الموسوعة
الفقهية الكويتية يَأْسٌ
التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْيَأْسُ وِزَانُ فَلْسٍ، لُغَةً: مَصْدَرُ يَئِسَ يَيْأَسُ مِنْ
بَابِ تَعِبَ، فَهُوَ يَائِسٌ بِمَعْنَى الْقُنُوطِ ضِدَّ الرَّجَاءِ، أَوْ
قَطْعِ الأَْمَل.
وَالْيَأْسُ يُطْلَقُ عَلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَهُوَ السِّنُّ الَّتِي
يَنْقَطِعُ فِيهَا الْحَيْضُ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا
عَقِمَتْ فَهِيَ يَائِسَةٌ وَيَئِسَةٌ. (1)
وَيَأْتِي يَئِسَ بِمَعْنَى عَلِمَ فِي لُغَةِ النَّخَعِ. (2) وَعَلَيْهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا (3) } .
وَالْيَأْسُ اصْطِلاَحًا هُوَ انْقِطَاعُ الرَّجَاءِ. (4)
__________
(1) القاموس المحيط، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) النخع ـ بفتحتين ـ قبيلة من مذْحِج، ومنهم إبراهيم النخعي، (المصباح
المنير) .
(3) سورة الرعد / 31.
(4) قواعد الفقه للبركتي، والمغرب للمطرزي، وحاشية ابن عابدين 1 / 201، 3 /
289.
(45/251)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْيَأْسِ
أـ حُكْمُ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى:
2 ـ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ فَرْجِهِ تَعَالَى
مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَمِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
(1) } .
وَلِلتَّفْصِيل يَنْظُرُ (إِيَاس ف 13) .
ب ـ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ 3 ـ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ
الْيَأْسَ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّيَمُّمِ.
وَانْظُرْ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَيَمُّم ف 14 - 20) .
ج ـ تَوْبَةُ الْيَائِسِ:
4 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول تَوْبَةِ الْيَائِسِ الَّذِي
يُشَاهِدُ دَلاَئِل الْمَوْتِ وَقَطَعَ الأَْمَل مِنْ الْحَيَاةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ " الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَفِيَّةُ) فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهَا لاَ تُقْبَل لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الآْنَ وَلاَ
الَّذِينَ
__________
(1) سورة يوسف / 87.
(45/252)
يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (1) } .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُقْبَل مَا لَمْ
يُغَرْغِرْ - أَيْ تَبْلُغُ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ - لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقْبَل تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (2) .
قَال ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ اللَّطَائِفِ: فَمَنْ تَابَ قَبْل أَنْ
يُغَرْغِرَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لأَِنَّ الرُّوحَ تُفَارِقُ الْقَلْبَ
عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ فَلاَ يَبْقَى لَهُ نِيَّةٌ وَلاَ قَصْدٌ.
وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَانٍ: تُقْبَل التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكَ،
وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَدْ خَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ
مِنَ النَّاسِ؟ قَال: إِذَا عَايَنَ (3) يَعْنِي الْمَلَكَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَال: " لاَ
يَزَال الْعَبْدُ فِي مُهْلَةٍ مِنَ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَأْتِهِ مَلَكُ
الْمَوْتِ يَقْبِضُ رُوحَهُ، فَإِذَا نَزَل مَلَكُ الْمَوْتِ فَلاَ
__________
(1) سورة النساء / 18.
(2) حديث: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أخرجه الترمذي (5 /
547) وقال: حديث حسن غريب.
(3) حديث: أبي موسى: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم: متى تنقطع معرفة
العبد من الناس. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 467) وقال البوصيري في مصباح
الزجاجة (1 / 260) : هذا إسناد ضعيف، نصر بن حماد كذبه ابن معين وغيره،
واتهم بالوضع.
(45/252)
تَوْبَةَ حِينَئِذٍ "، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَال: " التَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ مَا لَمْ يَنْزِل سُلْطَانُ الْمَوْتِ "،
وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَال: " إِذَا عَايَنَ الْمَيِّتُ الْمَلَكَ ذَهَبَتِ
الْمَعْرِفَةُ " (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي
الْمَذْهَبِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ
تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَال الْغَرْغَرَةِ بِخِلاَفِ إِيمَانِ
الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (2) } .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ: تُقْبَل تَوْبَتُهُ مَا دَامَ
مُكَلَّفًا، قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَالصَّوَابُ
قَبُولُهَا مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا وَإِلاَّ فَلاَ. (3)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَوْبَة ف 11) .
د ـ سِنُّ الْيَأْسِ:
5 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ سِنِّ الْيَأْسِ الَّتِي
تُصْبِحُ فِيهِ الْمَرْأَةُ يَائِسَةً مِنَ الْحَيْضِ:
__________
(1) ذكر ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف (ص 573 ـ ط دار ابن كثير) أثر
علي وابن عمر وأبي موسى، وعزاها إلى كتاب الموت لابن أبي الدنيا ولم يحكم
عليها.
(2) سورة الشورى / 25.
(3) انظر حاشية ابن عابدين 1 / 571، والفواكه الدواني 1 / 90، والدسوقي 1 /
407، وأسنى المطالب 4 / 356، والمغني لابن قدامة 9 / 200، والآداب الشرعية
1 / 128، وتصحيح الفروع 4 / 657 ـ 658، وكشاف القناع 4 / 336.
(45/253)
فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى
أَنَّهُ لاَ تَحْدِيدَ لِهَذَا السِّنِّ الَّتِي لاَ تَحِيضُ فِيهِ
الْمَرْأَةُ.
وَقَال بَعْضُهُمْ لِلْمَرْأَةِ سِنٌّ مُحَدَّدَةٌ لاَ تَحِيضُ بَعْدَهُ
إِذَا بَلَغَتْهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِيَاس ف 6) .
هـ - عِدَّةُ الْيَائِسَةِ:
6 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْيَائِسَةِ مِنَ الْحَيْضِ
لِكِبَرِهَا فِي السِّنِّ، وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ
وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ، ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّة ف 17) .
يَاقُوتٌ
انْظُرْ: حُلِيّ)
(45/253)
يَتِيمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْيَتِيمُ فِي اللُّغَةِ: الْفَرْدُ وَكُل شَيْءٍ يَعِزُّ نَظِيرُهُ
وَالْيَتِيمُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا: الاِنْفِرَادُ أَوْ فِقْدَانُ
الأَْبِ، وَالأُْنْثَى يَتِيمَةٌ وَالْجَمْعُ أَيْتَامٌ وَيَتَامَى.
قَال ابْنُ السِّكِّيتِ: الْيَتِيمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَل الأَْبِ،
وَفِي الْبَهَائِمِ مِنْ قِبَل الأُْمِّ، وَلاَ يُقَال لِمَنْ فَقَدَ
الأُْمَّ مِنَ النَّاسِ يَتِيمٌ. (1)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَ الْفُقَهَاءُ الْيَتِيمَ بِأَنَّهُ مَنْ
مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ دُونُ الْبُلُوغِ. (2) لِحَدِيثِ: " لاَ يُتْمَ
بَعْدَ احْتِلاَمٍ " (3) .
__________
(1) لسان العرب، والصحاح والقاموس المحيط.
(2) رد المحتار على الدر المختار 5 / 440، كافية الطالب الرياني 2 / 206،
ومطالب أولي النهى 4 / 361، وأسنى المطالب 3 / 88.
(3) حديث: " لا يتم بعد احتلام " أخرجه الطبراني في الكبير (4 / 14) من
حديث حنظلة بن حذيم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 266) : رجاله ثقات.
(45/254)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - وَلَدُ الزِّنَا:
2 - وَلَدُ الزِّنَا هُوَ الَّذِي تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مِنَ الزِّنَا (ر:
وَلَدُ الزِّنَا ف1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَلَدِ الزِّنَا وَالْيَتِيمِ أَنَّ كِلَيْهِمَا لاَ
أَبَ لَهُمَا إِلاَّ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ شَرْعًا
بِخِلاَفِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَبٌ. (1)
ب - وَلَدُ اللِّعَانِ:
3 - وَلَدُ اللِّعَانِ هُوَ الْوَلَدُ الَّذِي نَفَى الزَّوْجُ نَسَبَهُ
مِنْهُ بَعْدَ مُلاَعَنَتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ. (2)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَلَدِ اللِّعَانِ وَالْيَتِيمِ أَنَّ كِلَيْهِمَا لاَ
أَبَ لَهُ إِلاَّ أَنَّ وَلَدَ اللِّعَانِ يَخْتَلِفُ عَنِ الْيَتِيمِ فِي
أَنَّ الْيَتِيمَ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ، وَوَلَدُ
اللِّعَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ شَرْعِيٌّ وَيُحْتَمَل أَنْ
يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ. (3)
ج - اللَّقِيطُ:
4 - اللَّقِيطُ اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلَهُ خَوْفًا مِنَ
الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنَ التُّهْمَةِ. (4)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَاللَّقِيطِ أَنَّ كِلَيْهِمَا لاَ أَبَ
لَهُ، إِلاَّ أَنَّ الْيَتِيمَ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّهُ فَقَدْ أَبَاهُ
بَعْدَ أَنْ
__________
(1) الإقناع للشربيني 2 / 566، وكشاف القناع 4 / 364.
(2) الاختيار 3 / 169 - 170.
(3) الإقناع للشربيني 2 / 566، وكشاف القناع 4 / 364.
(4) أنيس الفقهاء ص 188.
(45/254)
كَانَ، أَمَّا اللَّقِيطُ فَإِنَّهُ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ إِلاَّ أَنَّهُ يُحتَمَل أَنْ يَظْهَرَ فِي وَقْتٍ
مَا. (1)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْيَتِيمِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْيَتِيمِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
الإِْحْسَانُ إِلَى الْيَتِيمِ:
5 - يَجِبُ الاِعْتِنَاءُ بِالْيَتِيمِ وَالْعَطْفُ عَلَيْهِ وَالرَّأْفَةُ
بِهِ وَبِرُّهُ وَالإِْحْسَانُ إِلَيْهِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا وَكَافِل الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ
بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى (2) .
كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ إِذْلاَل الْيَتِيمِ وَظُلْمِهِ
وَنَهَرِهِ وَشَتْمِهِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِ بِمَا يُؤْذِيهِ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ (3) } .
وَلِلْوَصِيِّ تَعْلِيمُ الْيَتِيمِ وَتَسْلِيمُهُ لِلْمَكْتَبِ، لأَِنَّ
الْمَكْتَبَ مِنْ مَصَالِحِهِ، فَجَرَى مَجْرَى نَفَقَتِهِ كَمَأْكُولِهِ
وَمَشْرُوبِهِ وَمَلْبُوسِهِ، وَيَجُوزُ إِسْلاَمُهُ فِي صِنَاعَةٍ إِذَا
كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي ذَلِكَ، رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَال: قُلْتُ: " يَا رَسُول اللِّهِ،
مِمَّا أَضَرَبُ عَلَيْهِ يَتِيمِي؟ فَقَال: مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ
وَلَدَكَ غَيْرَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ، وَلاَ مُتَأَثِّلٍ مِنْ مَالِهِ
مَالاً (4) .
__________
(1) كشاف القناع 4 / 364.
(2) حديث: " أنا وكافل اليتيم كهاتين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 10
/ 436) من حديث سهل بن سعد.
(3) سورة الضحى / 9.
(4) حديث جابر: " مما أضرب عليه يتيمي؟ . . " أخرجه الطبراني في الصغير (1
/ 157 - 158 - ط المكتب الإسلامي) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8 /
163) : فيه معلى بن مهدي، وثقه ابن حيان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله
ثقات. ورجح البيهقي في السنن الكبرى (4 / 6) إرساله من حديث الحسن العرني.
(45/255)
وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يُطْعِمَ
الْيَتِيمَ الْحَلاَل وَلاَ يُطْعِمَهُ الْحَرَامَ. (1)
تَصَرُّفَاتُ الْوَصِيِّ فِي مَال الْيَتِيمِ:
6 - تَصَرُّفَاتُ الْوَصِيِّ فِي أَمْوَال الْيَتَامَى مُقَيَّدَةٌ
بِالنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ.
وَلِمَعْرِفَةِ التَّفْصِيل فِي ضَوَابِطِ تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ فِي
مَال الأَْيْتَامِ الْمُوصَى عَلَيْهِمْ وَشُرُوطُ إِنْفَاذِهَا يُنْظَرُ
(إِيصَاء ف 13 - 14) .
الْمُضَارَبَةُ وَالاِتْجَارُ بِمَال الْيَتِيمِ:
7 - الاِتِّجَارُ بِمَال الْيَتِيمِ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَتَّجِرَ
الْوَصِيُّ بِمَال الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَّجِرَ بِمَال
الْيَتِيمِ لِلْيَتِيمِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْوَصِيُّ مَال
الْيَتِيمِ الْمُوصَى عَلَيْهِ لِمَنْ يَعْمَل فِيهِ مُضَارَبَةً.
وَلِلتَّفْصِيل فِي آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ تُنْظَرُ
مُصْطَلَحَاتُ (إِيصَاء ف14، وِصَايَة ف 41 - 44، وِلاَيَة ف 53 - 55) .
__________
(1) أحكام القرآن للقرطبي 20 / 100 - 101، والمغني 4 / 468.
(45/255)
الإِْنْفَاقُ عَلَى الْيَتِيمِ:
8 - إِنْ كَانَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَعَلَى الْوَصِيِّ الإِْنْفَاقُ
عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ لاَ عَلَى وَجْهِ الإِْسْرَافِ وَلاَ عَلَى وَجْهِ
التَّضْيِيقِ (ر: وِصَايَة 36، 74، وِلاَيَة ف 62) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ (ر: نَفَقَة ف 78)
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلاَ أَقَارِبَ لَهُ فَنَفَقَتُهُ فِي
بَيْتِ الْمَال (ر: بَيْتُ الْمَال ف 12)
رُجُوعُ الْوَصِيِّ فِيمَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْيَتِيمِ
الْغَنِيِّ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي طَلَبِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا أَنْفَقَهُ
وَلِيُّ الْيَتِيمِ مِنْ مَال نَفْسِهِ عَلَى الْيَتِيمِ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: الْوَصِيُّ كَالأَْبِ
مُتَطَوِّعٌ، إِلاَّ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَال
نَفْسِهِ عَلَى الْيَتِيمِ قَرْضٌ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ.
وَفِي الْخُلاَصَةِ: أَنَّ قَوْل الْوَصِيِّ وَإِنْ اعْتُبِرَ فِي
الإِْنْفَاقِ لَكِنْ لاَ يُقْبَل فِي الرُّجُوعِ فِي مَال الْيَتِيمِ
إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ.
وَقَال زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَنْفَقَتِ
الأُْمُّ عَلَى طِفْلِهَا الْمُوسِرِ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ
أَوْ عَلَى أَبِيهِ إِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ رَجَعَتْ إِنْ أَشْهَدَتْ
بِذَلِكَ عِنْدَ عَجْزِهَا عَنِ الْقَاضِي وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْيَتِيمِ
فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، أَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ
لَمْ
(45/256)
يُشْهِدْ إِذَا قَال: إِنَّمَا كُنْتُ
أُنْفِقُ عَلَيْهِ بِهِ عَلَى أَنْ أَرْجِعَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. (1)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُقْبَل قَوْل الْوَلِيِّ فِي
إِنْفَاقِهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْمُولَى عَلَيْهِ مَا
لَمْ يُعْلَمْ كَذِبُ الْوَلِيِّ بِأَنْ كَذَّبَ الْحِسُّ دَعْوَاهُ، أَوْ
تَخَالُفُهُ عَادَةٌ وَعُرْفٌ، فَلاَ يُقْبَل قَوْلُهُ حِينَئِذٍ
لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ. (2)
وَقَال تَقِيُّ الدِّينَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: مَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ
مُتَبَرِّعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ فَمِنْ مَال
الْيَتِيمِ. قَال الْبُهُوتِيُّ: وَعَلَى قِيَاسِهِ كُل مَا فِيهِ
مَصْلَحَةٌ لَهُ. (3)
خَلْطُ الْوَصِيِّ مَالَهُ بِمَال الْيَتِيمِ الْمُوصَى عَلَيْهِ:
10 - تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ فِي مَال الْيَتِيمِ الْمُوصَى عَلَيْهِ
مُقَيِّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلِمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي خَلْطِ
مَال الْوَصِيِّ بِمَال الْيَتِيمِ يُنْظَرُ (وِصَايَة ف 74) .
أَخْذُ الْوَصِيِّ الأُْجْرَةَ مِنْ مَال الْيَتِيمِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا فُرِضَ لَهُ
الأُْجْرَةَ مُقَابِل الْقِيَامِ بِالْوِصَايَةِ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا،
__________
(1) الفتاوى المهدية 7 / 28، 30، والمدونة 4 / 396، وأسنى المطالب 3 / 445.
(2) كشاف القناع 3 / 456.
(3) كشاف القناع 4 / 398.
(45/256)
سَوَاءً كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ أَخْذِ الْوَصِيِّ الأُْجْرَةَ إِذَا لَمْ
يُفْرَضُ لَهُ شَيْءٌ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: وِصَايَة ف 63 - 64، وِلاَيَة ف 59 - 60، وَإِيصَاء ف
14) .
إِجَارَةُ الْيَتِيمِ:
12 - إِجَارَةُ نَفْسِ الْيَتِيمِ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يُؤَجِّرَ
الْوَصِيُّ نَفْسَ الْيَتِيمِ لِلْغَيْرِ وَإِمَّا أَنْ يُؤَجِّرَهُ
لِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ وَإِمَّا أَنْ
يُؤَجِّرَ الْيَتِيمَ نَفْسَهُ. كَمَا أَنَّ إِجَارَةَ مَال الْيَتِيمِ لاَ
يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَيْرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَصِيِّ
نَفْسَهُ.
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (وِصَايَة ف 44 - 47، إِجَارَة ف 24 - 25) .
رَهْنُ مَال الْيَتِيمِ:
13 - رَهْنُ مَال الْيَتِيمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَيْنٍ عَلَى
الصَّغِيرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَيْنٍ عَلَى الْوَصِيِّ.
وَلِمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يُنْظَرُ
مُصْطَلَحُ (وِصَايَة ف59 - 60) .
هِبَةُ مَال الْيَتِيمِ:
14 - هِبَةُ مَال الْيَتِيمِ لاَ تَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ
وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
(45/257)
فَإِذَا كَانَتْ هِبَةُ مَال الْيَتِيمِ
بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلاَ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا إِذَا
كَانَتْ بِعِوَضٍ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ
يُنْظَرُ فِي (وِصَايَة ف 49 - 50) .
زَكَاةُ مَال الْيَتِيمِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَال الْيَتِيمِ.
وَلِمَعْرِفَةِ التَّفَاصِيل الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْضُوعِ يُنْظَرُ
(زَكَاة ف 11) .
إِنْكَاحُ الْيَتِيمِ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِنْكَاحِ الْيَتِيمِ.
يُنْظَرُ فِي (نِكَاح ف64، 80 - 85، 112) .
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَخْيِيرِ الْيَتِيمِ أَوِ الْيَتِيمَةِ
بَعْدَ بُلُوغِهِمَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ. يُنْظَرُ فِي (بُلُوغ ف 39 -
42) .
سَهْمُ الْيَتِيمِ فِي خُمْسِ الْغَنَائِمِ:
17 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْيَتَامَى سَهْمًا مِنْ
خُمْسِ الْغَنَائِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل (1) } .
__________
(1) سورة الأنفال / 41.
(45/257)
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ
فِي مُصْطَلَحِ (خُمُس ف 8 - 12) .
سَهْمُ الْيَتَامَى فِي الْفَيْءِ:
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَخْمِيسِ الْفَيْءِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْفَيْءَ لاَ يُخَمَّسُ،
وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِمْ.
وَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَنَّ الْفَيْءَ يُخَمَّسُ وَيُصْرَفُ خُمُسَهُ
إِلَى مَنْ يُصْرَفُ إِلَيْهِ خُمُسُ الْغَنِيمَةَ وَمِنْهُمْ الْيَتَامَى.
وَالتَّفْصِيل فِي (خُمُس ف 13، فَيْء 11، وَتَخْمِيس ف 3) .
فَكُّ الْحَجْرِ عَنِ الْيَتِيمِ وَطَرِيقَتُهُ:
19 - يُفَكُّ الْحَجْرُ عَنِ الْيَتِيمِ وَيُسَلَّمُ مَالَهُ إِلَيْهِ
إِذَا بَلَغَ رَشِيدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى
حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (1) } .
وَالتَّفْصِيل فِي (حَجْر ف 6، 8 وَمَا بَعْدَهَا، رُشْد ف 7 - 10، بُلُوغ
ف 2 وَمَا بَعْدَهَا، تَجْرِبَة ف7) .
الْوَصِيَّةُ لِلْيَتِيمِ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى
__________
(1) سورة النساء 6.
(45/258)
أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَوْصَى لِيَتَامَى
بَنِي فُلاَنٍ، فَإِنْ كَانَ يَتَامَاهُمْ يُحْصَوْنَ جَازَتِ
الْوَصِيَّةُ؛ لأَِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ وَقَعَتِ الْوَصِيَّةُ
لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لِكَوْنِهِمْ مَعْلُومِينَ فَأَمْكَنَ إِيقَاعُهَا
تَمْلِيكًا لَهُمْ فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِيَتَامَى
هَذِهِ السِّكَّةِ أَوْ هَذِهِ الدَّارِ.
وَيَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْيَتَامَى الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ
الْوَجْهَيْنِ، لأَِنَّ الْيَتِيمَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَنْ مَاتَ
أَبُوهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَهَذَا لاَ يَتَعَرَّضُ لِلْفَقْرِ
وَالْغِنَى قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال
الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا (1) } ،
وَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " ابْتَغُوا
بِأَمْوَال الْيَتَامَى، لاَ تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ " (2) . فَقَدْ
سُمُّوا يَتَامَى وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ فَكُل صَغِيرٍ مَاتَ أَبُوهُ
يَدْخُل تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَمَنْ لاَ فَلاَ.
وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى الْفُقَرَاءِ
مِنْهُمْ وَهَذَا الأَْشْبَهُ.
وَأَمَّا إِنْ كَانُوا لاَ يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَتُصْرَفُ
إِلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
لأَِنَّهَا لَوْ صُرِفَتْ إِلَى الأَْغْنِيَاءِ
__________
(1) سورة النساء 10.
(2) أثر عمر رضي الله عنه: " ابتغوا بأموال اليتامى. . " أخرجه الدارقطني
(2 / 110) والبيهقي (4 / 106) ، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
(45/258)
لَبَطَلَتْ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ،
وَلَوْ صُرِفَتْ إِلَى الْفُقَرَاءِ لَجَازَتْ لأَِنَّهَا وَصِيَّةٌ
بِالصَّدَقَةِ وَإِخْرَاجٌ لِلْمَال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ
تَعَالَى وَاحِدٌ مَعْلُومٌ. وَأَمْكَنَ أَنْ تُجْعَل الْوَصِيَّةُ
لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مِمَّا يُنْبِئُ عَنِ
الْحَاجَةِ لُغَةً لَكِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ سَبَبِ الْحَاجَةِ وَعَمَّا
يُوجِبُ الْحَاجَةَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّ الصِّغَرَ
وَالاِنْفِرَادَ عَنِ الأَْبِ أَعْظَمُ أَسْبَابِ الْحَاجَةِ، إِذِ
الصَّغِيرُ عَاجِزٌ عَنْ الاِنْتِفَاعِ بِمَالِهِ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِمَّنْ
يَقُومُ بِإِيصَال مَنَافِعَ مَالِهِ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ عَازِمٌ
عَنِ الْقِيَامِ بِحِفْظِ مَالِهِ لَهُ وَاسْتِئْمَانِهِ وَلاَ بَقَاءَ
لِلْمَال عَادَةً إِلاَّ بِالْحِفْظِ وَالاِسْتِثْمَارِ، وَهُوَ عَاجِزٌ
عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَمَنْ انْقَطَعَتْ عَلَيْهِ
مَنَافِعُ مَالِهِ بِسَبَبِ بُعْدِهِ عَنْ مَالِهِ وَهُوَ ابْنُ السَّبِيل
فَصَارَ الاِسْمُ بِهَذِهِ الْوَسَاطَةِ مُنْبِئًا عَنِ الْحَاجَةِ،
وَلِهَذَا الْمَعْنَى جَعَل اللَّهُ لِلْيَتَامَى سَهْمًا مِنْ خُمُسِ
الْغَنِيمَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى (1) } وَأَرَادَ بِهِ الْمُحْتَاجِينَ مِنْهُمْ دُونَ
الأَْغْنِيَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذَا
التَّصَرُّفِ بِجَعْلِهِ إِيصَاءً بِالصَّدَقَةِ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
صَحِيحَةٌ وَتُصْرَفُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالأَْغْنِيَاءِ مِنْهُمْ
__________
(1) سورة الأنفال 41.
(45/259)
عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ
لِلأَْغْنِيَاءِ قُرْبَةٌ وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْهَدِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ
لِلْيَتِيمِ لاَ تَشْمَل وَلَدَ الزِّنَا وَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ
كَمَا أَنَّهَا لاَ تَشْمَل اللَّقِيطَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلِمُعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ تَعْمِيمِ الْمُوصَى بِهِ
عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ الْمَحْصُورِينَ وَغَيْرِ الْمَحْصُورِينَ يُنْظُرُ
مُصْطَلَحُ (وَصِيَّة ف 27) .
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 344، مغني المحتاج 3 / 61، وروض الطالب 3 / 54، 55،
وروضة الطالبين 6 / 181، ونهاية المحتاج 6 / 78، والمغني لابن قدامة 6 /
56، عقد الجواهر الثمينة 3 / 416.
(45/259)
يَدٌ
التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْيَدُ فِي اللُّغَةِ مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى
أَطْرَافِ الأَْصَابِعِ، وَلاَمُهَا مَحْذُوفَةٌ وَهِيَ يَاءٌ، وَالأَْصْل:
يَدْيٌ، قِيل بِفَتْحِ الدَّالِ، وَقِيل بِسُكُونِهَا، وَجَمْعُ الْقِلَّةِ
أَيْدٍ، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ: الأَْيَادِي وَيُدِيٌّ مِثَال فُعُولٌ.
وَالْيَدُ: النِّعْمَةُ وَالإِْحْسَانُ، وَتُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى
الْقُدْرَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهِ: أَيْ سُلْطَانَهُ، وَالأَْمْرُ بِيَدِ
فُلاَنٍ: أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ (1) } أَيْ عَنْ قُدْرَةٍ عَلَيْهِمْ وَغَلَبٍ.
وَأَعْطَى بِيَدِهِ: إِذَا انْقَادَ وَاسْتَسْلَمَ، وَالدَّارُ فِي يَدٍ
فُلاَنٍ: أَيْ فِي مِلْكِهِ، وَأَوْلَيْتُهُ يَدًا: أَيْ نِعْمَةً،
وَالْقَوْمُ يَدٌ عَلَى غَيْرِهِمْ: أَيْ مُجْتَمِعُونَ مُتَّفِقُونَ،
وَبِعْتُهُ يَدًا بِيَدٍ: أَيْ حَاضِرًا بِحَاضِرٍ. (2)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(3)
__________
(1) سورة التوبة / 9.
(2) المصباح المنير، وقواعد الفقه للبركتي ص 555.
(3) ابن عابدين 3 / 256، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 406، وقليوبي
على المحلي 3 / 180، والمغني 1 / 99، ومغني المحتاج 1 / 52، وطلبة الطلبة.
. 197، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 4 / 199، وتفسير القرطبي 8 / 115.
(45/260)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْيَدِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَدِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا مَا يَلِي:
أَوَّلاً: الْيَدُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ وَالْجَارِحَةُ:
الاِسْتِنْجَاءُ بِالْيَدِ:
2 - يَسُنُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بِالْحَجَرِ أَوْ
بِالْمَاءِ، وَيُكْرَهُ بِيَمِينِهِ بِلاَ عُذْرٍ (1) ، لِقَوْل الرَّسُول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلاَ
يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِنْجَاء ف 30) .
إِدْخَال الْيَدَيْنِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ:
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ غَسْل الْيَدَيْنِ فِي مَاءِ
الطَّهَارَةِ قَبْل إِدْخَالِهِمَا الإِْنَاءَ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ
مُرِيدُ
__________
(1) مجمع الأنهر 1 / 66، حاشية ابن عابدين 1 / 255، البحر الرائق 1 / 255،
الاختيار 1 / 37، حاشية الدسوقي 1 / 105، المجموع 1 / 108، حاشية الشرقاوي
1 / 125، نهاية المحتاج 1 / 137، كشاف القناع 1 / 51، مطالب أولي النهى 1 /
69 وما بعدها.
(2) حديث: " إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه. . . . " أخرجه البخاري
(فتح الباري 1 / 254) ومسلم (1 / 225) واللفظ للبخاري.
(45/260)
الطِّهَارَةِ وَغَيْرِهِ، كَمَا يَسْتَوِي
فِيهِ الْمُسْتَيْقِظُ مِنَ النَّوْمِ وَغَيْرِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (كَف ف 3، نَوْم ف 10، وُضُوء ف 90) .
غَسْل الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَسُنُّ فِي الْوُضُوءِ
وَالْغُسْل غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ ثَلاَثًا قَبْل
إِدْخَالِهِمَا فِي الإِْنَاءِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ غَسْل الْيَدَيْنِ
إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ (1) } .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَضَوْء، وَمُصْطَلَحِ غَسْل فِقْرَة
30) .
السُّنَّةُ فِي غَسْل الْيَدَيْنِ:
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي غَسْل الْيَدَيْنِ
هِيَ الْبِدَايَةُ بِالْيَمِينِ وَمِثْلَهُ فِي الرَّجُلَيْنِ فَعَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنَ فِي تَنَعُّلِهِ
وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ (2) ، وَعَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ
__________
(1) سورة المائدة / 6.
(2) حديث: " كان يعجبه التيمن في تنعله. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 /
269) .
(45/261)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي
طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ (1) .
(ر: تُيَامُن ف 2 وَمَا بَعْدَهَا) .
رَفْعُ الْجَنَابَةِ عَنِ الْيَدِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِدْخَال الْجُنُبِ يَدَهُ فِي
الْمَاءِ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِغَمْسِ يَدِهِ فِي الْمَاءِ رَفْعَ الْحَدَثِ
وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لاَ يُؤَثِّرُ عَلَى طَهُورِيَّةِ
الْمَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَثَرِ إِدْخَال الْجُنُبِ يَدَهُ إِذَا نَوَى
بِالْغَمْسِ رَفْعَ الْحَدَثِ مِنَ الْجَنَابَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الاِسْتِحْسَانِ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى
أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً.
وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا رُوِيَ أَنَّ
الْمِهْرَاسَ. (2) كَانَ يُوضَعُ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهَا مَاءٌ فَكَانَ أَصْحَابُ
الصِّفَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ
بِأَيْدِيهِمْ (3) ، وَلأَِنَّ فِيهِ بَلْوًى وَضَرُورَةً فَقَدْ
__________
(1) حديث: " كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله. . " أخرجه البخاري (فتح
الباري 1 / 523) ، ومسلم (1 / 226) .
(2) المهراس: بكسر الميم حجر مستطيل ينقل ويدق فيه ويتوضأ منه (المصباح
المنير) .
(3) حديث: " أن المهراس كان يوضع على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ". أورده السرخسي في المبسوط (1 / 52) ولم يعزه إلى أي مصدر حديثي.
ولم نهتد لمن أسنده.
(45/261)
لاَ يَجِدُ شَيْئًا يَغْتَرِفُ بِهِ مِنَ
الإِْنَاءِ الْعَظِيمِ فَيَجْعَل يَدَهُ لأَِجْل الْحَاجَةِ
كَالْمِغْرَفَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمُحْدِثِ فَكَذَلِكَ فِي
الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَغْتَسِل أَنَا وَرَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي
حَتَّى أَقُول: دَعْ لِي، دَعْ لِي (1) .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الأَْمَالِي قَال: إِذَا أَدْخَل الْجُنُبُ
يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَإِنْ أَدْخَل
رِجْلَهُ فِي الإِْنَاءِ أَفْسَدَهُ وَهَذَا لِمَعْنَى الْحَاجَةِ، فَفِي
الْبِئْرِ الْحَاجَةُ إِلَى إِدْخَال الرِّجْل لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَجُعِل
عَفْوًا، وَفِي الإِْنَاءِ الْحَاجَةُ إِلَى إِدْخَال الْيَدِ فَلاَ
تُجْعَل الرِّجْل عَفْوًا فِيهِ، وَإِنْ أَدْخَل فِي الْبِئْرِ بَعْضَ
جَسَدِهِ سِوَى الْيَدِ وَالرَّجُل أَفْسَدَهُ لأَِنَّهُ لاَ حَاجَةَ
إِلَيْهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ
الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً.
وَقِيل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ الْمُنْفَصِل عَنِ الْعُضْوِ
لَوْ غُسِل ذَلِكَ الْعُضْوُ بِمَائِعٍ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ أَثَّرَ: أَثَّرَ
هُنَا. (2)
__________
(1) حديث عائشة: " كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم. . " أخرجه
البخاري (فتح الباري 1 / 363) ومسلم (1 / 255) دون قولها: " فيبادرني. . "
فقد أخرجه مسلم في رواية أخرى (1 / 257) .
(2) المبسوط 1 / 52، والمنتقي شرح الموطأ 1 / 107، وشرح الزرقاني 1 / 14،
وفتاوى الرملي 1 / 16، والمغني 1 / 212 - 213، والمجموع 1 / 164، ومغني
المحتاج 1 / 21، والإنصاف 1 / 43.
(45/262)
مَسْحُ الْيَدِ بِالتُّرَابِ فِي
التَّيَمُّمِ:
7 - صِفَةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ
الطَّاهِرِ فَيَنْفُضُهُمَا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ
يَضْرِبُهُمَا كَذَلِكَ وَيَمْسَحُ بِكُل كَفٍّ ظَهْرَ ذِرَاعِ الأُْخْرَى
وَبَاطِنَهَا مَعَ الْمِرْفَقِ، وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ
بِدَلِيل آيَةِ التَّيَمُّمِ.
وَلِمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ (ر:
تَيَمُّم ف 11) .
الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِالْيَدِ:
8 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَسْحِ
عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ بِأَصَابِعِ
الْيَدِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ ف 10) .
هَيْئَةُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ:
9 - اتُّفِقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَوْ يُسْتَحَبُّ
لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ،
لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ
رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ (1) .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ رَفْعِهِمَا، كَمَا ذَكَرُوا أَحْكَامَ
__________
(1) حديث: " كان إذا فتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه " أخرجه البخاري (فتح
الباري 2 / 219) ومسلم (1 / 292) .
(45/262)
وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيَدِ
الْيُسْرَى أَثْنَاءَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ
عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ لِلرَّكْعَةِ
الثَّالِثَةِ، وَكَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَثْنَاءَ الْجُلُوسِ فِي
الصَّلاَةِ، وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ
وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي
مُصْطَلَحِ (صَلاَة ف 57 وَمَا بَعْدَهَا) .
عَدُّ الْمُصَلِّي الآْيَ بِأَصَابِعِ الْيَدِ:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عَدِّ الْمُصَلِّي الآْيِ
بِأَصَابِعِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِعَدِّ الْمُصَلِّي الآْيِ بِأَصَابِعِ الْيَدِ
فِي الصَّلاَةِ فَرْضًا كَانَتِ الصَّلاَةُ أَوْ تَطَوُّعًا، لِمَا رَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُدَّ الآْيَ فِي
الصَّلاَةِ (1) . وَلأَِنَّ الْعَدَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِمُرَاعَاةِ
السُّنَنِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي
قَصَدَ بِعَدِّ الآْيِ إِصْلاَحَ صَلاَتِهِ، أَمَّا لَوْ فَعَلَهُ سَاهِيًا
مِثْل مِنْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلاَةِ تَخَرَّجَ إِيجَابُ السُّجُودِ
عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
__________
(1) حديث عبد الله بن عمرو: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد الآي
في الصلاة " قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 114) : رواه الطبراني وفيه
نصر بن طريف وهو متروك.
(45/263)
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ
فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ عَدُّ الآْيِ فِي الصَّلاَةِ، وَرُوِيَ
عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَرَخَّصَ فِي التَّطَوُّعِ.
وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْل مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاسْتَدَل أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ
كَرَاهَةِ عَدِّ الآْيِ بِالْيَدِ فِي الصَّلاَةِ بِأَنَّ الْعَدَّ
بِالْيَدِ تَرْكٌ لِسُنَّةِ الْيَدِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلأَِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَعْمَال الصَّلاَةِ، فَالْقَلِيل مِنْهُ إِنْ لَمْ يُفْسِدِ
الصَّلاَةَ فَلاَ أَقَل مِنْ أَنْ يُوجِبَ الْكَرَاهَةَ، وَلاَحَاجَةَ
إِلَى الْعَدِّ بِالْيَدِ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ
يَعُدَّ خَارِجَ الصَّلاَةِ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ
وَيُعَيِّنَ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ، أَوْ
يَعُدَّ بِقَلْبِهِ (1) .
عَدُّ التَّسْبِيحِ بِأَصَابِعِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ:
11 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ
الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَانِ " أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي عَدُّ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّ الْعَدَّ
مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِمُرَاعَاةِ السُّنَّةِ فِي عَدَدِ التَّسْبِيحِ
خُصُوصًا فِي صَلاَةِ التَّسْبِيحِ الَّتِي تَوَارَثَتْهَا الأُْمَّةُ.
فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي عَدُّ التَّسْبِيحِ
مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 16، وحاشية ابن عابدين 2 / 165، والإنصاف 2 / 95.
(45/263)
وَنَصَّ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِعَدِّ التَّسْبِيحِ فِي الْفَرْضِ
وَالتَّطَوُّعِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَبْطُل
الصَّلاَةَ بِالْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ
أَصَابِعِهِ فِي سُبَحَةٍ بِلاَ حَرَكَةِ كَفِّهِ، قَال الشِّرْوَانِيُّ:
لَكِنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي
رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ عَدُّ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلاَةِ،
وَاسْتُدِل لأَِبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ لَيْسَ مِنْ
أَعْمَال الصَّلاَةِ، فَالْقَلِيل مِنْهُ إِنْ لَمْ يُفْسِدِ الصَّلاَةَ
فَلاَ أَقَل مِنْ أَنْ يُوجِبَ الْكَرَاهَةَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَوَقُّفَ فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلاَةِ،
يَتَوَالَى لِقِصَرِهِ فَيَتَوَالَى حِسَابُهُ فَيَكْثُرُ الْعَمَل.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ
تُبْطَل بِعَدِّ التَّسْبِيحِ فِيهَا؛ لأَِنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ
مُتَوَالِيَةٌ فَأَشْبَهَتِ الْخُطُوَاتِ. (1)
وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ فِي الصَّلاَةِ:
12 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ فِي
الصَّلاَةِ إِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ كَالتَّثَاؤُبِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ
__________
(1) الإنصاف 2 / 96، وكشاف القناع 1 / 376، والمغني 2 / 12، وبدائع الصنائع
1 / 216، وحاشية ابن عابدين 2 / 165، ومواهب الجليل 1 / 552، وتحفة المحتاج
2 / 154، ومغني المحتاج 1 / 199.
(45/264)
كَظْمَهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ وَضْعُ يَدِهِ
لِدَفْعِ التَّثَاؤُبِ (1) ، لِلأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي
ذَلِكَ، مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
َثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ يَدْخُل (2) .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ
فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُل (3) ،
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ (4) .
13 - أَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ
فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ تَفْصِيلٌ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِظَهْرِ الْيُسْرَى، وَفِي
قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لَوْ كَانَ
قَائِمًا، وَإِلاَّ فَبِيَدِهِ الْيُسْرَى، لأََنَّ التَّغْطِيَةَ
يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِالْيُسْرَى كَالاِمْتِخَاطِ فَإِنْ كَانَ
قَاعِدًا يَسْهُل ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ حَرَكَةُ
الْيَدَيْنِ، بِخِلاَفِ إِذَا كَانَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ
__________
(1) رد المحتار 1 / 433، والمجموع 4 / 100، والفتاوى الهندية 1 / 107،
ومغني المحتاج 1 / 201، والمغني 2 / 12، وكشاف القناع 1 / 373، ومطالب أولي
النهى 1 / 481، والخرشي 1 / 319.
(2) حديث: " إذا تثاوب أحدكم في صلاته. . " أخرجه مسلم (4 / 2293) من حديث
أبي سعيد الخدري.
(3) حديث: " إذا تثاوب أحدكم فليمسك يده على فيه. . " أخرجه مسلم (4 /
2293) من حديث أبي سعيد الخدري.
(4) رواية: " فليضع يده على فمه. . " أخرجه سعيد بن منصور كما في المغني
لابن قدامة (2 / 12) .
(45/264)
مِنْ التَّغْطِيَةُ بِالْيُسْرَى حَرَكَةَ
الْيَمِينِ أَيْضًا لأَِنَّهَا تَحْتَهَا. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَضَعُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَمِهِ لأَِنَّهَا
لِتَنْحِيَةِ الأَْذَى، وَالأَْوْلَى أَنْ يَكُونَ بِظَهْرِهَا لأَِنَّهُ
أَقْوَى فِي الدَّفْعِ عَادَةً، إِلاَّ أَنَّ أِصْل السُّنَّةِ يَحْصُل
بِبَاطِنِ الْيُسْرَى أَوْ بِوَضْعِ الْيُمْنَى. (2)
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ تَكُونُ إِمَّا
بِيُمْنَى مُطْلَقًا أَوْ بِظَاهِرِ الْيُسْرَى لاَ بِبَاطِنِهَا
لِمُلاَقَاةِ الأَْنْجَاسِ. (3)
رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلدُّعَاءِ:
أ - رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ لِلاِسْتِسْقَاءِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ
عِنْدَ الدُّعَاءِ لِلاِسْتِسْقَاءِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَال: أَصَابَ أَهْل الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا هُوَ
يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ
هَلَكَتِ الْكُرَاعُ هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِيَنَا،
فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا، قَال أَنَسٌ: وَإِنَّ َالسَّمَاءَ كَمِثْل
الزُّجَاجَةِ فَهَاجِتْ رِيحٌ أَنَشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ
أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى
أَتَيْنَا
__________
(1) ابن عابدين 1 / 312، 433.
(2) مغني المحتاج 1 / 201، وتحفة المحتاج 2 / 162.
(3) حاشية العدوى على الخرشي 1 / 320.
(45/265)
مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَل نُمْطَرُ إِلَى
الْجُمُعَةِ الأُْخْرَى (1) .
كَمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى
السَّمَاءِ (2) ، قَال الْعُلَمَاءُ: وَهَكَذَا السُّنَّةُ؛ مَنْ دَعَا
لِرَفْعِ الْبَلاَءِ جَعَل ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا
سَأَل اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا جَعَل بَطْنَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ.
(ر: اسْتِسْقَاء ف 19) .
ب ـ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوَتِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ
الْقُنُوتِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي
الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي َمُقَابِل الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ
الْمُصَلِّيَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، لأَِنَّهُ
دُعَاءٌ فِي صَلاَةٍ فَلاَ يُسَنُّ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ قِيَاسًا
عَلَى دُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ وَالتَّشَهُّدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَأَبُو يُوسُفَ
فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ
الْقُنُوتِ مُسْتَحَبٌّ لِلاِتِّبَاعِ، وَلأَِنَّ عَدَدًا، مِنَ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي
الْقُنُوتِ فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صَلَّى
__________
(1) حديث: " أصاب أهل المدينة قحط. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 588)
ومسلم (6 / 612 - 613) واللفظ للبخاري.
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار. . . " أخرجه مسلم
(2 / 612) .
(45/265)
خَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ (1) .
وَكَيْفِيَّةُ رَفْعِهِمَا: أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ حَال
قُنُوتِهِ وَيَبْسُطُهَا وَبُطُونِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ.
وَقَال ابْنُ الْجَلاَّبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ
بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. (2)
ج - مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ دُعَاءِ الْقُنُوتِ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ دُعَاءِ الْقُنُوتِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ
وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَمْسَحُ بِهِمَا
وَجْهَهُ لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خَبَرٌ، وَلأَِنَّهُ دُعَاءٌ فِي
صَلاَةٍ فَلَمْ يُسْتَحَبْ مَسْحُ وَجْهِهِ فِيهِ كَسَائِرِ الأَْدْعِيَةِ
فِي الصَّلاَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل
الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْمَسْحُ لِمَا وَرَدَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفْعَ
يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ
__________
(1) حديث: " أبي رافع أنه صلى خلف عمر. . " أخرجه البيهقي في السنن الكبرى
(7 / 212) .
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 447، والطحطاوي 1 / 280، ومواهب الجليل 1 / 540،
وحاشية العدوي 1 / 239، ومغني المحتاج 1 / 16، والمجموع 3 / 500، والإنصاف
2 / 172.
(45/266)
بِيَدَيْهِ (1) ، وَلأَِنَّهُ دُعَاءٌ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهِ فَاسْتُحِبَّ مَسْحُ وَجْهِهِ بِهِمَا. (2)
(ر: قُنُوت ف 4) .
د - رَفَعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلاَةِ:
17 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلاَةِ رَفْعُ
الْيَدَيْنِ بِحِذَاءِ صَدْرِهِ. (3)
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ فِي هَيْئَةِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ
الدُّعَاءِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الأَْفْضَل أَنْ يَبْسُطَ
كَفَّيْهِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ. وَقَالُوا: لاَ يَضَعُ إِحْدَى
يَدَيْهِ عَلَى الأُْخْرَى فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ عُذْرٍ أَوْ بَرْدٍ
شَدِيدٍ فَأَشَارَ بِالْمِسْبَحَةِ قَامَ مَقَامَ بَسْطِ كَفَّيْهِ. (4)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي
الدُّعَاءِ لِلاِتِّبَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَل ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى
__________
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه
بيديه " أخرجه أبو داود (2 / 166) وفي إسناده راو مجهول كما في الميزان
للذهبي (1 / 569) .
(2) مغني المحتاج 1 / 167، الإنصاف 2 / 172، والمغني 2 / 154، وحاشية
الطحطاوي 1 / 280.
(3) الفتاوى الهندية 5 / 318، ومغني المحتاج 1 / 167، وكشاف القناع 1 /
367، والفواكه الدواني 2 / 430، والمنتقى 1 / 289.
(4) الفتاوى الهندية 5 / 318.
(45/266)
اَلسَّمَاءِ إِنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلاَءٍ،
وَعَكْسَهُ إِنْ دَعَا لِتَحْصِيل شَيْءٍ. (1)
وَنَصَّ اَلْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ آدَابِ اَلدُّعَاءِ بَسْطَ
يَدَيْهِ وَرَفْعَهُمَا إِلَى صَدْرِهِ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ يَسارٍ عَنِ
اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَأَلْتُمُ
اَللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلاَ تَسْأَلُوهُ
بِظُهُورِهَا (2) ، وَتَكُونُ يَدَاهُ مَضْمُومَتَيْنِ. (3)
وَيَرَى اَلْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ اَلدَّاعِيَ لاَ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ عِنْدَ اَلدُّعَاءِ خَارِجَ اَلصَّلاَةِ. (4)
هـ ـ مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الدُّعَاءِ خَارِجَ
الصَّلاَةِ:
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ
الاِنْتِهَاءِ مِنَ الدُّعَاءِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ مَنْ يَدْعُو
خَارِجَ الصَّلاَةِ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ
الدُّعَاءِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 167، وتحفة المحتاج 1 / 486.
(2) حديث: " إذا سألتم الله فسألوه ببطون أكفكم. . " أخرجه أبو داود (2 /
165) .
(3) كشاف القناع 1 / 367.
(4) الفواكه الدواني 2 / 430، والمدونة 1 / 68.
(45/267)
بِلَفْظِ " قِيل ": إِنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ
بِالْيَدَيْنِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. (1)
مَسُّ الْغَاسِل عَوْرَةَ الْمَيِّتِ بِيَدِهِ:
19 - يَرَى الْفُقَهَاءُ حُرْمَةَ مَسِّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ
الْغَاسِل إِذَا أَرَادَ تَغْسِيل الْمَيِّتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَلُفَّ
عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً، وَأَنْ يَضَعَ عَلَى عَوْرَةِ الْمَيِّتِ
خِرْقَةً حَتَّى لاَ يُفْضِيَ بِيَدِهِ إِلَى الْعَوْرَةِ الْمُحَرَّمَةِ؛
لأَِنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ فَاللَّمْسُ أَوْلَى.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا
إِذَا اضْطُرَّ الْغَاسِل إِلَى الإِْفْضَاءِ، فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ
مَسُّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ بِيَدِهِ مُبَاشَرَةً مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ (2)
.
وَأَمَّا تَغْسِيل الرِّجَال وَالنِّسَاءِ لِلأَْطْفَال الصِّغَارِ وَمَسُّ
عَوْرَتِهِمْ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي
(تَغْسِيل الْمَيِّتِ ف 16 ـ 17) .
رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ صَلاَةَ
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 318، والإنصاف 2 / 173 والمغني لابن قدامة 2 /
154، ومغني المحتاج 1 / 167، وتحفة المحتاج 1 / 486، والفواكه الدواني 2 /
430.
(2) بدائع الصنائع 1 / 300، وحاشية الدسوقي 1 / 416، والمجموع 5 / 165،
ومغني المحتاج 1 / 333، والمغني 2 / 456 - 457، والإنصاف 2 / 486 - 487.
(45/267)
الْجِنَازَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُْولَى.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
- وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ -
إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُل تَكْبِيرَةٍ.
وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلاَ مَالِكٌ فِي
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ - وَهِيَ الرَّاجِحَةُ عِنْدَهُمْ - رَفْعَ
الْيَدَيْنِ فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ.
رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ:
21 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ
الْبَيْتِ الْحَرَامِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ
وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ
وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ
الْبَيْتِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ: لاَ
تُرْفَعُ الأَْيْدِي إِلاَّ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ
الصَّلاَةَ، وَحِينَ يَدْخُل الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيَنْظُرُ إِلَى
الْبَيْتِ، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الصَّفَا، وَحِينَ يَقُومَ عَلَى
الْمَرْوَةِ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ،
(45/268)
وَبِجَمْعٍ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ
يَرْمِي الْجَمْرَةَ (1) .
وَبِأَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقَدْ
أُمِرَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ
لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، قَال الْقَارِّيُّ فِي
شَرْحِهِ: لاَ يَرْفَعُ وَلَوْ حَال دُعَائِهِ لأَِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي
الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، قَال السُّرُوجِيُّ: الْمَذْهَبُ
تَرْكُهُ، وَصَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا
الثَّلاَثَةِ. (2)
اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ بِالْيَدَيْنِ أَوِ الإِْشَارَةُ
إِلَيْهِ:
22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الطَّائِفَ بِالْبَيْتِ يَسْتَقْبِل
الْحَجَرَ الأَْسْوَدَ وَيَسْتَلِمُهُ بِأَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ،
لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الطَّائِفُ زِحَامًا فَيَتَجَنَّبُ الإِْيذَاءَ
وَيَكْتَفِي بِالإِْشَارَةِ إِلَى الْحَجَرِ بِيَدَيْهِ؛ لأَِنَّ
اسْتِلاَمَ الْحَجَرِ سُنَّةٌ وَإِيذَاءَ النَّاسِ حَرَامٌ يَجِبُ
تَرْكُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ ف 2، رُكْنٌ ف 17،
18، طَوَافٌ ف 53) .
__________
(1) حديث: " لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن. . " أخرجه الطبراني في
المعجم الكبير (11 / 385) ونقل الزيلعي في نصب الراية (1 / 390) عن شعبة
أنه أعله بالانقطاع في إسناده.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 165، وروضة الطالبين 3 / 76، والمغني لابن قدامة
3 / 369، وكشاف القناع 2 / 476، حاشية الفدوي على شرح الرسالة 1 / 464.
(45/268)
رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ:
23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ
الاِرْتِقَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ يَسْعَى
أَنْ يَصْعَدَ عَلَى الصَّفَا، وَيَسْتَقْبِل الْبَيْتَ، وَيَرْفَعَ
يَدَيْهِ، وَيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوَ
بِمَا شَاءَ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلاَ عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ
إِلَى الْبَيْتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَل يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو
بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ (1) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ رَفْعِ الأَْيْدِي عِنْدَ
الصَّفَا أَحَبُّ إِلَى الإِْمَامِ مَالِكٍ، قَال الْقَرَافِيُّ: تَرْكُ
رَفْعِ الأَْيْدِي أَحَبُّ إِلَى مَالِكٍ فِي كُل شَيْءٍ إِلاَّ فِي
ابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ. (2)
تَقْلِيمُ أَظْفَارِ الْيَدِ:
24 - تَقْلِيمُ أَظْفَارِ الْيَدِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِلرَّجُل
__________
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه. . " أخرجه مسلم
(3 / 1407) .
(2) هداية السالك لابن جماعة 2 / 875 - 879، والفتاوى الهندية 1 / 266،
والذخيرة 3 / 251، وكشاف القناع 2 / 486، والفروع 3 / 504، ومطالب أولي
النهى 2 / 404 - 405.
(45/269)
وَالْمَرْأَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ خَمْسٌ مِنَ
الْفِطْرَةِ -: الْخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الإِْبْطِ
وَتَقْلِيمُ الأَْظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ (1) .
(ر: أَظْفَارٌ ف 2 ـ 3) .
خِضَابُ الْيَدَيْنِ بِالْحِنَّاءِ:
25 - يُسْتَحَبُّ خِضَابُ الْيَدَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِلْمُتَزَوِّجَةِ
مِنَ النِّسَاءِ لِلأَْحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ، وَهُوَ حَرَامٌ
عَلَى الرِّجَال عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ
مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ لِحَاجَةِ التَّدَاوِي
وَنَحْوِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ: لَعَنَ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ
الرِّجَال بِالنِّسَاءِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ فِي
قَوْلٍ إِلَى كَرَاهَةِ اخْتِضَابِ الْيَدَيْنِ لِلرَّجُل (3) .
__________
(1) حديث: " الفطرة خمس - أو خمس من الفطرة. . " أخرجه البخاري (فتح الباري
10 / 334) ومسلم (1 / 221) .
(2) حديث: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء
" أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 332) .
(3) حاشية ابن عابدين 5 / 271، وحاشية العدوي 2 / 411، والقوانين الفقهية ص
442، ومغني المحتاج 4 / 296، وكشاف القناع 1 / 283، 2 / 239 والآداب
الشرعية 3 / 537، والإنصاف 3 / 152.
(45/269)
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ
(اخْتِضَابٌ ف 12، تَشَبُّهٌ ف 17) .
غَسْل الْيَدَيْنِ قَبْل الأَْكْل وَبَعْدَهُ:
4 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْل الْيَدَيْنِ
بَعْدَ الأَْكْل، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ
بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إِذَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ (1) ،
وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَاتَ وَفِي
يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ
(2) .
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ نَدْبَ غَسْل الْيَدَيْنِ مِنْ أَكْل مَا لَهُ
دَسَمٌ، وَمَا لاَ دَسَمَ لَهُ فَلاَ يُنْدَبُ غَسْل الْيَدَيْنِ مِنْ
أَكْلِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ غَسْل الْيَدَيْنِ قَبْل الأَْكْل، كَمَا
أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
وَالنَّفْرَاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْل
الْيَدَيْنِ قَبْل الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ؛ لِمَا رُوِيَ
مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ
أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إِذَا
حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ.
__________
(1) حديث: " من أحب أن يكثر الله خير بيته. . " أخرجه ابن ماجه (2 / 1085)
وضعف البوصيري في مصباح الزجاجة لضعف الروايتين في إسناده (2 / 174 - ط
الجنان) .
(2) حديث: " من بات وفي يده ريح غمر. . " أخرجه الترمذي (4 / 289) من حديث
أبي هريرة وقال: حديث حسن غريب.
(45/270)
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ
عَلَى أَنَّ غَسْل الْيَدِ قَبْل الطَّعَامِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ إِلاَّ
أَنْ يَكُونَ بِهَا أَذًى، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الأَْذَى نَجِسًا يَجِبُ
الْغَسْل، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا يُنْدَبُ الْغَسْل. (1)
27 - أَمَّا غَسْل الْجُنُبِ يَدَيْهِ قَبْل الأَْكْل، فَذَهَبَ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ الْوُضُوءُ عِنْدَ إِرَادَةِ الأَْكْل
وَالشُّرْبِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ
أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ (2) .
28 - ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ مِنَ
الْوُضُوءِ:
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ وُضُوءُ
الصَّلاَةِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ
أَيْ غَسْل الْيَدَيْنِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
أَرَادَ أَنْ يَأْكُل وَهُوَ جُنُبٌ غَسَل يَدَيْهِ (3) .
__________
(1) البحر الرائق 8 / 208 - 209، والفواكه الدواني 2 / 419 - 420، والعدوى
على الخرشي 1 / 159. والمغني 7 / 14، وكشاف القناع 5 / 172، ومغني المحتاج
3 / 450.
(2) حديث: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا. . " أخرجه
مسلم (1 / 248) .
(3) حديث: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب
غسل يديه. . " أخرجه النسائي (1 / 139) والدارقطني (1 / 126) وقال
الدارقطني: صحيح.
(45/270)
قَال فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَعَلَيْهِ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ - رَجُلاً
كَانَ أَوِ امْرَأَةً - أَنْ يَأْكُل طَعَامًا أَوْ شَرَابًا قَبْل غَسْل
الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ، وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الأَْكْل وَالشُّرْبُ
لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ بِلاَ وُضُوءٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْجُنُبِ وُضُوءٌ
عِنْدَ إِرَادَةِ الأَْكْل وَالشُّرْبِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْل
يَدَيْهِ مِنَ الأَْذَى إِذَا أَرَادَ الأَْكْل. (1)
(ر: وُضُوءٌ ف 22) .
غَسْل الْيَدِ بِالنُّخَالَةِ أَوِ الدَّقِيقِ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِغَسْل الْيَدَيْنِ بِالنُّخَالَةِ؛ لأَِنَّهَا
لَيْسَتْ قُوتًا.
أَمَّا غَسْل الْيَدَيْنِ بِالدَّقِيقِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ
لِتَوَارُثِ النَّاسِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي
الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يُكْرَهُ غَسْل الْيَدَيْنِ بِالطَّعَامِ ـ وَهُوَ
الْقُوتُ ـ وَلَوْ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلاَءَ،
وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ
إِهَانَةِ الطَّعَامِ.
__________
(1) تكملة البحر الرائق 8 / 209، والمدونة 1 / 37، والمغني 1 / 229، ومغني
المحتاج 1 / 63.
(45/271)
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالطَّعَامِ
النُّخَالَةَ الْمُسْتَخْرَجَةَ مِنَ الْقَمْحِ، بِخِلاَفِ نُخَالَةِ
الشَّعِيرِ حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ كَرَاهَةِ الْغَسْل بِهَا.
وَلِلْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ آخَرُ جَاءَ فِي الآْدَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ
يَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُ الْغَسْل بِمَطْعُومٍ. (1)
مَسْحُ الأَْيْدِي بِالْوَرَقِ:
30 - يُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِعْمَال الْكَاغَدِ (الْوَرَقِ)
غَيْرِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ فِي مَسْحِ الْيَدَيْنِ فِي وَلِيمَةٍ أَوْ
غَيْرِهَا، إِذَا كَانَ هَذَا الْوَرَقُ يَصْلُحُ لِلْكِتَابَةِ لِكَوْنِهِ
لِلْكِتَابَةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ لِلْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ
لاَ يُكْرَهُ. (2)
الأَْكْل بِأَصَابِعِ الْيَدِ:
31 - يُسَنُّ الأَْكْل بِثَلاَثَةِ أَصَابِعَ، هَذَا إِنْ أَكَل بِيَدِهِ،
وَلاَ بَأْسَ بِاسْتِعْمَال الْمِلْعَقَةِ وَنَحْوِهَا. (3)
وَالتَّفْصِيل فِي (أَكْلٌ ف 17) .
لَعْقُ الأَْصَابِعِ بَعْدَ الأَْكْل:
32 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ
__________
(1) تكملة البحر الرائق 8 / 209، والفتاوى الهندية 5 / 337، والفواكه
الدواني 2 / 322، وإحياء علوم الدين 2 / 7، والإنصاف 8 / 325، وكشاف القناع
5 / 172 - 173، وتحفة المحتاج 1 / 178، وحاشية عميرة على شرح المنهاج 1 /
43.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 227، والفتاوى الهندية 5 / 322.
(3) الإنصاف 8 / 121.
(45/271)
لَعْقَ الأَْصَابِعِ بَعْدَ الأَْكْل
وَقَبْل الْمَسْحِ بِالْمَنْدِيل سُنَّةٌ؛ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: " إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ
فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ
الْبَرَكَةُ " (1) .
وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَال: إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ طَعَامَهُ فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى
يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا (2) .
وَلِمَعْرِفَةِ حُكْمِ الأَْكْل بِالأَْصَابِعِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ
(أَكْلٌ ف 17) .
الاِتِّكَاءُ بِالْيَدِ أَثْنَاءَ الأَْكْل:
33 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالأَْكْل مُتَّكِئًا
إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّكَبُّرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: هُوَ
الْمُخْتَارُ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيِّةِ: يُكْرَهُ الأَْكْل وَالشُّرْبُ
مُتَّكِئًا أَوْ وَاضِعًا شِمَالَهُ عَلَى الأَْرْضِ أَوْ مُسْتَنِدًا. (3)
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الأَْكْل مُتَّكِئًا، وَفَسَّرُوا
الاِتِّكَاءَ بِأَنْ يَأْكُل مَائِلاً عَلَى مِرْفَقِهِ
__________
(1) حديث: " إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه. . " أخرجه مسلم (3 / 1607) من
حديث أبي هريرة.
(2) حديث: " إذا أكل أحدكم طعاما. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 577)
ومسلم (3 / 1605) من حديث ابن عباس وتفرد مسلم بزيادة قوله: " طعاما ".
(3) الفتاوى الهندية 5 / 337.
(45/272)
الأَْيْسَرِ، وَقِيل: مُتَرَبِّعًا. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُكْرَهُ الأَْكْل مُتَّكِئًا، قَال
الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ الْجَالِسُ مُعْتَمِدًا عَلَى وِطَاءٍ تَحْتَهُ،
كَقُعُودِ مَنْ يُرِيدُ الإِْكْثَارَ مِنَ الطَّعَامِ، وَأَشَارَ غَيْرُهُ
إِلَى أَنَّهُ الْمَائِل إِلَى جَنْبِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُضْطَجِعُ
بِالأَْوْلَى. (2)
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ على أَنَّهُ يُكْرَهُ الأَْكْل مُضْطَجِعًا. (3)
الاِسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ:
لاِسْتِمْنَاءِ الرَّجُل بِيَدِهِ حَالاَتٌ:
الْحَالَةُ الأُْولَى: الاِسْتِمْنَاءُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ:
34 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اسْتِمْنَاءِ الرَّجُل بِيَدِهِ
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي
الْمَذْهَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الاِسْتِمْنَاءَ
مُحَرَّمٌ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ (4) } .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ
وَعَطَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْكَرَاهَةَ
__________
(1) الفواكه الدواني 2 / 418، والشرح الصغير 4 / 755.
(2) مغني المحتاج 3 / 250 وأسنى المطالب 3 / 228.
(3) الإنصاف 8 / 328، والفروع 5 / 301.
(4) سورة المؤمنون / 5 والمعارج / 29.
(45/272)
بِالتَّحْرِيمِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ
مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا.
وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ: لاَ يُعْجِبُنِي
بِلاَ ضَرُورَةٍ. (1)
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الاِسْتِمْنَاءُ لِخَوْفِ الزِّنَا:
35 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الاِسْتِمْنَاءِ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ
مَنِ اسْتَمْنَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَبَّرَ
الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الْمَطْلَبِ بِقَوْلِهِمُ: الرَّجَاءُ أَلاَّ
يُعَاقَبَ.
قَال الْمِرْدَاوِيُّ: لَوْ قِيل بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
لَكَانَ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ، بَل أَوْلَى لأَِنَّهُ أَخَفُّ، وَعَنْ
أَحْمَدَ: يُكْرَهُ.
قَال مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَغْنُوا
بِالاِسْتِمْنَاءِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ
وَلَوْ خَافَ الزِّنَا؛ لأَِنَّ الْفَرْجَ مَعَ إِبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ
لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَقَدْ جَعَل الشَّارِعُ
الصَّوْمَ بَدَلاً مِنَ النِّكَاحِ، وَالاِحْتِلاَمُ مُزِيلٌ لِشِدَّةِ
الشَّبَقِ، مُفَتِّرٌ لِلشَّهْوَةِ.
__________
(1) تحفة المحتاج 1 / 389، ونهاية المحتاج 1 / 312، وحاشية ابن عابدين 2 /
100 ـ 101، وتبيين الحقائق 1 / 323، وفتح القدير 2 / 330، والمغني 3 / 113،
والإنصاف 10 / 251، وكشاف القناع 6 / 125، وحاشية العدوي على الخرشي 2 /
359.
(45/273)
وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ
الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ يُحَرِّمُونَ الاِسْتِمْنَاءَ إِلاَّ إِذَا
تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الزِّنَا. (1)
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: الاِسْتِمْنَاءُ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ طَرِيقًا
لِدَفْعِ الزِّنَا:
36 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى
جَوَازِ الاِسْتِمْنَاءِ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْخَلاَصِ بِهِ مِنَ
الزِّنَا.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ اسْتِمْنَاءَ الشَّخْصِ بِيَدِهِ
حَرَامٌ، خَشِيَ الزِّنَا أَمْ لاَ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ
الزِّنَا إِلاَّ بِالاِسْتِمْنَاءِ قَدَّمَهُ عَلَى الزِّنَا ارْتِكَابًا
لأَِخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ. (2)
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: الاِسْتِمْنَاءُ عَنْ طَرِيقِ يَدِ الزَّوْجَةِ:
37 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةُ
وَالْحَنَفِيَّةُ فِي رَأْيٍ وَالشَّافِعِيَّةُ - عَدَا الْقَاضِي
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 100 ـ 101، وتبيين الحقائق 1 / 323، وفتح القدير
2 / 320، وحاشية العدوي على الخرشي 2 / 359، والإنصاف 10 / 251 ـ 252،
وكشاف القناع 6 / 125، وتحفة المحتاج 1 / 389، ونهاية المحتاج 1 / 312.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 100 ـ 101، وتبيين الحقائق 1 / 323، وفتح القدير
2 / 320، والإنصاف 10 / 251 ـ 252، وكشاف القناع 6 / 125، وتحفة المحتاج 1
/ 389، ونهاية المحتاج 1 / 312، وحاشية العدوي على الخرشي 2 / 359.
(45/273)
حُسَيْنٍ - جَوَازَ الاِسْتِمْنَاءِ بِيَدِ
الزَّوْجَةِ؛ لأَِنَّهَا مَحَل اسْتِمْتَاعِهِ كَمَا لَوْ أَنْزَل
بِتَفْخِيذٍ أَوْ تَبْطِينٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّأْيِ الآْخَرِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الاِسْتِمْنَاءُ بِيَدِ
الزَّوْجَةِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ
تَنْزِيهِيَّةٌ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْزَل بِتَفْخِيذٍ
أَوْ تَبْطِينٍ.
وَقَال الْقَاضِي: لَوْ غَمَزَتِ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا بِيَدِهَا
كُرِهَ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ إِذَا أَمْنَى؛ لأَِنَّهُ يُشْبِهُ
الْعَزْل وَالْعَزْل مَكْرُوهٌ.
وَمُقَابِل الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الاِسْتِمْنَاءَ
بِيَدِ الزَّوْجَةِ لاَ يَجُوزُ. (1)
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَثَرِ الاِسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ عَلَى الصَّوْمِ
وَالاِعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُنْظَرُ (اسْتِمْنَاءٌ ف 8 ـ
13) .
نَظَرُ الرَّجُل إِلَى يَدِ الْمَرْأَةِ:
38 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُل
الأَْجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى كَفَّيِ الْمَرْأَةِ إِنْ لَمْ يَخَفِ
الشَّهْوَةَ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَظَرٌ ف 3 ـ 7) .
__________
(1) ابن عابدين 2 / 100، والخرشي 1 / 208، والدسوقي 1 / 173، ونهاية
المحتاج 3 / 169، ونهاية الزين في إرشاد المبتدئين ص 349، والقليوبي 4 /
40، وروضة الطالبين 10 / 91، ومطالب أولي النهى 6 / 225.
(45/274)
الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ:
39 - مُصَافَحَةُ الرَّجُل لِلرَّجُل وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ
مُسْتَحَبَّةٌ لِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى
الْمُصَافَحَةِ، مِنْهَا قَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ
غُفِرَ لَهُمَا قَبْل أَنْ يَتَفَرَّقَا (1) .
أَمَّا مُصَافَحَةُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فَقَدِ
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي
(مُصَافَحَةٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
تَقْبِيل الْيَدِ:
40 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْبِيل الْيَدِ عَلَى أَقْوَالٍ،
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَقْبِيلٌ ف 7، 8، 11) .
الْجِنَايَةُ عَلَى الْيَدِ:
41 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُؤْخَذُ الْيَدُ بِالْيَدِ فِي
الْعَمْدِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ التَّفَاوُتُ فِي الْحَجْمِ إِذَا تَوَافَرَتْ
شُرُوطُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ف
3 - 16) .
__________
(1) حديث: " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان. . " أخرجه أبو داود (5 / 388)
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3 / 422) إسناد هذا الحديث فيه اضطراب.
(45/274)
دِيَةُ الْيَدِ:
42 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَطْعِ
الْيَدَيْنِ إِذَا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، وَيَجِبُ نِصْفُهَا فِي قَطْعِ
إِحَدَاهُمَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 43) .
دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ:
43 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ فِي قَطْعِ أَوْ قَلْعِ أَصَابِعِ
الْيَدَيْنِ الْعَشَرَةِ دِيَةً كَامِلَةً، وَفِي قَطْعِ كُل أُصْبُعٍ مِنْ
أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 53) .
قَطْعُ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ:
44 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ السَّارِقِ قَطْعُ
يَدِهِ إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ الْقَطْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا
كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1) } .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 62 - 70) .
قَطْعُ الْيَدِ فِي الْحِرَابَةِ:
45 - مِنْ عُقُوبَاتِ جَرِيمَةِ الْحِرَابَةِ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْل
مِنْ خِلاَفٍ.
__________
(1) سورة المائدة / 38.
(45/275)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حِرَابَةٌ ف
17 وَمَا بَعْدَهَا) .
الْقَذْفُ بِزِنَا الْيَدِ:
46 - الْقَذْفُ بِزِنَا الْيَدِ كَأَنْ قَال لِغَيْرِهِ: زَنَتْ يَدُكَ،
اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ هَذَا
اللَّفْظِ لَفْظًا صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ أَوْ تَعْرِيضًا بِهِ، فَذَهَبَ
الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي
الْمَذْهَبِ كَذَلِكَ، وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ
حَدَّ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْقَائِل إِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ
بِهَذَا اللَّفْظِ كَانَ قَاذِفًا، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ
إِلَى أَنَّ قَوْل شَخْصٍ لِغَيْرِهِ: " زَنَتْ يَدُكَ " صَرِيحٌ فِي
الْقَذْفِ إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَذَلِكَ قِيَاسًا
عَلَى الْفَرْجِ، وَلأَِنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إِلَى عُضْوٍ مِنْ
أَعْضَائِهَا.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّ قَوْل شَخْصٍ لِغَيْرِهِ:
" زَنَتْ يَدُكَ " مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْرِيضِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ
يُوجِبُونَ الْحَدَّ عَلَى قَائِلِهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى
التَّعْرِيضِ، أَوْ أُشْكِل الأَْمْرُ.
أَمَّا إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى الاِعْتِذَارِ فَلاَ حَدَّ.
وَهَذَا الْقَوْل إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْرِيضِ إِذَا
أَرَادَ بِالْيَدِ حَقِيقَةَ الْيَدِ، أَمَّا إِذَا أَرَادَ بِالْيَدِ
ذَاتَ
(45/275)
الشَّخْصِ الْمَقْذُوفِ فَإِنَّهُ مِنَ
الصَّرِيحِ عِنْدَهُمْ. (1)
التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا فِي الْيَدِ:
47 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل
التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ فِي الْيَدِ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ
يَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّخَاذُ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِجَمِيعِ أَشْكَالِهِ،
وَاسْتَثْنَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إِذَا
دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى اتِّخَاذِهِ كَاتِّخَاذِ يَدٍ أَوْ عُضْوٍ آخَرَ
مِنَ الذَّهَبِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا اتِّخَاذُ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِجَمِيعِ
أَنْوَاعِهِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُل
التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي يَدِهِ بَأَنْ يَتَّخِذَهَا خَاتَمًا لَهُ،
وَاخْتَلَفُوا فِي تَحَلِّي الرَّجُل بِالْفِضَّةِ فِيمَا عَدَا
الْخَاتَمَ.
وَالتَّفْصِيل فِي (ذَهَبٌ فِي 4 ـ 6، وَحُلِيٌّ ف 6، وَتَخَتُّمٌ ف 8، 9)
.
أَمَّا التَّحَلِّي بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْيَدِ
فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ،
__________
(1) الفتاوى الهندية 20 / 162، والمبسوط 9 / 121، ومنح الجليل 9 / 278،
والخرشي وحاشية العدوي 8 / 88، والدسوقي 4 / 328، وطرح التثريب 8 / 21،
وشرح البهجة 4 / 230، ومغني المحتاج 3 / 370، والإنصاف 10 / 212، 213،
وكشاف القناع 6 / 111.
(45/276)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ
(حُلِيٌّ ف 8، تَخَتُّمٌ ف 10) .
ثَانِيًا: الْيَدُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ
الْيَدُ فِي الْحِيَازَةِ:
48 - الْيَدُ مِمَّا يُسْتَدَل بِهِ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ، فَإِذَا ادَّعَى
وَاضِعُ الْيَدِ الَّذِي تَلَقَّى الأَْرْضَ شِرَاءً أَوْ إِرْثًا أَوْ
غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّهُ
يُؤَدِّي خَرَاجَهَا فَالْقَوْل لَهُ، وَعَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي
الْمِلْكِ الْبُرْهَانُ إِنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ شَرْعًا،
وَاسْتُوْفِيَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حِيَازَةٌ ف 6، وَتَنَازُعٌ بِالأَْيْدِي ف
2) .
كَمَا وَيُنْظَرُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ، وَمِنْهَا وَضْعُ الْيَدِ ـ
سَوَاءٌ أَكَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ يَدِ غَيْرِهِمَا،
أَوْ يَدِهِمَا مَعًا - مُصْطَلَحُ (شَهَادَةٌ ف 55 ـ 58، تَنَازُعٌ
بِالأَْيْدِي ف 2) .
تَقْدِيمُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي إِثْبَاتِ نَسَبِ اللَّقِيطِ:
49 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ ادَّعَى اللَّقِيطَ اثْنَانِ، وَكَانَ
لأَِحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ قُدِّمَ، كَذَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ
وَالْقَفَّال، وَالأَْشْبَهُ إِنْ كَانَتْ يَدَ الْتِقَاطٍ لَمْ يُؤَثِّرْ،
وَإِلاَّ فَيُقَدَّمُ إِنْ سَبَقَ دَعْوَاهُ، وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ:
(45/276)
أَصَحُّهُمَا: يَسْتَوِيَانِ، فَيُعْرَضُ
عَلَى الْقَائِفِ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (لَقِيطٌ ف 11 وَمَا بَعْدَهَا) .
جَعْل الزَّوْجِ الأَْمْرَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ:
50 - إِذَا قَال الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: " أَمْرُكِ بِيَدِكِ " كَانَ
تَفْوِيضًا فِي الطَّلاَقِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَفْوِيضٌ ف 9 ـ 12) .
يَدُ الأَْمَانَةِ وَيَدُ الضَّمَانِ:
51 - الْمُرَادُ بِيَدِ الأَْمَانَةِ يَدٌ مُؤْتَمَنَةٌ قَبَضَتِ الْمَال
بِإِذْنِ الْمَالِكِ، لاَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَل وَالْوَثِيقَةِ.
وَالْمُرَادُ بِيَدِ الضَّمَانِ هِيَ يَدٌ قَبَضَتِ الْمَال بِغَيْرِ
إِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ عَلَى سَبِيل الْمُبَادَلَةِ، أَوْ عَلَى سَبِيل
التَّوْثِيقِ.
وَلِمَعْرِفَةِ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِيَدِ الأَْمَانَةِ وَيَدِ
الضَّمَانِ وَخِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي تَطْبِيقَاتِهَا (ر: ضَمَانٌ ف 17،
26 وَمَا بَعْدَهَا) .
يَرْبُوعٌ
انْظُرْ: أَطْعِمَةٌ
(45/277)
يَسَارٌ
التَّعْرِيفُ:
1 ـ يُطْلَقُ الْيَسَارُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْغِنَى وَالسَّعَةِ،
يُقَال: أَيْسَرَ الرَّجُل إِيسَارًا: صَارَ ذَا مَالٍ، وَجَاءَ فِي
لِسَانِ الْعَرَبِ: الْيَسَارُ وَالْيُسْرُ وَالْمَيْسَرَةُ كُل هَذَا
بِمَعْنَى: الْغِنَى وَالسَّعَةُ. وَفِي التَّنْزِيل: {وَإِنْ كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (1) } ، وَالْيُسْرُ ضِدُّ
الْعُسْرِ، وَفِي التَّنْزِيل: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (2) } .
كَمَا يُطْلَقُ الْيَسَارُ عَلَى الْجَارِحَةِ أُخْتِ الْيَمِينِ (3) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(4) .
__________
(1) سورة البقرة / 280.
(2) سورة الشرح / 6.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، وتفسير القرطبي 3 / 373، 20 / 107.
(4) القليوبي 4 / 70.
(45/277)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أـ الْغِنَى:
2 ـ الْغِنَى فِي اللُّغَةِ: السَّعَةُ فِي الْمَال، يُقَال: أَغْنَى
اللَّهُ الرَّجُل حَتَّى غَنِيَ: صَارَ ذَا مَالٍ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْيَسَارِ عَنِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْغِنَى: الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ.
ب ـ الإِْعْسَارُ:
3 ـ الإِْعْسَارُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَعْسَرَ وَهُوَ ضِدُّ
الْيَسَارِ.
وَالْعُسْرَةُ: قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ الإِْعْسَارُ (2) .
والإِْعْسَارُ فِي الاِصْطِلاَحِ: عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفَقَةِ
أَوْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ بِمَالٍ وَلاَ كَسْبٍ.
وَقِيل: هُوَ زِيَادَةُ خَرْجِهِ عَنْ دَخْلِهِ (3) .
وَالْيَسَارُ بِأَحَدِ مَعَانِيهِ ضِدُّ الإِْعْسَارِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْيَسَارِ:
أَوَّلاً: الْيَسَارُ بِمَعْنَى الْغِنَى وَالسَّعَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَسَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ مِنْهَا:
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير
(2) لسان العرب.
(3) المهذب 2 / 1662، والقليوبي وعميرة 4 / 70.
(45/278)
الأَْوَّل: طَلَبُ الْيَسَارِ وَالسَّعْيُ
لِتَحْصِيلِهِ:
4 ـ طَلَبُ الْيَسَارِ وَالسَّعْيُ لِتَحْصِيلِهِ مَشْرُوعٌ، وَفِي
التَّنْزِيل آيَاتٌ تَحُثُّ الْمُسْلِمَ عَلَى السَّعْيِ لِطَلَبِ
الرِّزْقِ وَكَسْبِ الْمَال بِالْوَسَائِل الْمَشْرُوعَةِ، قَال تَعَالَى:
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا
مِنْ فَضْل اللَّهِ (1) } .
وَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ
رِزْقِهِ (2) } .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: عَلَى كُل مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ،
قِيل: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَال: يَعْتَمِل بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ
نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَال: قِيل: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟
قَال: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ، قَال: قِيل لَهُ: أَرَأَيْتَ
إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ،
قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَل؟ قَال: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ،
فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ (3) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: سُئِل
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْيَبِ
الْكَسْبِ، قَال: عَمَل الرَّجُل بِيَدِهِ، وَكُل بَيْعٍ مَبْرُورٍ. (4)
__________
(1) سورة الجمعة / 10.
(2) سورة الملك / 15.
(3) حديث: " على كل مسلم صدقة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 447) ومسلم
(2 / 699) واللفظ لمسلم.
(4) حديث: " سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أطيب
الكسب. . " أخرجه الطبراني في الأوسط (3 / 82 ـ ط المعارف) ، وأورده
الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 61) قوال رواه الطبراني في الأوسط الكبير،
ورجاله ثقات.
(45/278)
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ
كَسْبِكُمْ (1) .
وَالأَْصْل فِي طَلَبِ الْيَسَارِ الإِْبَاحَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا
أَوْ مَكْرُوهًا (2) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (اكْتِسَابٌ ف 4 ـ 6، وَغِنًى ف 6 ـ 8، كَسْبٌ 7 - 8) .
الثَّانِي: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
5 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ
فِي النِّكَاحِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ،
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ ـ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ
الأَْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ـ إِلَى اعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي
الْكَفَاءَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ
وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي
الْكَفَاءَةِ (3) .
__________
(1) حديث: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. . " أخرجه الترمذي (3 / 630) وقال:
حديث حسن صحيح.
(2) انظر الاختيار 4 / 172.
(3) تبيين الحقائق 2 / 130، وحاشية الدسوقي 2 / 249، والخرشي 3 / 250،
ومغني المحتاج 3 / 167، والإنصاف 8 / 108، والمغني لابن قدامة 6 / 484 ـ
485.
(45/279)
(ر: كَفَاءَةٌ ف 11، وَغِنًى ف 23) .
الثَّالِثُ: أَثَرُ الْيَسَارِ فِي النَّفَقَةِ:
أ - أَثَرُ الْيَسَارِ فِي النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ:
6 ـ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ
وَنَوْعِهَا، فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهَا وَنَوْعُهَا بِيُسْرِ الزَّوْجِ
وَعُسْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (1) }
.
وَقَوْلِهِ جَل شَأْنُهُ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ
قَدَرُهُ (2) } .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ ف 1، غِنًى ف 16) .
ب - أَثَرُ الْيَسَارِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ:
7 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ
عَلَى الْقَرِيبِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ
وَقُوتِ عِيَالِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَةٌ ف 50 - 55، 60) .
الرَّابِعُ: أَثَرُ الْيَسَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمُرَتَّبَةِ:
8 ـ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَاتِ
__________
(1) سورة الطلاق / 11.
(2) سورة البقرة / 236.
(45/279)
الظِّهَارِ، وَقَتْل النَّفْسِ،
وَالإِْفْطَارِ بِالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَكُونَ
الْمُكَفِّرُ مُوسِرًا، بِأَنْ يَمْلِكَ رَقَبَةً تُجْزِئُهُ
لِلْكَفَّارَةِ أَوْ ثَمَنَهَا فَاضِلاً عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ
وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ: نَفَقَةً وَكُسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لاَ
بُدَّ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا ذُكِرَ تَنْتَقِل إِلَى الْخِصَال
الأُْخْرَى، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (1) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ إِذَا عَجَزَ عَنِ
الْعِتْقِ وَقْتَ الأَْدَاءِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
أَمَّا الْقَادِرُ وَقْتَ الأَْدَاءِ عَلَى عِتْقِ الرَّقَبَةِ، بِأَنْ
كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُهَا أَوْ مَا يُسَاوِي ثَمَنَ رَقَبَةٍ مِنْ دَابَّةٍ
أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ
لأَِجْل مَرَضٍ أَوْ لِمَنْصِبٍ، كَمَا إِذَا كَانَ مِثْلُهُ لاَ يَخْدِمُ
نَفْسَهُ، أَوْ سُكْنَى مَسْكَنٍ، فَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ،
وَلاَ يُتْرَكُ لَهُ قُوتُهُ وَلاَ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ،
وَلاَ يُعْذَرُ بِالاِحْتِيَاجِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ، حَيْثُ ارْتَكَبَ
مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْل وَزُورًا (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَفَارَّاتٌ ف 68، غِنًى ف 15) .
حَدُّ الْيَسَارِ:
أـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي الزَّكَاةِ:
9 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْيَسَارِ " الْغِنَى)
__________
(1) البدائع 5 / 97 ـ 98، ومغني المحتاج 3 / 364، وكشاف القناع 5 / 376،
والقرطبي 17 / 282.
(2) الخرشي 4 / 116، والشرح الصغير 3 / 486.
(45/280)
الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ
الزَّكَاةِ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُكَلَّفُ نِصَابًا مِنَ الْمَال
الْفَاضِل عَنْ حَاجَتِهِ الأَْصْلِيَّةِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف 28، 31، غِنًى ف 14،
زَكَاةُ الْفِطْرِ ف 6) .
ب ـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَال:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْغِنَى الَّذِي لاَ يُشْرَعُ
مَعَهُ السُّؤَال.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (غِنًى ف 12، سُؤَالٌ ف 9) .
ج - حَدُّ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِاعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي
الْكَفَاءَةِ فِي حَدِّهِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَفَاءَةٌ ف 11،
غِنًى ف 23) .
د ـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي النَّفَقَاتِ:
حَدُّ يَسَارِ الزَّوْجِ فِي فَرْضِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ لِزَوْجَتِهِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَحْدِيدَ يَسَارِ الزَّوْجِ الَّذِي
تُقَدَّرُ مَعَهُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ لِلزَّوْجَةِ مَوْكُولٌ إِلَى
الْعُرْفِ، وَالنَّظَرِ إِلَى الْحَال مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الإِْنْفَاقِ
وَعَدَمِهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: صَرَّحُوا بِبَيَانِ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ فِي
نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ
(45/280)
عَرَّفَهُمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ،
وَلَعَلَّهُمْ وَكَلُوا ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْحَال
مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الإِْنْفَاقِ وَعَدَمِهِ (1) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَحْدِيدِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ
الَّذَيْنِ يَخْتَلِفُ قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنَ النَّفَقَةِ
بِاخْتِلاَفِهِمَا أَوْجُهٌ (2) :
أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّ الْمُعْسِرَ هُوَ مِسْكِينُ
الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا
مِنْ كِفَايَتِهِ وَلاَ يَكْفِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَقِيرَهَا
كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمنْ
فَوْقِ الْمِسْكِينِ إِنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ إِنْفَاقَ مَدِينٍ رَجَعَ
مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلاَّ بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ مِسْكِينًا
فَمُوسِرٌ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالرَّخَاءِ وَقِلَّةِ
الْعِيَال وَكَثْرَتِهِمْ (3) .
وَفِي وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمُوسِرَ مَنْ يَزِيدُ
دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ، وَالْمُعْسِرُ عَكْسُهُ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ
تَسَاوَى خَرْجُهُ وَدَخْلُهُ.
وَبِهِ قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 645، وروضة الطالبين 9 / 40 ـ 41، وتفسير القرطبي
18 / 170، والقوانين الفقهية ص 226، والدسوقي 20 / 509.
(2) روضة الطالبين 9 / 40 ـ 41، وانظر حاشية الرملي بهامش أسنى المطالب 2 /
192، وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج 8 / 303.
(3) مغني المحتاج 3 / 426.
(45/281)
وَفِي وَجْهٍ عِنْدَهُمْ أَيْضًا: أَنَّ
الاِعْتِبَارَ بِالْكَسْبِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ
فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ لاَ مِنْ أَصْل
مَالِهِ فَهُوَ مُوسِرٌ، وَمَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ مِنْ
كَسْبِهِ فَمُعْسِرٌ، وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ كَسْبِهِ نَفَقَةَ
الْمُتَوَسِّطِينَ فَمُتَوَسِّطٌ، وَبِهِ قَال الْمَاوَرْدِيُّ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْمُوسِرُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ
بِمَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَالْمُعْسِرُ: مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا لاَ
بِمَالِهِ وَلاَ بِكَسْبِهِ، وَقِيل: الْمُعْسِرُ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ،
وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَالْمُتَوَسِّطُ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ
كَسْبِهِ.
وَقَال صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: مِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ
فَوْقَهُ مُتَوَسِّطٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُوسِرٌ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل فِيمَا يُرَاعَى فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مِنْ حَال
الزَّوْجَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْيَسَارُ وَالإِْعْسَارُ يُنْظَرُ فِي
مُصْطَلَحِ (غِنًى ف 16، وَنَفَقَةٌ ف 9) .
حَدُّ الْيَسَارِ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْيَسَارِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ
بِهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَةٌ ف 52، 55، 66) .
__________
(1) روضة الطالبين 9 / 41.
(2) الإنصاف 9 / 355، والمبدع 8 / 189.
(45/281)
هـ ـ حَدُّ الْيَسَارِ فِي الأُْضْحِيَّةِ:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْغِنَى فِيمَنْ تُسَنُّ لَهُ
الأُْضْحِيَّةُ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِّ الْغِنَى عِنْدَ مَنْ
يَشْتَرِطُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (غِنًى ف 21، أُضْحِيَّةٌ ف 7، 16) .
وـ حَدُّ يَسَارِ مَنْ يَتَحَمَّل الدِّيَةَ مِنَ الْعَاقِلَةِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْيَسَارِ الْمُشْتَرَطِ فِيمَنْ
يَتَحَمَّل الدِّيَةَ مِنَ الْعَاقِلَةِ.
وَالتَّفْصِيل يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (غِنًى ف 18) .
ثَانِيًا: الْيَسَارُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ الأَْيْسَرِ لِلإِْنْسَانِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَسَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أـ مَا يُنْدَبُ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ فِيهِ:
16 - الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي تَقْدِيمِ الْيَسَارِ عَلَى
الْيَمِينِ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ
يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّهِ يُنْدَبُ فِيهِ
التَّيَاسُرُ.
16 - فَمِمَّا يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَاسُرُ دُخُول الْخَلاَءِ: فَيُنْدَبُ
لِدَاخِل الْخَلاَءِ " الْمِرْحَاضِ) أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى
فِي الدُّخُول فِيهِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَهَا فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ،
وَبِمَعْنَى الرِّجْل بَدَلُهَا مِنْ فَاقِدِهَا.
(45/282)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْخَلاَءِ وَبِالدُّخُول جَرَى عَلَى
الْغَالِبِ فَلاَ مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ
اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ} . (1)
فَالَّذِي يَرْغَبُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الصَّحْرَاءِ يُنْدَبُ لَهُ
أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ
الْحَاجَةِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَهَا عِنْد الاِنْصِرَافِ مِنْهُ، وَقَالُوا:
فَدَنَاءَةُ الْمَوْضِعِ قَبْل قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ تَحْصُل
بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ قَبْل قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَالْخَلاَءِ الْجَدِيدِ
قَبْل أَنْ يَقْضِيَ أَحَدٌ فِيهِ حَاجَةً، وَمِثْل مَا ذُكِرَ: كُل
مَكَانٍ مُتَقَذِّرٍ وَدَنِيءٍ (2) .
(ر: قَضَاءُ الْحَاجَةِ ف 8، 32) .
18 - وَيُسَنُّ الاِسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ
لِلاِتِّبَاعِ (3) ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: نَهَانَا ـ يَعْنِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ. (4)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: اسْتِنْجَاءٌ ف 30) .
__________
(1) سورة النساء / 22.
(2) مغني المحتاج 1 / 39، وتحفة المحتاج 1 / 157 ـ 158، والشرح الصغير 1 /
93، وكشاف القناع 1 / 95، والمغني 1 / 167.
(3) مغني المحتاج 1 / 40 ـ 46، وكشاف القناع 1 / 60ـ61، والشرح الصغير 1 /
96.
(4) حديث سلمان: " نهانا أي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أن يستنجي أحدنا بيمينه. " أخرجه مسلم (1 / 224) .
(45/282)
ب ـ مَا يُنْدَبُ تَأْخِيرُ الْيَسَارِ
فِيهِ:
19 - الأَْصْل اسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْيَسَارِ عَنِ الْيَمِينِ فِي كُل
مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى
هَذَا الأَْصْل اسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْيَسَارِ عَنِ الْيَمِينِ فِي
الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْوُضُوءِ وَاللِّبَاسِ وَخِصَال
الْفِطْرَةِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنَ الأُْمُورِ.
(ر: تَيَامُنٌ ف 4 ـ 13) .
يُسْرٌ
انْظُرْ: تَيْسِيرٌ
(45/283)
يَسِيرٌ
التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْيَسِيرُ فِي اللُّغَةِ: السَّهْل، يُقَال: يَسُرَ الشَّيْءُ مِثْل
قَرُبَ فَهُوَ يَسِيرٌ أَيْ سَهْلٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (1) } ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ
يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ (2) } .
وَمِنْ مَعَانِي الْيُسْرِ: " الشَّيْءُ الْقَلِيل، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا (3) } .
وَالْيُسْرُ ضِدُّ الْعُسْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا (4) } ، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا (5) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
(6) .
__________
(1) سورة الأحزاب / 30.
(2) سورة القمر / 17.
(3) سورة الأحزاب / 14.
(4) سورة الانشراح / 6.
(5) حديث: " يسروا ولا تعسروا. . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 163) ومسلم (3
/ 1359) من حديث أنس بن مالك.
(6) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، والمصباح المنير.
(45/283)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ
بِالْيَسِيرِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَسِيرِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - يَسِيرُ النَّجَاسَاتِ:
2 ـ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ الْيَسِيرِ مِنَ النَّجَاسَاتِ،
وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ النَّجَاسَاتِ، وَمَا لاَ
يُعْفَى عَنْهُ، كَمَا اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ
الْيَسِيرُ مِنْ غَيْرِهِ: هَل بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَمْ يُقَدَّرُ
بِالدِّرْهَمِ؟ وَهَل يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْمُصَابِ
وَاجْتِهَادِهِ أَمْ يَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ غَيْرِهِ؟ وَهَل يُعْفَى عَمَّا
يُعْفَى عَنْهُ مِنْ يَسِيرِ النَّجَاسَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَطْ، أَوْ
فِي الثَّوْبِ فَقَطْ، أَوْ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، أَمْ فِي كُل
ذَلِكَ؟ تَفَاصِيل هَذِهِ الأَْحْكَامِ وَغَيْرِهَا فِي مُصْطَلَحِ (عَفْوٌ
ف 7 ـ 11، مَعْفُوَّاتٌ ف 2 ـ 19، نَجَاسَةٌ ف 23) .
ب - الْحَرَكَةُ الْيَسِيرَةُ فِي الصَّلاَةِ:
3 ـ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ أَوِ الْعَمَل الْيَسِيرَ
لاَ تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ
بِنْتَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ
حَمَلَهَا (1) ، وَلأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) حديث: " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي وهو
حامل أمامة بنت بنته. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 590) ومسلم (1 / 386)
واللفظ للبخاري.
(45/284)
" أَمَرَ بِقَتْل الأَْسْوَدَيْنِ فِي
الصَّلاَةِ: الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ (1) ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَهُوَ
فِي الصَّلاَةِ (2) ، وَلِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ (3) .
وَعَدَّ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الأَْعْمَال مِنَ الْحَرَكَاتِ الْيَسِيرَةِ،
إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْيَسِيرِ، وَبِمَ يُقَدَّرُ
بِهِ؟ فَقَال بَعْضُهُمْ: يُقَدَّرُ بِالْعُرْفِ؛ لأَِنَّهُ لاَ تَوْقِيفَ
فِيهِ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: يُعْرَفُ بِتَقْدِيرِ النَّاظِرِ، فَمَا يَشُكُّ فِيهِ
النَّاظِرُ أَنَّهُ فِي صَلاَةٍ أَمْ لاَ فَهُوَ يَسِيرٌ (4) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةٌ ف 114) .
ج - الْكَلاَمُ الْيَسِيرُ فِي الصَّلاَةِ:
4 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ تَبْطُل بِالْكَلاَمِ
الْمُتَعَمَّدِ سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا، مَا لَمْ يَكُنْ
لإِِصْلاَحِ الصَّلاَةِ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: كُنَّا
__________
(1) حديث: " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتل الأسودين
في الصلاة. . . " أخرجه الترمذي (2 / 234) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث
حسن صحيح.
(2) حديث: " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلع نعليه في
الصلاة. . . أخرجه أبو داود (1 / 426) من حديث أبي سعيد الخدري، وصحح
إسناده النووي في المجموعة (3 / 132) .
(3) حديث: " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحف بثوبه في
الصلاة. . . " أخرجه مسلم (1 / 301) من حديث وائل بن حجر. رضي الله عنه
(4) مغني المحتاج 1 / 199، وكشاف القناع 1 / 377.
(45/284)
نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ، يُكَلِّمُ
الرَّجُل صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (1) } فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا
عَنِ الْكَلاَمِ (2) .
أَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلاَمُ لإِِصْلاَحِ الصَّلاَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا
فِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِهِ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةٌ ف 107 ـ 112) .
د - السَّكْتَةُ الْيَسِيرَةُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ:
5 ـ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ
الطَّوِيل الْعَمْدَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ
يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي اسْتِئْنَافُ
الْفَاتِحَةِ لإِِشْعَارِهِ بِالإِْعْرَاضِ مُخْتَارًا كَانَ أَوْ
لِعَائِقٍ؛ لإِِخْلاَل ذَلِكَ بِالْمُوَالاَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَخَصَّ
الْحَنَابِلَةُ هَذَا الْحُكْمَ بِالإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ السُّكُوتُ يَسِيرًا وَلَمْ يَتَعَمَّدْ فِيهِ فَلاَ
يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا؛ لِعَدَمِ اخْتِلاَل نَظْمِ الْفَاتِحَةِ
بِذَلِكَ.
__________
(1) سورة البقرة / 238
(2) حديث: " كنا نتكلم في الصلاة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 72)
ومسلم (1 / 383) واللفظ لمسلم.
(3) مغني المحتاج 1 / 194، وكشاف القناع 1 / 378، وما بعدها.
(45/285)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ
إِنْ كَانَ السُّكُوتُ يَسِيرًا، وَقَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ،
فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الأَْصَحِّ، وَيَلْزَمُهُ
اسْتِئْنَافُهَا لِتَأْثِيرِ الْفِعْل مَعَ النِّيَّةِ، كَنَقْل
الْوَدِيعَةِ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ
يَضْمَنْ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا.
وَقَالُوا: الْيَسِيرُ ـ هُنَا ـ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَتَنَفُّسٍ
وَاسْتِرَاحَةٍ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: لاَ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ لأَِنَّ قَصْدَ
الْقَطْعِ وَحْدَهُ لاَ يُؤَثِّرُ، وَالسُّكُوتُ الْيَسِيرُ وَحْدَهُ لاَ
يُؤَثِّرُ أَيْضًا، فَكَذَا إِذَا اجْتَمَعَا (1) .
هـ - الْفَاصِل الْيَسِيرُ بَيْنَ السَّلاَمِ وَسُجُودِ السَّهْوِ:
6 ـ نَصَّ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ مَحَل سُجُودِ السَّهْوِ
بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلاَمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي إِذَا تَرَكَ
سُجُودَ السَّهْوِ نِسْيَانًا وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ فَاصِلٍ
يَسِيرٍ، أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ إِنْ رَغِبَ فِي ذَلِكَ، لِمَا رَوَى
ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ
وَالْكَلاَمِ (2) .
أَمَّا إِذَا تَرَكَ السُّجُودَ عَمْدًا وَسَلَّمَ فَالأَْصَحُّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ فَاتَ لِفَوَاتِ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 159، والمجموع للنووي 3 / 356 ـ 359، وكشاف القناع 1
/ 338.
(2) حديث: أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ
سَجْدَتَيِ السَّهْوِ. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 94) ، ومسلم (1
/ 402) ، واللفظ لمسلم.
(45/285)
مَحَلِّهِ؛ لأَِنَّهُ قَطَعَ الصَّلاَةَ
بِالسَّلاَمِ وَإِنْ كَانَ الْفَاصِل يَسِيرًا.
وَكَذَا إِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا وَطَال الْفَصْل؛ لِفَوَاتِ الْمَحَل
بِالسَّلاَمِ وَتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِالطُّول (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سُجُودُ السَّهْوِ ف 9) .
و الْفَاصِل الْيَسِيرُ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول فِي الْعُقُودِ:
7 ـ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي يَلْزَمُ لِصُحْبَتِهَا
الإِْيجَابُ وَالْقَبُول يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَطُول الْفَصْل بَيْنَ
الإِْيجَابِ وَالْقَبُول، فَإِنْ طَال الْفَصْل لَمْ تَصِحَّ؛ لأَِنَّ طُول
الْفَصْل يُخْرِجُ الثَّانِيَ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلأَْوَّل.
أَمَّا الْفَصْل الْيَسِيرُ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول فَلاَ يَضُرُّ
فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ لِعَدَمِ إِشْعَارِهِ بِالإِْعْرَاضِ عَنِ
الْقَبُول، قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيَضُرُّ تَخَلُّل كَلاَمٍ أَجْنَبِيٍّ
عَنِ الْعَقْدِ وَلَوْ يَسِيرًا بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول وَإِنْ
لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنِ الْمَجْلِسِ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِعْرَاضًا عَنِ
الْقَبُول.
وَالْمُرَادُ بِالأَْجْنَبِيِّ هُوَ: أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَى
الْعَقْدِ وَلاَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلاَ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِهِ،
وَالْفَاصِل الطَّوِيل هُوَ مَا أَشْعَرَ بِالإِْعْرَاضِ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 213، وكشاف القناع 1 / 409.
(45/286)
عَنِ الْقَبُول، وَالْيَسِيرُ مَا لَمْ
يُشْعِرْ بِالإِْعْرَاضِ عَنِ الْقَبُول (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (عَقْدٌ ف 18 - 24) .
ز - الْفَاصِل الْيَسِيرُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ:
8 ـ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الاِسْتِثْنَاءِ
الاِتِّصَال بَيْنَ لَفْظَيِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ،
بِحَيْثُ يُعَدَّانِ كَلاَمًا وَاحِدًا عُرْفًا، وَلاَ يَضُرُّ فِي هَذَا
الاِتِّصَال فَاصِلٌ يَسِيرٌ كَسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ
تَذَكُّرٍ أَوِ انْقِطَاعِ صَوْتٍ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يُعَدُّ فَاصِلاً
عُرْفًا (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِثْنَاءٌ ف 15) .
ح - الْفَاصْل الْيَسِيرُ بَيْنَ الرَّضَعَاتِ:
9 ـ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لاَ
تَثْبُتُ إِلاَّ بِرَضَعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَنَّ الطِّفْل إِذَا
أَعْرَضَ عَنِ الثَّدْيِ إِعْرَاضًا يَسِيرًا لِلَهْوٍ أَوْ لِتَنَفُّسٍ
أَوْ لِنَوْمَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ، اعْتُبِرَ
الْكُل رَضْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ طَال لَهْوُهُ أَوْ نَوْمُهُ وَكَانَ
الثَّدْيُ فِي فَمِهِ فَرَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْضًا، وَكَذَا إِذَا
تَحَوَّل الطِّفْل مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ، أَوْ حَوَّلَتْهُ
الْمُرْضِعَةُ، وَكَانَ الْفَصْل يَسِيرًا، أَوْ فَصَلَتْهُ الْمُرْضِعَةُ
مِنَ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 5، 121.
(2) مغني المحتاج 3 / 300.
(45/286)
الثَّدْيِ فَصْلاً يَسِيرًا لِشُغْلٍ
خَفِيفٍ، ثُمَّ عَادَتْ؛ لأَِنَّ الْمَرْجِعَ فِي هَذَا إِلَى الْعُرْفِ،
لأَِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا، وَلَمْ يُحَدِّدْهُ بِزَمَنٍ
وَلاَ بِمِقْدَارٍ (1) .
(ر: رَضَاعٌ ف 14) .
ط - الْفَاصِل الْيَسِيرُ بَيْنَ وِلاَدَةِ الْوَلَدِ وَبَيْنَ نَفْيِهِ:
10 - يُشْتَرَطُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي اللِّعَانِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ عَقِبَ الْعِلْمِ بِوِلاَدَتِهِ، وَلاَ يَضُرُّ
الْفَاصِل الْيَسِيرُ إِذَا كَانَ لِعُذْرٍ، كَأَنْ يَبْلُغَهُ خَبَرُ
الْوِلاَدَةِ لَيْلاً فَأَخَّرَ النَّفْيَ حَتَّى يُصْبِحَ، أَوْ كَانَ
جَائِعًا فَأَكَل، أَوْ عَارِيًا فَلَبِسَ، وَذَلِكَ بَعْدَ اخْتِلاَفِهِمْ
فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا النَّافِي لِنَسَبِ الْوَلَدِ
عَنْهُ مُتَأَخِّرًا عَنِ النَّفْيِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ نَفْيُهُ
بَعْدَهَا (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي (نَسَبٌ ف 54 - 55، لِعَانٌ ف 26) .
__________
(1) مغني المحتاج 3 / 417، وكشاف القناع 5 / 446.
(2) مغني المحتاج 3 / 381.
(45/287)
|