الموسوعة
الفقهية الكويتية وِلاَيَةُ الْعَهْدِ
التَّعْرِيفُ:
1 - " وِلاَيَةُ الْعَهْدِ " مُصْطَلَحٌ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ:
وِلاَيَةٍ، وَالْعَهْدِ. وَمِنْ مَعَانِي الْوِلاَيَةِ: الإِْمَارَةُ،
وَالسُّلْطَانُ. وَمِنْ مَعَانِي الْعَهْدِ: الْوَصِيَّةُ يُقَال: عَهِدَ
إِلَيْهِ بِالأَْمْرِ: إِذَا أَوْصَاهُ بِهِ. (3)
__________
(1) حديث الدجال أخرجه مسلم (4 2252 ـ 2253 ـ ط الحلبي) .
(2) مختصر الفتاوى المصرية ص 600.
(3) القاموس المحيط، والمعجم الوسيط، والمغرب.
(45/183)
وَوِلاَيَةُ الْعَهْدِ فِي الاِصْطِلاَحِ:
عَهْدُ الإِْمَامِ فِي حَيَاتِهِ بِالْخِلاَفَةِ إِلَى وَاحِدٍ لِيَكُونَ
إِمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ. (1) (ر: الإِْمَامَةُ الْكُبْرَى ف 15)
مَا يَتَعَلَّقُ بِوِلاَيَةِ الْعَهْدِ مِنْ أَحْكَامٍ:
كَيْفِيَّةُ الْعَهْدِ بِالْوِلاَيَةِ:
2 - الْعَهْدُ بِالْوِلاَيَةِ: أَحَدُ الطُّرُقِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا
الإِْمَامَةُ. (2) وَصُورَتُهَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ الإِْمَامُ شَخْصًا
عَيَّنَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَكُونَ خَلِيفَةً لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ.
وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِـ " عَهِدْتُ إِلَيْهِ " كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ
إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ فِي
الدُّنْيَا وَأَوَّل عَهْدِهِ بِالآْخِرَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي
يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ: إِنِّي
اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَإِنْ بَرَّ وَعَدَل
فَذَاكَ عِلْمِي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ جَارَ وَبَدَّل فَلاَ عِلْمَ
لِي بِالْغَيْبِ، وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ وَلِكُل امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ. (3)
__________
(1) مغني المحتاج 4 131، ونهاية المحتاج 7 391، وشرح روض الطالب 4 109،
وتحفة المحتاج 9 77.
(2) المراجع السابقة، وابن عابدين 1 369، والشرح الصغير 4 426.
(3) أثر أبي بكر: هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
. . أخرجه ابن سعد في الطبقات (3 199 ـ 200 ط بيروت) ، وفي إسناده محمد بن
عمر الواقدي وهو متروك الحديث كما قال البخاري ومسلم (تهذيب الكمال 26 185،
188) .
(45/184)
وَقَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى
جَوَازِهِ. (1)
شُرُوطُ صِحَّةِ وِلاَيَةِ الْعَهْدِ:
3 - يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ وِلاَيَةِ الْعَهْدِ مَا يَلِي: أَنْ يَكُونَ
الإِْمَامُ الْمُسْتَخْلَفُ جَامِعًا لِشُرُوطِ الإِْمَامَةِ فَلاَ
عِبْرَةَ بِاسْتِخْلاَفِ الْفَاسِقِ وَالْجَاهِل.
وَأَنْ يُقْبَل الْخَلِيفَةُ فِي حَيَاةِ الإِْمَامِ، وَأَنْ يَتَرَاخَى
الْقَبُول عَنِ الاِسْتِخْلاَفِ. وَيَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ أَنْ
يَتَحَرَّى الأَْصْلَحَ لِلإِْمَامَةِ بِأَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ فَإِنْ
ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ وَلاَّهُ. (2)
جَوَازُ الْخِلاَفَةِ لأَِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِالتَّرْتِيبِ:
4 - لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْعَل الْخِلاَفَةَ لِزَيْدٍ، ثُمَّ لِعَمْرٍ،
ثُمَّ لِبَكْرٍ. وَتَنْتَقِل مِنْ أَحَدِهِمْ إِلَى الآْخَرِ عَلَى مَا
رَتَّبَ، كَمَا رَتَّبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُمَرَاءَ جَيْشِ مُؤْتَةَ. (3) فَإِنْ مَاتَ الأَْوَّل فِي حَيَاةِ
الإِْمَامِ فَالْخِلاَفَةُ لِلثَّانِي، وَإِنْ
__________
(1) ابن عابدين 1 369، وتحفة المحتاج 9 77، والشرح الصغير 4 426. 5م) مغني
المحتاج 4 131 ط دار التراث.
(2) مغني المحتاج 4 131.
(3) حديث: " ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم أمراء جيش مؤتة، أخرجه البخاري
(فتح الباري 7 510 ط السلفية) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بلفظ
" أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤته زيد بن حارثة فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن قتل زيد فجعفر،
(45/184)
مَاتَ الثَّانِي أَيْضًا فَهِيَ
لِلثَّالِثِ، فَإِنْ مَاتَ الإِْمَامُ وَبَقِيَ الثَّلاَثَةُ أَحْيَاءً
وَانْتَصَبَ الأَْوَّل لِلْخِلاَفَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إِلَى
غَيْرِ الأَْخِيرَيْنِ، لأَِنَّهَا لَمَّا انْتَهَتْ إِلَيْهِ صَارَ
أَمْلَكَ بِهَا.
أَمَّا إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَعْهَدْ إِلَى أَحَدٍ فَلَيْسَ لأَِهْل
الْبَيْعَةِ أَنْ يُبَايِعُوا غَيْرَ الثَّانِي. وَيُقَدَّمُ عَهْدُ
الإِْمَامِ الأَْوَّل عَلَى اخْتِيَارِهِمْ. (1) وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي
الاِسْتِخْلاَفِ مُوَافَقَةُ أَهْل الْحَل وَالْعَقْدِ فِي حَيَاةِ
الإِْمَامِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَل إِذَا ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ
بَيْعَتُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ غَيْرِهِ، وَلاَ مُشَارِكَةِ أَحَدٍ.
وَإِنْ جَعَل الإِْمَامُ الأَْمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعٍ حَكَّمَهُ
فَكَاسْتِخْلاَفٍ، وَلاَ يَضُرُّ كَوْنُ الْمُسْتَخْلَفِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ،
فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الإِْمَامِ فَيُعَيِّنُونَهُ
لِلْخِلاَفَةِ. (2) كَمَا جَعَل عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الأَْمْرَ
شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ: عَلِيٍّ، وَالزُّبَيْرِ،
وَعُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَاصٍّ، وَطَلْحَةَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ جَمِيعًا. (3) أَمَّا قَبْل مَوْتِ الإِْمَامِ فَلَيْسَ لأَِهْل
الشُّورَى أَنْ
__________
(1) مغني المحتاج 4 131، وشرح روض الطالب 4 109.
(2) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 7 391.
(3) أثر عمر: أخرجه البخاري في قصة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فتح
الباري 7 59 ـ 63) .
(45/185)
يُعَيِّنُوا وَلِيًّا لِلْعَهْدِ إِلاَّ
بِإِذْنِ الإِْمَامِ. فَإِنْ خَافُوا تَفَرُّقَ الأَْمْرِ وَانْتِشَارَهُ
بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَسْتَأْذِنُونَهُ، وَلَوِ امْتَنَعَ أَهْل الشُّورَى
مِنَ الاِخْتِيَارِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ. (1)
الْوِصَايَةُ بِالْخِلاَفَةِ:
5 - لِلإِْمَامِ أَنْ يُوصِيَ بِالْخِلاَفَةِ لِمَنْ رَآهُ صَالِحًا لَهَا،
كَمَا يَجُوزُ لَهُ الاِسْتِخْلاَفُ. لَكِنْ فِي حَالَةِ الْوِصَايَةِ
يَكُونُ قَبُول الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَقِيل: لاَ
تَجُوزُ الْوِصَايَةُ بِهَا لأَِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْمَوْتِ عَنِ
الْوِلاَيَةِ، وَيَتَعَيَّنُ مَنِ اخْتَارَهُ لِلْخِلاَفَةِ
بِالاِسْتِخْلاَفِ أَوِ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْقَبُول فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ
أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهُ. (2)
اسْتِعْفَاءُ الْخَلِيفَةِ أَوِ الْمُوصَى لَهُ:
6 - إِنِ اسْتَعْفَى الْمُسْتَخْلَفُ أَوِ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْقَبُول
لَمْ يَنْعَزِل حَتَّى يُعْفَى وَيُوجَدَ غَيْرُهُ. فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ
جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ وَإِعْفَاؤُهُ، وَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ
بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَإِلاَّ امْتَنَعَ وَبَقِيَ الْعَهْدُ لاَزِمًا. (3)
__________
(1) أسنى المطالب 4 109، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه 7 391،
ومغني المحتاج 4 131.
(2) المراجع السابقة.
(3) المراجع السابقة.
(45/185)
اسْتِخْلاَفُ الْغَائِبِ:
7 - يَصِحُّ اسْتِخْلاَفُ غَائِبٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ وَيُسْتَقْدَمُ
بَعْدَ مَوْتِ الإِْمَامِ، فَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَتَضَرَّرَ
الْمُسْلِمُونَ بِتَأَخُّرِ النَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ عَقَدَ أَهْل الْحَل
وَالْعَقْدِ الْخِلاَفَةَ لِنَائِبٍ عَنْهُ، فَيُبَايِعُونَهُ
بِالنِّيَابَةِ لاَ الْخِلاَفَةِ، وَيَنْعَزِل بِقُدُومِهِ. وَلِلإِْمَامِ
تَبْدِيل وَلِيِّ عَهْدٍ غَيْرِهِ لأَِنَّ الْخِلاَفَةَ لَمَّا انْتَهَتْ
إِلَيْهِ صَارَ أَمْلَكَ لَهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَبْدِيل وَلِيِّ عَهْدِهِ
إِذْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ بِلاَ سَبَبٍ لأَِنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا لَهُ،
بَل لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ نَقْل الْخِلاَفَةِ
مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، لأَِنَّهُ إِنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ
الْمَوْلَى، وَلَيْسَ لَهُ عَزْل نَفْسِهِ اسْتِقْلاَلاً، وَإِنَّمَا
يَنْعَزِل بِالتَّرَاضِي مِنْهُ وَمِنَ الإِْمَامِ إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ،
فَإِنْ تَعَيَّنَ فَلاَ يَنْعَزِل بِذَلِكَ. (1)
__________
(1) شرح روض الطالب 4 109 ـ 110.
(45/186)
الْوِلاَيَةُ عَلَى الْمَال
التَّعْرِيفُ:
1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْوِلاَيَةِ فِي اللُّغَةِ وَالاِصْطِلاَحِ، فِي
مُصْطَلَحِ (الْوِلاَيَةِ) .
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوِلاَيَةَ عَلَى الْمَال
عِنْدَهُمْ هِيَ: قُدْرَةُ الشَّخْصِ شَرْعًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي
مَالِهِ أَوْ مَال الْغَيْرِ. (1)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْوِلاَيَةُ عَلَى النَّفْسِ:
2 - الْمُرَادُ بِالْوِلاَيَةِ عَلَى النَّفْسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
قُدْرَةُ الشَّخْصِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الشُّئُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ
بِشَخْصِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَنَفْسِهِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَال وَالْوِلاَيَةِ عَلَى
النَّفْسِ أَنَّ كِلْتَيْهِمَا تَشْتَرِكَانِ فِي تَنْفِيذِ الْقَوْل عَلَى
الْغَيْرِ.
سَبَبُ الْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَال:
3 - يَقُول الْكَاسَانِيُّ: سَبَبُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 321.
(45/186)
الْوِلاَيَةِ فِي التَّحْقِيقِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: الأُْبُوَّةُ، وَالثَّانِي: الْقَضَاءُ، لأَِنَّ الْجَدَّ
مِنْ قِبَل الأَْبِ أَبٌ لَكِنْ بِوَاسِطَةٍ، وَوَصِيُّ الأَْبِ وَالْجَدِّ
اسْتَفَادَ الْوِلاَيَةَ مِنْهُمَا فَكَانَ ذَلِكَ وِلاَيَةَ الأُْبُوَّةِ
مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَوَصِيُّ الْقَاضِي يَسْتَفِيدُ الْوِلاَيَةَ
مِنَ الْقَاضِي فَكَانَ ذَلِكَ وِلاَيَةَ الْقَضَاءِ. (1)
وَلِلتَّفْصِيل فِي مَنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ هَذَا النَّوْعُ مِنَ
الْوِلاَيَةِ، وَتَرْتِيبِ الأَْوْلِيَاءِ، وَتَصَرُّفَاتِ الْوَلِيِّ فِي
مَال الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَسَائِرِ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ
بِالْمَوْضُوعِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وِلاَيَة، وَوِصَايَة، وَإِيصَاء ف 9 16، وَنِيَابَة)
__________
(1) بدائع الصنائع 5 152.
(45/187)
وِلاَيَةٌ عَلَى النَّفْسِ
التَّعْرِيفُ:
1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْوِلاَيَةِ فِي اللُّغَةِ وَالاِصْطِلاَحِ.
(ر: وِلاَيَة ف 1) أَمَّا الْوِلاَيَةُ عَلَى النَّفْسِ فَيُرَادُ بِهَا
سُلْطَةُ الإِْشْرَافِ عَلَى الشُّئُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِشَخْصِ
الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَنَفْسِهِ. (1)
أَنْوَاعُ الْوِلاَيَةِ عَلَى النَّفْسِ:
2 - تَتَنَوَّعُ هَذِهِ الْوِلاَيَةُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:
أ - وِلاَيَةُ الْحَضَانَةِ.
ب - الْكَفَالَةُ.
ج - وِلاَيَةُ التَّزْوِيجِ.
وَنَتَنَاوَل هَذِهِ الأَْنْوَاعَ الثَّلاَثَةَ فِيمَا يَلِي.
أَوَّلاً: وِلاَيَةُ الْحَضَانَةِ:
3 - الْحَضَانَةُ فِي الشَّرْعِ: هِيَ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي
__________
(1) التعريفات للجرجاني، القواعد للبركتي، مغني المحتاج 3 452.
(45/187)
مَبِيتِهِ وَذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ
وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ وَتَنْظِيفِ
جِسْمِهِ وَمَوْضِعِهِ. (1)
وَالْحَضَانَةُ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، لأَِنَّ الْمَحْضُونَ قَدْ يَهْلِكُ
أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنِ الْهَلاَكِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل جَمِيعِ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَضَانَةِ
فِي مُصْطَلَحِ (حَضَانَة ف 5 وَمَا بَعْدَهَا) .
ثَانِيًا: وِلاَيَةُ الْكَفَالَةِ:
4 - إِذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ الْحَضَانَةِ بِاسْتِغْنَاءِ الصَّغِيرِ أَوِ
الصَّغِيرَةِ عَنِ الْحَاضِنَةِ، فَإِنَّ مَرْحَلَةً أُخْرَى تَلِي
مَرْحَلَةَ الْحَضَانَةِ، وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ سَمَّاهَا بَعْضُ
الْفُقَهَاءِ " الْكَفَالَةَ ". قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ:
الْحَضَانَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحِضْنِ فَإِنَّ الْحَاضِنَةَ تَرُدُّ
إِلَيْهِ الْمَحْضُونَ، وَتَنْتَهِي فِي الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ،
وَأَمَّا بَعْدَهُ إِلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً. قَالَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَال غَيْرُهُ تُسَمَّى " حَضَانَةً " أَيْضًا، وَقَال
بَعْضُهُمْ: " وِلاَيَةَ الرِّجَال ". (2)
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 526، المهذب للشيرازي 2 170 ط دار المعرفة، المغني 7
612، مطالب أولي النهى 5 665.
(2) مغني المحتاج 3 452، وانظر نهاية المحتاج 7 214، حاشية العدوي على
الخرشي 4 207، الحاوي الكبير للماوردي 15 101، مطالب أولي النهى 5 669،
البدائع 4 43.
(45/188)
5 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
بِدَايَةِ هَذِهِ الْوِلاَيَةِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ الْمَحْضُونُ سَبْعَ سِنِينَ
عَاقِلاً خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ مِنْ أَهْل الْحَضَانَةِ،
فَيَكُونُ مَعَ مَنِ اخْتَارَهُ مِنْهُمَا.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَبْعَ سِنِينَ
مُسْتَغْنِيًا عَنْ أُمِّهِ يَأْخُذُهُ الأَْبُ، عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُمْ
فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ حَضَانَةَ النِّسَاءِ تَسْتَمِرُّ إِلَى
بُلُوغِ الذَّكَرِ، أَمَّا الأُْنْثَى فَتَسْتَمِرُّ حَضَانَتُهَا حَتَّى
تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُل عَلَيْهَا زَوْجُهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي (حَضَانَة ف 9، 10، 14، 19) .
شُرُوطُ ثُبُوتِ وِلاَيَةِ الْكَفَالَةِ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلرِّجَال مَا
يَلِي:
أ - الْعُصُوبَةُ:
يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلرِّجَال الْعُصُوبَةُ، فَلاَ
تَثْبُتُ إِلاَّ لِلْعُصْبَةِ مِنَ الرِّجَال، وَيَتَقَدَّمُ الأَْقْرَبُ
فَالأَْقْرَبُ: الأَْبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ
الأَْخُ لأَِبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ الأَْخُ لأَِبٍ، ثُمَّ ابْنُ الأَْخِ لأَِبٍ
وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الأَْخِ لأَِبٍ، ثُمَّ الْعَمُّ لأَِبٍ وَأُمٍّ،
ثُمَّ الْعَمُّ لأَِبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لأَِبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ
الْعَمِّ لأَِبٍ إِنْ كَانَ الصَّبِيُّ غُلاَمًا، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً
فَلاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا، لأَِنَّهُ
يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلاَ
(45/188)
يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْغُلاَمُ
فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ وَأَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، ثُمَّ
عَمُّ الأَْبِ لأَِبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ عَمُّ الأَْبِ لأَِبٍ، ثُمَّ عَمُّ
الْجَدِّ لأَِبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لأَِبٍ.
وَلَوْ كَانَ لَهَا ثَلاَثَةُ أُخُوَةٍ كُلُّهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ
بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ لأَِبٍ وَأُمٍّ أَوْ لأَِبٍ أَوْ ثَلاَثَةِ
أَعْمَامٍ كُلُّهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَفْضَلُهُمْ صَلاَحًا
وَوَرَعًا أَوْلَى، فَإِنْ كَانُوا فِي ذَلِكَ سَوَاءً فَأَكْبُرُهُمْ
سِنًّا أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا غَيْرَ ابْنِ الْعَمِّ
اخْتَارَ لَهَا الْقَاضِيَ أَفْضَل الْمَوَاضِعِ، لأَِنَّ الْوِلاَيَةَ فِي
هَذِهِ الْحَالَةِ إِلَيْهِ فَيُرَاعَى الأَْصْلَحُ، فَإِنْ رَآهُ أَصْلَحَ
ضَمَّهَا إِلَيْهِ، وَإِلاَّ فَيَضَعُهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ
أَمِينَةٍ.
وَكُل ذَكَرٍ مِنْ قِبَل النِّسَاءِ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ مِثْل
الأَْخِ لأُِمٍّ، وَالْخَال، وَأَبُو الأُْمِّ، لاِنْعِدَامِ الْعُصُوبَةِ.
وَقَال مُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ لِلْجَارِيَةِ ابْنُ عَمٍّ وَخَالٍ
وَكِلاَهُمَا لاَ بَأْسَ بِهِ فِي دِينِهِ جَعَلَهَا الْقَاضِي عِنْدَ
الْخَال، لأَِنَّهُ مَحْرَمٌ وَابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَكَانَ
الْمَحْرَمُ أَوْلَى، وَالأَْخُ مِنَ الأَْبِ أَحَقُّ مِنَ الْخَال
لأَِنَّهُ عَصَبَةٌ وَهُوَ أَيْضًا أَقْرَبُ لأَِنَّهُ مِنْ أَوْلاَدِ
الأَْبِ وَالْخَال مِنْ أَوْلاَدِ الْجَدِّ.
وَذَكَرَ الْحَسَنُ ابْنُ زِيَادٍ أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
قُرَابَةٌ مِنْ قِبَل النِّسَاءِ فَالْعَمُّ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْخَال
وَأَبِي
(45/189)
الأُْمِّ، لأَِنَّهُ عَصَبَتُهُ، وَالأَْخُ
لأَِبٍ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الأَْخِ لأَِنَّهُ
أَقْرَبُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ أَشْفَقُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ
مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الأُْمَّ أَوْلَى مِنَ الْخَال
وَالأَْخِ لأُِمٍّ، لأَِنَّ لَهَا أَوْلاَدًا وَهِيَ أَشْفَقُ مِمَّنْ لاَ
وِلاَدَ لَهُ مِنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ.
ب - الأَْمَانَةُ:
7 - إِذَا كَانَ الصَّغِيرُ جَارِيَةً يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عَصَبَتُهَا
مِمَّنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لاَ يُؤْتَمَنُ لِفِسْقِهِ
وَلِخِيَانَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، لأَِنَّ فِي كَفَالَتِهِ
لَهَا ضَرَرًا عَلَيْهَا، وَهَذِهِ وِلاَيَةُ نَظَرٍ، فَلاَ تَثْبُتُ مَعَ
الضَّرَرِ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الأُْخُوَّةُ وَالأَْعْمَامُ غَيْرَ
مَأْمُونِينَ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِمْ،
وَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثِقَةً عَدْلَةً
أَمِينَةً فَيُسَلِّمُهَا إِلَيْهَا إِلَى أَنْ تَبْلُغَ فَتُتْرُكُ حَيْثُ
شَاءَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا.
ج - اتِّحَادُ الدِّينِ:
8 - يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الدِّينِ بَيْنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ،
فَلاَ حَقَّ لِلْعَصَبَةِ فِي الصَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى
دِينِهِ، كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَقَال: هَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ
وَقِيَاسُهُ، لأَِنَّ هَذَا الْحَقَّ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ لِلْعَصَبَةِ،
وَاخْتِلاَفُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّعْصِيبَ، وَقَدْ قَالُوا فِي
الأَْخَوَيْنِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالآْخَرُ يَهُودِيًّا
وَالصَّبِيُّ يَهُودِيٌّ أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْلَى بِهِ لأَِنَّهُ
عَصَبَةٌ لاَ الْمُسْلِمُ. (1)
__________
(1) بدائع الصنائع 4 43.
(45/189)
كَفَالَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكَل:
9 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى
الْمُشْكَل بَعْدَ الْبُلُوغِ يُعَامَل مُعَامَلَةَ الْبِنْتِ الْبِكْرِ،
(1) حَسَبَ تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (حَضَانَة ف 19) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ بَيَّنُوا بِأَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكَل
كَالأُْنْثَى فِي جَمِيعِ الأَْحْكَامِ إِلاَّ فِي مَسَائِل، وَلَمْ
يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ كَفَالَةِ الْخُنْثَى الْمُشْكَل وَحَضَانَتِهِ
ضِمْنَ هَذِهِ الْمَسَائِل الْمُسْتَثْنَاةِ. (2)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ كَفَالَةَ الأُْمِّ عَنِ الْخُنْثَى
الْمُشْكَل لاَ تَسْقُطُ مَا دَامَ مُشْكَلاً. (3)
انْتِهَاءُ وِلاَيَةِ الْكَفَالَةِ:
تَنْتَهِي وِلاَيَةُ الْكَفَالَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الْغُلاَمِ
وَالْجَارِيَةِ لاِكْتِفَائِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا مِنْ كَمَال
التَّمْيِيزِ وَالْقُوَّةِ (4) وَيَخْتَلِفُ وَقْتُ زَوَال الْكَفَالَةِ،
إِذَا كَانَ مَنْ تَحْتَ الْكَفَالَةِ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا، عَاقِلاً أَوْ
غَيْرَ عَاقِلٍ.
وَالتَّفْصِيل فِي (حَضَانَة ف 19) .
__________
(1) مغني المحتاج 3 460، مطالب أولي النهى 5 671.
(2) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 323 ط دار الكتب العلمية، وانظر بدائع
الصنائع 7 329.
(3) حاشية الدسوقي 2 526.
(4) الحاوي للماوردي 15 103.
(45/190)
10 - وَهُنَاكَ حَالاَتٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا
الْفُقَهَاءُ، وَيَجْعَلُونَ الْغُلاَمَ فِيهَا تَحْتَ الْكَفَالَةِ وَإِنْ
كَانَ بَالِغًا، مِنْهَا:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْغُلاَمُ مَأْمُونًا عَلَى
نَفْسِهِ فَلأَِبِيهِ ضَمُّهُ لِدَفْعِ فِتْنَةٍ أَوْ عَارٍ وَتَأْدِيبُهُ
إِذَا وَقَعَ مِنْهُ.
قَال الزَّيْلَعِيُّ: الْغُلاَمُ إِذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ
يَنْفَرِدَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ. (1)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ لِلأَْبِ أَنْ يَضُمَّ إِلَى نَفْسِهِ
ابْنَهُ الْبَالِغَ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ سَفَهًا. (2)
وَنَقَل صَاحِبُ الْعُدَّةِ الشَّافِعِيُّ عَنِ الأَْصْحَابِ أَنَّ
الْغُلاَمَ الْبَالِغَ الرَّشِيدَ إِنْ كَانَ أَمَرَدَ أَوْ خِيفَ مِنَ
انْفِرَادِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ الأَْبَوَيْنِ. (3)
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى مِثْل ذَلِكَ. (4)
ثَالِثًا: وِلاَيَةُ التَّزْوِيجِ
11 - الأَْصْل أَنَّ وِلاَيَةَ التَّزْوِيجِ هِيَ وِلاَيَةُ نَظَرٍ. (5)
وَثُبُوتُ وِلاَيَةِ النَّظَرِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ
النَّظَرِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ مَشْرُوعٌ، لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ الإِْعَانَةِ
عَلَى الْبِرِّ، وَمِنْ بَابِ الإِْحْسَانِ، وَمِنْ بَابِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 641.
(2) الذخيرة 4 222.
(3) مغني المحتاج 3 459.
(4) مطالب أولي النهى 5 671.
(5) بدائع الصنائع 2 237.
(45/190)
إِعَانَةِ الضَّعِيفِ وَإِغَاثَةِ
اللَّهْفَانِ، وَكُل ذَلِكَ حَسَنٌ عَقْلاً وَشَرْعًا. (1)
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي أَنْوَاعِ وِلاَيَةِ التَّزْوِيجِ، وَسَبَبِ
ثُبُوتِ كُل نَوْعٍ، وَشَرْطِ ثُبُوتِ كُل نَوْعٍ، يُنْظَرُ فِي (نِكَاح ف
66 وَمَا بَعْدَهَا وِلاَيَة) .
__________
(1) بدائع الصنائع 5 152.
(45/191)
وَلَدٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَلَدُ فِي اللُّغَةِ: بِفَتْحَتَيْنِ: الْمَوْلُودُ. يُقَال
لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ
وَالأُْنْثَى، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَوْلاَدٍ وَوِلْدَةٍ وَإِلْدَةٍ
وَؤُلْدٍ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِبْنُ:
2 - عَرَّفَ الْجُرْجَانِيُّ الاِبْنَ بِأَنَّهُ: حَيَوَانٌ ذَكَرٌ
يَتَوَلَّدُ مِنْ نُطْفَةِ شَخْصٍ آخَرَ مِنْ نَوْعِهِ.
وَقَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: وَسُمِّيَ ابْنًا لِكَوْنِهِ بِنَاءً
لِلأَْبِ، فَإِنَّ الأَْبَ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ وَجَعَلَهُ اللَّهُ
بَنَّاءَ فِي إِيجَادِهِ، وَيُقَال لِكُل مَا يَحْصُل مِنْ جِهَةِ شَيْءٍ
أَوْ مِنْ تَرْبِيَتِهِ أَوْ بِتَفَقُّدِهِ أَوْ كَثْرَةِ خِدْمَتِهِ لَهُ
أَوْ قِيَامِهِ بِأَمْرِهِ هُوَ ابْنُهُ، نَحْوَ فُلاَنِ ابْنِ حَرْبٍ،
وَابْنِ السَّبِيل
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوجيز، وتاج العروس والمعجم الوسيط.
(45/191)
وَابْنِ اللَّيْل وَابْنِ الْعِلْمِ. (1)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الاِبْنِ وَالْوَلَدِ هِيَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ،
لأَِنَّ الاِبْنَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ، أَمَّا الْوَلَدُ فَيُطْلَقُ
عَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى.
ب - الْبِنْتُ:
3 - الْبِنْتُ وَالاِبْنَةُ مُؤَنَّثُ ابْنٍ، (2) وَأُرِيدَ بِهِ
الْفُرُوعُ مِنَ الأُْنْثَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَْخِ وَبَنَاتُ الأُْخْتِ} ) (3) بِطَرِيقِ
عُمُومِ الْمَجَازِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْبِنْتِ وَالْوَلَدِ: أَنَّ الْبِنْتَ تُطْلَقُ عَلَى
الأُْنْثَى، أَمَّا الْوَلَدُ فَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى.
ج - الْحَفِيدُ:
4 - الْحَفِيدُ فِي اللُّغَةِ: يُطْلَقُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَعَلَى
الأَْعْوَانِ وَالْخَدَمِ وَالأَْخْتَانِ وَالأَْصْهَارِ. (4)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْحَفِيدُ هُوَ: وَلَدُ الْوَلَدِ. (5)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْحَفِيدِ هِيَ الْعُمُومُ
__________
(1) المفردات في غريب القرآن.
(2) المصباح المنير، وقواعد الفقه للبركتي، والكليات للكفوي.
(3) سورة النساء 23.
(4) لسان العرب، ومختار الصحاح.
(5) مطالب أولي النهى 4 362.
(45/192)
وَالْخُصُوصُ، فَكُل حَفِيدٍ وَلَدٌ،
وَلَيْسَ كُل وَلَدٍ حَفِيدًا.
د - السِّبْطُ:
5 - السِّبْطُ هُوَ: وَلَدُ الاِبْنِ وَالاِبْنَةِ، قَال الْعَسْكَرِيُّ:
وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل السِّبْطُ فِي وَلَدِ الْبِنْتِ. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلَقُ السِّبْطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى
وَلَدِ الْبِنْتِ، وَأَمَّا وَلَدُ الاِبْنِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ
الْحَفِيدِ عِنْدَهُمْ. (2)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنَ الْحَفِيدِ وَالسِّبْطِ عَلَى
وَلَدِ الاِبْنِ وَوَلَدِ الْبِنْتِ. (3)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالسِّبْطِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ.
هـ - الذُّرِّيَّةُ:
6 - الذُّرِّيَّةُ فِي اللُّغَةِ قِيل: نَسْل الثَّقَلَيْنِ، وَقِيل: هِيَ
وَلَدُ الرَّجُل، وَقِيل: مِنْ أَسْمَاءِ الأَْضْدَادِ تَجِيءُ تَارَةً
بِمَعْنَى الأَْبْنَاءِ (4) قَال تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ: (
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} ) (5) وَتَجِيءُ تَارَةً
__________
(1) المعجم الوسيط، والقاموس، والفروق في اللغة لأبي هلال ص 277.
(2) القليوبي 3 242.
(3) الإنصاف 7 83، ومطالب أولي النهى 4 362.
(4) الكليات 2 361، ومعجم متن اللغة.
(5) سورة الصافات 77.
(45/192)
بِمَعْنَى الآْبَاءِ وَالأَْجْدَادِ (1)
كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا
ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} . (2)
وَقِيل: إِنَّ الذُّرِّيَّةَ النُّطَفُ، حَمَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي
بُطُونِ النِّسَاءِ تَشْبِيهًا بِالْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، قَالَهُ
سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (3)
وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ: أَنَّ الذُّرِّيَّةَ تُطْلَقُ عِنْدَ
جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَبْنَاءِ الشَّخْصِ وَبَنَاتِهِ
وَأَوْلاَدِهِمْ. وَفِي رَأْيٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَدْخُل
أَوْلاَدُ الْبَنَاتِ فِي الذُّرِّيَّةِ. (4)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْوَلَدِ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ أَعَمُّ
مِنَ الْوَلَدِ.
و النَّسْل:
7 - النَّسْل: الْوَلَدُ، وَتَنَاسَلُوا: وَلَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،
وَهُوَ فِي الأَْصْل عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ مُطْلَقًا،
نَسَل الشَّيْءُ نُسُولاً: انْفَصَل عَنْ غَيْرِهِ وَسَقَطَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّسْل وَالْوَلَدِ أَنَّ النَّسْل أَعَمُّ مِنَ
__________
(1) تفسير القرطبي 15 34.
(2) سورة يس 43.
(3) تفسير القرطبي 15 34.
(4) حاشية ابن عابدين 3 433، ومغني المحتاج 2 388، والإنصاف 7 79، والمغني
5 615، وحاشية الدسوقي 4 92.
(45/193)
الْوَلَدِ. (1)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَلَدِ:
تَنْقَسِمُ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَلَدِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِوَلَدِ الآْدَمِيِّ، وَأَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ
بِوَلَدِ الْحَيَوَانِ.
أَوَّلاً: الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَلَدِ الآْدَمِيِّ:
تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ فِي الدِّينِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ على أَنَّ الْوَلَدَ يَتَّبِعُ خَيْرَ
الأَْبَوَيْنِ دِينًا. (2)
فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا، فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ،
وَكَذَلِكَ إِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ
وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِهِ، لأَِنَّ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لَهُ
نَظَرًا لَهُ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا،
وَالآْخَرُ مَجُوسِيًّا، فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ، لأََنَّ فِيهِ نَوْعَ
نَظَرٍ لَهُ، إِذِ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ، (3) كَمَا اشْتَرَطُوا
لِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِخَيْرِ الأَْبَوَيْنِ دِينًا اتِّحَادَ الدَّارِ
حَقِيقَةً أَوْ
__________
(1) المعجم الوجيز، والكليات للكفوي، ومختار الصحاح، وطلبة الطلبة للنسفي ص
231 " ط دار النفائس ".
(2) الهداية وفتح القدير 2 506، وابن عابدين 2 394، 395، والخرشي 8 66،
ومسائل الإمام أحمد لابن هانئ 1 218، 219، 2 99،100، ومواهب الجليل 6
284،285، وحاشية الشرقاوي على التحرير 2 540،541.
(3) الهداية وفتح القدير 2 506.
(45/193)
حُكْمًا، بِأَنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي
دَارِنَا وَالأَْبُ فِي دَارِ الْكُفْرِ، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ بِأَنْ كَانَ
الأَْبُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ وَالصَّغِيرُ فِي دَارِ الْكُفْرِ
فَإِنَّهُ لاَ يَتْبَعُهُ. (1)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رِدَّة ف 46، وَاخْتِلاَفُ
الدِّينِ ف 7 - 8، وَتَبَعِيَّة ف 3) .
رِدَّةُ الصَّبِيِّ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ رِدَّةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.
فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَقَوْلٌ لأَِحْمَدَ
إِلَى أَنَّ رِدَّةَ الصَّبِيِّ لاَ تَصِحُّ. لأَِنَّ أَقْوَال الصَّبِيِّ
غَيْرُ صَحِيحَةٍ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَكَمٌ كَالطَّلاَقِ
وَالإِْقْرَارِ وَالْعُقُودِ، وَلأَِنَّ الإِْسْلاَمَ فِيهِ نَفْعُهُ،
وَالْكُفْرَ فِيهِ ضَرَرُهُ، وَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُ النَّافِعُ دُونَ
الضَّارِّ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ
عَنْ أَحْمَدَ: يُحْكَمُ بِرِدَّةِ الصَّبِيِّ، لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ
يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَال الْعَقْل دُونَ الْبُلُوغِ بِدَلِيل أَنَّ مَنْ
بَلَغَ غَيْرَ عَاقِلٍ لَمْ يَصِحَّ إِسْلاَمُهُ، وَالْعَقْل يُوجَدُ مِنَ
الصَّغِيرِ كَمَا يُوجَدُ مِنَ الْكَبِيرِ، وَلأَِنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ
الإِْسْلاَمِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ مَعَ الإِْقْرَارِ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ
طَائِعًا دَلِيل الاِعْتِقَادِ، وَالْحَقَائِقَ لاَ تُرَدُّ، وَإِذَا صَارَ
مُسْلِمًا، فَإِذَا ارْتَدَّ
__________
(1) ابن عابدين 2 394، 395.
(45/194)
تَصِحُّ كَالْبَالِغِ، وَلأَِنَّ
الإِْسْلاَمَ عَقْدٌ وَالرِّدَّةُ حَلُّهُ، وَكُل مَنْ مَلَكَ عَقْدًا
مَلَكَ حَلَّهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلأَِنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ
الاِعْتِقَادُ تُصُوِّرَ مِنْهُ تَبْدِيلُهُ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ
الاِعْتِرَافُ دَل عَلَى تَبْدِيل الاِعْتِقَادِ كَالْمُسْلِمِ. (1)
وَإِذَا ثَبَتَتْ رِدَّةُ الصَّبِيِّ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَحْكَامُ
الرِّدَّةِ، فَلاَ يَرِثُ وَلاَ يُوَرَّثُ، وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ، وَلاَ
يُصَلَّى عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ مُرْتَدًا، وَيُجْبَرُ عَلَى الإِْسْلاَمِ
لأَِنَّا لَمَّا حَكَمْنَا بِإِسْلاَمِهِ لاَ يُتْرَكُ عَلَى الْكُفْرِ
كَالْبَالِغِ، وَلأَِنَّ بِالْجَبْرِ يَنْدَفِعُ عَنْهُ مَضَرَّةُ
حِرْمَانِ الإِْرْثِ وَبَيْنُونَةِ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا لاَ يُقْتَل لأَِنَّ كُل مَنْ لاَ يُبَاحُ قَتْلُهُ بِالْكُفْرِ
الأَْصْلِيِّ لاَ يُبَاحُ بِالرِّدَّةِ، لأَِنَّ إِبَاحَةَ الْقَتْل
بِنَاءً عَلَى أَهْلِيَّةِ الْحِرَابِ، وَلأَِنَّ الْقَتْل عُقُوبَةٌ
وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلأَِنَّ الْقَتْل لاَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْل
الصَّبِيِّ كَالْقِصَاصِ، وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ لاَ يَعْقِل لاَ
يَصِحُّ إِسْلاَمُهُ وَلاَ ارْتِدَادُهُ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ لأَِنَّ
الإِْسْلاَمَ وَالْكُفْرَ يَتْبَعَانِ الْعَقْل.
وَوَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صَبِيٍّ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ كَبُرَ
كَافِرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الإِْقْرَارُ بِالإِْسْلاَمِ بَعْدَمَا
بَلَغَ قَال: لاَ يُقْتَل وَيُجْبَرُ عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَإِنَّمَا
يُقْتَل مَنْ
__________
(1) المبسوط 10 122، والاختيار 4 148، وابن عابدين 4 257، والمغني 8 551،
والإنصاف 10 329، وجواهر الإكليل 1 21،116، ومغني المحتاج 4 137.
(45/194)
أَقَرَّ بِالإِْسْلاَمِ بَعْدَمَا بَلَغَ
ثُمَّ كَفَرَ، لأَِنَّ الأَْوَّل لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ،
لأَِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا بِالتَّبَعِيَّةِ،
وَحُكْمُ أَكْسَابِهِ كَالْمُرْتَدِّ. (1)
وَلاَ يُقْتَل الصَّبِيُّ قَبْل بُلُوغِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ
رِدَّتِهِ، بَل لاَ يُقْتَل عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى بَعْدَ بُلُوغِهِ.
(2)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (رِدَّة ف 3، 4)
الأَْذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ:
10 - يُسَنُّ الأَْذَانُ فِي يُمْنَى أُذُنَيِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَوْ
أُنْثَى حِينَ يُولَدُ، وَالإِْقَامَةُ بِيُسْرَاهُمَا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَذَان ف 51)
تَقْدِيمُ الْوَلَدِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ:
11 - يُقَدَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ أَبُوهُ، ثُمَّ ابْنُهُ،
ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَل، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (جَنَائِز ف 41)
إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَى.
__________
(1) الاختيار 4 148، 149، وبدائع الصنائع 7 135.
(2) المبسوط10 122، والبدائع 7 135، والمغني 8 551، والإنصاف 10 320،
والهداية 2 126، والأم 6 649، ومواهب الجليل 6 284.
(45/195)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ
(إِمَامَة ف 24)
إِمَامَةُ وَلَدِ اللِّعَانِ:
13 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِإِمَامَةِ
الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ إِذَا سَلِمَ دِينُهُ وَكَانَ
صَالِحًا لِلإِْمَامَةِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ (1) وَصَلَّى
التَّابِعُونَ خَلْفَ ابْنِ زِيَادٍ وَهُوَ مِمَّنْ فِي نَسَبِهِ نَظَرٌ،
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ وَلَدِ
الزِّنَا: " لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ "
وَقَرَأَتْ: ( {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ) (2) وَلأَِنَّهُ
حُرٌّ مَرْضِيٌّ فِي دِينِهِ يَصْلُحُ لِلإِْمَامَةِ كَغَيْرِهِ. (3)
دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى وَلَدِ الْمُزَكِّي:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ
إِلَى وَلَدِهِ، لأَِنَّ مَنَافِعَ الأَْمْلاَكِ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ
فَلاَ يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَال.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاة ف 177) .
زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ الْوَلَدِ:
15 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يُخْرِجُهَا
__________
(1) حديث: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. . . " أخرجه مسلم (1 465 ـ ط
الحلبي) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(2) سورة الأنعام 164.
(3) مطالب أولي النهى 1 680.
(45/195)
الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُل مَنْ
تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمِنْهُمْ أَوْلاَدُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةُ الْفِطْرِ ف 7 وَمَا بَعْدَهَا) .
إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنِ الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ أَوْ وُلِدَ
بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنِ
الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ. فَذَهَبَ
بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِهَا عَنْهُ. وَذَهَبَ الْبَعْضُ
الآْخَرُ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةُ الْفِطْرِ
ف 8) .
حَجُّ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدَيْهِ:
17 - يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ حَجُّ الْوَلَدِ عَنْ
وَالِدَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ
امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: " يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ
اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا
لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟
قَال: نَعَمْ ". (1)
وَالتَّفْصِيل فِي (حَجّ ف 114، 117، أَدَاء ف 16، نِيَابَة ف 13 28)
__________
(1) حديث ابن عباس " أن امرأة من خثعم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 66 ـ
ط السلفية) ، ومسلم (2 973 ـ ط الحلبي) ، والسياق لمسلم.
(45/196)
نَسَبُ الْوَلَدِ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ أُمِّهِ
بِالْوِلاَدَةِ مِنْهَا، وَمِنْ أَبِيهِ بِالْفِرَاشِ وَالإِْقْرَارِ
وَالْبَيِّنَةِ، وَلاَ يَنْتَفِي إِلاَّ بِاللِّعَانِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ، وَكُل مَا يَتَعَلَّقُ بِنَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ
مَبَاحِثَ، يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (نَسَب ف 10 وَمَا بَعْدَهَا، وَلِعَان
ف 25 وَمَا بَعْدَهَا، وَاسْتِلْحَاق ف2)
التَّضْحِيَةُ عَنِ الْوَلَدِ:
19 - الْوَلَدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
صَغِيرًا، فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا فَلاَ يَجِبُ عَلَى وَالِدِهِ
التَّضْحِيَةُ عَنْهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَإِمَّا أَنْ
يَكُونَ لَهُ مَالٌ وَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يَجِبُ عَلَى وَالِدِهِ التَّضْحِيَةُ عَنْهُ، لأَِنَّ وَلَدَ الرَّجُل
جُزْؤُهُ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى صَدَقَةِ
الْفِطْرِ. وَعَنْهُ: لاَ تَجِبُ التَّضْحِيَةُ عَنْهُ، لأَِنَّهَا
قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْقُرْبَةُ لاَ تَجِبُ بِسَبَبِ الْغَيْرِ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} )
(1) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ} ) (2) بِخِلاَفِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا مَؤُونَةٌ،
وَسَبَبُهَا رَأَسُ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ،
__________
(1) سورة النجم 39.
(2) سورة البقرة 286.
(45/196)
وَصَارُوا كَالْعَبِيدِ يُؤَدَّى عَنْهُمْ
صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلاَ يُضَحَّى عَنْهُمْ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى
الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ.
ثُمَّ عَلَى الْقَوْل بِعَدَمِ الْوُجُوبِ يُسْتَحَبُّ لِلْوَالِدِ أَنْ
يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَال نَفْسِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ
وَصِيُّهُ، خِلاَفًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَهُوَ نَظِيرُ الاِخْتِلاَفِ
فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقِيل: الأَْصَحُّ أَنَّهَا لاَ تَجِبُ فِي مَال
الصَّبِيِّ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا قُرْبَةٌ فَلاَ
يُخَاطَبُ بِهَا، بِخِلاَفِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا،
وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ الإِْرَاقَةُ، وَالتَّصَدُّقُ بِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَال الصَّبِيِّ، لأَِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى
أَكْل جَمِيعِهَا عَادَةً وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا فَلاَ تَجِبُ، وَذَكَرَ
الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجِبُ وَلاَ يُتَصَدَّقُ
بِهَا لأَِنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَلَكِنْ يَأْكُل مِنْهَا الصَّغِيرُ
وَعِيَالُهُ، وَيَدَّخِرُ لَهُ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَبْتَاعُ لَهُ
بِالْبَاقِي مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْبَالِغِ ذَلِكَ
فِي الْجَلَدِ، وَالْجَدُّ مَعَ الْحَفَدَةِ كَالأَْبِ عِنْدَ عَدَمِهِ.
(1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلإِْنْسَانِ
التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَوَلَدِهِ
الصَّغِيرِ حَتَّى
__________
(1) الاختيار 5 16.
(45/197)
يَبْلُغَ الذَّكَرُ، وَيَدْخُل
بِالأُْنْثَى زَوْجُهَا، وَيُخَاطَبُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ بِفِعْلِهَا
عَنْهُ مِنْ مَال الْيَتِيمِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَيُقْبَل قَوْلُهُ
فِي ذَلِكَ كَمَا يُقْبَل فِي زَكَاةِ مَالِهِ، وَيُخَاطَبُ الأَْبُ بِهَا
عَمَّنْ وُلِدَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لاَ
عَمَّنْ فِي الْبَطْنِ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْل وَالْمَجْنُونِ
وَالْمَحْجُورِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ
لِلأَْبِ وَالْجَدِّ التَّضْحِيَةُ عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِمَا، كَمَا أَنَّ
لَهُ إِخْرَاجَ فِطْرَتِهِ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ، لأَِنَّ فِعْلَهُ قَائِمٌ
مَقَامَهُ دُونَ غَيْرِهِمَا، لأَِنَّهُ لاَ يُسْتَقَل بِتَمْلِيكِهِ
فَتَضْعُفُ وِلاَيَتُهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ التَّضْحِيَةِ. (2)
الْعَقِيقَةُ عَنِ الْوَلَدِ
20 - الْعَقِيقَةُ: مَا يُذَكَّى عَنِ الْوَلَدِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى
بِنِيَّةٍ وَشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.
وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمَنْدُوبَةٌ
عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُبَاحَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقِيقَة ف4 وَمَا بَعْدَهَا)
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 118، والزرقاني 2 35، والتاج
والإكليل 3 238، 239.
(2) نهاية المحتاج 8 136، ومغني المحتاج 4 292.
(45/197)
خِتَانُ الْوَلَدِ:
21 - الْخِتَانُ: اسْمٌ مِنَ الْخَتْنِ: وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ مِنَ
الذَّكَرِ، وَالنَّوَاةِ مِنَ الأُْنْثَى.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى
وُجُوبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى سُنِّيَتَهُ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خِتَان ف2 وَمَا بَعْدَهَا)
تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ:
22 - بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ وَمَا
يُسْتَحَبُّ مِنَ الأَْسْمَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَسْمِيَة ف 5 وَمَا بَعْدَهَا)
حَضَانَةُ الْوَلَدِ:
23 - الْحَضَانَةُ هِيَ حِفْظُ مَنْ لاَ يَسْتَقِل بِأُمُورِهِ
وَتَرْبِيَتُهُ بِمَا يُصْلِحُهُ.
وَبَيَّنَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَهَا وَالْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا مِنَ
الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، وَشُرُوطَ اسْتِحْقَاقِهَا، وَحُكْمَ طَلَبِ
الأُْجْرَةِ عَلَيْهَا، وَوَقْتَ انْتِهَائِهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي (حَضَانَة ف 5 وَمَا بَعْدَهَا)
إِرْضَاعُ الْوَلَدِ:
24 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ إِرْضَاعُ الْمَوْلُودِ
إِذَا كَانَ فِي سِنِّ الرَّضَاعِ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ.
(45/198)
وَتَفْصِيل أَحْكَامِهِ فِي مُصْطَلَحِ
رَضَاعٍ (ف 3 - 6، خُلْع ف 25)
نَفَقَةُ الْوَلَدِ:
25 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ تَجِبُ فِي
مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ وَجَبَتْ عَلَى أَبِيهِ
بِشُرُوطٍ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَة ف 54 58)
تَعْلِيمُ الْوَلَدِ:
26 - يَلْزَمُ الْوَالِدَيْنِ تَعْلِيمُ الْوَلَدِ فِي صِغَرِهِ كُل مَا
يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُعَلِّمُهُ مَا تَصِحُّ بِهِ عَقِيدَتُهُ
مِنْ: إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ عِبَادَتُهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَعَلُّم وَتَعْلِيم ف 11، وَوِلاَيَة)
تَأْدِيبُ الْوَلَدِ:
27 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ
تَأْدِيبُ الْوَلَدِ لِتَرْكِهِ الصَّلاَةَ وَالطَّهَارَةَ، وَسَائِرَ
الْفَرَائِضِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَأْدِيب ف 3 وَمَا بَعْدَهَا، وِلاَيَة)
طَاعَةُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ وَبِرُّهُمَا:
28 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ
(45/198)
يُطِيعَ وَالِدَيْهِ فِي غَيْرِ
مَعْصِيَةٍ، وَأَنْ يَبَرَّهُمَا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (بِرِّ الْوَالِدَيْنِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا)
وَطَاعَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ فِي تَرْكِ النَّوَافِل أَوْ قَطْعِهَا
أَوْ تَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ يُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي مُصْطَلَحِ (بِرُّ
الْوَالِدَيْنِ ف 10 12)
دُعَاءُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ:
29 - دُعَاءُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا يَحْصُل
ثَوَابُهُ لِلْوَالِدِ، لأَِنَّ عَمَل وَلَدِهِ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ
لِتَسَبُّبِهِ فِي وُجُودِهِ لِحَدِيثِ: إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ
انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو
لَهُ، (1) حَيْثُ جَعَل دُعَاءَ الْوَلَدِ مِنْ عَمَل الْوَالِدِ. قَال
الشَّرْوَانِيُّ: أَوْ لأَِنَّ ثَوَابَ الدُّعَاءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ
شَرْعًا لِلْوَلَدِ، وَالْوَالِدُ يَحْصُل لَهُ ثَوَابٌ فِي الْجُمْلَةِ
لأَِنَّهُ سَبَبٌ لِصُدُورِ هَذَا الْعَمَل فِي الْجُمْلَةِ. (2)
كَرَاهَةُ أَنْ يَدْعُوَ الْوَلَدُ أَبَاهُ بِاسْمِهِ:
30 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُل
أَبَاهُ بِاسْمِهِ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُفِيدُ التَّعْظِيمَ كَيَا
سَيِّدِي وَنَحْوِهِ لِمَزِيدِ حَقِّهِ عَلَى الْوَلَدِ، وَلَيْسَ
__________
(1) حديث: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله. . . " أخرجه مسلم (3 1255 ـ ط
الحلبي، من حديث أبي هريرة.
(2) تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني 7 73، والقليوبي 3 175.
(45/199)
هَذَا مِنَ التَّزْكِيَةِ، لأَِنَّهَا
رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَدْعُوِّ بِأَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُفِيدُهَا،
لاَ إِلَى الدَّاعِي الْمَطْلُوبُ مِنْهُ التَّأَدُّبَ مَعَ مَنْ فَوْقَهُ.
(1)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِوَلَدِ الشَّخْصِ
وَتِلْمِيذِهِ وَغُلاَمِهِ أَنْ لاَ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ وَلَوْ فِي
الْمَكْتُوبِ. (2)
نَهْيُ الْمُكَلَّفِ عَنْ دُعَائِهِ عَلَى وَلَدِهِ:
31 - نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَدْعُوَ الإِْنْسَانُ عَلَى وَلَدِهِ، فَقَدْ قَال صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا
عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا
مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَل فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ. (3)
وَقَال الشَّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ إِنْ قَصَدَ
الْوَالِدُ بِالدُّعَاءِ عَلَى الْوَلَدِ تَأْدِيبَهُ وَغَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ إِفَادَتُهُ جَازَ كَضَرْبِهِ، بَل أَوْلَى. (4)
تَفْضِيل بَعْضِ الأَْوْلاَدِ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعَطِيَّةِ:
32 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَفْضِيل بَعْضِ الأَْوْلاَدِ عَلَى
بَعْضٍ فِي الْعَطِيَّةِ.
__________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 269.
(2) مغني المحتاج 4 295، وتحف وتحفة المحتاج مع حاشية الشرواني 9 374،
وفتاوى الرملي بهامش الفتاوى الفقهية الكبرى 4 322،323.
(3) حديث: " لا تدعوا على أنفسكم. . . " أخرجه مسلم (4 2304 ـ ط الحلبي) من
حديث جابر بن عبد الله.
(4) حاشية الشرواني على تحفة المحتاج 2 88.
(45/199)
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَالِدِ أَنْ يُسَوِّيَ
بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْعَطِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُبَارَكِ
وَطَاوُوسٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ
التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأَْوْلاَدِ فِي الْعَطِيَّةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَسْوِيَة ف 11)
تَفْضِيل بَعْضِ الأَْوْلاَدِ فِي الْمَحَبَّةِ:
33 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِتَفْضِيل بَعْضِ
الأَْوْلاَدِ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَحَبَّةِ، لأَِنَّهَا عَمَل الْقَلْبِ.
(1)
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (مُحِبَّة ف 8)
هِبَةُ الأَْبِ لِوَلَدِهِ شَيْئًا مَشْغُولاً:
34 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَشْغُول لاَ تَجُوزُ،
كَأَنْ وَهَبَ الأَْبُ لِطِفْلِهِ دَارًا وَالأَْبُ يَسْكُنُهَا أَوْ لَهُ
فِيهَا مَتَاعٌ، لأَِنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْقَابِضِ.
وَفِي الْخَانِيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ تَجُوزُ،
وَيَصِيرُ قَابِضًا لاِبْنِهِ.
وَتَصِحُّ كَذَلِكَ هِبَةُ الدَّارِ الْمُعَارَةِ، فَلَوْ وَهَبَ طِفْلَهُ
دَارًا يَسْكُنُ فِيهَا قَوْمٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ جَازَ، وَيَصِيرُ
__________
(1) الدر المختار 4 513.
(45/200)
قَابِضًا لاِبْنِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ
بِأَجْرٍ فَلاَ يَجُوزُ. (1)
الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ:
35 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ رُجُوعِ الأَْبِ عَنْ هِبَتِهِ
لِوَلَدِهِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي
الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ
وَلَدِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ
يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (هِبَة ف 39 وَمَا بَعْدَهَا) .
الْوَقْفُ عَلَى الأَْوْلاَدِ:
36 - إِذَا قَال الْوَاقِفُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي فَقَدِ اتَّفَقَ
الْفُقَهَاءُ عَلَى دُخُول أَوْلاَدِهِ الصُّلْبِيِّينَ الذُّكُورِ
وَالإِْنَاثِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي دُخُول أَوْلاَدِ الأَْوْلاَدِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْف)
__________
(1) رد المحتار على الدر المختار 4 510، والفتاوى الخانية بهامش الفتاوى
الهندية 3 270، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 262.
(2) بدائع الصنائع 6 132 ـ133، ومواهب الجليل 6 64، وشرح المحلي 3 113،
والمغني 5 682 ـ683.
(45/200)
دُخُول الْوَلَدِ فِي الْوَصِيَّةِ
لِلأَْقَارِبِ:
37 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَوْصَى رَجُلٌ لأَِقَارِبِهِ، أَوْ
لأَِقَارِبَ فَلاَنٍ، دَخَل أَقَارِبُهُ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ مِنْ
كُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ وَارِثٍ، وَلاَ يَدْخُل
الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ، وَأَمَّا الْجَدُّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ
فَيَدْخُل فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا كَانَ لَهُ أَقَارِبُ لأَِبِيهِ لاَ
يَرِثُونَ اخْتُصُّوا بِالْوَصِيَّةِ، أَمَّا الَّذِينَ يَرِثُونَ فَلاَ
يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لأَِبٍ غَيْرُ وَارِثِينَ فَإِنَّ
الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِأَقَارِبِهِ لأُِمِّهِ، وَعَلَى ذَلِكَ لاَ
يَدْخُل الأَْوْلاَدُ لأَِنَّهُمْ يَرِثُونَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِلَى عَدَمِ دُخُول
الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدِ، أَمَّا الْجَدُّ وَالأَْحْفَادُ فَيَدْخُلُونَ
لِشُمُول الاِسْمِ لَهُمْ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ، يَدْخُل الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ؛ لأَِنَّهُمَا
يَدْخُلاَنِ فِي الْوَصِيَّةِ لأَِقْرَبِ الأَْقَارِبِ فَكَيْفَ لاَ
يَدْخُلاَنِ فِي الأَْقَارِبِ؟ قَال السُّبْكِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَدْخُل أَحَدٌ مِنَ الأُْصُول
وَالْفُرُوعِ.
(45/201)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ:
لَوْ وَصَّى لأََقْرَبِ أَقَارِبِهِ دَخَل الأَْصْل وَالْفَرْعُ أَيِ
الأَْبَوَانِ وَالأَْوْلاَدُ. (1)
عَطِيَّةُ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ:
38 - يُسَنُّ لِلْوَلَدِ أَنْ يَعْدِل فِي الْعَطِيَّةِ الشَّامِلَةِ
لِلصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْكَلاَمِ وَالتَّوَدُّدِ
لِوَالِدَيْهِ، قَال الدَّارِمِيُّ: فَإِنْ فَضَّل، فَلْيُفَضِّل الأُْمَّ.
(2)
(ر: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ف 4 5)
اسْتِئْذَانُ الْوَالِدَيْنِ لِلسَّفَرِ:
39 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ كُل سَفَرٍ لاَ يُؤْمَنُ فِيهِ
الْهَلاَكُ، وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْخَطَرُ، فَلَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ
يَخْرُجَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذَنْ وَالِدَيْهِ؛ لأَِنَّهُمَا يُشْفِقَانِ
عَلَى وَلَدِهِمَا، فَيَتَضَرَّرَانِ بِذَلِكَ، وَكُل سَفَرٍ لاَ يَشْتَدُّ
فِيهِ الْخَطَرُ يَحِل لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا،
إِذَا لَمْ يُضَيِّعْهُمَا، لاِنْعِدَامِ الضَّرَرِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ف 9،
وَاسْتِئْذَان ف 29)
إِذْنُ الْوَالِدَيْنِ لِلْوَلَدِ فِي الْجِهَادِ:
40 - لاَ يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَْبَوَيْنِ
__________
(1) ابن عابدين 5 439، والمحلي 3 170، ومغني المحتاج 3 63، والدسوقي 4 432،
والإنصاف 7 244، وكشاف القناع 4 364.
(2) المحلي على المنهاج 3 113.
(45/201)
الْمُسْلِمَيْنِ أَوْ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا
إِنْ كَانَ الآْخَرُ كَافِرًا، إِلاَّ إِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ، كَأَنْ
يَنْزِل الْعَدُوُّ بِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ف 11، جِهَاد ف 11
- 12)
أَخْذُ الأَْبَوَيْنِ مِنْ مَال وَلَدِهِمَا:
41 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ لاَ يَأْخُذُ
مِنْ مَال وَلَدِهِ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ. (1)
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا احْتَاجَ الأَْبُ إِلَى مَال وَلَدِهِ، فَإِنْ
كَانَا فِي الْمِصْرِ وَاحْتَاجَ الْوَالِدُ لِفَقْرِهِ أَكَل بِغَيْرِ
شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَفَازَةِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ لاِنْعِدَامِ
الطَّعَامِ مَعَهُ فَلَهُ الأَْكْل بِالْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ
عَابِدِينَ. (2)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلأَْبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَال
وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَيَتَمَلَّكُهُ مَعَ حَاجَةِ الأَْبِ إِلَى مَا
يَأْخُذُهُ وَمَعَ عَدَمِهَا، صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا
بِشَرْطَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ يُجْحِفَ بِالاِبْنِ وَلاَ يَضُرَّ بِهِ، وَلاَ
يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ.
الثَّانِي: أَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ فَيُعْطِيهِ وَلَدَهُ
الآْخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيل بْنِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 513، والدسوقي 2 522، ومغني المحتاج 3 446، وأحكام
القرآن لابن العربي 3 1391.
(2) حاشية ابن عابدين 4 513.
(45/202)
سَعِيدٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مَمْنُوعٌ
مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَال نَفْسِهِ
فَلأََنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ
الآْخَرِ أَوْلَى.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَسْرُوقًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِصَدَاقٍ عَشَرَةِ
آلاَفٍ فَأَخَذَهَا وَأَنْفَقَهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، وَقَال لِلزَّوْجِ:
جَهِّزِ امْرَأَتَكَ.
وَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ. قَال رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ
مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ. (1)
وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَال: إِنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّ لِي مَالاً
وَعِيَالاً، وَإِنَّ لأَِبِي مَالاً وَعِيَالاً، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يَأْخُذَ مَالِي، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَنْتَ وَمَالُكَ لأَِبِيكَ " (2) ، وَلأَِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى جَعَل الْوَلَدَ مَوْهُوبًا لأَِبِيهِ فَقَال: ( {وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ) (3) ، وَقَال: ( {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}
) (4) ، وَقَال زَكَرِيَّا:
__________
(1) حديث: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. . . " أخرجه الترمذي (3 630 ـ ط
الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
(2) حديث جابر بن عبد الله: " أنت ومالك لأبيك. . . " أخرجه ابن ماجه (2
769 ـ ط الحلبي) والطحاوي في مشكل الآثار (2 230 ـ ط دائرة المعارف
العثمانية) ، والسياق للطحاوي، وصحح البوصيري إسناده في مصباح الزجاجة (2
25 ـ ط دار الجنان) .
(3) سورة الأنعام 34.
(4) سورة الأنبياء 90.
(45/202)
( {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} )
(1) ، وَقَال إِبْرَاهِيمُ: ( {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى
الْكِبَرِ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ} ) (2) ، وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ
كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ. (3)
وَفِي مَسَائِل الإِْمَامِ أَحْمَدَ لاِبْنِ هَانِئٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ يَقُول: كُل شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْ مَال وَلَدِهِ
فَيَقْبِضُهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُل وَيَعْتِقَ، وَسُئِل أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ: يَسْرِقُ الْوَالِدُ مِنْ مَال وَلَدِهِ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؟
قَال: لاَ يُقَال سَرَقَ، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلاَ يُقْطَعُ.
وَقَال أَيْضًا: يَأْخُذُ مِنْ مَال وَلَدِهِ مَا شَاءَ لِحَدِيثِ أَنْتَ
وَمَالُكَ لأَِبِيكَ. (4)
وَقَال أَيْضًا: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ مَا شَاءَ،
وَلَيْسَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ. إِلاَّ
أَنْ يَكُونَ بِسَرَفٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْقُوتَ.
وَسُئِل عَنِ الْمَرْأَةِ تَتَصَدَّقُ مِنْ مَال ابْنِهَا؟ قَال: لاَ
تَتَصَدَّقُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. (5)
الْخُلْعُ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَإِرْضَاعِهِ:
42 - الْوَلَدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَضِيعًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
فَطِيمًا.
__________
(1) سورة مريم 5.
(2) سورة إبراهيم 39.
(3) المغني 5 678 - 679، 236.
(4) حديث: " أنت ومالك لأبيك " تقدم تخريجه ف41.
(5) مسائل الإمام أحمد لابن هانئ 2 11،12.
(45/203)
فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ فَطِيمًا
فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى نَفَقَةِ هَذَا الْوَلَدِ إِذَا
وَقَّتَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً، لأَِنَّ نَفَقَتَهُ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ،
وَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ، لأَِنَّهُ يَأْكُل مُدَّةَ
عُمُرِهِ، فَلاَ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِدُونِ تَوْقِيتٍ لِلْجَهَالَةِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى
نَفَقَتِهِ وَكَذَا عَلَى إِرْضَاعِهِ، وَنَفَقَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
إِرْضَاعُهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ وَقَّتَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ لَمْ
يُوَقِّتَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي حَالَةِ عَدَمِ
الاِتِّفَاقِ عَلَى وَقْتٍ مُحَدَّدٍ، تُرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ،
إِنْ كَانَ الْخُلْعُ عِنْدَ وِلاَدَتِهِ أَوْ إِلَى تَتِمَّةِ
الْحَوْلَيْنِ إِنْ مَضَى مِنْهُمَا شَيْءٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ) (1) وَحَدِيثِ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ
فِصَالٍ (2) أَيِ الْعَامَيْنِ، فَحُمِل الْمُطْلَقُ مِنْ كَلاَمِ
الآْدَمِيِّ عَلَى ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ الْمَعْهُودُ شَرْعًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَصِحُّ الْخُلْعُ إِذَا لَمْ يُوَقِّتْ
مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ مَهْرُ الْمِثْل
لِفَسَادِ الْعِوَضِ.
وَلَوْ عَادَ الزَّوْجُ وَتَزَوَّجَهَا، أَوْ هَرَبَتِ الزَّوْجَةُ، أَوْ
مَاتَتْ، أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ خِلاَل الْمُدَّةِ الْمُتَّفَقِ
__________
(1) سورة البقرة 233.
(2) حديث: " لا رضاع بعد فصال. . . " أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (2
159 ـ ط المكتب الاسلامي) من حديث علي بن أبي طالب.
(45/203)
عَلَيْهَا أَوْ خِلاَل مُدَّةِ الرَّضَاعِ
رَجَعَ الزَّوْجُ بِبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ خِلاَل الْمُدَّةِ
الْمُتَبَقِّيَةِ. لأَِنَّهُ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ تَلِفَ قَبْل قَبْضِهِ
فَوَجَبَ بَدَلُهُ، كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى قَفِيزٍ فَتَلِفَ قَبْل
قَبْضِهِ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ رُجُوعَهُ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ
عُرْفٌ أَوْ شَرْطٌ يَقْضِي بِعَدَمِ رُجُوعِهِ فَيَعْمَل بِهِمَا،
وَيُقَدِّمُ الشَّرْطَ عَلَى الْعُرْفِ إِذَا تَعَارَضَا. (1)
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (خُلْع ف 25)
الْخُلْعُ عَلَى حَضَانَةِ الْوَلَدِ:
43 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اخْتَلَعَتِ الْمَرْأَةُ
عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ
وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقَّ الْوَلَدِ أَنْ
يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ مَا كَانَ إِلَيْهَا مُحْتَاجًا، فَلَيْسَ لَهَا
أَنْ تُبْطِلَهُ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ
الْفُقَهَاءُ الثَّلاَثَةُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوَانِيُّ
وَخَوَاهَرْ زَادَهْ قَال فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَإِنْ لَمْ يُوجِدْ
غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذِ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ بِلاَ
خِلاَفٍ. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى إِسْقَاطِ
__________
(1) رد المحتار على الدر المختار 2 567، وشرح منتهى الارادات 3 111، والشرح
الصغير 2 521، والخرشي 4 23، والدسوقي 2 357، وروضة الطالبين 7 399،
والكافي 3 156، والمغني 7 64،65، وأسنى المطالب 3 252.
(2) البحر الرائق 4 180، ورد المحتار على الدر المختار 2 636، وتبيين
الحقائق مع حاشية الشلبي 3 47، وفتح القدير 4 368.
(45/204)
حَضَانَةِ الأُْمِّ لِوَلَدِهَا لأَِبِيهِ،
وَيَنْتَقِل الْحَقُّ فِي الْحَضَانَةِ لِلأَْبِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ
مَنْ يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ قَبْلَهُ. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لاَ
يَخْشَى عَلَى الْمَحْضُونِ ضَرَرًا مَا بِعُلُوقِ قَلْبِهِ بِأُمِّهِ،
أَوْ لِكَوْنِ مَكَانِ الأَْبِ غَيْرَ حَصِينٍ، وَإِلاَّ فَلاَ تَسْقُطُ
الْحَضَانَةُ حِينَئِذٍ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تَسْقُطُ حَضَانَةُ الأُْمِّ بِنِكَاحِ غَيْرِ
أَبِي الطِّفْل لَوِ اخْتَلَعَتْ بِالْحَضَانَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً
فَنُكِحَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ؛ لأَِنَّهَا إِجَارَةٌ لاَزِمَةٌ. (2)
مِيرَاثُ الْوَلَدِ:
44 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَوْرِيثِ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدَيْهِ،
وَالْوَالِدَيْنِ مِنْ وَلَدِهِمَا بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف 26،39، 45)
مِيرَاثُ وَلَدِ الزِّنَى:
45 - وَلَدُ الزِّنَى هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مِنْ
سِفَاحٍ لاَ مِنْ نِكَاحٍ، وَهَذَا الْوَلَدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ
وَيَرِثُ بِجِهَتِهَا فَقَطْ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف125)
__________
(1) الدسوقي والشرح الكبير 2 349، والشرح الصغير 2 522.
(2) مغني المحتاج 3 455، ونهاية المحتاج 7 218.
(45/204)
مِيرَاثُ وَلَدِ اللِّعَانِ:
46 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلَدَ اللِّعَانِ لاَ تَوَارُثَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلاَعِنِ، لاِنْتِفَاءِ نَسَبِهِ مِنْهُ وَلُحُوقِهِ
بِأُمِّهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف 126)
النَّذْرُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ:
47 - مَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ وَلَدِي فَفِي الْقِيَاسِ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ،
وَفِي الاِسْتِحْسَانِ عِنْدَهُمْ يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ
أَوْلاَدٌ لَزِمَهُ مَكَانَ كُل وَلَدٍ شَاةٌ، وَهُوَ قَوْل أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (1) وَالْحَنَابِلَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
(2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ الْوَلَدِ.
(3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ وَلَدِي لَمْ
يَصِحَّ نَذْرُهُ، لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. (4)
وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ نَحْرَ
وَلَدِهَا وَلَهَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ: تَذْبَحُ عَنْ كُل وَاحِدٍ كَبْشًا
وَتُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهَا. وَهَذَا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ كَفَّارَةَ
نَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ كَبْشٌ، فَجُعِل عَنْ كُل وَاحِدٍ، لأَِنَّ لَفْظَ
__________
(1) فتح القدير 2 335.
(2) الشرح الكبير مع المغني 11 338.
(3) حاشية الدسوقي 2 171.
(4) مغني المحتاج 4 371.
(45/205)
الْوَاحِدِ إِذَا أُضِيفَ اقْتَضَى
التَّعْمِيمَ فَكَانَ عَنْ كُل وَاحِدٍ كَبْشٌ، فَإِنْ عَيَّنَتْ
بِنَذْرِهَا وَاحِدًا فَإِنَّمَا عَلَيْهَا كَبْشٌ وَاحِدٌ، بِدَلِيل أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ
الْوَاحِدِ فَدَى بِكَبْشٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَفْدِ غَيْرَ مَنْ أُمِرَ
بِذَبْحِهِ مِنْ أَوْلاَدِهِ، كَذَا هَهُنَا، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ لَمَّا
نَذَرَ ذَبْحَ ابْنٍ مِنْ بَنِيهِ إِنْ يَبْلُغُوا عَشَرَةً لَمْ يَفْدِ
مِنْهُمْ إِلاَّ وَاحِدًا.
وَسَوَاءٌ نَذَرْتَ مُعَيَّنًا أَوْ عَيَّنْتَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
(1)
شَقُّ بَطْنِ الْمَيْتَةِ لإِِخْرَاجِ وَلَدِهَا:
48 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي شَقِّ بَطْنِ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ
لإِِخْرَاجِ وَلَدِهَا قَبْل مَوْتِهِ.
فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى شَقِّ بَطْنِهَا وَإِخْرَاجِ الْوَلَدِ.
وَذَهَبَ الْبَعْضُ الآْخَرُ إِلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ.
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِز ف 9) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا مِنْ أَحْكَامٍ:
49 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَهَل الْمَوْلُودُ أَوْ
صَدَرَ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ حَيَاتُهُ أَخَذَ حُكْمَ الأَْحْيَاءِ فِي
الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَأَمَّا إِذَا وُلِدَ مَيِّتًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلَدًا فِي حَقِّ
غَيْرِهِ، فَتَنْتَهِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ،
وَيَقَعُ
__________
(1) الشرح الكبير مع المغني 11 338.
(45/205)
بِهِ الْمُعَلَّقُ عَلَى وِلاَدَتِهِ مِنْ
طَلاَقٍ وَغَيْرِهِ. (1)
وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ تَغْسِيلِهِ وَالصَّلاَةُ
عَلَيْهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ الإِْرْثَ وَالْوَصِيَّةُ وَغَيْرِ ذَلِكَ
فَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (إِرْث ف 112 113، وَتَغْسِيل
الْمَيِّتِ ف 25، وَجَنِين ف 10، 22، وَسَقْط ف 2، وَعِدَّة ف22 وَمَا
بَعْدَهَا، وَنِفَاس ف 7)
بَيْعُ الأَْبِ مَال وَلَدِهِ الْقَاصِرِ:
50 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلأَْبِ أَنْ يَبِيعَ مَال وَلَدِهِ الْقَاصِرِ لاِنْتِفَاءِ التُّهْمَةِ
فِي حَقِّهِ، وَلأَِنَّهُ أَشْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَجَازَ
لَهُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَذَا لِلْجَدِّ (أَبُ الأَْبِ وَإِنْ عَلاَ
أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ لَهُ
الْوِلاَيَةَ عَلَى الْمَال عِنْدَهُمْ كَالأَْبِ. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ
ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ
لَهُ عَلَى مَال الْوَلَدِ، لأَِنَّهُ لاَ يُدْلِي بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا
يُدْلِي بِالأَْبِ، فَهُوَ كَالأَْخِ وَالأُْمِّ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ
لاَ وِلاَيَةَ لَهُمْ، لأَِنَّ الْمَال مَحَل الْخِيَانَةِ. (2)
َالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وِلاَيَة)
__________
(1) رد المحتار مع الدر المختار 3 110.
(2) البدائع 5 155، ومغني المحتاج 2 173،174، والشرح الكبير مع حاشية
الدسوقي 3 299،300، والإقناع 2 223، وكشاف القناع 3 447، والزرقاني على
الموطأ 5 279، 298، وجامع أحكام الصغار بهامش جامع الفصولين 1 189 ـ 191،
وجامع الفصولين 2 15.
(45/206)
بَيْعُ الْوَكِيل مَال مُوَكِّلِهِ
لِوَلَدِهِ أَوْ شِرَاؤُهُ لَهُ:
51 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ بِيعِ الْوَكِيل مَا وُكِّل عَلَى
بَيْعِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ شِرَائِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ،
وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَكِيل أَنْ
يَبِيعَ مَال مُوَكِّلِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، لأَِنَّ الْبَيْعَ لَهُ
كَالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ
مُتَّهَمٌ فِي الْمَيْل إِلَيْهِ كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْمَيْل إِلَى
نَفْسِهِ، وَلأَِنَّ الْوَاحِدَ فِي بَابِ الْبَيْعِ إِذَا بَاشَرَ
الْعَقْدَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يُؤَدِّي إِلَى تَضَادِّ الأَْحْكَامِ،
فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَرِدًا مُسْتَقْضِيًا، قَابِضًا مُسَلِّمًا،
مُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ وَمُخَاصَمًا، بَل قَال الْحَنَفِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل فِي ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيل مَال مُوَكِّلِهِ
لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ شِرَائِهِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ
إِلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ، لأَِنَّ الْبَيْعَ لَهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ
مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لاِتِّصَال مَنْفَعَةِ مِلْكِ كُل وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، ثُمَّ لاَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ مِنْ نَفْسِهِ، فَلاَ
يَمْلِكُهُ لَهُ. وَلأَِنَّ الْوَكِيل مُتَّهَمٌ فِي الْمَيْل إِلَيْهِ
كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْمَيْل إِلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لاَ تُقْبَل
شَهَادَتَهُ لَهُ كَمَا لاَ تُقْبَل شَهَادَتَهُ لِنَفْسِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ الْبَيْعُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ بِمِثْل الْقِيمَةِ؛ لأَِنَّ
الْبَيْعَ لَهُ
(45/206)
وَمِنَ الأَْجْنَبِيِّ سَوَاءٌ، لأَِنَّ
كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ، فَلَيْسَ
لِلْوَكِيل فِيمَا يَشْتَرِي وَلَدُهُ مِلْكٌ وَلاَ حَقُّ مِلْكٍ، فَجَازَ
بَيْعُهُ لَهُ بِمِثْل الْقِيمَةِ. وَكَذَلِكَ قَال الشَّافِعِيَّةُ عَلَى
الأَْصَحِّ يَجُوزُ الْبَيْعُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ، لأَِنَّهُ يَجُوزُ
لِلْوَكِيل أَنْ يَبِيعَ لَهُ مَالَهُ هُوَ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ
لَهُ مَال مُوَكِّلِهِ كَالأَْجْنَبِيِّ، وَوَافَقَهُمُ الْحَنَابِلَةُ فِي
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالُوا بِالْجَوَازِ وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: أَنْ يَزِيدَ الْوَكِيل عَلَى مِقْدَارِ ثَمَنِ
الْمَبِيعِ فِي النِّدَاءِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ شَخْصٌ آخَرُ غَيْرُ
الْوَكِيل، وَقِيل: أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَبِيعُ وَيَكُونُ هُوَ أَحَدُ
الْمُشْتَرِينَ.
وَأَجَازُوا ذَلِكَ أَيْضًا إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل فِي ذَلِكَ.
وَاتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ
إِذَا قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ بِأَنْ قَال
لِلْوَكِيل: اصْنَعْ مَا شِئْتَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ لِوَلَدِهِ
الْكَبِيرِ، لأَِنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الأَْمْرَ إِلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ
كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى الْبَيْعِ لَهُ، فَإِنَّ
اللَّفْظَ الْعَامَّ يَكُونُ نَصًّا فِي كُل مَا يَتَنَاوَلُهُ.
وَكَذَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ، لِعَدَمِ
التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّل
(45/207)
بِالْبَيْعِ لَهُ أَوْ أَجَازَ لَهُ مَا
صَنَعَ جَازَ. (1)
شِرَاءُ الرَّجُل لِنَفْسِهِ مِنْ مَال وَلَدِهِ الطِّفْل، وَشِرَاؤُهُ
لَهُ مِنْ نَفْسِهِ:
52 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْبِ أَنْ يَشْتَرِيَ
لِنَفْسِهِ مِنْ مَال ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ، وَأَنْ يَبِيعَ لَهُ
مِنْ مَال نَفْسِهِ. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وِلاَيَة)
قَبْضُ الأَْبِ الْمَال الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ
وَالْعَكْسُ:
53 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الأَْبُ إِذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ
الصَّغِيرِ لاَ يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ
الْمَال قَبْل أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ يَتَمَكَّنُّ مِنَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً
هَلَكَ عَلَى الْوَالِدِ، وَالثَّمَنُ الَّذِي لَزِمَ بِشِرَاءِ مَال
وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لاَ يَبْرَأُ مِنْهُ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي
وَكِيلاً عَنِ الصَّغِيرِ فَيَقْبِضُهُ مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ
إِلَيْهِ، فَيَكُونُ وَدِيعَةً مِنَ ابْنِهِ فِي يَدِهِ. وَفِيمَا لَوْ
بَاعَ دَارَهُ مِنَ ابْنِهِ
__________
(1) البدائع 7 3465، 3466، المبسوط 19 32، والكنز 4 270، والفتاوى الهندية
3 589، وتكملة فتح القدير 8 73،74، وشرح الخرشي 6 77، والشرح الكبير 3 387،
والمهذب 1 359، ومغني المحتاج 2 225، والمغني 5 117، وكشاف القناع 2 448.
(2) المغني لابن قدامة 7 233، 234 ط هجر، والمجموع 10 1، 13 565، ومغني
المحتاج 2 175، والبدائع 5 154، وحاشية ابن عابدين 4 18، والقوانين الفقهية
ص 326.
(45/207)
وَهُوَ فِيهَا سَاكِنٌ لاَ يَصِيرُ
الاِبْنُ قَابِضًا حَتَّى يُفَرِّغَهَا الأَْبُ، وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهَا
إِلَى أَمِينِ الْقَاضِي. (1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اتَّحَدَتْ يَدُ الْقَابِضِ
وَالْمُقْبِضِ وَقَعَ الْقَبْضُ بِالنِّيَّةِ كَقَبْضِ الأَْبِ مِنْ
نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَال وَلَدِهِ إِذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا بَاعَ مَال وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ فِي
عِقْدِ الصَّرْفِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي
الْمَجْلِسِ، وَفَارَقَ مَجْلِسَهُ ذَاكَ وَلَمْ يَحْصُل الْقَبْضُ، بَطَل
الْعَقْدُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ إِذَا فَارَقَ
الْمَجْلِسَ يَلْزَمُ الْعَقْدُ. وَقِيل: لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِاخْتِيَارِ
اللُّزُومِ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ قَوْل جُمْهُورِ
أَصْحَابِنَا.
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ
الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَبْطُل الْخِيَارُ بِاخْتِيَارِ اللُّزُومِ، قَالَهُ
صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ، وَفِي وَجْهٍ فِي أَصْل
الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ مَجْلِسٍ
أَصْلاً، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَكُونُ الْمُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْعَقْدِ،
فَإِذَا فَارَقَهُ بَطَل، قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ. (3) َقَال
الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لِلأَْبِ أَنْ يُوجِبَ وَيَقْبَل وَيَقْبِضَ مَا
يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَال وَلَدِهِ لأَِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
__________
(1) الفتاوى الهندية 3 174.
(2) تنقيح الفصول وشرحه للقرافى ص 456.
(3) المجموع 10 16 ـ 17.
(45/208)
أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ. (1)
وِلاَيَةُ الْوَلَدِ لاِسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ:
54 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ حَقِّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ
يَثْبُتُ لِكُل وَرَثَةِ الْمَقْتُول صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ذَكَرِهِمْ
وَأُنْثَاهُمْ.
وَالتَّفْصِيل فِي (قِصَاص ف 26، 29)
قَتْل الْوَلَدِ:
55 - يَحْرُمُ قَتْل الْوَالِدِ وَلَدَهُ. قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَل
لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( {قُل تَعَالَوْا أَتْل
مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ
إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} ) (2) ، وَقَال تَعَالَى: (
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} ) (3) ،
وَقَال: ( {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْل
أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ} ) (4) .
قَال الشَّافِعِيُّ (5) : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبُ تَقْتُل الإِْنَاثَ مِنْ
وَلَدِهَا صِغَارًا خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ وَالْعَارَ بِهِمْ،
فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَوْلاَدِ
الْمُشْرِكِينَ، دَل عَلَى
__________
(1) المغني 8 255 ط هجر.
(2) سورة الأنعام 151.
(3) سورة التكوير 8 ـ 9.
(4) سورة الأنعام 137.
(5) الأم 6 3.
(45/208)
تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْل أَطْفَال
الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ
السُّنَّةُ مَعَ مَا دَل عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْل
بِغَيْرِ حَقٍّ قَال تَعَالَى: ( {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا
أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ) (1) .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ
أَعْظَمُ؟ فَقَال: " أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ "
قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لِعَظِيمٌ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيْ؟ قَال: " ثُمَّ أَنْ
تَقْتُل وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يُطْعَمَ مَعَكَ " (2) .
56 - فَإِذَا قَتَل الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَالْوَالِدُ لاَ
يُقَادُ بِوَلَدِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَالْجَدُّ لاَ يُقَادُ بِوَلَدِ
وَلَدِهِ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلَدُ
الْبَنِينَ وَوَلَدُ الْبَنَاتِ. (3)
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: لاَ يُقَادُ الأَْبُ بِالاِبْنِ
إِلاَّ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ أَوْ يَبْقُرَ بَطْنَهُ، فَأَمَّا
إِذَا حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالْعَصَا فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَل بِهِ
وَكَذَلِكَ الْجَدُّ مَعَ حَفِيدِهِ. (4)
__________
(1) سورة الأنعام 140.
(2) حديث: " أي الذنب أعظم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 13 491 ـ ط
السلفية) ومسلم (1 90 ـ ط الحلبي) .
(3) البدائع 7 235، والمبسوط 26 91، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
للزيلعي 6 105، وحاشية الدسوقي 4 242، ونهاية المحتاج 7 258، ومغني المحتاج
4 15، وحاشية البحيرمي 4 138، والمغني 7 666، ومنتهى الإرادات 2 403، وكشاف
القناع 5 527، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 250.
(4) حاشية الدسوقي 4 238.
(45/209)
وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ
(قِصَاص ف 17، 22) .
قَتْل الْوَلَدِ بِوَالِدَيْهِ:
57 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ) إِلَى أَنَّهُ
يُقْتَل الْوَلَدُ بِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْوَالِدَيْنِ لِعُمُومِ الآْيَاتِ
وَالأَْحَادِيثِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، ثُمَّ خُصَّ
مِنْهَا الْوَالِدُ بِالنَّصِّ الْخَاصِّ فَبَقِيَ الْوَلَدُ دَاخِلاً
تَحْتَ الْعُمُومِ، وَلأَِنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِتَحْقِيقِ حِكْمَةِ
الْحَيَاةِ بِالزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، وَالْحَاجَةِ إِلَى الزَّجْرِ فِي
جَانِبِ الْوَلَدِ لاَ فِي جَانِبِ الْوَالِدِ، لأَِنَّ الْوَالِدَ يُحِبُّ
وَلَدَهُ لِوَلَدِهِ لاَ لِنَفْسِهِ بِوُصُول النَّفْعِ إِلَيْهِ مِنْ
جِهَتِهِ، أَوْ يُحِبُّهُ لِحَيَاةِ الذَّكَرِ لِمَا يَحْيَى بِهِ
ذِكْرُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا زِيَادَةُ شَفَقَةٍ تَمْنَعُ الْوَالِدَ عَنْ
قَتْلِهِ، فَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنَّمَا يُحِبُّ وَالِدَهُ لاَ
لِوَالِدِهِ بَل لِنَفَسِهِ، وَهُوَ وُصُول النَّفْعِ إِلَيْهِ مِنْ
جِهَتِهِ، فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهُ وَشَفَقَتُهُ مَانِعَةً مِنَ
الْقَتْل، فَلَزِمَ الْمَنْعُ بِشَرْعِ الْقِصَاصِ كَمَا فِي الأَْجَانِبِ،
وَأَنَّ مَحَبَّةَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَجْل
مَنَافِعَ تَصِل إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ لاَ لِعَيْنِهِ، فَرُبَّمَا
يَقْتُل الْوَالِدَ لِيَتَعَجَّل الْوُصُول إِلَى أَمْلاَكِهِ، لاَ
سِيَّمَا إِذَا كَانَ لاَ يَصِل النَّفْعُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ
لِعَوَارِضَ، وَلَكِنْ مِثْل هَذَا يَنْدُرُ فِي جَانِبِ الأَْبِ، وَأَنَّ
الأَْبَ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَحَقًّا مِنَ الأَْجْنَبِيِّ، فَإِذَا قُتِل
(45/209)
بِالأَْجْنَبِيِّ فَبِالأَْبِ أَوْلَى،
وَأَنَّهُ يُحَدُّ بِقَذْفِهِ فَيُقْتَل بِهِ كَالأَْجْنَبِيِّ، كَمَا
أَنَّهُ قَطَعَ الرَّحِمَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِصِلَتِهَا وَوَضَعَ
الإِْسَاءَةَ مَوْضِعَ الإِْحْسَانِ فَهُوَ أَوْلَى بِإِيجَابِ
الْعُقُوبَةِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الاِبْنَ لاَ يُقْتَل
بِأَبِيهِ؛ لأَِنَّ الأَْبَ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ بِحَقِّ
النَّسَبِ، فَلاَ يُقْتَل بِهِ كَالأَْبِ مَعَ ابْنِهِ. (1)
قَتْل الْوَالِدِ الْوَلَدَ الْبَاغِيَ وَالْعَكْسُ:
58 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ
كَانَ مِنْ أَهْل الْعَدْل تَعَمُّدُ قَتْل أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ مِنْ
أَهْل الْبَغْيِ، فَإِذَا قُتِل أَحَدُهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَال
لِضَرُورَةِ الْقِتَال فَلاَ يُضْمَنُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَل الْبَاغِي أَحَدَ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدَهُ فَلاَ
يَضْمَنُ.
أَمَّا لَوْ قَتَل الْعَادِل أَوِ الْبَاغِي أَحَدَ وَالِدَيْهِ أَوْ
وَلَدَهُ فِي غَيْرِ الْقِتَال أَوْ فِي الْقِتَال وَلَكِنْ لِغَيْرِ
ضَرُورَةِ الْقِتَال فَإِنَّهُ يَضْمَنُ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ الْبَاغِيَ يَضْمَنُ مَا
أَتْلَفَهُ عَلَى الْعَادِل؛ لأَِنَّهُمَا فِرْقَتَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
مُحِقَّةٌ وَمُبْطِلَةٌ، فَلاَ يَسْتَوِيَانِ فِي سُقُوطِ الْغُرْمِ. (2)
__________
(1) تبين الحقائق 6 105، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 252، ومغني
المحتاج 4 18، والإنصاف 9 474، والمغني 7 670 ـ 671.
(2) البدائع 7 141، وابن عابدين 3 311، وفتح القدير 4 414، وتبيين الحقائق
3 276، وحاشية الدسوقي 4 300، التاج والإكليل 6 279، الشرح الصغير 4 429،
والمهذب 2 220، ونهاية المحتاج 7 387، وكشاف القناع 6 163، والمغني 8 118،
ومغني المحتاج 4 125.
(45/210)
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلاَتٌ أُخْرَى
تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاة ف 26)
شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَكْسُ:
59 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ
لِوَالِدِهِ وَلاَ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ
أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة ف 26)
دُخُول الْوَلَدِ فِي الْعَاقِلَةِ الَّتِي تَتَحَمَّل الدِّيَةَ:
60 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُول الْوَلَدِ فِي الْعَاقِلَةِ
الَّتِي تَتَحَمَّل الدِّيَةَ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ
فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِلَى أَنَّهُ
يَدْخُل الأَْبْنَاءُ وَالآْبَاءُ فِي الْعَاقِلَةِ فِي تَحَمُّل الدِّيَةِ
الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْقَوْل الآْخَرِ،
وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى أَنَّ الأَْبْنَاءَ
وَالآْبَاءَ لاَ يَدْخُلُونَ فِي الْعَاقِلَةِ فِي تَحَمُّل الدِّيَةِ عَنِ
الْجَانِي. (1)
__________
(1) المبسوط 27 127، وتكملة فتح القدير 10 399، منح الجليل 4 424، بداية
المجتهد 2 449، والمغني 9 516، ومنتهى الارادات 3 327، ومغني المحتاج 4 95،
96، والأم 6 101، والمغني مع الشرح الكبير 9 514،515، والإنصاف 10 119.
(45/210)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَاقِلَة ف
3)
سَرِقَةُ الْوَالِدِ مِنَ الْوَلَدِ وَالْعَكْسُ:
61 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي
سَرِقَةِ الْوَالِدِ مِنْ مَال وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَل، لِقَوْل النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَِبِيكَ (1) ،
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَطْيَبَ مَا
أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ (2)
وَفِي لَفْظٍ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلاَدِكُمْ (3) وَلاَ يَجُوزُ قَطْعُ
الإِْنْسَانِ بِأَخْذِ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأَخْذِهِ، وَلاَ أَخْذِ مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالاً لَهُ مُضَافًا إِلَيْهِ، وَلأَِنَّ
الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَأَعْظَمُ الشُّبَهَاتِ أَخَذُ
الرَّجُل مِنْ مَالٍ جَعَلَهُ الشَّرْعُ لَهُ، وَأَمَرَهُ بِأَخْذِهِ
وَأَكْلِهِ.
وَقَال أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ الأَْبُ بِسَرِقَةِ
مَال ابْنِهِ (4) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ( {وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ
__________
(1) حديث: " أنت ومالك لأبيك. . . " تقدم تخريجه ف 41.
(2) حديث: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. . . " تقديم تخريجه ف41.
(3) حديث: " فكلوا من كسب أولادكم. . . " أخرجه أبو داود (3 802 ـ ط حمص)
من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما.
(4) البدائع 7 70، وفتح القدير 5 381، والقليوبي وعميرة 4 188، وحاشية
الدسوقي 4 337، وبداية المجتهد 2 490، ومغني المحتاج 4 162، وكشاف القناع 6
141، والمغني 12 459.
(45/211)
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ) (1) .
62 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَطْعِ يَدِ الْوَلَدِ إِذَا سَرَقَ
مِنْ مَال وَالِدِهِ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْوَلَدِ
مِنْ مَال وَالِدِهِ وَإِنْ عَلاَ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ
وَالثَّوْرِيُّ، لأَِنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ تَمْنَعُ قَبُول شَهَادَةِ
أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَالأَْبِ،
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مَال الأَْبِ لاِبْنِهِ حِفْظًا لَهُ،
فَلاَ يَجُوزُ إِتْلاَفُهُ حِفْظًا لِلْمَال، وَلأَِنَّهُ يَرِثُ مَالَهُ،
وَلَهُ حَقُّ دُخُول بَيْتِهِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا شُبُهَاتٌ تَدْرَأُ
عَنْهُ الْحَدَّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ
مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ
الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ لِظَاهِرِ الآْيَةِ، وَلأَِنَّهُ
يُحَدُّ بِالزِّنَى مِنْ جَارِيَتِهِ، وَيُقَادُ بِقَتْلِهِ فَيُقْطَعُ
بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَلأَِنَّهُ لاَ تُوجَدُ شُبْهَةٌ فِي عَلاَقَةِ
الاِبْنِ بِأَبِيهِ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ. (2)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (سَرِقَة ف 15) .
__________
(1) سورة المائدة 38.
(2) فتح القدير 5 380، الفتاوى الهندية 2 181، والخرشي 8 96، والدسوقي 4
337، والزرقاني 8 98، والمدونة 6 276، ومغني المحتاج 4 162، المهذب 2 282،
والمغني 12 460 (ط هجر) ، وكشاف القناع 6 141، وشرح منتهى الإرادات 3 371،
والإنصاف 10 278.
(45/211)
قَذْفُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ:
63 - إِذَا قَذَفَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ وَإِنْ سَفَل، فَقَدِ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ،
إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ الْوَالِدُ بِقَذْفِهِ لِوَلَدِهِ وَإِنْ نَزَل،
وَذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى عَدَمِ قَتْلِهِ بِهِ، فَإِهْدَارُ
جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْوَلَدِ يُوجِبُ إِهْدَارَهَا فِي عِرْضِهِ
بِطَرِيقٍ أَوْلَى. (1)
غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الاِقْتِصَارَ عَلَى نَفْيِ
الْحَدِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلإِْيذَاءِ،
(2) وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَل بِشَتْمِ وَلَدِهِ
يُعَزَّرُ عِنْدَهُمْ. (3)
64 - وَكَمَا لاَ يُحَدُّ بِقَذْفِ وَلَدِهِ لاَ يُحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ
وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ غَيْرَهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَ
امْرَأَةً لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَتْ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ
يَثْبُتْ لَهُ ابْتِدَاءً لَمْ يَثْبُتْ لَهُ انْتِهَاءً كَالْقِصَاصِ،
فَإِنْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَأَنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ آخَرُ مِنْ
غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الاِسْتِيفَاءُ لأَِنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ
يَسْتَوْفِيهِ، لِلُحُوقِ
__________
(1) فتح القدير 4 196،197، والدر المختار مع رد المحتار 3 172، وحاشية
الدسوقي 4 331، ومغني المحتاج 4 156، وشرح منتهى الإرادات 3 350، 351.
(2) مغني المحتاج 4 156.
(3) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 3 172.
(45/212)
الْعَارِ بِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ
عَلَى انْفِرَادِهِ. (1)
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لِلاِبْنِ أَنْ يُطَالِبَ بِحَدِّ
الْقَذْفِ عَلَى أَبَوَيْهِ، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ) (2) ، وَلأَِنَّهُ حَدٌّ
فَلاَ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ قَرَابَةُ الْوِلاَدَةِ كَالزِّنَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا حُدَّ الْوَالِدَانِ فَإِنَّ الاِبْنَ
يُعْتَبَرُ فَاسِقًا وَلاَ تُقْبَل لَهُ شَهَادَةٌ.
(ر: قَذْف ف 48)
إِسْقَاطُ حَدِّ الْحِرَابَةِ عَنِ الْوَلَدِ:
الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَلَدٌ لِلْمَقْطُوعِ
عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ
الْحِرَابَةِ. لأَِنَّ بَيْنَ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ
تَبَسُّطًا فِي الْمَال وَالْحِرْزِ، لِوُجُودِ الإِْذْنِ بِالتَّنَاوُل
عَادَةً، فَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ الْمَال فَإِنَّهُ يَكُونُ آخِذًا
لِمَالٍ لَمْ يَحْرِزْهُ عَنْهُ الْحِرْزُ الْمَبْنِيُّ فِي الْحَضَرِ،
وَلاَ السُّلْطَانُ الْجَارِي فِي السَّفَرِ، فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً،
وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، لِقَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْرَأُوا
__________
(1) مغني المحتاج 4 156، وشرح منتهى الإرادات 3 350، 351، والدر المختار،
وابن عابدين 3 172، والمغني 8 219.
(2) سورة النور 4.
(45/212)
الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ
الإِْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي
الْعُقُوبَةِ (1) .
وَبِمِثْل ذَلِكَ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَخْذِ
الْوَلَدِ مَال أَبِيهِ حِرَابَةً، فَإِنَّهُ لاَ يُحَدُّ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ
يُوجِبُونَ الْقِصَاصَ عَلَى الْوَلَدِ إِذَا قَتَل وَالِدَهُ عَمْدًا
عُدْوَانًا كَمَا تَقَدَّمَ (ف 62) فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إِذَا قَتَلَهُ
حِرَابَةً فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ. (2)
وَانْظُرْ (حِرَابَة ف 10)
ثَانِيًا: الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَلَدِ الْحَيَوَانِ:
وَلَدُ الأُْضْحِيَةِ:
66 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ ذَبْحِ وَلَدِ الأُْضْحِيَةِ،
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ ذَبْحُهُ مَعَهَا، وَقَال
آخَرُونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أُضْحِيَة ف 47)
__________
(1) حديث: " ادرأوا الحدود عن المسلمين. . . " أخرجه الترمذي (4 33 ـ ط
الحلبي) من حديث عائشة رضي الله عنها، وذكر أن في إسناده راوياً ضعيفاً.
(2) البدائع 7 91، 92، حاشية ابن عابدين 3 214، والمغني 10 318، وشرح منتهى
الإرادات 2 491، ومغني المحتاج 4 183، وكشاف القناع 6 150، والإنصاف 10
294، والدسوقي 4 350، وحاشية الباجوري 2 299، 363.
(45/213)
وَلَدُ الشَّاةِ إِذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ
كَلْبٍ:
67 - شَاةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا بِصُورَةِ الْكَلْبِ، فَأُشْكِل أَمْرُهُ،
فَإِنْ صَاحَ مِثْل الْكَلْبِ لاَ يُؤْكَل، وَإِنْ صَاحَ مِثْل الشَّاةِ
يُؤْكَل، وَإِنْ صَاحَ مِثْلَهُمَا يُوضَعُ الْمَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِنْ
شَرِبَ بِاللِّسَانِ لاَ يُؤْكَل لأَِنَّهُ كَلْبٌ، وَإِنْ شَرِبَ
بِالْفَمِ يُؤْكَل، لأَِنَّهُ شَاةٌ، وَإِنْ شَرِبَ بِهِمَا جَمِيعًا
يُوضَعُ التِّبْنُ وَاللَّحْمُ قِبَلَهُ، إِنْ أَكَل التِّبْنَ يُؤْكَل،
لأَِنَّهُ شَاةٌ، وَإِنْ أَكَل اللَّحْمَ لاَ يُؤْكَل، وَإِنْ أَكْلَهُمَا
جَمِيعًا يُذْبَحُ فَإِنْ خَرَجَ الأَْمْعَاءُ (أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ
أَمْعَاءً لاَ يُؤْكَل، وَإِنْ خَرَجَ الْكِرْشُ (أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّ
لَهُ كِرْشًا يُؤْكَل. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْ شَاةٌ كَلْبَةً
وَلَمْ يَتَحَقَّقْ نَزْوُ كَلْبٍ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تَحِل كَمَا
قَالَهُ الْبَغَوِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لأَِنَّهُ قَدْ يَحْصُل
الْخَلْقُ عَلَى خِلاَفِ صُورَةِ الأَْصْل، لَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهَا.
وَقَال آخَرُونَ: إِنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالْحَلاَل خِلْقَةً حَل وَإِلاَّ
فَلاَ. (1)
خُرُوجُ الْوَلَدِ فِي حَال الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ:
68 - الْوَلَدُ الْخَارِجُ فِي حَال الْحَيَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 290، وتحفة المحتاج 9 383، ومغني المحتاج 4 303.
(45/213)
لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ
وَالطَّهَارَةُ، ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ.
أَمَّا إِذَا انْفَصَل الْوَلَدُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا فَعَيْنُهُ
طَاهِرَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، وَلاَ يَجِبُ غَسْل ظَاهِرِهِ. (1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَة)
لُحُوقُ الْوَلَدِ بِأُمِّهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ:
69 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَمْل يَتْبَعُ الأُْمَّ فِي
الْبَيْعِ (2) فَوَلَدُ الإِْبِل أَوِ الْغَنَمِ إِذَا اشْتُرِيَتْ
حَامِلاً، أَوْ حَمَلَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ بَعْدَ وِلاَدَتِهَا
وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يُرَدُّ وَلَدُهَا مَعَهَا وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي
وِلاَدَتِهَا، إِلاَّ أَنْ تَنْقُصَهَا، فَيُرَدُّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا
إِلاَّ أَنْ يُجْبَرَ بِالْوَلَدِ. (3)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَبَعِيَّة ف 2)
زَكَاةُ الْوَلَدِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ:
70 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْوَلَدِ
الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ.
__________
(1) المجموع 1 244.
(2) الحموي على ابن نجيم 1 154، والخرشي 5 71، والدسوقي 3 57، الأشباه
والنظائر للسيوطي ص117، والمنثور 1 234، وكشاف القناع 3 166، والمحلي 2
295.
(3) شرح الزرقاني 5 152، والمحلي 2 295.
(45/214)
فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
فِي قَوْلٍ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَحْشِيُّ
هُوَ الْفَحْل أَمِ الأُْمَّ، لأَِنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ
وَالأَْهْلِيِّ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ
وَبَيْنَ مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ، فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْوُجُوبِ، قِيَاسًا
عَلَى الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ، فَتَجِبُ
فِيهِ الزَّكَاةُ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ
الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تُضَمُّ إِلَى
جِنْسِهَا مِنَ الأَْهْلِيِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَيُكَمَّل بِهَا
نِصَابُهَا وَتَكُونُ كَأَحَدِ أَنْوَاعِهِ. (1)
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى
أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الأُْمَّهَاتُ أَهْلِيَّةٌ وَجَبَتْ فِيهَا
الزَّكَاةُ، وَإِلاَّ فَلاَ، لأَِنَّ جَانِبَ الأُْمِّ فِي الْحَيَوَانِ
هُوَ الرَّاجِحُ، لأَِنَّ وَلَدَ الْبَهِيمَةِ يَتْبَعُ أُمَّهُ. (2)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ
الْوَحْشِيَّةُ مِنْ قِبَل الْفَحْل أَمْ مِنْ قِبَل الأُْمِّ لأَِنَّ
الأَْصْل عَدَمُ الْوُجُوبِ. (3)
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (زَكَاة ف 42)
__________
(1) المغني 2 595، والدسوقي 1 432.
(2) البدائع 2 30، والدسوقي 1 432.
(3) مغني المحتاج 1 693، والجمل 2 219، والدسوقي 1 432.
(45/214)
وَلَدُ الزِّنَى
التَّعْرِيفُ:
1 - يَتَرَكَّبُ الْمُصْطَلَحُ مِنْ مُضَافٍ وَمُضَافٍ إِلَيْهِ،هُمَا:
وَلَدٌ، وَالزِّنَى.
فَالْوَلَدُ فِي اللُّغَةِ: الْمَوْلُودُ، يُقَال لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ
وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، وَقَدْ يُجْمَعُ
عَلَى أَوْلاَدٍ وَوِلْدَةٍ وَوَإِلْدَةٍ وَوُلْدٍ. (1) وَيُطْلَقُ
الْوَلَدُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَل مَجَازًا، كَمَا يُطْلَقُ
الْوَلَدُ مَجَازًا أَيْضًا عَلَى الْوَلَدِ مِنَ الرَّضَاعِ.
(ر: ابْن ف 1، ابْنُ الاِبْنِ ف 1) وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ
لِلْوَلَدِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (2)
وَالزِّنَى فِي اللُّغَةِ: الْفُجُورُ. (3) وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهُ
الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: وَطْءُ
__________
(1) المصباح المنير، ومفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، والقاموس المحيط،
والمعجم الوسيط.
(2) بدائع الصنائع 2 257، وقليوبي وعميرة 3 140 ـ 241.
(3) لسان العرب، والقاموس المحيط.
(45/215)
الرَّجُل الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُل فِي
غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ. (1) (ر: إِرْث ف 125) وَالْمَقْصُودُ مِنْ
وَلَدِ الزِّنَى هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مِنْ
سِفَاحٍ لاَ مِنْ نِكَاحٍ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - وَلَدُ اللِّعَانِ:
2 - وَلَدُ اللِّعَانِ هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي نَفَى الزَّوْجُ نَسَبَهُ
مِنْهُ بَعْدَ مُلاَعَنَتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ. (2) وَالصِّلَةُ بَيْنَ
وَلَدِ اللِّعَانِ وَوَلَدِ الزِّنَى: انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا
عَنِ الأَْبِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْوَّل مُنْقَطِعٌ نَسَبُهُ عَنِ الأَْبِ
بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْهُ بِخِلاَفِ الثَّانِي.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (لِعَان ف25 - 30.)
ب - اللَّقِيطُ:
3 - اللَّقِيطُ: اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ
الْعَيْلَةِ، أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ. (3) وَالصِّلَةُ
بَيْنَ اللَّقِيطِ وَوَلَدِ الزِّنَى: انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا
عَنِ الأَْبِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْوَّل مَجْهُول الأُْمِّ أَيْضًا بِخِلاَفِ
الثَّانِي.
__________
(1) فتح القدير 5 31.
(2) المبسوط للسرخسي 1 209، وأنيس الفقهاء ص 188.
(3) المبسوط 10 209.
(45/215)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَلَدِ
الزِّنَى:
لِوَلَدِ الزِّنَى أَحْكَامٌ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِهَا مَعَ غَيْرِهِ مِنَ
الأَْوْلاَدِ، وَيَخْتَلِفُ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ عَنْهُمْ، كَمَا يَلِي:
أ - دِينُ وَلَدِ الزِّنَى:
4 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَتَّبِعُ خَيْرَ
الأَْبَوَيْنِ دِينًا، وَيُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالأَْبَوَيْنِ إِخْرَاجَ
وَلَدِ الزِّنَا. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى
الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَال: وَاقِعَةُ
الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ
بِوَلَدٍ، فَهَل يَكُونُ مُسْلِمًا؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
بِعَدَمِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلاَمِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ السُّبْكِيَّ
نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ
وَلَدِ الزِّنَى، وَبِنْتُهُ مِنَ الزِّنَى تَحِل لَهُ عِنْدَهُمْ،
فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ ، وَأَفْتَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ
بِإِسْلاَمِهِ أَيْضًا، ثُمَّ قَال: وَتَوَقَّفْتُ عَنِ الْكِتَابَةِ،
فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى لاَ
يَرِثَهُ، فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَى لاَ
تَحِل لَهُ، وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى،
وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ، وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لاَ
يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا
أَثْبَتُوا الأَْحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا لِحَقِيقَةِ
الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
(45/216)
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ مُعَلِّقًا عَلَى
مَا تَقَدَّمَ: يَظْهَرُ لِيَ الْحُكْمُ بِالإِْسْلاَمِ لِلْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ (1) ، فَإِنَّهُمْ
قَالُوا: إِنَّهُ جَعَل اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلاً لَهُ عَنِ الْفِطْرَةِ،
فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْل الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا
هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًا
وَالآْخِرُ كِتَابِيًا فَهُوَ كِتَابِيٌّ، وَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ
مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ، وَلأَِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ
إِلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ مِنْهُمَا أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ،
وَلاَ شْكَ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ،
وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِل
احْتِيَاطًا، فَلْيُنْظَرْ إِلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ
الاِحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى، وَلأَِنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ
الْقَبِيحِ، فَلاَ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ
صَرِيحٍ، وَلأَِنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى:
إِنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ النِّسْبَةَ إِلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ
إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، فَلَمْ تَثْبُتِ النَّفَقَةُ وَالإِْرْثُ
لِذَلِكَ، وَهُنَا لاَ يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لأَِنَّ
الْحَقَائِقَ لاَ مَرَدَّ لَهَا، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ لاَ بُدَ مِنَ
النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (2)
__________
(1) حديث: " كل مولود يولد على الفطرة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3
246 ط السلفية) ومسلم (4 2047 - 2048 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ
للبخاري.
(2) ابن عابدين 2 394.
(45/216)
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَال
الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: فَلَوْ وَطِئَ مُسْلِمٌ كَافِرَةً بِالزِّنَى، فَهَل
يَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمَ فِي الإِْسْلاَمِ، أَوْ يَلْحَقُ
الْكَافِرَةَ؟ ذَهَبُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إِلَى الأَْوَّل،
وَاعْتَمَدَ الرَّمْلِيُّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ الثَّانِي لأَِنَّهُ
مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ. (1)
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: فِي أَمَةٍ
نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ وَلَدُهَا مُسْلِمٌ، لأَِنَّ
أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ
أُمَّهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَلَدِ حَالٌ يُحْتَمَل أَنْ
يَقَرَّ فِيهَا عَلَى دِينٍ لاَ يَقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ
يُرَدُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ. (2)
ب - أَذَانُ وَلَدِ الزِّنَى:
5 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ
وَلَدِ الزِّنَى مُؤَذِّنًا، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ أَذَانُ وَلَدِ الزِّنَى، لِحُصُول الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ
الإِْعْلاَنُ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى، لأَِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ
الْجَهْل، وَلأَِنَّ الأَْذَانَ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ
يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ مُتَبَرَّكًا بِهِ (3) لِحَدِيثِ:
لِيُؤَذِّنَ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلِيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ (4) .
__________
(1) نهاية المحتاج والشبراملسي عليه 6 272 ط دار الفكر 5 453 ط المكتبة
الإسلامية، ومغني المحتاج 2 423.
(2) المغني لابن قدامة 5 749 - 750.
(3) المبسوط 1 137 - 138 والبدائع 1 150، ومواهب الجليل 1 451.
(4) حديث: " ليؤذن لكم خياركم. . . . " أخرجه أبو داود (1 396 ـ ط حمص) من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر الزيلعي في نصب الراية (1 279 ط المجلس
العلمي) أن فيه راوياً قال عنه أبوحاتم: منكر الحديث.
(45/217)
ج - إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى
لِلْمُصَلِّين
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَى:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَتِهَا وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى إِنْ وُجِدَ
غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالإِْمَامَةِ مِنْهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ
لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْل، وَإِنْ تَقَدَّمَ
جَازَ، (1) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: صَلُّوا خَلْفَ
كُل بَرٍّ وَفَاجِرٍ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَل إِمَامًا رَاتِبًا كُلٌّ
مِنَ الْخَصِيِّ أَوِ الْمَأْبُونِ أَوِ الأَْقْلَفِ أَوْ وَلَدِ الزِّنَى
أَوْ مَجْهُول الْحَال. (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الأَْفْقَهُ أَوِ الأَْقْرَأُ أَوِ
الأَْوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ
الزِّنَى أَوْ مَجْهُول الأَْبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى. . . وَأَطْلَقَ
__________
(1) تبيين الحقائق 1 134، واللباب 1 81، والدر المختار 1 377 - 378.
(2) حديث: " صلوا خلف كل بر وفاجر " أخرجه الدارقطني من حديث مكحول عن أبي
هريرة (2 57 ط الفنية المتحدة) وأعله الدارقطني بالانقطاع بين مكحول وأبي
هريرة.
(3) جواهر الإكليل 1 78 - 79.
(45/217)
جَمَاعَةٌ أَنَّ إِمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَى
وَمَنْ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ
الزِّنَى إِذَا سَلِمَ دِينُهُ قَال عَطَاءٌ: لَهُ أَنْ يَؤُمَّ إِذَا
كَانَ مَرْضِيًّا وَبِهِ قَال سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَالْحَسَنُ
وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَإِسْحَاقُ (2)
وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ (3) وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: " لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ قَال
اللَّهُ تَعَالَى ( {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ) (4) وَقَال
تَعَالَى: ( {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ) (5) .
(ر: إِمَامَة ف24) .
د - دَفْعُ الزَّكَاةِ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى:
7 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لاِبْنِهِ
مِنَ الزِّنَى نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا. (6)
__________
(1) مغني المحتاج 1 243.
(2) المغني 2 230.
(3) حديث: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " أخرجه مسلم (1 465 ط الحلبي) .
من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(4) سورة النجم 38.
(5) سورة الحجرات 13.
(6) ابن عابدين 2 394 و 63.
(45/218)
هـ - زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِ
الزِّنَى:
8 - جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْوَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ:
الأَْقْرَبُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى عَلَى أُمِّهِ.
(1)
و الْعَقِيقَةُ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى:
9 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ
نَفَقَةُ فَرْعِهِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ
فَرْعِهِ الأُْمُّ فِي وَلَدِ الزِّنَى فَهُوَ فِي نَفَقَتِهَا، فَيُنْدَبُ
لَهَا الْعَقُّ عَنْهُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارُهُ الْمُفْضِي
لِظُهُورِ الْعَارِ. (2)
ز - دُخُول وَلَدِ الزِّنَى فِي الْوَقْفِ عَلَى الْيَتِيمِ:
10 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَشْمَل الْوَقْفَ عَلَى
الْيَتَامَى وَلَدَ الزِّنَى، لأَِنَّ لِلْيَتِيمِ انْكِسَارًا يَدْخُل
عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الأَْبِ. (3)
ح - تَحْرِيمُ النِّكَاحِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ
بَيْنَ وَلَدِ الزِّنَى وَأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ تَبَعًا لِثُبُوتِ
نَسَبِهِ مِنْهَا. (4)
__________
(1) حاشية الشرواني على تحفة المحتاج 3 311.
(2) حاشية الجمل 5 263.
(3) مطالب أولي النهى 4 361، 362.
(4) القليوبي وعميرة 3 241، ومغني المحتاج 3 175، وتفسير القرطبي 5 106،
والشرح الصغير 2 402، والمغني لابن قدامة 6 568، وبدائع الصنائع 2 256.
(45/218)
وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ
بَيْنَ الزَّانِي وَبِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَلَهُمْ رَأْيَانِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى
ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ بَيْنَهُمَا كَغَيْرِهَا مِنَ
الأَْوْلاَدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ، وَذَلِكَ لِلْجُزْئِيَّةِ.
(1)
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَتَحْرُمُ عَلَى الأَْبِ بَنَاتُهُ بِالنَّصِّ
وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( {وَبَنَاتُكُمْ} . . . .) (2) سَوَاءٌ كَانَتْ
بِنْتَهُ مِنَ النِّكَاحِ أَوْ مِنَ السِّفَاحِ لِعُمُومِ النَّصِّ، قَال
الْكَاسَانِيُّ: وَلأَِنَّ بِنْتَ الإِْنْسَانِ اسْمٌ لأُِنْثَى
مَخْلُوقَةٍ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً، وَالْكَلاَمُ فِيهِ، فَكَانَتْ
بِنْتَهُ حَقِيقَةً، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الإِْضَافَةُ شَرْعًا
إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا لاَ يَنْفِي
النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لأَِنَّ الْحَقَائِقَ لاَ مَرَدَّ لَهَا،
وَهَكَذَا نَقُول فِي الإِْرْثِ وَالنَّفَقَةِ، إِنَّ النِّسْبَةَ
الْحَقِيقِيَّةَ ثَابِتَةٌ إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هُنَاكَ
ثُبُوتَ النَّسَبِ شَرْعًا لِجَرَيَانِ الإِْرْثِ وَالنَّفَقَةِ لِمَعْنًى.
وَأَوْضَحَ ابْنُ عَابِدِينَ كَوْنَهَا مِنْ زِنًى بِقَوْلِهِ: كَأَنْ
تَكُونَ بِكْرًا فَيَطَأُهَا ثُمَّ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ، أَوْ
يَطَأُهَا
__________
(1) المغني 6 578 ـ579، والبدائع 2 257، وابن عابدين 2 277، والدسوقي 2
450، ومغني المحتاج 3 175.
(2) سورة النساء 23.
(45/219)
فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ
غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ، وَإِلاَّ لَمْ يَحْرُمْ
عَلَيْهِ الْوَلَدُ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَنَّهُ مِنْ مَائِهِ. (1) وَقَال
الْمَالِكِيَّةُ: فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ،
فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أُصُولِهِ. (2) وَقَال
الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل نِكَاحُ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى.
. لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ( {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ} ) (3) وَهَذِهِ بِنْتُهُ، فَإِنَّهَا أُنْثَى مَخْلُوقَةٌ
مِنْ مَائِهِ هَذِهِ حَقِيقَةٌ لاَ تَخْتَلِفُ بِالْحَل وَالْحُرْمَةِ،
وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْل
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ هِلاَل بْنِ
أُمَيَّةَ: " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ - يَعْنِي وَلَدَهَا -
عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ " (4) يَعْنِي
الزَّانِي لأَِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لاَ
تَخْتَلِفُ بِالْحِل وَالْحُرْمَةِ فَأَشْبَهَتِ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ
وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، وَلأَِنَّهَا بِضْعَةٌ مِنْهُ فَلَمْ تَحِل لَهُ
كَبِنْتِهِ مِنَ النِّكَاحِ، وَتَخَلُّفُ بَعْضُ الأَْحْكَامِ لاَ يَنْفِي
كَوْنَهَا بِنْتًا كَمَا لَوْ تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أَوِ اخْتِلاَقِ دِينٍ.
__________
(1) البدائع 2 257، وابن عابدين 2 277.
(2) الشرح الكبير 2 250.
(3) سورة النساء 23.
(4) حديث ابن عباس: " ابصروها فإن جاءت به. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 449
ـ ط السلفية) ومسلم (2 1134 ـ ط الحلبي) .
(45/219)
إِذَا ثَبَتَ هَذَا: فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ
عِلْمِهِ بِكَوْنِهَا مِنْهُ مِثْل أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ لَمْ
يُصِبْهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْفَظُهَا حَتَّى تَضَعَ، أَوْ مِثْل
أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ لاَ
يُعْلَمُ هَل هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى
جَمِيعِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِهِمْ، فَتَحْرُمُ
عَلَى الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَلَمْ يُعْلَمِ
السَّابِقُ مِنْهُمَا وَتَحْرُمُ عَلَى أَوْلاَدِهِمْ لأَِنَّهَا أُخْتُ
بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهَا الْقَافَةُ
بِأَحَدِهِمْ حَلَّتْ لأَِوْلاَدِ الْبَاقِينَ وَلَمْ تَحِل لأَِحَدٍ
مِمَّنْ وَطِئَ أُمَّهَا لأَِنَّهَا فِي مَعْنَى رَبِيبَتِهِ. (1)
الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ
التَّحْرِيمِ بَيْنَ الزَّانِي وَبِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَإِنْ عَلِمَ
أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ، قَالُوا: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ،
سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُطَاوَعَةً أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ
تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أَمْ لاَ، تَحِل لَهُ لأَِنَّهَا
أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ، إِذْ لاَ حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيل
انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النِّسَبِ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا
فَلاَ تَتَبَعَّضُ الأَْحْكَامُ، فَإِنَّ مَنْعَ الإِْرْثِ بِإِجْمَاعٍ
كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. (2) وَقِيل: تَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا،
وَعَلَى الأَْوَّل يُكْرَهُ نِكَاحُهَا، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى
الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَقِيل:
__________
(1) المغني 6 578 ـ 579.
(2) قليوبي وعميرة 3 241.
(45/220)
لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ، قَال
السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيل لاِحْتِمَال كَوْنِهَا مِنْهُ،
فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَرُمَتْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ،
مِنْهُمُ الرُّويَانِيُّ. (1) هَذَا مَا لَمْ يَكُنِ الزَّانِي مَجْنُونًا
عِنْدَ الزِّنَى، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ
وَالتَّحْرِيمُ، كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ زِنًى فِي
الْحُكْمِ. (2) 12 - كَمَا اخْتَلَفُوا فِي زَوَاجِ الزَّانِي مِنْ
حَلِيلَةِ وَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى عَلَى رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي
الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلْمُعْتَمَدِ
إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل حَلِيلَةُ الأَْبِ وَالاِبْنِ مِنَ
الزِّنَا لِدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ الآْيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي
التَّحْرِيمِ. (3)
الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ
وَالرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ
عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل
زَوْجَةُ ابْنِهِ مِنَ الزِّنَا. لأَِنَّهُ يُنْسَبُ لأُِمِّهِ
فَزَوْجَتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ مِنَ الزَّانِي، وَكَذَلِكَ لاَ يَحْرُمُ عَلَى
وَلَدِ الزِّنَى زَوْجَةُ أَبِيهِ الزَّانِي لأَِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ
عَنْهُ. (4)
__________
(1) مغني المحتاج 3 175، 178.
(2) القليوبي وعميرة 3 241.
(3) الفتاوى الهندية 1 274، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 251، وكشاف
القناع 5 73.
(4) مطالب أولي النهى 5 91، وأسنى المطالب 3 150، وحاشية الدسوقي 2 251.
(45/220)
ط - حُرْمَةُ وَلَدِ الزِّنَا عَلَى أُصُول
وَفُرُوعِ الزَّانِي وَحَوَاشِيهِ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ وَلَدِ الزِّنَى
مِنَ الزَّانِي بِأُمِّهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ
عَلَى وَلَدِ الزِّنَى أُصُول الزَّانِي وَفُرُوعُهُ، لِلْجُزْئِيَّةِ
بَيْنَهُمْ، أَمَّا غَيْرُ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ، كَأَعْمَامِ الزَّانِي
وَأَخْوَالِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَخَوَاتِهِ، كَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ
فَأَنْجَبَتْ بِنْتًا، فَهَل تَحْرُمُ هَذِهِ الْبِنْتُ عَلَى أَخِي
الزَّانِي أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ. .؟ .
قَال الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: حَرُمَ عَلَى الْمُتَزَوِّجِ
ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى نِكَاحُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ عَلاَ أَوْ نَزَل،
وَبِنْتُ أَخِيهِ، وَأُخْتِهِ، وَبِنْتُهَا، وَلَوْ مِنْ زِنًى،
وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ. .، قَال ابْنُ عَابِدِينَ مُعَلِّقًا عَلَى قَوْل
الْحَصْكَفِيِّ " وَلَوْ مِنْ زِنًى " تَعْمِيمٌ بِالنَّظَرِ إِلَى كُل مَا
قَبْلَهُ، أَيْ لاَ فَرْقَ فِي أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَنْ
يَكُونَ مِنَ الزِّنَى أَوْ لاَ، وَكَذَا إِذَا كَانَ لَهُ أَخٌ مِنَ
الزِّنَى لَهُ بِنْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ أَخٌ مِنَ النِّكَاحِ لَهُ
بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَعَلَى قِيَاسِهِ قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا
وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ، أَيْ أُخْتُهُ مِنَ النِّكَاحِ لَهَا بِنْتٌ مِنَ
الزِّنَى، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ
أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَكَذَا أَبُوهُ مِنَ
النِّكَاحِ لَهُ أُخْتٌ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أَبُوهُ مِنَ الزِّنَى لَهُ
أُخْتٌ مِنَ
(45/221)
النِّكَاحِ، أَوْ أَبُوهُ مِنَ الزِّنَى
لَهُ أُخْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَكَذَا أَمُّهُ كَذَلِكَ وَنَقَل ابْنُ
عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ، أَنَّ الْبِنْتَ مِنَ
الزِّنَى لاَ تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ، لأَِنَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنَ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ
الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلاَدِهِ
فَلاِعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَلاَ جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْعَمِّ وَالْخَال، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ عَنِ التَّجْنِيسِ.
(1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: وَحَرُمَ عَلَى الشَّخْصِ أُصُولُهُ، وَهُوَ كُل
مَنْ عَلَيْهِ وِلاَدَةٌ وَإِنْ عَلاَ وَفُصُولُهُ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَوْ
خُلِقَتِ الْفُصُول مِنْ مَائِهِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الْعَقْدِ، وَمَا
يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ
مِنْهُ بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى أُصُولِهِ
وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بِذَكَرٍ حَرُمَ عَلَى صَاحِبِ
الْمَاءِ تَزَوُّجِ بِنْتِهِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ تَزَوُّجَ
فَرُوعِ أَبِيهِ مِنَ الزِّنَى وَأُصُولِهِ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَتَحْرُمُ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ
ابْنِهِ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَإِنْ نَزَلَتْ،
وَبِنْتُ أَخِيهِ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ أُخْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَكَذَا
عَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ مِنَ الزِّنَى. (3)
__________
(1) ابن عابدين 2 277.
(2) الشرح الكبير 2 250.
(3) كشاف القناع 5 73، والمغني 6 576.
(45/221)
ي - كَفَاءَةُ وَلَدِ الزِّنَى:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ
فِي النِّكَاحِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى
اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ
رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَأَبُو
بَكْرٍ الْجَصَّاصُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ
فِي الْكَفَاءَةِ. .
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَدُ الزِّنَى قَدْ قِيل: إِنَّهُ كُفُؤٌ لِذَاتِ
نَسَبٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى
يَنْكِحُ وَيُنْكَحُ إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ، لأَِنَّ
الْمَرْأَةَ تَتَضَرَّرُ بِهِ هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ
إِلَى وَلَدِهَا، وَلَيْسَ هُوَ كُفْؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ بِغَيْرِ
إِشْكَالٍ (1) وَقَال الْمَحَلِّيُّ: وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِخِلاَفِ
الْفَاسِقَةِ، نَسِيبَةٌ بِخِلاَفِ بِنْتِ الزِّنَى. (2)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (كَفَاءَة ف16) .
ك - النَّسَبُ:
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ
مِنْ أُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ.
أَمَّا نَسَبُهُ مِنَ الزَّانِي: فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ
__________
(1) كشاف القناع 5 68.
(2) المحلي على المنهاج في هامش حاشيتي القليوبي وعميرة عليه 3 207.
(45/222)
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ) يَرَوْنَ عَدَمَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ،
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ:
الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (1) . وَلأَِنَّهُ لاَ
يَلْحَقُ بِهِ إِذَا لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ بِحَالٍ.
وَقَال الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَلْحَقُ الْوَاطِئَ إِذَا أُقِيمَ
عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَرِثُهُ، وَقَال إِبْرَاهِيمُ: يَلْحَقُهُ إِذَا
جُلِدَ الْحَدَّ أَوْ مَلَكَ الْمَوْطُوءَةَ، وَقَال إِسْحَاقُ:
يَلْحَقُهُ، وَذَكَرَ عَنْ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَهُ.
(2) (ر: إِرْث ف 125)
ل - التَّحْرِيمُ بِالرِّضَاعِ بِلَبَنِ الزِّنَى
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَنَتْ
فَوَلَدَتْ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا طِفْلاً أَوْ طِفْلَةً، كَانَ
الرَّضِيعُ وَلَدًا لَهَا رَضَاعًا، لأَِنَّهُ رَضَعَ لَبَنَهَا حَقِيقَةً،
وَالْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا، فَحَرُمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ.
أَمَّا تَحْرِيمُ هَذَا الرَّضِيعِ عَلَى الزَّانِي بِهَا، فَقَدِ
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى آرَاءٍ:
__________
(1) حديث: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " أخرجه البخاري (فتح الباري 12
127 ط السلفية) ومسلم (2 1081 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) تبيين الحقائق 6 241، والمدونة 8 54 ط الساسي، والشرح الصغير 3 540،
والقليوبي وعميرة 3 241، والمغني 6 266.
(45/222)
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ
الأَْوْجَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ
الْحَنَابِلَةِ: إِلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ بِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ وَأَبُو
بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى التَّحْرِيمِ بِهِ.
(1)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رَضَاع ف 24) .
م - إِرْثُ وَلَدِ الزِّنَى:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الزِّنَى الإِْرْثَ
مِنْ أُمِّهِ وَأَقَارِبِهَا، وَعَلَى أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ أَيْضًا
بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ.
أَمَّا إِرْثُهُ مِنَ الزَّانِي وَأَقَارِبِهِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى
مَنْعِهِ، لاِنْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُمْ، وَهُوَ سَبَبُ الإِْرْثِ.
وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَأَنْجَبَتْ طِفْلاً
ثُمَّ تَزَوَّجَ الزَّانِي مِنَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ
فَأَنْجَبَتْ طِفْلاً ثَانِيًا، كَانَ الطِّفْلاَنِ أَخَوَيْنِ لأُِمٍّ،
وَتَوَارَثَا عَلَى ذَلِكَ. (2)
وَقَال الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَلْحَقُ ابْنُ الزِّنَى الْوَاطِئَ
إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَرِثُهُ. (3)
__________
(1) ابن عابدين 2 279، و411 - 412، والدسوقي 2 250، والمغني 7 245 و544،
ومغني المحتاج 3 175.
(2) ابن عابدين 5 495، و 2 592، والجوهرة النيرة 2 393.
(3) المغني 6 266.
(45/223)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِرِث ف125) .
ن - اسْتِقْضَاءُ وَلَدِ الزِّنَى:
18 - اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي تَوْلِيَةِ وَلَدِ الزِّنَى
الْقَضَاءَ، فَقَال ابْنُ عَرَفَةَ: قَال سَحْنُونُ: لاَ بَأْسَ
بِوِلاَيَةِ وَلَدِ الزِّنَى، وَلاَ يَحْكُمُ فِي حَدِّ الزِّنَى.
وَقَال الْبَاجِي: الأَْظْهَرُ مَنْعُهُ، لأَِنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ
رِفْعَةٍ وَطَهَارَةِ أَحْوَالٍ فَلاَ يَلِيهَا وَلَدُ الزِّنَا،
كَالإِْمَامَةِ فِي الصَّلاَةِ. (1)
س - شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ وَلَدِ الزِّنَى
جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، هَذَا قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ
الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ
وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ
وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الآْيَاتِ الْكَرِيمَةِ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ
مَقْبُول الشَّهَادَةِ
__________
(1) مواهب الجليل 6 103، والمنتقى للباجي 5 184.
(45/223)
فِي غَيْرِ الزِّنَى، كَالْقَتْل، وَمَنْ
قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْل قُبِلَتْ فِي الزِّنَى، وَلأَِنَّ
جِنَايَةَ أَبَوَيْهِ لاَ تُوجِبُ قَدْحًا فِي الْعَدَالَةِ. (1)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَتُهُ
فِي غَيْرِ الزِّنَى وَأَمَّا فِي الزِّنَى فَإِنَّهَا لاَ تُقْبَل وَكَذَا
فِي مُتَعَلِّقَاتِ الزِّنَى كَقَذْفٍ وَلِعَانٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلاً
لأَِنَّ ابْنَ الزِّنَى يُتَّهَمُ فِي الرَّغْبَةِ عَلَى مُشَارَكَةِ
غَيْرِهِ لَهُ فِي كَوْنِهِ ابْنَ زِنًى مِثْلَهُ. (2)
حُكْمُ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى لأَِبِيهِ مِنَ الزِّنَى:
20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى عَلَى
الزَّانِي بِأُمِّهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ
تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَذَلِكَ لِثُبُوتِ
أَنَّهُ فَرْعُهُ حَقِيقَةً بِدَلِيل ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَهُمَا.
(3) وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَةُ الْوَلَدِ
لأَِبِيهِ مِنْ زِنًى وَرَضَاعٍ وَعَكْسِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ
وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ. (4)
- 13 -
ع - قَذْفُ وَلَدِ الزِّنَى:
21 - مَنْ قَذَفَ وَلَدَ الزِّنَى فِي نَفْسِهِ كَأَنْ يَقُول لَهُ يَا
زَانٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ إِذَا تَوَافَرَتْ فِي
الْمَقْذُوفِ شُرُوطُ الإِْحْصَانِ.
(ر: إِحْصَان ف 15 19، وَقَذْف ف 14)
__________
(1) المغني 9 196، وتبيين الحقائق 4 226، وابن عابدين 2 394، وروضة
الطالبين 11 245.
(2) الدسوقي 4 173. والمغني9 196.
(3) ابن عابدين 2 394.
(4) كشاف القناع 6 428، الفروع 6 584.
(45/224)
ف - قَتْل الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ مِنَ
الزِّنَى:
22 - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ
الْوَالِدَ يُقْتَل بِوَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ لاَ يُقْتَل
بِقَتْل وَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى. وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ
الْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَمِنْ
هَذَا الْمُنْطَلَقِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الزَّانِيَ لاَ تَحِل لَهُ بِنْتُهُ
مِنَ الزِّنَا. وَلاَ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لاِبْنِهِ مِنَ الزِّنَى وَلاَ
تُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ. (1)
__________
(1) الإنصاف 9 474، وحاشية ابن عابدين 2 394.
(45/224)
وَلَدُ اللِّعَانِ
التَّعْرِيفُ:
1 - مُصْطَلَحُ (وَلَدُ اللِّعَانِ) مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا:
الْوَلَدُ وَاللِّعَانُ
الْوَلَدُ فِي اللُّغَةِ: الْمَوْلُودُ، يُقَال لِلْوَاحِدِ وَالْجِمْعِ
وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، وَقَدْ يُجْمَعُ
عَلَى أَوْلاَدٍ وَوِلْدَةٍ وَإِلْدَةٍ وَوُلِدٍ. (1) وَالْمَعْنَى
الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْوَلَدِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
وَاللِّعَانُ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالإِْبْعَادُ
مِنَ الْخَيْرِ. وَلاَعَنَهُ مُلاَعَنَةً وَلِعَانًا وَتَلاَعَنُوا: لَعَنَ
كُل وَاحِدٍ الآْخَرَ.
وَلاَعَنَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ: قَذَفَهَا بِالْفُجُورِ. (2)
وَاللِّعَانُ فِي الاِصْطِلاَحِ: شَهَادَاتٌ أَرْبَعُ مُؤَكَّدَةٌ
بِالأَْيْمَانِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مَقْرُونَةٌ
__________
(1) المصباح المنير، ومفردات ألفاظ القران للأصفهاني، والقاموس المحيط،
والمعجم الوسيط.
(2) مختار الصحاح، والقاموس المحيط، والمصباح المنير، ولسان العرب.
(45/225)
بِاللَّعْنِ مِنَ الزَّوْجِ، وَبِالْغَضَبِ
مِنَ الزَّوْجَةِ، قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ،
وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ. (1)
وَوَلَدُ اللِّعَانِ هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي نَفَى الزَّوْجُ نَسَبَهُ
مِنْهُ بَعْدَ مُلاَعَنَتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ. (2)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - وَلَدُ الزِّنَى:
2 - وَلَدُ الزِّنَى: هُوَ الَّذِي تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مِنَ الزِّنَى.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَلَدِ الزِّنَى وَوَلَدِ اللِّعَانِ انْقِطَاعُ نَسَبِ
كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ أَبِيهِ.
ب - اللَّقِيطُ:
3 - اللَّقِيطُ فِي اللُّغَةِ: مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ مِنَ الأَْرْضِ،
وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ.
وَالْمَنْبُوذُ: الصَّبِيُّ الَّذِي تُلْقِيهِ أُمُّهُ فِي الطَّرِيقِ. (3)
وَاللَّقِيطُ فِي الاِصْطِلاَحِ: اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ
أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ الْعَيْلَةِ، أَوْ فِرَارًا مِنَ التُّهْمَةِ. (4)
__________
(1) ابن عابدين 2 585.
(2) الاختيار 3 169 ـ 170، ومغني المحتاج 3 380.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، وأنيس الفقهاء ص 188.
(4) المبسوط للسرخسي 1 209، وأنيس الفقهاء ص 188.
(45/225)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَوَلَدِ
اللِّعَانِ انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الأَْبِ، إِلاَّ أَنَّ
الأَْوَّل مَجْهُول الأُْمِّ أَيْضًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْرُوفُ
الأُْمِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَلَدِ اللِّعَانِ:
يَتَعَلَّقُ بِوَلَدِ اللِّعَانِ أَحْكَامٌ عِدَّةٌ مِنْهَا:
النَّسَبُ:
4 - إِذَا تَمَّتِ الْمُلاَعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِضَوَابِطِهَا
الشَّرْعِيَّةِ، وَنَفَى الزَّوْجُ الْوَلَدَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْفِي
نَسَبَ الْوَلَدِ وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ. (1) (ر: لِعَان ف 25 28، نَسَب ف
54، 56)
عَوْدَةُ النَّسَبِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِاللِّعَانِ:
5 - إِذَا قُطِعَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ بِاللِّعَانِ لَمْ يَعُدْ
إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ فِي أَحْوَالٍ هِيَ:
أ - الإِْقْرَارُ بِهِ أَوِ اسْتِلْحَاقُهُ:
إِذَا عَادَ الْمُلاَعِنُ فَأَقَرَّ بِنَسَبِ وَلَدِ اللِّعَانِ بَعْدَ مَا
قَطَعَ نَسَبَهُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ، صَحَّ الإِْقْرَارُ، وَثَبَتَ
النَّسَبُ، وَلَمْ يُقْطَعْ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، لِعَدَمِ صِحَّةِ
الرُّجُوعِ فِي الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ. (2)
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 520، وبدائع الصنائع 3 239، والمغني لابن قدامة 7
416 ـ 418، ومغني المحتاج 3 373، 380، والشرح الصغير 2 668 ـ 669.
(2) الإنصاف 9 255، وحاشية ابن عابدين 2 592، ومغني المحتاج 3 383، وحاشية
الدسوقي 2 462.
(45/226)
وَإِذَا اسْتَلْحَقَ الْمُلاَعِنُ أَحَدَ
التَّوْأَمَيْنِ مِنْ بَعْدِ قَطْعِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَلْحَقَانِهِ
مَعًا، لأَِنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ. (1) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ
(تَوْأَم ف 3 5) وَلاَ يَصِحُّ الإِْقْرَارُ بِنَسَبِ وَلَدِ اللِّعَانِ
الْمَنْفِيُّ نَسَبُهُ لِغَيْرِ الْمُلاَعِنِ. (2) (ر: لِعَان ف 30)
ب - تَكْذِيبُ الزَّوْجِ نَفْسَهُ:
7 - إِذَا كَذَّبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَمَامَ
الْقَاضِي، فَإِنْ حَصَل ذَلِكَ حَدَّهُ الْقَاضِي حَدَّ الْقَذْفِ
وَأَعَادَ نَسَبَ وَلَدِ اللِّعَانِ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَادَ الْمُلاَعِنُ
وَكَذَّبَ نَفْسَهُ فِي إِقْرَارِهِ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ
إِلَيْهِ، لأَِنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ بَاطِلٌ. (3)
الأَْحْكَامُ الَّتِي تَثْبُتُ لِوَلَدِ اللِّعَانِ وَالَّتِي لاَ
تَثْبُتُ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنْ وَلَدَ اللِّعَانِ إِذَا قُطِعَ
__________
(1) ابن عابدين 2 592، وحاشية الدسوقي 2 462، والشرح الصغير 2 669، ومغني
المحتاج 3 383، والإنصاف 9 248، 255.
(2) حاشية ابن عابدين 2 592، ومغني المحتاج 2 259، وكشاف القناع 5 402.
(3) حاشية ابن عابدين 2 590، وحاشية الدسوقي 2 461، وجواهر الإكليل 1 380،
والإنصاف 9 257، ومعونة أولي النهى 7 754، ومغني المحتاج 3 383.
(45/226)
نَسَبُهُ عَنْ أَبِيهِ بِاللِّعَانِ
فَإِنَّ التَّوَارُثَ يَمْتَنِعُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ
النَّفَقَةُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا نَقَل الْحَصْكَفِيُّ بِبَقَاءِ نَسَبِ
وَلَدِ اللِّعَانِ بَعْدَ قَطْعِ النَّسَبِ مِنَ الأَْبِ فِي كُل
الأَْحْكَامِ لِقِيَامِ فِرَاشِهَا إِلاَّ حُكْمَيْنِ: الإِْرْثُ
وَالنَّفَقَةُ فَقَطْ.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَ الْوَلَدِ
وَالْمُلاَعِنِ فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْقِصَاصِ،
وَالنِّكَاحِ، وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ حَتَّى لاَ تَجُوزَ
شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلآْخَرِ، وَلاَ صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إِلَيْهِ،
وَلاَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الأَْبِ بِقَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ لاِبْنِ
الْمُلاَعَنَةِ ابْنٌ وَلِلزَّوْجِ بَنَتٌ مِنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى لاَ
يَجُوزُ لِلاِبْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ، وَلَوِ ادَّعَى
إِنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدَ لاَ يَصِحُّ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ. (1)
وَقَال الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَمَعَ النَّفْيِ هَل يَثْبُتُ
لَهَا أَيِ ابْنَةُ اللِّعَانِ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَبِ شَيْءٌ سِوَى
تَحْرِيمِ نِكَاحِهَا حَيْثُ لَمْ يَدْخُل بِأُمِّهَا، كَقَبُول
شَهَادَتِهِ لَهَا، وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهَا، وَالْحَدِّ
بِقَذْفِهِ لَهَا، وَالْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهَا، أَوَّلاً؟ وَجْهَانِ:
أَوْجَهُهُمَا ثَانِيهُمَا (أَيْ لاَ يَثْبُتُ) كَمَا اقْتَضَى كَلاَمُ
الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 592، وانظر بدائع الصنائع 3 248.
(45/227)
قَال الْبُلْقِينِيُّ: وَهَل يَأْتِي
الْوَجْهَانِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهَا، وَجَوَازِ النَّظَرِ
إِلَيْهَا، وَالْخَلْوَةِ بِهَا، أَوْ لاَ؟ إِذْ لاَ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ
الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلاَعَنَةِ وَأُمِّ
الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا، وَالأَْقْرَبُ عِنْدِي عَدَمُ
ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ، انْتَهَى، وَالأَْوْجَهُ حُرْمَةُ النَّظَرِ
وَالْخَلْوَةِ بِهَا احْتِيَاطًا، وَعَدَمُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهَا
لِلشَّكِّ. (1)
(ر: لِعَان ف 9)
__________
(1) نهاية المحتاج 6 266، وانظر مغني المحتاج 3 175.
(45/227)
وُلُوغٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوُلُوغُ فِي اللُّغَةِ: شُرْبُ السِّبَاعِ بِأَلْسِنَتِهَا يُقَال:
وَلَغَ الْكَلْبُ يَلَغُ وَلْغًا مِنْ بَابِ نَفَعَ، وَوُلُوغًا: شَرِبَ
مَا فِي الإِْنَاءِ بِأَطْرَافِ لِسَانِهِ أَوْ أَدْخَل فِيهِ لِسَانِهِ
فَحَرَّكَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ (1) أَيْ شَرِبَ مِنْهُ بِلِسَانِهِ.
وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ يُقَال: أَوْلَغْتُهُ إِذَا سَقَيْتَهُ. (2)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - السُّؤْرُ:
2 - السُّؤْرُ فِي اللُّغَةِ: الْبَقِيَّةُ وَالْفَضْلَةُ مِنْ سَأَرَ
__________
(1) حديث: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم. . . " أخرجه مسلم (1 234 ـ ط
الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير.
(3) تحرير ألفاظ التنبيه ص 47. والنهاية لابن الأثير 5 226، والهداية
وشروحها 1 109، وأسنى المطالب 1 22.
(45/228)
وَجَمْعُهُ أَسْآرٌ، وَأَسْأَرَ مِنْهُ
شَيْئًا: أَبْقَى، وَفِي الْحَدِيثِ: إِذَا شَرِبْتُمْ فَأَسْئِرُوا (1)
أَيْ أَبْقُوا شَيْئًا مِنَ الشَّرَابِ فِي قَعْرِ الإِْنَاءِ. (2)
وَالسُّؤْرُ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّتِي يُبْقِيهَا
الشَّارِبُ فِي الإِْنَاءِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ
غَيْرُهُ " (3) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ السُّؤْرِ وَالْوُلُوغُ أَنَّ السُّؤْرَ هُوَ
الْبَاقِي مِنَ الشُّرْبِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وُلُوغٍ أَوْ غَيْرِهِ.
ب - الشُّرْبُ:
3 - الشُّرْبُ فِي اللُّغَةِ جَرْعُ كُل مَائِعٍ: مَاءً كَانَ أَوْ
غَيْرَهُ.
يُقَال: شَرِبَ الْمَاءَ وَنَحْوَهُ شُرْبًا: جَرَعَهُ فَهُوَ شَارِبٌ. (4)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(5)
__________
(1) حديث: " إذا شربتم فأسئروا " أورده ابن الاثيري النهاية في غريب الحديث
(2 327 ـ ط الحلبي) ولم نهتد لمن أخرجه من المصادر الحديثية.
(2) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والقاموس المحيط.
(3) حاشية ابن عابدين 1 148، وكشاف القناع 1 195، والمجموع 1 172.
(4) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(5) التعريفات للجرجاني.
(45/228)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوُلُوغِ وَالشُّرْبِ
أَنَّ الشُّرْبَ أَعَمُّ مِنَ الْوُلُوغِ فَكُل وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلاَ
يَلْزَمُ الْعَكْسُ. (1)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوُلُوغِ
يَتَعَلَّقُ بِالْوُلُوغِ أَحْكَامٌ مِنْهَا: أَوَّلاً: وُلُوغُ الْكَلْبِ
أـ نَجَاسَةُ إِنَاءٍ يَلْغُ فِيهِ الْكَلْبُ:
4 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَةِ الإِْنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ
الْكَلْبُ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ وُلُوغَ الْكَلْبِ
فِي الإِْنَاءِ يُنَجِّسُهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ وُلُوغَ
الْكَلْبِ لاَ يُنَجِّسُ الإِْنَاءَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سُؤْر ف 3 ـ 6، وَكَلْب ف 15، 18) .
وَأَمَّا وُلُوغُ سَائِرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فِي الإِْنَاءِ فَيُنْظَرُ
تَفْصِيل الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي مُصْطَلَحِ (سُؤْر ف 3 ـ
6) .
ب ـ عَدَدُ الْغَسَلاَتِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ:
5 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ غَسْل الإِْنَاءِ مِنْ وُلُوغِ
الْكَلْبِ وَفِي عَدَدِ الْغَسَلاَتِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَلْب ف 18، وَتَتْرِيب ف 2) .
__________
(1) تحرير ألفاظ التنبيه ص47.
(45/229)
6 ـ وَأَمَّا غَسْل الإِْنَاءِ مِنْ
وُلُوغِ سَائِرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
حُكْمِهِ فِي عَدَدِ غَسَلاَتِهِ:
ـ فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ فَلاَ
يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْكَلْبِ وَسَائِرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فِي
تَطْهِيرِ الإِْنَاءِ مِنْ وُلُوغِهَا وَعَدَدِ الْغَسَلاَتِ، إِذْ يُغْسَل
ثَلاَثًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَسَبْعًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي
الْمَذْهَبِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجِبُ غَسْلُهَا ثَلاَثًا وَفِي
رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عِنْدَهُمْ: تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ.
ـ وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْل الإِْنَاءِ مِنْ
وُلُوغِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنَّمَا قَالُوا بِنَدْبِ غَسْل
الإِْنَاءِ، مِنْ وُلُوغِهِمَا سَبْعًا بِلاَ تَتْرِيبٍ.
- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذْ وَلَغَ فِي الإِْنَاءِ مِنْ
سِبَاعِ الْبَهَائِمِ عَدَا الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ
لاَ يَجِبُ غَسْلُهُ. (1)
جـ ـ تَعَدُّدُ الْوُلُوغِ:
7 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَدُّدِ الْغَسْل بِسَبَبِ تَعَدُّدِ
وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ. فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ
(الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ
وَالْحَنَابِلَةُ) عَدَمَ تَعَدُّدِ الْغَسْل بِسَبَبِ
__________
(1) مراقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي ص 18، والشرح الصغير 1 85 ـ 86،
والمغني المحتاج 1 77، والانصاف، 1 313، والمغني 1 52 ـ 55.
(45/229)
وُلُوغِ كَلْبٍ وَاحِدٍ مَرَّاتٍ فِي
إِنَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ وُلُوغِ كِلاَبٍ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ قَبْل غَسْلِهِ
لِتَدَاخُل مُسَبِّبَاتِ الأَْسْبَابِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْمُسَبِّبِ
كَنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَمُوجِبَاتِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَتَعَدَّدُ الْغَسْل بِوُلُوغِ
كَلْبٍ أَوْ كِلاَبٍ.
وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ عِنْدِ الشَّافِعِيَّةِ: يَجِبُ لِكُل وَلْغَةٍ سَبْعٌ.
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَهُمْ: يَكْفِي لِوَلْغَاتِ الْكَلْبِ
الْوَاحِدِ سَبْعٌ، وَيَجِبُ لِكُل كَلْبٍ سَبْعٌ. (1)
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (كَلْب ف 19) .
د - شَهَادَةُ ثِقَةٍ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ:
8 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ ثِقَةٌ
بِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِي أَحَدِ الإِْنَائَيْنِ بِعَيْنِهِ، فَإِمَّا أَنْ
يَكُونَ لَهُ إِنَاءَانِ يَعْلَمُ أَنَّ الْكَلْبَ وَلَغَ فِي أَحَدِهِمَا
وَلاَ يَعْلَمُ عَيْنَهُ، فَيَجِبُ قَبُول خَبَرِهِ وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ
ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَطَهَارَةِ الآْخَرِ وَحِينَئِذٍ لاَ يَجُوزُ
الاِجْتِهَادُ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا إِذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِوُلُوغِهِ فِي
هَذَا، وَثِقَةٌ بِوُلُوغِهِ فِي ذَاكَ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِمَا مِنَ
احْتِمَال الْوُلُوغِ فِي وَقْتَيْنِ، وَمَتَى أَمْكَنَ صِدْقُ
__________
(1) البحر الرائق 1 136، وروضة الطالبين 1 32، ومواهب الجليل 1 179، وجواهر
الاكليل 1 13 ـ 14، والمغني 1 56، ومغني المحتاج 1 84.
(45/230)
الْخَبَرَيْنِ الثِّقَتَيْنِ وَجَبَ
الْعَمَل بِخَبَرِهِمَا. (1)
وَإِذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِوُلُوغِهِ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ حِينَ بَدَأَ
حَاجِبُ الشَّمْسِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلاً، فَقَال الآْخَرُ: بَل وَلَغَ
فِي ذَاكَ دُونَ ذَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ
الشَّافِعِيَّةُ فِيهَا، فَقَطَعَ الصَّيْدَلاَنِيُّ وَالْبَغَوِيُّ
بِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِمَا وَيَسْتَعْمِل مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
طَهَارَتُهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ؛
لأَِنَّ الْمُخْبِرَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا فَلاَ
يَجُوزُ إِلْغَاءُ قَوْلِهِمَا.
وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ
الْمَسْأَلَةَ تُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي
الْبَيِّنَتَيْنِ إِذَا تَعَارَضَتَا، أَصَحُّهَمَا تَسْقُطَانِ.
وَالثَّانِي يُسْتَعْمَلاَنِ. وَفِي الاِسْتِعْمَال ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهُمَا: بِالْقُرْعَةِ، وَالثَّانِي: بِالْقِسْمَةِ، وَالثَّالِثُ:
يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَ الْمُتَنَازِعَانِ. (2)
وَقَال: إِنْ قُلْنَا يَسْقُطَانِ سَقَطَ خَبَرُ الثِّقَتَيْنِ وَبَقِيَ
الْمَاءُ عَلَى أَصْل الطَّهَارَةِ فَيَتَوَضَّأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ
وَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِمَا جَمِيعًا، قَالُوا: لأَِنَّ
تَكَاذُبَهُمَا وَهَّنَ خَبَرَهُمَا، وَلاَ يُمْكِنُ الْعَمَل
بِقَوْلِهِمَا لِلتَّعَارُضِ فَسَقَطَ، قَالُوا: وَإِنْ قُلْنَا
تُسْتَعْمَلاَنِ لِمَ يَجِئْ قَوْل الْقِسْمَةِ بِلاَ خِلاَفٍ
وَامْتِنَاعُهُ وَاضِحٌ،
__________
(1) المجموع 1 177 ـ 178.
(2) المجموع 1 177 ـ 178، ومغني المحتاج 1 28.
(45/230)
وَأَمَّا الْقُرْعَةُ فَقَطَعَ
الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا لاَ تَجِيءُ أَيْضًا كَمَا قَطَعَ بِهِ
الشِّيرَازِيُّ، وَحَكَىَ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَجْهًا: أَنَّهُ يُقْرِعُ
وَيَتَوَضَّأُ بِمَا اقْتَضَتِ الْقَرْعَةُ طَهَارَتَهُ وَهُوَ شَاذٌّ
ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْوَقْفُ فَقَدْ جَزَمَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ لاَ
يَجِيءُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَجِيءُ الْوَقْفِ.
فَعَلَى هَذَا يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ لأَِنَّهُ
تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ، وَوَجْهُ جَرَيَانِ
الْوَقْفِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَا يَمْنَعُهُ بِخِلاَفِ الْقِسْمَةِ
وَالْقُرْعَةِ، وَوَجْهُ قَوْل الشِّيرَازِيِّ: لاَ يَجِيءُ الْوَقْفُ،
الْقِيَاسُ عَلَى مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِنَاءَانِ وَاجْتَهَدَ
وَتَحَيَّرَ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُرِيقُهُمَا وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ
بِلاَ إِعَادَةٍ لأَِنَّهُ مَعْذُورٌ فِي الإِْرَاقَةِ وَلَمْ يَقُولُوا
بِالْوَقْفِ، فَكَذَا هُنَا. (1)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ أَخَبْرَهُ أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ
فِي هَذَا الإِْنَاءِ لَزِمَ قَبُول خَبَرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا أَوْ
ضَرِيرًا؛ لأَِنَّ لِلضَّرِيرِ طَرِيقًا إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ
بِالْخَبَرِ وَالْحِسِّ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذَا
الإِْنَاءِ وَلَمْ يَلْغُ فِي هَذَا. وَقَال آخَرُ: لَمْ يَلْغُ فِي
الأَْوَّل وَإِنَّمَا وَلَغَ فِي الثَّانِي، وَجَبَ اجْتِنَابُهُمَا،
فَيُقْبَل قَوْل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الإِْثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ؛
لأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا خَفِيَ عَلَى
الآْخَرِ، إِلاَّ أَنْ يُعِيِّنَا وَقْتًا مُعَيَّنًا وَكَلْبًا
__________
(1) المجموع 1 178.
(45/231)
وَاحِدًا يَضِيقُ الْوَقْتُ عَنْ شُرْبِهِ
مِنْهُمَا فَيَتَعَارَضُ قَوْلاَهُمَا وَيَسْقُطَانِ. وَيُبَاحُ
اسْتِعْمَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
فَإِنْ قَال أَحَدُهُمَا: شَرِبَ مِنْ هَذَا الإِْنَاءِ، وَقَال الآْخَرُ:
نَزَل وَلَمْ يَشْرَبْ. قُدِّمَ قَوْل الْمُثْبِتِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ
لَمْ يَتَحَقَّقْ شُرْبُهُ مِثْل الضَّرِيرِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ
حِسِّهِ، فَيُقَدَّمُ قَوْل الْبَصِيرِ لأَِنَّهُ أَعْلَمُ. (1)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قَبُول خَبَرِ
مُسْلِمٍ عَدْلٍ ـ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ـ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ
بِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمَسْتُورُ
فَيَتَحَرَّى الْمُسْلِمُ فِي خَبَرِهِ.
وَلَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَعَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ
حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ. (2)
__________
(1) المغني 1 65.
(2) الدر المختار 5 2120 ـ 221، والفتاوى الهندية 5 309.
(45/231)
وَلِيمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَلِيمَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ
الْجَمْعُ، لأَِنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ، وَهِيَ اسْمٌ لِطَعَامِ
الْعُرْسِ وَالإِْمْلاَكِ، وَقِيل: هِيَ كُل طَعَامٍ صُنِعَ لِعُرْسٍ
وَغَيْرِهِ أَوْ كُل طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِجَمْعٍ. (1) وَفِي الاِصْطِلاَحِ
تَقَعُ الْوَلِيمَةُ عَلَى كُل طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ
عُرْسٍ وَإِمْلاَكٍ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي
الْعُرْسِ أَشْهَرُ وَفِي غَيْرِهِ بِقَيْدٍ. (2)
وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَلاَئِمِ الَّتِي يُدْعَى إِلَيْهَا النَّاسُ
أَسْمَاءً خَاصَّةً. (3) تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَة ف 26) .
وَيَنْحَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى بَيَانِ الأَْحْكَامِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، أَمَّا الأَْحْكَامُ
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2) مغني المحتاج 3 / 244، والمطلع على أبواب المقنع ص 327 - 328، وحاشية
ابن عابدين 5 / 221، والدسوقي 2 / 321.
(3) مغني المحتاج 3 / 245، والمبدع 7 / 179.
(45/232)
الْمُتَعَلِّقَةُ بِسَائِرِ الْوَلاَئِمِ
فَتُنْظَرُ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا وَفِي مُصْطَلَحِ
(دَعْوَة) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أـ الدَّعْوَةُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الدَّعْوَةِ فِي اللُّغَةِ: الضِّيَافَةُ، وَهِيَ
بِفَتْحِ الدَّال عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ، وَتَيْمُ الرِّبَابِ
تَكْسِرُهَا، وَذَكَرَهَا قُطْرُبٌ بِالضَّمِّ وَغَلَّطُوهُ. (1)
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الدَّعْوَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالصِّلَةُ
بَيْنَ الدَّعْوَةِ وَالْوَلِيمَةِ أَنَّ الدَّعْوَةَ أَعَمُّ مِنَ
الْوَلِيمَةِ. (2)
ب ـ الْمَأْدُبَةُ:
3 - الْمَأْدُبَةُ لُغَةً: الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ الرَّجُل
وَيَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ. (3)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: كُل طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ مَأْدُبَةٌ. (4) ،
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَأْدُبَةِ وَالْوَلِيمَةِ أَنَّ الْوَلِيمَةَ
أَخَصُّ مِنَ الْمَأْدُبَةِ.
__________
(1) تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 216.
(2) فتح الباري 9 / 149 ط دار الريان للتراث - القاهرة.
(3) لسان العرب مادة (أدب) .
(4) البحر الرائق 7 / 302، وحاشية القليوبي 3 / 294، والمغني 7 / 1.
(45/232)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَلِيمَةِ وَلَهُمْ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى
أَنَّ وَلِيمَةَ الْعَرَبِ سُنَّةٌ، زَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَفِيهَا
مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.
(1) ، وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ
أَنَّ الْوَلِيمَةَ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِقَوْل النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الْمَال حَقٌّ سِوَى
الزَّكَاةِ (2) .
وَقَالُوا: سَبَبُ الْوَلِيمَةِ عَقْدُ النِّكَاحِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ
فَفَرْعُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَلأَِنَّهَا لَوْ
وَجَبَتْ لَتَقَدَّرَتْ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَكَانَ لَهَا
بَدَلٌ عِنْدَ الإِْعْسَارِ، كَمَا يَعْدِل الْمُكَفِّرُ فِي إِعْسَارِهِ
إِلَى الصِّيَامِ، فَدَل عَدَمُ تَقْدِيرِهَا وَبَدَلِهَا عَلَى سُقُوطِ
وُجُوبِهَا، وَلأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ مَأْخُوذًا
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 337، والزرقاني 4 / 52، ومغني المحتاج
3 / 244، وروضة الطالبين 7 / 232، والمغني 7 / 1 - 2، والإنصاف للمرداوي 8
/ 216، والفتاوى الهندية 5 / 343، وبريقه محمودية 4 / 176.
(2) حديث " ليس في المال حق سوى الزكاة. . " أخرجه ابن ماجه (1 / 570 ـ ط
الحلبي) ، من حديث فاطمة بنت قيس، وذكر ابن حجر في التلخيص (2 / 160 ـ ط
شركة الطباعة الفنية) أن في إسناده راويا ضعيفا.
(45/233)
بِفِعْلِهَا حَيًّا، وَمَأْخُوذَةً مِنْ
تَرِكَتِهِ مَيِّتًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (1)
الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي
قَوْلٍ وَالإِْمَامُ أَحْمَدَ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إِلَى
أَنَّ الْوَلِيمَةَ وَاجِبَةٌ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَال لَهُ: مَهْيَمْ - أَيْ مَا
الْخَبَرُ؟ - قَال: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَْنْصَارِ. فَقَال:
أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (2) .، وَهَذَا أَمْرٌ يَدُل عَلَى الْوُجُوبِ،
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَكَحَ قَطُّ
إِلاَّ أَوْلَمَ فِي ضِيقٍ أَوْ سَعَةٍ، وَلأَِنَّ فِي الْوَلِيمَةِ
إِعْلاَنًا لِلنِّكَاحِ، فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ، وَقَدْ
قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلِنُوا النِّكَاحَ
(3) ، وَلأَِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إِجَابَةُ الدَّاعِي إِلَيْهَا
وَاجِبَةً، دَل عَلَى أَنَّ فِعْل الْوَلِيمَةِ وَاجِبٌ، لأَِنَّ وُجُوبَ
الْمُسَبِّبِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السَّبَبِ. (4)
__________
(1) الحاوي للماوردي 12 / 192، وتحفة المحتاج 7 / 424 - 425.
(2) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة.
. أخرجه البخاري (الفتح 7 / 112 ـ 113 ـ ط السلفية) .
(3) حديث " أعلنوا النكاح. . . " أخرجه أحمد (4 / 5 ـ ط الميمنة) من حديث
عبد الله بن الزبير، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 289 ـ ط القدسي)
وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات.
(4) الحاوي للماوردي 12 / 191 - 192.
(45/233)
الْقَضَاءُ بِالْوَلِيمَةِ:
5 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْوَلِيمَةِ
أَوْ عَدَمِ الْقَضَاءِ بِهَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ
الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ أَوْ
نَدْبِهَا.
وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمَ الْقَضَاءِ بِالْوَلِيمَةِ،
لأَِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَحَمَلُوا
الأَْمْرَ فِي قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَوْلِمْ. . .
" عَلَى النَّدْبِ.
وَقَال خَلِيلٌ: وَصُحِّحَ الْقَضَاءُ بِالْوَلِيمَةِ: أَيْ عَلَى
الزَّوْجِ إِنْ طَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ وَأَبَى مِنْهَا، وَأَشَارَ
خَلِيلٌ بِهَذَا إِلَى قَوْل أَبِي الأُْصْبُعِ بْنِ سَهْلٍ: الصَّوَابُ
الْقَضَاءُ بِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " أَوْلِمْ. . . " وَالأَْصْل فِي الأَْمْرِ
الْوُجُوبُ مَعَ الْعَمَل بِهِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.
وَمَحَل الْخِلاَفِ - كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ - مَا لَمْ تَشْتَرِطْ
عَلَى الزَّوْجِ أَوْ يَجْرِ بِهَا الْعُرْفُ، وَإِلاَّ قَضَى بِهَا
اتِّفَاقًا. . . أَيْ عِنْدَهُمْ. (1)
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 321، 337، وشرح الزرقاني على مختصر
خليل 4 / 32، 52، وشرح منح الجليل على مختصر خليل 2 / 140، والتاج والإكليل
بهامش مواهب الجليل 3 / 522، وجواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 318، 322.
(45/234)
حِكْمَةُ الْوَلِيمَةِ:
6 - الْوَلِيمَةُ: عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لإِِشْهَارِ النِّكَاحِ، قَال
مَالِكٌ: كَانَ رَبِيعَةُ يَقُول: إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الطَّعَامُ فِي
الْوَلِيمَةِ لإِِثْبَاتِ النِّكَاحِ وَإِظْهَارِهِ وَمَعْرِفَتِهِ؛
لأَِنَّ الشُّهُودَ يَهْلَكُونَ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَنَّ هَذَا
هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلِيمَةِ وَحَضَّ عَلَيْهَا. (1)
بِقَوْلِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (2) . وَبِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الآْثَارِ،
وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِبَنِي زُرَيْقٍ
فَسَمِعُوا غِنَاءً وَلَعِبًا، فَقَال: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: نِكَاحُ
فُلاَنٍ يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال: كَمُل دِينُهُ، هَذَا النِّكَاحُ لاَ
السِّفَاحُ، وَلاَ نِكَاحُ السِّرِّ حَتَّى يُسْمَعُ دُفٌّ أَوْ يُرَى
دُخَانٌ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الظَّاهِرُ أَنَّ سِرَّهَا - أَيْ حِكْمَةُ
الْوَلِيمَةِ - رَجَاءُ صَلاَحِ الزَّوْجَةِ بِبَرَكَتِهَا، فَكَانَتْ
كَالْفِدَاءِ لَهَا. (4)
__________
(1) التاج والإكليل لمختصر خليل بهامش مواهب الجليل 3 / 522 (دار الفكر -
بيروت) وحاشية الدسوقي 2 / 337، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل 4 / 2.
(2) حديث: " أولم ولو. . . " تقدم تخريجه ف 4.
(3) حديث " ان النبي صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه ببني زريق. . أخرجه
البيهقي في السنن (7 / 290 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) ، ثم ذكر أن في
إسناده راوياً ضعيفا.
(4) تحفة المحتاج مع حاشيتي الشرواني والعبادي 7 / 425 (دار صادر) .
(45/234)
إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ:
أ - حُكْمُ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ
إِلَى ثَلاَثِ آرَاءٍ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ
الإِْجَابَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَاجِبَةٌ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ
الإِْجَابَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ لِلْوَلِيمَةِ مُعَيَّنًا
بِالشَّخْصِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا وَلَوْ بِكِتَابٍ أَوْ بِرَسُولٍ ثِقَةٍ
يَقُول لَهُ رَبُّ الْوَلِيمَةِ: ادْعُ فُلاَنًا أَوْ أَهْل مَحَلَّةِ
كَذَا، أَوْ أَهْل الْعِلْمِ أَوْ الْمُدَرِّسِينَ - وَهُمْ مَحْصُورُونَ -
لأَِنَّهُمْ مُعَيَّنُونَ حُكْمًا، فَلاَ تَجِبُ الإِْجَابَةُ إِذَا
كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ، كَادْعُ مَنْ لَقِيتَ أَوِ الْعُلَمَاءَ أَوِ
الْمُدَرِّسِينَ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ
دَعَا الْجَفَلَى -. (1) بِأَنْ يَقُول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا
إِلَى الْوَلِيمَةِ، أَوْ يَقُول الرَّسُول: أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَ كُل
مَنْ لَقِيتُ أَوْ مَنْ شِئْتُ - لَمْ تَجِبِ الإِْجَابَةُ وَلَمْ
تُسْتَحَبُّ، وَتَجُوزُ الإِْجَابَةُ بِهَذَا لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ
الدُّعَاءِ. (2)
__________
(1) الجفلى الدعوة العامة للوليمة.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 337، وشرح الزرقاني 4 / 52، وكشاف القناع 5 / 166،
والمغني 7 / 2 - 3 وحاشية ابن عابدين 5 / 211، والفتاوى الهندية 5 / 343،
ونهاية المحتاج 6 / 364، وروضة الطالبين 7 / 333، وشرح المحلي على المنهاج
3 / 295، ومغني المحتاج 3 / 246.
(45/235)
قَال الزُّرْقَانِيُّ: قَال غَيْرُ وَاحِدٍ
مِنَ الشُّرَّاحِ: وَالتَّعْيِينُ بِأَنْ يَقُول صَاحِبُ الْعُرْسِ أَوْ
وَكِيلُهُ لِمُعَيَّنٍ: تَأْتِي وَقْتَ كَذَا، أَوْ أَسْأَلُكَ الْحُضُورَ،
أَوْ أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ، أَوْ تُجَمِّلَنِي بِالْحُضُورِ، لاَ إِنْ
قَال: احْضُرْ إِنْ شِئْتَ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ أَوْ اسْتِعْطَافٍ مَعَ
رَغْبَتِهِ فِي حُضُورِهِ. (1)
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الإِْجَابَةِ إِلَى
الْوَلِيمَةِ بِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا دُعِيَ
أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا (2) ، وَفِي لَفْظٍ قَال:
قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجِيبُوا هَذِهِ
الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَيْهَا (3) ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَال: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا
الأَْغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ
عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (4) .
__________
(1) شرح الزرقاني 4 / 52.
(2) حديث " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة. . " أخرجه مسلم (2 / 1052) .
(3) حديث " أجيبوا هذه الدعوة. . " أخرجه مسلم (2 / 1053) .
(4) حديث " شر الطعام طعام الوليمة. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 244 ـ ط
السلفية) من حديث أبي هريرة.
(45/235)
قَالُوا: إِنَّ فِي الإِْجَابَةِ تَآلُفًا،
وَفِي تَرْكِهَا ضَرَرًا وَتَقَاطُعًا. (1)
الرَّأْيُ الثَّانِي: َذَهَبَ عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ
فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ - اخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -
إِلَى أَنَّ الإِْجَابَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ
بِوَاجِبَةٍ، لأَِنَّهَا تَقْتَضِي أَكْل طَعَامٍ وَتَمَلُّكُ مَالٍ، وَلاَ
يُلْزَمُ أَحَدٌ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالاً بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلأَِنَّ
الزَّكَوَاتِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَى الأَْعْيَانِ لاَ يُلْزَمُ
الْمَدْفُوعَةُ إِلَيْهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَكَانَ غَيْرُهَا أَوْلَى.
(2)
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: َيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ
فِي قَوْلٍ: أَنَّ الإِْجَابَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ،
فَإِذَا أَجَابَ مِمَّنْ دُعِيَ مَنْ تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ
وُجُوبُهَا عَنِ الْبَاقِينَ وَإِلاَّ حُرِّجُوا أَجْمَعِينَ؛ لأَِنَّ
الْمَقْصُودَ مِنَ الْوَلِيمَةِ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا لِيَقَعَ
الْفَرْقُ فِيهَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، فَإِذَا وُجِدَ
الْمَقْصُودُ بِمَنْ حَضَرَ سَقَطَ وُجُوبُهَا عَمَّنْ تَأَخَّرَ. (3)
ب - مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الإِْجَابَةُ:
الْمَدْعُوُّ إِلَى الْوَلِيمَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَإِمَّا
__________
(1) الحاوي للماوردي 12 / 193، والمغني 7 / 2.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 221، والفتاوى الهندية 5 / 343، وروضة الطالبين 7
/ 333، والحاوي 12 / 192، ومغني المحتاج 3 / 245، والإنصاف 8 / 318.
(3) الإنصاف 8 / 318، والحاوي للماوردي 12 / 193.
(45/236)
أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا:
8 ـ أَمَّا الصَّائِمُ فَتَتَحَقَّقُ الإِْجَابَةُ إِلَى الْوَلِيمَةِ فِي
حَقِّهِ بِحُضُورِهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ كَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا لَمْ
يُفْطِرْ وَدَعَا لِلْقَوْمِ بِالْبَرَكَةِ وَقَال: إِنِّي صَائِمٌ،
وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمَقَامِ أَوْ الاِنْصِرَافِ، فَقَدْ رَوَى
أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ
كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (1) ،
قَوْلُهُ " فَلْيُصَل " أَيْ يَدْعُو، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
يَزِيدَ قَال: " دَعَا أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ،
فَجَلَسَ وَوَضَعَ الطَّعَامَ، فَمَدَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَدَهُ
وَقَال: خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ، وَقَبَضَ عَبْدَ اللَّهِ يَدَهُ وَقَال:
إِنِّي صَائِمٌ " (2) .
وَإِنْ كَانَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا فَيَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَجُوزُ
لَهُ إِتْمَامُ الصِّيَامِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ
أَنْ يَأْكُل وَيُفْطِرَ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَنَّهُ إِنْ شَقَّ
عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ مِنَ الْمَدْعُوِّ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَل
مِنْ إِتْمَامِ الصَّوْمِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ لِجَبْرِ خَاطِرِ
الدَّاعِي، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ فِي دَعْوَةٍ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَال رَجُلٌ مِنَ
الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَال
__________
(1) حديث " إذا دعي أحدكم فليجب. . أخرجه مسلم (2 / 1054 ـ ط الحلبي من
حديث أبي هريرة.
(2) أثر عبد الله بن ابي يزيد قال: دعا أبي عبد الله بن عمر. . . أخرجه
البيهقي السنن (7 / 263 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) .
(45/236)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، ثُمَّ قَال لَهُ:
افْطَرْ وَصُمْ مَكَانَهُ صُمْ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ (1) .
فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالإِْمْسَاكُ أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَابَ عَبْدَ
الْمُغِيرَةِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَال: إِنِّي صَائِمٌ وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ
أَنْ أُجِيبَ الدَّاعِيَ، فَأَدْعُو بِالْبَرَكَةِ (2) .، وَعَنْ عَبْدِ
اللِّهِ قَال: إِذَا عُرِضَ عَلَى أَحَدِكُمْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ وَهُوَ
صَائِمٌ فَلْيَقُل: إِنِّي صَائِمٌ (3) .
قَال الرَّحِيبَانِيُّ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الْمَدْعُوِّ
الأَْكْل كَسْرُ قَلْبِ الدَّاعِي كَانَ تَمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
أَوْلَى مِنْ فِطْرِهِ.
قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَعْدَل الأَْقْوَالِ، وَقَال:
لاَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الدَّعْوَةِ الإِْلْحَاحُ فِي الطَّعَامِ أَيْ
الأَْكْل لِلْمَدْعُوِّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ،
أَوْ الأَْكْل إِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَإِنَّ كِلاَ الأَْمْرَيْنِ جَائِزٌ،
وَإِذَا أَلْزَمَهُ بِمَا لاَ يَلْزَمُهُ كَانَ مِنْ نَوْعِ الْمَسْأَلَةِ
الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. (4)
__________
(1) حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة. . أخرجه البيهقي (4 /
279 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) ، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (4 /
210) .
(2) أثر عثمان أنه أجاب عبد المغيرة، عزاه ابن قدامة في المغني (10 / 197 ـ
ط دار هجر) .
(3) أثر عبد الله إذا عرض على أحدكم طعام أو شراب. . أخرجه عبد الرزاق في
المصنف (4 / 200 ـ ط المجلس العلي) .
(4) الفتاوى الهندية 5 / 343، ومواهب الجليل 4 / 5، وحاشية الدسوقي 2 /
338، والحاوي للماوردي 12 / 196، وإعانة الطالبين 3 / 365، والمغني 7 / 4،
ومطالب أولي النهى 5 / 235، ومغني المحتاج 3 / 248.
(45/237)
9 ـ أَمَّا الْمَدْعُوُّ الْمُفْطِرُ
فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْلِهِ فِي الْوَلِيمَةِ عَلَى
ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
َذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي
الظَّاهِرِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّ الْمُفْطِرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الأَْكْل وَلاَ يَلْزَمُهُ، لِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ
فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعُمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى
وُجُوبِ الأَْكْل عَلَى الْمُفْطِرِ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا دُعِيَ
أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَل وَإِنْ كَانَ
مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (2) ، وَلأَِنَّ الأَْكْل هُوَ مَقْصُودُ
الْحُضُورِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ: إِنَّ الأَْكْل فِي الْوَلِيمَةِ
مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَإِنْ أَكَل غَيْرَهُ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ
الأَْكْل. (3)
__________
(1) حديث " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب. . أخرجه مسلم (2 / 1504 ـ ط
الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(2) حديث " إذا دعي أحدكم فليجب أخرجه مسلم (2 / 1504 ـ ط الحلبي) من حديث
أبي هريرة.
(3) الفتاوى الهندية 5 / 343، ومواهب الجليل 4 / 5، حاشية الدسوقي مع الشرح
الكبير 2 / 338، والحاوي 12 / 197، وحاشية القليوبي 3 / 298، ومطالب أولي
النهى 5 / 235، ومغني المحتاج 3 / 248، وحاشية ابن عابدين 5 / 221،
والبناية 9 / 207، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175.
(45/237)
ج ـ شُرُوطُ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ:
اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ
شُرُوطًا مِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي مَكَانِ الدَّعْوَةِ، وَمِنْهَا مَا
يُعْتَبَرُ فِي الدَّاعِي، وَمِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَدْعُوِّ،
وَمِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَلِيمَةِ نَفْسِهَا.
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي مَكَانِ الدَّعْوَةِ:
أَوَّلاً: أَنْ لاَ يَكُونُ فِي الدَّعْوَةِ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ
الْمَدْعُوُّ أَوْ عَدُوٌّ لَهُ:
10 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ
يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَنْ يَتَأَذَّى الْمَدْعُوُّ بِهِ أَوْ
لاَ يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي
التَّخَلُّفِ. . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّأَذِّي لأَِمْرٍ دِينِيٍّ.
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَاوَةِ أَوْ عَدَمِ
اعْتِبَارِهَا، وَكَذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ
هَذَا الشَّرْطِ كُلِّهِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَذَلِكَ عَلَى
التَّفْصِيل الآْتِي:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَحْضُرَ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ
الْمَدْعُوُّ لأَِمْرٍ دِينِيٍّ، كَمَنْ شَأْنُهُمْ الْوُقُوعُ فِي
أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَإِنْ حَضَرَ مَنْ ذُكِرَ لَمْ تَجِبِ الإِْجَابَةُ،
أَمَّا لَوْ حَضَرَ مَنْ يَتَأَذَّى مِنْ رُؤْيَتِهِ أَوْ مِنْ
مُخَاطَبَتِهِ لأَِجْل حَظِّ نَفْسٍ لاَ لِضَرَرٍ يَحْصُل لَهُ مِنْهُ
(45/238)
فَإِنَّهُ لاَ يُبَاحُ لَهُ التَّخَلُّفُ
لِذَلِكَ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ بِالْمَحَل الَّذِي
يَحْضُرُ فِيهِ الْمَدْعُوِّ إِلَى الْوَلِيمَةِ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ،
أَوْ لاَ يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي
التَّخَلُّفِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّأَذِّي فِي الأَْوَّل وَالْغَضَاضَةِ
فِي الثَّانِي.
وَمَثَّلُوا لِلْغَضَاضَةِ بِمَنْ لاَ يَلِيقُ بِالْمَدْعُوِّ
مُجَالَسَتُهُ كَالأَْرْذَال لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَمَثَّلُوا
لِلتَّأَذِّي بِحُضُورِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْعُوِّ عَدَاوَةٌ
ظَاهِرَةٌ، كَمَا نَقَل الرَّمْلِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ وَقَال -
الرَّمْلِيُّ وَوَافَقَهُ الْخَطِيبُ -: أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِلْعَدَاوَةِ
بَيْنَ الْمَدْعُوِّ وَالدَّاعِي، لَكِنَّ الرَّمْلِيَّ نَقَل عَنِ
الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَدْعُوِّ
عَدُوٌّ أَوْ دَعَاهُ عَدْوُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ،
وَحَمَل ذَلِكَ كَمَا نَقَل عَنِ الأَْذْرُعِيِّ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لاَ
يَتَأَذَّى بِهِ. (2)
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ، فَفِي
التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ: أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ حُضُورَ
الأَْرْذَال وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تُزْرِي بِمِثْلِهِ لَمْ تَجِبْ
إِجَابَتُهُ.
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذَا الْقَوْل: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ
أَصْحَابِنَا.
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 337.
(2) نهاية المحتاج 6 / 367، ومغني المحتاج 3 / 246.
(45/238)
قَال: وَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ
الْوُجُوبَ، وَاشْتَرَطَ الْحِل وَعَدَمَ الْمُنْكَرِ، فَأَمَّا هَذَا
الشَّرْطُ فَلاَ أَصْل لَهُ، كَمَا أَنَّ مُخَالَطَةَ هَؤُلاَءِ فِي
صُفُوفِ الصَّلاَةِ لاَ تُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ، وَفِي الْجِنَازَةِ لاَ
تُسْقِطُ الْحُضُورَ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. (1)
ثَانِيًا: أَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ:
11 - الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ
وَعَلِمَ قَبْل الْحُضُورِ بِوُجُودِ الْخُمُورِ أَوِ الْمَلاَهِي وَمَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي فِيهَا، وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى
إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَإِزَالَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وُجُوبُ
الإِْجَابَةِ فِي حَقِّهِ. (2)
12 - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ حُضُورِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ـ وَهُوَ الصَّحِيحُ
ـ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِحَدِيثِ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يَجْلِسُ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ
عَلَيْهَا الْخَمْرُ (3) ، وَلأَِنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِرُؤْيَةِ
__________
(1) الإنصاف 8 / 319، وكشاف القناع 5 / 167.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 377، وشرح الزرقاني 4 / 53، والحاوي للماوردي 12 /
199، وروضة الطالبين 7 / 334، ومطالب أولي النهى 5 / 237، وانظر الفتاوى
الهندية 5 / 343.
(3) حديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا. . . أخرجه الترمذي (5 /
113 ـ ط الحلبي) وقال: حديث حسن غريب.
(45/239)
الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعِهِ بِلاَ حَاجَةٍ.
(1)
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَلَيْهَا
لَهْوٌ إِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْل الْحُضُورِ لاَ يُجِيبُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ
يَلْزَمْهُ حَقُّ الإِْجَابَةِ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ جَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ:
الأَْوْلَى أَنْ لاَ يَحْضُرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ وَلاَ يَسْتَمِعَ
وَيُنْكِرَ بِقَلْبِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ يُضْرَبُ الْمُنْكَرُ فِي
جِوَارِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ التَّحَوُّل وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ الْحُضُورِ بِأَنَّهُ رُبَّمَا أَحَشَمَهُمْ
حُضُورُهُ فَكَفُّوا وَأَقْصَرُوا، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْحَسَنَ
الْبَصْرِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ دُعِيَا إِلَى
وَلِيمَةٍ فَسَمِعَا مُنْكَرًا فَقَامَ مُحَمَّدُ لِيَنْصَرِفَ فَجَذَبَهُ
الْحَسَنُ وَقَال: اجْلِسْ وَلاَ يَمْنَعُكَ مَعْصِيَتُهُمْ مِنْ
طَاعَتِكَ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ
وُجُودَ الْمُنْكَرِ قَبْل حُضُورِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ يَزُول
بِحُضُورِهِ لِنَحْوِ عِلْمٍ أَوْ جَاهٍ فَلْيَحْضُرْ وُجُوبًا، إِجَابَةً
لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وَلاَ يَمْنَعُ الْوُجُوبُ وُجُودَ
مَنْ يُزِيلُهُ غَيْرُهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلإِْزَالَةِ فَقَطْ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمُنْكَرِ يَمْنَعُ
__________
(1) روضة الطالبين 7 / 334 ـ 335، والحاوي 12 / 199.
(2) الاختيار 4 / 176، وانظر الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية ابن عابدين 5
/ 222.
(45/239)
الإِْجَابَةَ مُطْلَقًا. (1)
13 - وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا فِي الْوَلِيمَةِ مِنَ الْمَعَاصِي
فَعَلَيْهِ الإِْجَابَةُ وَلاَ يَكُونُ خَوْفُهُ مِنْهَا عُذْرًا فِي
التَّأْخِيرِ عَنْهَا لِجَوَازِ أَنْ لاَ يَكُونَ.
وَإِنْ حَضَرَ وَكَانَتِ الْمَعَاصِي بِحَيْثُ لاَ يُشَاهِدُهَا وَلاَ
يَسْمَعُهَا، قَال الْجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ: أَقَامَ عَلَى حُضُورِهِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ.
وَإِنْ سَمِعَهَا وَلَمْ يُشَاهِدْهَا قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ
يَتَعَمَّدِ السَّمَاعَ وَأَقَامَ عَلَى الْحُضُورِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ
لَوْ سَمِعَ فِي مَنْزِلِهِ مَعَاصٍ مِنْ دَارِ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ
الاِنْتِقَال عَنْ مَنْزِلِهِ، كَذَلِكَ هَذَا. (2)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمُنْكَرِ
حَتَّى حَضَرَ فَشَاهَدَهُ نَهَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا وَجَبَ
الْخُرُوجُ إِلاَّ إِنْ خَافَ كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ وَخَافَ مِنَ
الْخُرُوجِ فَقَعَدَ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَلاَ يَسْمَعُ لِمَا يَحْرُمُ
اسْتِمَاعُهُ.
وَإِنْ اشْتَغَل بِالْحَدِيثِ أَوْ الأَْكْل جَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ
كَانَ ذَلِكَ فِي جِوَارِ بَيْتِهِ، لاَ يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ، وَإِنْ
بَلَغَهُ الصَّوْتُ.
__________
(1) روضة الطالبين 7 / 334 ـ 335، ومطالب أولي النهى 5 / 237، والحاوي
للماوردي 12 / 200، ونهاية المحتاج 6 / 367 ـ 368، والزرقاني 4 / 52،
والخرشي 3 / 302.
(2) الحاوي 12 / 200، وشرح الزرقاني 4 / 53، ومطالب أولي النهى 5 / 237.
(45/240)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ
بِالْمُنْكَرِ حَتَّى حَضَرَ أَزَالَهُ وَجَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِجَابَةً
لِلدَّعْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهِ انْصَرَفَ لِئَلاَّ
يَكُونَ قَاصِدًا لِرُؤْيَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ (1) ، وَرَوَى نَافِعٌ قَال:
سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ
وَنَأَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَقَال لِي: يَا نَافِعُ هَل تَسْمَعُ شَيْئًا؟
فَقُلْتُ: لاَ، قَال: فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَقَال:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ مِثْل
هَذَا فَصَنَعَ مِثْل هَذَا (2) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
الْمُنْكَرُ فِي الْمَنْزِل فَإِنْ قَدِرَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْمَنْعِ
فَعَل وَإِلاَّ صَبَرَ مَعَ الإِْنْكَارِ بِقَلْبِهِ، هَذَا إِنْ لَمْ
يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الْمَنْعِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَلاَ يَقْعُدُ لأَِنَّ فِيهِ شَيْنُ
الدِّينِ. (3)
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُنْكَرُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَقَدْ قَال
الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى
بِهِ، بَل يَخْرُجُ مُعْرِضًا. (4) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَقْعُدْ
بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (5) } .
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 247، ومطالب أولي النهى 5 / 237.
(2) حديث نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً أخرجه أبو داود (5 / 222 ـ ط حمص)
وقال أبو داود: هذا حديث منكر.
(3) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 221.
(4) الفتاوى الهندية 5 / 243، وحاشية ابن عابدين 5 / 221.
(5) سورة الأنعام / 68.
(45/240)
ثَالِثًا: أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ
الدَّعْوَةِ صُورَةً مُحَرَّمَةً: 14 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَكَانِ
الدَّعْوَةِ صُوَرٌ مُجَسِّدَةٌ لإِِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ كَامِل
الأَْعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَلَهَا ظِلٌّ يَدُومُ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ، إِذْ
تَصْوِيرُ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ إِذَا كَانَ كَامِل الأَْعْضَاءِ
مُحَرَّمٌ فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ (1) ، وَقَال: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً
فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ مِنْهَا
الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ (2) .
وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَنَعَ
طَعَامًا فَدَعَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَجَاءَ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ مَا رَجَعَكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَال:
إِنَّ فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ
تَدْخُل بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ (3) .
__________
(1) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المصور. . أخرجه البخاري
(الفتح 10 / 393 ـ ط السلفية) من حديث أبي جحيفة.
(2) حديث: " من صور صورة في الدنيا. . . أخرجه البخاري (الفتح 10 / 393 ـ ط
السلفية) من حديث ابن عباس.
(3) حديث " علي أنه صنع طعام. . . " أخرجه أبو يعلى في المسند (1 / 343 ـ ط
المأمون للتراث) .
(45/241)
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ
اسْتِعْمَال هَذِهِ الصُّوَرِ فِي مَكَانٍ مُهَانٍ مُسْتَبْذَلٍ، وَفِيمَا
إِذَا كَانَتِ الصُّورَةُ لِحَيَوَانٍ لَمْ يُشَاهِدْ مَثَلَهُ، أَوْ كَانَ
نَاقِصَ الأَْعْضَاءِ أَوْ لاَ يَدُومُ ظِلُّهُ، وَفِي تَصْوِيرِ مَا
لَيْسَ بِذِي رُوحٍ تَنْظُرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَصْوِير، ف 2، 10، 17)
رَابِعًا: أَنْ لاَ يُوجَدَ كَلْبٌ:
15 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ
لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يُوجَدَ كَلْبٌ لاَ
يَحِل اقْتِنَاؤُهُ، أَوْ عَقُورٌ، وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ
وَلَوْ كَانَ الدَّاخِل أَعْمًى. (1)
خَامِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ كَثْرَةَ زِحَامٍ:
16 - اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى
الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ الدَّعْوَةِ كَثْرَةَ زِحَامٍ،
فَإِنْ وُجِدَتْ جَازَ التَّخَلُّفُ عَنْ حُضُورِ الدَّعْوَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تَكُونُ كَثْرَةُ الزَّحْمَةِ عُذْرًا إِنْ
وَجَدَ سِعَةً لِمَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَأَمِنَ عَلَى نَحْوِ عِرْضِهِ،
وَإِذَا لَمْ يَجِدْ سِعَةً وَلَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَحْوِ عِرْضِهِ فَإِنَّ
كَثْرَةَ الزَّحْمَةِ تَكُونُ عُذْرًا. (2)
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 338، وحاشية الصاوي 2 / 502، ونهاية المحتاج 6 /
368.
(2) الزرقاني 4 / 53، وحاشية الدسوقي 2 / 338، وتحفة المحتاج 7 / 430،
ونهاية المحتاج 6 / 367.
(45/241)
سَادِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ بَابُ مَكَانِ
الْوَلِيمَةِ مُغْلَقًا:
17 - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ ضِمْنَ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ عَدَمَ
إِغْلاَقِ الْبَابِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَدْعُوِّ، فَلَوْ عَلِمَ
الْمَدْعُوُّ أَنَّ الْبَابَ يُغْلَقُ عِنْدَ حُضُورِهِ وَلَوْ
لِمُشَاوَرَةٍ جَازَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْحُضُورِ لِمَا فِي ذَلِكَ
مِنَ الْحِطَّةِ.
أَمَّا إِغْلاَقُ مَكَانِ الْوَلِيمَةِ لِخَوْفِ الطُّفَيْلِيَّةِ فَلاَ
يُبِيحُ التَّخَلُّفَ؛ لأَِنَّ الإِْغْلاَقَ لِلضَّرُورَةِ. (1)
سَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ مَكَانُ الْوَلِيمَةِ بَعِيدًا:
18 - قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ
إِلَى الْوَلِيمَةِ أَلاَّ يَبْعُدَ مَكَانُهَا بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَى
الْمُجِيبِ الإِْتْيَانُ. (2)
ثَامِنًا: أَنْ لاَ تُوجَدَ نِسَاءٌ يُشْرِفْنَ عَلَى الْمَدْعُوِّينَ:
19 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُسْقِطُ
إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ لِلْوَلِيمَةِ أَنْ تُوجَدَ نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ
إِلَى الْمَدْعُوِّينَ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْقِطُ الإِْجَابَةَ كَوْنُ
الطَّرِيقِ أَوْ الْبَيْتِ فِيهِ نِسَاءٌ وَاقِفَاتٌ يَتَفَرَّجْنَ عَلَى
الدَّاخِل.
__________
(1) شرح الزرقاني 4 / 53، وحاشية الدسوقي 2 / 338.
(2) الزرقاني على خليل 4 / 54.
(45/242)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ
لاَ يُوجَدَ مُحْرَمٌ: كَنَظَرِ رَجُلٍ لاِمْرَأَةٍ أَوْ عَكْسِهِ،
فَإِشْرَافُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَال عُذْرٌ فِي عَدَمِ الإِْجَابَةِ
وَلَوْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزَ عَنْ رُؤْيَتِهِنَّ لَهُ كَتَغْطِيَةِ
رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ بِحَيْثُ لاَ يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ، لِمَا فِيهِ
مِنَ الْمَشَقَّةِ. (1)
تَاسِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ الدَّعْوَةِ اخْتِلاَطُ النِّسَاءِ
بِالرِّجَال:
20 - مِنْ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ
الْوَلِيمَةِ اخْتِلاَطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَال. (2)
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الدَّاعِي:
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الدَّاعِي لِوُجُوبِ الإِْجَابَةِ إِلَى
الْوَلِيمَةِ هِيَ:
أَوَّلاً: كَوْنُ الدَّاعِي مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ:
21 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ
الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ
التَّصَرُّفِ، فَلاَ تُطْلَبُ إِجَابَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِبًا،
أَوْ جُنُونٍ، أَوْ سَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ وَلَيُّهُ، لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ
بِحِفْظِ مَالِهِ لاَ بِإِتْلاَفِهِ، نَعَمْ إِنْ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 338، وحاشية الصاوي 2 / 502، وشرح الزرقاني 4 / 54،
ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملي 6 / 367، وحاشية الشرقاوي 2 / 276.
(2) شرح الزرقاني 4 / 54، والطرق الحكمية لابن قيم الجوزية 328 ـ 329 نشر
المؤسسة العربية للطباعة والنشر 1961، ونهاية المحتاج 6 / 367.
(45/242)
اتَّخَذَ الْوَلِيُّ الْوَلِيمَةَ مِنْ
مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَال الأَْذْرَعِيُّ
وُجُوبُ الْحُضُورِ (1) ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ
الآْخَرِينَ. وَانْظُرْ (أَهْلِيَّة ف 22، وَبُلُوغ ف 26، وَجُنُون ف 9) .
ثَانِيًا: كَوْنُ الدَّاعِي مُسْلِمًا:
22 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ
إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إِلَيْهَا مُسْلِمًا.
فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي كَافِرًا فَلاَ تَلْزَمُ إِجَابَتُهُ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ
الْمَذْهَبِ؛ لأَِنَّ الإِْجَابَةَ لِلْمُسْلِمِ لِلإِْكْرَامِ
وَالْمُوَالاَةِ وَتَأْكِيدِ الْمَوَدَّةِ وَالإِْخَاءِ، فَلاَ تَجِبُ
عَلَى الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ، وَلأَِنَّهُ لاَ يَأْمَنُ اخْتِلاَطَ
طَعَامِهِمْ بِالْحَرَامِ وَالنَّجَاسَةِ.
وَلَكِنْ تَجُوزُ إِجَابَةُ الْكَافِرِ. (2) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنْ
يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ (3) .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: لاَ بَأْسَ بِالذَّهَابِ
إِلَى ضِيَافَةِ أَهْل الذِّمَّةِ.
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 246.
(2) شرح الزرقاني 4 / 53 ـ 54، والحاوي 12 / 194، والمغني 7 / 3.
(3) حديث " أنس أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم. . . " أخرجه أحمد
(3 / 270 ـ ط الميمنية) ، وأصله في البخاري (الفتح 4 / 302 ـ ط السلفية) .
(45/243)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ:
الْمَجُوسِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ إِذَا دَعَا رَجُلاً إِلَى طَعَامِهِ
تُكْرَهُ الإِْجَابَةُ، وَإِنْ قَال: اشْتَرَيْتُ اللَّحْمَ مِنَ السُّوقِ
فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي نَصْرَانِيًّا فَلاَ بَأْسَ بِهِ. (1)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ
تَجِبُ إِجَابَةُ دَعْوَةِ الذِّمِّيِّ. (2)
ثَالِثًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي فَاسِقًا:
23 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ
يَكُونَ الدَّاعِي فَاسِقًا، فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي فَاسِقًا فَلاَ
تَلْزَمُ إِجَابَتُهُ، قَال الأَْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: كُل مَنْ
جَازَ هَجْرُهُ لاَ تَجِبْ إِجَابَتُهُ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْفَاسِقِ مُعْلِنًا
فِسْقَهُ (3) ، وَفِي الْخُلاَصَةِ: يَجُوزُ لِلْوَرِعِ أَنْ يُجِيبَ
دَعْوَةَ الْفَاسِقِ، وَالأَْوْرَعُ أَنْ لاَ يُجِيبَ. (4)
رَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ غَالِبَ مَال الدَّاعِي مِنْ حَرَامٍ:
24 - الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبْ إِجَابَةُ
دَعْوَةُ مَنْ كَانَ غَالِبَ مَالِهِ مِنْ حَرَامٍ مَا لَمْ يُخْبِرْ
أَنَّهُ
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 347.
(2) الحاوي للماوردي 12 / 194.
(3) الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وشرح
الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 366، ومطالب أولي النهى 5 / 232،
وانظر شرح المغني 3 / 33.
(4) بريقة محمودية 4 / 103.
(45/243)
حَلاَلٌ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ إِجَابَتُهُ، وَإِنَّمَا
اخْتَلَفُوا فِي إِجَابَةِ وَلِيمَةُ مَنْ كَانَ فِي مَالِهِ حَرَامٌ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى
أَنَّهُ تُكْرَهُ إِجَابَةُ مَنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ. (1) لِحَدِيثِ مَنْ
اتَّقَى الشُّبَهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (2) .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ
بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ. (3)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَدْعُوَّ يُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ كَانَ
غَالِبَ مَالِهِ حَلاَلٌ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ.
(4)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ لاَ يَجُوزُ
الْحُضُورُ وَلاَ الأَْكْل. (5)
وَيَرَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مِنْهُمْ الشِّيرَازِيُّ
وَالأَْزَجِيُّ حَيْثُ قَالُوا بِتَحْرِيمِ الأَْكْل مُطْلَقًا وَلَوْ قَل
الْحَرَامُ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ حَرَامًا.
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وشرح
الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 366، ومطالب أولي النهى 5 / 232،
وانظر شرح المغني 3 / 23.
(2) حديث " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه. . أخرجه البخاري (الفتح 1 /
126 ـ ط السلفية) ومسلم (3 / 1220 ـ ط الحلبي) .
(3) الفروع لابن مفلح 2 / 658.
(4) الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175.
(5) القوانين الفقهية ص 428، ومواهب الجليل 4 / 4.
(45/244)
كَمَا اخْتَارَ جَمْعٌ مِنْهُمْ،
الْخِرَقِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَرَامُ أَكْثَرَ
حَرُمَ الأَْكْل وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ، إِقَامَةً لِلأَْكْثَرِ مَقَامَ
الْكُلِّ، وَاخْتَارَ جَمْعٌ آخَرُ - مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ -
أَنَّهُ إِنْ زَادَ الْحَرَامُ عَلَى الثُّلْثِ حَرُمَ الأَْكْل وَإِلاَّ
فَلاَ. (1)
خَامِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ:
25 - يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي
إِلَيْهَا طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ.
وَبِهَذَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ. (2)
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا
قَصْدًا مَذْمُومًا مِنَ التَّطَاوُل وَإِنْشَاءِ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلاَ يَنْبَغِي إِجَابَتُهَا لاَ سِيَّمَا أَهْل
الْعِلْمِ؛ لأَِنَّ فِي الإِْجَابَةِ إِذْلاَل أَنْفُسِهِمْ.
كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْل طَعَامٍ اتُّخِذَ لِلرِّيَاءِ
وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْ غَلَبَ عَلَى
ظَنِّ الْمَدْعُوِّ بِالْقَرَائِنِ وَالأَْمَارَاتِ. (3)
__________
(1) مطالب أولي النهى 5 / 233، وشرح الزرقاني 4 / 54.
(2) الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 366، ومغني المحتاج 3 / 246.
(3) البناية 9 / 202، وحاشية الطحطاوي 4 / 175، وبريقة محمودية 4 / 103.
(45/244)
سَادِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي
امْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ:
26 - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ
الدَّاعِي إِلَيْهَا امْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ
الدَّاعِيَةِ مَحْرَمٌ لِلْمَدْعُوِّ أُنْثَى يَحْتَشِمُهَا، أَوْ يَكُونَ
لِلْدَّاعِيَةِ مَحْرَمٌ.
وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ. (1)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ دَعَتِ امْرَأَةٌ رَجُلاً
عَيَّنَتْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ إِلاَّ
مَعَ خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَتَحْرُمُ الإِْجَابَةُ لاِشْتِمَالِهَا عَلَى
مُحَرَّمٍ. (2)
سَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي قَدْ خَصَّ بِالدَّعْوَةِ
الأَْغْنِيَاءَ:
27 - يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ
لاَ يَظْهَرَ مِنَ الدَّاعِي قَصْدُ تَخْصِيصِ الأَْغْنِيَاءِ لأَِجْل
غِنَاهُمْ، فَلَوْ خَصَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ لأَِجْل غِنَاهُمْ لَمْ تَجِبْ
الإِْجَابَةُ عَلَيْهِمْ فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِمْ (3) ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ:
شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى
__________
(1) الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 365، ومغني المحتاج 3 / 246، وفتح
الباري 1 / 490 ط السلفية، وشرح سنن أبي داود لبدر الدين العيني 3 / 128 ـ
130.
(2) مطالب أولي النهى 5 / 234، وانظر عمدة القاري 4 / 110 ـ 112 ط
المنيرية.
(3) شرح الزرقاني 4 / 54، وإعانة الطالبين 3 / 358 ـ 358، ومطالب أولي
النهى 5 / 236، ومغني المحتاج 3 / 246، ومواهب الجليل 4 / 4.
(45/245)
إِلَيْهَا الأَْغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ
الْفُقَرَاءُ (1) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ
فِي اخْتِصَاصِ الأَْغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ فَعَل
ذَلِكَ هَل تُجَابُ دَعْوَتُهُ أَمْ لاَ؟ فَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ لاَ
تُجَابُ، وَنَحَا نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَظَاهِرُ
كَلاَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ وُجُوبُ الإِْجَابَةِ وَقَال فِي الْعُتْبِيَّةِ
فِي تَرْجَمَةِ حِكَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
إِتْيَانِ الْوَلِيمَةِ " قَال مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ دُونٌ،
فَأَتَى لِيَدْخُل فَمُنِعَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ: فَذَهَبَ فَلَبِسَ
ثِيَابًا جِيَادًا ثُمَّ جَاءَ فَأُدْخِل، فَلَمَّا وُضِعَ الثَّرِيدُ
وَضَعَ كُمَّيْهِ عَلَيْهِ فَقِيل لَهُ: مَا هَذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ !
فَقَال: إِنَّمَا هِيَ الَّتِي أُدْخِلَتْ، وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَدْخُل
قَدْ رَدَدْتُ إِذْ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ. ثُمَّ بَكَى وَقَال: ذَهَبَ
حِبِّي وَلَمْ يَنَل مِنْ هَذَا شَيْئًا وَبَقِيتُمْ تُهَانُونَ بَعْدَهُ "
(2) قَال ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْوَلِيمَةُ الَّتِي رَدَّ فِيهَا أَبَا
هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْهُ مِنْ حُجَّابِ بَابِ الْوَلِيمَةِ إِذْ
ظَنَّهُ فَقِيرًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ الدُّونِ
وَأَدْخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ مِنْ حُجَّابِهَا فِي
__________
(1) حديث " شر الطعام طعام الوليمة. . " تقدم فقرة (7) .
(2) أثر أبي هريرة أنه دعي إلى وليمة، ذكره الخطاب في مواهب الجليل (4 / 4)
ولم نهتد من أخرجه.
(45/245)
صِفَةِ الأَْغْنِيَاءِ بِالثِّيَابِ
الْحِسَانِ هِيَ الَّتِي قَال فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى
إِلَيْهَا الأَْغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ
الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُرْوَى بِئْسَ الطَّعَامُ
يُرِيدُ أَنَّهُ بِئْسَ الطَّعَامُ لِمُطْعِمِهِ إِذْ رَغِبَ عُمَّالُهُ
فِي الْحَظِّ مِنْ أَنْ لاَ يَخُصَّ بِطَعَامِهِ الأَْغْنِيَاءَ دُونَ
الْفُقَرَاءِ فَالْبَأْسُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لاَ عَلَى مَنْ دَعَاهُ
إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ
فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَبَكَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَفَقًا
مِنْ تَغْيِيرِ الأَْحْوَال عَلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغْبَةِ النَّاسِ عَمَّا نُدِبُوا إِلَيْهِ
فِي وَلاَئِمِهِمْ مِنْ عَمِلَهَا وَتَرْكِ الرِّيَاءِ فِيهَا
وَالسُّمْعَةِ. (1)
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَدْعُوِّ:
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ فِي الْمَدْعُوِّ مَا
يَأْتِي:
أَوَّلاً: الْعَقْل وَالْبُلُوغُ:
28 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ
الْوَلِيمَةِ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً وَبَالِغًا
لِيَكُونَ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْل مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمُ
الاِلْتِزَامِ. (2)
__________
(1) مواهب الجليل4 / 4.
(2) الحاوي للماوردي 12 / 195.
(45/246)
ثَانِيًا: الْحُرِّيَّةُ:
29 - يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ
يَكُونَ حُرًّا؛ لأَِنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ بِحَقِّ
السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لَزِمَتْهُ الإِْجَابَةُ
حِينَئِذٍ. (1)
ثَالِثًا: الإِْسْلاَمُ:
30 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ
الدَّعْوَةِ لِلْوَلِيمَةِ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا
فَلاَ يَلْزَمُ ذِمِّيًّا إِجَابَةُ دَعْوَةِ مُسْلِمٍ لأَِنَّهُ لاَ
يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ شَرْعِنَا إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ. (2)
رَابِعًا: أَنْ لاَ يُوجَدَ عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا:
31 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ إِجَابَةِ
الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَلاَّ يَقُومَ بِالْمَدْعُوِّ إِلَيْهَا
عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا يَمْنَعُهُ مِنْ حُضُورِهَا، كَتِلْكَ
الأَْعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي تَرْكِ الْجُمْعَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ
وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْقِطُ الإِْجَابَةَ عِلْمُ
الْمَدْعُوِّ بِفَوَاتِ الْجُمْعَةِ إِذَا ذَهَبَ، وَبُعْدُ الْمَكَانِ
جِدًّا، بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَى الْمَدْعُوِّ الذَّهَابُ إِلَيْهَا
عَادَةً، وَمَرَضُ وَتَمْرِيضُ قَرِيبٍ، وَشِدَّةُ وَحْلٍّ أَوْ مَطَرٍ
أَوْ خَوْفٍ عَلَى مَالٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ
__________
(1) الحاوي للماوردي 12 / 195، وكشاف القناع 5 / 167.
(2) نهاية المحتاج 6 / 365، والحاوي 12 / 195.
(45/246)
أَعْذَارِ الْجُمْعَةِ. (1)
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِلإِْجَابَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَدْعُوِّ
مَعْذُورًا بِمُرَخَّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قَالَهُ
الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَتَوَقَّفَ الأَْذْرَعِيُّ فِي
إِطْلاَقِهِ، وَأَنْ لاَ يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْعُوِّ حَقٌّ كَأَدَاءِ
شَهَادَةٍ وَصَلاَةِ جِنَازَةٍ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ إِلَى الْوَلِيمَةِ
مَرِيضًا، أَوْ مُمَرِّضًا لِغَيْرِهِ، أَوْ مَشْغُولاً بِحِفْظِ مَالٍ
لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ
فِي مَطَرٍ يَبُل الثِّيَابَ، أَوْ وَحْلٍ. . . لَمْ تَجِبْ الإِْجَابَةُ
لأَِنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ فَأَبَاحَ تَرْكَ
الإِْجَابَةِ.
وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ أَجِيرًا خَاصًّا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ
الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ؛ لأَِنَّ مَنَافِعَهُ
مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، أَشْبَهَ الْعَبْدَ غَيْرَ الْمَأْذُونِ. (3)
خَامِسًا: أَنْ لاَ يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ:
32 - اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى
أَنَّ مِنْ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ
يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الدَّاعِي كَأَنْ دَعَاهُ
رَجُلاَنِ وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَسَبَقَ أَحَدُهُمَا
الآْخَرَ
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 338، والزرقاني 4 / 54.
(2) مغني المحتاج 3 / 246، ونهاية المحتاج 6 / 366.
(3) كشاف القناع 5 / 167.
(45/247)
أَجَابَ السَّابِقَ؛ لأَِنَّ إِجَابَتَهُ
وَجَبَتْ حِينَ دَعَاهُ، فَلَمْ يَزُل الْوُجُوبُ بِدُعَاءِ الثَّانِي،
وَلَمْ تَجِبْ إِجَابَةُ الثَّانِي؛ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ مَعَ
إِجَابَةِ الأَْوَّل.
33 - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُقَدِّمُ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُ
الدَّاعِيَيْنِ الآْخَرَ:
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الدَّاعِيَيْنِ إِنِ
اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَةِ فَذُو الرَّحِمِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا
فَأَقْرَبُهُمَا رَحِمًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَقْرَبُهُمَا دَارًا،
فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا أَصَابَتْهُ
الْقُرْعَةُ أَجَابَهُ. (1)
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ: فَقَال ابْنُ قُدَامَةَ إِنْ وُجِّهَتِ
الدَّعْوَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَةِ أَجَابَ
الْمَدْعُوُّ أَقْرَبُهُمَا بَابًا، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ
فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا
أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي
سَبَقَ (2) ، وَلأَِنَّ هَذَا مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ فَقُدِّمَ، فَإِنْ
اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا رَحِمًا لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ
الرَّحِمِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا
أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لأَِنَّ الْقُرْعَةَ تُعَيِّنُ الْمُسْتَحِقَّ عِنْدَ
اسْتِوَاءِ الْحُقُوقِ. (3)
__________
(1) شرح الزرقاني 4 / 54، وحاشية الشرقاوي على تحفة المحتاج 2 / 278، ومغني
المحتاج 3 / 246.
(2) حديث " إذا اجتمع داعيان. . أخرجه أبو داود (3 / 134 ـ ط حمص) وضعف
إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 415 ـ ط العلمية) .
(3) المغني 7 / 4.
(45/247)
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: إِنْ اسْتَوَى
الدَّاعِيَانِ فِي الدَّعْوَةِ أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا؛ لأَِنَّ كَثْرَةَ
الدِّينِ لَهَا أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ كَالإِْمَامَةِ، ثُمَّ إِنِ
اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا لِمَا فِي تَقْدِيمِهِ مِنْ
صِلَةِ الرَّحِمِ، ثُمَّ إِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ
فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا
أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا ثُمَّ إِنِ اسْتَوَيَا يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا،
إِلاَّ أَنْ يَتَّسِعَ الْوَقْتُ لإِِجَابَتِهِمَا فَتَجِبُ الإِْجَابَةُ.
(1)
سَادِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا:
34 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَابَةِ الْقَاضِي الدَّعْوَةَ إِلَى
الْوَلِيمَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ " الْحَنَفِيَّةُ
وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ
إِلَى جَوَازِ حُضُورِ الْقَاضِي؛ لأَِنَّهُ إِجَابَةٌ لِلسُّنَّةِ وَلاَ
تُهْمَةَ فِيهِ كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ مَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا
خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ فَلاَ يَحْضُرُهَا؛ لأَِنَّ
ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِيذَاءِ الْخَصْمِ الآْخَرِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا
كَثُرَتِ الْوَلاَئِمُ وَقَطَعَتْهُ عَنِ الْحُكْمِ تَرَكَهَا فِي حَقِّ
الْجَمِيعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ كَغَيْرِهِ مِنَ
النَّاسِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ، وَرَأْيٌ عِنْدَ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 169، والإنصاف 8 / 334 ـ 335.
(45/248)
كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَحْضُرُهَا وَيَأْمُرُ بِحُضُورِهَا وَقَال: مَنْ لَمْ يُجِبْ
الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (1) ، وَزَادَ
الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِنْ كَثُرَتْ وَازْدَحَمَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا
وَلَمْ يُجِبْ أَحَدًا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُهُ عَنِ الْحُكْمِ الَّذِي
قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ تَحْرُمُ
عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ إِلَيْهَا. (2)
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْوَلِيمَةِ نَفْسِهَا:
أَوَّلاً: كَوْنُ الْوَلِيمَةِ فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل:
35 - يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ
تَكُونَ الدَّعْوَةُ إِلَيْهَا فِي الْيَوْمِ الأَْوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَمْ تَجِبْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْوَلِيمَةُ أَوَّل يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِي
مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ (3) .
__________
(1) حديث (من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. . " أخرجه ابن حجر في
التلخيص (3 / 413 ـ ط العلمية) إلى أبي يعلى وقال: بإسناد صحيح.
(2) البدائع 7 / 10، وفتح القدير 7 / 273، والزرقاني 7 / 133، والشرح
الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 140، ومواهب الجليل 6 / 119 ـ 120، وروضة
الطالبين 11 / 165 ـ 166، وتحفة المحتاج 7 / 482، والمغني 9 / 79 - 80،
وكشاف القناع 5 / 169، ومطالب أولي النهى 6 / 481.
(3) حديث " الوليمة أول يوم حق. . . " أخرجه أبو داود (4 / 126 ـ 127 ـ ط
حمص) من حديث زهير بن عثمان الثقفي، وقال البخاري في التاريخ الكبير (3 /
425 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) : لم يصح إسناده، ولا يعرف له صحبة. يعني
راويه زهير بن عثمان الثقفي.
(45/248)
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ حُكْمِ
الْكَرَاهَةِ مَا إِذَا كَانَ اتِّخَاذُ الْوَلِيمَةِ فِي الْيَوْمِ
الثَّالِثِ لِضِيقِ مَنْزِلٍ أَوْ قَصْدِ جَمْعِ الْمُتَنَاسِبِينَ فِي
وَقْتٍ كَالْعُلَمَاءِ وَالتُّجَّارِ وَنَحْوِهِمْ فَلاَ يُكْرَهُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا بَنَى الرَّجُل بِامْرَأَتِهِ
يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالأَْقْرِبَاءَ وَالأَْصْدِقَاءَ
وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَإِذَا اتَّخَذَ وَلِيمَةً
يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا، وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَدْعُوَ يَوْمَئِذٍ
مِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعُرْسُ وَالْوَلِيمَةُ.
(1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ تَكْرَارُالْوَلِيمَةِ، لأَِنَّهُ سَرَفٌ
إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ ثَانِيًا غَيْرَ الْمَدْعُوِّ قَبْل
ذَلِكَ. (2)
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - اعْتَمَدَهُ الأَْذْرَعِيُّ -
أَنَّهُ تَجِبُ الإِْجَابَةُ إِنْ لَمْ يُدْعَ فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل
أَوْ دُعِيَ وَامْتَنَعَ لِعُذْرٍ وَدُعِيَ فِي الثَّانِيَةِ. (3)
__________
(1) شرح المحلي وحاشية القليوبي عليه 3 / 296، ونهاية المحتاج 6 / 367،
ومطالب أولي النهى 5 / 233 ـ 235، والفتاوى الهندية 5 / 343.
(2) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه 2 / 337.
(3) نهاية المحتاج 6 / 367، وتحفة المحتاج 7 / 426.
(45/249)
ثَانِيًا: وَقْتُ الْوَلِيمَةِ:
36 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَابْنُ
تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَكُونُ بَعْدَ الدُّخُول. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ وَقْتَ الْوَلِيمَةِ الأَْفْضَل بَعْدَ
الدُّخُولِ، وَأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُل
وَقْتُهَا بِهِ. (2)
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الاِتِّجَاهِ مَا قَالَهُ الْمِرْدَاوِيُّ:
الأَْوْلَى أَنْ يُقَال وَقْتُ الاِسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ مِنْ عَقْدِ
النِّكَاحِ إِلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ لِصِحَّةِ الأَْخْبَارِ
فِي هَذَا وَهَذَا، وَكَمَال السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُول. وَلَكِنْ جَرَتْ
الْعَادَةُ بِفِعْلِهَا قَبْل الدُّخُول بِيَسِيرٍ. (3)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْمَالِكِيَّةُ
فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ تُسَنُّ الْوَلِيمَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ.
(4)
وَيَرَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ تَكُونُ
__________
(1) حاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 2 /
337، والإنصاف 8 / 317.
(2) إعانة الطالبين 3 / 357، ونهاية المحتاج 6 / 363 ـ 364.
(3) مطالب أولي النهى 5 / 232.
(4) مطالب أولي النهى 5 / 232، والإنصاف 8 / 317، وحاشية الطحطاوي على الدر
4 / 175، وحاشية الدسوقي 2 / 337.
(45/249)
عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الدُّخُول. (1)
ثَالِثًا: تَعَدُّدُ الْوَلِيمَةِ:
37 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ أَكْثَرَ
مِنْ وَاحِدَةٍ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ تُجْزِيِهِ وَلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ
قَصَدَ بِهَا الْجَمِيعَ لَتَدَاخُل أَسْبَابِهَا، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا
وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا بَقِيَ طَلَبُ غَيْرِهَا. (2)
وَالأَْصْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَتَعَدَّدُ
بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ دُخُولٍ وَاحِدٍ.
(3)
رَابِعًا: أَقَل مَا يُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ:
38 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ " الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِقَل
الْوَلِيمَةِ وَتَحْصُل السُّنَّةُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَطَعَمَهُ، وَلَوْ
بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَوْلَمَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ (4) .
وَنَقَل عِيَاضٌ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِقَل
__________
(1) حاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وبريقة محمودية 4 / 176.
(2) القليوبي 3 / 294، ومطالب أولي النهى 5 / 232.
(3) القليوبي 3 / 294.
(4) حديث " أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير. .
أخرجه البخاري (الفتح 9 / 238 ـ ط السلفية) من حديث صفية بنت شبية.
(45/250)
الْوَلِيمَةِ وَأَنَّهُ بِأَيِّ شَيْءٍ
أَوْلَمَ حَصَلَتِ السُّنَّةُ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَقَل الْوَلِيمَةِ لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ،
وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا
تَزَوَّجَ: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (2) .
قَال النَّسَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَل الْكَمَال شَاةٌ، لِقَوْل
التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنَ الطَّعَامِ جَازَ، وَهُوَ
يَشْمَل الْمَأْكُول وَالْمَشْرُوبَ الَّذِي يُعْمَل فِي حَال الْعَقْدِ
مِنْ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مُوسِرًا. (3)
وَصَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ
تَنْقُصَ الْوَلِيمَةُ عَنْ شَاةٍ. (4)
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: وَلَوْ
بِشَاةٍ الشَّاةُ هُنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ وَلَوْ
بِشَيْءٍ قَلِيلٍ كَشَاةٍ.
قَال الْمِرْدَاوِيُّ: فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ تَجُوزُ
الْوَلِيمَةُ بِدُونِ شَاةٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ
__________
(1) الزرقاني 4 / 52، وإعانة الطالبين 3 / 357، والوسيلة الأحمدية والذريعة
السرمدية بهامش بريقة محمودية 4 / 176، ومطالب أولي النهى 5 / 232،
والإنصاف 8 / 316.
(2) حديث " أولم ولو بشاة. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 231 ـ ط السلفية)
ومسلم (2 / 1042 ـ ط الحلبي) .
(3) نهاية المحتاج 6 / 363، وتحفة المحتاج 7 / 425.
(4) مطالب أولي النهى 5 / 232، والإنصاف 8 / 317.
(45/250)
الأَْوْلَى الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّاةِ
لأَِنَّهُ جَعَل ذَلِكَ قَلِيلاً. (1)
خَامِسًا: فَوَاتُ الْوَلِيمَةِ:
39 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ لاَ
آخِرَ لِوَقْتِهَا فَلاَ تَفُوتُ بِطَلاَقٍ وَلاَ مَوْتٍ وَلاَ بِطُول
الزَّمَنِ. (2)
وَظَاهِرُ عِبَارَاتِ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ تُفِيدُ أَنَّ
الْوَلِيمَةَ تَقَعُ أَدَاءً أَبَدًا وَفِي الْبُجَيْرِمِيِّ مَا نَصَّهُ:
قَال الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَنْتَهِي بِمُدَّةِ
الزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثًا، وَمَعْنَى ذَلِكَ
أَنَّ فِعْلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ قَضَاءً. (3)
وَلِيٌّ
انْظُرْ: وِلاَيَة)
__________
(1) الإنصاف 8 / 317.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 337، ونهاية المحتاج 6 / 364.
(3) إعانة الطالبين 3 / 357.
(45/251)
|