الموسوعة
الفقهية الكويتية مُفْلِسٌ
انْظُرْ: إِفْلاَسٌ
__________
(1) المبسوط 11 / 42.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 597، وحاشية الطحطاوي على الدر 2 / 510.
(3) الشرح الكبير 2 / 482، وحاشية الشرقاوي 2 / 328.
(4) الفروع 5 / 37 - 38، وكشاف القناع 4 / 516، 5 / 38، ومطالب أولي النهى
4 / 631.
(38/280)
مَفْهُومٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَفْهُومُ: هُوَ مَا دَل عَلَيْهِ اللَّفْظُ لاَ فِي مَحِل
النُّطْقِ، أَيْ يَكُونُ حُكْمًا لِغَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَحَالاً مِنْ
أَحْوَالِهِ، كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الْمَفْهُومَةِ حُرْمَتُهُ
مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ} (1) الدَّال
مَنْطُوقًا عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَنْطُوقُ:
2 - الْمَنْطُوقُ: هُوَ مَا دَل عَلَيْهِ اللَّفْظُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ
الْمَذْكُورِ مُطَابَقَةً، أَوْ تَضَمُّنًا، أَوِ الْتِزَامًا، أَيْ
يَكُونُ حُكْمًا لِلْمَذْكُورِ وَحَالاً مِنْ أَحْوَالِهِ. (3)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقِ: أَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ
أَقْسَامِ الدَّلاَلَةِ، وَقِيل: مِنْ أَقْسَامِ
__________
(1) سورة الإسراء / 23.
(2) جمع الجوامع 1 / 240، وفواتح الرحموت 1 / 413، 414، وإرشاد الفحول ص
178. ط الحلبي، وابن عابدين 1 / 75، وقواعد الفقه للبركتي، والحطاب 1 / 37،
وروضة الناظر 2 / 200.
(3) فواتح الرحموت 1 / 413، وإرشاد الفحول / 178 ط. الحلبي.
(38/281)
الْمَدْلُول (1) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمَفْهُومِ بِاخْتِلاَفِ قِسْمَيْهِ: مَفْهُومُ
الْمُوَافَقَةِ، وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ
التَّالِي:
أ - مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ
4 - مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ: أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ
مُوَافِقًا لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْحُكْمِ، كَدَلاَلَةِ النَّهْيِ عَنِ
التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَهَذَا يُسَمَّى عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ بِدَلاَلَةِ النَّصِّ.
وَهُوَ حُجَّةٌ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ، وَقَال
الشَّوْكَانِيُّ نَقْلاً عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيِّ:
الْقَوْل بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ. (2)
ثُمَّ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ إِنْ كَانَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنَ
الْمَنْطُوقِ بِهِ يُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ، كَالْمِثَال السَّابِقِ،
لأَِنَّ الضَّرْبَ أَشَدُّ مِنَ التَّأْفِيفِ فِي الإِْيذَاءِ.
وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ يُسَمَّى لَحْنَ الْخِطَابِ، كَتَحْرِيمِ
إِحْرَاقِ مَال الْيَتِيمِ الْمَفْهُومَةِ حُرْمَتُهُ
__________
(1) فواتح الرحموت 1 / 413.
(2) ابن عابدين 1 / 75، وجمع الجوامع 1 / 240، وفواتح الرحموت 1 / 413،
414، وإرشاد الفحول 178 ط. مصطفى البابي الحلبي، والحطاب 1 / 37، وروضة
الناظر 2 / 202.
(38/281)
مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (1) لأَِنَّ تَحْرِيمَ
الإِْحْرَاقِ مُسَاوٍ لِتَحْرِيمِ الأَْكْل الْمَذْكُورِ فِي الآْيَةِ فِي
الإِْتْلاَفِ (2) .
ب - مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ
5 - مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ: هُوَ ثُبُوتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ،
نَفْيًا كَانَ أَوْ إِثْبَاتًا، لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَيُسَمَّى دَلِيل
الْخِطَابِ أَيْضًا، لأَِنَّ دَلِيلَهُ مِنْ جِنْسِ الْخِطَابِ، أَوْ
لأَِنَّ الْخِطَابَ دَالٌّ عَلَيْهِ. (3)
وَالْمَفَاهِيمُ الْمُخَالِفَةُ بِأَقْسَامِهَا حُجَّةٌ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ إِلاَّ مَفْهُومُ اللَّقَبِ، قَال الْجَلاَل الْمَحَلِّيُّ
وَابْنُ عَبْدِ الشَّكُورِ: احْتَجَّ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ الدَّقَّاقُ
وَالصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ خُوَيْزِمِنْدَادَ مِنَ
الْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، عَلَمًا كَانَ أَوِ اسْمَ
جِنْسٍ، نَحْوُ عَلَى زَيْدٍ حَجٌّ أَيْ: لاَ عَلَى عَمْرٍو، وَفِي
النَّعَمِ زَكَاةٌ أَيْ: لاَ فِي غَيْرِهَا. (4)
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ - كَمَا ذَكَرَ ابْنُ
عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ التَّحْرِيرِ - يَنْفُونَ مَفْهُومَ
__________
(1) سورة النساء / 10.
(2) فواتح الرحموت 1 / 414، وجمع الجوامع 1 / 241 وما بعدها، وإرشاد الفحول
178 ط. الحلبي، والحطاب 1 / 37.
(3) المراجع السابقة.
(4) جمع الجوامع 1 / 254، وفواتح الرحموت 1 / 432، وروضة الناظر 2 / 202،
وإرشاد الفحول / 179، والحطاب 1 / 37.
(38/282)
الْمُخَالَفَةِ بِأَقْسَامِهِ فِي كَلاَمِ
الشَّارِعِ فَقَطْ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أَفَادَ أَنَّ مَفْهُومَ
الْمُخَالَفَةِ فِي الرِّوَايَاتِ وَنَحْوِهَا مُعْتَبَرٌ بِأَقْسَامِهِ
حَتَّى مَفْهُومِ اللَّقَبِ. (1)
وَفِي أَنْوَاعِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَشُرُوطِ الْعَمَل بِهِ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 75، وجمع الجوامع 1 / 255، وإرشاد الفحول 179،
وفواتح الرحموت 1 / 432.
(38/282)
مُفَوِّضَةٌ
التَّعْرِيفُ
1 - الْمُفَوِّضَةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ التَّفْوِيضِ،
وَالتَّفْوِيضُ جَعْل الأَْمْرِ إِلَى غَيْرِهِ، يُقَال: فَوَّضَ الأَْمْرَ
إِلَيْهِ أَيْ جَعَل لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي نُكِحَتْ بِلاَ ذِكْرِ
مَهْرٍ، أَوْ عَلَى أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا، وَسُمِّيَتْ مُفَوِّضَةً
بِكَسْرِ الْوَاوِ، لِتَفْوِيضِهَا أَمْرَهَا إِلَى الزَّوْجِ أَوْ إِلَى
الْوَلِيِّ بِلاَ مَهْرٍ، أَوْ لأَِنَّهَا أَهْمَلَتِ الْمَهْرَ،
وَتُسَمَّى مُفَوَّضَةً بِفَتْحِ الْوَاوِ، إِذَا فَوَّضَ وَلِيُّهَا
أَمْرَهَا إِلَى الزَّوْجِ بِلاَ مَهْرٍ، قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. (2)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الشِّغَارُ:
2 - الشِّغَارُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ شُغُورًا إِذَا خَلاَ
عَنْ حَافِظٍ يَمْنَعُهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يُزَوِّجَ كُل وَاحِدٍ
__________
(1) المعجم الوسيط، والمفردات للأصفهاني.
(2) التعريفات للجرجاني، وحاشية ابن
عابدين 2 / 335، والحاوي الكبير 12 / 97، ومغني المحتاج 3 / 228 - 229،
وروضة الطالبين 7 / 278 - 279، وكشاف القناع 5 / 156، وانظر تفسير القرطبي
3 / 197.
(38/283)
صَاحِبَهُ بِنْتَهُ عَلَى أَنَّ بُضْعَ كُل
وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الأُْخْرَى، وَلاَ مَهْرَ سِوَى ذَلِكَ فَيَقْبَل
ذَلِكَ.
وَالْعِلاَقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْعَل عَقْدَ
النِّكَاحِ بِلاَ مَهْرٍ. (1)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُفَوِّضَةِ:
حُكْمُ نِكَاحِ الْمُفَوِّضَةِ
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ
عَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ عَقْدَ الزَّوْجِ يَصِحُّ بِلاَ مَهْرٍ،
فَإِذَا زَوَّجَهَا وَسَكَتَ عَنْ تَعْيِينِ الصَّدَاقِ حِينَ الْعَقْدِ،
أَوْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا أَوْ لِزَوْجِهَا أَوْ لأَِجْنَبِيٍّ:
زَوِّجْنِي عَلَى مَا شِئْتَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. (2)
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً} (3) الآْيَةَ، وَلِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ
يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُل بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَال رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: لَهَا مِثْل صَدَاقِ نِسَائِهَا لاَ
__________
(1) المصباح المنير، والمطلع على أبواب المقنع ص 323، ومغني المحتاج 3 /
142، والقوانين الفقهية ص 207.
(2) بدائع الصنائع 2 / 274، والقوانين الفقهية ص 207، ومغني المحتاج 3 /
228 - 229، وكشاف القناع 5 / 156، والمغني لابن قدامة 6 / 712 - 713.
(3) سورة البقرة / 236.
(38/283)
وَكْسَ، (1) وَلاَ شَطَطَ، (2) وَعَلَيْهَا
الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ (3) ، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ
الاِسْتِمْتَاعُ وَالْوَصْلَةُ دُونَ الصَّدَاقِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ
ذِكْرِهِ كَالنَّفَقَةِ. (4)
أَقْسَامُ الْمُفَوِّضَةِ
قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ التَّفْوِيضَ إِلَى ضَرْبَيْنِ:
الضَّرْبُ الأَْوَّل: تَفْوِيضُ الْبُضْعِ:
4 - التَّفْوِيضُ يَنْصَرِفُ إِلَى تَفْوِيضِ الْبُضْعِ عِنْدَ
الإِْطْلاَقِ، وَهُوَ إِخْلاَءُ النِّكَاحِ عَنِ الْمَهْرِ كَأَنْ تَأْذَنَ
الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ بِقَوْلِهَا
لَهُ: زَوِّجْنِي بِلاَ مَهْرٍ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ عَاقِلَةً
بَالِغَةً رَشِيدَةً ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا، فَيُزَوِّجُهَا
الْوَلِيُّ وَيَسْكُتُ عَنِ الْمَهْرِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مِنَ
التَّفْوِيضِ صَحِيحَةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ يَنْفِي الْمَهْرَ
بِقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِغَيْرِ مَهْرٍ أَوْ زَوَّجْتُكَ بِغَيْرِ مَهْرٍ
لاَ فِي الْحَال وَلاَ فِي الْمَآل، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ بِهَذِهِ
الصِّيغَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ،
وَلأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالاِسْتِمْتَاعُ دُونَ
الصَّدَاقِ، وَلأَِنَّ مَعْنَى
__________
(1) الوكس: النقصان والخسارة، (انظر المصباح المنير) .
(2) الشطط: الجور والظلم والزيادة، (انظر المصباح المنير) .
(3) أثر ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقًا. أخرجه
الترمذي (3 / 441) وقال: حديث حسن صحيح.
(4) المغني لابن قدامة 6 / 712.
(38/284)
الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ. (1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى
بُطْلاَنِ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لأَِنَّ الْتِزَامَ
هَذَا الشَّرْطِ يَجْعَلُهَا كَالْمَوْهُوبَةِ الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ وَقَعَ - النِّكَاحُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ -
فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْل الدُّخُول بِنَاءً عَلَى
أَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ صَدَاقِهِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَ الدُّخُول
بِصَدَاقِ الْمِثْل، وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ قَوْلاَنِ.
الأَْوَّل: يُفْسَخُ الْعَقْدُ قَبْل الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْبِنَاءِ
بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ مِنْ جِهَةِ عَقْدِهِ.
الثَّانِي: لاَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ قَبْل الْبِنَاءِ وَلاَ بَعْدَ
الْبِنَاءِ وَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْل.
وَهَل يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِطَلاَقٍ؟ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
الرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ - فِي حَال الْفَسْخِ - بِطَلاَقٍ،
لأَِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَفِي كُل الأَْحْوَال يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ
لِوُجُودِ الْخِلاَفِ. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: وَفِي مَعْنَى إِسْقَاطِ الْمَهْرِ -
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 274، وجواهر الإكليل 1 / 314، والقوانين الفقهية
207، ومغني المحتاج 3 / 228، وكشاف القناع 5 / 156، والحاوي 12 / 97.
(2) الفواكه الدواني 2 / 47، وجواهر الإكليل 1 / 314، والحاوي الكبير
للماوردي 12 / 99.
(38/284)
الْمَذْكُورِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ
- إِرْسَال الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ مَالاً عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لَهَا
صَدَاقًا فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ قَبْل الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَ
الْبِنَاءِ بِصَدَاقِ الْمِثْل، أَمَّا لَوْ سَكَتَا عَنِ الْمَهْرِ عِنْدَ
الْعَقْدِ أَوْ دَخَلاَ عَلَى التَّفْوِيضِ بِاللَّفْظِ أَوْ عَلَى
تَحْكِيمِ الْغَيْرِ فِي بَيَانِ قَدْرِ الْمَهْرِ فَلاَ فَسَادَ. (1)
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمُفَوِّضَةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ
غَيْرَ رَشِيدَةٍ كَأَنْ تَكُونَ سَفِيهَةً مَحْجُورًا عَلَيْهَا فَلاَ
يَصِحُّ تَفْوِيضُهَا.
وَإِذَا زَوَّجَ الأَْبُ ابْنَتَهُ الْمُجْبَرَةَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ صَحَّ
النِّكَاحُ وَبَطَل التَّفْوِيضُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْل بِالْعَقْدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ هُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ
النِّكَاحِ وَالتَّفْوِيضِ. (2)
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا فَوَّضَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ
إِذْنِهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ
بِإِذْنٍ كَسَائِرِ الأَْوْلِيَاءِ مَعَ الثَّيِّبِ وَغَيْرِ الأَْبِ مَعَ
الْبِكْرِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا فِي النِّكَاحِ وَلاَ فِي
التَّفْوِيضِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلاً، فَإِنِ اسْتَأْذَنَهَا فِي
النِّكَاحِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهَا فِي التَّفْوِيضِ صَحَّ النِّكَاحُ
وَبَطَل التَّفْوِيضُ، وَكَانَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْل.
__________
(1) الفواكه الدواني 2 / 47، وجواهر الإكليل 1 / 314.
(2) مغني المحتاج 3 / 229، والحاوي للماوردي 12 / 99، وكشاف القناع 5 /
156.
(38/285)
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ
الْوَلِيُّ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يُنْكِحَ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ كَالأَْبِ
مَعَ بِنْتِهِ الْبِكْرِ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَأَمَّا
صِحَّةُ التَّفْوِيضِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِاخْتِلاَفِ
الْقَوْلَيْنِ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، فَإِنْ قِيل:
إِنَّهُ الزَّوْجُ دُونَ الأَْبِ بَطَل تَفْوِيضُ الأَْبِ، وَإِنْ قِيل:
إِنَّهُ الأَْبُ فَفِي صِحَّةِ تَفْوِيضِهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْل أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ
بَاطِلٌ وَلَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْل.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ قَوْل أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّهُ صَحِيحٌ كَالْعُقُودِ وَلَيْسَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ. (1)
وَقَال النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ زَوَّجَهَا
الْوَلِيُّ وَنَفَى الْمَهْرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْضَى هِيَ بِمَهْرِ
الْمِثْل، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْل، فَإِنْ كَانَ
الْوَلِيُّ مُجْبَرًا فَهَل يَبْطُل النِّكَاحُ؟ أَمْ يَصِحُّ بِمَهْرِ
الْمِثْل؟ قَوْلاَنِ.
وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُجْبَرٍ فَهَل يَبْطُل قَطْعًا أَمْ عَلَى
الْقَوْلَيْنِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ (2) .
وَلَوْ أَنْكَحَهَا وَلِيُّهَا عَلَى أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا وَلاَ نَفَقَةَ
أَوْ عَلَى أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا وَتُعْطِي زَوْجَهَا أَلْفًا فَهَذَا
أَبْلَغُ فِي التَّفْوِيضِ، وَلَوْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا: زَوِّجْنِي بِلاَ
مَهْرٍ فَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْل
__________
(1) الحاوي الكبير للماوردي 12 / 99 - 100.
(2) روضة الطالبين 7 / 280.
(38/285)
مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ صَحَّ الْمُسَمَّى
وَإِنْ زَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْل أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ
لَمْ يَلْزَمِ الْمُسَمَّى وَكَانَ كَمَا لَوْ أَنْكَحَهَا تَفْوِيضًا. (1)
الضَّرْبُ الثَّانِي: تَفْوِيضُ الْمَهْرِ
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ إِذَا
زَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ هِيَ أَوْ عَلَى مَا شَاءَ، الزَّوْجُ، أَوْ
عَلَى مَا شَاءَ الْوَلِيُّ أَوْ عَلَى مَا شَاءَ
أَجْنَبِيٌّ: أَيْ أَنْ يَجْعَل الصَّدَاقَ إِلَى رَأْيِ أَحَدِ
الزَّوْجَيْنِ أَوْ رَأْيِ الْوَلِيِّ، أَوْ رَأْيِ أَجْنَبِيٍّ
بِقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ عَلَى مَا شِئْتَ أَوْ عَلَى مَا شِئْنَا، أَوْ
عَلَى مَا شَاءَ زَيْدٌ، أَوْ زَوَّجْتُكَ عَلَى حُكْمِهَا أَوْ عَلَى
حُكْمِكَ أَوْ عَلَى حُكْمِي، أَوْ عَلَى حُكْمِ زَيْدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ،
فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَيَجِبُ مَهْرُ
الْمِثْل لأَِنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِهَا إِلاَّ عَلَى صَدَاقٍ
لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْل،
وَالتَّفْوِيضُ الصَّحِيحُ كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ: أَنْ تَأْذَنَ
الْمَرْأَةُ الْجَائِزَةُ لِلتَّصَرُّفِ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا
بِغَيْرِ مَهْرٍ، أَوْ بِتَفْوِيضِ قَدْرِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا
كَذَلِكَ - أَيْ بِغَيْرِ مَهْرٍ - فَأَمَّا إِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ
أَبِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ
يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل. (2)
قَال الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ
__________
(1) المرجع السابق.
(2) بدائع الصنائع 2 / 274، وحاشية ابن عابدين 2 / 335، وجواهر الإكليل 1 /
314 - 315، والفواكه الدواني 2 / 32 - 33، والحاوي للماوردي 12 / 97 - 99،
ومغني المحتاج 3 / 228 - 229، والمغني 6 / 713، وكشاف القناع 5 / 156.
(38/286)
قَالَتْ لِوَلِيِّهَا: زَوِّجْنِي
وَسَكَتَتْ عَنِ الْمَهْرِ فَالَّذِي ذَكَرَهُ الإِْمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّ
هَذَا لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ لأَِنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ غَالِبًا بِمَهْرٍ
فَيُحْمَل الإِْذْنُ عَلَى الْعَادَةِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: زَوِّجْنِي
بِمَهْرٍ.
ثُمَّ قَال: وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ
تَفْوِيضًا. (1)
فَإِذَا أَطْلَقَتِ الإِْذْنَ - أَيْ سَكَتَتْ عَنِ الْمَهْرِ -
وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا فِي الْعَقْدِ مَهْرًا،
وَلاَ شَرَطَ فِيهِ أَنْ لَيْسَ لَهَا مَهْرٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ
الشَّافِعِيِّ هَل يَكُونُ نِكَاحَ تَفْوِيضٍ أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْل أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ
بِنِكَاحِ تَفْوِيضٍ، لِعَدَمِ الشَّرْطِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ وَيَكُونُ
مَهْرُ الْمِثْل مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ، قَال النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى: وَلَيْسَ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ خَالِيًا عَنِ
الْمَهْرِ وَلَيْسَ هَذَا التَّفْوِيضُ بِالتَّفْوِيضِ الَّذِي عَقَدْنَا
لَهُ الْبَابَ.
الثَّانِي: وَهُوَ قَوْل أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
نِكَاحُ تَفْوِيضٍ، لأَِنَّ إِسْقَاطَ ذِكْرِ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ
كَاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ فِي الْعَقْدِ، فَعَلَى هَذَا لاَ مَهْرَ لَهَا
بِالْعَقْدِ إِلاَّ أَنْ تَتَعَقَّبَهُ أَحَدُ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ هِيَ:
__________
(1) روضة الطالبين 7 / 279 - 280.
(38/286)
إِمَّا: بِأَنْ يَفْرِضَاهُ عَنْ
مُرَاضَاةٍ، وَإِمَّا: بِأَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَإِمَّا
بِالدُّخُول بِهَا، وَإِمَّا بِالْمَوْتِ، (1) كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ
لاَحِقًا.
مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمُفَوِّضَةُ مِنَ الصَّدَاقِ
6 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرٌ:
إِمَّا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ
الْفُقَهَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَنَّهُ لاَ يَخْلُو نِكَاحٌ فِي دَارِ
الإِْسْلاَمِ عَنْ مَهْرٍ وَأَنَّ الْمُفَوِّضَةَ تَسْتَحِقُّ هَذَا
الْمَهْرَ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ. (2)
أَوَّلُهَا: أَنْ يَفْرِضَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمَهْرَ بِرِضَاءِ
الآْخَرِ قَبْل الدُّخُول فَهَذَا الْمَفْرُوضُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَهْرِ
الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ فَيَتَشَطَّرُ بِالطَّلاَقِ وَيَتَأَكَّدُ
بِالدُّخُول وَبِالْمَوْتِ وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَسْلِيمِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَفْرِضَهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ عِنْدَ
تَنَازُعِهِمَا فِي قَدْرِ الْمَفْرُوضِ أَوْ عِنْدَمَا يَمْتَنِعُ
الزَّوْجُ مِنَ الْفَرْضِ فَيَفْرِضُ مِقْدَارَ مَهْرِ الْمِثْل لأَِنَّ
وَظِيفَتَهُ فَصْل الْخُصُومَاتِ وَلاَ يَتَوَقَّفُ مَا
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 274، وحاشية ابن عابدين 2 / 334، 335، 336، والحاوي
الكبير للماوردي 12 / 99، وروضة الطالبين 7 / 276 وما بعدها، والمغني لابن
قدامة 6 / 713.
(2) بدائع الصنائع 2 / 274، وحاشية ابن عابدين 2 / 334 - 337، وجواهر
الإكليل 1 / 314 - 315، ومغني المحتاج 3 / 230 - 231، وروضة الطالبين 7 /
283 - 284، والحاوي للماوردي 12 / 98 - 99، وكشاف القناع 5 / 156 - 157،
والمغني 6 / 714 - 718.
(38/287)
يَفْرِضُهُ الْقَاضِي عَلَى رِضَاهُمَا،
لأَِنَّهُ حُكْمٌ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَزِيدُ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا،
لأَِنَّ الزِّيَادَةَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْل مَيْلٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَلاَ
يَنْقُصُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْل، لأَِنَّ النُّقْصَانَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْل
مَيْلٌ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلاَ يَحِل الْمَيْل لأَِحَدِ الْخَصْمَيْنِ،
وَلأَِنَّهُ إِنَّمَا يُفْرَضُ بَدَل الْبُضْعِ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ
كَسِلْعَةٍ أُتْلِفَتْ يُقَوِّمُهَا بِمَا يَقُول بِهِ أَهْل الْخِبْرَةِ،
قَال الْبُهُوتِيُّ: فَلاَ يُغَيِّرُهُ حَاكِمٌ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ
السَّبَبُ كَيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ،
فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُغَيِّرُهُ وَيَفْرِضُهُ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ
الْحَال، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ السَّابِقِ (1) ، وَبِذَلِكَ
يُشْتَرَطُ لِلْقَاضِي عِنْدَ فَرْضِهِ لِمَهْرِ الْمِثْل عِلْمُهُ
بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا حَتَّى لاَ يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلاَ يَنْقُصُ
عَنْهُ لَكِنِ الشَّافِعِيَّةُ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُغْتَفَرُ
الزِّيَادَةُ أَوِ النَّقْصُ الْيَسِيرُ الْوَاقِعُ فِي مَحِل
الاِجْتِهَادِ الَّذِي يُحْتَمَل مِثْلُهُ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْل،
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ مَا مَعْنَاهُ: مَنْعُ الزِّيَادَةِ
وَالنَّقْصِ وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لأَِنَّ
مَنْصِبَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ إِنْ شَاءَا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلاَ مَا
شَاءَا، وَاخْتَارَ الأَْذْرَعِيُّ الْجَوَازَ. (2)
وَمَا فَرَضَهُ الْقَاضِي مِنْ مَهْرِ الْمِثْل كَالْمُسَمَّى فِي
الْعَقْدِ أَيْضًا فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلاَقِ قَبْل
__________
(1) كشاف القناع 5 / 157.
(2) مغني المحتاج 3 / 231، وروضة الطالبين 7 / 283.
(38/287)
الدُّخُول وَلاَ تَجِبُ الْمُتْعَةُ
مَعَهُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ
قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ
لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ
يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (1)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ
فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجَيْنِ لأَِنَّهُ لَيْسَ
بِزَوْجٍ وَلاَ حَاكِمٍ، وَلأَِنَّ هَذَا فِيهِ خِلاَفُ مَا يَقْتَضِيهِ
الْعَقْدُ فَإِذَا فَرَضَ أَجْنَبِيٌّ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرًا يُعْطِيهِ
مِنْ مَال نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ رَضِيَتْ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ أَنْ
يُؤَدِّيَ الصَّدَاقَ عَنِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ فَرْضَ الأَْجْنَبِيِّ كَفَرْضِ الزَّوْجِ
وَيُسَمُّونَ هَذَا تَحْكِيمًا، فَإِنْ فَرَضَ مَهْرَ الْمِثْل لَزِمَهُمَا
وَلاَ يَلْزَمُهُ فَرْضُهُ ابْتِدَاءً، وَإِنْ فَرَضَ أَقَل مِنْهُ
لَزِمَهُ دُونَ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ فَرَضَ الْمُحَكِّمُ أَكْثَرَ مِنْهُ
فَعَلَى الْعَكْسِ أَيْ لَزِمَهَا دُونَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ
الرِّضَا وَعَدَمِهِ. (2)
الثَّالِثُ: أَنْ يَدْخُل بِهَا. فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى
__________
(1) سورة البقرة / 236 - 237.
(2) كشاف القناع 5 / 156 - 157، ومغني المحتاج 3 / 231، وروضة الطالبين 7 /
284، وجواهر الإكليل 1 / 314 - 315.
(38/288)
أَنَّهُ إِذَا دَخَل بِالْمُفَوِّضَةِ
وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْل وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ فِي وَطْئِهَا بِشَرْطِ
أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا، لأَِنَّ الْوَطْءَ لاَ يُبَاحُ بِالإِْبَاحَةِ،
لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَلأَِنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ
الإِْسْلاَمِ لاَ يَخْلُو مِنْ مَهْرٍ أَوْ حَدٍّ، وَلِتَخْرُجَ
بِالْتِزَامِ الْمَهْرِ مِمَّا خُصَّ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ نِكَاحِ
الْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَمِنْ حُكْمِ الزِّنَا الَّذِي لاَ
يُسْتَحَقُّ فِيهِ مَهْرٌ، (1) وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا.
(2) وَمِثْل الدُّخُول فِي وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْل الْخَلْوَةُ
الصَّحِيحَةُ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
وَالْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ
يَخْلُوَ الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِلاَ
مَانِعٍ حِسِّيٍّ كَمَرَضٍ لأَِحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، وَبِلاَ
مَانِعٍ طَبْعِيٍّ كَوُجُودِ شَخْصٍ ثَالِثٍ عَاقِلٍ مَعَهُمَا، وَبِلاَ
مَانِعٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا كَإِحْرَامٍ لِفَرْضٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ
عُمْرَةٍ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَمِنَ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ رَتْقٌ
وَقَرَنٌ وَعَفَلٌ، وَصِغَرٌ لاَ يُطَاقُ مَعَهُ الْجِمَاعُ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 334، وحاشية العدوي 2 / 47، ومغني المحتاج 3 /
229، والقوانين الفقهية ص 206، وكشاف القناع 5 / 151 - 152، 156.
(2) حديث: " لها الصداق بما استحللت من فرجها ". أخرجه أبو داود (2 / 599)
والبيهقي (7 / 157) ، وصوب البيهقي إرساله.
(38/288)
وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّ الْمَهْرَ
يَتَقَرَّرُ كَذَلِكَ بِلَمْسِ الزَّوْجَةِ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ إِلَى
فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ، وَتَقْبِيلِهَا وَلَوْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، لأَِنَّ
ذَلِكَ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ فَأَوْجَبَ الْمَهْرَ كَالْوَطْءِ، وَلأَِنَّهُ
نَال مِنْهَا شَيْئًا لاَ يُبَاحُ لِغَيْرِهِ، وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (1)
وَحَقِيقَةُ اللَّمْسِ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ فَلاَ
يَسْتَقِرُّ عِنْدَهُمُ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ الآْيَةَ،
وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعُ، وَلأَِنَّ الْخَلْوَةَ لاَ تَلْتَحِقُ
بِالْوَطْءِ فِي سَائِرِ الأَْحْكَامِ مِنْ حَدٍّ وَغُسْلٍ وَنَحْوِهِمَا.
(2)
الرَّابِعُ: الْمَوْتُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ
الْمُفَوِّضَةَ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْل إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ
مَاتَتْ هِيَ قَبْل الْفَرْضِ وَقَبْل الْمَسِيسِ، لإِِجْمَاعِ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلأَِنَّ الْمَوْتَ
لاَ يَبْطُل بِهِ النِّكَاحُ بِدَلِيل التَّوَارُثِ وَإِنَّمَا هُوَ
نِهَايَةٌ لَهُ وَنِهَايَةُ الْعَقْدِ كَاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ
بِدَلِيل الإِْجَارَةِ وَمَتَى اسْتَقَرَّ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ
بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَلاَ غَيْرُهُ، قَال الْحَنَابِلَةُ: حَتَّى
__________
(1) سورة البقرة / 237.
(2) رد المحتار على الدر المختار 2 / 338 - 339، والقوانين الفقهية ص 206،
ومغني المحتاج 3 / 224 - 225، وكشاف القناع 5 / 151 - 152.
(38/289)
وَلَوْ قَتَل أَحَدُهُمَا الآْخَرَ، أَوْ
قَتَل أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ قَدْ بَلَغَ غَايَتَهُ
فَقَامَ مَقَامَ الاِسْتِيفَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ
عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا قَبْل الدُّخُول لَمْ
يَسْتَقِرَّ الْمَهْرُ.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا مَاتَا جَمِيعًا
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يُقْضَى بِشَيْءٍ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى
بِمَهْرِ الْمِثْل.
وَقَال السَّرَخْسِيُّ: هَذَا إِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ بِحَيْثُ
يُتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْوُقُوفُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْل، أَمَّا
إِذَا لَمْ يَتَقَادَمْ فَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْل عِنْدَهُ أَيْضًا. (1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى
أَنَّ مَوْتَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لاَ يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ.
قَال الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إِذَا مَاتَ أَحَدُ
الزَّوْجَيْنِ قَبْل الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ فَهَل يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْل
أَمْ لاَ يَجِبُ شَيْءٌ؟ فِيهِ خِلاَفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى حَدِيثِ بِرْوَعَ
بِنْتِ وَاشِقٍ أَنَّهَا نُكِحَتْ بِلاَ مَهْرٍ، فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْل
أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَقَضَى رَسُول اللَّهِ بِمَهْرِ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 274، وحاشية ابن عابدين 2 / 335، والقوانين الفقهية
ص 206، ومغني المحتاج 3 / 225، وروضة الطالبين 7 / 281، وكشاف القناع 5 /
150 - 151.
(38/289)
يُفْرَضُ لَهَا فَقَضَى رَسُول اللَّهِ
بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَالْمِيرَاثِ. (1)
وَالرَّاجِحُ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ. وَلاَ اعْتِبَارَ
بِمَا قِيل فِي إِسْنَادِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الدُّخُول فَإِنَّ الْمَوْتَ
مُقَرَّرٌ كَالدُّخُول، وَلاَ وَجْهَ لِلْقَوْل الآْخَرِ مَعَ صِحَّةِ
الْحَدِيثِ. (2)
مَتَى تَسْتَحِقُّ الْمُفَوِّضَةُ مَهْرَ الْمِثْل؟
7 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ
لِلْمُفَوِّضَةِ قَبْل الدُّخُول مُطَالَبَةَ الزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ
لَهَا مَهْرًا لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا،
لأَِنَّ النِّكَاحَ لاَ يَخْلُو مِنَ الْمَهْرِ، فَلَهَا حَقُّ
الْمُطَالَبَةِ بِبَيَانِ قَدْرِهِ. (3)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، فَإِنِ اتَّفَقَ
الزَّوْجَانِ عَلَى فَرْضِهِ جَازَ مَا فَرَضَاهُ، قَلِيلاً كَانَ أَوْ
كَثِيرًا سَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْل أَوْ غَيْرَ
عَالِمَيْنِ بِهِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا فَرَضَ لَهَا كَثِيرًا فَقَدْ بَذَل
لَهَا مِنْ مَالِهِ فَوْقَ مَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ
__________
(1) حديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قضى لبروع بنت واشق بمهر
نسائها. . ". أخرجه الترمذي (3 / 450) من حديث ابن مسعود، وقال حديث حسن
صحيح.
(2) القوانين الفقهية ص 207، وروضة الطالبين 7 / 281 - 282، وانظر الحاوي
الكبير 12 / 98، تفسير القرطبي 3 / 198.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 335، ومغني المحتاج 3 / 230، وروضة الطالبين 7 /
282، المغني لابن قدامة 6 / 718.
(38/290)
رَضِيَتْ بِالْيَسِيرِ، فَقَدْ رَضِيَتْ
بِدُونِ مَا يَجِبُ لَهَا فَلاَ تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: " قَال رَسُول اللَّهِ لِرَجُلٍ
أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلاَنَةَ؟ قَال: نَعَمْ، وَقَال لِلْمَرْأَةِ:
أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلاَنًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَزَوَّجَ
أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ فَدَخَل بِهَا الرَّجُل وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا
صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ
الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ
بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ
زَوَّجَنِي فُلاَنَةَ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ أُعْطِهَا
شَيْئًا وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا
سَهْمِي بِخَيْبَرَ، فَأَخَذَتْ سَهْمًا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. (1)
فَأَمَّا إِنْ تَشَاحَّا فِيهِ فَفَرَضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ
أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِسِوَاهُ، فَإِنْ لَمْ
تَرْضَ بِهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهَا حَتَّى تَرْضَاهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا
قَبْل الدُّخُول فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ الْمُتْعَةُ، لأَِنَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ لَهَا بِفَرْضِهِ مَا لَمْ تَرْضَ بِهِ كَحَالَةِ الاِبْتِدَاءِ،
وَإِنْ فَرَضَ لَهَا أَقَل مِنْ مَهْرِ الْمِثْل فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ
بِتَمَامِهِ وَلاَ يَثْبُتُ لَهَا مَا لَمْ تَرْضَ بِهِ، وَإِنْ تَشَاحَّا
رُفِعَا إِلَى الْقَاضِي، وَفُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْل كَمَا سَبَقَ.
(2)
__________
(1) حديث عقبة بن عامر: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترضى أن
أزوجك فلانة. . ". أخرجه أبو داود (2 / 590 - 591) ، والحاكم (2 / 182)
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2) المغني لابن قدامة 6 / 718، وروضة الطالبين 7 / 283.
(38/290)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّ
لِلْمُفَوِّضَةِ طَلَبَ تَقْدِيرِ قَدْرِ الْمَهْرِ فِي نِكَاحِ
التَّفْوِيضِ قَبْل الْبِنَاءِ وَيُكْرَهُ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ
نَفْسِهَا قَبْل الْبِنَاءِ إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الرِّضَا بِمَا
فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ إِنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْل أَوْ أَكْثَرَ،
أَمَّا إِنْ فَرَضَ لَهَا بِأَقَل مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلاَ يَلْزَمُهَا
الرِّضَا بِهِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ جَازَ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً
رَشَّدَهَا مُجْبِرُهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَتَجْرِبَتِهَا بِحُسْنِ
تَصَرُّفِهَا فِي الْمَال بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى رَفْعِ حَجْرِهِ
عَنْهَا وَإِطْلاَقِ التَّصَرُّفِ لَهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ
الدُّخُول، كَمَا يَجُوزُ لِلأَْبِ أَنْ يَرْضَى بِأَقَل مِنْ مَهْرِ
مِثْلِهَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الرَّشِيدَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
بَعْدَ الدُّخُول أَيْضًا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِوَصِيِّ الأَْبِ أَنْ
يَرْضَى بِأَقَل مِنْ مَهْرِ مِثْل مَحْجُورَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ
ذَلِكَ قَبْل الدُّخُول، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَلاَحًا لَهَا
كَأَنْ كَانَ رَاجِيًا حُسْنَ عِشْرَةِ زَوْجِهَا لَهَا، وَلاَ يَجُوزُ
لِوَلِيِّ الْبِكْرِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا وَلَمْ يُوصِ
عَلَيْهَا وَلَمْ يُقَدِّمِ الْقَاضِي عَلَيْهَا مُقَدَّمًا يُتَصَرَّفُ
لَهَا الرِّضَا بِأَقَل مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا.
وَقَالُوا إِذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِمَا فَرَضَ لَهَا فَلَهُ
تَطْلِيقُهَا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ. (1)
__________
(1) جواهر الإكليل 1 / 314 - 315، والقوانين الفقهية ص 207.
(38/291)
وَلِلْمُفَوِّضَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَبْسُ نَفْسِهَا
عَنِ الزَّوْجِ لِيَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا وَلَهَا كَذَلِكَ حَبْسُ
نَفْسِهَا عَنْهُ لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ إِذَا كَانَ حَالًّا
كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَفْرُوضُ مُؤَجَّلاً
فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا عَنْهُ لِتَسْلِيمِهِ كَالْمَهْرِ
الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ إِذَا كَانَ مُؤَجَّلاً أَيْضًا.
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا
حَبْسُ نَفْسِهَا عَنْ زَوْجِهَا لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ لأَِنَّهَا
سَامَحَتْ بِالْمَهْرِ فَكَيْفَ تُضَايَقُ فِي تَقْدِيمِهِ. (1)
8 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْمُفَوِّضَةِ
لِلْمَهْرِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِل
الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُفَوِّضَةَ يَجِبُ
لَهَا الْمَهْرُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، (2) وَلِذَلِكَ يَحِقُّ لَهَا
وِلاَيَةُ الْمُطَالَبَةِ بِفَرْضِهِ، وَوِلاَيَةُ الْمُطَالَبَةِ
بِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ، وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ
الْعَقْدِ لِمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ كَمَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ،
وَلأَِنَّ النِّكَاحِ لاَ يَجُوزُ أَنْ
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 274، وجواهر الإكليل 1 / 314، وروضة الطالبين 7 /
282 - 283، ومغني المحتاج 3 / 230، والمغني لابن قدامة 6 / 718، كشاف
القناع 5 / 156، وما بعدها.
(2) بدائع الصنائع 2 / 274 - 275، المغني لابن قدامة 6 / 719 - 720، ومغني
المحتاج 3 / 229، وكشاف القناع 5 / 156، وروضة الطالبين 7 / 281 وما بعدها.
(38/291)
يَخْلُوَ عَنِ الْمَهْرِ وَالْقَوْل
بِعَدِمِ وُجُوبِهِ يُفْضِي إِلَى خُلُوِّهِ عَنْهُ، وَلأَِنَّ مِلْكَ
النِّكَاحِ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ، بَل لِمَقَاصِدَ لاَ حُصُول لَهَا
إِلاَّ بِالدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَارِ عَلَيْهِ، وَلاَ
يَدُومُ إِلاَّ بِوُجُوبِ الْمَهْرِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لِمَا يَجْرِي
بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الأَْسْبَابِ الَّتِي تَحْمِل الزَّوْجَ عَلَى
الطَّلاَقِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالْخُشُونَةِ فَلَوْ لَمْ يَجِبِ الْمَهْرُ
بِنَفْسِ الْعَقْدِ لاَ يُبَالِي الزَّوْجُ عَنْ إِزَالَةِ هَذَا
الْمَذْهَبِ بِأَدْنَى خُشُونَةٍ تَحْدُثُ بَيْنَهُمَا، لأَِنَّهُ لاَ
يَشُقُّ عَلَيْهِ إِزَالَتُهُ لَمَّا لَمْ يَخَفْ لُزُومَ الْمَهْرِ، فَلاَ
تَحْصُل الْمَقَاصِدُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ النِّكَاحِ، وَلأَِنَّ مَصَالِحَ
النِّكَاحِ وَمَقَاصِدَهُ لاَ تَحْصُل إِلاَّ بِالْمُوَافَقَةِ، وَلاَ
تَحْصُل الْمُوَافَقَةُ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ عَزِيزَةً
مُكَرَّمَةً عِنْدَ الزَّوْجِ وَلاَ عِزَّةَ إِلاَّ بِانْسِدَادِ طَرِيقِ
الْوُصُول إِلَيْهَا بِمَالٍ لَهُ خَطَرٌ عِنْدَهُ، لأَِنَّ مَا ضَاقَ
طَرِيقُ إِصَابَتِهِ يَعِزُّ فِي الأَْعْيُنِ فَيَعِزُّ بِهِ إِمْسَاكُهُ
وَمَا يَتَيَسَّرُ طَرِيقُ إِصَابَتِهِ يَهُونُ فِي الأَْعْيُنِ فَيَهُونُ
إِمْسَاكُهُ، وَمَتَى هَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي أَعْيُنِ الزَّوْجِ
تَلْحَقُهَا الْوَحْشَةُ فَلاَ تَقَعُ الْمُوَافَقَةُ، فَلاَ تَحْصُل
مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، وَلأَِنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِي جَانِبِهَا إِمَّا
فِي نَفْسِهَا، وَإِمَّا فِي الْمُتْعَةِ، وَأَحْكَامُ الْمِلْكِ فِي
الْحُرَّةِ تُشْعِرُ بِالذُّل وَالْهَوَانِ، فَلاَ بُدَّ وَأَنْ
يُقَابِلَهُ مَالٌ لَهُ خَطَرٌ، لِيَنْجَبِرَ الذُّل مِنْ حَيْثُ
الْمَعْنَى، وَلأَِنَّهَا
(38/292)
إِذَا طَلَبَتِ الْفَرْضَ مِنَ الزَّوْجِ
يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ
عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَفْعَل نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي
الْفَرْضِ. (1)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ
يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الْمُفَوِّضَةِ مَهْرٌ عَلَى زَوْجِهَا بِنَفْسِ
الْعَقْدِ لأَِنَّ الْقُرْآنَ دَل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ لَهَا إِذَا
طُلِّقَتْ قَبْل الْمَسِيسِ إِلاَّ الْمُتْعَةُ، وَلأَِنَّهُ لَوْ وَجَبَ
لَهَا مَهْرٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَتَشَطَّرَ بِالطَّلاَقِ قَبْل الدُّخُول
كَالْمُسَمَّى الصَّحِيحِ.
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: لَمْ يَجِبْ لِلْمُفَوِّضَةِ بِالْعَقْدِ مَهْرٌ،
لاِشْتِرَاطِهِ سُقُوطَهُ، وَلاَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِمَهْرٍ، لأَِنَّهُ
لَمْ يَجِبْ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ وَلَكِنْ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ
بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا إِمَّا بِمُرَاضَاةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ
بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَصِيرُ الْمَهْرُ بَعْدَ الْفَرْضِ كَالْمُسَمَّى
فِي الْعَقْدِ، (2) وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ
يَرَوْنَ مِثْل مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلزَّوْجِ إِذَا فَرَضَ الْمُحَكِّمُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْل
وَلَمْ يَرْضَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، (3) مِمَّا يَدُل
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْرٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ.
__________
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 2 / 274 - 275.
(2) الحاوي الكبير 12 / 98، ومغني المحتاج 3 / 229 - 230، وروضة الطالبين 7
/ 281.
(3) جواهر الإكليل 1 / 314.
(38/292)
تَنْصِيفُ مَهْرِ الْمُفَوِّضَةِ إِذَا
طَلُقَتْ قَبْل الدُّخُول
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِصَافِ مَا فُرِضَ لِلْمُفَوِّضَةِ
إِذَا طَلُقَتْ قَبْل الدُّخُول وَذَلِكَ بَعْدَ مَا اتَّفَقُوا عَلَى
أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول وَقَبْل الْفَرْضِ فَلاَ يَجِبُ
لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ، لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ
لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} . (1)
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ
يَتَنَصَّفُ مَا فُرِضَ لِلْمُفَوِّضَةِ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول
كَالْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ
الْفُرْقَةِ مِنَ الزَّوْجِ لاَ مِنَ الزَّوْجَةِ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ
الْمَفْرُوضُ صَحِيحًا، سَوَاءٌ كَانَ النُّهُوضُ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ
مِنَ الْحَاكِمِ (2) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ
لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآْيَةَ، وَلأَِنَّ هَذَا
مَهْرٌ وَجَبَ قَبْل الطَّلاَقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَصَّفَ كَمَا لَوْ
سَمَّاهُ. (3)
__________
(1) سورة البقرة / 237.
(2) بدائع الصنائع 2 / 274، وحاشية ابن عابدين 2 / 334 - 338، وجواهر
الإكليل 1 / 314 - 315، ومغني المحتاج 3 / 231، وروضة الطالبين 7 / 282،
وكشاف القناع 5 / 156 - 158، والمغني لابن قدامة 6 / 716 وما بعدها.
(3) المغني لابن قدامة 6 / 716.
(38/293)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنَصَّفُ الْمَهْرُ الْمَفْرُوضُ
لِلْمُفَوِّضَةِ إِذَا طَلُقَتْ قَبْل الدُّخُول لأَِنَّ عَقْدَهَا خَلاَ
مِنْ تَسْمِيَةٍ فَأَشْبَهَتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا شَيْءٌ،
وَلأَِنَّ التَّنْصِيفَ خَاصٌّ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ
بِالنَّصِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ} الآْيَةَ، وَلأَِنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ
بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْل وَذَلِكَ لاَ يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا
نُزِّل مَنْزِلَتَهُ. (1)
وُجُوبُ الْمُتْعَةِ لِلْمُفَوِّضَةِ إِذَا طَلُقَتْ قَبْل الدُّخُول
10 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَلُقَتِ الْمُفَوِّضَةُ
قَبْل الدُّخُول بِهَا وَقَبْل أَنْ يُفْرَضَ لَهَا مَهْرٌ فَلاَ
تَسْتَحِقُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا إِلاَّ الْمُتْعَةَ، وَاخْتَلَفُوا
فِي وُجُوبِ الْمُتْعَةِ لَهَا إِذَا كَانَتِ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَةِ
الزَّوْجِ لاَ مِنْ جِهَتِهَا.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي
الْجَدِيدِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْمُتْعَةِ لَهَا إِذَا
طَلُقَتْ قَبْل الدُّخُول وَقَبْل أَنْ يُفْرَضَ لَهَا
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 336 - 338، والمغني لابن قدامة 6 / 714، وما
بعدها.
(38/293)
شَيْءٌ وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْفُرْقَةُ
مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَأَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يُلاَعِنَ، أَوْ يَفْسَخَ
الْعَقْدَ مِنْ قِبَلِهَا بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالرِّدَّةِ
مِنْهُ وَإِبَائِهِ الإِْسْلاَمَ وَتَقْبِيلِهِ ابْنَتَهَا، أَوْ أُمَّهَا
عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ السَّبَبُ مِنْ جِهَتِهَا فَلاَ مُتْعَةَ لَهَا
عِنْدَهُمْ لاَ وُجُوبًا وَلاَ اسْتِحْبَابًا. (1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ
الْمُتْعَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً لِلْمُفَوِّضَةِ. (2)
وَسَبَبُ الْخِلاَفِ يَعُودُ إِلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ
الأَْلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا
لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ} . (3)
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَفْوِيضٌ ف 8، مُتْعَةُ
الطَّلاَقِ ف 2) .
مَا يُرَاعَى عِنْدَمَا يُفْرَضُ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرٌ
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَال الْمُفَوِّضَةِ
يُعْتَبَرُ عِنْدَ فَرْضِ مَهْرِ الْمِثْل لَهَا، هَل فِي حَالِهَا عِنْدَ
عَقْدِ النِّكَاحِ، لأَِنَّهُ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ، أَوْ فِي حَالِهَا
عِنْدَ الْوَطْءِ، لأَِنَّهُ وَقْتُ
__________
(1) رد المحتار على الدر المختار 2 / 335 - 336، مغني المحتاج 3 / 231،
241، المغني لابن قدامة 6 / 714 وما بعدها، وكشاف القناع 5 / 157 - 158.
(2) تفسير القرطبي 3 / 200، ومغني المحتاج 3 / 241.
(3) سورة البقرة / 236.
(38/294)
الْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ،
أَمْ يُعْتَبَرُ حَالُهَا مِنَ الْعَقْدِ إِلَى الْوَطْءِ، لأَِنَّ
الْبُضْعَ دَخَل بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ وَاقْتَرَنَ بِهِ
الإِْتْلاَفُ فَوَجَبَ أَكْثَرُ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ وَقْتِ عَقْدِهَا
إِلَى أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ. (1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَهْرٌ) .
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 230، وكشاف القناع 5 / 157.
(38/294)
مَقَادِيرُ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَقَادِيرُ جَمْعُ مِقْدَارٍ، وَمِقْدَارُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ:
مِثْلُهُ فِي الْعَدَدِ أَوِ الْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْمِسَاحَةِ.
وَالْمَقَادِيرُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْرَفُ بِهِ الشَّيْءُ مِنْ
مَعْدُودٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ. (1)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْجُزَافُ:
2 - الْجُزَافُ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْءُ لاَ يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلاَ
وَزْنُهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الأَْخْذُ بِكَثْرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ.
وَالْجُزَافُ فِي الْبَيْعِ: هُوَ بَيْعُ مَا يُكَال أَوْ يُوزَنُ أَوْ
يُعَدُّ جُمْلَةً بِلاَ كَيْلٍ وَلاَ وَزْنٍ وَلاَ عَدٍّ. (2)
فَالْجُزَافُ نَقِيضُ الْمِقْدَارِ.
أَجْنَاسُ الْمَقَادِيرِ:
3 - الْمَقَادِيرُ أَجْنَاسٌ أَرْبَعَةٌ هِيَ: الْكَيْل وَالْوَزْنُ
__________
(1) المعجم الوسيط، وقواعد الفقه للبركتي مادة (مقدار) .
(2) الشرح الصغير 3 / 35، وقواعد الفقه للبركتي.
(38/295)
وَالذَّرْعُ وَالْعَدَدُ، وَهِيَ كُلُّهَا
وَسَائِل لِتَقْدِيرِ الأَْشْيَاءِ وَالأَْمْوَال أَوْ مُعَايَرَتِهَا
بِهَا، فَالْكَيْل لِتَقْدِيرِ الْحَجْمِ، وَالْوَزْنُ لِتَقْدِيرِ
الثِّقَل، وَالذَّرْعُ لِتَقْدِيرِ الطُّول، وَالْمِسَاحَةُ وَالْعَدَدُ
لِتَقْدِيرِ الآْحَادِ أَوِ الأَْفْرَادِ.
وَبَيَانُ هَذِهِ الأَْجْنَاسِ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: الْمَكَايِيل:
4 - الْوَحْدَةُ الأَْسَاسِيَّةُ الأَْشْهَرُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَكَايِيل هِيَ الْمُدُّ وَالصَّاعُ، وَكُل
مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَكَايِيل الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ
جُزْءٌ مِنْهَا أَوْ ضِعْفٌ لَهَا، قَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَجَدْنَا
الآْثَارَ قَدْ نُقِلَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ بِثَمَانِيَةِ
أَصْنَافٍ مِنَ الْمَكَايِيل: الصَّاعُ، وَالْمُدُّ وَالفَرَقُ،
وَالْقِسْطُ، وَالْمُدْيُ، وَالْمَخْتُومُ، وَالْقَفِيزُ، وَالْمَكُّوكُ،
إِلاَّ أَنَّ مُعْظَمَ ذَلِكَ فِي الْمُدِّ وَالصَّاعِ. (1)
وَلَوْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا فِي مِقْدَارِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ
لاَتَّفَقُوا فِي كُل الْمَقَادِيرِ الْكَيْلِيَّةِ الأُْخْرَى، إِلاَّ
أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا فِيهِمَا.
وَأَهَمُّ الْمَكَايِيل الشَّرْعِيَّةِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى حُرُوفِ
الْهِجَاءِ مَا يَلِي:
__________
(1) الأموال ص 514.
(38/295)
أ - الإِْرْدَبُّ
5 - الإِْرْدَبُّ بِفَتْحِ الدَّال وَضَمِّهَا فِي اللُّغَةِ: مِكْيَالٌ
ضَخْمٌ بِمِصْرَ يَسَعُ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ مَنًّا، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ
وَعِشْرُونَ صَاعًا، (1) وَالْجَمْعُ أَرَادِبُ.
وَلاَ يَرْتَبِطُ بِالإِْرْدَبِّ بِعَيْنِهِ أَيْ مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ.
ب - / 121 الصَّاعُ / 121:
6 - الصَّاعُ، وَالصُّوَاعُ، وَالصَّوْعُ، فِي اللُّغَةِ: مَا يُكَال بِهِ،
وَهُوَ مُفْرَدٌ جَمْعُهُ أَصْوُعٌ، وَأَصْؤُعٌ، وَأَصْوَاعٌ، وَصُوعٌ
وَصِيعَانٌ. (2)
وَالصَّاعُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: مِكْيَالٌ يُكَال بِهِ فِي
الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَتُقَدَّرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ وَقِيل: هُوَ إِنَاءٌ يُشْرَبُ فِيهِ. (3)
قَال الْفَيُّومِيُّ: هُوَ مِكْيَالٌ، وَصَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَذَلِكَ
خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ:
الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. (4)
أَنْوَاعُ الصِّيعَانِ:
7 - اشْتُهِرَ فِي الصِّيعَانِ لَدَى الْفُقَهَاءِ صَاعَانِ
__________
(1) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ولسان العرب، ومغني المحتاج 1 / 383،
والإيضاح والتبيان ص 73.
(2) القاموس المحيط.
(3) روضة الطالبين 2 / 301 - 302، وتبيين الحقائق 1 / 309.
(4) المصباح المنير، وقواعد الفقه للبركتي مادة: (صاع) .
(38/296)
الأَْوَّل: صَاعُ أَهْل الْمَدِينَةِ،
وَيُسَمَّى بِالصَّاعِ الْحِجَازِيِّ، وَالثَّانِي: صَاعُ أَهْل
الْعِرَاقِ، وَيُسَمَّى بِالصَّاعِ الْحَجَّاجِيِّ، أَوِ الْقَفِيزِ
الْحَجَّاجِيِّ، أَوِ الصَّاعِ الْبَغْدَادِيِّ، وَالأَْوَّل أَصْغَرُ مِنَ
الثَّانِي، وَقَدْ نَصَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصَّاعَ
الشَّرْعِيَّ الَّذِي تُقَدَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ
الْمَنُوطَةُ بِالصَّاعِ هُوَ الصَّاعُ الأَْصْغَرُ. (1)
مِقْدَارُ الصَّاعِ الشَّرْعِيِّ
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ،
إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُدِّ، فَذَهَبَ أَهْل الْعِرَاقِ
إِلَى أَنَّ الْمُدَّ رِطْلاَنِ بِالْعِرَاقِيِّ، وَذَهَبَ أَهْل
الْمَدِينَةِ إِلَى أَنَّ الْمُدَّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ،
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ صَاعَ أَهْل الْمَدِينَةِ يَتَّسِعُ لِخَمْسَةِ
أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالرِّطْل الْعِرَاقِيِّ، وَصَاعَ أَهْل الْعِرَاقِ
يَتَّسِعُ لِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ بِالرِّطْل الْعِرَاقِيِّ نَفْسِهِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الصَّاعَ الشَّرْعِيَّ هُوَ صَاعُ
الْمَدِينَةِ (2) ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ
__________
(1) حاشية الدسوقي 1 / 447، والشرح الكبير في هامش حاشية الدسوقي عليه 1 /
504 - 505، وحاشية القليوبي وعميرة 2 / 249، والمغني 3 / 59، وانظر الأموال
ص 518.
(2) حاشية الدسوقي 1 / 504، 447، والقليوبي 3 / 75، 2 / 249، والمغني 3 /
57، 59، 1 / 222.
(38/296)
إِلَى أَنَّ صَاعَ الْعِرَاقِ هُوَ
الصَّاعُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَجَّاجِيِّ، (1)
وَاضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ.
قَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ يَعْقُوبُ أَبُو يُوسُفَ - زَمَانًا
يَقُول كَقَوْل أَصْحَابِهِ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى قَوْل أَهْل
الْمَدِينَةِ
. (2) وَلِلتَّفْصِيل وَبَيَانِ أَحْكَامِ الصَّاعِ (ر: صَاعٌ ف 7) .
مَا يُنَاطُ بِالصَّاعِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
9 - تَتَعَلَّقُ بِالصَّاعِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَكَفَّارَةُ الإِْفْطَارِ الْعَامِدِ فِي رَمَضَانَ،
وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَفِدْيَةُ الإِْحْرَامِ، وَكَفَّارَةُ
الإِْفْطَارِ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ مُبِيحٍ، وَكَفَّارَةُ تَأْخِيرِ
قَضَاءِ الصَّوْمِ، وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ، وَمِقْدَارُ الْمَاءِ الَّذِي
يُتَوَضَّأُ أَوْ يُغْتَسَل بِهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا مِنَ الْمَوْسُوعَةِ.
ج - الْعَرَقُ:
10 - مِنْ مَعَانِي الْعَرَقِ فِي اللُّغَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ
وَالرَّاءِ: ضَفِيرَةٌ تُنْسَجُ مِنْ خُوصٍ، وَهُوَ الْمِكْتَل
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 73، وحاشية ابن عابدين 2 / 76، 3 / 260 - 261.
(2) الأموال ص 519، وبدائع الصنائع 2 / 73، والصاع عند جمهور الفقهاء
بالتقدير الحديث 2. 75 لتر تقريبًا. وهو يساوي 2022. 48 جرامًا وعند أبي
حنيفة يكون تقدير الصاع باللتر هو 3. 36 لتر تقريبًا وهو يساوي 8. 3052
جرامًا. انظر: الخراج والنظم المالية ص 318، والمقادير الشرعية ص 227.
(38/297)
وَالزَّبِيل أَوِ الزِّنْبِيل، وَيُقَال:
إِنَّهُ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. (1)
وَالْعَرَقُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: مَكِيلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ
صَاعًا. (2)
مَا يُنَاطُ بِالْعَرَقِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
11 - لاَ يُعَيِّرُ الْفُقَهَاءُ بِالْعَرَقِ أَيًّا مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ يَذْكُرُونَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُضَاعَفَاتِ
الصَّاعِ كَمَا تَقَدَّمَ.
د - الْفَرَقُ:
12 - الْفَرَقُ - بِتَسْكِينِ الرَّاءِ أَوْ فَتْحِهَا وَهُوَ الأَْصَحُّ -
مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: مِكْيَالٌ بِالْمَدِينَةِ يَسَعُ ثَلاَثَةَ
آصُعٍ، أَوْ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلاً، أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ.
(3)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ، أَوْ ثَلاَثَةُ
آصُعٍ، (4) قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: قَال الزُّهْرِيُّ
الْفَرَقُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلاً، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَقَال
ابْنُ حَامِدٍ: الْفَرَقُ سِتُّونَ رِطْلاً، فَإِنَّهُ يَرْوِي أَنَّ
الْخَلِيل بْنَ أَحْمَدَ قَال: الْفَرْقُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ مِكْيَالٌ
ضَخْمٌ مِنْ
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) القليوبي على المحلي 3 / 75.
(3) القاموس المحيط.
(4) الأموال ص 515.
(38/297)
مَكَايِيل أَهْل الْعِرَاقِ، وَقِيل هُوَ
مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلاً، (1) وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: لاَ اخْتِلاَفَ
بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلاَثَةُ آصُعٍ،
وَفِيهِ أَحَادِيثُ تُفَسِّرُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ،
مِنْهَا مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ قَال لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ
حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِْحْرَامِ: صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ
تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ (2) ،
ثُمَّ قَال: وَالْفَرَقُ ثَلاَثَةُ آصُعٍ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ،
فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ مُدًّا. (3)
مَا يُنَاطُ بِالْفَرَقِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
13 - يَتَعَلَّقُ بِالْفَرَقِ مِنَ الأَْحْكَامِ مَا يَتَعَلَّقُ
بِالصَّاعِ لأَِنَّهُ مِنْ مُضَاعَفَاتِهِ، إِلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ مَا
يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي زَكَاةِ الْعَسَل، قَال ابْنُ قُدَامَةَ:
نِصَابُ الْعَسَل عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ، وَهَذَا قَوْل الزُّهْرِيِّ (4) ،
وَجْهُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ
نَاسًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: إِنَّ رَسُول اللَّهِ قَطَعَ لَنَا وَادِيًا
بِالْيَمَنِ فِيهِ خَلاَيَا مِنْ نَحْلٍ، وَإِنَّا نَجِدُ نَاسًا
يَسْرِقُونَهَا فَقَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنْ
أَدَّيْتُمْ صَدَقَتَهَا مِنْ كُل عَشَرَةِ أَفْرَاقٍ فَرَقًا حَمَيْنَاهَا
لَكُمْ (5) .
__________
(1) المغني 2 / 714، ومطالب أولي النهى 2 / 75.
(2) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: صم ثلاثة
أيام. . . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 16) .
(3) الأموال ص 520 - 522.
(4) المغني 2 / 714.
(5) أثر: " أن ناسًا سألوا عمر. . " أورده ابن قدامة في المغني 2 / 714
وعزاه إلى الجوزجاني، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (4 / 63) بمعناه.
(38/298)
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّ نِصَابَ الْعَسَل خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ، كُل فَرَقٍ سِتَّةٌ
وَثَلاَثُونَ رِطْلاً، لأَِنَّهُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ. (1)
(ر: صَاعٌ ف 5، وَزَكَاةٌ ف 118) .
هـ - الْقَدَحُ:
14 - الْقَدَحُ بِالتَّحْرِيكِ فِي اللُّغَةِ: إِنَاءٌ يَرْوِي
الرَّجُلَيْنِ، أَوِ اسْمٌ يَجْمَعُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَهُوَ
مُفْرَدٌ يُجْمَعُ عَلَى أَقْدَاحٍ. (2)
وَالْقَدَحُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّاعِ، قَال
الشِّرْبِينِيُّ: فَالصَّاعُ قَدَحَانِ إِلاَّ سُبُعَيْ مُدٍّ، وَكُل
خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ. (3)
وَوَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِل أَنَا
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ
قَدَحٍ، يُقَال لَهُ الْفَرَقُ، (4) قَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَذَلِكَ
الْيَوْمُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةِ أَمْدَادٍ. (5)
__________
(1) الهداية مع فتح القدير 2 / 193.
(2) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ومختار الصحاح.
(3) مغني المحتاج 1 / 383، 405، والقليوبي وعميرة 2 / 36.
(4) حديث عائشة: " كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم. . " أخرجه
البخاري (فتح الباري 1 / 363) ومسلم (1 / 255) واللفظ للبخاري.
(5) الأموال ص 515.
(38/298)
مَا يُنَاطُ بِالْقَدَحِ مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ:
15 - يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَحِ مِنَ الأَْحْكَامِ مَا يَتَعَلَّقُ
بِالصَّاعِ لأَِنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَقَدْ يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ
بِاسْمِهِ فِي تَعْيِينِ بَعْضِ الأَْنْصِبَةِ، مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ
الشِّرْبِينِيُّ فِي نِصَابِ الزَّرْعِ فَقَال: فَالنِّصَابُ عَلَى قَوْل
السُّبْكِيِّ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا، وَعَلَى قَوْل
الْقَمُولِيِّ سِتُّمِائَةٍ، وَقَوْل الْقَمُولِيِّ أَوْجَهُ، وَإِنْ قَال
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ قَوْل السُّبْكِيِّ أَوْجَهُ، لأَِنَّ
الصَّاعَ قَدَحَانِ تَقْرِيبًا. (1)
و الْقِرْبَةُ:
16 - الْقِرْبَةُ فِي اللُّغَةِ بِكَسْرِ الْقَافِ: ظَرْفٌ مِنْ جِلْدٍ
يُخْرَزُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَتُسْتَعْمَل لِحِفْظِ الْمَاءِ
وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِمَا. (2)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: الْغَالِبُ أَنَّ
الْقِرْبَةَ لاَ تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ، وَهُوَ
مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ
دِرْهَمٍ فِي الأَْصَحِّ. (3)
ز - الْقِسْطُ:
17 - مِنْ مَعَانِي الْقِسْطِ فِي اللُّغَةِ: أَنَّهُ مِكْيَالٌ يَسَعُ
نِصْفَ صَاعٍ.
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 383.
(2) المعجم الوسيط.
(3) مغني المحتاج 1 / 25.
(38/299)
وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: كُنْتُ أَغْتَسِل أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَال لَهُ: الْفَرَقُ (1) ،
قَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْفَرَقُ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ، ثُمَّ قَال: وَذَلِكَ
أَنَّ الْقِسْطَ نِصْفُ صَاعٍ، وَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ
حِينَ ذَكَرَ الْفَرَقَ فَقَال: وَهُوَ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ. (2)
ح - الْقَفِيزُ:
18 - الْقَفِيزُ فِي اللُّغَةِ: مِكْيَالٌ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ،
وَهُوَ مُفْرَدٌ يُجْمَعُ عَلَى أَقْفِزَةٍ وَقُفْزَانٍ.
كَمَا يُطْلَقُ الْقَفِيزُ عَلَى مِسَاحَةٍ مِنَ الأَْرْضِ قَدْرُهَا
مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، أَوْ عُشْرُ جَرِيبٍ. (3)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْقَلْيُوبِيُّ: الْقَفِيزُ مِكْتَلٌ يَسَعُ
مِنَ الْحَبِّ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا، ثُمَّ قَال: وَالْقَفِيزُ مِنَ
الأَْرْضِ مُسَطَّحُ ضَرْبِ قَصَبَةٍ فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ، وَهُوَ عُشْرُ
الْجَرِيبِ. (4)
وَقَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: إِنَّ الْقَفِيزَ ثَمَانِيَةُ
__________
(1) حديث عائشة: " كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
. " تقدم تخريجه ف 14.
(2) الأموال ص 515 - 516.
(3) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ومختار الصحاح.
(4) القليوبي على المحلي 3 / 167، 75.
(38/299)
مَكَاكِيكَ، (1) وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ:
إِنَّ الْقَفِيزَ الْهَاشِمِيَّ صَاعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَفِيزُ الَّذِي
وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؟
كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، أَرْبَعَةُ
أَمْنَاءٍ، وَهُوَ صَاعُ رَسُول اللَّهِ، وَيُنْسَبُ إِلَى الْحَجَّاجِ،
فَيُقَال صَاعٌ حَجَّاجِيٌّ، لأَِنَّ الْحَجَّاجَ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا
فُقِدَ. (2)
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَفِيزُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا
مُكَسَّرَةً، وَهُوَ عُشْرُ الْجَرِيبِ. (3)
وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ: وَقَدْرُ الْقَفِيزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ
بِالْمَكِّيِّ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. فَيَكُونُ سِتَّةَ
عَشَرَ رِطْلاً بِالْعِرَاقِيِّ، وَقَال أَبُو بَكْرٍ: قَدْ قِيل قَدْرُهُ
ثَلاَثُونَ رِطْلاً، وَهُوَ الْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ، وَقَدَّمَ فِي
الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْقَفِيزَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَغَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ
ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ. وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَفِيزِ
الْحَجَّاجِيِّ. (4)
ط - الْقُلَّةُ:
19 - الْقُلَّةُ بِضَمِّ الْقَافِ فِي اللُّغَةِ: مِنْ مَعَانِيهَا
أَنَّهَا إِنَاءٌ لِلْعَرَبِ كَالْجَرَّةِ الْكَبِيرَةِ شِبْهُ الْحَبِّ،
وَجَمْعُهَا قِلاَلٌ وَقُلَلٌ. (5)
__________
(1) فتح القدير 5 / 346.
(2) حاشية ابن عابدين 3 / 260 - 261.
(3) الأحكام السلطانية ص 152.
(4) المبدع 3 / 381، وكشاف القناع 3 / 97.
(5) المصباح المنير.
(38/300)
وَقَال الْفَيْرُوزَآبَادِي: الْقُلَّةُ
بِالضَّمِّ أَعْلَى الرَّأْسِ وَالسَّنَامِ، وَالْجَبَل أَوْ كُل شَيْءٍ،
وَالْحَبُّ الْعَظِيمُ، أَوِ الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ، أَوْ عَامَّةٌ، أَوْ
مِنَ الْفَخَّارِ، وَالْكُوزُ الصَّغِيرُ. (1)
وَالْقُلَّةُ اصْطِلاَحًا: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ مِعْيَارٌ لِمِقْدَارٍ مُعَيَّنِ الْحَجْمِ، وَقَدِ
اتَّفَقَتْ أَقْوَالُهُمْ عَلَى أَنَّ الْقُلَّةَ مَا يَتَّسِعُ
لِمِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رِطْلاً. (2)
كَمَا ضَبَطَ الْقَلْيُوبِيُّ الْقُلَّةَ بِالذِّرَاعِ فَقَال:
وَالْمِسَاحَةُ - أَيْ لِلْقُلَّتَيْنِ - عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ - أَيْ
عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ - ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ
طُولاً وَعَرْضًا وَعُمْقًا بِذِرَاعِ الآْدَمِيِّ وَهُوَ شِبْرَانِ
تَقْرِيبًا، ثُمَّ قَال: وَأَمَّا مِسَاحَتُهُمَا فِي الْمُدَوَّرِ
كَرَأْسِ الْبِئْرِ فَهِيَ ذِرَاعٌ عَرْضًا وَذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ طُولاً،
وَالْمُرَادُ بِعَرْضِهِ أَطْوَل خَطٍّ بَيْنَ حَافَّتَيْهِ (قُطْرٌ) ،
وَبِطُولِهِ عُمْقُهُ. (3)
مَا يُنَاطُ بِالْقُلَّةِ مِنَ الأَْحْكَامِ:
20 - لاَ تُذْكَرُ الْقُلَّةُ غَالِبًا فِي الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
فِي غَيْرِ حَدِّ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْكَثِيرِ الَّذِي لاَ يَنْجُسُ
بِوَضْعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إِلاَّ إِذَا تَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ
فَقَدْ قَدَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
__________
(1) القاموس المحيط.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 132، والمحلي مع حاشيتي القليوبي وعميرة 1 / 23 -
24، والمغني 1 / 22 - 23.
(3) القليوبي على المحلي 1 / 24.
(38/300)
بِقُلَّتَيْنِ: قَال الْمَحَلِّيُّ (1) :
وَلاَ تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلاَقَاةِ نَجَسٍ لِحَدِيثِ: إِذَا
كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الْخَبَثَ. وَفِي رِوَايَةٍ:
فَإِنَّهُ لاَ يَنْجُسُ. (2)
وَقَال الْخِرَقِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَهُوَ خَمْسُ
قِرَبٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا طَعْمٌ وَلاَ
لَوْنٌ وَلاَ رَائِحَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ. (3)
وَقَدَّرَ الْحَنَفِيَّةُ الْكَثِيرَ بِمَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ،
أَوْ بِمَا لاَ تَخْلُصُ النَّجَاسَةُ فِيهِ مِنْ طَرَفٍ إِلَى طَرَفٍ
آخَرَ بِحَسَبِ الظَّنِّ غَالِبًا، قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَالْمُعْتَبَرُ
فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فِيهِ، فَإِنْ
غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ خُلُوصِ أَيْ وُصُول النَّجَاسَةِ إِلَى
الْجَانِبِ الآْخَرِ جَازَ وَإِلاَّ لاَ. (4)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَقْدِيرُهُ بِمَا مِسَاحَةُ سَطْحِهِ عَشَرَةُ
أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ. (5)
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَوَزْنُ ذَلِكَ الْمَاءِ بِالْقُلَل سَبْعَ
عَشْرَةَ قُلَّةً وَثُلُثُ خُمُسِ قُلَّةٍ. (6)
__________
(1) المحلي مع القليوبي وعميرة 1 / 21.
(2) حديث: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ". أخرجه الترمذي (1 / 97)
والحاكم (1 / 133) من حديث ابن عمر، والرواية الأخرى لأبي داود (1 / 53)
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3) المغني 1 / 22.
(4) الدر المختار مع رد المحتار 1 / 128.
(5) الدر المختار 1 / 128 - 129.
(6) حاشية ابن عابدين 1 / 132.
(38/301)
ي - الْكُرُّ:
21 - الْكُرُّ فِي اللُّغَةِ: بِضَمِّ الْكَافِ كَيْلٌ مَعْرُوفٌ،
وَجَمْعُهُ أَكْرَارٌ، قَال الْفَيُّومِيُّ: وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا. (1)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: هُوَ
سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى خِلاَفٍ فِيهِ. (2)
مَا يُنَاطُ بِالْكُرِّ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
22 - لاَ يُنَاطُ بِالْكُرِّ أَيٌّ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ،
وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّمْثِيل لِبَيْعِ
الْمِثْلِيَّاتِ وَمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، قَال الْمِرْغِينَانِيُّ:
وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَل الأَْجَل اشْتَرَى
الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا، وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ
بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ
لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ
لِنَفْسِهِ جَازَ. (3)
ك - الْكِيلَجَةُ:
23 - الْكِيلَجَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللاَّمِ فِي اللُّغَةِ:
كَيْلٌ مَعْرُوفٌ لأَِهْل الْعِرَاقِ وَهِيَ مَنٌّ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ
مَنٍّ، وَالْمَنُّ رِطْلاَنِ، وَجَمْعُهَا
__________
(1) المصباح المنير.
(2) فتح القدير 5 / 346.
(3) الهداية مع فتح القدير 5 / 346 - 347.
(38/301)
كَيَالِجُ وَكَيَالِجَةُ. (1)
وَلاَ يُنَاطُ بِالْكِيلَجَةِ أَيٌّ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
ل - الْمَخْتُومُ:
24 - الْمَخْتُومُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الصَّاعُ. (2)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّاعُ أَيْضًا، لِمَا رَوَى أَبُو
سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ قَال: لَيْسَ فِيمَا
دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ زَكَاةٌ (3) وَالْوَسْقُ سِتُّونَ مَخْتُومًا،
وَالْمَخْتُومُ هَاهُنَا هُوَ الصَّاعُ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ
مَخْتُومًا لأَِنَّ الأُْمَرَاءَ جَعَلَتْ عَلَى أَعْلاَهُ خَاتَمًا
مَطْبُوعًا لِئَلاَّ يُزَادَ فِيهِ أَوْ يُنْقَصَ مِنْهُ. (4)
وَلِبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَخْتُومِ وَالأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
الْمَنُوطِ بِهِ، يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (صَاعٌ) .
م - الْمُدُّ:
25 - الْمُدُّ بِالضَّمِّ فِي اللُّغَةِ: مِنْ مَعَانِيهِ أَنَّهُ
مِكْيَالٌ، وَهُوَ رِطْلاَنِ، أَوْ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، أَوْ مِلْءُ كَفَّيِ
الإِْنْسَانِ الْمُعْتَدِل إِذَا مَلأََهُمَا وَمَدَّ يَدَهُ بِهِمَا،
وَبِهِ سُمِّيَ مُدًّا، وَجَمْعُهُ أَمْدَادٌ، وَمِدَدَةٌ
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) القاموس المحيط.
(3) حديث " ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة " أخرجه أبو داود (2 / 210 - 211)
وذكر أبو داود أن الراوي عن أبي سعيد لم يسمع منه.
(4) الأموال ص 517.
(38/302)
كَعِنَبَةِ، وَمِدَادٌ. (1)
وَالْمُدُّ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: مِكْيَالٌ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ
عَلَى أَنَّهُ رُبُعُ صَاعٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ بِالرِّطْل كَاخْتِلاَفِهِمْ فِي تَقْدِيرِ
الصَّاعِ بِالرِّطْل، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُدَّ رِطْلٌ
وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ. (2)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُدَّ رِطْلاَنِ بِالْعِرَاقِيِّ.
هَذَا هُوَ الْمُدُّ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ
اللَّفْظُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ، وَهُنَالِكَ الْمُدُّ الشَّامِيُّ وَهُوَ
صَاعَانِ، أَيْ ثَمَانِيَةُ أَمْدَادٍ شَرْعِيَّةٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ:
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى فِي بَابِ
زَكَاةِ الْخَارِجِ بِأَنَّ الرِّطْل الشَّامِيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ،
وَأَنَّ الْمُدَّ الشَّامِيَّ صَاعَانِ. (3)
مَا يُنَاطُ بِالْمُدِّ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
26 - أَكْثَرُ مَا يُنَاطُ بِالْمُدِّ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
مِقْدَارُ مَاءِ الْوُضُوءِ وَمِقْدَارُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَمِقْدَارُ
النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْوُضُوءُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّهِ
__________
(1) القاموس المحيط والمصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 76، والشرح الكبير والدسوقي عليه 1 / 54 - 505،
ومغني المحتاج 3 / 426، والقليوبي وعميرة 4 / 70، 2 / 36، والمغني 1 / 222،
والأموال ص 523.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 77.
(38/302)
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُفِيدُ أَنَّهُ
كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ مِنَ الْمَاءِ، مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ
يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِل بِالصَّاعِ. (1)
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّ مِنَ الْمَاءِ هُوَ
الْقَدْرُ الْمُفْضِل الْكَافِي لِلْوُضُوءِ، (2) إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ
مِعْيَارًا لَهُ لاَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنِ
اكْتَفَى الْمُتَوَضِّئُ بِدُونِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ
لَزِمَهُ مَا يَكْفِيهِ.
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٌ) .
وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهَا
صَاعٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ مِنَ الأَْصْنَافِ الَّتِي تَصِحُّ فِيهَا
صَدَقَةُ الْفِطْرِ، سِوَى الْقَمْحِ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْقَمْحُ، وَكَذَلِكَ دَقِيقُهُ وَسَوِيقُهُ، فَقَدْ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهَا هُوَ صَاعٌ أَيْضًا كَسَائِرِ
الأَْصْنَافِ الأُْخْرَى، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ
مِنْهَا هُوَ نِصْفُ صَاعٍ وَهُوَ مُدَّانِ. (3)
__________
(1) حديث: أنس بن مالك: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد. .
". أخرجه مسلم (1 / 256) .
(2) الأموال ص 514، ومغني المحتاج 1 / 74 - 75، وحاشية ابن عابدين 1 / 107،
والمغني 1 / 223 - 225.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 76، وحاشية الدسوقي 1 / 504 - 505، ومغني المحتاج
1 / 405 - 406، والمغني 3 / 57 وما بعدها.
(38/303)
وَالتَّفْصِيل فِي (زَكَاةِ الْفِطْرِ ف
11) .
أَمَّا النَّفَقَةُ فَقَدْ قَال النَّوَوِيُّ يَجِبُ عَلَى مُوسِرٍ
لِزَوْجَتِهِ كُل يَوْمٍ مُدُّ طَعَامٍ وَعَلَى مُعْسِرٍ مُدٌّ
وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ، (1) وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ
يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) .
ن - الْمُدْيُ:
27 - الْمُدْيُ فِي اللُّغَةِ: بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ قُفْلٍ:
مِكْيَالٌ لِلشَّامِ وَمِصْرَ يَسَعُ تِسْعَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَجَمْعُهُ
أَمْدَاءٌ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُدِّ. (2)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ مِكْيَالٌ كَانَ يُسْتَعْمَل قَبْل
الإِْسْلاَمِ فِي الشَّامِ وَمِصْرَ، وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَى
أَنَّهُ نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلاً، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ
صِيعَانٍ وَنِصْفِ الصَّاعِ بِقَلِيلٍ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ
فِي الصَّاعِ، وَقَال: حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ. . أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْل الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ
دَنَانِيرَ وَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحِنْطَةِ مُدْيَيْنِ
وَثَلاَثَةَ أَقْسَاطِ زَيْتٍ. . . وَعَلَى أَهْل الْوَرَقِ أَرْبَعِينَ
دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِكُل إِنْسَانٍ، وَلاَ أَحْفَظُ مَا
ذُكِرَ مِنَ الْوَدَكِ. فَنَظَرْتُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فَإِذَا هُوَ عَدَل
أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ. وَكَذَلِكَ عَدَل
مُدْيَيْنِ مِنْ طَعَامٍ
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 426.
(2) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(38/303)
بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَجَعَلَهَا
مُوَازِيَةً لَهُمَا، فَغَايَرْتُ الأَْمْدَادَ وَالصِّيعَانَ وَجَمَعْتُ
بَيْنَهَا، ثُمَّ اعْتَبَرْتُهَا بِالْوَزْنِ، فَوَجَدْتُ الْمُدْيَيْنِ
نَيِّفًا وَثَمَانِينَ رِطْلاً، وَوَجَدْتُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا
ثَمَانِينَ رِطْلاً. (1)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ أَجْرَى لِلنَّاسِ الْمُدْيَيْنِ وَالْقِسْطَيْنِ، قَال ابْنُ
الأَْثِيرِ: يُرِيدُ مُدْيَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ وَقِسْطَيْنِ، مِنَ
الزَّيْتِ. (2)
س - الْمَكُّوكُ:
28 - الْمَكُّوكُ فِي اللُّغَةِ: طَاسٌ يُشْرَبُ بِهِ، وَمِكْيَالٌ يَسَعُ
صَاعًا وَنِصْفًا أَوْ نِصْفَ رِطْلٍ إِلَى ثَمَانِي أَوَاقيِّ، أَوْ
نِصْفَ وَيْبَةٍ، أَوْ ثَلاَثَ كِيلَجَاتٍ، وَهُوَ مُذَّكَّرٌ، وَالْجَمْعُ
مِنْهُ مَكَاكِيكُ. (3)
وَالْمَكُّوكُ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: هُوَ
صَاعٌ وَنِصْفٌ، وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ (4) .
مَا يُنَاطُ بِالْمَكُّوكِ مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ:
29 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَكُّوكِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً
مُبَاشَرَةً، وَرُبَّمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنَ
الْمَكَايِيل أَوِ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ
__________
(1) الأموال ص 519 - 520.
(2) النهاية 4 / 310.
(3) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(4) فتح القدير 5 / 346، والأموال ص 522، وحاشية ابن عابدين 4 / 166.
(38/304)
أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا زَكَاةُ
الأَْرَضِينَ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِهَذَا الْمَكُّوكِ عِشْرِينَ
وَمِائَةً مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَجَبَتْ
فِيهَا الزَّكَاةُ. . وَذَلِكَ لأَِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، فَجَمِيعُهَا ثَلاَثُمِائَةِ
صَاعٍ، وَهِيَ عِشْرُونَ وَمِائَةُ مَكُّوكٍ. (1)
عِ - الْوَسْقُ:
30 - الْوَسْقُ فِي اللُّغَةِ: بِفَتْحِ الْوَاوِ: حِمْل بَعِيرٍ،
وَالْجَمْعُ وُسُوقٌ، مِثْل فَلْسٍ وَفُلُوسٍ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ كَسْرَ
الْوَاوِ لُغَةً وَجَمْعُهُ أَوْسَاقٌ مِثْل حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، قَال
الأَْزْهَرِيُّ: الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَوْسُقٍ. (2)
وَالْوَسْقُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، مِكْيَالٌ هُوَ حِمْل بَعِيرٍ،
وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي
مِقْدَارِ الصَّاعِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ فَنَتَجَ عَنْهُ اخْتِلاَفُهُمْ فِي
مِقْدَارِ الْوَسْقِ. (3)
(ر: صَاعٌ ف 3)
__________
(1) الأموال ص 522.
(2) المصباح المنير، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 49، وبدائع الصنائع 2 / 59، وحاشية الدسوقي 1 /
447، والقليوبي وعميرة 1 / 24، ومغني المحتاج 1 / 383، والمغني 2 / 700 -
701، والخراج ليحيى بن آدم ص 139، والأموال ص 517.
(38/304)
مَا يُنَاطُ بِالْوَسْقِ مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ:
31 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ نِصَابَ الزَّكَاةِ مِنَ الزُّرُوعِ
خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَال: تَجِبُ الزَّكَاةُ
فِي الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ مِنَ الزُّرُوعِ، وَأَنَّهُ لاَ نِصَابَ
فِيهَا، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ.
(1)
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (زَكَاةٌ ف 100) .
ف - الْوَيْبَةُ:
32 - الْوَيْبَةُ فِي اللُّغَةِ: مِكْيَالٌ يَسَعُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ،
أَوْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ثَلاَثَ كِيلَجَاتٍ. (2)
وَنَقَل بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ عَنِ الْمَقْدِسِيِّ فِي أَحْسَنِ
التَّقَاسِيمِ قَوْلَهُ: الْوَيْبَةُ هُوَ مِكْيَالٌ مِصْرِيٌّ كَانَ
يُعَادِل قَدِيمًا عَشَرَةَ أَمْنَانٍ، كَمَا نُقِل عَنِ السُّيُوطِيِّ فِي
حُسْنِ الْمُحَاضَرَةِ قَوْلُهُ: ذُكِرَ أَنَّ وَيْبَةَ الْخَلِيفَةِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وِلاَيَةِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سِتَّةُ أَمْدَادٍ. (3)
ثَانِيًا: الْمَوَازِينُ:
33 - الأَْوْزَانُ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِ
الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَثِيرَةٌ، إِلاَّ أَنَّ الْمِعْيَارَ
الأَْهَمَّ لِلأَْوْزَانِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الدِّرْهَمُ
وَالدِّينَارُ
__________
(1) حاشية ابن عبدين 2 / 49.
(2) القاموس المحيط.
(3) المكاييل في صدر الإسلام لسامح عبد الرحمن ص 42.
(38/305)
وَالرِّطْل، وَالأَْوْزَانُ الأُْخْرَى
الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ الأَْحْكَامِ أَكْثَرُهَا
مِنْ أَضْعَافِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ أَوْ مِنْ أَجْزَائِهِمَا،
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَنِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ فِي مُصْطَلَحَيْ
(دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ) .
1 - الإِْسْتَارُ:
34 - الإِْسْتَارُ بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ: فِي الْعَدَدِ: أَرْبَعَةٌ
وَفِي الزِّنَةِ: أَرْبَعَةُ مَثَاقِيل وَنِصْفٌ. (1)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالإِْسْتَارُ
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِالدَّرَاهِمِ سِتَّةٌ وَنِصْفٌ، وَبِالْمَثَاقِيل
أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ، كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. (2)
وَالإِْسْتَارُ بِالأَْرْطَال جُزْءٌ مِنْ ثَلاَثِينَ جُزْءًا مِنَ
الرِّطْل الْمَدَنِيِّ، وَجُزْءٌ مِنْ عِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ الرِّطْل
الْعِرَاقِيِّ. (3)
ب - الأُْوقِيَّةُ:
35 - الأُْوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِالتَّشْدِيدِ فِي اللُّغَةِ:
عَلَى وَزْنِ أُفْعُولَةٍ كَالأُْعْجُوبَةِ وَالأُْحْدُوثَةِ مُفْرَدٌ،
وَالْجَمْعُ أَوَاقِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَبِالتَّخْفِيفِ لِلتَّخْفِيفِ،
وَالْوُقِيَّةُ لُغَةً وَهِيَ
__________
(1) القاموس المحيط.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 76.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 76.
(38/305)
بِضَمِّ الْوَاوِ، وَجَرَى عَلَى
أَلْسِنَةِ النَّاسِ بِالْفَتْحِ، وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا بَعْضُهُمْ،
وَجَمْعُهَا وَقَايَا، مِثْل عَطِيَّةٍ وَعَطَايَا.
وَزِنَتُهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ سَبْعَةُ مَثَاقِيل، أَوْ
أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَقِيل غَيْرُ ذَلِكَ. (1)
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الأُْوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. (2)
مَا يُنَاطُ بِالأُْوقِيَّةِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
36 - قَلِيلاً مَا يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ الأُْوقِيَّةَ مِعْيَارًا
لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَرُبَّمَا ذَكَرُوهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ
مُضَاعَفَاتِ الدِّرْهَمِ أَوِ الْمِثْقَال أَوِ الرِّطْل، وَقَدْ وَرَدَ
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: مَا عَلِمْتُ رَسُول اللَّهِ
نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلاَ أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ
عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً (3) وَعَنْ أَبِي
سَلَمَةَ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُول اللَّهِ فَقَالَتْ: كَانَ
صَدَاقُهُ لأَِزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ:
أَتَدْرِي مَا النَّشُّ، قَال: قُلْتُ لاَ، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ.
(4) قَال أَبُو مَنْصُورٍ:
__________
(1) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 132، وفتح القدير 1 / 520، ومغني المحتاج 1 /
389، والمغني 6 / 682، وكشاف القناع 1 / 155.
(3) حديث عمر: " ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئًا. . ".
أخرجه الترمذي (3 / 414) وقال: حديث حسن صحيح.
(4) حديث: أبي سلمة قال: " سألت عائشة عن صداق رسول الله صلى الله عليه
وسلم. . ". أخرجه مسلم (2 / 1042) .
(38/306)
خَمْسُ أَوَاقٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ. وَقَال
الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: الْغِنَى مِلْكُ أُوقِيَّةٍ، وَهِيَ
أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، (1) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ: مَنْ سَأَل وَلَهُ قِيمَةُ
أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ. (2)
ج - الْحَبَّةُ:
37 - الْحَبَّةُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدَةُ الْحَبِّ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ
لِلْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَكُونُ فِي السُّنْبُل وَالأَْكْمَامِ،
وَالْجَمْعُ حُبُوبٌ، وَحَبَّاتٌ وَحُبَابٌ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ
ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الدِّرْهَمِ. (3)
وَالْفُقَهَاءُ قَلِيلاً مَا يَسْتَعْمِلُونَ كَلِمَةَ حَبَّةٍ مِنْ غَيْرِ
إِضَافَةٍ، وَفِي الْغَالِبِ يُضِيفُونَهَا إِلَى الشَّعِيرِ فَيَقُولُونَ:
حَبَّةُ الشَّعِيرِ، وَيَجْعَلُونَهَا مِعْيَارًا لِبَعْضِ الْمَقَادِيرِ
الشَّرْعِيَّةِ كَالدِّرْهَمِ وَالْقِيرَاطِ، فَإِذَا أَطْلَقُوهَا
فَالْمُرَادُ بِهَا حَبَّةُ الشَّعِيرِ فِي الْغَالِبِ، قَال ابْنُ
عَابِدِينَ: صَرَّحَ الإِْمَامُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ:
دِرْهَمُ مِصْرَ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ
دِرْهَمِ
__________
(1) لسان العرب، والمغني 2 / 662.
(2) حديث: " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف ". أخرجه أبو داود (2 / 279) .
(3) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(38/306)
الزَّكَاةِ، فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ
وَثَمَانُونَ وَحَبَّتَانِ. اهـ. لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْفَتْحِ
بِأَنَّهُ أَصْغَرُ لاَ أَكْبَرُ، لأَِنَّ دِرْهَمَ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ
شُعَيْرَةً، وَدِرْهَمُ مِصْرَ لاَ يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ
شُعَيْرَةً. (1)
وَرُبَّمَا أَضَافَ الْفُقَهَاءُ الْحَبَّةَ إِلَى الْقَمْحِ أَوِ
الْخُرْنُوبِ فَقَالُوا عَنْهَا: قَمْحَةٌ أَوْ خُرْنُوبَةٌ، قَال ابْنُ
عَابِدِينَ: كُل خُرْنُوبَةٍ أَرْبَعُ شَعِيرَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ قَمْحَاتٍ
لأَِنَّا اخْتَبَرْنَا الشَّعِيرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ مَعَ الْقَمْحَةِ
الْمُتَوَسِّطَةِ فَوَجَدْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ. .
وَحَبَّةُ الشَّعِيرِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ هِيَ حَبَّةُ الشَّعِيرِ
الْمُتَوَسِّطَةُ الَّتِي لَمْ تُقَشَّرْ بَعْدَ قَطْعِ مَا دُقَّ مِنْ
طَرَفَيْهَا، وَهِيَ مِعْيَارٌ لِلدِّرْهَمِ وَالْمِثْقَال، وَلَكِنَّ
الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِيرِ الدِّرْهَمِ وَالْمِثْقَال بِهَا.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمِثْقَال اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ
حَبَّةً، وَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمِثْقَال مِائَةُ حَبَّةِ شَعِيرٍ،
وَالدِّرْهَمُ سَبْعُونَ حَبَّةً. (2)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 29.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 29، وحاشية الدسوقي 1 / 447، ومغني المحتاج 1 /
389، 2 / 12، وكشاف القناع 2 / 229. وتقدر الحبة بالموازين الحديثة بـ (0.
0589) جرامًا تقريبًا، انظر المقادير الشرعية ص 146.
(38/307)
مَا يُنَاطُ بِالْحَبَّةِ مِنَ
الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
38 - الْفُقَهَاءُ يَجْعَلُونَ الْحَبَّةَ مِعْيَارًا لِلدِّرْهَمِ
وَالدِّينَارِ وَالْقِيرَاطِ. (1)
د - الرِّطْل:
39 - الرِّطْل فِي اللُّغَةِ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْكَسْرُ
أَشْهَرُ: مِعْيَارٌ يُوزَنُ بِهِ، وَهُوَ مِكْيَالٌ أَيْضًا، وَالرِّطْل
الْبَغْدَادِيُّ يَزِنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
وَقَدْ جَرَى الاِخْتِلاَفُ فِي وَزْنِهِ بِالْمِثْقَال، وَمُقْتَضَى نَصِّ
الْفَيْرُوزَآبَادِي أَنَّهُ دِرْهَمًا، حَيْثُ قَال: الرِّطْل اثْنَتَا
عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَالأُْوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، (2) وَذَهَبَ
الْفَيُّومِيُّ إِلَى أَنَّهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ
دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ. (3) وَذَلِكَ مَعَ
اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الرِّطْل يَزِنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أُوقِيَّةً.
وَالرِّطْل فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ: رِطْلٌ
دِمَشْقِيٌّ وَرِطْلٌ بَغْدَادِيٌّ، وَيُقَال لَهُ عِرَاقِيٌّ، وَالثَّانِي
هُوَ الْمَقْصُودُ لَدَى الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ يَتِمُّ تَقْدِيرُ
الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَدَيْهِمْ، وَالرِّطْل الْبَغْدَادِيُّ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِائَةٌ وَثَلاَثُونَ دِرْهَمًا نَقَلَهُ ابْنُ
عَابِدِينَ وَالْكَمَال بْنُ
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) القاموس المحيط.
(3) المصباح المنير.
(38/307)
الْهُمَامِ (1) ، وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ
فِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّ الرِّطْل أَقَل مِنْ ذَلِكَ فَقَال: كُل رِطْلٍ
مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ
دِرْهَمٍ. (2)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّطْل - وَهُوَ الْبَغْدَادِيُّ
عِنْدَ الإِْطْلاَقِ - مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. (3)
قَال الْبُنَانِيُّ: وَالرِّطْل مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ
دِرْهَمًا مَكِّيًّا، وَهُوَ بِالْمِيزَانِ الصَّغِيرِ بِفَاسَ فِي
وَقْتِنَا اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَرُبُعُ أُوقِيَّةٍ. (4)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال الْمَحَلِّيُّ: وَالرِّطْل الْبَغْدَادِيُّ
مِائَةٌ وَثَلاَثُونَ دِرْهَمًا فِيمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، قَال
النَّوَوِيُّ: الأَْصَحُّ أَنَّ رِطْل بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ
وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقِيل بِلاَ
أَسْبَاعٍ، وَقِيل ثَلاَثُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (5)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الرِّطْل الْعِرَاقِيَّ مِائَةٌ
وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ،
إِلاَّ أَنَّ ابْنَ قُدَامَةَ نَصَّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ فَقَال: هَكَذَا
كَانَ قَدِيمًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهِ مِثْقَالاً فَجَعَلُوهُ
وَاحِدًا وَتِسْعِينَ مِثْقَالاً، وَكَمُل بِهِ مِائَةٌ
__________
(1) فتح القدير 2 / 41، وابن عابدين 2 / 76.
(2) ابن عابدين 1 / 132.
(3) الزرقاني 2 / 131 وحاشية البناني عليه، والشرح الكبير 1 / 447.
(4) الزرقاني 2 / 131.
(5) المحلي على المنهاج 2 / 16 - 17.
(38/308)
وَثَلاَثُونَ دِرْهَمًا، وَقَصَدُوا
بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِزَالَةَ كَسْرِ الدِّرْهَمِ، وَالْعَمَل عَلَى
الأَْوَّل. (1)
أَمَّا الرِّطْل الدِّمَشْقِيُّ فَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ رِطْل بَغْدَادَ أَوِ
الْعِرَاقِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الرِّطْل الدِّمَشْقِيَّ سِتُّمِائَةِ
دِرْهَمٍ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقَدَّرُ بِهِ شَيْءٌ لَدَى الْفُقَهَاءِ
إِلاَّ تَبَعًا لِلرِّطْل الْبَغْدَادِيِّ. (2)
مَا يُنَاطُ بِالرِّطْل مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
40 - يَعْتَمِدُ الْفُقَهَاءُ عَلَى الرِّطْل الْبَغْدَادِيِّ فِي
تَحْدِيدِ الصَّاعِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الصَّاعِ بِالرِّطْل
عَلَى مَذْهَبَيْنِ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَاعٌ ف 7) .
ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ يُنِيطُونَ بِالرِّطْل مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ مَا يُنَاطُ مِنْهَا بِالصَّاعِ كَمِقْدَارِ صَدَقَةِ
الْفِطْرِ، وَنِصَابُ الزَّكَاةِ، وَمِقْدَارُ مَاءِ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ
ذَلِكَ (ر: صَاعٌ 8 - 9) .
__________
(1) المغني 1 / 223.
(2) ابن عابدين 2 / 77، والمحلي على المنهاج 2 / 16 - 17، والمغني 3 / 59،
ومغني المحتاج 1 / 382. ويقدر الرطل البغدادي بالموازين الحديثة (6 و 381)
جرامًا، انظر: المقادير الشرعية ص 227.
(38/308)
هـ - الطَّسُّوجُ:
41 - الطَّسُّوجُ فِي اللُّغَةِ: بِوَزْنِ سَفُّودٍ هُوَ: النَّاحِيَةُ
وَرُبُعُ دَانَقٍ، مُعَرَّبٌ. (1)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: قَال
أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الأَْمْوَال: وَلَمْ يَزَل الْمِثْقَال فِي
آبَادِ الدَّهْرِ مَحْدُودًا لاَ يَزِيدُ وَلاَ يَنْقُصُ. وَالدَّانَقُ
أَرْبَعُ طَسُّوجَاتٍ، وَالطَّسُّوجُ حَبَّتَانِ، وَالْحَبَّةُ
شَعِيرَتَانِ. (2)
و الْقَفْلَةُ:
42 - مِنْ مَعَانِي الْقَفْلَةِ فِي اللُّغَةِ: الْوَازِنُ مِنَ
الدَّرَاهِمِ. (3)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الدِّرْهَمِ
الْعُرْفِيِّ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَرْضِ الْحِجَازِ، وَهُوَ فِي
نَظَرِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَصْغَرُ مِنَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ، وَفِي
نَظَرِ بَعْضِهِمُ الآْخَرِ أَكْبَرُ مِنْهُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَال
بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: الدِّرْهَمُ الآْنَ الْمَعْرُوفُ بِمَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ وَأَرْضِ الْحِجَازِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَفْلَةِ
عَلَى وَزْنِ تَمْرَةٍ، وَهُوَ سِتَّ عَشْرَةَ خُرْنُوبَةً، كُل
خُرْنُوبَةٍ أَرْبَعُ شَعِيرَاتٍ. وَهُوَ يَنْقُصُ عَنِ الدِّرْهَمِ
الشَّرْعِيِّ بِسِتِّ شَعِيرَاتٍ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ أَيْضًا:
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ الْمُتَعَارَفَ أَكْبَرُ مِنَ
__________
(1) القاموس المحيط.
(2) فتح القدير 1 / 522.
(3) القاموس المحيط.
(38/309)
الشَّرْعِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الإِْمَامُ
السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ. (1)
ز - الْقَمْحَةُ:
43 - الْقَمْحَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ حَبَّةُ الْقَمْحِ، وَهُوَ الْبُرُّ.
(2)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ الْمُرَادُ بِهَا وَزْنُهَا، وَهِيَ
مِعْيَارٌ لِمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا مِنَ الأَْوْزَانِ كَالدِّرْهَمِ
وَالدِّينَارِ، وَوَزْنُهَا مُسَاوٍ لِوَزْنِ حَبَّةِ الشَّعِيرِ، قَال
ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّا اخْتَبَرْنَا الشَّعِيرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ
مَعَ الْقَمْحَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَوَجَدْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ،
ثُمَّ قَال: وَهِيَ رُبُعُ قِيرَاطٍ. (3)
ح - الْقِنْطَارُ:
44 - الْقِنْطَارُ فِي اللُّغَةِ: عَلَى وَزْنِ فِنْعَالٍ مِعْيَارٌ،
وَقَال بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ وَزْنٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا هُوَ
أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِينَارٍ، وَقِيل يَكُونُ مِائَةَ مَنٍّ، وَمِائَةَ
رِطْلٍ، وَمِائَةَ مِثْقَالٍ، وَمِائَةَ دِرْهَمٍ، وَقِيل: هُوَ الْمَال
الْكَثِيرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقِيل: هُوَ أَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً
مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ أَلْفٌ وَمِئَتَا دِينَارٍ، وَقِيل غَيْرُ ذَلِكَ. (4)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 29.
(2) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 29.
(4) المصباح المنير، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح.
(38/309)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ قَال
الْقُرْطُبِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيرِ حَدِّهِ كَمْ هُوَ
عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ، فَرَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:
الْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ (1) ، وَقَال
بِذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، قَال ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ أَصَحُّ الأَْقْوَال، لَكِنَّ
الْقِنْطَارَ عَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ فِي قَدْرِ
الأُْوقِيَّةِ. (2)
مَا يُنَاطُ بِالْقِنْطَارِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
45 - يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ الْقِنْطَارَ أَحْيَانًا لِبَيَانِ
الْكَثْرَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ
فَقَال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَال زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (3)
ط - الْقِيرَاطُ:
46 - الْقِيرَاطُ وَالْقِرَاطُ بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ: مِقْدَارٌ
صَغِيرٌ يَخْتَلِفُ وَزْنُهُ بِاخْتِلاَفِ الْبُلْدَانِ، فَفِي مَكَّةَ:
رُبُعُ سُدُسِ دِينَارٍ، وَفِي الْعِرَاقِ: نِصْفُ عُشْرِ دِينَارٍ، وَقَال
بَعْضُ الْحُسَّابِ: الْقِيرَاطُ فِي لُغَةِ الْيُونَانِ حَبَّةُ
خُرْنُوبٍ، وَهُوَ نِصْفُ دَانَقٍ،
__________
(1) حديث: " القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ". أخرجه الطبري في تفسيره (6
/ 245 - ط. المعارف) وقال ابن كثير: حديث منكر، والأقرب أن يكون موقوفًا
على أبي بن كعب.
(2) الجامع لأحكام القرآن 4 / 30 - 31.
(3) سورة النساء / 20.
(38/310)
وَالدِّرْهَمُ عِنْدَهُمُ اثْنَتَا
عَشْرَةَ حَبَّةً، وَالْحُسَّابُ يُقَسِّمُونَ الأَْشْيَاءَ أَرْبَعَةً
وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا، لأَِنَّهُ أَوَّل عَدَدٍ لَهُ ثُمُنٌ وَرُبُعٌ
وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ صَحِيحَاتٌ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ. (1)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ كَمَا هُوَ فِي اللُّغَةِ: مِقْدَارٌ
قَلِيلٌ مِنَ الأَْوْزَانِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِهِ
اخْتِلاَفًا يَسِيرًا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقِيرَاطَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ جُزْءًا مِنَ الدِّرْهَمِ، أَوْ جُزْءٌ مِنْ عِشْرِينَ جُزْءًا،
مِنَ الدِّينَارِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، وَهُوَ وَزْنُ خَمْسِ حَبَّاتِ
شَعِيرٍ أَوْ قَمْحٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالدِّينَارُ عِشْرُونَ
قِيرَاطًا، وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ
خَمْسُ شَعِيرَاتٍ. (2)
وَالْقِيرَاطُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَقَل مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ،
قَال الْحَطَّابُ: فَيَكُونُ وَزْنُ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ قِيرَاطًا وَثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ قِيرَاطٍ وَنِصْفَ خُمُسِ
قِيرَاطٍ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ
خُمُسِ قِيرَاطٍ. (3)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقِيرَاطَ ثَلاَثُ حَبَّاتٍ مِنَ
الشَّعِيرِ، وَالدِّرْهَمَ سِتَّةَ عَشَرَ قِيرَاطًا
__________
(1) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 29، وانظر فتح القدير 1 / 522 - 524.
(3) مواهب الجليل 2 / 291.
(38/310)
وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ، وَقِيل:
أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا. وَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا
حَبَّةٍ مِنَ الشَّعِيرِ. (1)
مَا يُنَاطُ بِالْقِيرَاطِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
47 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْقِيرَاطِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً،
وَقَدْ يَجْعَلُونَهُ مِعْيَارًا لِبَعْضِ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ
كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ كَمَا تَقَدَّمَ.
ي - الْمِثْقَال:
48 - مِثْقَال الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ: مِيزَانُهُ مِنْ مِثْلِهِ، وَهُوَ
مُفْرَدٌ يُجْمَعُ عَلَى مَثَاقِيل، وَالْمِثْقَال دِرْهَمٌ وَثَلاَثَةُ
أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَكُل سَبْعَةِ مَثَاقِيل عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. (2)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ الْمِثْقَال وَزْنُ الدِّينَارِ مِنَ
الذَّهَبِ، قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الْمِثْقَال اسْمٌ لِلْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ بِهِ، وَالدِّينَارُ اسْمٌ
لِلْمُقَدَّرِ بِهِ بِقَيْدِ ذَهَبِيَّتِهِ، (3) وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ
بَعْدَمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنِ الْفَتْحِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ
الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ
الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَال، فَاتِّحَادُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ (4)
وَجَمِيعُ الأَْئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. (5)
__________
(1) تحفة المحتاج وحواشيها 3 / 264.
(2) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(3) فتح القدير 1 / 522.
(4) حاشية ابن عابدين 2 / 29.
(5) حاشية الدسوقي 2 / 201، والعدوي على رسالة ابن أبي زيد 1 / 423، ومغني
المحتاج 1 / 383، والمغني 1 / 223، 3 / 3.
(38/311)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دَنَانِيرُ
ف 7 - 8) .
ك - الْمَنُّ:
49 - الْمَنُّ فِي اللُّغَةِ: وَمِثْلُهُ الْمَنَا: مِكْيَالٌ يُكَال بِهِ
السَّمْنُ وَغَيْرُهُ، وَقِيل هُوَ مِيزَانٌ قَدْرُهُ رِطْلاَنِ، وَهُوَ
مُفْرَدٌ يُجْمَعُ عَلَى أَمْنَانٍ، وَالْمَنَا يُجْمَعُ عَلَى أَمْنَاءٍ.
(1)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمَنُّ رِطْلاَنِ
بَغْدَادِيَّانِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُدُّ وَالْمَنُّ سَوَاءٌ
كُلٌّ مِنْهُمَا رُبُعُ صَاعٍ رِطْلاَنِ بِالْعِرَاقِيِّ. (2)
وَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْمَنَّ إِلَى نَوْعَيْنِ، مَنٍّ صَغِيرٍ
وَمَنٍّ كَبِيرٍ، أَمَّا الْمَنُّ الصَّغِيرُ فَهُوَ رِطْلاَنِ
بَغْدَادِيَّانِ، وَأَمَّا الْمَنُّ الْكَبِيرُ فَهُوَ سِتُّمِائَةِ
دِرْهَمٍ. (3)
مَا يُنَاطُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
50 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَنِّ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً
مُبَاشِرَةً، وَلَكِنْ يَذْكُرُونَهُ مِعْيَارًا لِبَعْضِ الْمَقَادِيرِ
الشَّرْعِيَّةِ الأُْخْرَى كَالْوَسْقِ وَالرِّطْل.
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط،
والمعجم الوسيط.
(2) ابن عابدين 2 / 76.
(3) المحلي على هامش قليوبي عليه 2 / 17.
(38/311)
ل - النَّشُّ:
51 - النَّشُّ فِي اللُّغَةِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَهُوَ نِصْفُ
الأُْوقِيَّةِ وَغَيْرِهَا، قَال ابْنُ الأَْعْرَابِيِّ، وَنَشُّ
الدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ نِصْفُهُ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
قَال أَبُو سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُول اللَّهِ قَالَتْ: كَانَ
صَدَاقُهُ لأَِزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ:
أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ،
فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. (2)
م - النَّوَاةُ
52 - النَّوَاةُ فِي اللُّغَةِ: مُفْرَدٌ يُجْمَعُ عَلَى نَوًى
وَالنَّوَاةُ بَذْرَةُ التَّمْرِ، وَالنَّوَاةُ مِنَ الْعَدَدِ عِشْرُونَ،
أَوْ عَشَرَةٌ، وَالأُْوقِيَّةُ مِنَ الذَّهَبِ، وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ،
أَوْ مَا زِنَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَقِيل غَيْرُ ذَلِكَ. (3)
وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ النَّوَاةِ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ (4)
لِلاِخْتِلاَفِ فِي تَفْسِيرِ النَّوَاةِ فِي
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح.
(2) حديث: أبي سلمة: " سألت عائشة: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ " تقدم فقرة (36) .
(3) القاموس المحيط، والمصباح المنير، ومختار الصحاح، ولسان العرب.
(4) نيل الأوطار 6 / 166.
(38/312)
حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى علي عبد الرحمن
بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: إِني تزوجت امرأة على وزن نواة من
ذهب، قال: بارك الله لك، أو لم ولو بشاة (1) .
ثَالِثًا: الأَْطْوَال وَالْمِسَاحَاتُ:
اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ فِي قِيَاسِ الطُّول وَالْمِسَاحَةِ عَلَى عَدَدٍ
مِنَ الْمَقَايِيسِ أَهَمُّهَا مُرَتَّبًا عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ كَمَا
يَلِي:
أ - الإِْصْبَعُ:
53 - الإِْصْبَعُ فِي اللُّغَةِ: مُؤَنَّثَةٌ وَيَجُوزُ فِيهَا
التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ أَشْهَرُ، وَفِيهَا عَشْرُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ
الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَالْعَاشِرَةُ: أُصْبُوعٌ وِزَانُ
عُصْفُورٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ لُغَاتِهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ فَتْحِ
الْبَاءِ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الأَْصَابِعِ وَالأَْصَابِيعِ. (2)
وَالإِْصْبَعُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ مِقْيَاسٌ لِلطُّول يُسَاوِي
عَرْضَ سِتِّ شُعِيرَاتٍ مُعْتَدِلاَتٍ بَطْنُ إِحْدَاهَا لِظَهْرِ
الأُْخْرَى وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتِ بَغْلٍ.
__________
(1) حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر
صفرة ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 221) .
(2) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(38/312)
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهِيَ - أَيِ
الإِْصْبَعُ - سِتُّ شُعَيْرَاتٍ ظَهْرٌ لِبَطْنٍ وَهِيَ - أَيِ
الشُّعَيْرَةُ - سِتُّ شَعَرَاتِ بَغْلٍ. (1)
مَا يُنَاطُ بِالإِْصْبَعِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
54 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالإِْصْبَعِ مِنَ الْمِسَاحَاتِ أَيًّا
مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَكِنْ يَجْعَلُونَهَا مِعْيَارًا
لِغَيْرِهَا مِنَ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْقَبْضَةِ
وَالذِّرَاعِ.
ب - الْبَاعُ:
55 - الْبَاعُ فِي اللُّغَةِ قَدْرُ مَدِّ الْيَدَيْنِ كَالْبَوعِ
وَيُضَمُّ، وَجَمْعُهُ أَبْوَاعٌ.
وَقَال أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مُذَّكَّرٌ يُقَال هَذَا بَاعٌ، وَهُوَ
مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْكَفَّيْنِ إِذَا بَسَطْتَهُمَا يَمِينًا
وَشِمَالاً. (2)
وَالْبَاعُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَهُمْ،
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْبَاعَ ذِرَاعَانِ. (3)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 155، 156، ومثله في مغني المحتاج 1 / 266،
والبهجة شرح التحفة 1 / 34. ويقدر الإصبع بالمقاييس الحديثة بـ (925 و 1)
سم تقريبًا، انظر: الخراج والنظم المالية ص 287 - 289.
(2) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(3) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 1 / 155، والبهجة شرح التحفة 1 /
34.
(38/313)
مَا يُنَاطُ بِالْبَاعِ مِنَ الأَْحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ:
56 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْبَاعِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً،
وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهُ فِي أَضْعَافِ الذِّرَاعِ، وَفِي أَجْزَاءِ
الْمِيل وَالْفَرْسَخِ.
ج - الْبَرِيدُ:
57 - مِنْ مَعَانِي الْبَرِيدِ فِي اللُّغَةِ: أَنَّهُ مِقْدَارٌ مِنَ
الْمَسَافَةِ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ مِيلاً (1) وَجَمْعُهُ بُرُدٌ.
وَالْبَرِيدُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَفِي
قَوْلٍ مَرْجُوحٍ لِلْمَالِكِيَّةِ هُوَ فَرْسَخَانِ. (2)
مَا يُنَاطُ بِالْبَرِيدِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
58 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ
الْمُثْبِتَ لِلرُّخَصِ يَرْتَبِطُ بِالْمَسَافَةِ، وَمَسَافَةُ السَّفَرِ
هَذِهِ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. (3)
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 155، والدسوقي 1 / 358، ومغني المحتاج 1 / 266،
والمغني 2 / 255، 256.
(3) حاشية الدسوقي 1 / 358، ومغني المحتاج 1 / 266، والمغني 2 / 255.
(38/313)
د - الْجَرِيبُ:
59 - الْجَرِيبُ لُغَةً: قَال الْفَيُّومِيُّ: الْجَرِيبُ الْوَادِي، ثُمَّ
اسْتُعِيرَ لِلْقِطْعَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ مِنَ الأَْرْضِ، فَقِيل: فِيهَا
جَرِيبٌ، وَجَمْعُهَا أَجْرِبَةٌ وَجُرْبَانٌ بِالضَّمِّ، وَيَخْتَلِفُ
مِقْدَارُهَا بِحَسَبِ اصْطِلاَحِ أَهْل الأَْقَالِيمِ كَاخْتِلاَفِهِمْ
فِي مِقْدَارِ الرِّطْل وَالْكَيْل وَالذِّرَاعِ.
ثُمَّ قَال: وَفِي كِتَابِ الْمِسَاحَةِ لِلسَّمَوْءَل: الْجَرِيبُ
عَشَرَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ، وَجَرِيبُ الطَّعَامِ أَرْبَعَةُ أَقْفِزَةٍ،
قَالَهُ الأَْزْهَرِيُّ (1) .
وَالْجَرِيبُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ مِقْدَارٌ مِنَ الْمِسَاحَةِ
وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّ مِسَاحَتَهُ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسِتُّمِائَةِ
ذِرَاعٍ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الْجَرِيبَ سِتُّونَ ذِرَاعًا
فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ كِسْرَى، وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ،
وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَقِيل:
الْمُعْتَبَرُ فِي الذِّرَاعِ فِي كُل بَلْدَةٍ عُرْفُهُمْ. (2)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَرِيبَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي
سِتِّينَ ذِرَاعًا بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ، وَهِيَ ذِرَاعٌ وَثُلُثٌ
بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَالذِّرَاعُ الْهَاشِمِيُّ سِتُّ قَبَضَاتٍ،
وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ. (3)
__________
(1) المصباح المنير.
(2) حاشية ابن عابدين 3 / 260، وانظر تبيين الحقائق 3 / 283.
(3) المنتقى للباجي 3 / 220.
(38/314)
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: الْجَرِيبُ هُوَ
ثَلاَثَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَلَعَل هَذَا فِي
اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَصَبَةَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ
فَقَطْ. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجَرِيبَ عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي
عَشْرِ قَصَبَاتٍ، وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، الْمَعْرُوفِ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ، وَهِيَ
ذِرَاعٌ وَسَطٌ أَيْ بِيَدِ الرَّجُل الْمُتَوَسِّطِ الطُّول، وَقَبْضَةٌ
وَإِبْهَامٌ قَائِمَةٌ، فَيَكُونُ الْجَرِيبُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ ذِرَاعٍ
وَسِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ مُكَسَّرًا. (2)
مَا يُنَاطُ بِالْجَرِيبِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
60 - أَنَاطَ الْفُقَهَاءُ بِالْجَرِيبِ مِنَ الأَْرْضِ مِقْدَارَ
الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ
فِي كُل جَرِيبٍ مِنَ الأَْرْضِ صَالِحٍ لِلزِّرَاعَةِ فِي كُل سَنَةٍ
قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا، وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ (3)
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْل الْمُتَّصِل
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَزْرُوعَاتِ يُوضَعُ
عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ بِمَا لاَ يَزِيدُ عَلَى
__________
(1) القليوبي على المحلي 4 / 224.
(2) كشاف القناع 3 / 97، 98.
(3) الرطبة: وزان غرفة الخلا وهو الغض من الكلأ.
(38/314)
نِصْفِ النَّاتِجِ. (1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَلَى كُل جَرِيبٍ مِنَ الْبُرِّ
ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى كُل جَرِيبٍ مِنَ الشَّعِيرِ
أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى كُل جَرِيبٍ مِنَ التَّمْرِ
سِتَّةً. (2)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفَ عَلَى
الأَْرْضِ فِي كُل سَنَةٍ هُوَ مَا فَرَضَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ،
وَهُوَ عَلَى كُل جَرِيبِ شَعِيرٍ دِرْهَمَانِ، وَعَلَى كُل جَرِيبِ
حِنْطَةٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُل جَرِيبِ شَجَرٍ وَقَصَبِ
سُكَّرٍ سِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُل جَرِيبِ نَخْلٍ ثَمَانِيَةُ
دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُل جَرِيبِ كَرْمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَقِيل
النَّخْل عَشَرَةٌ، وَعَلَى كُل جَرِيبِ زَيْتُونٍ اثْنَا عَشَرَ
دِرْهَمًا. (3)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُل سَنَةٍ عَلَى
جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمٌ وَقَفِيزٌ، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةُ
دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُل جَرِيبِ نَخْلٍ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُل
جَرِيبِ رَطْبَةٍ سِتَّةُ دَرَاهِمَ. (4)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خَرَاجٌ ف 25 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 2 / 238.
(2) المنتقى شرح الموطأ للباجي 3 / 220.
(3) روضة الطالبين 10 / 276.
(4) المبدع 3 / 381.
(38/315)
هـ - الْخُطْوَةُ:
61 - الْخُطْوَةُ فِي اللُّغَةِ: بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا مَا بَيْنَ
الْقَدَمَيْنِ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَالْمَفْتُوحُ يُجْمَعُ عَلَى خَطَوَاتٍ
كَشَهَوَاتِ، وَالْمَضْمُومُ يُجْمَعُ عَلَى خُطًى وَخُطُوَاتٍ كَغُرَفٍ
وَغُرُفَاتٍ. (1)
وَالْخُطْوَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ
جُزْءٍ مِنَ الْمِيل، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمِيل أَرْبَعَةُ آلاَفِ خُطْوَةٍ، كَمَا
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخُطْوَةَ ثَلاَثَةُ أَقْدَامٍ. (2)
الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطَةُ بِالْخُطْوَةِ:
62 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْخُطْوَةِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً،
وَرُبَّمَا ذَكَرُوهَا عَرَضًا فِي بَعْضِ الأَْحْكَامِ، مِنْ ذَلِكَ مَا
ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ حَيْثُ قَال: قَال الْقَاضِي: لَوْ خَرَجَ إِلَى
ضَيْعَةٍ لَهُ فَفَارَقَ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِل وَلَوْ بِخَمْسِينَ
خُطْوَةً جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلاَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ. (3)
و الذِّرَاعُ: 63 - الذِّرَاعُ فِي اللُّغَةِ: الْيَدُ مِنْ كُل حَيَوَانٍ،
لَكِنَّهَا فِي الإِْنْسَانِ مِنَ الْمِرْفَقِ إِلَى أَطْرَافِ
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 155، ومغني المحتاج 1 / 261 - 266.
(3) المغني 1 / 233، 234.
(38/315)
الأَْصَابِعِ، أَوْ مِنَ الْمِرْفَقِ إِلَى
طَرَفِ الإِْصْبَعِ الْوُسْطَى، وَيَجْرِي بِهَا الْقِيَاسُ، وَهِيَ
ذِرَاعُ الإِْنْسَانِ الْمُتَوَسِّطِ، وَقُدِّرَتْ بِسِتِّ قَبَضَاتٍ
مُعْتَدِلاَتٍ، وَتُسَمَّى ذِرَاعَ الْعَامَّةِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ
وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُذَكِّرُهَا. (1)
وَالذِّرَاعُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ مِقْيَاسٌ لِلطُّول، وَلَهَا
أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةُ الطُّول، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ لَهَا
سَبْعَةَ أَنْوَاعٍ، فَقَال: وَأَمَّا الذِّرَاعُ فَالأَْذْرُعُ سَبْعٌ،
أَقْصَرُهَا الْقَاضِيَةُ، ثُمَّ الْيُوسُفِيَّةُ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ،
ثُمَّ الْهَاشِمِيَّةُ الصُّغْرَى وَهِيَ الْبِلاَلِيَّةُ، ثُمَّ
الْهَاشِمِيَّةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الزِّيَادِيَّةُ، ثُمَّ الْعُمَرِيَّةُ،
ثُمَّ الْمِيزَانِيَّةُ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ اسْمِ وَاضِعِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَال: فَأَمَّا الْقَاضِيَةُ،
وَتُسَمَّى ذِرَاعَ الدُّورِ فَهِيَ أَقَل مِنْ ذِرَاعِ السَّوْدَاءِ
بِإِصْبَعٍ وَثُلُثَيْ إِصْبَعٍ، وَأَوَّل مَنْ وَضَعَهَا ابْنُ أَبِي
لَيْلَى الْقَاضِي، وَبِهَا يَتَعَامَل أَهْل كَلْوَاذِيَ.
وَأَمَّا الْيُوسُفِيَّةُ، وَهِيَ الَّتِي تَذَرَّعَ بِهَا الْقُضَاةُ
الدُّورَ بِمَدِينَةِ السَّلاَمِ، فَهِيَ أَقَل مِنَ الذِّرَاعِ
السَّوْدَاءِ، بِثُلُثَيْ إِصْبَعٍ، وَأَوَّل مَنْ وَضَعَهَا أَبُو يُوسُفَ
الْقَاضِي.
وَأَمَّا الذِّرَاعُ السَّوْدَاءُ فَهِيَ أَطْوَل مِنْ ذِرَاعِ
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(38/316)
الدُّورِ بِإِصْبَعٍ وَثُلُثَيْ إِصْبَعٍ،
وَأَوَّل مَنْ وَضَعَهَا الرَّشِيدُ قَدَّرَهَا بِذِرَاعِ خَادِمٍ أَسْوَدَ
كَانَ عَلَى رَأْسِهِ، وَهِيَ الَّتِي يَتَعَامَل بِهَا النَّاسُ فِي
ذِرَاعِ الْبَزِّ، وَالتِّجَارَةِ، وَالأَْبْنِيَةِ، وَقِيَاسِ نِيل
مِصْرَ.
وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْهَاشِمِيَّةُ الصُّغْرَى وَهِيَ الْبِلاَلِيَّةُ
فَهِيَ أَطْوَل مِنَ الذِّرَاعِ السَّوْدَاءِ بِإِصْبَعَيْنِ وَثُلُثَيْ
إِصْبَعٍ، وَأَوَّل مَنْ أَحْدَثَهَا بِلاَل بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَذَكَرَ
أَنَّهَا ذِرَاعُ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ، وَهِيَ أَنْقَصُ مِنَ الزِّيَادِيَّةِ بِثَلاَثَةِ
أَرْبَاعِ عُشْرٍ، وَبِهَا يَتَعَامَل النَّاسُ بِالْبَصْرَةِ
وَالْكُوفَةِ.
وَأَمَّا الْهَاشِمِيَّةُ الْكُبْرَى وَهِيَ ذِرَاعُ الْمَلِكِ، وَأَوَّل
مَنْ نَقَلَهَا إِلَى الْهَاشِمِيَّةِ الْمَنْصُورُ، فَهِيَ أَطْوَل مِنَ
الذِّرَاعِ السَّوْدَاءِ بِخَمْسِ أَصَابِعَ وَثُلُثَيْ إِصْبَعٍ،
فَتَكُونُ ذِرَاعًا وَثُمُنًا وَعُشْرًا بِالسَّوْدَاءِ، وَتَنْقُصُ
عَنْهَا الْهَاشِمِيَّةُ الصُّغْرَى بِثَلاَثَةِ أَرْبَاعِ عُشْرٍ،
وَسُمِّيَتْ زِيَادِيَّةً لأَِنَّ زِيَادًا مَسَحَ بِهَا أَرْضَ
السَّوَادِ، وَهِيَ الَّتِي يَزْرَعُ بِهَا أَهْل الأَْهْوَازِ.
وَأَمَّا الذِّرَاعُ الْعُمَرِيَّةُ، فَهِيَ ذِرَاعُ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الَّتِي مَسَحَ بِهَا أَرْضَ
السَّوَادِ، وَقَال مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ: رَأَيْتُ ذِرَاعَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الَّتِي مَسَحَ بِهَا أَرْضَ
السَّوَادِ، وَهِيَ ذِرَاعٌ وَقَبْضَةٌ وَإِبْهَامٌ قَائِمَةٌ، قَال
الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ:
(38/316)
أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ عَمَدَ إِلَى أَطْوَلِهَا ذِرَاعًا وَأَقْصَرِهَا وَأَوْسَطِهَا،
فَجَمَعَ مِنْهَا ثَلاَثَةً وَأَخَذَ الثُّلُثَ مِنْهَا، وَزَادَ عَلَيْهِ
قَبْضَةً وَإِبْهَامًا قَائِمَةً ثُمَّ خَتَمَ طَرَفَيْهَا بِالرَّصَاصِ
وَبَعَثَ بِذَلِكَ إِلَى حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ حَتَّى
مَسَحَا بِهَا السَّوَادَ، وَكَانَ أَوَّل مَنْ مَسَحَ بِهَا بَعْدَهُ
عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ.
أَمَّا الذِّرَاعُ الْمِيزَانِيَّةُ، فَتَكُونُ بِالذِّرَاعِ السَّوْدَاءِ
ذِرَاعَيْنِ وَثُلُثَيْ ذِرَاعٍ وَثُلُثَيْ إِصْبَعٍ، وَأَوَّل مَنْ
وَضَعَهَا الْمَأْمُونُ، وَهِيَ الَّتِي يَتَعَامَل النَّاسُ فِيهَا فِي
ذَرِعِ الْبَرَائِدِ وَالْمَسَاكِنِ وَالأَْسْوَاقِ وَكِرَاءِ الأَْنْهَارِ
وَالْحَفَائِرِ. (1)
64 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الذِّرَاعِ الَّتِي تُقَدَّرُ
بِهَا الْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى أَقْوَالٍ كَمَا يَلِي:
اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الذِّرَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ
عِنْدَهُمْ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهُوَ سَبْعُ
قَبَضَاتٍ فَقَطْ، أَيْ بِلاَ إِصْبَعٍ قَائِمَةٍ، وَهَذَا مَا فِي
الْوَلْوَالِجِيَّةُ، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ
أَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُل قَبْضَةٍ إِصْبَعٌ قَائِمَةٌ،
فَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضَةِ
أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ قَرِيبٌ
مِنْ
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص 152، 153.
(38/317)
ذِرَاعِ الْيَدِ، لأَِنَّهُ سِتُّ
قَبَضَاتٍ وَشَيْءٌ، وَذَلِكَ شِبْرَانِ. (1)
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: نَقْلاً عَنِ الْمُحِيطِ وَالْكَافِي: أَنَّهُ
يُعْتَبَرُ فِي كُل زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ قَال فِي النَّهْرِ:
وَهُوَ الأَْنْسَبُ. (2)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الذِّرَاعَ سِتٌّ وَثَلاَثُونَ
إِصْبَعًا، قَال التَّسُولِيُّ: وَالذِّرَاعُ مَا بَيْنَ طَرَفَيِ
الْمِرْفَقِ وَرَأْسِ الإِْصْبَعِ الْوُسْطَى، كُل ذِرَاعٍ سِتٌّ
وَثَلاَثُونَ إِصْبَعًا، (3) وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لاِبْنِ حَبِيبٍ
مُؤَدَّاهُ أَنَّ الذِّرَاعَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا، وَقَال
التَّسُولِيُّ: وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: وَالذِّرَاعُ شِبْرَانِ، وَالشِّبْرُ
اثْنَا عَشَرَ أُصْبُعًا. (4)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الذِّرَاعَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ
إِصْبَعًا، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ
وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَاتٍ. (5)
الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطَةُ بِالذِّرَاعِ:
65 - اسْتَعْمَل الْحَنَفِيَّةُ الذِّرَاعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا
مِقْدَارُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُمْ أَنَّ الْكَثِيرَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 131.
(2) ابن عابدين 1 / 131.
(3) البهجة شرح التحفة 1 / 34.
(4) البهجة شرح التحفة 1 / 34.
(5) مغني المحتاج 1 / 266.
(38/317)
مَا كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، أَيْ
عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، (1) وَبِهِ أَفْتَى
الْمُتَأَخِّرُونَ الأَْعْلاَمُ.
وَمِنْهَا فِي مِقْدَارِ ابْتِعَادِ الْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُل فِي صَلاَةِ
الْجَمَاعَةِ إِذَا اقْتَدَيَا بِإِمَامِ وَاحِدٍ قَال الْحَصْكَفِيُّ:
وَإِذَا حَاذَتْهُ. امْرَأَةٌ وَلَوْ أَمَةٌ مُشْتَهَاةٌ. وَلاَ حَائِل
بَيْنَهُمَا أَقَلُّهُ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ فِي صَلاَةٍ مُشْتَرَكَةٍ
فَسَدَتْ صَلاَتُهُ لَوْ مُكَلَّفًا، وَإِلاَّ لاَ. (2)
ز - الشِّبْرُ:
66 - الشِّبْرُ فِي اللُّغَةِ: مَا بَيْنَ طَرَفَيِ الْخِنْصَرِ
وَالإِْبْهَامِ بِالتَّفْرِيجِ الْمُعْتَادِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ يُجْمَعُ
عَلَى أَشْبَارٍ، وَهُوَ مُذَّكَّرٌ. (3)
وَالشِّبْرُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ نِصْفُ ذِرَاعٍ، اثْنَا عَشَرَ
إِصْبَعًا، قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي الْكَلاَمِ عَنِ الذِّرَاعِ: وَهُوَ
قَرِيبٌ مِنْ ذِرَاعِ الْيَدِ لأَِنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَشَيْءٌ،
وَذَلِكَ شِبْرَانِ. (4)
وَقَال التَّسُولِيُّ: وَالذِّرَاعُ شِبْرَانِ، وَالشِّبْرُ اثْنَا عَشَرَ
إِصْبَعًا. (5)
مَا يُنَاطُ بِالشِّبْرِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
67 - وَرَدَ تَقْدِيرُ بَعْضِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 129.
(2) ابن عابدين 1 / 387.
(3) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(4) ابن عابدين 1 / 131.
(5) البهجة شرح التحفة 1 / 34.
(38/318)
بِالشِّبْرِ مِثْل: تَقْدِيرِ تَسْنِيمِ
الْقَبْرِ بِالشِّبْرِ.
(ر: مُصْطَلَحَ: قَبْرٌ ف 12، وَتَسْنِيم ف 2) .
وَإِسْبَال ثَوْبِ الْمَرْأَةِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا.
(ر: مُصْطَلَحَ: إِسْبَال ف 4) .
وَتَقْدِيرُ عُمْقِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ - إِذَا كَانَ عَشْرًا بِعَشْرٍ -
بِذِرَاعٍ أَوْ شِبْرٍ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ
عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لاَ تَنْكَشِفُ أَرْضُهُ بِالْغَرْفِ
مِنْهُ. (1)
ح - الشَّعْرَةُ:
68 - الشَّعْرُ فِي اللُّغَةِ: بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا نَبْتَةُ
الْجِسْمِ مِمَّا لَيْسَ بِصُوفٍ وَلاَ وَبَرٍ، وَبِالسُّكُونِ يُجْمَعُ
عَلَى شُعُورٍ، وَبِالْفَتْحِ عَلَى أَشْعَارٍ وَهُوَ مِنَ الإِْنْسَانِ
وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُذَّكَّرٌ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ شَعْرَةٌ، وَإِنَّمَا
جُمِعَ الشَّعْرُ تَشْبِيهًا لاِسْمِ الْجِنْسِ بِالْمُفْرَدِ. (2)
وَالشَّعْرَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ هِيَ
شَعْرَةُ الْبِرْذَوْنِ خَاصَّةً وَهُوَ الْبَغْل، وَهِيَ فِي الْمِقْيَاسِ
مِنْ أَجْزَاءِ الإِْصْبَعِ وَالذِّرَاعِ عِنْدَهُمْ، وَمِقْدَارُهَا
سُدُسُ عَرْضِ شَعِيرَةٍ بِالاِتِّفَاقِ. (3)
__________
(1) مراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي ص 16.
(2) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(3) ابن عابدين 1 / 155، والبهجة شرح التحفة 1 / 34، ومغني المحتاج 1 /
266، وكشاف القناع 1 / 504.
(38/318)
الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطُ
بِالشَّعْرَةِ:
69 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالشَّعْرَةِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً
مُبَاشِرَةً، وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الشَّعْرَةَ مِعْيَارًا
لِغَيْرِهَا مِنَ الأَْطْوَال كَالذِّرَاعِ وَالإِْصْبَعِ وَالشَّعِيرَةِ.
(1)
ط - الشَّعِيرَةُ:
70 - مِنْ مَعَانِي الشَّعِيرَةِ فِي اللُّغَةِ: أَنَّهَا وَاحِدَةُ
الشَّعِيرِ، وَهُوَ نَبَاتٌ عُشْبِيٌّ حَبِّيٌّ شَتَوِيٌّ مِنَ
الْفَصْلِيَّةِ النَّجِيلِيَّةِ وَهُوَ دُونَ الْبُرِّ فِي الْغِذَاءِ. (2)
وَالشَّعِيرَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَقَادِيرِ
الشَّرْعِيَّةِ: حَبَّةُ الشَّعِيرِ، وَهِيَ مِعْيَارٌ لِلأَْطْوَال مِنْ
حَيْثُ عَرْضُهَا، وَمِعْيَارٌ لِلأَْوْزَانِ مِنْ حَيْثُ وَزْنُهَا
وَثِقَلُهَا.
وَعَرْضُ الشَّعِيرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ - هِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا -
بَطْنٌ لِظَهْرٍ مِقْيَاسٌ لِلإِْصْبَعِ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ لَدَى
الْفُقَهَاءِ بِعَرْضِ سِتِّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعَرِ الْبِرْذَوْنِ -
الْبَغْل - (3) .
وَالشَّعِيرَةُ وَهِيَ مِعْيَارٌ لِلدِّرْهَمِ وَالْمِثْقَال
وَالْقِيرَاطِ، وَالْمُرَادُ الشَّعِيرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الَّتِي قُطِعَ
رَأْسَاهَا، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) المعجم الوسيط.
(3) ابن عابدين 1 / 155، والبهجة شرح التحفة 1 / 34، ومغني المحتاج 1 /
266.
(38/319)
قِيرَاطِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ خَمْسُ
حَبَّاتٍ بِخِلاَفِ قِيرَاطِ الدِّرْهَمِ الْعُرْفِيِّ، (1) وَقَال:
لأَِنَّ دِرْهَمَ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً، (2) ثُمَّ قَال: كُل
خُرْنُوبَةٍ أَرْبَعُ شَعِيرَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ قَمْحَاتٍ، لأَِنَّا
اخْتَبَرْنَا الشَّعِيرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ مَعَ الْقَمْحَةِ
الْمُتَوَسِّطَةِ فَوَجَدْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ، (3) ثُمَّ قَال:
قِيرَاطُ خَمْسِ شَعِيرَاتٍ. (4)
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْمِثْقَال لَمْ يَتَغَيَّرْ
جَاهِلِيَّةً وَلاَ إِسْلاَمًا، وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً،
وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا
مَا دَقَّ وَطَال. فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ. (5)
مَا يُنَاطُ بِالشَّعِيرَةِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
71 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالشَّعِيرَةِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً
وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا مِعْيَارًا لأَِضْعَافِهَا مِنَ الأَْوْزَانِ
وَالأَْطْوَال كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ هُمْ يَذْكُرُونَ الشَّعِيرَ مِنْ
حَيْثُ هُوَ مَادَّةٌ غِذَائِيَّةٌ ذَاتُ قِيمَةٍ مَالِيَّةٍ فِي زَكَاةِ
الزُّرُوعِ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَفِي النَّفَقَةِ.
__________
(1) ابن عابدين 2 / 29.
(2) ابن عابدين 2 / 29.
(3) ابن عابدين 2 / 29.
(4) ابن عابدين 2 / 29.
(5) مغني المحتاج 1 / 389.
(38/319)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف
97، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ ف 12 وَرِبَا ف 10 وَمَا بَعْدَهَا، وَنَفَقَةٌ) .
ي - الْعَشِيرُ:
72 - الْعَشِيرُ فِي اللُّغَةِ: الْعُشْرُ وَكَذَلِكَ الْمِعْشَارُ
وَالْعُشْرُ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ وَقِيل: إِنَّ الْمِعْشَارَ
عُشْرُ الْعَشِيرِ، وَالْعَشِيرُ عُشْرُ الْعُشْرِ. (1)
وَالْعَشِيرُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ مَا مِسَاحَتُهُ قَصَبَةٌ فِي
قَصَبَةٍ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْعَشِيرُ قَصَبَةٌ فِي قَصَبَةٍ،
وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَالْعَشِيرُ سِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ
ذِرَاعًا، وَهُوَ عُشْرُ الْقَفِيزِ. (2)
مَا يُنَاطُ بِالْعَشِيرِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
73 - لاَ يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْعَشِيرِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً
مُبَاشِرَةً، وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهُ أَحْيَانًا بَيْنَ أَضْعَافِ
الذِّرَاعِ وَالْقَصَبَةِ، وَأَجْزَاءِ الْجَرِيبِ وَالْقَفِيزِ.
ك - الْغَلْوَةُ:
74 - الْغَلْوَةُ فِي اللُّغَةِ: رَمْيَةُ سَهْمٍ أَبْعَدَ مَا يَقْدِرُ
عَلَيْهِ، وَقِيل: هِيَ قَدْرُ ثَلاَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إِلَى
أَرْبَعِمِائَةٍ، وَجَمْعُهَا غَلَوَاتٌ، أَوْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ
وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ الْفَرْسَخِ. (3)
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) الأحكام السلطانية ص 152.
(3) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(38/320)
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ
فِي مِقْدَارِ الْغَلْوَةِ فَقِيل: هِيَ ثَلاَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَقِيل:
ثَلاَثُمِائَةٍ إِلَى أَرْبَعِمِائَةِ خُطْوَةٍ، وَقِيل: هِيَ رَمْيَةُ
سَهْمٍ دُونَ تَحْدِيدٍ دَقِيقٍ بِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ
نَقْلاً عَنِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ عَنِ الْمُجْتَبِي: هِيَ ثَلاَثُمِائَةِ
ذِرَاعٍ إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ هُوَ الأَْصَحُّ. (1)
مَا يُنَاطُ بِالْغَلْوَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
75 - قَلِيلاً مَا يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ الْغَلْوَةَ فِي تَقْدِيرِهِمْ
لِلأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ تَقْدِيرَ
الْبُعْدِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ
لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِ بِأَنَّهُ قَدْرُ غَلْوَةٍ، قَال الْحَصْكَفِيُّ،
وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ طَلَبُهُ وَلَوْ بِرَسُولِهِ - أَيِ الْمَاءِ
لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِهِ - قَدْرَ غَلْوَةٍ. (2)
وَقَال النَّوَوِيُّ: فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَرَدُّدٍ - أَيِ
الْمُتَيَمِّمُ عِنْدَ طَلَبِهِ لِلْمَاءِ - تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ،
قَال الشِّرْبِينِيُّ تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ: قَدْرَ نَظَرِهِ أَيْ فِي
الْمُسْتَوَى مِنَ الأَْرْضِ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِغَلْوَةِ
سَهْمٍ، أَيْ غَايَةِ رَمْيَةٍ. (3)
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَصْكَفِيُّ الْغَلْوَةَ لِتَقْدِيرِ بُعْدِ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 164، 526، ومغني المحتاج 1 / 88.
(2) ابن عابدين 1 / 164.
(3) مغني المحتاج 1 / 88.
(38/320)
الْفِنَاءِ عَنِ الْبُنْيَانِ الَّذِي
يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مُغَادَرَتُهُ لِيُعَدَّ مُسَافِرًا، فَقَال: وَفِي
الْخَانِيَّةِ: إِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِنَاءِ وَالْمِصْرِ: أَقَل مِنْ
غَلْوَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ
وَإِلاَّ فَلاَ. (1)
ل - الْفَرْسَخُ:
76 - الْفَرْسَخُ فِي اللُّغَةِ: ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ بِالْهَاشِمِيِّ،
أَوْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ غَلْوَةً (2) ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
ذِرَاعٍ أَوْ عَشَرَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ (3) .
وَالْفَرْسَخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ (4) .
مَا يُنَاطُ بِالْفَرْسَخِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
77 - قَدَّرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِالْفَرْسَخِ مَسَافَةَ السَّفَرِ
الْمُثْبِتِ لِلرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ،
وَقَصْرِ الصَّلاَةِ. وَذَكَرُوا أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ هَذِهِ (16)
سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا - وَتُسَاوِي (48) ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ
مِيلاً (5) .
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا: إِنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ تُقَدَّرُ
بِالْمَرَاحِل لاَ بِالْفَرَاسِخِ، قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَلاَ اعْتِبَارَ
بِالْفَرَاسِخِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأَِنَّ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 526.
(2) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(3) القاموس المحيط.
(4) ابن عابدين 1 / 527، 175، والدسوقي 1 / 358، ومغني المحتاج 1 / 266،
المغني 2 / 255، 256.
(5) الدسوقي 1 / 358، ومغني المحتاج 1 / 266، وحاشية عميرة على المحلي 1 /
259، والمغني 2 / 255.
(38/321)
الْفَرَاسِخَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ
الطَّرِيقِ فِي السَّهْل وَالْجَبَل وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِخِلاَفِ
الْمَرَاحِل (1) .
م - الْقَبْضَةُ:
78 - الْقَبْضَةُ فِي اللُّغَةِ: مَا أَخَذْتَ بِجَمْعِ كَفِّكَ كُلِّهِ،
فَإِذَا كَانَ بِأَصَابِعِكَ فَهِيَ الْقَبْصَةُ، بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ
وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ (2) .
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: الْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مِنْ
أَصَابِعِ يَدِ الإِْنْسَانِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ
الذِّرَاعِ، وَمِنْ أَضْعَافِ الإِْصْبَعِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً
عَنْ نُوحٍ أَفَنْدِي: وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضَةِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ
مَضْمُومَةٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ - أَيِ الذِّرَاعُ - قَرِيبٌ
مِنْ ذِرَاعِ الْيَدِ لأَِنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَشَيْءٌ، وَذَلِكَ
شِبْرَانِ (3) .
مَا يُنَاطُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
79 - لاَ يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ كَثِيرًا الْقَبْضَةَ فِي تَقْدِيرِ
الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهَا فِي تَقْدِيرِ
أَضْعَافِهَا بِهَا، وَفِي حِسَابِ أَجْزَائِهَا، كَالذِّرَاعِ
وَالإِْصْبَعِ، وَرُبَّمَا ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ عَرَضًا فِي بَعْضِ
الأَْحْكَامِ، مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي كَفَّارَةِ مُخَالَفَةِ
أَحْكَامِ الإِْحْرَامِ لِلْحَاجِّ، فَقَدْ قَال
__________
(1) ابن عابدين 1 / 527.
(2) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير.
(3) ابن عابدين 1 / 131.
(38/321)
الْحَصْكَفِيُّ: وَإِنْ طَيَّبَ أَقَل مِنْ
عُضْوٍ أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ أَقَل مِنْ يَوْمٍ تَصَدَّقَ
بِنِصْفِ صَاعٍ، وَفِي الْخِزَانَةِ فِي السَّاعَةِ نِصْفُ صَاعٍ، وَفِيمَا
دُونَهَا قَبْضَةٌ (1) ، أَيْ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا.
ق - الْقَدَمُ:
80 - الْقَدَمُ فِي الإِْنْسَانِ مَا يَطَأُ الأَْرْضَ مِنَ الرِّجْل،
وَفَوْقَهَا السَّاقُ، وَبَيْنَهُمَا الْمَفْصِل الْمُسَمَّى الرُّسْغُ
أَوِ الْكَعْبُ، وَالْقَدَمُ مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ مُفْرَدٌ يُجْمَعُ عَلَى
أَقْدَامٍ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ،
إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الْقَدَمَ وَحْدَةً
لِقِيَاسِ الْمَسَافَةِ، وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ أَجْزَاءِ الذِّرَاعِ
وَالْمِيل، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْقَدَمَانِ ذِرَاعٌ (3) ،
وَقَال الْمَقْدِسِيُّ: وَالْمِيل اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ (4) .
مَا يُنَاطُ بِالْقَدَمِ مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ:
81 - يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ الْقَدَمِ بِصِفَتِهَا عُضْوًا مِنْ
أَعْضَاءِ الإِْنْسَانِ فِي أَبْوَابٍ عِدَّةٍ مِنَ الْفِقْهِ، مِنْهَا
الْقِصَاصُ، وَالتَّعْزِيرُ، وَالْوُضُوءُ،
__________
(1) ابن عابدين 2 / 209.
(2) القاموس المحيط، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(3) مغني المحتاج 1 / 266.
(4) كشاف القناع شرح الإقناع 1 / 504.
(38/322)
وَالْغُسْل، وَالتَّيَمُّمُ،
وَيَذْكُرُونَهَا بِصِفَتِهَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الذِّرَاعِ
لِلْقِيَاسِ بِهَا أَحْيَانًا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
س - الْقَصَبَةُ:
82 - مِنْ مَعَانِي الْقَصَبَةِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهَا وَاحِدَةُ
الْقُصُبِ وَالْقَصَبَاتِ، وَالْقَصَبُ هُوَ: كُل نَبَاتٍ يَكُونُ سَاقُهُ
أَنَابِيبَ وَكُعُوبًا، وَقَال الْفَيُّومِيُّ: كُل عَشَرَةِ أَذْرُعٍ
تُسَمَّى قَصَبَةً، وَكُل عَشْرِ قَصَبَاتٍ تُسَمَّى أَشْلاً، وَمَضْرُوبُ
الأَْشْل فِي الْقَصَبَةِ قَفِيزٌ (1) ، وَقَال فِي الْمُعْجَمِ
الْوَسِيطِ: مِنْ مَعَانِي الْقَصَبَةِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهَا مِقْيَاسٌ
مِنَ الْقَصَبِ طُولُهُ فِي مِصْرَ ثَلاَثَةُ أَمْتَارٍ وَخَمْسَةٌ
وَخَمْسُونَ مِنَ الْمِائَةِ مِنَ الْمِتْرِ، وَجَمْعُهَا قُصُبٌ
وَقَصَبَاتٌ (2) .
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، قَال عُمَيْرَةُ: الْقَصَبَةُ سِتَّةُ
أَذْرُعٍ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ (3) .
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ (4) ، وَوَافَقَهُ
عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ، إِلاَّ أَنَّهُ أَضَافَ: وَالْقَصَبَةُ
سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالذِّرَاعِ الْعُمَرِيَّةِ (5) ، وَالْقَصَبَةُ مِنْ
أَجْزَاءِ الْجَرِيبِ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ:
__________
(1) المصباح المنير.
(2) المعجم الوسيط.
(3) حاشية عميرة على المحلي 4 / 244.
(4) الأحكام السلطانية ص 152.
(5) المبدع 3 / 381، وانظر كشاف القناع 3 / 97، 98.
(38/322)
فَأَمَّا الْجَرِيبُ فَهُوَ عَشْرُ
قَصَبَاتٍ فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ (1) .
مَا يُنَاطُ بِالْقَصَبَةِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
83 - الْقَصَبَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَجْزَاءِ الْجَرِيبِ وَمِنْ
أَضْعَافِ الذِّرَاعِ، يُعَيِّرُونَهَا بِهَا.
ع - الْمَرْحَلَةُ:
84 - الْمَرْحَلَةُ فِي اللُّغَةِ الْمَسَافَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا
الْمُسَافِرُ فِي يَوْمٍ، وَالْجَمْعُ مَرَاحِل (2) .
وَالْمَرْحَلَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ لاَ تَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهَا
اللُّغَوِيِّ، وَقَدْ حَاوَل الْفُقَهَاءُ ضَبْطَهَا بِالْمَسَافَةِ
وَالزَّمَنِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: قَال فِي النِّهَايَةِ أَيِ
التَّقْدِيرُ بِثَلاَثِ مَرَاحِل قَرِيبٌ مِنَ التَّقْدِيرِ بِثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ، لأَِنَّ الْمُعْتَادَ مِنَ السَّيْرِ فِي كُل يَوْمٍ مَرْحَلَةً
وَاحِدَةً خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ.
وَنُقِل عَنِ الْفَتْحِ أَنَّهُ قِيل: يُقَدَّرُ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ
فَرْسَخًا، وَقِيل: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَقِيل: بِخَمْسَةَ عَشَرَ،
وَكُل مَنْ قَدَّرَ مِنْهَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ، أَيْ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِ الْبُلْدَانِ (3) .
__________
(1) الأحكام السلطانية ص 152.
(2) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(3) ابن عابدين 1 / 526، 527.
(38/323)
وَقَال الدُّسُوقِيُّ مِنَ
الْمَالِكِيَّةِ: مَرْحَلَتَانِ أَيْ سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ،
أَوْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بِسَيْرِ الإِْبِل الْمُثَقَّلَةِ بِالأَْحْمَال
عَلَى الْمُعْتَادِ (1) .
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَهُمَا - أَيِ
الْمَرْحَلَتَانِ - سَيْرُ يَوْمَيْنِ بِلاَ لَيْلَةٍ مُعْتَدِلَيْنِ، أَوْ
لَيْلَتَيْنِ بِلاَ يَوْمٍ مُعْتَدِلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
كَذَلِكَ بِسَيْرِ الأَْثْقَال، أَيِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثَقَّلَةِ
بِالأَْحْمَال، وَدَبِيبِ الأَْقْدَامِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُعْتَادَةِ
مِنَ النُّزُول وَالاِسْتِرَاحَةِ وَالأَْكْل وَالصَّلاَةِ وَنَحْوِهِ (2)
.
مَا يُنَاطُ بِالْمَرْحَلَةِ مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
85 - أَنَاطَ الْفُقَهَاءُ بِالْمَرَاحِل السَّفَرَ الْمُثْبِتَ لِلرُّخَصِ
كَالْقَصْرِ فِي الصَّلاَةِ وَجَمْعِ الصَّلَوَاتِ
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ السَّفَرَ الْمُثْبِتَ لِلرُّخَصِ
مَا كَانَ قَدْرَ مَرْحَلَتَيْنِ وَقَدَّرُوهُ بِسِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا،
أَوْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، أَوْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً.
قَال الدَّرْدِيرُ: وَهِيَ - أَيْ مَسَافَةُ السَّفَرِ - بِاعْتِبَارِ
الزَّمَانِ مَرْحَلَتَانِ أَيْ سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ. وَقَال
الدُّسُوقِيُّ: فَالْعِبْرَةُ بِالأَْرْبَعَةِ الْبُرُدِ (3) .
__________
(1) الدسوقي 1 / 359.
(2) مغني المحتاج 1 / 266.
(3) الشرح الكبير والدسوقي عليه 1 / 359.
(38/323)
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَطَوِيل السَّفَرِ
ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً هَاشِمِيَّةً، قَال وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ
بِسَيْرِ الأَْثْقَال (1) .
وَقَال الْمَقْدِسِيُّ: يَبْلُغُ سَفَرُهُ ذِهَابًا سِتَّةَ عَشَرَ
فَرْسَخًا تَقْرِيبًا. وَهِيَ يَوْمَانِ (2) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ
الْمُثْبِتِ لِلرُّخَصِ هِيَ ثَلاَثُ مَرَاحِل، قَال ابْنُ عَابِدِينَ:
التَّقْدِيرُ بِثَلاَثِ مَرَاحِل قَرِيبٌ مِنَ التَّقْدِيرِ بِثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ (3) ، وَلاَ عِبْرَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ
لِلْمَسَافَةِ، بَل الْعِبْرَةُ لِلزَّمَنِ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ،
وَقَال الْحَصْكَفِيُّ: وَلاَ اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ عَلَى الْمَذْهَبِ
(4) .
فَالْمَرْحَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تُسَاوِي
أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلاً هَاشِمِيًّا، أَوْ بَرِيدَيْنِ، أَوْ
ثَمَانِيَةَ فَرَاسِخَ، وَكُلُّهَا مُتَسَاوِيَةٌ (5) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَرْحَلَةُ سِتَّةُ فَرَاسِخَ، وَقِيل خَمْسَةُ
فَرَاسِخَ، وَقِيل سَبْعَةُ فَرَاسِخَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الأَْوَّل (6) .
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، فَالْمَرْحَلَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
مَسِيرَةُ يَوْمٍ كَامِلٍ مُعْتَدِلٍ، أَوْ لَيْلَةٍ كَامِلَةٍ
__________
(1) مغني المحتاج على المنهاج 1 / 266.
(2) كشاف القناع على الإقناع 1 / 504.
(3) ابن عابدين 1 / 526.
(4) ابن عابدين 1 / 527.
(5) الدسوقي 1 / 359، ومغني المحتاج 1 / 266، وكشاف القناع 1 / 504.
(6) ابن عابدين 1 / 526.
(38/324)
مُعْتَدِلَةٍ بِسَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ
الْمُثَقَّلَةِ بِالأَْحْمَال، وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى
غِيَابِهَا، وَيُغْتَفَرُ وَقْتُ النُّزُول الْمُعْتَادِ لِلرَّاحَةِ أَوْ
إِصْلاَحِ الْمَتَاعِ أَوِ الصَّلاَةِ (1) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْمَرْحَلَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ
مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُل الْيَوْمِ
إِلَى اللَّيْل، بَل مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إِلَى الزَّوَال
فَقَطْ، وَقَدْ قَدَّرُوا ذَلِكَ فِي مِصْرَ بِسَبْعِ سَاعَاتٍ إِلاَّ
رُبُعًا، وَفِي الشَّامِ بِسِتِّ سَاعَاتٍ وَثُلُثَيِ السَّاعَةِ (2) .
الْمِيل:
86 - الْمِيل فِي اللُّغَةِ: بِكَسْرِ الْمِيمِ مِقْدَارُ مَدَى الْبَصَرِ
مِنَ الأَْرْضِ قَالَهُ الأَْزْهَرِيُّ، وَعِنْدَ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَهْل
الْهَيْئَةِ ثَلاَثَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ، وَعِنْدَ الْمُحْدَثِينَ أَرْبَعَةُ
آلاَفِ ذِرَاعٍ، قَال الْفَيُّومِيُّ: الْخِلاَفُ لَفْظِيٌّ، لأَِنَّهُمُ
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِقْدَارَهُ سِتٌّ وَتِسْعُونَ أَلْفَ إِصْبَعٍ،
وَالإِْصْبَعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ بَطْنُ كُل وَاحِدَةٍ إِلَى الأُْخْرَى،
وَلَكِنَّ الْقُدَمَاءَ يَقُولُونَ: الذِّرَاعُ اثْنَتَانِ وَثَلاَثُونَ
أُصْبُعًا وَالْمُحْدَثُونَ يَقُولُونَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا (3)
، وَعَلَى ذَلِكَ فَالْخِلاَفُ فِي الذِّرَاعِ وَلَيْسَ فِي الْمِيل.
__________
(1) الدسوقي 1 / 359، ومغني المحتاج 1 / 266، وكشاف القناع 1 / 504.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 527.
(3) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(38/324)
وَالْمِيل فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَهُمْ عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ
إِلَى أَنَّهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ (1) .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ، ذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّهُ
ثَلاَثَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ:
الْمِيل أَلْفُ بَاعٍ، وَالْبَاعُ ذِرَاعَانِ فَيَكُونُ الْمِيل أَلْفَيْ
ذِرَاعٍ (2) ، وَقَال الدُّسُوقِيُّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمِيل أَلْفَا
ذِرَاعٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ثَلاَثَةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ
(3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْمِيل أَرْبَعَةُ آلاَفِ خُطْوَةٍ (4) وَقَال
الْحَنَابِلَةُ: الْمِيل الْهَاشِمِيُّ سِتَّةُ آلاَفِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ
الْيَدِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ (5) .
مَا يُنَاطُ بِالْمِيل مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:
87 - يُنِيطُ الْفُقَهَاءُ بِالْمِيل بَعْضَ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ،
أَهَمُّهَا مَسَافَةُ السَّفَرِ الْمُثْبِتِ لِلرُّخَصِ عَلَى أَنَّهُ
جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْفَرْسَخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَرْسَخٌ.
كَمَا يُعَلِّقُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالْمِيل مَسَافَةَ بُعْدِ الْمَاءِ
لإِِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ
فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْبُعْدَ عَنِ الْمَاءِ
الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ هُوَ مِيلٌ، قَال الْحَصْكَفِيُّ: مَنْ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 527.
(2) البهجة 1 / 34.
(3) حاشية الدسوقي 1 / 358.
(4) مغني المحتاج 1 / 266.
(5) المغني 2 / 256، وكشاف القناع 1 / 504.
(38/325)
عَجَزَ عَنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ
الْمُطْلَقِ الْكَافِي لِطَهَارَتِهِ لِصَلاَةِ تَفُوتُ إِلَى خَلْفٍ
لِبُعْدِهِ وَلَوْ مُقِيمًا فِي الْمِصْرِ مِيلاً أَرْبَعَةُ آلاَفِ
ذِرَاعٍ. تَيَمُّمٌ (1) .
وَقَدَّرَ الْمَالِكِيَّةُ هَذِهِ الْمَسَافَةَ بِمِيلَيْنِ إِلاَّ إِذَا
ظَنَّ أَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ
الطَّلَبُ أَصْلاً، وَكَذَلِكَ إِذَا شَقَّ عَلَيْهِ بِالْفِعْل طَلَبُهُ،
فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ (2) .
وَقَدَّرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْمَسَافَةَ بِنِصْفِ فَرْسَخٍ، وَهُوَ
مِيلٌ وَنِصْفٌ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: لَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ
نِصْفِ فَرْسَخٍ (3) .
مُقَارَضَةٌ
انْظُرْ: مُضَارَبَةٌ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 155 - 158.
(2) الدسوقي 1 / 153.
(3) مغني المحتاج 1 / 88.
(38/325)
مُقَاسَمَةٌ
التَّعْرِيفِ:
1 - الْمُقَاسَمَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ قَاسَمَ يُقَال: قَاسَمَ فُلاَنٌ
فُلاَنًا، أَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا قِسْمَهُ، وَقَاسَمْتُهُ: حَلَفْتُ لَهُ،
وَقَاسَمْتُهُ الْمَال وَهُوَ قَسِيمِي، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، مِثْل
جَالَسْتُهُ وَنَادَمْتُهُ وَهُوَ جَلِيسِي وَنَدِيمِي.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُشَارَكَةُ:
2 - الْمُشَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ شَارَكَ يُقَال:
شَارَكَ فُلاَنٌ فُلاَنًا مُشَارَكَةً، وَفِعْلُهُ الثُّلاَثِيُّ:
شَرِكَ، يُقَال:
شَرِكَ فُلاَنًا فِي الأَْمْرِ شِرْكًا وَشَرِكَةً:
كَانَ لِكُل مِنْهُمَا نَصِيبٌ مِنْهُ، فَهُوَ شَرِيكٌ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(3) .
__________
(1) المصباح المنير، والمغرب في ترتيب المعرب، والمعجم الوسيط.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 343، ومغني المحتاج 2 / 211.
(38/326)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُقَاسَمَةِ
وَالْمُشَارَكَةِ التَّضَادُّ.
ب - الْمُحَاصَّةُ:
3 - الْمُحَاصَّةُ فِي اللُّغَةِ:
مَصْدَرٌ يُقَال:
حَاصَّهُ مُحَاصَّةً وَحِصَاصًا:
قَاسَمَهُ فَأَخَذَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ أَيْ نَصِيبَهُ،
وَتَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ:
اقْتَسَمُوا الْمَال بَيْنَهُمْ حِصَصًا (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُحَاصَّةِ وَالْمُقَاسَمَةِ:
هُوَ أَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَعَمُّ مِنَ الْمُحَاصَّةِ، لأَِنَّ
الْمُحَاصَّةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ إِذَا لَمْ يَفِ الْمَال بِالْحُقُوقِ
وَإِنْ كَانَ الاِثْنَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي التَّقْسِيمِ وَالإِْفْرَازِ.
ج - الْمُهَايَأَةُ:
4 - الْمُهَايَأَةُ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْهَيْئَةِ وَهِيَ
الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، قَال الْفَيُّومِيُّ:
تَهَايَأَ الْقَوْمُ تَهَايُؤًا مِنَ الْهَيْئَةِ: جَعَلُوا لِكُل وَاحِدٍ
هَيْئَةً مَعْلُومَةً، وَالْمُرَادُ النَّوْبَةُ، فَكُلٌّ مِنَ
الشَّرِيكَيْنِ يَرْضَى بِهَيْئَةِ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا، أَوْ أَنَّ
الشَّرِيكَ الثَّانِيَ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي
يَنْتَفِعُ بِهَا الشَّرِيكُ الأَْوَّل، أَيْ أَنْ
__________
(1) المعجم الوسيط.
(2) القليوبي 3 / 110، والشرح الكبير للدردير 3 / 271.
(38/326)
يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا
بِهِ (1) .
وَالْمُهَايَأَةُ اصْطِلاَحًا: قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ
فِيهَا إِمَّا أَنْ يَرْضَى بِهَيْئَةِ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارَهَا، وَإِمَّا
أَنَّ الشَّرِيكَ الثَّانِيَ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ
الَّتِي وَقَعَ بِهَا انْتِفَاعُ شَرِيكِهِ الأَْوَّل، فَالْمُقَاسَمَةُ
أَعَمُّ مِنَ الْمُهَايَأَةِ (2) .
مُقَاسَمَةُ الْجَدِّ الإِْخْوَةَ فِي الْمِيرَاثِ 5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى تَوْرِيثِ الإِْخْوَةِ
الأَْشِقَّاءِ أَوْ لأَِبٍ مَعَ الْجَدِّ.
فَقَالُوا: إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ فَلِلْجَدِّ
الأَْكْثَرُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ ثُلُثُ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَ
مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ فَلَهُ الأَْكْثَرُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ ثُلُثُ
الْبَاقِي أَوْ سُدُسُ التَّرِكَةِ.
وَتَفْسِيرُ الْمُقَاسَمَةِ هُنَا: أَنْ يَجْعَل الْجَدَّ فِي الْقِسْمَةِ
كَأَحَدِ الإِْخْوَةِ، فَيَقْسِمُ الْمَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِْخْوَةِ:
لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ، وَيَجْعَل نَصِيبَهُ مَعَ
الإِْخْوَةِ كَنَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ يُشْبِهُ
الأَْبَ مِنْ جِهَةٍ وَيُشْبِهُ الأَْخَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَوَفَّرْنَا
عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنَ الشَّبَهَيْنِ، فَجَعَلْنَاهُ كَالأَْبِ فِي حَجْبِ
الإِْخْوَةِ لأُِمٍّ، وَكَالأَْخِ فِي
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، ورد المحتار 5 / 189، المغرب في ترتيب
المعرب.
(2) البدائع 7 / 31، 32.
(38/327)
قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مَا دَامَتِ
الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ (1) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ مُقَاسَمَةَ بَيْنَ الْجَدِّ
وَالإِْخْوَةِ وَالأَْخَوَاتِ، بَل الْجَدُّ يَسْتَقِل بِالْمَال
كَالأَْبِ، وَأَنَّ الْجَدَّ فِي الْمِيرَاثِ كَالأَْبِ يَحْجُبُ
الإِْخْوَةَ مُطْلَقًا: أَشِقَّاءً أَوْ لأَِبٍ أَوْ لأُِمٍّ، وَهُوَ
مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ
وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ
وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي مُوسَى
الأَْشْعَرِيِّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (2) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (إِرْثٌ ف 30، 31) .
خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ
6 - قَال الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَهُوَ أَنْ
يَفْتَحَ الإِْمَامُ بَلْدَةً، فِيمَنْ عَلَى أَهْلِهَا، وَيَجْعَل عَلَى
أَرَاضِيِهِمْ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ، وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ
نِصْفُ الْخَارِجِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لِمَا
رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا
فَعَل لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ (3) . وَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا
__________
(1) شرح السراجية ص 251، والشرح الصغير 4 / 634، ومغني المحتاج 3 / 21، 22،
والمغني 6 / 218.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 498، والمبسوط 29 / 180.
(3) ورد في ذلك ما أخرجه مسلم (3 / 1186) من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. وانظر كذلك
كتاب الأموال لأبي عبيد ص 79.
(38/327)
الْخَرَاجِ حُكْمَ الْعُشْرِ، وَيَكُونُ
ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ كَالْعُشْرِ إِلاَّ أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ
الْخَرَاجِ، لأَِنَّهُ خَرَاجٌ فِي الْحَقِيقَةِ (1) . وَتَفْصِيلُهُ فِي
(خَرَاجٌ ف 15) .
، مُقَاسَمَةُ، أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ
7 - قَال الْفُقَهَاءُ: لَوْ سَأَل أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ
مُقَاسَمَتَهُ فَامْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا
أَثْبَتَ عِنْدَهُ مِلْكَهَا، وَكَانَ مِثْلُهُ يَنْقَسِمُ وَيَنْتَفِعَانِ
بِهِ مَقْسُومًا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (قِسْمَةٌ ف 12 وَمَا بَعْدَهَا) .
مُقَاسَمَةُ السَّاعِي الثَّمَرَةَ بَعْدَ جَنْيِهَا فِي الرُّطَبِ
وَالْعِنَبِ
8 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا احْتِيجَ إِلَى قَطْعِ
الثَّمَرَةِ قَبْل كَمَالِهَا خَوْفًا مِنَ الْعَطَشِ أَوْ لِضَعْفِ
الْجِمَارِ جَازَ قَطْعُهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ قَطْعَ الثَّمَرَةِ
لِتَحْسِينِ الْبَاقِي مِنْهَا جَازَ، وَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ فَقَال
الْقَاضِي: يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ أَنْ يُقَاسِمَ رَبَّ الْمَال
الثَّمَرَةَ قَبْل الْجَذَاذِ بِالْخَرْصِ، وَيَأْخُذَ نَصِيبَ
الْفُقَرَاءِ نَخْلَةً مُفْرَدَةً وَيَأْخُذَ ثَمَرَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ
يَجُذَّهَا وَيُقَاسِمَهُ إِيَّاهَا بِالْكَيْل
__________
(1) البدائع 2 / 63.
(38/328)
وَيَقْسِمَ الثَّمَرَةَ فِي الْفُقَرَاءِ،
وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ رَبِّ الْمَال أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْل
الْجَذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَقْسِمَ ثَمَنَهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَقَال
أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِ يَابِسًا، وَذُكِرَ أَنَّ
أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْعِنَبِ الَّذِي لاَ
يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ، وَالرُّطَبِ الَّذِي لاَ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ
جَيِّدٌ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (زَكَاةٌ ف 117) .
__________
(1) المغني 2 / 711، 712.
(38/328)
مَقَاصِدُ الشَّرِيعَةِ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَقَاصِدُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ مَقْصِدٍ، وَهُوَ: الْوِجْهَةُ
أَوِ الْمَكَانُ الْمَقْصُودُ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ عُلَمَاءُ الأُْصُول إِلَى
تَعْرِيفِ الْمَقَاصِدِ، وَالَّذِي يُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلاَمِهِمْ فِي
ذَلِكَ: أَنَّهَا الْمَعَانِي وَالْحِكَمُ الْمَلْحُوظَةُ لِلشَّارِعِ فِي
جَمِيعِ أَحْوَال التَّشْرِيعِ أَوْ مُعْظَمِهَا، بِحَيْثُ لاَ تُخْتَصُّ
مُلاَحَظَتُهَا بِالْكَوْنِ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ
(2) .
أَنْوَاعُ الْمَقَاصِدِ:
2 - قَال الشَّاطِبِيُّ: فِي بَيَانِ قَصْدِ الشَّارِعِ فِي وَضْعِ
الشَّرِيعَةِ: تَكَالِيفُ الشَّرِيعَةِ تَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ مَقَاصِدِهَا
فِي الْخَلْقِ وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ لاَ تَعْدُو ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
- أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً، وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ
حَاجِيَّةً، وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ تَحْسِينِيَّةً (3) . وَتَفْصِيل
ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور ص
51.
(3) الموافقات للشاطبي 2 / 8، البحر المحيط 5 / 210.
(38/329)
مُقَاصَّةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُقَاصَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ قَاصَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ
عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْل مَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَجَعَل الدَّيْنَ فِي
مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ (1) . وَيُقَال: تَقَاصَّ الْقَوْمُ إِذَا قَاصَّ
كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي حِسَابٍ أَوْ غَيْرِهِ (2) .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: فَالْمُقَاصَّةُ إِسْقَاطُ دَيْنٍ مَطْلُوبٍ
لِشَخْصٍ عَلَى غَرِيمِهِ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ مَطْلُوبٍ مِنْ ذَلِكَ
الشَّخْصِ لِغَرِيمِهِ (3) ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ مِنْ طُرُقِ قَضَاءِ
الدُّيُونِ.
وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمُقَاصَّةُ هِيَ اقْتِطَاعُ
دَيْنٍ مِنْ دَيْنٍ، وَفِيهَا مُتَارَكَةٌ، وَمُعَاوَضَةٌ وَحَوَالَةٌ (4)
.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحَوَالَةُ:
2 - الْحَوَالَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ حَال الشَّيْءُ حَوْلاً:
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والحطاب 4 / 549.
(3) مرشد الحيران المادة (224) .
(4) القوانين الفقهية / 297.
(38/329)
تَحَوَّل، وَتَحَوَّل مِنْ مَكَانِهِ:
انْتَقَل عَنْهُ، فَإِذَا أَحَلْتَ شَخْصًا بِدَيْنِكَ فَقَدْ نَقَلْتَهُ
إِلَى ذِمَّةٍ غَيْرِ ذِمَّتِكَ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: نَقْل الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى
(2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُقَاصَّةِ وَالْحَوَالَةِ: أَنَّ الْمُقَاصَّةَ
سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِمِثْلِهِ بِشُرُوطِهِ، وَالْحَوَالَةُ
نَقْلٌ لِلدَّيْنِ.
ب - الإِْبْرَاءُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الإِْبْرَاءِ فِي اللُّغَةِ: التَّنْزِيهُ
وَالتَّخْلِيصُ وَالْمُبَاعَدَةُ عَنِ الشَّيْءِ (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: إِسْقَاطُ الشَّخْصِ حَقًّا لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ
أَوْ قِبَلَهُ (4) . وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُقَاصَّةِ وَالإِْبْرَاءِ:
أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إِسْقَاطٌ بِعِوَضٍ، وَالإِْبْرَاءُ إِسْقَاطٌ
بِغَيْرِ عِوَضٍ (5) .
حُكْمُ الْمُقَاصَّةِ
4 - الْمُقَاصَّةُ مَشْرُوعَةٌ، وَدَلِيل مَشْرُوعِيَّتِهَا الْمَنْقُول
وَالْمَعْقُول:
__________
(1) المصباح المنير.
(2) مجلة الأحكام العدلية للمادة (127) .
(3) المصباح المنير، ولسان العرب.
(4) حاشية ابن عابدين 4 / 276.
(5) تكملة فتح القدير 6 / 25، 26.
(38/330)
أَمَّا الْمَنْقُول فَمَا وَرَدَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ
قَال: كُنْتُ أَبِيعُ الإِْبِل بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ
وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ،
آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَأَتَيْتُ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ
فَقُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ، رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ إِنِّي أَبِيعُ
الإِْبِل بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ
وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ
وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا
لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ (1) ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ
الاِسْتِبْدَال مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَلأَِنَّ قَبْضَ نَفْسِ الدَّيْنِ لاَ يُتَصَوَّرُ،
لأَِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ حُكْمِيٍّ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ عِبَارَةٌ
عَنِ الْفِعْل، وَكُل ذَلِكَ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ قَبْضُهُ حَقِيقَةً،
فَكَانَ قَبْضُهُ بِقَبْضِ بَدَلِهِ وَهُوَ قَبْضُ الدَّيْنِ، فَتَصِيرُ
الْعَيْنُ الْمَقْبُوضَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْقَابِضِ وَفِي ذِمَّةِ
الْمَقْبُوضِ مِنْهُ مِثْلُهَا فِي الْمَالِيَّةِ، فَيَلْتَقِيَانِ
قِصَاصًا، هَذَا هُوَ طَرِيقُ قَبْضِ الدُّيُونِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ
يُوجِبُ الْفَصْل بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْ
__________
(1) حديث ابن عمر: " كنت أبيع الإبل بالبقيع ". أخرجه أبو داود (3 / 651) ،
ونقل ابن حجر في التلخيص (2 / 26) عن الشافعي أنه أشار إلى ضعفه.
(38/330)
جِنْسِ مَا عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ خِلاَفِ
جِنْسِهِ، لأَِنَّ الْمُقَاصَّةَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ
الْمَالِيَّةُ، وَالأَْمْوَال كُلُّهَا فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ جِنْسٌ
وَاحِدٌ (1) .
أَنْوَاعُ الْمُقَاصَّةِ
5 - الْمُقَاصَّةُ نَوْعَانِ:
أ - اخْتِيَارِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي تَحْصُل بِتَرَاضِي
الْمُتَدَايِنَيْنِ
ب - وَجَبْرِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي تَحْصُل بِتَقَابُل الدَّيْنَيْنِ
بِشُرُوطِ مُعَيَّنَةٍ.
وَيُشْتَرَطُ لِحُصُول الْمُقَاصَّةِ الْجَبْرِيَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ
الْفُقَهَاءِ اتِّحَادُ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا وَوَصْفًا، وَحُلُولاً،
وَقُوَّةً وَضَعْفًا، وَلاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمُقَاصَّةِ
الاِخْتِيَارِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ
مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْوَصْفِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ
أَوْ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالآْخَرُ مُؤَجَّلاً، أَوْ أَحَدُهُمَا
قَوِيًّا وَالآْخَرُ ضَعِيفًا فَلاَ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا إِلاَّ
بِتَرَاضِي الْمُتَدَايِنَيْنِ سَوَاءٌ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا أَوِ
اخْتَلَفَ (2) .
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 234، والهداية وشروحها 5 / 380 ط بولاق، ونيل
الأوطار 5 / 254، 255، ومواهب الجليل 4 / 549.
(2) مرشد الحيران المادة (225، 226) والأم للشافعي 8 / 59 ط دار المعرفة،
والمنثور في القواعد للزركشي 1 / 391، والمغني 9 / 447، 448.
(38/331)
وَالْمَالِكِيَّةُ لاَ يَقُولُونَ
بِالْمُقَاصَّةِ الْجَبْرِيَّةِ الَّتِي تَقَعُ بِنَفْسِهَا إِلاَّ
نَادِرًا.
قَال الدُّسُوقِيُّ: غَالِبُ أَحْوَال الْمُقَاصَّةِ الْجَوَازُ، أَمَّا
وُجُوبُهَا فَهُوَ قَلِيلٌ إِذْ هُوَ فِي أَحْوَالٍ ثَلاَثَةٍ وَهِيَ:
إِذَا حَل الدَّيْنَانِ، أَوِ اتَّفَقَا أَجَلاً، أَوْ طَلَبَهَا مَنْ حَل
دَيْنُهُ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ (1) .
مَحَل الْمُقَاصَّةِ الْجَبْرِيَّةِ وَشُرُوطُهَا
6 - مَحَل الْمُقَاصَّةِ الدَّيْنُ فَلاَ تَقَعُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ وَلاَ
بَيْنَ عَيْنٍ وَدَيْنٍ إِلاَّ إِذَا تَحَوَّلَتِ الْعَيْنُ إِلَى دَيْنٍ،
فَإِنْ تَحَوَّلَتْ جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ بِالدَّيْنِ الَّذِي تَحَوَّلَتِ
الْعَيْنُ إِلَيْهِ بِشُرُوطِهِ.
7 - وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ
مِنْ جِنْسَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْوَصْفِ أَوِ الأَْجَل أَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا مَكْسُورًا وَالآْخَرُ صَحِيحًا لاَ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ
الْجَبْرِيَّةُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَقَاصَّ الْمُتَدَايِنَانِ
بِاخْتِيَارِهِمَا (2) .
وَإِذَا أَتْلَفَ الدَّائِنُ عَيْنًا مِنْ مَال الْمَدْيُونِ وَكَانَتْ
مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ سَقَطَتْ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلاَفِهِ
فَلاَ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِلاَ تَرَاضِيهِمَا (3) .
__________
(1) حاشية الدسوقي 3 / 227.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 239، 240، والفتاوى الهندية 3 / 230.
(3) مرشد الحيران المادة (230) .
(38/331)
وَطَرِيقَةُ الْمُقَاصَّةِ مُطْلَقًا
أَنَّهَا تَقَعُ بِقَدْرِ الأَْقَل مِنَ الدَّيْنَيْنِ: فَإِنْ كَانَ
لأَِحَدِهِمَا مِائَةُ رِيَالٍ دَيْنًا عَلَى الآْخَرِ، وَلِلْمَدْيُونِ
عَلَيْهِ مِائَةُ جُنَيْهٍ مَثَلاً، وَتَقَاصَّا يَسْقُطُ مِنْ قِيمَةِ
الْجُنَيْهَاتِ قِصَاصًا بِقَدْرِ الرِّيَالاَتِ وَيَبْقَى لِصَاحِبِ
الْجُنَيْهَاتِ مَا بَقِيَ مِنْهَا (1) .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلدَّائِنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِائَةُ دِرْهَمٍ،
وَلِلْمَدْيُونِ عَلَى الدَّائِنِ مِائَةُ دِينَارٍ، فَإِذَا تَقَاصَّا:
تَصِيرُ الدَّرَاهِمُ قِصَاصًا بِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ،
وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ مَا بَقِيَ مِنْهَا (2) .
8 - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُقَاصَّةُ فِي الدُّيُونِ مِنْهَا مَا
يَجُوزُ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَجُوزُ، وَالْجَوَازُ نَظِيرٌ
لِلْمُتَارَكَةِ، وَالْمَنْعُ تَغْلِيبٌ لِلْمُعَاوَضَةِ أَوِ الْحَوَالَةِ
إِذَا لَمْ تَتِمَّ شُرُوطُهَا، وَإِذَا قَوِيَتِ التُّهْمَةُ وَقَعَ
الْمَنْعُ، وَإِنْ فُقِدَتْ حَصَل الْجَوَازُ، وَإِنْ ضَعُفَتْ حَصَل
الْخِلاَفُ.
فَإِذَا كَانَ لِرَجُل عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَكَانَ لِذَلِكَ الآْخَرِ
عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَرَادَ اقْتِطَاعَ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ مِنَ الآْخَرِ
لِتَقَعَ الْبَرَاءَةُ بِذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: وَذَلِكَ أَنَّهُ
لاَ يَخْلُو: أَنْ يَتَّفِقَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ أَوْ يَخْتَلِفَا:
__________
(1) مرشد الحيران المادة (227) .
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 239، 240، والفتاوى الهندية 3 / 230.
(38/332)
فَإِنِ اخْتَلَفَا جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ
مِثْل أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ عَيْنًا وَالآْخَرُ طَعَامًا أَوْ
عَرَضًا، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا وَالآْخَرُ طَعَامًا.
وَإِنِ اتَّفَقَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ فَلاَ يَخْلُو:
9 - أ - أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُمَا عَيْنَيْنِ: فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِي
دَيْنَيِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ
قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالآْخَرُ مِنْ قَرْضٍ بِشُرُوطٍ
هِيَ:
أَنْ يَتَّحِدَا قَدْرًا وَصِفَةً حَل الدَّيْنَانِ مَعًا أَوْ حَل
أَحَدُهُمَا أَمْ لاَ، بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ اتَّفَقَ أَجَلُهُمَا
أَوِ اخْتَلَفَ.
وَإِنَّمَا جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، لأَِنَّ
الْمَقْصُودَ الْمُعَاوَضَةُ وَالْمُبَارَأَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ.
وَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَ دَيْنَا الْعَيْنِ فِي الصِّفَةِ أَيْ:
الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْقَدْرِ أَيِ
الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ
كَدَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ، أَوْ مَعَ اخْتِلاَفِهِ
كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ إِنْ حَلاَّ مَعًا
سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ أَوِ اخْتَلَفَا بِأَنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالآْخَرُ مِنْ قَرْضٍ، إِذْ هِيَ مَعَ اتِّحَادِ
النَّوْعِ مُبَادَلَةُ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَعَ اخْتِلاَفِهِ صَرْفُ مَا
فِي الذِّمَّةِ، وَهُمَا جَائِزَانِ بِشَرْطِ التَّعْجِيل فِي الأَْوَّل
وَالْحُلُول فِي الثَّانِي.
(38/332)
وَإِنْ لَمْ يَحِلاَّ: وَاتَّفَقَا أَجَلاً
أَوِ اخْتَلَفَا، أَوْ حَل أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ فَلاَ تَجُوزُ
الْمُقَاصَّةُ لأَِنَّهَا مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ بَدَلٌ مُؤَخَّرٌ،
وَمَعَ اخْتِلاَفِهِ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ وَكِلاَهُمَا مَمْنُوعٌ، كَأَنِ
اتَّفَقَا نَوْعًا وَاخْتَلَفَا زِنَةً حَال كَوْنِهِمَا مِنْ بَيْعٍ
كَدِينَارِ كَامِلٍ وَدِينَارٍ نَاقِصٍ فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا
إِنْ حَلاَّ وَإِلاَّ فَلاَ، وَكَذَلِكَ اخْتِلاَفُهُمَا فِي الْعَدَدِ.
وَإِذَا كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ قَرْضٍ: مُنِعَتِ الْمُقَاصَّةُ سَوَاءٌ
حَلاَّ، أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يَحِلاَّ، اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ
اخْتَلَفَا.
وَإِنْ كَانَا مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ مُنِعَتْ إِنْ لَمْ يَحِلاَّ، سَوَاءٌ
اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، فَإِذَا حَلاَّ:
فَإِنْ كَانَ الأَْكْثَرُ هُوَ الَّذِي مِنْ بَيْعٍ مُنِعَتْ، لأَِنَّهُ
قَضَاءٌ عَنْ قَرْضٍ بِزِيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ جَازَتْ،
لأَِنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ بَيْعٍ بِزِيَادَةِ وَهِيَ جَائِزَةٌ (1) .
10 - ب - إِذَا كَانَا طَعَامَيْنِ: إِذَا كَانَ الدَّيْنَانِ أَصْلُهُمَا
طَعَامَانِ فَلاَ يَخْلُو:
1 - أَنْ يَكُونَا مِنْ قَرْضٍ: وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ حُكْمُ
الْمُقَاصَّةِ فِيهَا كَحُكْمِ دَيْنَيِ الْعَيْنِ فِي صُوَرِ الْجَوَازِ
وَالْمَنْعِ.
فَتَجُوزُ إِنِ اتَّفَقَا صِفَةً وَقَدْرًا سَوَاءٌ حَلاَّ أَوْ
__________
(1) القوانين الفقهية / 297، وحاشية الدسوقي 3 / 228، وجواهر الإكليل 2 /
77.
(38/333)
حَل أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَحِلاَّ،
اتَّفَقَا أَجَلاً أَوِ اخْتَلَفَا، أَوِ اخْتَلَفَا صِفَةً مَعَ اتِّحَادِ
النَّوْعِ أَوِ اخْتِلاَفِهِ.
وَلاَ تَجُوزُ إِنْ لَمْ يَحِلاَّ أَوْ حَل أَحَدُهُمَا، اتَّفَقَا أَجَلاً
أَوِ اخْتَلَفَا كَأَنِ اخْتَلَفَا قَدْرًا.
2 - أَنْ يَكُونَا مِنْ بَيْعٍ: حَيْثُ تُمْنَعُ الْمُقَاصَّةُ فِي
الطَّعَامَيْنِ إِذَا كَانَا مُرَتَّبَيْنِ فِي الذِّمَّتَيْنِ مِنْ
بَيْعٍ، سَوَاءٌ حَل أَجَلُهُمَا أَوْ أَجَل أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ
يَحِلاَّ، اتَّفَقَ أَجَلُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ، وَلَوْ مُتَّفِقَيْنِ
قَدْرًا وَصِفَةً لأَِنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْل قَبْضِهِ.
وَقَال أَشْهَبُ: تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الطَّعَامَيْنِ
فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَالْحُلُول بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا
كَالإِْقَالَةِ
3 - إِذَا كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ: فَإِنَّ دَيْنَيِ
الطَّعَامِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالآْخَرُ مِنْ قَرْضٍ
تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا بِشَرْطَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْجِنْسِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ.
وَلاَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ إِنْ لَمْ يَحِلاَّ بِأَنْ كَانَا
مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ حَل أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَحِل الآْخَرُ، لاِخْتِلاَفِ
الأَْغْرَاضِ بِاخْتِلاَفِ الأَْجَل (1) .
__________
(1) المراجع السابقة.
(38/333)
11 - ج - إِذَا كَانَا عَرَضَيْنِ:
وَالْمُرَادُ بِالْعَرَضِ هُنَا مَا قَابَل الْعَيْنَ وَالطَّعَامَ
فَيَشْمَل الْحَيَوَانَ، فَتَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِي الدَّيْنَيْنِ إِذَا
كَانَا عَرَضَيْنِ مُطْلَقًا عَنِ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِمَا مِنْ بَيْعٍ
أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَبِكَوْنِهِمَا حَالَّيْنِ أَوْ
مُؤَجَّلَيْنِ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا أَجَلاً أَوْ لاَ حَل أَجَلُهُمَا أَوْ
حَل أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يَحِلاَّ، لِبُعْدِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ فِي
الْعَرَضِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعٌ وَإِطْلاَقُ الْمُقَاصَّةِ
عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَهَذَا إِنِ اتَّحَدَا جِنْسًا وَصِفَةً كَثَوْبَيْنِ
هَرَوِيَّيْنِ أَوْ مَرَوِيَّيْنِ، أَوْ ثَوْبَيْنِ مِنَ الْقُطْنِ
جَيِّدَيْنِ أَوْ رَدِيئَيْنِ.
وَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَا أَجَلاً: بِأَنْ أُجِّلاَ بِأَجَلَيْنِ
مُخْتَلِفَيْنِ مَعَ اخْتِلاَفِ الْجِنْسِ كَثَوْبٍ وَكِسَاءٍ، أَوْ ثَوْبٍ
وَجُوخَةٍ مُنِعَتِ الْمُقَاصَّةُ إِنْ لَمْ يَحِلاَّ مَعًا، أَوْ لَمْ
يَحِل أَحَدُهُمَا، وَإِلاَّ جَازَتْ، أَيْ تَجُوزُ بِحُلُول أَحَدِهِمَا
عَلَى الْمَذْهَبِ لاِنْتِفَاءِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ.
وَإِنِ اتَّحَدَا جِنْسًا كَثَوْبَيْ قُطْنٍ، وَالصِّفَةُ مُتَّفِقَةٌ:
كَهَرَوِيَّيْنِ أَوْ مَرَوِيَّيْنِ، أَوْ مُخْتَلِفَةٌ: كَأَنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا هَرَوِيًّا وَالآْخَرُ مَرَوِيًّا جَازَتِ الْمُقَاصَّةُ إِنِ
اتَّفَقَ الأَْجَل، وَأَحْرَى إِنْ حَلاَّ، لِبُعْدِ التُّهْمَةِ، وَإِلاَّ
بِأَنِ اخْتَلَفَ الأَْجَل مَعَ اخْتِلاَفِ الصِّفَةِ فَلاَ تَجُوزُ
مُطْلَقًا: سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ
(1) .
__________
(1) حاشية الدسوقي 3 / 229، 230، والقوانين الفقهية 298، وجواهر الإكليل 2
/ 77.
(38/334)
12 - وَلِلْمُقَاصَّةِ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ عَلَى النَّحْوِ
التَّالِي:
أ - أَنْ يَكُونَ فِي الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ، فَأَمَّا
الأَْعْيَانُ فَلاَ يَصِيرُ بَعْضُهَا قِصَاصًا عَنْ بَعْضٍ لأَِنَّهُ
يَكُونُ كَالْمُعَاوَضَةِ فَيَفْتَقِرُ إِلَى التَّرَاضِي. وَلأَِنَّ
الأَْغْرَاضَ تَخْتَلِفُ فِي الأَْعْيَانِ، بِخِلاَفِ الدُّيُونِ
فَإِنَّهَا فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ فَلاَ مَعْنَى لِقَبْضِ أَحَدِهِمَا
ثُمَّ رَدِّهِ إِلَيْهِ، وَمِنْ أَجْل هَذَا الشَّرْطِ امْتَنَعَ أَخْذُ
مَال الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا كَانَ مُقِرًّا بَاذِلاً
لِلْحَقِّ، لأَِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الدَّفْعِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ،
وَلَوْ أَخَذَهُ ضَمِنَهُ، وَلاَ يُقَال يَصِيرُ قِصَاصًا عَنْ حَقِّهِ،
لأَِنَّ الْقِصَاصَ فِي الدُّيُونِ لاَ فِي الأَْعْيَانِ.
ب - أَنْ يَكُونَ فِي الأَْثْمَانِ، أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ كَالطَّعَامِ
وَالْحُبُوبِ فَلاَ تَقَاصَّ فِيهَا، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ،
وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: بِأَنَّ مَا عَدَا الأَْثْمَانِ
يُطْلَبُ فِيهَا الْمُعَايَنَةُ.
وَحَكَى الإِْمَامُ فِي جَرَيَانِ الْمُقَاصَّةِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ
وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ جَرَيَانَهُ، وَقَال ابْنُ الرِّفْعَةِ إِنَّهُ
الْمَنْصُوصُ كَمَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ.
ج - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ
كَانَا سَلَمَيْنِ، لَمْ يَجُزْ قَطْعًا وَإِنْ تَرَاضَيَا، قَالَهُ
الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ.
(38/334)
وَكَلاَمُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي
الْجَوَازَ، لَكِنَّ الْمَنْقُول عَنِ الأُْمِّ مَنْعُ التَّقَاصِّ فِي
السَّلَمِ.
د - أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْحُلُول وَالأَْجَل،
فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالآْخَرُ دَنَانِيرَ لَمْ يَقَعِ
الْمَوْقِعَ.
هـ - أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا مِنَ الآْخَرِ، فَإِنْ كَانَا
مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدُهُمَا مِنَ
الآْخَرِ، فَقَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لاَ يَجْرِي بِلاَ خِلاَفٍ، وَقَال
الإِْمَامُ فِيهِ احْتِمَالٌ.
و أَنْ لاَ يَكُونَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَى الاِحْتِيَاطِ، وَلِهَذَا قَال
ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: ظَفْرُ الْمُسْتَحِقِّ بِحَقِّهِ عِنْدَ
تَعَذُّرِ أَخْذِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ، إِلاَّ فِي حَقِّ
الْمَجَانِينِ وَالأَْيْتَامِ وَالأَْمْوَال الْعَامَّةِ لأَِهْل
الإِْسْلاَمِ.
ز - أَنْ لاَ يَكُونَ فِي قِصَاصٍ وَلاَ حَدٍّ، فَلَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ
لَمْ يَتَقَاصَّا، وَلَوْ تَجَارَحَ رَجُلاَنِ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا
دِيَةُ الآْخَرِ (1) .
13 - وَعَلَى هَذَا لَوْ ثَبَتَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، وَلِلآْخَرِ
عَلَيْهِ مِثْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةٍ كَسَلَمٍ وَقَرْضٍ، أَوْ
مِنْ جِهَتَيْنِ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ، وَكَانَ الدَّيْنَانِ مُتَّفِقَيْنِ
فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُول، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ
سَبَبُ
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 393.
(38/335)
وُجُوبِهِمَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوِ
اخْتَلَفَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ، قَال الزَّرْكَشِيُّ: فَفِيهِ
أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
أَصَحُّهُمَا: عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ
أَنَّ التَّقَاصَّ يَحْصُل بِنَفْسِ ثُبُوتِ الدَّيْنَيْنِ وَلاَ حَاجَةَ
إِلَى الرِّضَا، لأَِنَّ مُطَالَبَةَ أَحَدِهِمَا الآْخَرَ بِمِثْل مَالِهِ
عِنَادٌ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ.
قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلأَِنَّ مَنْ مَاتَ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَارِثِهِ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِانْتِقَال
التَّرِكَةِ لِوَارِثِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا فِي دَيْنِهِ،
لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، لاِنْتِقَال الْعَيْنِ إِلَيْهِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ إِنْ تَرَاضَيَا،
وَإِلاَّ فَلِكُل مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الآْخَرِ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: يَسْقُطُ بِرِضَا أَحَدِهِمَا.
وَالْقَوْل الرَّابِعُ: لاَ يَسْقُطُ وَلَوْ تَرَاضَيَا (1) .
14 - وَأَمَّا شُرُوطُ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مِنْ حَيْثُ
جِنْسِ الدَّيْنَيْنِ وَالأَْجَل وَالصِّفَةِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِمَّا
ذَكَرُوهُ مِنْ أَمْثِلَةٍ فِي هَذَا الصَّدَدِ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ
ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ كَانَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ
دَيْنٌ، وَكَانَا نَقْدَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حَالَّيْنِ أَوْ
مُؤَجَّلَيْنِ أَجَلاً وَاحِدًا تَقَاصَّا وَتَسَاقَطَا، وَلاَ يَجُوزُ
إِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ،
لأَِنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنِ،
__________
(1) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 391.
(38/335)
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (1) ، فَأَمَّا
إِنْ كَانَا عَرَضَيْنِ، أَوْ عَرَضًا وَنَقْدًا لَمْ تَجُزْ فِيهِمَا
بِغَيْرِ تَرَاضِيهِمَا بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَرَضُ مِنْ جِنْسِ
حَقِّهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ
أَيْضًا، لأَِنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنِ (2) .
صُوَرٌ مِنَ الْمُقَاصَّةِ:
تَجْرِي الْمُقَاصَّةُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل الْفِقْهِيَّةِ مِنْهَا:
الْمُقَاصَّةُ فِي الزَّكَاةِ
15 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِشَخْصِ عَلَى
فَقِيرٍ دَيْنٌ، فَقَال جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي، لاَ يَجْزِيهِ فِي
الأَْصَحِّ حَتَّى يَقْبِضَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ.
وَعَلَى الثَّانِي يَجْزِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ (3) .
__________
(1) حديث: " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ". أخرجه الدارقطني (3 / 71) من
حديث ابن عمر، ونقل ابن حجر في التلخيص (3 / 26، 27) عن الشافعي أنه قال:
أهل الحديث يوهنون هذا الحديث.
(2) المغني 9 / 447، 448.
(3) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 396، وروضة الطالبين 2 / 320.
(38/336)
مُقَاصَّةُ دَيْنِ الزَّوْجِ بِنَفَقَةِ
زَوْجَتِهِ وَمَهْرِهَا
16 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلزَّوْجِ عَلَى
الزَّوْجَةِ دَيْنٌ لاَ يَقَعُ قِصَاصًا بِدَيْنِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ
إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، بِخِلاَفِ سَائِرِ الدُّيُونِ، لأَِنَّ دَيْنَ
النَّفَقَةِ أَدْنَى، وَلَكِنْ لَوْ قَال الزَّوْجُ احْسِبُوا لَهَا
نَفَقَتَهَا مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لأَِنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ
أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ لَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، فَإِذَا الْتَقَى
الدَّيْنَانِ تَسَاوَيَا قِصَاصًا أَلاَ تُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاصَّ
بِمَهْرِهَا، فَالنَّفَقَةُ أَوْلَى (1) .
وَأَمَّا مُقَاصَّةُ الْمَهْرَيْنِ فَجَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا نَصَّ
عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ جَاءَتِ الْكُفَّارَ
امْرَأَةٌ مِنَّا مُرْتَدَّةً، وَهَاجَرَتْ إِلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنْهُمْ
مُسْلِمَةً، وَطَلَبَهَا زَوْجُهَا، فَلاَ نَغْرَمُ لَهُ الْمَهْرَ، بَل
نَقُول هَذِهِ بِهَذِهِ، وَنَجْعَل الْمَهْرَيْنِ قِصَاصًا، وَيَدْفَعُ
الإِْمَامُ الْمَهْرَ إِلَى زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ، وَيَكْتُبُ إِلَى
زَعِيمِهِمْ لِيَدْفَعَ مَهْرَهَا إِلَى زَوْجِ الْمُهَاجِرَةِ، هَذَا إِنْ
تَسَاوَى الْقَدْرَانِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَهْرُ الْمُهَاجِرَةِ
أَكْثَرَ، صَرَفْنَا مِقْدَارَ مَهْرِ الْمُرْتَدَّةِ مِنْهُ إِلَى
زَوْجِهَا، وَالْبَاقِي إِلَى الْمُهَاجِرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ
الْمُرْتَدَّةِ أَكْثَرَ، صَرَفْنَا مِقْدَارَ مَهْرِ الْمُهَاجِرَةِ إِلَى
زَوْجِهَا،
__________
(1) المبسوط للسرخسي 5 / 194، وحاشية ابن عابدين 4 / 240.
(38/336)
وَالْبَاقِي إِلَى زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ
(1) ، وَبِهَذِهِ الْمُقَاصَّةِ فَسَّرَ الْمُفَسِّرُونَ قَوْلَهُ
تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ
فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْل مَا
أَنْفَقُوا} . (2)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ
امْرَأَتِهِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْتَسِبَ
عَلَيْهَا بِدَيْنِهِ مَكَانَ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً
فَلِلزَّوْجِ ذَلِكَ، لأَِنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ
مِنْ أَيِّ أَمْوَالِهِ شَاءَ، وَهَذَا مِنْ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لأَِنَّ قَضَاءَ
الدَّيْنِ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الْفَاضِل مِنْ قُوَّتِهِ، وَهَذَا لاَ
يَفْضُل عَنْهَا (3) .
الْمُقَاصَّةُ فِي الْغَصْبِ
17 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلْغَاصِبِ دَيْنٌ
عَلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَلاَ تَصِيرُ
الْعَيْنُ قِصَاصًا فِي دَيْنِهِ إِلاَّ إِذَا تَقَاصَّا، وَكَانَتِ
الْعَيْنُ مَقْبُوضَةً فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فَلاَ
تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ حَتَّى يَذْهَبَ إِلَى مَكَانِ الْعَيْنِ
الْمَغْصُوبَةِ وَيَأْخُذَهَا (4) .
__________
(1) روضة الطالبين 10 / 348، والمنثور في القواعد للزركشي 1 / 396.
(2) سورة الممتحنة / 11.
(3) المغني 7 / 576.
(4) الأشباه والنظائر لابن نجيم / 226 ط دار مكتبة الهلال بيروت، والفتاوى
الهندية 3 / 230، ومرشد الحيران المادة (229) .
(38/337)
وَأَمَّا مُقَاصَّةُ نَفَقَاتِ
الْمَغْصُوبِ فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَنْفَقَ
الْغَاصِبُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ، وَمُؤْنَةِ
الْعَبْدِ وَكِسْوَتِهِ وَسَقْيِ الأَْرْضِ وَعِلاَجِهَا، وَخِدْمَةِ
شَجَرٍ وَنَحْوِهِ يُحْسَبُ لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ الَّتِي تَكُونُ
لِرَبِّهِ كَأُجْرَةِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالأَْرْضِ وَيُقَاصِصُ
رَبَّهُ مِنَ الْغَلَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي
الأَْظْهَرِ، وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِالأَْقَل مِمَّا أَنْفَقَ
وَالْغَلَّةِ، فَإِنْ كَانَتِ النَّفَقَةُ أَقَل مِنَ الْغَلَّةِ غَرِمَ
الْغَاصِبُ زَائِدَ الْغَلَّةِ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَتِ النَّفَقَةُ
أَكْثَرَ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ لِظُلْمِهِ، وَإِنْ
تَسَاوَيَا فَلاَ يَغْرَمُ أَحَدُهُمَا لِلآْخَرِ شَيْئًا.
قَالُوا: وَعَلَى هَذَا فَالنَّفَقَةُ مَحْصُورَةٌ فِي الْغَلَّةِ، أَيْ:
لاَ تَتَعَدَّاهَا لِذِمَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلاَ لِرَقَبَةِ
الْمَغْصُوبِ، وَحِينَئِذٍ فَلاَ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِزَائِدِ
النَّفَقَةِ عَلَى رَبِّهِ وَلاَ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَيْسَتِ الْغَلَّةُ
مَحْصُورَةً فِي النَّفَقَةِ، بَل تَتَعَدَّاهَا لِلْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ
الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا زَادَتْهُ الْغَلَّةُ عَلَى
النَّفَقَةِ.
وَالْمَنْقُول عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الْقَوْل بِأَنَّهُ:
لاَ نَفَقَةَ لِلْغَاصِبِ لِتَعَدِّيهِ وَلِرَبِّهِ أَخْذُ الْغَلَّةِ
بِتَمَامِهَا مُطْلَقًا أَنْفَقَ أَوْ لاَ (1) .
__________
(1) حاشية الدسوقي 3 / 449، 450.
(38/337)
الْمُقَاصَّةُ فِي الْوَدِيعَةِ
18 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِرَجُل عِنْدَ
رَجُلٍ آخَرَ وَدِيعَةٌ وَلِلْمُودَعِ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ دَيْنٌ
هُوَ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ لَمْ تَصِرِ الْوَدِيعَةُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ
إِلاَّ إِذَا اجْتَمَعَا وَتَقَاصَّا حَالَةَ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ
مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْوَدِيعِ حَقِيقَةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ
فَلاَ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ حَتَّى يَذْهَبَ إِلَى مَكَانِ الْوَدِيعَةِ
وَيَأْخُذَهَا (1) .
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ
بِقَوْلِهِ: إِذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى الْفَقِيرِ دَيْنٌ، فَقَال
جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي لاَ يَجْزِيهِ فِي الأَْصَحِّ حَتَّى يَقْبِضَهُ،
ثُمَّ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ (2)
.
الْمُقَاصَّةُ فِي الْوَكَالَةِ
19 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى
الْمُوَكَّل دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي
عَلَى الْوَكِيل وَالْمُوَكَّل دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ
الْمُوَكَّل أَيْضًا دُونَ دَيْنِ الْوَكِيل، حَتَّى لاَ يَرْجِعَ
الْمُوَكَّل عَلَى الْوَكِيل بِشَيْءِ مِنَ الثَّمَنِ، وَهَذَا لأَِنَّ
الْمُقَاصَّةَ إِبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَتُعْتَبَرُ بِالإِْبْرَاءِ بِغَيْرِ
عِوَضٍ، وَلأَِنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا
__________
(1) الفتاوى الهندية 3 / 230، ومرشد الحيران المادة (228) ، وحاشية ابن
عابدين 4 / 239.
(2) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 396.
(38/338)
بِدَيْنِ الْوَكِيل احْتَجْنَا إِلَى
قَضَاءٍ آخَرَ، فَإِنَّ الْوَكِيل يَقْضِي لِلْمُوَكَّل، وَلَوْ
جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكَّل لَمْ نَحْتَجْ إِلَى قَضَاءٍ
آخَرَ فَجَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكَّل قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ،
فَقَدْ أَثْبَتْنَا حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُوَكَّل
يَمْلِكُ إِسْقَاطَ الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي بِالإِْجْمَاعِ، وَلَوْ
جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيل لأََثْبَتْنَا حُكْمًا
مُخْتَلِفًا فِيهِ لأَِنَّ الْوَكِيل يَمْلِكُ الإِْبْرَاءَ عَنِ
الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ.
وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيل إِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي
عَلَيْهِ دَيْنٌ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لأَِنَّ
الْوَكِيل يَمْلِكُ الإِْبْرَاءَ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَنِ الْمُشْتَرِي
عِنْدَهُمَا، فَيَمْلِكُ الْمُقَاصَّةَ أَيْضًا، لأَِنَّهَا إِبْرَاءٌ
بِعِوَضِ، فَتُعْتَبَرُ بِالإِْبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَكِنَّهُ
يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكَّل فِي الإِْبْرَاءِ وَالْمُقَاصَّةِ (1) .
الْمُقَاصَّةُ فِي السَّلَمِ
20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْمُقَاصَّةِ فِي عَقْدِ
السَّلَمِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ
إِلَيْهِ دَيْنٌ مِثْل رَأْسِ الْمَال بِعَقْدِ مُتَقَدِّمٍ عَلَى
__________
(1) نتائج الأفكار (تكملة فتح القدير) 6 / 25، 26، والمبسوط 12 / 207،
والفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية 3 / 22.
(38/338)
السَّلَمِ، بِأَنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ
بَاعَ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ
يَقْبِضِ الْعَشَرَةَ حَتَّى أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي
حِنْطَةٍ، فَإِنْ جَعَل الدَّيْنَيْنِ قِصَاصًا أَوْ تَرَاضَيَا
بِالْمُقَاصَّةِ يَصِيرُ قِصَاصًا، وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لاَ يَصِيرُ
قِصَاصًا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَأَمَّا إِنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِعَقْدٍ
مُتَأَخِّرٍ عَنِ السَّلَمِ لاَ يَصِيرُ قِصَاصًا وَإِنْ جَعَلاَهُ
قِصَاصًا.
هَذَا إِذَا كَانَ وُجُوبُ الدَّيْنِ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ
الدَّيْنُ بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ وَكَانَ الدَّيْنَانِ
مُتَسَاوِيَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ قِصَاصًا، سَوَاءٌ جَعَلاَهُ قِصَاصًا
أَمْ لاَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ وُجُوبُ الدَّيْنِ الآْخَرِ مُتَأَخِّرًا عَنْ
عَقْدِ السَّلَمِ.
وَأَمَّا إِذَا تَفَاضَل الدَّيْنَانِ: بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَل
وَالآْخَرُ أَدْوَنَ، فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، وَأَبَى
الآْخَرُ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الأَْفْضَل لاَ يَصِيرُ قِصَاصًا، وَإِنْ
أَبَى صَاحِبُ الأَْدْوَنِ يَصِيرُ قِصَاصًا (1) .
وَقَال الْكَرَابِيسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ
فِي السَّلَمِ، فَإِذَا قَال شَخْصٌ لآِخَرَ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ عَشَرَةَ
دَرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ
__________
(1) الفتاوى الهندية 3 / 188، 189.
(38/339)
قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ
لَمْ يَجُزْ، لأَِنَّ عَقْدَ السَّلَمِ لاَ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ بِمَا فِي
الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ الْعَقْدِ إِلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ
صَرْفُهُ إِلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَنْقُدْهُ فِي الْمَجْلِسِ بَطَل كَمَا
لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ (1) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْقُول عَنِ الأُْمِّ
مَنْعُ التَّقَاصِّ فِي السَّلَمِ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ
الْمُقَاصَّةِ فِي الدُّيُونِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ،
وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (2) .
وَعَدَمُ الْجَوَازِ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَابِلَةِ حَيْثُ
قَالُوا: وَلاَ يَصِحُّ عَقْدُ السَّلَمِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ
إِلَيْهِ، بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجْعَلُهُ رَأْسَ مَال
سَلَمٍ، لأَِنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ النَّهْيِ
(3) .
الْمُقَاصَّةُ فِي الْكَفَالَةِ
21 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِكَفِيل
الْمَدْيُونِ دَيْنٌ عَلَى الدَّائِنِ الْمَكْفُول لَهُ مِنْ جِنْسِ
الدَّيْنِ الْمَكْفُول بِهِ، فَالدَّيْنَانِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا مِنْ
غَيْرِ رِضَاهُمَا.
وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ الْمَكْفُول فَلاَ
يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا إِلاَّ بِتَرَاضِي الدَّائِنِ الْمَكْفُول لَهُ
__________
(1) الفروق للكرابيسي 2 / 102.
(2) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 393، 394.
(3) كشاف القناع 3 / 304.
(38/339)
مَعَ كَفِيل الْمَدْيُونِ لاَ مَعَ
الْمَدْيُونِ (1) .
الْمُقَاصَّةُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ:
22 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا آجَرَ نَاظِرُ وَقْفٍ
أَهْلِيٍّ - انْحَصَرَ رِيعُ الْوَقْفِ الْمَزْبُورِ فِيهِ نَظَرًا
وَاسْتِحْقَاقًا - أَرَاضِيَ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مُدَّةً مَعْلُومَةً
بِأُجْرَةِ الْمِثْل إِجَارَةً صَحِيحَةً مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ،
وَقَاصَصَهُ بِذَلِكَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ
كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ بَاعَ مَال الصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ
دَيْنٌ يَصِيرُ قِصَاصًا، إِذِ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ أَخَوَانِ.
وَإِذَا كَانَ النَّاظِرُ مُسْتَحِقًّا لِلأُْجْرَةِ كُلِّهَا، وَتَمَّتِ
الْمُدَّةُ، وَالدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الأُْجْرَةِ فَلاَ خَفَاءَ فِي
صِحَّةِ التَّقَاصِّ بِالاِتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا
لِبَعْضِهِمَا وَوَقَعَ التَّقَاصُّ بِهَا فَالتَّقَاصُّ صَحِيحٌ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ النَّاظِرُ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ:
لاَ يَصِحُّ التَّقَاصُّ (2)
__________
(1) مرشد الحيران المادة (231) .
(2) تنقيح الفتاوى الحامدية 1 / 224 نشر دار المعارف.
(38/340)
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ: اسْمُ مَكَانٍ، مِنْ قَامَ يَقُومُ
قَوْمًا وَقِيَامًا. أَيِ انْتَصَبَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ
وَالْمُفَسِّرُونَ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ
الْحَجَرُ الَّذِي تَعْرِفُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي يُصَلُّونَ
عِنْدَهُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ. وَقَال غَيْرُهُمْ: إِنَّهُ الْحَجَرُ
الَّذِي ارْتَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ ضَعُفَ
عَنْ رَفْعِ الْحِجَارَةِ الَّتِي كَانَ إِسْمَاعِيل يُنَاوِلُهَا إِيَّاهُ
فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ.
وَقَال السُّدِّيُّ: الْمَقَامُ: الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَتْهُ زَوْجَةُ
إِسْمَاعِيل تَحْتَ قَدَمِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ
غَسَلَتْ رَأْسَهُ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ
أَنَسٍ.
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّحِيحُ فِي تَعْيِينِ الْمَقَامِ الْقَوْل
الأَْوَّل (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ
2 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا فَرَغَ الطَّائِفُ مِنَ الطَّوَافِ يَأْتِي
مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَيُصَلِّي
__________
(1) المصباح المنير.
(38/340)
رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الصَّلاَةِ فِي الْمَقَامِ بِسَبَبِ الْمُزَاحَمَةِ يُصَلِّي حَيْثُ لاَ
يَعْسُرُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ
جَازَ.
وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ وَاجِبَتَانِ عِنْدَنَا، يَقْرَأُ فِي
الأُْولَى: {قُل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ: {قُل
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَلاَ تَجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ عَنْ رَكْعَتَيِ
الطَّوَافِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ صَلاَتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِمَا
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَيُصَلِّي
رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فِي وَقْتٍ يُبَاحُ لَهُ أَدَاءُ التَّطَوُّعِ فِيهِ
(1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَاجِبَتَانِ،
سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ نَفْلاً، وَقِيل: إِنَّهُمَا
وَاجِبَتَانِ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَسُنَّتَانِ فِي الطَّوَافِ
غَيْرِ الْوَاجِبِ.
وَيُنْدَبُ إِيقَاعُهُمَا بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ أَيْ خَلْفَهُ لاَ
دَاخِلَهُ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الأَْمَاكِنِ فِي الْمَسْجِدِ، إِلاَّ
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ خَلْفَ
الْمَقَامِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِنْ تَرَكَ حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ الرَّكْعَتَيْنِ أَعَادَ الطَّوَافَ،
ثُمَّ أَتَى بِهِمَا عَقِبَ الطَّوَافِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنِ ابْنِ
الْقَاسِمِ: يَرْكَعُهُمَا وَلاَ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَلاَ شَيْءَ
عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعَادَ كَانَ أَحَبَّ.
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 266، والاختيار 1 / 148، والدر المختار ورد
المحتار 2 / 169 - 170.
(38/341)
فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْبُعْدِ عَنْ
مَكَّةَ رَكَعَهُمَا وَأَهْدَى، وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ أَتَى بِهِمَا عَلَى
كُل حَالٍ، لأَِنَّهُمْ لاَ يَتَعَلَّقَانِ بِوَقْتِ مَخْصُوصٍ، وَكَانَ
عَلَيْهِ الْهَدْيُ لِنَقْصِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الطَّوَافِ
وَالرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ
(بَعْدَ الطَّوَافِ) وَتُجْزِئُ عَنْهُمَا الْفَرِيضَةُ وَالرَّاتِبَةُ
كَمَا فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَفِعْلُهُمَا خَلْفَ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَفْضَل، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَّهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ (2) ، وَقَال:
خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ (3) ، ثُمَّ فِي الْحِجْرِ، ثُمَّ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ شَاءَ مِنَ
الأَْمْكِنَةِ، مَتَى شَاءَ مِنَ الأَْزْمِنَةِ، وَلاَ يَفُوتَانِ إِلاَّ
بِمَوْتِهِ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الأُْولَى مِنْهُمَا سُورَةَ {قُل يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ " الإِْخْلاَصِ "
لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) ، وَلِمَا فِي
__________
(1) المنتقى للباجي 2 / 288، والدسوقي 2 / 41، 42، والشرح الصغير 2 / 43.
(2) حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الطواف خلف المقام. أخرجه
مسلم (2 / 887) من حديث جابر بن عبد الله.
(3) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943) والبيهقي (5 / 125)
من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ للبيهقي.
(4) حديث ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في ركعتي الطواف. أخرجه مسلم
(2 / 888) من حديث جابر بن عبد الله.
(38/341)
قِرَاءَتِهِمَا مِنَ الإِْخْلاَصِ
الْمُنَاسِبِ لِمَا هَاهُنَا، لأَِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ
الأَْصْنَامَ فِيهِ.
وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا لَيْلاً قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ
وَغَيْرِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ شِعَارِ النُّسُكِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ
وَاجِبَتَانِ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلاَّهُمَا، وَقَال:
خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَعَلَى الْقَوْل بِوُجُوبِهِمَا يَصِحُّ
الطَّوَافُ بِدُونِهِمَا، إِذْ لَيْسَا بِشَرْطٍ وَلاَ رُكْنٍ لِلطَّوَافِ
(1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُصَلِّي الطَّائِفُ بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ
رَكْعَتَيْنِ، وَالأَْفْضَل كَوْنُهُمَا خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ،
لِقَوْل جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي صِفَةِ
حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى إِذَا
أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَل ثَلاَثًا،
وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}
(2) فَجَعَل الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.} (3)
وَقَالُوا: حَيْثُ رَكَعَهُمَا مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ،
لِعُمُومِ حَدِيثِ: جُعِلَتْ لَنَا الأَْرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا
وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا (4) ،
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 479 - 490.
(2) سورة البقرة / 125.
(3) حديث: " استلام النبي صلى الله عليه وسلم الركن. . . ". أخرجه مسلم (2
/ 887) .
(4) حديث: " جعلت لنا الأرض كلها مسجدًا. . . ". أخرجه مسلم (1 / 371) من
حديث حذيفة - رضي الله عنه -.
(38/342)
وَصَلاَّهُمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ بِذِي طُوًى.
وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ صَلاَتِهِمَا خَلْفَ الْمَقَامِ.
وَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُل
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لِحَدِيثِ
جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: (قُل
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . (1)
وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، وَيَمُرُّ بَيْنَ
يَدَيْهِ الطَّائِفُونَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَّهُمَا وَالطُّوَّافُ بَيْنَ
يَدَيْهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ سُتْرَةٌ (2) ، وَيَكْفِي
عَنْهُمَا مَكْتُوبَةٌ وَسُنَّةٌ رَاتِبَةٌ.
وَلِلطَّائِفِ جَمْعُ أَسَابِيعَ مِنَ الطَّوَافِ، فَإِذَا أَفْرَغَ
مِنْهَا رَكَعَ لِكُل أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَالأَْوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ
لِكُل أُسْبُوعٍ عَقِبَهُ.
وَلاَ يُشْرَعُ تَقْبِيل الْمَقَامِ وَلاَ مَسْحُهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (3)
.
__________
(1) حديث: " أنه قرأ في الركعتين قل يا أيها الكافرون. . . ". أخرجه مسلم
(2 / 888) من حديث جابر بن عبد الله.
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الطواف. . ". أخرجه أبو
داود (2 / 518) من حديث كثير بن المطلب ابن أبي وداعة، وفي إسناده جهالة.
(3) كشاف القناع 2 / 484.
(38/342)
مُقَايَضَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُقَايَضَةُ لُغَةً: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْقَيْضِ، وَهُوَ الْعِوَضُ.
وَفِي حَدِيثِ ذِي الْجَوْشَنِ: " وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَقِيضَكَ بِهِ (1)
"، أَيْ: أُبْدِلَكَ بِهِ وَأُعَوِّضَكَ عَنْهُ.
وَيُقَال: قَايَضَهُ مُقَايَضَةً، إِذَا عَاوَضَهُ، وَذَلِكَ إِذَا
أَعْطَاهُ سِلْعَةً وَأَخَذَ عِوَضَهَا سِلْعَةً (2) .
وَالْمُقَايَضَةُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ بَيْعُ السِّلْعَةِ
بِالسِّلْعَةِ (3) .
وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى
أَنَّ بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ هُوَ: بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ: أَيْ
مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ.
الْمُقَايَضَةُ وَالْبَيْعُ:
2 - لَمَّا كَانَتِ الْمُقَايَضَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ، فَيَجِبُ
أَنْ تَتَوَفَّرَ فِيهَا أَرْكَانُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشُرُوطُهُ.
وَشُرُوطُ الْبَيْعِ هِيَ شُرُوطُ الاِنْعِقَادِ،
__________
(1) حديث: " إن شئت أن أقيضك به ". أخرجه أبو داود (3 / 223) .
(2) تاج العروس للزبيدي، ولسان العرب لابن منظور، وأساس البلاغة للزمخشري.
(3) قواعد الفقه للبركتي، ودرر الحكام 1 / 99.
(38/343)
وَالصِّحَّةِ، وَالنَّفَاذِ، وَاللُّزُومِ
(1) ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَأَحْكَامُ الْبَيْعِ كُلُّهَا تَسْرِي فِي عَقْدِ الْمُقَايَضَةِ، إِلاَّ
الأَْحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالثَّمَنِ أَوِ الاِلْتِزَامَاتِ
الرَّاجِعَةِ إِلَى الثَّمَنِ، إِذْ لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ فِي
الْمُقَايَضَةِ، لِخُلُوِّهَا مِنَ النَّقْدِ.
وَتَفْصِيل أَحْكَامِ الْبَيْعِ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ) .
شُرُوطُ الْمُقَايَضَةِ الْخَاصَّةُ
3 - يُؤْخَذُ مِنَ التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُقَايَضَةِ أَنَّ
شُرُوطَهَا الْخَاصَّةَ هِيَ:
أ - أَنْ لاَ يَكُونَ الْبَدَلاَنِ فِيهَا نَقْدًا، فَإِنْ كَانَا
نَقْدَيْنِ كَانَ الْبَيْعُ صَرْفًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا
فَالْبَيْعُ مُطْلَقٌ أَوْ سَلَمٌ.
ب - أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ عَيْنًا
مُعَيَّنَةً. كَمُبَادَلَةِ فَرَسٍ مُعَيَّنَةٍ بِفَرَسٍ مُعَيَّنَةٍ،
لأَِنَّ بَيْعَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِآخَرَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَأَنْ يَبِيعَ
شَخْصٌ فَرَسًا مُعَيَّنَةً بِخَمْسِينَ كَيْلَةً مِنَ الْحِنْطَةِ دَيْنًا
(أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ يُسَلِّمُهَا بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلاً) ، فَذَلِكَ
لَيْسَ مُقَايَضَةً، بَل هُوَ مِنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ (أَيْ: بَيْعِ
الْعَيْنِ بِالثَّمَنِ (2)) ، وَلأَِنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ دَيْنًا
وَالثَّمَنُ سِلْعَةً فَهُوَ مِنْ بَابِ السَّلَمِ (3) .
__________
(1) البحر الرائق 4 / 278.
(2) درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر 1 / 99، تعريب المحامي فهمي
الحسيني الطبعة المصورة ببيروت، وشرح المجلة لسليم رستم باز ص 69. الطبعة
الثالثة المصورة ببيروت.
(3) البحر الرائق 5 / 334 و 282.
(38/343)
وَلِذَلِكَ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى
لُزُومِ تَسْلِيمِ الْبَدَلَيْنِ مَعًا فِي الْمُقَايَضَةِ.
ج - التَّقَابُضُ فِي الْمُقَايَضَةِ: بَيْعُ السِّلْعَةِ بِالسِّلْعَةِ
يَقْتَضِي تَسْلِيمَهُمَا مَعًا، فَلاَ يُؤْمَرُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ
بِالتَّسْلِيمِ قَبْل صَاحِبِهِ، لأَِنَّ كُلًّا مِنَ السِّلْعَتَيْنِ
مُتَعَيَّنٌ (1) .
وَلأَِنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ مُسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ كُلٍّ
مِنْهُمَا قَبْل التَّسْلِيمِ، فَإِيجَابُ تَقْدِيمِ دَفْعِ أَحَدِهِمَا
بِعَيْنِهِ عَلَى الآْخَرِ تَحَكُّمٌ، فَيَدْفَعَانِ مَعًا (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ ف 63) .
د - أَنْ تَكُونَ الْمُقَايَضَةُ فِيمَا لاَ يَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْل
(3) ، لأَِنَّ رِبَا الْفَضْل مُحَرَّمٌ بِأَحَادِيثَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا:
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ،
وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ
بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ. مِثْلاً
بِمِثْل، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ
__________
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 14، والهداية 5 / 109، ودرر الحكام لعلي
حيدر 1 / 348.
(2) الهداية وفتح القدير 5 / 109.
(3) المبسوط للسرخسي 12 / 110 - 113، والهداية وعليها فتح القدير والعناية
5 / 274، وكنز الدقائق وتبيين الحقائق عليه 4 / 85.
(38/344)
الأَْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ
إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. (1)
الْعِوَضَانِ فِي الْمُقَايَضَةِ:
4 - كُلٌّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ يَكُونُ ثَمَنًا
وَمُثَمَّنًا (2) وَقَدْ أَخَذَ كُلٌّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ حُكْمَ
الْمَبِيعِ، لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لاَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ
الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ دُونَ الآْخَرِ، وَلاَ يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا
لأََنَّ يَكُونَ ثَمَنًا وَلِعَدَمِ التَّرْجِيحِ بِدُونِ وُجُودِ
مُرَجِّحٍ (3) .
وَمِنْ هَذَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَسَائِل الآْتِيَةَ:
1 - بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ: إِنْ كَانَ قُوبِل بِالدَّيْنِ
كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، لاَ يُفِيدُ مِلْكَ
الْخَمْرِ وَلاَ مَا يُقَابِلُهَا.
وَإِنْ كَانَ قُوبِل بِعَيْنٍ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي
الْعَرَضِ، بَاطِلٌ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، لاَ يُفِيدُ مِلْكَ
الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيُفِيدُ مِلْكَ مَا يُقَابِلُهَا مِنَ
الْبَدَل بِالْقَبْضِ (4)
ب - إِذَا هَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ
__________
(1) حديث: " الذهب بالذهب. . " أخرجه مسلم (3 / 1211) .
(2) العناية على الهداية 5 / 188.
(3) شرح مجلة الأحكام العدلية - محمد سعيد المحاسني 1 / 317 - مطبعة الترقي
بدمشق 1346 هـ - 1927 م.
(4) ابن عابدين 4 / 103، 104.
(38/344)
صَحَّتِ الإِْقَالَةُ فِي الْبَاقِي
مِنْهُمَا، وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْهَالِكِ إِنْ كَانَ
قِيَمِيًّا، وَمِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَيُسَلِّمُهُ إِلَى
صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ (1) .
وَإِنَّمَا لاَ تَبْطُل بِهَلاَكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ وُجُودِهِمَا،
لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ، فَكَانَ الْبَيْعُ بَاقِيًا
بِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِنْهُمَا، فَأَمْكَنَ الرَّفْعُ فِيهِ.
بِخِلاَفِ مَا لَوْ هَلَكَ الْبَدَلاَنِ جَمِيعًا فِي الْمُقَايَضَةِ،
فَالإِْقَالَةُ تَبْطُل عِنْدَئِذٍ، لأَِنَّ الإِْقَالَةَ فِي
الْمُقَايَضَةِ تَعَلَّقَتْ بِأَعْيَانِهِمَا - أَيِ الْبَدَلَيْنِ -
قَائِمَيْنِ، فَمَتَى هَلَكَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ تُرَدُّ الإِْقَالَةُ عَلَيْهِ (2) .
ج - إِذَا تَقَايَضَا فَتَقَايَلاَ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَا أَقَال،
صَارَ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لِقِيَامِهِمَا (أَيْ: قِيَامِ كُلٍّ
مِنْ عِوَضَيِ الْمُقَايَضَةِ) . فَكَانَ كُل وَاحِدٍ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ
نَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ.
وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَتَقَايَلاَ، ثُمَّ جُدِّدَ الْعَقْدُ فِي
الْقَائِمِ، لاَ يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ
__________
(1) البحر الرائق 6 / 115.
(2) الهداية والعناية، وفتح القدير عليها 5 / 251، وانظر تبيين الحقائق 4 /
73، والدر المختار ورد المحتار عليه 5 / 128، 129.
(38/345)
يَصِيرُ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ الْعَرَضِ
الآْخَرِ، فَشَابَهُ الْمَرْهُونَ (1) .
مُقَايَلَةٌ
انْظُرْ: إِقَالَةٌ
__________
(1) البحر الرائق، ومنحة الخالق عليه 6 / 112.
(38/345)
مَقْبَرَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَقْبَرَةُ فِي اللُّغَةِ: - بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ - أَوْ بِضَمِّ
الْبَاءِ وَفَتْحِهَا لاَ غَيْرُ مَوْضِعُ الْقُبُورِ، وَالْقُبُورُ جَمْعُ
قَبْرٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمَيِّتُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(1) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْبَرَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
الصَّلاَةُ فِي الْمَقْبَرَةِ
2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلاَةُ فِي
الْمَقْبَرَةِ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ، لأَِنَّهَا
مَظَانُّ النَّجَاسَةِ، وَلأَِنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، إِلاَّ إِذَا
كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ مَوْضِعٌ أُعِدَّ لِلصَّلاَةِ وَلاَ قَبْرَ وَلاَ
نَجَاسَةَ فَلاَ بَأْسَ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَجُوزُ الصَّلاَةُ بِمَقْبَرَةٍ عَامِرَةٍ
__________
(1) المصباح المنير، والمغرب للمطرزي، والمعجم الوسيط والمجموع 3 / 151،
والقليوبي 1 / 195، وكشاف القناع 1 / 293، 294.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 440، والخانية على هامش الهندية 1 / 29، وعمدة
القاري 2 / 351.
(38/346)
كَانَتْ أَوْ دَارِسَةٍ، مَنْبُوشَةٍ أَمْ
لاَ، لِمُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ لِمُشْرِكٍ (1) .
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ الْكَلاَمَ فَقَالُوا: لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ
فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي تَحَقَّقَ نَبْشُهَا بِلاَ خِلاَفٍ فِي
الْمَذْهَبِ، لأَِنَّهُ قَدِ اخْتَلَطَ بِالأَْرْضِ صَدِيدُ الْمَوْتَى،
هَذَا إِذَا لَمْ يُبْسَطْ تَحْتَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ بُسِطَ تَحْتَهُ شَيْءٌ
تُكْرَهُ.
وَأَمَّا إِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ نَبْشِهَا صَحَّتِ الصَّلاَةُ بِلاَ
خِلاَفٍ لأَِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي بَاشَرَهُ بِالصَّلاَةِ طَاهِرٌ،
وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لأَِنَّهَا مَدْفِنُ
النَّجَاسَةِ.
وَأَمَّا إِنْ شَكَّ فِي نَبْشِهَا فَقَوْلاَنِ: أَصَحُّهُمَا: تَصِحُّ
الصَّلاَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لأَِنَّ الأَْصْل طَهَارَةُ الأَْرْضِ فَلاَ
يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا بِالشَّكِّ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ: لاَ
تَصِحُّ الصَّلاَةُ لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ،
وَهُوَ يَشُكُّ فِي إِسْقَاطِهِ، وَالْفَرْضُ لاَ يَسْقُطُ بِالشَّكِّ (2)
.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِي الْمَقْبَرَةِ
قَدِيمَةً كَانَتْ أَوْ حَدِيثَةً، تَكَرَّرَ نَبْشُهَا أَوْ لاَ، وَلاَ
يَمْنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ قَبْرٌ وَلاَ قَبْرَانِ، لأَِنَّهُ لاَ
يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْمَقْبَرَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْبَرَةُ ثَلاَثَةُ
قُبُورٍ فَصَاعِدًا. وَرُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّ كُل مَا دَخَل فِي اسْمِ
الْمَقْبَرَةِ مِمَّا حَوْل الْقُبُورِ لاَ يُصَلَّى فِيهِ.
__________
(1) جواهر الإكليل 1 / 35.
(2) المجموع 3 / 157، 158، والقليوبي 1 / 159.
(38/346)
وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ مِنَ
الصَّلاَةِ مَا دُفِنَ بِدَارِهِ وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَلاَثَةِ قُبُورٍ،
لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَقْبَرَةٍ (1) .
الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي
الْمَقْبَرَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهَا، وَفَعَل ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَنَافِعٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ إِلَى أَنَّهُ
يُكْرَهُ ذَلِكَ، قَال النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
(2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 39) .
الْقِرَاءَةُ فِي الْمَقَابِرِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
إِلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ بَل
تُسْتَحَبُّ (3) .
وَنَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ
الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ إِذَا أَخْفَى وَلَمْ يَجْهَرْ وَإِنْ
__________
(1) كشاف القناع 1 / 294، والإنصاف 1 / 489، 491، ونيل المآرب 1 / 128.
(2) بدائع الصنائع 1 / 315، والمجموع 5 / 268، والمغني 2 / 494، ونيل
المآرب 1 / 128.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 605 - 607، والقليوبي وعميرة 1 / 351، وكشاف
القناع 2 / 147.
(38/347)
خَتَمَ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ
الْقُرْآنِ فِيهَا جَهْرًا (1) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا،
وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا إِذَا كَانَتْ بِالأَْصْوَاتِ
الْمُرْتَفِعَةِ وَاتِّخَاذِ ذَلِكَ عَادَةً (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قِرَاءَةٌ ف 17، قَبْرٌ ف 22) .
الْمَشْيُ فِي الْمَقْبَرَةِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَشْيِ فِي الْمَقَابِرِ عَلَى
أَقْوَالٍ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ
عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي
الْمَقَابِرِ بِنَعْلَيْنِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ
الْمَشْيُ إِنْ حَصَل بِهِ تَنْجِيسٌ كَمَنْبُوشَةٍ مَعَ الْمَشْيِ
حَافِيًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى
أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ بِنَعْلٍ، لأَِنَّ خَلْعَ
النَّعْلَيْنِ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ وَزِيِّ أَهْل التَّوَاضُعِ (4)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَشْيٌ ف 12، وَقَبْرٌ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا)
.
الْمُشَاحَّةُ فِي الْمَقْبَرَةِ
6 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَبَقَ
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 350.
(2) الشرح الصغير 1 / 564.
(3) ابن عابدين 1 / 229، 606، والفتاوى الهندية 1 / 167، 5 / 351، والمجموع
5 / 312، والقليوبي 1 / 342.
(4) المجموع 5 / 312، وكشاف القناع 2 / 142.
(38/347)
اثْنَانِ إِلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ
وَتَشَاحَّا فِي مَكَانٍ قُدِّمَ لِلدَّفْنِ فِيهِ الأَْسْبَقُ عِنْدَ
التَّزَاحُمِ وَضِيقِ الْمَحَل، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ قُدِّمَ
بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ، وَمَقَاعِدِ
الأَْسْوَاقِ، لأَِنَّ الْقُرْعَةَ لِتَمْيِيزِ مَا أُبْهِمَ (1) .
الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالنَّوْمُ فِيهَا
7 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمَبِيتُ فِي
الْمَقْبَرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِمَا فِيهَا مِنَ الْوَحْشَةِ،
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَحْشَةً كَأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً، أَوْ كَانَتِ
الْمَقْبَرَةُ مَسْكُونَةً فَلاَ كَرَاهَةَ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ (3) .
دَرْسُ الْمَقْبَرَةِ وَالاِسْتِفَادَةُ مِنْهَا وَنَبْشُهَا
8 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا دُفِنَ
غَيْرُهُ فِي قَبْرِهِ، وَيَجُوزُ زَرْعُهُ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ (4) .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: بِأَنَّهُ سُئِل عَنْ فِنَاءِ قَوْمٍ كَانُوا
يَرْمُونَ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ غَابُوا عَنْ ذَلِكَ، فَاتُّخِذَ
مَقْبَرَةً، ثُمَّ جَاءُوا فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ نُسَوِّيَ هَذِهِ
الْمَقَابِرَ، وَنَرْمِيَ عَلَى حَال مَا كُنَّا نَرْمِي، فَقَال مَالِكٌ:
أَمَّا مَا قَدُمَ مِنْهَا فَأَرَى ذَلِكَ لَهُمْ،
__________
(1) المجموع 5 / 283، وروضة الطالبين 2 / 142، وكشاف القناع 2 / 141.
(2) المجموع 5 / 312، والقليوبي 1 / 349، وروضة الطالبين 2 / 143.
(3) فتح القدير 1 / 472.
(4) ابن عابدين 1 / 599.
(38/348)
وَأَمَّا كُل شَيْءٍ جَدِيدٍ فَلاَ أُحِبُّ
لَهُمْ دَرْسَ ذَلِكَ (1) .
وَقَال الصَّاوِيُّ: قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ
أَحْجَارِ الْمَقَابِرِ الْعَافِيَةِ لِبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ أَوْ دَارٍ،
وَلاَ حَرْثُهَا لِلزِّرَاعَةِ، لَكِنْ لَوْ حُرِثَتْ جُعِل كِرَاؤُهَا فِي
مُؤَنِ دَفْنِ الْفُقَرَاءِ (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا صَارَ الْمَيِّتُ رَمِيمًا جَازَتِ
الزِّرَاعَةُ وَالْحِرَاثَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، كَالْبِنَاءِ فِي مَوْضِعِ
الدَّفْنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ رَمِيمًا فَلاَ يَجُوزُ.
هَذَا إِذَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ، فَإِنْ خَالَفَ
كَتَعْيِينِهِ الأَْرْضَ لِلدَّفْنِ فَلاَ يَجُوزُ حَرْثُهَا وَلاَ
غَرْسُهَا (3) .
وَأَمَّا نَبْشُ الْمَقْبَرَةِ فَتَفْصِيلُهُ فِي (قَبْرٌ ف 21) .
قَطْعُ النَّبَاتِ وَالْحَشِيشِ مِنَ الْمَقْبَرَةِ
9 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ قَطْعُ النَّبَاتِ
الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنَ الْمَقْبَرَةِ، فَإِنْ كَانَ يَابِسًا لاَ
بَأْسَ بِهِ، لأَِنَّهُ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى مَا دَامَ رَطْبًا،
فَيُؤْنِسُ الْمَيِّتَ وَتَنْزِل بِذِكْرِهِ الرَّحْمَةُ، وَلأَِنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الْجَرِيدَةَ الْخَضْرَاءَ
بَعْدَ شَقِّهَا
__________
(1) الحطاب 6 / 19.
(2) الشرح الصغير 1 / 578.
(3) كشاف القناع 2 / 144.
(38/348)
نِصْفَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ
اللَّذَيْنِ يُعَذَّبَانِ (1) ، وَتَعْلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا أَيْ: يُخَفَّفُ
عَنْهَا بِبَرَكَةِ تَسْبِيحِهِمَا، لأَِنَّ تَسْبِيحَ الرَّطْبِ أَكْمَل
مِنْ تَسْبِيحِ الْيَابِسِ لِمَا فِي الأَْخْضَرِ مِنْ نَوْعِ حَيَاةٍ (2)
.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَيْهِ فَكَرَاهَةُ قَلْعِ ذَلِكَ وَإِنْ
نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُمْلَكْ، لأَِنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ
الْمَيِّتِ (3) .
مِلْكِيَّةُ أَشْجَارِ الْمَقْبَرَةِ
10 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ إِنْ كَانَتْ نَابِتَةً
فِي الأَْرْضِ قَبْل أَنْ يَجْعَلَهَا مَقْبَرَةً فَمَالِكُ الأَْرْضِ
أَحَقُّ بِهَا يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ
مَوَاتًا فَجَعَلَهَا أَهْل تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوِ الْمَحَلَّةِ
مَقْبَرَةً، فَإِنَّ الشَّجَرَةَ وَمَوْضِعَهَا مِنَ الأَْرْضِ عَلَى مَا
كَانَ حُكْمُهَا فِي الْقَدِيمِ. وَإِنْ نَبَتَتِ الشَّجَرَةُ بَعْدَمَا
جُعِلَتْ مَقْبَرَةً وَكَانَ الْغَارِسُ مَعْلُومًا كَانَتْ لَهُ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ
الْغَارِسُ أَوْ
__________
(1) حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع جريدة خضراء بعد أن شقها نصفين
على قبر. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 223) ومسلم (1 / 241) من حديث ابن
عباس.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 606، والفتاوى الهندية 1 / 167.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 607.
(38/349)
كَانَتِ الشَّجَرَةُ نَبَتَتْ بِنَفْسِهَا
فَحُكْمُهَا يَكُونُ لِلْقَاضِي: إِنْ رَأَى قَلْعَهَا وَبَيْعَهَا
وَإِنْفَاقَهَا عَلَى الْمَقْبَرَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي
الْحُكْمِ كَأَنَّهَا وَقْفٌ (1) .
وَسُئِل نَجْمُ الدِّينِ فِي مَقْبَرَةٍ فِيهَا أَشْجَارٌ هَل يَجُوزُ
صَرْفُهَا إِلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ، قَال: نَعَمْ إِنْ لَمْ تَكُنْ
وَقْفًا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، قِيل لَهُ: فَإِنْ تَدَاعَتْ حِيطَانُ
الْمَقْبَرَةِ إِلَى الْخَرَابِ هَل يُصْرَفُ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى
الْمَسْجِدِ؟ قَال إِلَى مَا هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ إِنْ عُرِفَ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ نَبَتَتْ شَجَرَةٌ فِي
الْمَقْبَرَةِ فَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الأَْكْل لِلنَّاسِ مِنْ ثَمَرِهَا
كَمَا قَال النَّوَوِيُّ.
وَقَال الْحَنَّاطِيُّ: الأَْوْلَى عِنْدِي أَنْ تُصْرَفَ فِي مَصَالِحِ
الْمَقْبَرَةِ (3) .
ذِكْرُ حُدُودِ الْمَقْبَرَةِ وَذِكْرُهَا حَدًّا
11 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَقْبَرَةَ تَصْلُحُ حَدًّا لَوْ
كَانَتْ رَبْوَةً وَإِلاَّ فَلاَ.
وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَى قَرْيَةً خَالِصَةً وَاسْتَثْنَى الْمَقْبَرَةَ
فَهَل يُشْتَرَطُ ذِكْرُ حُدُودِ الْمَقْبَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ أَمْ لاَ؟
اخْتَلَفَ مَشَائِخُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 240 و 2 / 473، 474، والفتاوى المهدية 2 / 534.
(2) الفتاوى الهندية 2 / 476.
(3) روضة الطالبين 5 / 362.
(38/349)
الْمَقْبَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ بِحَيْثُ
يَقَعُ بِهِ الاِمْتِيَازُ.
وَقَال الْمَرْغِينَانِيُّ: إِذَا كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ تَلًّا لاَ
يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ حُدُودِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَلًّا يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ.
وَقَال أَبُو شُجَاعٍ: لاَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحُدُودِ لِلْمَقْبَرَةِ
قَال: وَنُفْتِي بِهَذَا تَسْهِيلاً لِلأَْمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (1) .
تَوْسِيعُ الْمَقْبَرَةِ
12 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ
الْحَبْسِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ خَرِبَةٍ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ
وَالطَّرِيقِ وَالْمَقْبَرَةِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَوْسِيعُ هَذِهِ
الثَّلاَثَةِ بِبَعْضٍ مِنْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّ مَا كَانَ
لِلَّهِ لاَ بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ فِي بَعْضٍ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ لاَ يُهْدَمُ لِضِيقِ مَقْبَرَةٍ
أَوْ طَرِيقٍ وَيُدْفَنُ فِيهِ إِنِ احْتِيجَ لِذَلِكَ مَعَ بَقَائِهِ
عَلَى حَالِهِ (2) .
وَقْفُ الْمَقْبَرَةِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا جَعَل شَخْصٌ أَرْضَهُ
مَقْبَرَةً فَلِكُل أَحَدٍ أَنْ يَدْفِنَ فِيهَا، سَوَاءٌ الْوَاقِفُ أَوْ
غَيْرُهُ، وَلاَ فَرْقَ فِي الاِنْتِفَاعِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ
حَتَّى جَازَ لِلْكُل الدَّفْنُ فِيهَا (3) .
وَأَمَّا لَوْ شُرِطَ فِي وَقْفِ الْمَقْبَرَةِ اخْتِصَاصُهَا بِطَائِفَةِ
اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ
__________
(1) الفتاوى الهندية 4 / 10.
(2) حاشية الدسوقي 4 / 91، 92.
(3) روضة الطالبين 5 / 330، 331، والفتاوى الهندية 2 / 466.
(38/350)
الشَّافِعِيَّةِ، وَيُمْنَعُ غَيْرُهُمْ
مِنَ الدَّفْنِ فِيهَا رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
الشَّرْطُ مَكْرُوهًا.
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ تُخْتَصُّ بِهِمْ وَيَلْغُو الشَّرْطُ،
وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ: يَفْسُدُ الْوَقْفُ لِفَسَادِ
الشَّرْطِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِ
الْوَاقِفِ فِي الْوَقْفِ مُطْلَقًا إِنْ جَازَ الشَّرْطُ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .
قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي
الْمَقَابِرِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ
الْحَاجَةِ فِي الْمَقَابِرِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ قَضَاءِ
الْحَاجَةِ فِيهَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاءُ الْحَاجَةِ ف 24) .
__________
(1) روضة الطالبين 5 / 330، 331، والقليوبي 3 / 103، وكشاف القناع 4 / 248،
وجواهر الإكليل 2 / 208، والقوانين الفقهية ص 379.
(2) فتح القدير 1 / 472، وحاشية ابن عابدين 1 / 229، ونهاية المحتاج 1 /
139 ط. مصطفى البابي الحلبي، والقليوبي 1 / 41، وكشاف القناع 1 / 64 ط.
عالم الكتب.
(38/350)
مَقْبُوضٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَقْبُوضُ اسْمُ مَفْعُولٍ: لِلْفِعْل قَبَضَ. وَأَكْثَرُ مَا
يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ: مَا أُخِذَ مِنَ الْمَال
بِالْيَدِ أَوْ حِيزَ فَصَارَ فِي حِيَازَةِ شَخْصٍ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ.
وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُطْلَقُ الْقَبْضُ عَلَى قَبُولِكَ الشَّيْءَ
وَإِنْ لَمْ تُحَوِّلْهُ عَنْ مَكَانِهِ، وَعَلَى تَحْوِيلِكَ إِلَى
حَيْزِكَ، وَعَلَى التَّنَاوُل بِالْيَدِ (1) وَفِي كُل هَذِهِ الْمَعَانِي
يُسَمَّى الشَّيْءُ مَقْبُوضًا.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْبُوضِ مِنْ أَحْكَامٍ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْبُوضِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
اخْتِلاَفُ الْقَبْضِ بِاخْتِلاَفِ الْمَقْبُوضِ
2 - إِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِمَّا يُكَال أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ
فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَقْبُوضًا بِالْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ، أَوِ الْعَدِّ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَل كَالثِّيَابِ وَجَمِيعِ الْمَنْقُولاَتِ
فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَقْبُوضًا بِالنَّقْل.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2) بدائع الصنائع 5 / 246، والقليوبي 2 / 215.
(38/351)
وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَبْضُهُ
بِتَمْشِيَتِهِ مِنْ مَكَانِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُتَنَاوَل
بِالْيَدِ كَالْجَوَاهِرِ وَالأَْثْمَانِ فَقَبْضُهُ بِتَنَاوُلِهِ
بِالْيَدِ.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُنْقَل عَادَةً كَالْعَقَارِ وَالْبِنَاءِ
وَالْغِرَاسِ وَنَحْوِهِ كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ قَبْل جُذَاذِهِ
فَقَبْضُهُ بِتَخْلِيَتِهِ مَعَ عَدَمِ مَانِعٍ، مَعَ تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ
الدَّارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَهُ مِفْتَاحٌ، وَتَفْرِيغِهَا مِنْ مَتَاعٍ،
وَإِلاَّ لَمْ يَصِرْ مَقْبُوضًا، لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَتَمَكَّنْ
مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ.
وَإِتْلاَفُ الْمُشْتَرِي الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَجْعَلُهُ مَقْبُوضًا
حُكْمًا (1) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قَبْضٌ ف 5) .
حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضُ ف 2) .
مِلْكُ الْمَقْبُوضِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِلْكِ الْمَقْبُوضِ فِي مُدَّةِ
الْخِيَارِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (خِيَارُ الشَّرْطِ ف 28 - 30) .
__________
(1) أسنى المطالب 2 / 85، وكشاف القناع 3 / 246 - 247 - 248.
(38/351)
الْمَقْبُوضُ لِلْعَارِيَّةِ
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَارِيَّةٌ
مَضْمُونَةٌ إِنْ تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا تَلِفَتْ بِلاَ تَعَدٍّ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (إِعَارَةٌ ف 15) .
الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ
6 - الْمَقْبُوضُ عَلَى السَّوْمِ مَضْمُونٌ وَإِنْ تَلِفَ بِلاَ تَعَدٍّ
مِنَ الْقَابِضِ (1) لِخَبَرِ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى
تُؤَدِّيَ. (2) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (ضَمَانٌ ف 40) .
الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ
7 - الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ
مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنَ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الأَْصَحِّ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا إِنْ بَيَّنَ فَيَكُونُ مَضْمُونًا وَصُورَتُهُ: أَخَذَ الرَّهْنَ
بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مَبْلَغًا مِنَ النُّقُودِ، فَهَلَكَ فِي يَدِهِ
قَبْل أَنْ يُقْرِضَهُ، ضَمِنَ الأَْقَل مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى
مِنَ الْقَرْضِ، لأَِنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ، وَالْمَقْبُوضُ
بِسَوْمِ الرَّهْنِ
__________
(1) حاشية قليوبي 2 / 214، والمغني 4 / 345.
(2) حديث: " على اليد ما أخذت. . . " أخرجه الترمذي (3 / 557) وأشار ابن
حجر في التلخيص (3 / 53) إلى إعلاله.
(38/352)
كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ إِذَا
هَلَكَ فِي الْمُسَاوَمَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ.
فَإِنْ هَلَكَ وَسَاوَتْ قِيمَتُهُ الدَّيْنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ
حُكْمًا، وَإِنْ زَادَتْ كَانَ الْفَضْل أَمَانَةً فَيَضْمَنُ
بِالتَّعَدِّي. وَإِنْ نَقَصَتْ سَقَطَ بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ
بِالْفَضْل، لأَِنَّ الاِسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ، وَضَمِنَ
الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ الْمَقْبُوضَ بِدَعْوَى الْهَلاَكِ بِلاَ
بُرْهَانٍ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلاَ يُصَدَّقُ
دَعْوَى الْهَلاَكِ بِلاَ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ (1) .
الْمَقْبُوضُ لِلرَّهْنِ
8 - الْمَقْبُوضُ لِلرَّهْنِ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيَدُهُ
يَدُ ضَمَانٍ فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بِالأَْقَل مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنَ
الدَّيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لاَ يَوْمَ
الْهَلاَكِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهَا يَدُ أَمَانَةٍ لِخَبَرِ: لاَ يَغْلَقُ
الرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (3) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْحَنَابِلَةُ (4) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رَهْنٌ ف 18) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 309 - 310.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 309.
(3) حديث: " لا يغلق الرهن. . " أخرجه البيهقي (6 / 39 ط. دائرة المعارف
العثمانية) من حديث أبي هريرة ورجح إرساله من حديث سعيد بن المسيب وكذا نقل
ابن حجر في التلخيص (3 / 36) عن أبي داود والبزار والدارقطني أنهم رجحوا
إرساله.
(4) مغني المحتاج 2 / 136، وكشاف القناع 3 / 341.
(38/352)
الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ
9 - الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ بِمَا سَاوَمَ،
كَمَقْبُوضٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ، بِمَنْزِلَةِ مَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ
الْبَيْعِ إِلاَّ أَنَّ فِي الْبَيْعِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَهُنَا
يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِمَا سَاوَمَهُ مِنَ الْقَرْضِ (1) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 50 - 51.
(38/353)
مُقْتَضِي
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُقْتَضِي - بِكَسْرِ الضَّادِ - اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الاِقْتِضَاءِ،
وَبِفَتْحِ الضَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْهُ.
وَمِنْ مَعَانِي الاِقْتِضَاءِ فِي اللُّغَةِ: الدَّلاَلَةُ، يُقَال:
اقْتَضَى الأَْمْرُ الْوُجُوبَ: دَل عَلَيْهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلإِْضْمَارِ، بِمَعْنَى
أَنَّ اللَّفْظَ لاَ يَسْتَقِيمُ إِلاَّ بِإِضْمَارِ شَيْءٍ.
وَقِيل: هُوَ مَا لاَ يَسْتَقِيمُ الْكَلاَمُ إِلاَّ بِتَقْدِيرِ أُمُورٍ
تُسَمَّى مُقْتَضًى بِفَتْحِ الضَّادِ (2) .
وَالْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ: هُوَ مَا أُضْمِرَ فِي الْكَلاَمِ
ضَرُورَةَ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ، وَقِيل: هُوَ مَا لاَ يَدُل عَلَيْهِ
اللَّفْظُ وَلاَ يَكُونُ مَلْفُوظًا، لَكِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ اللَّفْظِ:
كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَل الْقَرْيَةَ} (3) ، أَيْ أَهْل الْقَرْيَةِ
(4) .
__________
(1) المصباح المنير.
(2) البحر المحيط 3 / 154، وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 20 - 21.
(3) سورة يوسف / 82.
(4) قواعد الفقه للبركتي، والتعريفات للجرجاني، والبحر المحيط 3 / 154.
(38/353)
الْمُرَادُ مِنَ الْمُقْتَضَى
2 - اخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِي لَفْظِ الْمُقْتَضَى هَل هُوَ بِكَسْرِ
الضَّادِ أَوْ بِفَتْحِهَا.
فَذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ أُصُولِيِّ الشَّافِعِيَّةِ، مِنْهُمْ:
أَبُو إِسْحَاقَ وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ، وَجُمْهُورُ
أُصُولِيِّ الْحَنَفِيَّةِ، مِنْهُمْ: شَمْسُ الأَْئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ،
وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُّوسِيُّ، وَصَاحِبُ اللُّبَابِ: إِلَى أَنَّ
مَوْضِعَ النِّزَاعِ إِنَّمَا هُوَ الْمُضْمَرُ: وَهُوَ الْمُقْتَضَى
بِفَتْحِ الضَّادِ، لاَ الْمُضْمَرَ لَهُ وَهُوَ الْمُقْتَضِي بِكَسْرِ
الضَّادِ: وَهُوَ اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلإِْضْمَارِ (1) .
وَقَال ابْنُ السُّبْكِيِّ: الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُقْتَضِي بِكَسْرِ
الضَّادِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَنْطُوقُ:
3 - الْمَنْطُوقُ: مَا دَل عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَل النُّطْقِ، أَيْ
يَكُونُ حُكْمًا لِلْمَذْكُورِ، وَحَالاً مِنْ أَحْوَالِهِ (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَنْطُوقِ أَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ
الدَّلاَلَةِ.
__________
(1) البحر المحيط 3 / 154، والمستصفى 2 / 61، وأصول السرخسي 1 / 248،
والكوكب المنير ص 162.
(2) جمع الجوامع على حاشية العطار 2 / 21.
(3) إرشاد الفحول ص 178.
(38/354)
ب - الْمَفْهُومُ:
4 - الْمَفْهُومُ: مَا دَل عَلَيْهِ اللَّفْظُ لاَ فِي مَحَل النُّطْقِ،
أَيْ يَكُونُ حُكْمًا لِغَيْرِ الْمَذْكُورِ وَحَالاً مِنْ أَحْوَالِهِ (1)
.
وَقِيل: هُوَ الاِسْتِدْلاَل بِتَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ عَلَى
نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَاهُ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ أَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ
الدَّلاَلَةِ.
عُمُومُ الْمُقْتَضَى
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لاَ عُمُومَ
لِلْمُقْتَضَى (بِفَتْحِ الضَّادِ) لأَِنَّ الْعُمُومَ مِنْ صِفَاتِ
النُّطْقِ، فَلاَ يَجُوزُ دَعْوَاهُ فِي الْمَعَانِي، وَلأَِنَّ ثُبُوتَ
الْمُقْتَضَى لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، لِتَصْحِيحِ مَعْنَى النَّصِّ،
حَتَّى إِذَا كَانَ الْمَنْصُوصُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ بِدُونِ الْحَاجَةِ
إِلَى إِضْمَارٍ لاَ يَثْبُتُ الْمُقْتَضَى لُغَةً وَلاَ شَرْعًا،
وَالثَّابِتُ لِلْحَاجَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى
إِثْبَاتِ صِيغَةِ الْعُمُومِ لِلْمُقْتَضَى، لأَِنَّ الْكَلاَمَ مُفِيدٌ
بِدُونِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَيْتَةِ لَمَّا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ
فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
__________
(1) إرشاد الفحول ص 178.
(2) المستصفى للغزالي 2 / 191.
(38/354)
وَقَال الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ
الْحَنَابِلَةِ، وَآخَرُونَ:
إِنَّ لِلْمُقْتَضَى عُمُومًا، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْصُوصِ فِي
ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ، فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ،
فَكَذَلِكَ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الْعُمُومِ فِيهِ فَيُجْعَل
كَالْمَنْصُوصِ، فَيَحْتَمِل الْعُمُومَ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) البحر المحيط 3 / 154، والمستصفى 2 / 61، وأصول السرخسي 1 / 250.
(38/355)
مُقَدِّمَاتٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُقَدِّمَاتُ لُغَةً: جَمْعُ مُقَدِّمَةٍ، وَالْمُقَدِّمَةُ
بِكَسْرِ الدَّال الْمُشَدَّدَةِ مِنْ كُل شَيْءٍ أَوَّلُهُ وَمَا
يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُقَدِّمَاتِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُقَدِّمَاتِ أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ وَأُصُولِيَّةٌ،
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ فَصَّلُوا أَحْكَامَ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ لِمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا، وَعُنِيَ
الأُْصُولِيُّونَ بِجَانِبٍ آخَرَ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ.
مُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ
2 - مُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ أَيِ الْوَاجِبِ الَّذِي وُجُوبُهُ
غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا أَيْ سَبَبًا
كَانَ أَوْ شَرْطًا كَالْوُضُوءِ أَوْ عَقْلاً كَتَرْكِ الضِّدِّ وَعَادَةً
كَغَسْل جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لِغَسْل الْوَجْهِ، وَقِيل الْوُجُوبُ فِي
السَّبَبِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَقِيل فِي
__________
(1) المعجم الوسيط.
(2) قواعد الفقه للبركتي.
(38/355)
الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ فَقَطْ، وَقِيل لاَ
وُجُوبَ لِشَيْءٍ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ مُطْلَقًا (1) .
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ
3 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ فَعَل شَيْئًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ
الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ بِشَهْوَةِ وَالتَّقْبِيل وَالْمُبَاشَرَةِ
بِغَيْرِ جِمَاعٍ سَوَاءٌ أَنْزَل مَنِيًّا أَوْ لَمْ يُنْزِل وَلاَ
يَفْسُدُ حَجُّهُ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَنْزَل بِمُقَدِّمَاتِ
الْجِمَاعِ مَنِيًّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجِمَاعِ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ،
وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِل فَلْيُهْدِ
بَدَنَةً.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ ف 176) .
مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ فِي الصِّيَامِ
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ مِنْ
تَقْبِيلٍ وَلَمْسٍ - وَلَوْ كَانَ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ - لاَ يُفَطِّرُ
الصَّائِمَ مَا لَمْ تُسَبِّبِ الإِْنْزَال. أَمَّا إِذَا قَبَّل وَأَنْزَل
بَطَل صَوْمُهُ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَوْمٌ ف 83، وَتَقْبِيلٌ ف 17)
.
__________
(1) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1 / 95.
(38/356)
مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ فِي الرَّجْعَةِ
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ
مِنَ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَبِغَيْرِ نِيَّةِ
الرَّجْعَةِ لاَ يُعْتَبَرُ رَجْعَةً.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ اللَّمْسُ وَالتَّقْبِيل
وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةِ.
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْجِمَاعَ
وَمُقَدِّمَاتِهِ تَصِحُّ بِهِمَا الرَّجْعَةُ، فَلَوْ وَطِئَهَا أَوْ
لَمَسَهَا بِشَهْوَةِ، أَوْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةِ، أَوْ
قَبَّلَهَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِصِحَّةِ
الرَّجْعَةِ النِّيَّةَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ مُطْلَقًا،
سَوَاءٌ كَانَ بِوَطْءِ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَسَوَاءٌ نَوَى الزَّوْجُ
الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِمُقَدِّمَاتِ
الْجِمَاعِ، وَقَالُوا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ
نَوَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا وَانْظُرْ تَفْصِيل
ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رَجْعَةٌ ف 13 وَمَا بَعْدَهَا، وَمُصْطَلَحِ
تَقْبِيلٌ ف 20، وَلَمْسٌ ف 12) .
مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ فِي الظِّهَارِ
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي
(38/356)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ إِلَى
حُرْمَةِ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ مِنْ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ
أَوْ مُبَاشَرَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ قَبْل التَّكْفِيرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ
وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى إِبَاحَةِ الدَّوَاعِي فِي
الْوَطْءِ، لأَِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسِّ فِي الآْيَةِ: {مِنْ قَبْل أَنْ
يَتَمَاسَّا} (1) الْجِمَاعُ، فَلاَ يَحْرُمُ مَا عَدَاهُ مِنْ
مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مِنَ التَّقْبِيل وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ
وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (ظِهَارٌ ف 22، لَمْسٌ ف 13) .
مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ
7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ
مِنَ الْمَسِّ وَالتَّقْبِيل إِذَا لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ لاَ يُؤَثِّرُ
فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ مِنَ الْمَسِّ وَالتَّقْبِيل
بِشَهْوَةٍ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
إِلَى أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَالتَّقْبِيل وَلَوْ
بِشَهْوَةٍ لاَ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ مِنَ
اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ.
__________
(1) سورة المجادلة / 3.
(38/357)
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ
(تَقْبِيلٌ ف 23 وَمُصَاهَرَةٌ) .
حُكْمُ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ
8 - يُسَنُّ لِلزَّوْجِ إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَنْ
يُلاَعِبَهَا قَبْل الْجِمَاعِ لِتَنْهَضَ شَهْوَتُهَا فَتَنَال مِنْ
لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْل مَا يَنَالُهُ (1) ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَال: لاَ يُوَاقِعْهَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَاهَا مِنَ الشَّهْوَةِ
مِثْل مَا أَتَى لَهُ لاَ لِيَسْبِقَهَا بِالْفَرَاغِ (2) وَالتَّفْصِيل
فِي مُصْطَلَحِ (وَطْءٌ)
مُقَوَّمٌ
انْظُرْ: تَقَوُّمٌ، تَقْوِيمٌ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 194، والمغني 7 / 25، زاد المعاد 4 / 253.
(2) حديث: " لا يواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة " أورده ابن قدامة في
المغني (7 / 25، 26) ، ولم يعزه إلى أي مصدر، ولم نهتد لمن أخرجه.
(38/357)
مُكَابَرَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُكَابَرَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ كَابَرَ يُقَال: كَابَرَهُ
مُكَابَرَةً: غَالَبَهُ وَعَانَدَهُ.
وَكَابَرَ فُلاَنٌ فُلاَنًا: طَاوَلَهُ بِالْكِبْرِ، وَكَابَرَ فُلاَنًا
عَلَى حَقِّهِ: جَاحَدَهُ وَغَالَبَهُ عَلَيْهِ وَعَانَدَ فِيهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
حِرَابَةٌ:
2 - الْحِرَابَةُ مِنَ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ نَقِيضُ السِّلْمِ يُقَال
حَارَبَهُ مُحَارَبَةً وَحِرَابًا أَوْ مِنَ الْحَرْبِ وَهُوَ السَّلْبُ،
يُقَال: حَرَبَ فُلاَنًا مَالَهُ أَيْ سَلَبَهُ فَهُوَ مَحْرُوبٌ (3) .
وَالْحِرَابَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ - وَتُسَمَّى قَطْعَ الطَّرِيقِ عِنْدَ
أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ - هِيَ الْبُرُوزُ لأَِخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ
أَوْ لإِِرْعَابٍ عَلَى سَبِيل الْمُجَاهَرَةِ
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) قواعد الفقه للبركتي، ورد المحتار على الدر المختار 3 / 180.
(3) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(38/358)
مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ
مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُكَابَرَةِ وَالْحِرَابَةِ أَنَّ الْمُكَابَرَةَ
وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ أَفْعَال الْحِرَابَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُكَابَرَةِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَابَرَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - اعْتِبَارُهَا مِنَ الْحِرَابَةِ:
3 - تَأْخُذُ الْمُكَابَرَةُ حُكْمَ الْحِرَابَةِ بِاعْتِبَارِهَا وَصْفًا
مِنْ أَوْصَافِ الْحِرَابَةِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ كَابَرَ رَجُلاً عَلَى مَالِهِ بِسِلاَحٍ
أَوْ غَيْرِهِ فِي زُقَاقٍ أَوْ دَخَل عَلَى حَرِيمِهِ فِي الْمِصْرِ
حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحِرَابَةِ (2) .
وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقَاطِعُ
الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ يُبَاحُ قَتْل
الْكُل وَيُثَابُ قَاتِلُهُمْ.
وَالْقَتْل هُنَا عَلَى سَبِيل التَّعْزِيرِ (3) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حِرَابَةٌ ف 7) .
__________
(1) نهاية المحتاج 8 / 2، وبدائع الصنائع 7 / 90، والمغني لابن قدامة 8 /
287، وجواهر الإكليل 2 / 294.
(2) المدونة 6 / 275.
(3) الدر المختار على حاشية ابن عابدين 3 / 179 - 180.
(38/358)
ب - الْمُكَابَرَةُ وَحَدُّ السَّرِقَةِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ السَّارِقِ عَلَى سَبِيل
الْمُكَابَرَةِ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَابَرَ إِنْسَانًا لَيْلاً حَتَّى سَرَقَ
مَتَاعَهُ لَيْلاً فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ لأَِنَّ سَرِقَتَهُ قَدْ تَمَّتْ
حِينَ كَابَرَهُ لَيْلاً فَإِنَّ الْغَوْثَ بِاللَّيْل قَل مَا يَلْحَقُ
صَاحِبَ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ
تَمَكُّنُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَالسَّارِقُ قَدِ اسْتَخْفَى فِعْلُهُ
مِنَ النَّاسِ بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا
حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ مَالاً فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ
اسْتِحْسَانًا لأَِنَّ الْغَوْثَ فِي الْمِصْرِ بِالنَّهَارِ يَلْحَقُهُ
عَادَةً فَالآْخِذُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ غَيْرَ مُسْتَخْفٍ لَهُ، وَذَلِكَ
يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي السَّرِقَةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُكَابِرُ هُوَ الآْخِذُ لِلْمَال مِنْ
صَاحِبِهِ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ
مِلْكُهُ أَوِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ فَلاَ قَطْعَ لأَِنَّهُ غَاصِبٌ
وَالْغَاصِبُ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَابَرَ وَادَّعَى
أَنَّهُ مِلْكُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِهِ لَهُ مِنَ الْحِرْزِ فَإِنَّهُ
يُقْطَعُ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ دَخَل جَمَاعَةٌ بِاللَّيْل دَارًا
وَكَابَرُوا وَمَنَعُوا صَاحِبَ الدَّارِ مِنَ
__________
(1) المبسوط 9 / 151، وبدائع الصنائع 7 / 92 - 93.
(2) جواهر الإكليل 2 / 293، والدسوقي 4 / 343.
(38/359)
الاِسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ
وَحُضُورِهِ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّال
وَالْبَغَوِيُّ (1) ، وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ
الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ (2) .
مُكَاتَبٌ
انْظُرْ: مُكَاتَبَةٌ
__________
(1) روضة الطالبين 10 / 155.
(2) المغني 8 / 287، 288.
(38/359)
|