمَل فِي الطَّوَافِ:
3 - مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ الرَّمَل، وَلَوْ فَاتَ الرَّمَل بِالْقُرْبِ
مِنَ الْبَيْتِ لِزَحْمَةٍ فَالرَّمَل مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْبَيْتِ
أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ مَنْ يَفُوتُهُ الرَّمَل مَعَ الْقُرْبِ بِسَبَبِ
الزَّحْمَةِ يَرْجُو فُرْجَةً، فَلَهُ أَنْ يَتَرَبَّصَ لِيَجِدَ
الْفُرْجَةَ لِيَرْمُل فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِفُرْجَةٍ لِكَثْرَةِ
الزِّحَامِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حَاشِيَةِ النَّاسِ
أَمْكَنَهُ الرَّمَل فَلْيَتَأَخَّرْ (2) .
__________
(1) (1) حديث ابن عباس: " من نظر إلى فرجه في صف. . . ". أخرجه الطبراني في
الكبير (11 / 105) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 95) وقال: فيه
مسلمة بن علي، وهو ضعيف.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 169، ومواهب الجليل 3 / 109، وحاشية القليوبي
وعميرة 2 / 108، وكشاف القناع 2 / 480.
(32/94)
ج - الإِْسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ فِي الْفُرَجِ عِنْدَ الدَّفْعِ مِنْ
عَرَفَةَ:
4 - مِنْ سُنَنِ وَآدَابِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ
السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي السَّيْرِ، فَإِذَا وَجَدَ الْحَاجُّ
فُرْجَةً أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ بِلاَ إِيذَاءٍ، وَهَذَا مَا يَدُل
عَلَيْهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَانَ يَسِيرُ
الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. (1)
وَقِيل: لاَ يُسَنُّ فِي زَمَانِنَا الإِْسْرَاعُ لِكَثْرَةِ الإِْيذَاءِ
(2) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (يَوْمُ عَرَفَةَ)
فَرَس
انْظُرْ: خَيْل |