الموسوعة
الفقهية الكويتية قُنُوت
التَّعْرِيفُ:
1 - يُطْلَقُ الْقُنُوتُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ عِدَّةٍ، مِنْهَا:
- الطَّاعَةُ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَْرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} (1) .
- وَالصَّلاَةُ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) .
وَطُول الْقِيَامِ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَفْضَل الصَّلاَةِ طُول الْقُنُوتِ (3) أَيْ طُول الْقِيَامِ.
وَسُئِل ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ الْقُنُوتِ، فَقَال:
مَا أَعْرِفُ الْقُنُوتَ إِلاَّ طُول الْقِيَامِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْله
تَعَالَى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا}
(4) .
__________
(1) البقرة / 116.
(2) آل عمران / 43.
(3) حديث: " أفضل الصلاة طول القنوت ".
أخرجه مسلم (1 / 520) من حديث جابر بن عبد الله.
(4) الزمر / 9، وانظر بصائر ذوي التمييز 4 / 298.
(34/57)
وَالسُّكُوتُ: حَيْثُ وَرَدَ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي
الصَّلاَةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُل صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي
الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)
فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلاَمِ (2) .
وَالدُّعَاءُ: وَهُوَ أَشْهَرُهَا، قَال الزَّجَّاجُ: الْمَشْهُورُ فِي
اللُّغَةِ أَنَّ الْقُنُوتَ الدُّعَاءُ، وَأَنَّ الْقَانِتَ الدَّاعِي،
وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّ الْقُنُوتَ يُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ
وَشَرٍّ، يُقَال: قَنَتَ لَهُ وَقَنَتَ عَلَيْهِ (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَال ابْنُ عَلاَّنَ: الْقُنُوتُ عِنْدَ أَهْل
الشَّرْعِ اسْمٌ لِلدُّعَاءِ فِي الصَّلاَةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنَ
الْقِيَامِ (4) .
الْقُنُوتُ فِي الصَّلاَةِ:
2 - الْقُنُوتُ مُنْحَصِرٌ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ: صَلاَةِ الصُّبْحِ،
وَصَلاَةِ الْوِتْرِ، وَفِي النَّوَازِل، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
__________
(1) البقرة / 238.
(2) حديث زيد بن أرقم " كنا نتكلم في الصلاة. . . ". أخرجه البخاري (فتح
الباري 8 / 198) ، ومسلم (1 / 383) ، واللفظ لمسلم.
(3) انظر تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (ط. دار القلم بدمشق) ص73، وبصائر ذوي
التمييز للفيروز أبادي 4 / 298، وطلبة الطلبة للنسفي ص28، والمصباح المنير،
وغرر المقالة في شرح غريب الرسالة للمفراوي (ط. دار الغرب الإسلامي) ص118،
وحلية الفقهاء لابن فارس ص81، والمغرب للمطرزي، والزاهر للأزهري ص99، وأنيس
الفقهاء ص95.
(4) الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 2 / 286.
(34/57)
أ - الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ:
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْقُنُوتِ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ
عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(الأَْوَّل) : لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيِّ: وَهُوَ
أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (1) ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي
الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ:
الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ بِدْعَةٌ (2) ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ
(3) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ شَهْرًا يَدْعُو
فِي قُنُوتِهِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ
(4) ، قَالُوا: فَكَانَ مَنْسُوخًا، إِذِ التَّرْكُ دَلِيل النَّسْخِ،
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الأَْشْجَعِيِّ
قَال: قُلْتُ لأَِبِي: يَا أَبَتِ، إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُول
اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرٍ،
__________
(1) المغني لابن قدامة (ط. هجر بالقاهرة 1986م) 2 / 585 وما بعدها، وكشاف
القناع 1 / 493، وروضة الطالبين 1 / 254، والمجموع للنووي 3 / 494، وبدائع
الصنائع 1 / 273، وشرح معاني الآثار 1 / 241 - 254، ومجمع الأنهر 1 / 129،
وعقود الجواهر المنيفة للزبيدي (ط. مؤسسة الرسالة) 1 / 147، وبداية المجتهد
(مط. مع الهداية في تخريج أحاديث البداية) 3 / 89، ومنح الجليل 1 / 157،
ومواهب الجليل 1 / 539.
(2) مجمع الأنهر 1 / 129.
(3) شرح منتهى الإرادات 1 / 228، وكشاف القناع 1 / 493.
(4) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " قنت في صلاة الفجر شهرًا. . . ".
أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 385) ، ومسلم (1 / 469) ، من حديث أنس بن
مالك واللفظ المذكور مركب من عدة روايات لهما.
(34/58)
وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ هَاهُنَا
بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟ قَال:
أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ. وَفِي لَفْظٍ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا بِدْعَةٌ (1)
. قَال التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْل
الْعِلْمِ.
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ: وَهُوَ أَنَّ
الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ مُسْتَحَبٌّ وَفَضِيلَةٌ (2) ، لأَِنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاَةِ
الصُّبْحِ (3) فِيمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَخَفَّافُ بْنُ إِيمَاءَ
وَالْبَرَاءُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَال أَنَسٌ: مَا زَال رَسُول اللَّهِ
يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا (4) ، وَقَال عَلِيُّ
بْنُ زِيَادٍ بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ، فَمَنْ تَرَكَهُ
فَسَدَتْ صَلاَتُهُ (5) .
وَيَجُوزُ قَبْل الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ فِي الرَّكْعَةِ
__________
(1) حديث سعد بن طارق: " قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى
الله عليه وسلم. . . ". أخرجه الترمذي (2 / 252) وقال: " حديث حسن صحيح "،
واللفظ الآخر للنسائي (2 / 304) .
(2) مواهب الجليل 1 / 539، ومنح الجليل 1 / 157، وحاشيةالعدوي على كفاية
الطالب الرباني 1 / 239، والقوانين الفقهية ط. الدار العربية للكتاب ص66.
(3) حديث: " كان يقنت في صلاة الصبح " تقدم بمعناه آنفًا
(4) حديث أنس: " ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى
فارق الدنيا ". أخرجه أحمد (3 / 162) ، والبيهقي (2 / 201) ، وضعفه ابن
التركماني كما في هامش سنن البيهقي، وكذا ابن الجوزي كما في (نصب الراية 2
/ 132) .
(5) حاشية البناني على الزرقاني 1 / 212، ومنح الجليل 1 / 157، ومواهب
الجليل 1 / 539.
(34/58)
الثَّانِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ
الأَْفْضَل كَوْنُهُ قَبْل الرُّكُوعِ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ بِلاَ
تَكْبِيرَةٍ قَبْلَهُ (1) ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّفْقِ
بِالْمَسْبُوقِ، وَعَدَمِ الْفَصْل بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُكْنَيِ الصَّلاَةِ
وَلأَِنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ بِحُضُورِ الصَّحَابَةِ، قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ
الْبَغْدَادِيُّ " وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَجَا الْعُطَارِدِيِّ قَال: كَانَ
الْقُنُوتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَصَيَّرَهُ عُمَرُ قَبْلَهُ لِيُدْرِكَ
الْمُدْرِكُ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارَ سَأَلُوهُ
عُثْمَانَ، فَجَعَلَهُ قَبْل الرُّكُوعِ، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ فَائِدَةً لاَ
تُوجَدُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَهِيَ أَنَّ الْقِيَامَ يَمْتَدُّ فَيَلْحَقُ
الْمُفَاوِتُ، وَلأَِنَّ فِي الْقُنُوتِ ضَرْبًا مِنْ تَطْوِيل الْقِيَامِ،
وَمَا قَبْل الرُّكُوعِ أَوْلَى بِذَلِكَ، لاَ سِيَّمَا فِي الْفَجْرِ (2)
.
وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ،
وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَتَوَكَّل عَلَيْكَ، وَنَخْضَعُ
لَكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ
نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ،
نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدُّ
بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ.
وَمَنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ،
فَإِنْ سَجَدَ لِتَرْكِهِ قَبْل السَّلاَمِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ.
__________
(1) كفاية الطالب الرباني 1 / 239، ومواهب الجليل 1 / 539.
(2) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 88.
(34/59)
وَلَيْسَ لِدُعَاءِ الْقُنُوتِ حَدٌّ
مَحْدُودٌ.
وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، كَمَا لاَ يَرْفَعُ فِي
التَّأْمِينِ، وَلاَ فِي دُعَاءِ التَّشَهُّدِ (1) .
وَالإِْسْرَارُ بِهِ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الإِْمَامِ
وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، لأَِنَّهُ دُعَاءٌ، فَيَنْبَغِي
الإِْسْرَارُ بِهِ حَذَرًا مِنَ الرِّيَاءِ (2) .
وَالْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لاَ يَقْنُتُ فِي
الْقَضَاءِ، لأَِنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُْولَى وَلَمْ
يَكُنْ فِيهَا قُنُوتٌ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: إِنْ أَدْرَكَ قَبْل رُكُوعِ
الثَّانِيَةِ لَمْ يَقْنُتْ فِي قَضَائِهِ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ قُنُوتَ
الإِْمَامِ أَمْ لاَ (3) .
(الثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي صَلاَةِ
الصُّبْحِ سُنَّةٌ، قَال النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ
عِنْدَنَا فِي الصُّبْحِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ (4) ، وَذَلِكَ
لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا زَال رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ
__________
(1) التفريع 1 / 266، والقوانين الفقهية ص67، ومواهب الجليل 1 / 540،
وحاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 1 / 239.
(2) العدوي على كفاية الطالب الرباني 1 / 239، ومواهب الجليل 1 / 539.
(3) كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي عليه 1 / 239، ومختصر الدر الثمين
لميّاره (ط. المغرب) ص139، والقوانين الفقهية ط. الدار العربية للكتاب
بتونس ص66، والتفريع لابن الجلاب (ط. دار الغرب الإسلامي) 1 / 266، ومواهب
الجليل والتاج والإكليل 1 / 539، والزرقاني على خليل وحاشية البناني عليه 1
/ 212، ومنح الجليل 1 / 157، والإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب
(ط. تونس) 1 / 88، وبداية المجتهد (مط. مع الهداية في تخريج أحاديث البداية
للصديق الغماري) 3 / 72 وما بعدها.
(4) الأذكار (ط. مكتبة دار البيان) ص86.
(34/59)
فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا
(1) .
قَالُوا: وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ، لَكِنْ يَسْجُدُ
لِلسَّهْوِ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا.
أَمَّا مَحَلُّهُ، فَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ مِنَ الصُّبْحِ، فَلَوْ قَنَتَ قَبْل الرُّكُوعِ لَمْ
يُحْسَبْ لَهُ عَلَى الأَْصَحِّ (2) ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ بَعْدَ
الرُّكُوعِ ثُمَّ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ (3) .
وَأَمَّا لَفْظُهُ، فَالاِخْتِيَارُ أَنْ يَقُول فِيهِ مَا رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: عَلَّمَنِي رَسُول
اللَّهِ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي
فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ
تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا
قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَأَنَّهُ لاَ يَذِل
مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ (4) ، وَزَادَ
الْعُلَمَاءُ فِيهِ: وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَبْل: تَبَارَكْتَ
رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ وَبَعْدَهُ: فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ،
أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: لاَ بَأْسَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ،
وَقَال أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ
__________
(1) حديث أنس بن مالك. تقدم آنفًا.
(2) المجموع شرح المهذب 3 / 495، والأذكار للنووي ص86.
(3) الفتوحات الربانية لابن علان 2 / 293.
(4) حديث الحسن بن علي: " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن
في الوتر. . . ". أخرجه الترمذي (2 / 328) وقال: حديث حسن ولا نعرف عن
النبي صلى الله عيه وسلم في القنوت شيئًا أحسن من هذا.
(34/60)
وَآخَرُونَ: مُسْتَحَبَّةٌ (1) .
وَيُسَنُّ أَنْ يَقُول عَقِبَ هَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ.
وَذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (2) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُنُوتَ لاَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ
دُعَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، فَأَيُّ دُعَاءٍ دَعَا بِهِ حَصَل
الْقُنُوتُ، وَلَوْ قَنَتَ بِآيَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ
الْعَزِيزِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ حَصَل الْقُنُوتُ (3) ،
وَلَكِنَّ الأَْفْضَل مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ (4) .
وَلَوْ قَنَتَ بِالْمَنْقُول عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ كَانَ حَسَنًا، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ
الرُّكُوعِ فَقَال: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ
وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْل الْكِتَابِ الَّذِينَ
يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ
أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِل
أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِل بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لاَ تَرُدُّهُ عَنِ
الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ
__________
(1) روضة الطالبين 1 / 254، والمجموع 3 / 496.
(2) المجموع 3 / 499.
(3) المجموع شرح المهذب 3 / 497.
(4) الأذكار للنووي ص 88، وانظر روضة الطالبين 1 / 254.
(34/60)
وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ
مَنْ يَفْجُرُكَ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ،
وَنَخْشَى عَذَابَكَ الْجِدَّ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ
بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ (1) .
ثُمَّ إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ قُنُوتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَمَا سَبَقَ، فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا، فَالأَْصَحُّ تَأْخِيرُ
قُنُوتِ عُمَرَ، وَإِنِ اقْتَصَرَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى الأَْوَّل،
وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا
أَوْ إِمَامَ جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيل (2) .
وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا أَلاَّ يَخُصَّ نَفْسَهُ
بِالدُّعَاءِ، بَل يُعَمِّمَ، فَيَأْتِيَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ " اللَّهُمَّ
اهْدِنَا. . . إِلَخْ "، لِمَا رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ
يَؤُمُّ امْرُؤٌ قَوْمًا، فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ
فَعَل فَقَدْ خَانَهُمْ (3) .
أَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ،
أَصَحُّهُمَا اسْتِحْبَابُ رَفْعِ
__________
(1) حديث " عمر في القنوت ". أخرجه البيهقي في سننه (2 / 210 - 211) وله
ألفاظ أخرى في مصنف عبد الرزاق (3 / 110، 111) ومصنف ابن أبي شيبة (2 /
314) ، وانظر الأذكار 87، والمجموع شرح المهذب 3 / 498.
(2) المجموع 3 / 499.
(3) حديث: " لا يؤم امرؤ قومًا. . . ". أخرجه الترمذي (2 / 189) .
(34/61)
الْيَدَيْنِ فِيهِ (1) .
وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ
الدُّعَاءِ - إِنْ قُلْنَا بِالرَّفْعِ - فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا
عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْمَسْحِ (2) .
وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ أَوِ الإِْسْرَارُ بِهِ فِي صَلاَةِ
الصُّبْحِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا، أَوْ
مُنْفَرِدًا، أَوْ مَأْمُومًا.
فَإِنْ كَانَ إِمَامًا: فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ فِي
الأَْصَحِّ.
وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَيُسِرُّ بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ.
وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا: فَإِنْ لَمْ يَجْهَرِ الإِْمَامُ قَنَتَ سِرًّا
كَسَائِرِ الدَّعَوَاتِ، وَإِنْ جَهَرَ الإِْمَامُ بِالْقُنُوتِ، فَإِنْ
كَانَ الْمَأْمُومُ يَسْمَعُهُ أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ، وَشَارَكَهُ فِي
الثَّنَاءِ عَلَى آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَسْمَعُهُ قَنَتَ سِرًّا (3)
.
ب - الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْقُنُوتِ فِي صَلاَةِ الْوِتْرِ
عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(الأَْوَّل) لأَِبِي حَنِيفَةَ: وَهُوَ أَنَّ الْقُنُوتَ وَاجِبٌ فِي
الْوِتْرِ قَبْل الرُّكُوعِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَقَال الصَّاحِبَانِ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ سُنَّةٌ
__________
(1) الأذكار ص88.
(2) المجموع شرح المهذب 3 / 500 - 501.
(3) الأذكار للنووي (ط. دار البيان بدمشق) ص86 - 89، وروضة الطالبين 1 /
253 - 255، والمجموع شرح المهذب 3 / 492 - 511.
(34/61)
فِي كُل السَّنَةِ قَبْل الرُّكُوعِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا فَرَغَ مُصَلِّي الْوِتْرِ مِنَ
الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ كَبَّرَ رَافِعًا يَدَيْهِ،
ثُمَّ يَقْرَأُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ (1) ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ
بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي آخِرِ
الْوِتْرِ قَبْل الرُّكُوعِ (2) .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مِقْدَارَ الْقِيَامِ فِي الْقُنُوتِ
مِقْدَارُ سُورَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، لِمَا رُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي
الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ. . . إِلَخْ (3) " "
اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ. . . إِلَخْ " وَكِلاَهُمَا عَلَى
مِقْدَارِ هَذِهِ السُّورَةِ (4) .
وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ، كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي
كِتَابِ الصَّلاَةِ، لأَِنَّهُ رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَدْعِيَةٌ فِي
حَال الْقُنُوتِ، وَلأَِنَّ الْمُؤَقَّتَ مِنَ الدُّعَاءِ يَجْرِي عَلَى
لِسَانِ الدَّاعِي مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِهِ إِلَى إِحْضَارِ قَلْبِهِ
وَصِدْقِ الرَّغْبَةِ مِنْهُ
__________
(1) البحر الرائق 2 / 43 - 45، والبدائع 1 / 273، ومجمع الأنهر 1 / 128.
(2) حديث أنه صلى الله عليه وسلم " قنت في آخر الوتر قبل الركوع ". أخرجه
الدارقطني (2 / 32) ، وذكر ابن حجر في الدراية (1 / 193) أن في إسناده عمرو
بن شمر، وهو واهٍ.
(3) حديث أنه كان يقرأ في القنوت: " اللهم إنا نستعينك. . . ". وحديث: "
اللهم اهدنا فيمن هديت. . . ". ذكر الدعاء الأول ورد من حديث ابن عباس،
أورده ابن حجر في التلخيص (1 / 249 - 250) معزوًا إلى الحاكم وضعفه والآخر
ورد من تعليمه الحسن بن علي، وقد تقدم في ف3.
(4) البحر الرائق 2 / 44، والبدائع 1 / 273.
(34/62)
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَبْعُدُ عَنِ
الإِْجَابَةِ، وَلأَِنَّهُ لاَ تَوْقِيتَ فِي الْقِرَاءَةِ لِشَيْءٍ مِنَ
الصَّلَوَاتِ، فَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَال: التَّوْقِيتُ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ
الْقَلْبِ، وَقَال بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ
فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ مَا سِوَى قَوْلِهِ: " اللَّهُمَّ إِنَّا
نَسْتَعِينُكَ. . " لأَِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَا فِي
الْقُنُوتِ، فَالأَْوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ، وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهُ جَازَ،
وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ غَيْرَهُ كَانَ حَسَنًا، وَالأَْوْلَى أَنْ يَقْرَأَ
بَعْدَهُ مَا عَلَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قُنُوتِهِ "
اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَا هَدَيْتَ (1) . . "، إِلَى آخِرِهِ (2) .
وَمَنْ لاَ يُحْسِنُ الْقُنُوتَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ لاَ يَحْفَظُهُ،
فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ مُخْتَارَةٍ، قِيل: يَقُول: " يَا رَبِّ "
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ، وَقِيل: يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَقِيل: يَقُول: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ،
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الأَْقْوَال الثَّلاَثَةَ:
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ لاَ فِي
الْجَوَازِ، وَأَنَّ الأَْخِيرَ أَفْضَل لِشُمُولِهِ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ
بِمَنْ لاَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَل يَجُوزُ لِمَنْ
يَعْرِفُ الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَاحِدٍ
__________
(1) حديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي في قنوته ".
تقدم ف3.
(2) البدائع 1 / 273.
(34/62)
مِمَّا ذُكِرَ لَمَا عَلِمْتَ أَنَّ
ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ تَوْقِيتِهِ (1) .
وَأَمَّا صِفَةُ دُعَاءِ الْقُنُوتِ مِنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ،
فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ
إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ
غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَسَرَّ
كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ.
وَإِنْ كَانَ إِمَامًا يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ، لَكِنْ دُونَ الْجَهْرِ
بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ هَكَذَا إِلَى
قَوْلِهِ: إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ (2) .
قَال أَبُو يُوسُفَ: يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ الْمُقْتَدِي أَيْضًا وَهُوَ
الْمُخْتَارُ، لأَِنَّهُ دُعَاءٌ كَسَائِرِ الأَْدْعِيَةِ، وَقَال
مُحَمَّدٌ: لاَ يَقْرَأُ بَل يُؤَمِّنُ لأَِنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ
احْتِيَاطًا.
وَقَال فِي الذَّخِيرَةِ: اسْتَحْسَنُوا الْجَهْرَ فِي بِلاَدِ الْعَجَمِ
لِلإِْمَامِ لِيَتَعَلَّمُوا، كَمَا جَهَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بِالثَّنَاءِ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ الْعِرَاقِ، وَنَصَّ فِي
الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُخَافَتَةُ، وَفِي الْمُحِيطِ
عَلَى أَنَّهُ الأَْصَحُّ (3) .
وَفِي الْبَدَائِعِ: وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ
الإِْخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الإِْمَامِ وَالْقَوْمِ
جَمِيعًا (4) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ
__________
(1) البحر الرائق 2 / 45.
(2) ابن عابدين 1 / 449، وبدائع الصنائع 1 / 274.
(3) البحر الرائق 2 / 46.
(4) بدائع الصنائع 1 / 274.
(34/63)
تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (1) وَقَوْل
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الذِّكْرِ
الْخَفِيُّ (2) .
أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْقُنُوتِ. فَقَدْ قَال أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لاَ يُفْعَل،
لأَِنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَهَا، وَقَال الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ:
يَأْتِي بِهَا، لأَِنَّ الْقُنُوتَ دُعَاءٌ، فَالأَْفْضَل أَنْ يَكُونَ
فِيهِ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى (3) .
وَأَمَّا حُكْمُ الْقُنُوتِ إِذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ، فَقَالُوا: إِذَا
نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَمَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لاَ يَعُودُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقُنُوتُ
وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعِ، فَكَذَلِكَ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَصَحَّحَهُ فِي
الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَعُودُ
إِلَى الْقُنُوتِ، لأَِنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْقِرَاءَةِ فَيَعُودُ، كَمَا
لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوِ السُّورَةَ فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ
أَوْ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ
رُكُوعُهُ، كَذَا هَاهُنَا (4) .
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ وَطَاوُسٍ،
__________
(1) سورة الأعراف / 55.
(2) حديث: " خير الذكي الخفي ". أخرجه أحمد (1 / 172) من حديث سعد بن أبي
وقاص، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 81) : فيه محمد بن عبد الرحمن
ابن لبيبة، وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين.
(3) بدائع الصنائع 1 / 274.
(4) البحر الرائق 2 / 45، وبدائع الصنائع 1 / 274، والدر المنتقي شرح
الملتقى 1 / 128، وحاشية ابن عابدين 1 / 450.
(34/63)
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ لاَ يُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي صَلاَةِ الْوِتْرِ
مِنَ السَّنَةِ كُلِّهَا، فَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَال: الْقُنُوتُ فِي
الْوِتْرِ بِدْعَةٌ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ لاَ يَقْنُتُ فِي
صَلاَةٍ بِحَالٍ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ فِي
الْوِتْرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ فِي
النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (1) .
(وَالثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ: وَهُوَ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْ
شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً، فَإِنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ قَنَتَ فِيهَا،
وَإِنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ قَنَتَ فِي الأَْخِيرَةِ (2) .
وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ.
وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْقُنُوتُ فِي جَمِيعِ
السَّنَةِ بِلاَ كَرَاهَةٍ، وَلاَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِهِ فِي
غَيْرِ النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، قَال: وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ
اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ (3) .
قَال الرَّافِعِيُّ: وَظَاهِرُ كَلاَمِ الشَّافِعِيِّ
__________
(1) الكافي لابن عبد البر (ط. دار الكتب العلمية في بيروت) ص74، والتفريع
لابن الجلاب 1 / 266، والقوانين الفقهية ص66، ومنح الجليل 1 / 157،
والزرقاني على خليل 1 / 212، والمغني لابن قدامة 2 / 580، والمجموع للنووي
4 / 24.
(2) الأذكار للنووي ص86، والفتوحات الربانية لبن علان 2 / 291، وروضة
الطالبين 1 / 253، 330، والمجموع شرح المهذب 4 / 15.
(3) المجموع 4 / 15، الروضة 1 / 330.
(34/64)
كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ
الأَْخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (1) .
أَمَّا مَحَل الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، فَهُوَ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ
مِنَ الرُّكُوعِ فِي الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (2) .
أَمَّا لَفْظُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَكَالصُّبْحِ (3) .
وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَضُمَّ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ
دُعَاءِ الْقُنُوتِ قُنُوتَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (4) .
أَمَّا الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ
وَمَسْحُ الْوَجْهِ فَحُكْمُهَا مَا سَبَقَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ نَفْسِهِ
(5) .
(وَالرَّابِعُ) لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يُسَنُّ الْقُنُوتُ
جَمِيعَ السَّنَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ الأَْخِيرَةِ مِنَ
الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ (6) ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ
الرُّكُوعِ (7) ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي تَعْلِيل مَشْرُوعِيَّتِهِ كُل
السَّنَةِ: لأَِنَّهُ وِتْرٌ، فَيُشْرَعُ فِيهِ الْقُنُوتُ، كَالنِّصْفِ
الأَْخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَلأَِنَّهُ ذِكْرٌ شُرِعَ فِي الْوِتْرِ،
فَشُرِعَ
__________
(1) المجموع 4 / 15، وانظر روضة الطالبين 1 / 330.
(2) روضة الطالبين 1 / 330، والمجموع 4 / 15.
(3) روضة الطالبين 1 / 253.
(4) الروضة 1 / 331.
(5) المجموع 4 / 16، الروضة 1 / 331.
(6) شرح منتهى الإرادات 1 / 226، وكشاف القناع 1 / 489، والمغني 2 / 580،
وما بعدها (ط. هجر) والمبدع 2 / 7.
(7) حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع ". أخرجه
البخاري (فتح الباري 2 / 284) ، ومسلم (1 / 468) ، وحديث أنس أخرجه البخاري
(فتح الباري 2 / 489) ، ومسلم (1 / 468) .
(34/64)
فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَسَائِرِ
الأَْذْكَارِ (1) .
وَلَوْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ قَنَتَ قَبْل
الرُّكُوعِ جَازَ (2) ، لِمَا رَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَبْل
الرُّكُوعِ (3) .
وَهَيْئَةُ الْقُنُوتِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ حَال
قُنُوتِهِ وَيَبْسُطَهُمَا وَبُطُونَهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَلَوْ كَانَ
مَأْمُومًا، وَيَقُول جَهْرًا - سَوَاءٌ أَكَانَ إِمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا
-: " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ،
وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَتَوَكَّل عَلَيْكَ، وَنُثْنِي
عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ
إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى
وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ
الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ،
وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ،
وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ
تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِل مَنْ وَالَيْتَ،
وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ،
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ
عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لاَ نُحْصَى ثَنَاءً
__________
(1) المغني 2 / 581.
(2) شرح منتهى الإرادات 1 / 226.
(3) حديث أُبي بن كعب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل
الركوع ". أورده أبو داود (2 / 135) معلقًا، ثم ضعفه.
(34/65)
عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى
نَفْسِكَ ".
وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الدُّعَاءُ فِي
الصَّلاَةِ، قَال الْمَجْدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ،
ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيُفْرِدُ الْمُنْفَرِدُ الضَّمِيرَ، فَيَقُول اللَّهُمَّ اهْدِنِي.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعِيذُكَ. . . إِلَخْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي
الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ نَصَّ أَحْمَدُ، وَعِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ،
يَجْمَعُهُ، لأَِنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (1) .
وَالْمَأْمُومُ إِذَا سَمِعَ قُنُوتَ إِمَامِهِ أَمَّنَ عَلَيْهِ بِلاَ
قُنُوتٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ دَعَا، وَهَل يَمْسَحُ وَجْهَهُ
بِيَدَيْهِ إِذَا فَرَغَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (أَشْهَرُهُمَا) أَنَّهُ
يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الأَْكْثَرُ،
لِمَا رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ، مَسَحَ
وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ (2) ، وَكَخَارِجِ الصَّلاَةِ.
(وَالثَّانِيَةُ) لاَ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهَا الآْجُرِّيُّ
لِضَعْفِ الْخَبَرِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، صَحَّحَهَا فِي الْوَسِيلَةِ،
وَعَنْهُ: يُمِرُّهُمَا عَلَى صَدْرِهِ (3) ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ إِذَا أَرَادَ السُّجُودَ، لأَِنَّ الْقُنُوتَ مَقْصُودٌ فِي
__________
(1) (1) المبدع 2 / 12.
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان دعا فرفع يديه مسح بهما
وجهه ". أخرجه أبو داود (2 / 166) ، وفي إسناده راوٍ مجهول كما في الميزان
للذهبي (1 / 569)
(3) المبدع 2 / 12، والمغني 4 / 585.
(34/65)
الْقِيَامِ، فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ (1) .
ج - الْقُنُوتُ عِنْدَ النَّازِلَةِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْقُنُوتِ عِنْدَ النَّوَازِل
عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(الأَْوَّل) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَقْنُتُ فِي غَيْرِ
الْوِتْرِ إِلاَّ لِنَازِلَةٍ: كَفِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ، فَيَقْنُتُ
الإِْمَامُ فِي الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ (2) ، قَال الطَّحَاوِيُّ:
إِنَّمَا لاَ يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ دُونِ وُقُوعِ
بَلِيَّةٍ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ،
فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
وَهَل الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ قَبْل الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟
احْتِمَالاَنِ، اسْتَظْهَرَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الأَْشْبَاهِ
وَالنَّظَائِرِ كَوْنَهُ قَبْلَهُ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ مَا
اسْتَظْهَرَهُ الشُّرُنْبُلاَلِيُّ فِي مَرَاقِي الْفَلاَحِ أَنَّهُ
بَعْدَهُ (4) .
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي
غَيْرِ الأَْصَحِّ: وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ
مُطْلَقًا (5) ، قَال الزَّرْقَانِيُّ: لاَ بِوِتْرٍ وَلاَ فِي سَائِرِ
__________
(1) كشاف القناع 1 / 489 - 493، وشرح منتهى الإرادات 1 / 226 - 228،
والمبدع 2 / 7 - 12، والمغني لابن قدامة 2 / 580 - 585، (ط. هجر) وبدائع
الفوائد 4 / 112، 113.
(2) البحر الرائق وحاشيته منحة الخالق لابن عابدين 2 / 47، 48، الدر
المنتقى شرح الملتقى 1 / 129، مرقاة المفاتيح 1 / 163.
(3) عقود الجواهر المنيفة للزبيدي 1 / 147، ومنحة الخالق على البحر الرائق
2 / 47.
(4) منحة الخالق على البحر الرائق لابن عابدين 2 / 48.
(5) منح الجليل 1 / 157، ومواهب الجليل 1 / 539، والأذكار للنووي ص86،
وروضة الطالبين 1 / 254، والمجموع شرح المهذب 3 / 494.
(34/66)
الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خِلاَفًا
لِزَاعِمِيهِ، لَكِنْ لَوْ قَنَتَ فِي غَيْرِهَا لَمْ تَبْطُل،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ الْكَرَاهَةُ (1) ،
وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ (2) .
(وَالثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبَعْضِ
الْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ
نَازِلَةٌ، كَوَبَاءٍ، وَقَحْطٍ، أَوْ مَطَرٍ يَضُرُّ بِالْعُمْرَانِ أَوِ
الزَّرْعِ، أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ، أَوْ أَسْرِ عَالِمٍ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ
الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، قَال النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى كَلاَمِ
الأَْكْثَرِينَ أَنَّ الْكَلاَمَ وَالْخِلاَفَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ
إِنَّمَا هُوَ فِي الْجَوَازِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ إِيرَادُهُ
بِالاِسْتِحْبَابِ، قُلْتُ: الأَْصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ
صَاحِبُ الْعُدَّةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الإِْمْلاَءِ
(3) ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَازِلَةٌ فَلاَ قُنُوتَ إِلاَّ فِي صَلاَةِ
الْفَجْرِ، قَال ابْنُ عَلاَّنَ: وَإِنْ لَمْ تَنْزِل فَلاَ يَقْنُتُوا،
أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِ الدَّلِيل لِغَيْرِ النَّازِلَةِ،
وَفَارَقَتِ الصُّبْحُ غَيْرَهَا بِشَرَفِهَا مَعَ اخْتِصَاصِهَا
__________
(1) شرح الزرقاني على خليل 1 / 212.
(2) حديث أنس: " أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا ثم تركه ". أخرجه
البخاري (فتح الباري 7 / 385) ، ومسلم (1 / 469) .
(3) روضة الطالبين 1 / 254، وانظر المجموع شرح المهذب 3 / 494.
(34/66)
بِالتَّأْذِينِ قَبْل الْوَقْتِ،
وَبِالتَّثْوِيبِ، وَبِكَوْنِهَا أَقْصَرَهُنَّ، فَكَانَتْ بِالزِّيَادَةِ
أَلْيَقَ، وَلِيَعُودَ عَلَى يَوْمِهِ بِالْبَرَكَةِ، لِمَا فِيهِ - أَيِ
الْقُنُوتِ - مِنَ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: قَنَتَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ
فِي دُبُرِ كُل صَلاَةٍ إِذَا قَال سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ
الرَّكْعَةِ الأَْخِيرَةِ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ (2) قَال ابْنُ
عَلاَّنَ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا
يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ،
لِدَفْعِ تَمَرُّدِ الْقَاتِلِينَ، لاَ لِتَدَارُكِ الْمَقْتُولِينَ
لِتَعَذُّرِهِ. وَقِيسَ غَيْرُ خَوْفِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ (3) .
وَإِذَا قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ مِنَ الْفَرَائِضِ لِنَازِلَةٍ، فَهَل
يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ أَمْ يُسِرُّ بِهِ؟ قَال النَّوَوِيُّ: الرَّاجِحُ
أَنَّهَا كُلَّهَا كَالصُّبْحِ، سِرِّيَّةً كَانَتْ أَمْ جَهْرِيَّةً،
وَمُقْتَضَى إِيرَادِهِ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي السِّرِّيَّةِ،
وَفِي الْجَهْرِيَّةِ الْخِلاَفُ (4) .
__________
(1) الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 2 / 289، وانظر المجموع شرح
المهذب3 / 494، 505، وروضة الطالبين 1 / 254، والأذكار ص86، ومواهب الجليل
للحطاب 1 / 539.
(2) حديث ابن عباس: " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا في
الظهر والعصر ". أخرجه أبو داود (2 / 143) ، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات
لابن علان (2 / 288) .
(3) الفتوحات الربانية 2 / 288.
(4) روضة الطالبين 1 / 255.
(34/67)
(وَالرَّابِعُ) لِلْحَنَابِلَةِ عَلَى
الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ: وَهُوَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ
وِتْرٍ إِلاَّ أَنْ تَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ - غَيْرُ
الطَّاعُونِ - لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ
وَلاَ فِي غَيْرِهِ، وَلأَِنَّهُ شَهَادَةٌ لِلأَْخْيَارِ، فَلاَ يُسْأَل
رَفْعُهُ (1) ، فَيُسَنُّ لِلإِْمَامِ الأَْعْظَمِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي
الْمَذْهَبِ (2) - الْقُنُوتُ فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ
الْمَكْتُوبَاتِ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ (3) - لِرَفْعِ
تِلْكَ النَّازِلَةِ، ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ
أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ (4) ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَنَتَ ثُمَّ قَال: إِنَّمَا اسْتَنْصَرْنَا
عَلَى عَدُوِّنَا هَذَا (5) .
وَيَقُول الإِْمَامُ فِي قُنُوتِهِ نَحْوًا مِمَّا قَال النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي الْقُنُوتِ: " اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ
بَيْنِهِمْ،
__________
(1) كشاف القناع 1 / 494، وشرح منتهى الإرادات 1 / 229.
(2) المبدع 2 / 13.
(3) المغني 2 / 587، 588، والمبدع 2 / 13.
(4) حديث: " أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو علي حي من أحياء العرب
ثم تركه ". أخرجه مسلم (1 / 469) ، وبمعناه في البخاري (فتح الباري 7 /
490) .
(5) المغني 1 / 787 مع الشرح الكبير نشر الكتاب العربي. والأثر أخرجه ابن
أبي شيبة في المصنف 2 / 310.
(34/67)
وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ
وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْل الْكِتَابِ الَّذِينَ
يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ
بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِل أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِل بِهِمْ بَأْسَكَ
الَّذِي لاَ يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ (1) . . . إِلَخْ
وَيَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ فِي صَلاَةٍ جَهْرِيَّةٍ، قَال
ابْنُ مُفْلِحٍ وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ مُطْلَقًا (2) ، وَلَوْ قَنَتَ فِي
النَّازِلَةِ كُل إِمَامِ جَمَاعَةٍ أَوْ كُل مُصَلٍّ، لَمْ تَبْطُل
صَلاَتُهُ. لأَِنَّ الْقُنُوتَ مِنْ جِنْسِ الصَّلاَةِ، كَمَا لَوْ قَال:
آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ (3) .
__________
(1) المغني 2 / 587، والأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2 / 210، 211)
.
(2) المبدع 2 / 14، وشرح منتهى الإرادات 1 / 229.
(3)) كشاف القناع 1 / 494، وشرح منتهى الإرادات 1 / 228، 229، والمغني 2 /
586 وما بعدها.
(34/68)
قُنْيَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِنْيَةُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ الْمَال وَكَسْبُهُ وَاتِّخَاذُهُ
لِلنَّفْسِ، يُقَال: اقْتَنَيْتُ الْمَال: اتَّخَذْتُهُ لِنَفْسِي قِنْيَةً
لاَ لِلتِّجَارَةِ، وَقَنَى الشَّيْءَ قَنْيًا: كَسَبَهُ وَجَمَعَهُ.
وَالْقِنْيَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: حَبْسُ الْمَال لِلاِنْتِفَاعِ لاَ
لِلتِّجَارَةِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْكَنْزُ:
2 - الْكَنْزُ لُغَةً: مِنْ كَنَزْتُ الْمَال كَنْزًا أَيْ جَمَعْتَهُ
وَادَّخَرْتَهُ.
وَشَرْعًا: هُوَ الْمَال الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَدْفُونًا تَحْتَ الأَْرْضِ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْقُنْيَةِ وَالْكَنْزِ هِيَ حَبْسُ الْمَال
وَجَمْعُهُ (2)
__________
(1) المفردات في غريب القرآن، والمصباح المنير، ولسان العرب، والمعجم
الوسيط، والمطلع على أبواب المقنع ص 136، ومغني المحتاج 1 / 398.
(2) المفردات في غريب القرآن، ولسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم
الوسيط، ومغني المحتاج 1 / 389، والتفسير الكبير للرازي 16 / 44.
(34/68)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - قُنْيَةُ الأَْشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا مِثْل اقْتِنَاءِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا
مِثْل اقْتِنَاءِ الْمَصَاحِفِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ، وَقَدْ
يَكُونُ حَرَامًا مِثْل الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ
الْمُحَرَّمَةِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (اقْتِنَاءٌ ف 2) .
زَكَاةُ الْقُنْيَةِ:
4 - قَسَّمَ ابْنُ جُزَيٍّ الْعُرُوضَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٍ
لِلْقُنْيَةِ خَالِصًا، وَقِسْمٍ لِلتِّجَارَةِ خَالِصًا فَفِيهِ
الزَّكَاةُ، وَقِسْمٍ لِلْقُنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَقِسْمٍ لِلْغَلَّةِ
وَالْكِرَاءِ.
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عَرْضَ التِّجَارَةِ
يَصِيرُ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّةِ الْقُنْيَةِ وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْهُ،
لأَِنَّ الْقُنْيَةَ هِيَ الأَْصْل، وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ إِلَى الأَْصْل
مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ فِي
مَكَانٍ صَالِحٍ لِلإِْقَامَةِ يَصِيرُ مُقِيمًا فِي الْحَال بِمُجَرَّدِ
النِّيَّةِ؛ وَلأَِنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ
فِي الْعُرُوضِ، فَإِذَا نَوَى الْقُنْيَةَ زَالَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ
فَفَاتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ وَلأَِنَّ الْقُنْيَةَ هِيَ الْحَبْسُ
لِلاِنْتِفَاعِ وَقَدْ وُجِدَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الإِْمْسَاكِ، كَمَا أَنَّ
الْعَرْضَ إِذَا صَارَ لِلْقُنْيَةِ بِالنِّيَّةِ لاَ يَصِيرُ
لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا
فِعْل التِّجَارَةِ؛ لأَِنَّ التِّجَارَةَ هِيَ تَقْلِيبُ الْعُرُوضِ
بِقَصْدِ الإِْرْبَاحِ، وَلَمْ يُوجَدْ
(34/69)
ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ وَلأَِنَّ
الأَْصْل الْقُنْيَةُ، وَالتِّجَارَةُ عَارِضٌ فَلَمْ يَصِرْ إِلَيْهَا
بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى الْحَاضِرُ السَّفَرَ لاَ
يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، بَل لاَ بُدَّ
مِنَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَالْخُرُوجِ عَنْ عُمْرَانِ الْمِصْرِ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ
الْحَنَابِلَةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ
الْقُنْيَةَ تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا
بِحَدِيثِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ
نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ (1) ، قَال ابْنُ
قُدَامَةَ: قَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا عَلَى أَصَحِّ
الرِّوَايَتَيْنِ؛ لأَِنَّ نِيَّةَ الْقُنْيَةِ بِمُجَرَّدِهَا كَافِيَةٌ
فَكَذَلِكَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ بَل أَوْلَى؛ لأَِنَّ إِيجَابَ الزَّكَاةِ
يَغْلِبُ عَلَى إِسْقَاطِهَا احْتِيَاطًا؛ وَلأَِنَّهُ أَحَظُّ
لِلْمَسَاكِينِ فَاعْتُبِرَ كَالتَّقْوِيمِ (2) .
__________
(1) حديث سمرة: " كان يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة.
. . ". أخرجه أبو داود (2 / 211 - 212) وحسن إسناده ابن عبد البر كما في
الاستذكار (9 / 115) .
(2) بدائع الصنائع 2 / 11 وما بعدها، القوانين الفقهية ص103، مغني المحتاج
1 / 398، المغني لابن قدامة 3 / 31 - 37.
(34/69)
قَهْقَهَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَهْقَهَةُ مَصْدَرُ قَهْقَهَ إِذَا مَدَّ وَرَجَّعَ فِي ضَحِكِهِ،
وَقِيل: هُوَ اشْتِدَادُ الضَّحِكِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الضَّحِكُ الْمَسْمُوعُ لَهُ وَلِجِيرَانِهِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الضَّحِكُ:
2 - الضَّحِكُ لُغَةً: مَصْدَرُ ضَحِكَ يَضْحَكُ ضِحْكًا وَضَحِكًا:
انْفَرَجَتْ شَفَتَاهُ وَبَدَتْ أَسْنَانُهُ مِنَ السُّرُورِ (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ
(4) .
وَبَيْنَ الضَّحِكِ وَالْقَهْقَهَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح، وحاشية ابن عابدين 1 /
98.
(2) التعريفات ص181، والبحر الرائق 1 / 42، وبداية المجتهد 1 / 39.
(3) المفردات للراغب ص293.
(4) فتح القدير 1 / 35 ط. بولاق، وحاشية ابن عابدين 1 / 98 ط. بولاق،
والمفردات للراغب ص 293.
(34/70)
ب - التَّبَسُّمُ:
3 - التَّبَسُّمُ مَصْدَرُ تَبَسَّمَ، وَالثُّلاَثِيُّ بَسَمَ، يُقَال:
بَسَمَ يَبْسِمُ بَسْمًا: انْفَرَجَتْ شَفَتَاهُ عَنْ ثَنَايَاهُ ضَاحِكًا
بِدُونِ صَوْتٍ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنَ الضَّحِكِ (1) .
وَعَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ بِقَوْلِهِ: مَا لاَ يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ
وَلِجِيرَانِهِ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ التَّبَسُّمِ وَالْقَهْقَهَةِ أَنَّ التَّبَسُّمَ
غَالِبًا مُقَدِّمَةٌ لِلْقَهْقَهَةِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَال
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الصَّلاَةَ تَفْسُدُ بِالْقَهْقَهَةِ وَلاَ
يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
قَال: كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى
قَوْلِهِمْ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ
فِيمَنْ رَعَفَ غَسَل عَنْهُ الدَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَفِيمَنْ ضَحِكَ
فِي الصَّلاَةِ أَعَادَهَا وَلَمْ يُعِدْ وُضُوءَهُ (3) .؛ وَلأَِنَّ
الضَّحِكَ لَوْ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 98.
(2) التعريفات ص181، وانظر قواعد الفقه ص218، وبدائع الصنائع 1 / 32 ط. دار
الكتاب العربي، وحاشية الطحطاوي 1 / 83
(3) الأثر أخرجه البيهقي (1 / 145) .
(34/70)
كَانَ نَاقِضًا لَنَقَضَ فِي الصَّلاَةِ
وَغَيْرِهَا كَالْحَدَثِ، فَهِيَ لاَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ خَارِجَ
الصَّلاَةِ فَلاَ تُوجِبُهُ دَاخِلَهَا كَالْعُطَاسِ وَالسُّعَال (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلاَةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُفْسِدُ الصَّلاَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَعْمَى جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ، فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَضَحِكَ
طَوَائِفُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ (2) ، وَكَمَا
تَبْطُل بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ إِذَا حَصَل قَبْل الْقُعُودِ الأَْخِيرِ
قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهَا تَبْطُل كَذَلِكَ، بِالْقَهْقَهَةِ إِذَا
حَصَلَتْ قَبْل الْقُعُودِ الأَْخِيرِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ كَذَلِكَ أَمَّا
إِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا لاَ تُبْطِل الصَّلاَةَ وَإِنْ نَقَضَتِ
الْوُضُوءَ (3) .
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْقَهْقَهَةُ خَارِجَ الصَّلاَةِ، أَوْ فِي
صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ وَصَلاَةِ الصَّبِيِّ
وَصَلاَةِ الْبَانِي بَعْدَ الْوُضُوءِ لاَ تُفْسِدُ
__________
(1) القوانين الفقهية ص29، والزرقاني على خليل 1 / 248 - 249، والمجموع شرح
المهذب 1 / 60 - 61، والمغني لابن قدامة 1 / 177 ط. الرياض.
(2) حديث: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء
والصلاة ". أخرجه الدارقطني (1 / 172) من حديث جابر، وضعفه.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 98 - 99 ط. بولاق، والبحر الرائق 1 / 42 - 43،
وفتح القدير 1 / 35.
(34/71)
الْوُضُوءَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (1) .
قَهْقَهَةُ الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ:
5 - وَلَوْ قَهْقَهَ الإِْمَامُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا: فَإِنَّ قَهْقَهَةَ
الإِْمَامِ أَوَّلاً تَنْقُضُ وُضُوءَهُ دُونَ الْقَوْمِ؛ لأَِنَّ
قَهْقَهَتَهُمْ لَمْ تُصَادِفْ تَحْرِيمَةَ الصَّلاَةِ بِفَسَادِ
صَلاَتِهِمْ لِفَسَادِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، فَجُعِلَتْ قَهْقَهَتُهُمْ
خَارِجَ الصَّلاَةِ.
وَإِنْ قَهْقَهَ الْقَوْمُ أَوَّلاً ثُمَّ الإِْمَامُ انْتُقِضَ طَهَارَةُ
الْكُل؛ لأَِنَّ قَهْقَهَتَهُمْ حَصَلَتْ فِي الصَّلاَةِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ قَهْقَهُوا مَعًا؛ لأَِنَّ قَهْقَهَةَ الْكُل حَصَلَتْ فِي
تَحْرِيمَةِ الصَّلاَةِ (2) .
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) البحر الرائق 1 / 43، وحاشية ابن عابدين 1 / 98 - 99، 411، وحاشية
الطحطاوي 1 / 83 - 84، وتبيين الحقائق 1 / 11.
(34/71)
قَوَادِحُ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَوَادِحُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ قَادِحٍ: يُقَال قَدَحَ الرَّجُل
يَقْدَحُهُ قَدْحًا إِذَا عَابَهُ بِالطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ أَوْ
عَدَالَتِهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ الْفِقْهِيُّ عَنِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ (2) .
وَفِي اصْطِلاَحِ الأُْصُولِيِّينَ قَال الْعَضُدُ: هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ
اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى الدَّلِيل الدَّال عَلَى الْعِلِّيَّةِ (3) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
مَا تَرِدُ عَلَيْهِ الْقَوَادِحُ:
2 - لاَ تَرِدُ الْقَوَادِحُ عَلَى كُل قِيَاسٍ؛ لأَِنَّ مِنَ
الأَْقْيِسَةِ مَا لاَ تَرِدُ عَلَيْهِ كَالْقِيَاسِ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ
أَوِ الإِْجْمَاعِ، فَلاَ يَتَّجِهُ عَلَيْهِ فَسَادُ الاِعْتِبَارِ إِلاَّ
مِمَّنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ أَصْلاً.
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس، ومتن اللغة.
(2) حاشية ابن عابدين 3 / 171، ومغني المحتاج 4 / 433.
(3) حاشية العطار على جمع الجوامع وهامشه للشربيني ص2 / 339.
(34/72)
تَعَدُّدُ الْقَوَادِحِ:
3 - الْقَوَادِحُ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِي
عَدَدِهَا:
وَمِنْهَا: تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ بِأَنْ وُجِدَتِ
الْعِلَّةُ فِي صُورَةٍ مَثَلاً بِدُونِ الْحُكْمِ.
وَمِنْهَا: الْعَكْسُ: وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لاِنْتِفَاءِ
الْعِلَّةِ.
وَمِنْهَا: عَدَمُ التَّأْثِيرِ: وَهُوَ أَنْ لاَ يَكُونَ بَيْنَ الْوَصْفِ
وَالْحُكْمِ مُنَاسَبَةٌ.
وَمِنْهَا: الْقَلْبُ: وَهُوَ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ مَا يَسْتَدِل
بِهِ الْمُسْتَدِل فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ
الْوَجْهِ عَلَيْهِ لاَ لَهُ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ الْمُسْتَدَل بِهِ.
وَمِنْهَا: الْقَوْل بِالْمُوجِبِ وَهُوَ: تَسْلِيمُ دَلِيل الْمُسْتَدِل
مَعَ بَقَاءِ مَحَل النِّزَاعِ، كَأَنْ يَقُول الْمُسْتَدِل فِي الْقِصَاصِ
بِالْقَتْل بِالْمُثْقَل: قَتَل بِمَا يَقْتُل غَالِبًا فَلاَ يُنَافِي
الْقِصَاصَ، فَيُسَلِّمُ الْمُعْتَرِضُ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ
الْقَتْل بِالْمُثْقَل وَالْقِصَاصِ، وَيَقُول: وَلَكِنْ لِمَ قُلْتَ
إِنَّهُ يَقْتَضِي الْقِصَاصَ وَهُوَ مَحَل النِّزَاعِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) حاشية العطار 2 / 339 وما بعده، والبحر المحيط 5 / 260 وما بعده،
والتحصيل في المحصول 2 / 209 وما بعده، ابن عابدين 2 / 295.
(34/72)
قَوَادِحُ الْعَدَالَةِ
4 - مِنْ قَوَادِحِ الْعَدَالَةِ مَا يَأْتِي:
أ - الْفِسْقُ فَلاَ تُقْبَل الشَّهَادَةُ مِنْ فَاسِقٍ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ
يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ} (1) وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ.
ب - عَدَمُ الْمُرُوءَةِ: وَهِيَ سُقُوطُ الْهِمَّةِ، وَعَدَمُ
التَّرَفُّعِ عَنِ الدَّنَايَا، فَلاَ يُقْبَل شَهَادَةُ مَنْ لاَ
مُرُوءَةَ لَهُ؛ لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَتَرَفَّعُ عَنِ الْكَذِبِ.
ج - عَدَمُ النُّطْقِ: فَلاَ يُقْبَل شَهَادَةُ الأَْبْكَمِ.
د - التُّهْمَةُ: فَلاَ يُقْبَل شَهَادَةُ مَنْ يُتَّهَمُ بِجَرِّ نَفْعٍ،
أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ كَأَنْ يَشْهَدَ لأَِصْلِهِ، أَوْ فَرْعِهِ (2) .
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ
الرَّاتِبَةِ وَمُسْتَحَبَّاتِ الصَّلاَةِ تَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ
لِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَإِشْعَارِهِ بِقِلَّةِ
مُبَالاَتِهِ بِالْمُهِمَّاتِ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَدَالَةٌ ف 17 وَشَهَادَةٌ ف 22) وَمَا
بَعْدَهَا.
__________
(1) سورة البقرة / 282.
(2) لسان العرب، تاج العروس، ومتن اللغة مادة (قدح) .
(3) مغني المحتاج 4 / 333، ورد المحتار 4 / 381، والمغني 9 / 167.
(34/73)
قَوَاعِدُ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَوَاعِدُ لُغَةً جَمْعُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَسَاسُ الشَّيْءِ
وَأَصْلُهُ.
فَقَوَاعِدُ الْبِنَاءِ أَسَاسُهُ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ، قَال الزَّجَّاجُ:
الْقَوَاعِدُ أَسَاطِينُ الْبِنَاءِ الَّتِي تُعَمِّدُهُ وَمِنْهُ قَوْله
تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْمَاعِيل} (1) .
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ الْعُجُزُ اللَّوَاتِي قَعَدْنَ عَنِ
التَّصَرُّفِ مِنْ أَجْل السِّنِّ وَقَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ وَالْمَحِيضِ
(2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ الْقَوَاعِدَ عَلَى مَعَانٍ
مِنْهَا:
الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ، وَالْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ قَضِيَّةٌ
كُلِّيَّةٌ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهَا، وَقَال
الْحَمَوِيُّ: هِيَ حُكْمٌ أَكْثَرِيٌّ لاَ كُلِّيٌّ يَنْطَبِقُ
__________
(1) سورة البقرة / 127.
(2) لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط، والمفردات للراغب
الأصفهاني مادة: قعد. وتفسير القرطبي 12 / 309، الكشاف للزمخشري 1 / 187،
وغمز عيون البصائر 1 / 51، الموافقات للشاطبي 1 / 30.
(34/73)
عَلَى أَكْثَرِ جُزْئِيَّاتِهِ لِتُعْرَفَ
أَحْكَامُهَا مِنْهُ، كَمَا يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
النِّسَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي قَعَدَتْ عَنِ الْحَيْضِ
وَالزَّوَاجِ مِنْ أَجْل السِّنِّ.
وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ عَلَى أُسُسِهِ الَّتِي
يَقُومُ عَلَيْهَا (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الأُْصُول:
2 - الأُْصُول فِي اللُّغَةِ جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ
غَيْرُهُ، أَوْ هُوَ مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ وَلاَ يَفْتَقِرُ هُوَ إِلَى
غَيْرِهِ.
وَالأَْصْل فِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَمَّا يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ
وَلاَ يُبْنَى هُوَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ هُوَ مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ
بِنَفْسِهِ وَيُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الأُْصُول وَبَيْنَ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ
الْكُلِّيَّةَ أَصْلٌ لِجُزْئِيَّاتِهَا.
أَوَّلاً: الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ:
3 - أَوْرَدَ الْعُلَمَاءُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً لِلْفِقْهِ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهَا تَرْجِعُ إِلَيْهَا مَسَائِل الْفِقْهِ فِي الْجُمْلَةِ
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهَا مَا لاَ يَنْحَصِرُ مِنَ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ،
وَمِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَا يَلِي:
__________
(1) قواعد الفقه للبركتي، التعريفات للجرجاني، غمز عيون البصائر 1 / 22.
(2) لسان العرب، المصباح المنير، المفردات، التعريفات للجرجاني، والمعجم
الوسيط مادة (أصل) ، والبحر المحيط 1 / 15، والموافقات للشاطبي 1 / 29.
(34/74)
أ) الأُْمُورُ بِمَقَاصِدِهَا:
وَقَدِ اسْتَخْرَجَ الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَحْكَامًا
مِنْهَا: أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَتَّصِفُ بِالْحِل وَالْحُرْمَةِ
بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَ بِهِ. فَمَثَلاً أَخْذُ اللُّقَطَةِ بِقَصْدِ
حِفْظِهَا وَرَدِّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا جَائِزٌ، أَمَّا أَخْذُهَا
بِقَصْدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا وَتَمَلُّكِهَا فَلاَ يَجُوزُ بَل
يَكُونُ الآْخِذُ غَاصِبًا آثِمًا أَوْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ (1) .
ب) الْيَقِينُ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ:
قَال السُّيُوطِيُّ: هَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مَسَائِل
مِنَ الطَّهَارَةِ وَالْعِبَادَاتِ وَالطَّلاَقِ وَإِنْكَارِ الْمَرْأَةِ
وُصُول النَّفَقَةِ إِلَيْهَا وَاخْتِلاَفِ الزَّوْجَيْنِ فِي التَّمْكِينِ
مِنَ الْوَطْءِ وَالسُّكُوتِ وَالرَّدِّ، وَاخْتِلاَفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ
وَدَعْوَى الْمُطَلَّقَةِ الْحَمْل وَغَيْرِ ذَلِكَ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
ثَانِيًا: الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ:
4 - قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ
غَالِبًا مِنَ الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي لاَ يُشْتَهَى مِثْلُهَا
كَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَضَعَ الْجِلْبَابَ وَالْخِمَارَ
__________
(1) غمز عيون البصائر 1 / 97، الأشباه والنظائر للسيوطي ص10، وقواعد
الأحكام في مصالح الأنام 1 / 149.
(2) غمز عيون البصائر 1 / 193 - 203، الأشباه والنظائر ص50 وما بعدها،
ومغني المحتاج 1 / 39، 431 وما بعدها.
(34/74)
بِشَرْطِ أَنْ لاَ تَكُونَ مُظْهِرَةً
لِمَا يَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الرِّجَال مِنْهَا، وَلاَ مُتَعَرِّضَةً
بِالتَّزَيُّنِ لِلنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَلَكِنْ خَيْرٌ لَهَا أَنْ
تَسْتَعِفَّ بِالتَّسَتُّرِ الْكَامِل كَالشَّابَّةِ.
قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا خَصَّ الْقَوَاعِدَ مِنَ النِّسَاءِ
بِذَلِكَ لاِنْصِرَافِ الأَْنْفُسِ عَنْهُنَّ، إِذْ لاَ مَذْهَبَ
لِلرِّجَال فِيهِنَّ فَأُبِيحَ لَهُنَّ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِنَّ،
وَأُزِيل عَنْهُنَّ كُلْفَةُ التَّحَفُّظِ الْمُتْعِبِ لَهُنَّ (1) ،
وَدَلِيل مَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ
اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ
يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ
يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي (عَجُوزٌ ف 5) .
(
__________
(1) تفسير القرطبي 12 / 309، أحكام القرآن لابن العربي 3 / 418، المغني
لابن قدامة 6 / 559.
(2) سورة النور / 60.
(34/75)
قِوَامَة
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِوَامَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَامَ عَلَى الشَّيْءِ يَقُومُ
قِيَامًا: أَيْ حَافَظَ عَلَيْهِ وَرَاعَى مَصَالِحَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ
الْقَيِّمُ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى شَأْنِ شَيْءٍ وَيَلِيهِ
وَيُصْلِحُهُ، وَالْقِوَامُ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ
الْقِيَامِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِبْدَادِ بِالنَّظَرِ فِيهِ
وَحِفْظِهِ بِالاِجْتِهَادِ.
قَال الْبَغَوِيُّ: الْقِوَامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ،
وَالْقِوَامُ أَبْلَغُ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ
وَالتَّأْدِيبِ (1) .
وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ
لَفْظَ الْقِوَامَةُ عَلَى الْمَعَانِي الآْتِيَةِ:
أ - وِلاَيَةٌ يُفَوِّضُهَا الْقَاضِي إِلَى شَخْصٍ كَبِيرٍ رَاشِدٍ بِأَنْ
يَتَصَرَّفَ لِمَصْلَحَةِ الْقَاصِرِ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِهِ
الْمَالِيَّةِ (2) (ر: قَيِّمٌ) .
__________
(1) الكليات 4 / 53 - 54، وتفسير القرطبي 5 / 169، وتفسير البغوي 1 / 422،
وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 1 / 307 - 309، والتسهيل لعلوم
التنزيل 1 / 144، والمعجم الوسيط.
(2) الفتاوى الهندية 6 / 214، والقليوبي 3 / 177.
(34/75)
وَكَثِيرًا مَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ
الْقَيِّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَصِيَّ الْقَاضِي (1) ، وَيُسَمِّي
الْمَالِكِيَّةُ الْقَيِّمَ مُقَدَّمَ الْقَاضِي (2) .
ب - وِلاَيَةٌ يُفَوِّضُ بِمُوجِبِهَا صَاحِبُهَا بِحِفْظِ الْمَال
الْمَوْقُوفِ وَالْعَمَل عَلَى إِبْقَائِهِ صَالِحًا نَامِيًا بِحَسَبِ
شَرْطِ الْوَاقِفِ (3) .
ج - وِلاَيَةٌ يُفَوَّضُ بِمُوجِبِهَا الزَّوْجُ بِتَدْبِيرِ شُئُونِ
زَوْجَتِهِ وَتَأْدِيبِهَا وَإِمْسَاكِهَا فِي بَيْتِهَا وَمَنْعِهَا مِنَ
الْبُرُوزِ (4) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الْقَيِّمَ وَالنَّاظِرَ وَالْمُتَوَلِّيَ فِي
بَابِ الْوَقْفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْيصَاءُ:
2 - الإِْيصَاءُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ أَوْصَى، يُقَال أَوْصَى فُلاَنٌ
بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالاِسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ
وَكَسْرِهَا) وَهُوَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ
مِنَ الأُْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الأَْمْرِ فِي حَال
حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ (6) .
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص293 نشر دار الكتب العلمية.
(2) حاشية الدسوقي 3 / 299.
(3) الفتاوى الهندية 2 / 409.
(4) تفسير القرطبي 5 / 169، وبدائع الصنائع 4 / 16.
(5) حاشية ابن عابدين 3 / 431، وتنقيح الفتاوى الحامدية 1 / 205.
(6) المغرب، ومختار الصحاح.
(34/76)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالإِْيصَاءُ
بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ هُوَ إِقَامَةُ
الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ
التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ
وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيَّ.
أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَال
حَيَاتِهِ فَلاَ يُقَال لَهُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِيصَاءٌ، وَإِنَّمَا
يُقَال لَهُ وَكَالَةٌ. (ر: إِيصَاءٌ ف 1) .
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ بِأَنَّ
الْقَيِّمَ مَنْ فُوِّضَ إِلَيْهِ حِفْظُ الْمَال وَالْقِيَامُ عَلَيْهِ
وَجَمْعُ الْغَلاَّتِ دُونَ التَّصَرُّفِ، وَالْوَصِيُّ مَنْ فُوِّضَ
إِلَيْهِ التَّصَرُّفُ وَالْحِفْظُ جَمِيعًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
الْوَكِيل بِالتَّصَرُّفِ وَالْحِفْظِ جَمِيعًا، وَعَقَّبَ عَلَى ذَلِكَ
ابْنُ مَازَهْ بِقَوْلِهِ: لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ كَانَ مِنْ قَبْل،
أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَيِّمِ
وَالْوَصِيِّ (1) .
ب - الْوَكَالَةُ:
3 - الْوَكَالَةُ: إِقَامَةُ الشَّخْصِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي
تَصَرُّفٍ مَمْلُوكٍ قَابِلٍ لِلنِّيَابَةِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَال
حَيَاتِهِ، فَهِيَ تُشْبِهُ الْقِوَامَةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا فِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْغَيْرِ فِي الْقِيَامِ بِبَعْضِ
__________
(1) شرح أدب القاضي للخصاف 1 / 284 - 285.
(34/76)
الأُْمُورِ نِيَابَةً عَمَّنْ فَوَّضَهُ
إِلاَّ أَنَّ الْقِوَامَةُ تَخْتَلِفُ عَنِ الْوَكَالَةِ فِي أَنَّ
التَّفْوِيضَ فِي الْقِوَامَةُ يَكُونُ مِنْ قِبَل الْقَاضِي غَالِبًا،
أَمَّا الْوَكَالَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّفْوِيضُ فِيهَا
مِنْ قِبَل الْقَاضِي.
ج - الْوِلاَيَةُ:
4 - الْوِلاَيَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمَحَبَّةُ وَالنُّصْرَةُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ تَنْفِيذُ الْقَوْل عَلَى الْغَيْرِ، وَمِنْهُ
وِلاَيَةُ الْوَصِيِّ وَقَيِّمِ الْوَقْفِ وَوِلاَيَةُ وُجُوبِ أَدَاءِ
صَدَقَةِ الْفِطْرِ (2) . وَالْوِلاَيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْقِوَامَةُ.
أَحْكَامُ الْقِوَامَةُ:
(لِلْقِوَامَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:)
الْقِوَامَةُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ:
5 - تَثْبُتُ الْقِوَامَةُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ،
وَالْمَعْتُوهِ، وَالسَّفِيهِ، وَذِي الْغَفْلَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ لَهُ الْوِلاَيَةُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ،
وَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَنْ رَآهُ أَشْفَقَ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ
وَأَحْرَصَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (وِلاَيَةٌ) (وَوَصِيٌّ) (وَقَيِّمٌ ف 4) (وَإِيصَاءٌ ف
9، 11) .
نَصْبُ الْقَيِّمِ عَلَى مَال الْمَفْقُودِ:
6 - إِذَا غَابَ الرَّجُل فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلاَ
__________
(1) المغرب.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 296.
(34/77)
يُعْلَمُ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَبَ
الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي
حَقَّهُ؛ لأَِنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِكُل عَاجِزٍ عَنِ
النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ عَنْهُ، فَصَارَ
كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَفِي نَصْبِ مَا ذُكِرَ نَظَرٌ لَهُ
فَيُفْعَل (1) . وَلِلتَّفْصِيل (ر: مَفْقُودٌ) .
الْقِوَامَةُ عَلَى الْوَقْفِ:
7 - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ حَقَّ تَوْلِيَةِ أَمْرِ الْوَقْفِ فِي
الأَْصْل لِلْوَاقِفِ فَإِنْ شَرَطَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ
اتُّبِعَ شَرْطُهُ (2) .
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ الْوِلاَيَةَ لأَِحَدٍ أَوْ
شَرَطَهَا فَمَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .
قِوَامَةُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ:
8 - الزَّوْجُ قَيِّمٌ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الزَّوْجَ
أَمِينٌ عَلَيْهَا يَتَوَلَّى أَمْرَهَا وَيُصْلِحُهَا فِي حَالِهَا (3) ،
وَيَقُومُ عَلَيْهَا آمِرًا نَاهِيًا كَمَا يَقُومُ
__________
(1) فتح القدير 4 / 440 ط. بولاق، وبدائع الصنائع 6 / 196، وتبيين الحقائق
3 / 310.
(2) الفتاوى الهندية 2 / 408، وحاشية ابن عابدين 4 / 384، 409، وروضة
الطالبين 5 / 346، وحاشية الدسوقي 4 / 88، والمغني 5 / 647، وكشاف القناع 4
/ 265.
(3) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 530 ط. دار الكتب العلمية.
(34/77)
الْوَالِي عَلَى رَعِيَّتِهِ (1) .
قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَال
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (2) ، أَيِ الرَّجُل قَيِّمٌ عَلَى
الْمَرْأَةِ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا
مُؤَدِّبُهَا إِذَا اعْوَجَّتْ (3) .
وَقَال الْجَصَّاصُ فِي تَفْسِيرِهِ لِلآْيَةِ: قِيَامُهُمْ عَلَيْهِنَّ
بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ لِمَا فَضَّل
اللَّهُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْعَقْل وَالرَّأْيِ، وَبِمَا
أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا، فَدَلَّتِ
الآْيَةُ عَلَى مَعَانٍ: أَحَدِهَا: تَفْضِيل الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ
فِي الْمَنْزِلَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَدْبِيرِهَا
وَتَأْدِيبِهَا، وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ لَهُ إِمْسَاكَهَا فِي بَيْتِهِ
وَمَنْعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَنَّ عَلَيْهَا طَاعَتَهُ وَقَبُول
أَمْرِهِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً، وَدَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَتِهَا
عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (4) .
وَقَال الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الآْيَةِ: وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْوِلاَيَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْفَضْل لاَ بِالتَّغَلُّبِ
وَالاِسْتِطَالَةِ وَالْقَهْرِ (5) .
__________
(1) الكشاف للزمخشري 10 / 523 ط. دار المعرفة - بيروت.
(2) سورة النساء / 34.
(3) تفسير ابن كثير 1 / 491. ط. عيسى الحلبي.
(4) أحكام القرآن للجصاص 2 / 188 نشر دار الكتاب العربي، والآية من سورة
النساء / 34.
(5) الكشاف للزمخشري 1 / 523 ط. دار المعرفة.
(34/78)
أَسْبَابُ الْقِوَامَةُ:
9 - ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْقِوَامَةُ جُعِلَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ
لِلرَّجُل لِثَلاَثَةِ أَسْبَابٍ:
الأَْوَّل: كَمَال الْعَقْل وَالتَّمْيِيزِ (1) ، قَال الْقُرْطُبِيُّ:
إِنَّ الرِّجَال لَهُمْ فَضِيلَةٌ فِي زِيَادَةِ الْعَقْل وَالتَّدْبِيرِ
فَجُعِل لَهُمْ حَقُّ الْقِيَامِ عَلَيْهِنَّ لِذَلِكَ (2) .
الثَّانِي: كَمَال الدِّينِ (3) .
الثَّالِثِ: بَذْل الْمَال مِنَ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ (4) ، قَال ابْنُ
كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَال قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّل اللَّهُ بِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (5) أَيْ مِنَ الْمُهُورِ
وَالنَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ
لَهُنَّ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَالرَّجُل أَفْضَل مِنَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ، وَلَهُ
الْفَضْل عَلَيْهَا، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ قَيِّمًا عَلَيْهَا (6) .
(ر: زَوْجٌ ف 2 - 11 وَزَوْجَةٌ ف 14 - 16) .
مُقْتَضَى قِوَامَةُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ:
10 - مُقْتَضَى قِوَامَةُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ أَنَّ عَلَى
__________
(1) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 531.
(2) تفسير القرطبي 5 / 169.
(3) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 531.
(4) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 531.
(5) سورة النساء / 34.
(6) تفسير ابن كثير 1 / 491.
(34/78)
الرَّجُل أَنْ يَبْذُل الْمَهْرَ
وَالنَّفَقَةَ وَيُحْسِنَ الْعِشْرَةَ وَيَحْجُبَ زَوْجَتَهُ وَيَأْمُرَهَا
بِطَاعَةِ اللَّهِ وَيُنْهِيَ إِلَيْهَا شَعَائِرَ الإِْسْلاَمِ مِنْ
صَلاَةٍ وَصِيَامٍ، وَعَلَيْهَا الْحِفْظُ لِمَالِهِ وَالإِْحْسَانُ إِلَى
أَهْلِهِ وَالاِلْتِزَامُ لأَِمْرِهِ وَقَبُول قَوْلِهِ فِي الطَّاعَاتِ
(1) .
قَوَد
انْظُرْ: قِصَاص
__________
(1) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 530 ط. دار الكتب العلمية.
(34/79)
قَوْلٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَوْل فِي اللُّغَةِ هُوَ: الْكَلاَمُ، أَوْ كُل لَفْظٍ نَطَقَ بِهِ
اللِّسَانُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا.
وَيُسْتَعْمَل الْقَوْل مَجَازًا لِلدَّلاَلَةِ عَلَى الْحَال مِثْل:
وَقَالَتْ لَهُ الْعَيْنَانِ: سَمْعًا وَطَاعَةً.
وَالْقَوْل هُوَ الْقِيل وَالْمَقَالَةُ وَالْمَذْهَبُ.
وَجَمْعُ الْقَوْل: أَقْوَالٌ وَأَقَاوِيل.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(1)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ الْقَوْل مَنُوطٌ بِقَائِلِهِ إِذَا
كَانَ مُكَلَّفًا، إِنْ خَيْرًا وَإِنْ شَرًّا، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (2) ، وَأَنَّ
قَوْل الْكُفْرِ مِنْ مُكَلَّفٍ غَيْرِ مُكْرَهٍ كُفْرٌ
__________
(1) غريب القرآن للأصفهاني، لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط،
والقاموس المحيط، والتعريفات للجرجاني.
(2) سورة ق / 18.
(34/79)
وَقَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْقَوْل قَدْ
يَكُونُ وَاجِبًا كَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ
الْمُنْكَرِ، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْغِيبَةِ
وَنَحْوِهِمَا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا كَالإِْكْثَارِ مِنَ الصَّلاَةِ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَكُونُ
مَكْرُوهًا كَالْبَسْمَلَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا
فِي غَيْرِ مَا سَبَقَ (1) .
الْعُقُودُ مَنُوطَةٌ بِالْقَوْل غَالِبًا:
3 - لَمَّا كَانَتِ الأَْقْوَال تَعْرِيفًا وَدَلاَلَةً عَلَى مَا فِي
نُفُوسِ النَّاسِ جَعَل الشَّارِعُ لِلْعُقُودِ وَالْمُعَامَلاَتِ صِيَغًا
لاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَوْل بِهَا؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لاَ
تَصِحُّ إِلاَّ بِالرِّضَا كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل
إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) ، وَلِقَوْل
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ
تَرَاضٍ (3) ، وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لاَ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَنِيطَ
الْحُكْمُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الْقَوْل - وَهُوَ الإِْيجَابُ
وَالْقَبُول (4) -.
قَبُول الْقَوْل فِي الدَّعْوَى:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَوْل الْمُدَّعِي فِي
__________
(1) القواعد للعز بن عبد السلام 1 / 190.
(2) سورة النساء / 29.
(3) حديث: " إنما البيع عن تراض ". أخرجه ابن ماجه (2 / 737) من حديث أبي
سعيد الخدري وصحح إسناده البوصيري في الزوائد (2 / 10) .
(4) مغني المحتاج 2 / 3، 238، إعلام الموقعين 3 / 105 وما بعدها، وجواهر
الإكليل 2 / 2، بدائع الصنائع 5 / 133.
(34/80)
الدَّعْوَى يُقْبَل بِالْبَيِّنَةِ،
وَعَلَى أَنَّ قَوْل الْمُنْكِرِ يُقْبَل بِالْيَمِينِ لِحَدِيثِ:
الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَى ف 12) .
وَقَال السُّيُوطِيُّ: يُقْبَل الْقَوْل بِلاَ يَمِينٍ فِي فُرُوعٍ:
مِنْهَا: مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَادَّعَى مُسْقِطًا لَهَا كَأَنْ
يَقُول مَثَلاً: إِنَّ هَذَا النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْل أَوْ مِنْ غَيْرِ
النِّصَابِ؛ لأَِنَّ الأَْصْل بَرَاءَتُهُ.
وَمِنْهَا: مَنِ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْ أَبِيهِ مَثَلاً، فَقَال
الأَْجِيرُ: حَجَجْتُ فَيُقْبَل قَوْلُهُ وَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ وَلاَ
بَيِّنَةَ؛ لأَِنَّ تَصْحِيحَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لاَ يُمْكِنُ، وَكَذَا
لَوْ قَال لِلأَْجِيرِ: قَدْ جَامَعْتَ فِي إِحْرَامِكَ فَأَفْسَدْتَهُ،
وَأَنْكَرَ الأَْجِيرُ قُبِل قَوْل الأَْجِيرِ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَى
أَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ أَوْ قَتَل صَيْدًا فِي
إِحْرَامِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ قُبِل قَوْل الأَْجِيرِ؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ
فِي كُل ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: الأَْبُ أَوِ الْجَدُّ إِذَا طَلَبَ الإِْعْفَافَ وَادَّعَى
الْحَاجَةَ إِلَى النِّكَاحِ قُبِل قَوْلُهُ بِلاَ يَمِينٍ إِذْ لاَ
يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ تَحْلِيفُهُ فِي مِثْل ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا آخَرَ
وَادَّعَتْ أَنَّهُ أَصَابَهَا، فَيُقْبَل قَوْلُهَا فِي حِلِّهَا
__________
(1) حديث: " البينة على المدعي. . . ". أخرجه الدارقطني (3 / 110) من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأعله ابن حجر في التلخيص (4 / 39) بالإرسال
وبضعف أحد رواته.
(34/80)
لِلزَّوْجِ الأَْوَّل.
وَمِنْهَا: الْعِنِّينُ إِذَا ادَّعَى الْوَطْءَ قُبِل قَوْلُهُ لِدَفْعِ
الْفَسْخِ.
وَمِنْهَا: الْمُتَزَوِّجَةُ بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ إِذَا ادَّعَتْ زَوَال
الْبَكَارَةِ بِوَطْئِهِ قُبِل قَوْلُهَا لِعَدَمِ الْفَسْخِ، وَيُقْبَل
قَوْل الزَّوْجِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْمَهْرِ.
وَمِنْهَا: الْوَكِيل إِذَا ادَّعَى قَبْضَ الثَّمَنِ مِنَ الْمُشْتَرِي
وَتَسْلِيمَهُ إِلَى الْبَائِعِ يُقْبَل قَوْلُهُ حَتَّى لاَ يَلْزَمُهُ
الْغُرْمُ (1) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: الْمُودَعُ أَمِينٌ وَالْقَوْل قَوْلُهُ فِيمَا
يَدَّعِيهِ مِنْ تَلَفِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ، قَال ابْنُ
الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ
عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إِذَا أَحْرَزَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا
ضَاعَتْ أَنَّ الْقَوْل قَوْلُهُ (2) .
وَتَفَاصِيل هَذِهِ الْمَوَاضِيعِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
__________
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص510.
(2) المغني 6 / 395، 396.
(34/81)
قَوْل الصَّحَابِيِّ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَوْل فِي اللُّغَةِ: كُل لَفْظٍ نَطَقَ بِهِ اللِّسَانُ، تَامًّا
كَانَ أَوْ نَاقِصًا. وَيُطْلَقُ عَلَى الآْرَاءِ وَالاِعْتِقَادَاتِ،
يُقَال: هَذَا قَوْل فُلاَنٍ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْ رَأْيُهُ فِيهَا،
وَسَبَبُ تَسْمِيَةِ الآْرَاءِ أَقْوَالاً: أَنَّ الآْرَاءَ تَخْفَى فَلاَ
تُعْرَفُ إِلاَّ بِالْقَوْل أَوْ مَا يَقُومُ مُقَامَهُ مِنْ شَاهِدِ
الْحَال، فَلَمَّا كَانَتْ لاَ تَظْهَرُ إِلاَّ بِالْقَوْل سُمِّيَتْ
قَوْلاً (1) .
وَالْقَوْل اصْطِلاَحًا لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
وَالصَّحَابِيُّ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الصُّحْبَةِ وَهِيَ
الرُّؤْيَةُ وَالْمُجَالَسَةُ وَالْمُعَاشَرَةُ (2) .
وَالصَّحَابِيُّ اصْطِلاَحًا: مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإِْسْلاَمِ (3) .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ قَوْل الصَّحَابِيِّ: هُوَ مَا نُقِل
عَمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ
لَمْ
__________
(1) لسان العرب.
(2) المصباح المنير ولسان العرب.
(3) الإصابة 1 / 7، فتح الباري 7 / 4، علوم الحديث لابن الصلاح 263.
(34/81)
يَرْفَعْهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
حُكْمُ الرَّفْعِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقَوْل الصَّحَابِيِّ:
2 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الأُْصُولِيِّينَ فِي أَنَّ قَوْل الصَّحَابِيِّ
فِي مَسَائِل الاِجْتِهَادِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ آخَرَ،
مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ إِمَامًا، أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا،
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ الْمَشْهُورُ فِي حُجِّيَّتِهِ عَلَى التَّابِعِينَ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ (1) :.
الأَْوَّل: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِ مِنَ
الْمُجْتَهِدِينَ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَيُومِئُ
إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ،
وَقَال عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ
الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لأَِنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ
الاِجْتِهَادِ وَاتِّبَاعِ مَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ صَحِيحُ النَّظَرِ،
فَقَال: لَيْسَ فِي اخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ سَعَةٌ، إِنَّمَا هُوَ: خَطَأٌ
أَوْ صَوَابٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَنُقِل عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ
الْقَوْل الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَال أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ:
تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ وَاجِبٌ، يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، وَأَدْرَكْنَا
مَشَايِخَنَا عَلَيْهِ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَيْسَ عَنْ
أَصْحَابِنَا
__________
(1) إرشاد الفحول 226، والبحر المحيط 6 / 53.
(34/82)
الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبٌ ثَابِتٌ،
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِذَا اجْتَمَعَتِ الصَّحَابَةُ
سَلَّمْنَا لَهُمْ، وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ -؛
لأَِنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ - فَلاَ يَثْبُتُ لَهُمْ بِدُونِ إِجْمَاعٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ الْقِيَاسُ،
فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ عَلَى قِيَاسٍ لَيْسَ مَعَهُ قَوْل صَحَابِيٍّ،
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْل الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي
الرِّسَالَةِ. وَقَال: وَأَقْوَال أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ
السَّلَامُ إِذَا تَفَرَّقُوا نَصِيرُ مِنْهَا إِلَى مَا وَافَقَ
الْكِتَابَ، أَوِ السُّنَّةَ أَوِ الإِْجْمَاعَ، أَوْ كَانَ أَصَحَّ فِي
الْقِيَاسِ.
وَإِذَا قَال وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْقَوْل لاَ يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ
مِنْهُمْ لَهُ مُوَافَقَةً وَلاَ خِلاَفًا صِرْتُ إِلَى اتِّبَاعِ قَوْل
وَاحِدِهِمْ. إِذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا، وَلاَ سُنَّةً وَلاَ إِجْمَاعًا
وَلاَ شَيْئًا يُحْكَمُ بِحُكْمِهِ أَوْ وُجِدَ مَعَهُ قِيَاسٌ (1) .
الرَّابِعُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ؛ لأَِنَّهُ لاَ
مَحْمَل لِمُخَالَفَتِهِ إِلاَّ بِالتَّوْقِيفِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مَا
قَالَهُ إِلاَّ تَوْقِيفًا، وَقَال ابْنُ بُرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ:
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ، قَال: وَمَسَائِل أَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ تَدُل عَلَيْهِ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) الرسالة ص596 ف 1805 في حواره مع صاحبه، وإرشاد الفحول ص226، والبحر
المحيط 6 / 53 وما بعدها.
(2) البحر المحيط 6 / 59.
(34/82)
قُوَّةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقُوَّةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّاقَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ طَاقَاتِ
الْحَبْل، أَوِ الْوَتَرِ أَوِ الْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ، فَفِي
الْحَدِيثِ: لَيُنْقَضَنَّ الإِْسْلاَمُ عُرْوَةً عُرْوَةً كَمَا يُنْقَضُ
الْحَبْل قُوَّةً قُوَّةً (1) ، ثُمَّ اشْتُهِرَ فِيمَا يُقَابِل
الضَّعْفَ، يُقَال: قَوِيَ الرَّجُل وَالضَّعِيفُ يَقْوَى قُوَّةً،
وَالْقُوَى جَمْعُ قُوَّةٍ، مِثْل غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي
الْجِسْمِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو
مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} (2) ، كَمَا يَكُونُ فِي الأُْمُورِ النَّفْسِيَّةِ
الْمَعْنَوِيَّةِ: كَالْعَقْل وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
لِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} (3)
أَيْ خُذِ الأَْلْوَاحَ بِقُوَّةٍ فِي دِينِكَ وَحُجَّتِكَ، وَقَوْلُهُ:
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (4) أَيْ بِجِدٍّ (5) .
__________
(1) حديث: " لينقضن الإسلام عروة. . . الخ ". أخرجه أحمد (المسند 4 / 232.
ط. دار الفكر) .
(2) سورة النجم / 5 - 6.
(3) سورة الأعراف / 145.
(4) سورة مريم / 12.
(5) لسان العرب، وتفسير المأثور للسيوطي في تفسير الآية.
(34/83)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى
الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِطَاعَةُ:
2 - قَال الْجَوْهَرِيُّ: الاِسْتِطَاعَةُ: الطَّاقَةُ، وَقَال ابْنُ
بَرِّيٍّ: هُوَ كَمَا ذَكَرَ، بَيْدَ أَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ لِلإِْنْسَانِ
خَاصَّةً، وَالإِْطَاقَةَ عَامَّةً، يُقَال: جَمَلٌ مُطِيقٌ لِحِمْلِهِ،
وَلاَ يُقَال: جَمَلٌ مُسْتَطِيعٌ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَبَيْنَ الاِسْتِطَاعَةِ أَنَّهَا أَخَصُّ
مِنَ الْقُوَّةِ.
ب - الْقُدْرَةُ:
3 - الْقُدْرَةُ لُغَةً: الْقُوَّةُ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّمَكُّنُ
مِنْهُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَدْنَى قُوَّةٍ يَتَمَكَّنُ بِهَا
الْمَأْمُورُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ بَدَنِيًّا كَانَ أَمْ مَالِيًّا
(2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ أَنَّهَا دَرَجَةٌ مِنْ
دَرَجَاتِ الْقُوَّةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُوَّةِ:
فَضْل الْقُوَّةِ:
4 - الْقُوَّةُ مِنَ الْخِصَال الْفِطْرِيَّةِ يُودِعُهَا اللَّهُ مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُفَاضِل فِيهَا بَيْنَ النَّاسِ كَمَا يُفَاضِل
بَيْنَهُمْ فِي الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَطَائِهِ،
__________
(1) لسان العرب، في مادتي (طاق) و (طاع) .
(2) التعريفات للجرجاني.
(34/83)
وَهِيَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَفَضْلٌ
كَبِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا وَأَحْسَنَ اسْتِعْمَالَهَا
شُكْرًا لِلَّهِ عَلَيْهَا لأَِنَّهَا الأَْدَاةُ اللاَّزِمَةُ لِجَلْبِ
الْخَيْرِ لِلأُْمَّةِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهَا، وَإِزَالَةِ
الْمُنْكَرِ، وَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي
لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ وَلِجَمَاعَةِ
الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا أَقْوِيَاءَ كَذَلِكَ.
جَاءَ فِي الأَْثَرِ الصَّحِيحِ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ
إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ (1) .
الأَْخْذُ بِأَسْبَابِ الْقُوَّةِ:
5 - الأَْخْذُ بِأَسْبَابِ الْقُوَّةِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
عَلَى اخْتِلاَفِ صُنُوفِهَا وَأَلْوَانِهَا، وَأَسْبَابِهَا، مَادِّيَّةً
كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً، قَال تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2) وَالْخِطَابُ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛
لأَِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ وَظِيفَةُ كَافَّتِهِمْ، وَتَشْمَل كُل مَا
يُطِيقُونَهُ مِمَّا يُفِيدُ فِي الْحَرْبِ مِنَ الْوَسَائِل مَادِّيًّا
كَانَ كَالسِّلاَحِ وَالإِْنْفَاقِ وَتَدْرِيبِ الْمُجَاهِدِينَ فِي
فُنُونِ الْحَرْبِ، وَإِتْقَانِ اسْتِعْمَال أَنْوَاعِ السِّلاَحِ
الْمُخْتَلِفَةِ، لِقَوْلِهِ: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} أَوْ مَعْنَوِيًّا،
كَالتَّصَافِي، وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ وَالثِّقَةِ
__________
(1) حديث: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله. . . ". أخرجه مسلم (4 / 2025)
من حديث أبي هريرة.
(2) سورة الأنفال / 60.
(34/84)
بِاللَّهِ وَعَدَمِ خَوْضِ الْحَرْبِ
بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ، وَالاِخْتِيَارِ لإِِمَارَةِ الْجَيْشِ مَنْ
كَانَ ثِقَةً فِي دِينِهِ، وَالتَّوْصِيَةِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَخْذِ
الْبَيْعَةِ عَلَيْهِمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْجِهَادِ وَعَدَمِ
الْفِرَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْقُوَّةِ
الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ.
فَأَخْذُ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ بِقِسْمَيْهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
بِالأَْمْرِ الْقُرْآنِيِّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ} وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مَارَسُوا كُل عَمَلٍ مَشْرُوعٍ مُتَاحٍ لَهُمْ
فِي بِيئَتِهِمْ يَدُل عَلَى عُلُوِّ الْهِمَّةِ وَكَمَال الرُّجُولَةِ،
وَيُؤَدِّي إِلَى قُوَّةِ الْجِسْمِ وَدَفْعِ الْكَسَل وَالْمَيْل إِلَى
الدَّعَةِ (1) .
وَالتَّفْصِيل: فِي مُصْطَلَحِ (عُدَّةٌ ف 2 - 3) .
اشْتِرَاطُ الْقُوَّةِ فِيمَنْ يَتَقَلَّدُ إِمَارَةً أَوْ يُوَكَّل
إِلَيْهِ أَمْرُ قَاصِرٍ وَنَحْوِهِ:
6 - يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُقَلَّدُ إِمَارَةً أَوْ يُوَكَّل إِلَيْهِ
أُمُورُ الْقُصَّرِ، كَالأَْيْتَامِ، وَالْمَجَانِينِ وَأَمْوَال
الْوَقْفِ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَلاَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ
مَنْ لاَ يَقْوَى عَلَى النُّهُوضِ بِهَا، كَمَا لاَ يَجُوزُ لِمَنْ لاَ
يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا قَبُولُهَا (2)
، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول
اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَال:
__________
(1) تفسير الخازن والفتوحات الإلهية من تفسير البغوي في تفسير آية 60 من
سورة الأنفال، وآية: 46 من سورة التوبة، وآية: 195 من سورة البقرة، نهاية
المحتاج 7 / 60 وما بعده
(2) السياسة الشرعية ص15 وما بعدها. ط - دار الكتب العربية.
(34/84)
فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ
قَال: يَا أَبَا ذَرٍّ: إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا
بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا (1) .
__________
(1) حديث أبي ذر قال: " قلت يا رسول الله، ألا تستعملني. . . ". أخرجه مسلم
(3 / 1457) .
(34/85)
قَيْءٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَيْءُ لُغَةً: مَصْدَرُ قَاءَ، يُقَال قَاءَ الرَّجُل مَا أَكَلَهُ
قَيْئًا مِنْ بَابِ بَاعَ، ثُمَّ أُطْلِقَ الْمَصْدَرُ عَلَى الطَّعَامِ
الْمَقْذُوفِ، وَاسْتِقَاءَ اسْتِقَاءَةً، وَتَقَيَّأَ: تَكَلَّفَ
الْقَيْءَ، وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ فَيُقَال: قَيَّأَهُ غَيْرُهُ (1)
.
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الْخَارِجُ مِنَ الطَّعَامِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي
الْمَعِدَةِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقَلْسُ:
2 - الْقَلْسُ لُغَةً: الْقَذْفُ وَبَابُهُ ضَرَبَ، وَقَال الْخَلِيل:
الْقَلْسُ: مَا خَرَجَ مِنَ الْحَلْقِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ
وَلَيْسَ بِقَيْءٍ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ الْقَيْءُ (3) . وَلاَ يَخْرُجُ
الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى
__________
(1) المصباح المنير، ومختار الصحاح.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 5. ط. عيسى الحلبي، الإقناع للخطيب
1 / 52.
(3) مختار الصحاح.
(34/85)
اللُّغَوِيِّ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْقَلْسَ دُونَ الْقَيْءِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَيْءِ:
لِلْقَيْءِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
طَهَارَةُ الْقَيْءِ وَنَجَاسَتُهُ:
3 - اخْتَلَفَتِ الآْرَاءُ فِي طَهَارَةِ الْقَيْءِ وَنَجَاسَتِهِ.
فَيَقُول الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِنَجَاسَتِهِ
وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ تَفْصِيلُهُ، وَبِذَلِكَ يَقُول الْمَالِكِيَّةُ فِي
الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَال الطَّعَامِ وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ
أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ نَجَاسَتَهُ مُغَلَّظَةٌ؛ لأَِنَّ كُل مَا
يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِْنْسَانِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّطْهِيرِ
فَنَجَاسَتُهُ غَلِيظَةٌ وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ (2) ،
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا
عَمَّارُ إِنَّمَا يُغْسَل الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنَ الْغَائِطِ،
وَالْبَوْل، وَالْقَيْءِ، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ (3) ، وَهَذَا إِذَا
كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، أَمَّا مَا دُونَهُ فَطَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ
الْمُخْتَارُ مِنْ قَوْل أَبِي يُوسُفَ (4) ، وَفِي
__________
(1) العناية بهامش فتح القدير 1 / 29، ومطالب أولي النهى 1 / 141، وحاشية
الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 51.
(2) الاختيار شرح المختار 1 / 31. ط. مصطفى الحلبي 1936، ومراقي الفلاح شرح
نور الإيضاح ص 83، وفتح القدير 1 / 141. ط. المطبعة الأميرية 1315هـ.
(3) حديث: " يا عمار، إنما يغسل الثوب من خمس. . . ". أخرجه الدارقطني (1 /
127) من حديث عمار بن ياسر، وذكر أن في إسناده رجلين ضعيفين.
(4) فتح القدير 1 / 141.
(34/86)
فَتَاوَى نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ:
صَبِيٌّ ارْتَضَعَ ثُمَّ قَاءَ فَأَصَابَ ثِيَابَ الأُْمِّ: إِنْ كَانَ
مِلْءَ الْفَمِ فَنَجِسٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ
الصَّلاَةَ فِي هَذَا الثَّوْبِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:
أَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ
كُل وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ (1) .
وَالثَّدْيُ إِذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ، ثُمَّ رَضِعَهُ حَتَّى زَال
أَثَرُ الْقَيْءِ، طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّتْ صَحَّتْ صَلاَتُهَا (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَيْثُ
وَصَل إِلَى الْمَعِدَةِ، وَلَوْ مَاءً وَعَادَ حَالاً بِلاَ تَغَيُّرٍ؛
لأَِنَّ شَأْنَ الْمَعِدَةِ الإِْحَالَةُ، فَهُوَ طَعَامٌ اسْتَحَال فِي
الْجَوْفِ إِلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ، فَكَانَ نَجِسًا كَالْغَائِطِ،
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ (3) ، وَقَالُوا: إِنَّهُ
لَوِ ابْتُلِيَ شَخْصٌ بِالْقَيْءِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ
وَالْبَدَنِ وَإِنْ كَثُرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ.
وَالْمُرَادُ بِالاِبْتِلاَءِ بِذَلِكَ: أَنْ يَكْثُرَ وُجُودُهُ بِحَيْثُ
يَقِل خُلُوُّهُ مِنْهُ (4) ، وَاسْتَثْنَوْا مِنَ الْقَيْءِ عَسَل
النَّحْل فَقَالُوا: إِنَّهُ طَاهِرٌ لاَ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ (5) .
__________
(1) فتح القدير 1 / 141، وابن عابدين 1 / 205.
(2) ابن عابدين 1 / 205.
(3) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1 / 53 - 54، منهاج الطالبين 1 / 70،
الإقناع للشربيني الخطيب 1 / 31، وحاشية الجمل 1 / 174، أسنى المطالب 1 /
9، المجموع 2 / 54.
(4) حاشية الجمل 1 / 174.
(5) حاشية الجمل 1 / 174.
(34/86)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ نَجِسٌ؛
لأَِنَّهُ طَعَامٌ اسْتَحَال فِي الْجَوْفِ إِلَى الْفَسَادِ أَشْبَهَ
الْغَائِطَ (1) .
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عِنْدَهُمْ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ
الْقَيْءِ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ
الدَّمِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الإِْنْسَانِ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ
السَّبِيل فَأَشْبَهَ الدَّمَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الأَْصْل أَنْ لاَ يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنَ
النَّجَاسَةِ خُولِفَ فِي الدَّمِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَيَبْقَى فِيمَا
عَدَاهُ عَلَى الأَْصْل (2) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ النَّجِسَ مِنَ الْقَيْءِ هُوَ
الْمُتَغَيِّرُ عَنْ حَال الطَّعَامِ وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ
أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ، وَيَجِبُ غَسْلُهُ عَنِ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ
وَالْمَكَانِ، فَإِنْ كَانَ تَغَيُّرُهُ بِصَفْرَاءَ أَوْ بَلْغَمٍ وَلَمْ
يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ فَطَاهِرٌ (3) .
فَإِذَا تَغَيَّرَ بِحُمُوضَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ لَمْ
يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ
وَاخْتَارَهُ سَنَدٌ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ
الْحَاجِبِ خِلاَفًا لِلتُّونِسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ حَيْثُ
قَالُوا: لاَ يَنْجُسُ الْقَيْءُ إِلاَّ إِذَا شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ
الْعَذِرَةَ (4) .
__________
(1) منار السبيل في شرح الدليل 1 / 53. المكتب الإسلامي.
(2) المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير 1 / 727، 728.
(3) الشرح الكبير 1 / 51، وجواهر الإكليل 1 / 9، وأسهل المدارك شرح إرشاد
السالك للكشناوي 1 / 63ط. دار الفكر.
(4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 51.
(34/87)
أَثَرُ الْقَيْءِ فِي الْوُضُوءِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَيْءِ: فَذَهَبَ
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُهُ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَيْءَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَتَى كَانَ
مِلْءَ الْفَمِ، سَوَاءٌ كَانَ قَيْءَ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ وَإِنْ لَمْ
يَتَغَيَّرْ.
وَحَدُّ مَلْئِهِ: أَنْ لاَ يَنْطَبِقَ عَلَيْهِ الْفَمُ إِلاَّ
بِتَكَلُّفٍ (أَيْ مَشَقَّةٍ) عَلَى الأَْصَحِّ مِنَ التَّفَاسِيرِ فِيهِ،
وَقِيل حَدُّ مَلْئِهِ: أَنْ يَمْنَعَ الْكَلاَمَ، وَذَلِكَ لِتَنَجُّسِهِ
بِمَا فِي قَعْرِ الْمَعِدَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ
بِالْجَنَّةِ (2) ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " قَاءَ فَتَوَضَّأَ " (3) ؛ وَلأَِنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ
مُؤَثِّرٌ فِي زَوَال الطَّهَارَةِ.
فَإِذَا لَمْ يَمْلأَِ الْفَمَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ
أَعْلَى الْمَعِدَةِ، وَكَذَا لاَ يَنْقُضُهُ قَيْءُ بَلْغَمٍ وَلَوْ
__________
(1) جواهر الإكليل 1 / 21، الشرح الكبير 1 / 123، وأسهل المدارك شرح إرشاد
السالك 1 / 96، والإقناع للخطيب الشربيني 1 / 78، والمهذب في فقه الإمام
الشافعي 1 / 31، ومنهاج الطالبين 1 / 31. ط. عيسى الحلبي.
(2) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح 49، والاختيار شرح
المختار 1 / 9، وفتح القدير 1 / 28، 29، وابن عابدين 1 / 93. دار إحياء
التراث العربي.
(3) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ". أخرجه الترمذي (1 /
143) ، وقال النووي في المجموع (2 / 55) : ضعيف، مضطرب قاله البيهقي وغيره
من الحفاظ.
(34/87)
كَانَ كَثِيرًا لِعَدَمِ تَخَلُّل
النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ طَاهِرٌ (1) .
وَإِنْ قَاءَ قَلِيلاً قَلِيلاً مُتَفَرِّقًا وَلَوْ جُمِعَ تَقْدِيرًا
كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ؛
لأَِنَّهُ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ اتِّحَادَ
السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ؛ لأَِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى اتِّحَادِهِ،
وَهُوَ الأَْصَحُّ، وَعَلَى هَذَا يَنْقُضُ الْقَيْءُ الْمُتَفَرِّقُ
الْوُضُوءَ إِنْ كَانَ قَدْرَ مِلْءِ الْفَمِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ كَثِيرُهُ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛
لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (2) حَدَثًا
بِمَا دَل عَلَيْهِ مِنَ الدَّلِيل وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْقَلِيل
وَالْكَثِيرُ كَالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، وَلِقَوْلِهِ: الْقَلْسُ
حَدَثٌ (3) .
وَلَوْ قَاءَ دَمًا وَهُوَ عَلَقٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ؛
لأَِنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَكَذَلِكَ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَعِنْدَهُمَا: إِنْ
سَال بِقُوَّةِ نَفْسِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً؛
لأَِنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَحَل الدَّمِ،
__________
(1) مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح 48، الاختيار شرح المختار 1 / 9، فتح
القدير 1 / 30، 31.
(2) الاختيار شرح المختار 1 / 9، 10، مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح 48، 49.
(3) حديث: " القلس حدث ". أخرجه الدارقطني (1 / 155) من حديث علي بن أبي
طالب، وذكر أن في إسناده راويًا متروكًا.
(34/88)
فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ (1)
.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِنْ فَحُشَ فِي
نَفْسِ كُل أَحَدٍ بِحَسْبِهِ؛ لأَِنَّ اعْتِبَارَ حَال الإِْنْسَانِ بِمَا
يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ حَرَجٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا لِمَا رَوَاهُ
مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ
فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَال:
صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ (2) ، وَلاَ يَنْقُضُ الْيَسِيرُ
لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدَّمِ: إِذَا كَانَ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ
الإِْعَادَةُ (3) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٌ) .
أَثَرُ الْقَيْءِ فِي الصَّلاَةِ:
5 - الطَّهَارَةُ فِي الصَّلاَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا وَمَا
يُبْطِل الطَّهَارَةَ يُبْطِل الصَّلاَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُقْبَل صَلاَةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ (4) فَتَفْسُدُ
الصَّلاَةُ إِنْ فَقَدَتْ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا كَالطَّهَارَةِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي
__________
(1) فتح القدير 1 / 31.
(2) حديث: " أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ. . . ".
تقدم آنفًا.
(3) منار السبيل شرح الدليل 1 / 33، نيل المآرب بشرح دليل الطالب 1 / 69،
والمغني لابن قدامة 1 / 184، ومطالب أولي النهى 1 / 41.
(4) حديث: " لا تقبل صلاة بغير طهور ". أخرجه مسلم (1 / 204) من حديث ابن
عمر.
(34/88)
الصَّلاَةِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ
وَلْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ
فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي
ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ (1) ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ
عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ شَيْءٌ (2) ، فَإِنْ
كَانَ مُنْفَرِدًا إِنْ شَاءَ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ وَإِنْ شَاءَ
أَتَمَّهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَالْمُقْتَدِي وَالإِْمَامُ يَعُودَانِ إِلاَّ
أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ الْجَدِيدُ قَدْ أَتَمَّ الصَّلاَةَ
فَيَتَخَيَّرَانِ، وَالاِسْتِئْنَافُ أَفْضَل لِخُرُوجِهِ عَنِ الْخِلاَفِ،
وَلِئَلاَّ يَفْصِل بَيْنَ أَفْعَال الصَّلاَةِ بِأَفْعَالٍ لَيْسَتْ
مِنْهَا، وَقِيل: إِنْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا فَالْبِنَاءُ
أَوْلَى إِحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ إِمَامًا
اسْتَخْلَفَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا
إِمَامٍ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَنْظُرْ
رَجُلاً لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ فَلْيُقَدِّمْهُ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ
(3) ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ إِذَا فَعَل مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ
كَالْمَشْيِ وَالاِغْتِرَافِ حَتَّى لَوِ اسْتَقَى أَوْ غَرَزَ دَلْوَهُ
أَوْ وَصَل إِلَى نَهْرٍ فَجَاوَزَهُ إِلَى غَيْرِهِ
__________
(1) حديث: " من أصابه قيء أو رعاف ". أخرجه ابن ماجه (1 / 385 - 386) وضعف
إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 223) .
(2) حديث: " إذا صلّى أحدكم فقاء أو رعف. . . ". أورده الزيلعي في نصب
الراية (2 / 62) وقال: غريب.
(3) حديث: " أيما إمام سبقه الحدث. . . ". لم نهتد إلى من أخرجه من أي مصدر
من المصادر الحديثية الموجودة لدينا.
(34/89)
فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ سَبَقَهُ
الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْقَ
عَلَيْهِ سِوَى السَّلاَمِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ تَمَّتْ صَلاَتُهُ؛
لأَِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ، وَقَدْ
تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ لِمَكَانِ التَّعَمُّدِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ طَاهِرٌ يَسِيرٌ
لَمْ يَزْدَرِدْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ، فَإِنْ كَانَ
نَجِسًا أَوْ كَثِيرًا أَوِ ازْدَرَدَ شَيْئًا مِنْهُ عَمْدًا بَطَلَتْ
صَلاَتُهُ، وَإِنِ ازْدَرَدَ شَيْئًا مِنْهُ نِسْيَانًا لَمْ تَبْطُل
وَيَسْجُدُ لِلنِّسْيَانِ بَعْدَ السَّلاَمِ، وَإِنْ غَلَبَهُ فَفِيهِ
قَوْلاَنِ، وَالْقَلْسُ كَالْقَيْءِ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَفِيهِ
قَوْلاَنِ: فِي الْجَدِيدِ تَبْطُل صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّهُ حَدَثٌ يُبْطِل
الطَّهَارَةَ فَأَبْطَل الصَّلاَةَ كَحَدَثِ الْعَمْدِ، وَقَال فِي
الْقَدِيمِ: لاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ بَل يَنْصَرِفُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي
عَلَى صَلاَتِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ أَصَابَهُ
قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ
فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ صَلاَتَهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ
يَتَكَلَّمُ؛ وَلأَِنَّهُ حَدَثٌ حَصَل بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ
سَلَسَ الْبَوْل (3) ،
__________
(1) الاختيار شرح المختار 1 / 63، وفتح القدير 1 / 267 - 270.
(2) جواهر الإكليل 1 / 64، 65، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 208.
(3) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1 / 66، 93، 94.
(34/89)
قَال فِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ رَعَفَ
الْمُصَلِّي أَوْ قَاءَ أَوْ غَلَبَتْهُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى جَازَ لَهُ
عَلَى الْقَدِيمِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَغْسِل نَجَاسَتَهُ وَيَبْنِيَ عَلَى
صَلاَتِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْحَدَثِ نَصَّ عَلَيْهِ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ الْقَيْءُ فَاحِشًا بَطَلَتْ
صَلاَتُهُ وَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ، وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ عِنْدَ
أَحْمَدَ فِي يَسِيرِهِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ قَال: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ
الدَّمِ وَذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الإِْنْسَانِ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ
السَّبِيل فَأَشْبَهَ الدَّمَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الأَْصْل أَنْ لاَ يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنَ
النَّجَاسَةِ (2) .
أَثَرُ الْقَيْءِ فِي الصَّوْمِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا ذَرَعَهُ
الْقَيْءُ (أَيْ غَلَبَهُ) فَلاَ يَبْطُل صَوْمُهُ لِقَوْل النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ
عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ (3) .
وَلَوْ عَادَ الْقَيْءُ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ صُنْعِ الصَّائِمِ فَعِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ
__________
(1) المجموع 4 / 5. ط. المطيعي.
(2) المغني مع الشرح الكبير 1 / 727، 728.
(3) حديث: " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ". أخرجه الترمذي (3 / 89) وقال:
حديث حسن غريب.
(34/90)
مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ،
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَفْسُدُ
صَوْمُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَوْمٌ 80 - 81) .
(34/90)
|