الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

الأذان
تعريفه:
الأذان لغةً: الإِعلام وهو اشتقاق من الأذَن -بفتحتين- وهو الاستماع.
قال الله تعالى: {وأَذانٌ من اللهِ ورسولِه} (1)، أي: إِعلام. و {آذنْتُكم على سواء} (2) أعلمتكم فاستوينا في العلم.
وقال الحارث بن حلزة:
آذنَتْنا ببينها أسماء ... رُبَّ ثاوٍ يملّ منه الثواء
أي: أعلَمَتْنا.
وشرعاً: "الإِعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة" (3).
قال الحافظ في "الفتح" (2/ 77): "قال القرطبي وغيره: الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، لأنَّه بدَأ بالأكبرية وهي تتضمّن وجود الله وكماله، ثمَّ ثنّى بالتوحيد ونفَى الشريك، ثمَّ بإِثبات الرسالة لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمَّ دعا إِلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة، لأنّها لا تعرف إِلا من جهة الرسول، ثمَّ دعا إِلى الفلاح وهو البقاء الدائم، وفيه الإِشارة إِلى المعاد، ثمَّ أعاد ما أعاد توكيدا. ويحصل من الأذان الإِعلام بدخول الوقت، والدعاء
__________
(1) التوبة: 3
(2) الأنبياء: 109
(3) انظر "الفتح" (2/ 77)، و"المغني" (1/ 413)، وغيرهما.

(1/359)


إِلى الجماعة، وإِظهار شعائر الإِسلام. والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول، وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان".

فضله:
لقد وردَت أحاديثُ كثيرةٌ في فضل الأذان والمؤذِّنين، من ذلك:
1 - ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِذا نودي للصلاة أدبَر الشيطان وله ضُراط؛ حتى لا يسمعَ التأذين، فإِذا قضىَ النِّداء أقَبَل، حتى إِذا ثُوِّب (1) بالصلاة أدبَر (2) ... " (3).
2 - وعنه -رضي الله عنه- أيضاً أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو يعلم النّاس ما في النّداء والصفّ الأوّل؛ ثمَّ لم يجدوا إلاَّ أن يستَهِموا (4) عليه لاستهَموا،
__________
(1) قال الجمهور: المراد بالتثويب هنا الإِقامة، وبذلك جزم أبو عوانة في "صحيحه" والخطابي والبيهقي وغيرهم، وقال القرطبي: ثُوِّب بالصلاة: إِذا أقيمت وأصله أنَّه رجع إِلى ما يشبه الأذان، وكلّ من ردّد صوتاً فهو مثوب، ويدلّ عليه رواية مسلم [389]، في رواية أبي صالح عن أبي هريرة: "فإذا سمع الإقامة ذهب". "الفتح" (2/ 85).
(2) أخرجه البخاري: 608، ومسلم: 389
(3) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 87): "قال ابن بطال: يُشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء في المسجد بعد أن يؤذّن المؤذّن من هذا المعنى، لئلاّ يكون متشبّهاً بالشيطان الذي يفرّ عند سماع الأذان، والله أعلم".
(4) أي: لم يجدوا شيئاً من وجوه الأولوية؛ أمّا في الأذان، فبأن يستووا في معرفة الوقت وحُسن الصوت، ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته، وأمّا في الصفّ الأوّل؛ فبأن يصلوا دفعة واحدة، ويستووا في الفضل؛ فيُقرع بينهم إِذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين". "الفتح" (2/ 97).

(1/360)


ولو يعلمون ما في التهجير (1) لاستبقوا إِليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَة والصُّبح لأتوهما ولو حَبْواً" (2).
3 - وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المؤذّنون أطول النّاس أعناقاً يوم القيامة" (3).
4 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إِنسٌ ولا شيءٌ؛ إلاَّ شَهِدَ له يوم القيامة" (4).
5 - وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يُغفر للمؤذّن مُنتهى أذانه، ويستغفر له كلّ رطب ويابس سمِعَه" (5).
6 - وقد دعا النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمؤذّنين والأئمّة فقال: "اللهم أرشِدِ الأئمّةَ،
__________
(1) أي: التبكير إلى الصلاة.
(2) أخرجه البخاري: 615، ومسلم: 437، وغيرهما.
(3) أخرجه مسلم: 387، وغيره.
(4) أخرجه مالك والبخاري: 609، والنسائي وابن ماجه وزاد: "ولا حجرٌ ولا شجر إلاَّ شهد له". وابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه: "قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لا يسمع صوته شجر ولا مدر [المدر: الطين اللّزج المتماسك، والقطعة منه مَدَرَةَ، وأهل المَدَر: مكان البيوت المبنيّة؛ خلاف البدو وسُكان الخيام. "الوسيط".] ولا حجر ولا جن ولا إِنس إلاَّ شهد له". وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (170).
(5) أخرجه أحمد بإِسناد صحيح والطبراني في "الكبير"، عن "صحيح الترغيب والترهيب" (226)، وانظر إِن شئت (227) أيضاً للمزيد من الفائدة.

(1/361)


واغفر للمؤذنين" (1).
7 - وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الإِمام ضامنٌ، والمؤذن مُؤتَمنٌ، فأرشدَ الله الأئمّة، وعفا عن المؤذنين" (2).
8 - وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا كان الرجل بأرض قِيٍّ (3)، فحانت الصلاة، فليتوضأ، فإِن لم يجد ماءً فليتيمّم، فإِن أقام، صلّى معه مَلَكاه، وإِن أذَّنَ وأقام، صلّى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه" (4).

سبب مشروعيّته
1 - عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون؛ فيتحيَّنون الصلاة ليس يُنادى لها، فتكلّموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخِذوا ناقوساً مِثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا بلال، قم فنادِ بالصلاة" (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" إلاَّ أنهما قالا: "فأرشَد الله الأئمّة، وغفَر للمؤذنين". عن "صحيح الترغيب والترهيب" (230).
(2) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (232).
(3) القِيّ: بكسر القاف وتشديد الياء: الأرض القفر.
(4) أخرجه عبد الرزاق في كتابه عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عنه. كما في "الترغيب والترهيب" وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (241).
(5) أخرجه البخاري: 604، ومسلم: 377

(1/362)


2 - وعن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: لمّا أمر رسول الله بالناقوس يعمل؛ ليضرب به للنّاس لجمْع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجلٌ يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إِلى الصلاة، قال: أفلا أدُلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: فقال تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله.
قال: ثمَّ استأخرَ عنّي غير بعيد، ثمَّ قال: تقول إِذا أقَمْت الصلاة:
الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله.
فلما أصبحْتُ أتيْتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرتُه بما رأيتُ فقال: "إِنَّها لَرُؤيا حَقّ إِنْ شاء الله، فقم مع بلال فَألْقِ عليه ما رأيت فليؤذِّن به، فإِنَّه أندى صوتاً منك".
فقمت مع بلال، فجعلْتُ أُلقيه عليه ويُؤذِّن به، قال: فسمعَ ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجرّ رداءَه ويقول: والذي بعثَك بالحقّ يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما أُري، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فللَّه الحمد" (1).
__________
(1) أخرجه أبو داود: 499، "صحيح سنن أبي داود" (469)، والبخاري في "خلْق أفعال العباد" وغيرهما ... وهو حديث حسن خرَّجه شيخنا في "الإِرواء" (246)، وذكر تصحيح جماعة من الأئمّة له؛ كالبخاري والذهبي والنووي وغيرهم.

(1/363)


وجوب الأذان
وفي وجوب الأذان العديد من الأدلّة منها:
1 - حديت مالك بن الحويرث قال: "أتينا إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن شَبَبَة مُتقاربون فأقمنا عندهُ عشرين يوماً وليلةً، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رحيماً رفيقاً، فلما ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهلنا -أو قد اشتقنا- سألَنا عمّن تركْنا بعدنا، فأخبرناهُ، قال: ارجعوا إِلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم، ومروهم -وذكَر أشياء أحفظُها أو لا أحفظها- وصلُّوا كما رأيتموني أصلّي، فإِذا حضرتِ الصلاة فليؤذن لكم أحدُكم وليؤمَّكم أكبرُكم" (1).
2 - حديث عمرو بن سَلِمَة وفيه ... فقال [أي: النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: "صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا كذا في حين كذا، فإِذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكم وليؤمّكم أكثركم قرآناً" (2).
قال في "المحلّى" (3/ 167): " ... فصحّ بهذين الخبرين (3) وجوب الأذان ولا بدّ، وأنّه لا يكون إلاَّ بعد حضور الصلاة في وقتها".
وقال أيضاً فيه (3/ 169): "وممّن قال بوجوب الأذان والإِقامة فرضاً: أبو سليمان وأصحابه، وما نعلم لمن لم يرَ ذلك فرضاً حُجّة أصلاً، ولو لم يكن إلاَّ استحلال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دماء من لم يسمع عندهم أذاناً وأموالهم وسبيهم
__________
(1) أخرجه البخاري: 631، في بعض الكتب عن عمرو بن سلمة عن أبيه وكذا في "صحيح سنن أبي داود" (548)، قال شيخنا: " ... عن أبيه غير محفوظ".
(2) أخرجه البخاري: 4302
(3) أي: الحديثين المتقدّميْن.

(1/364)


لكفى في وجوب فرض ذلك (1)، وهو إِجماع متيقّن من جميع من كان معه من الصحابة -رضي الله عنهم- بلا شكّ؛ فهذا هو الإِجماع المقطوع على صحّته".
قال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 24): "فالأذان والإِقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر، لأنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالأذان، وأمره على الفرض، وقد أمر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا محذورة أن يؤذن بمكة، وأمر بلالاً بالأذان، وكل هذا يدل على وجوب الأذان".

صفة الأذان
لقد وردَ الأذان بالكيفيّتين الآتيتين:
1 - خمس عشرة كلمة، كما في حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- المتقدِّم.
2 - تسع عشرهّ كلمة بترجيع الشهادتين، كما في حديث أبي محذورة - رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإِقامة سبع عشرة كلمة:
الأذان: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله (2)، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله،
__________
(1) قال شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنة" (ص 144): "والوجوب يثبت بأقلّ من هذا".
(2) وهذا هو الترجيع وهو الترديد كما في "النهاية".

(1/365)


أشهد أنَّ محمداً رسول، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله.
والإِقامة: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله (1).
وفي رواية لأبي محذورة -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، علِّمْني سُنَّةَ الأذان، قال: فمسحَ مُقَدَّمَ رأسي وقال: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثمَّ تقول: أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، تخفض بها صوتك، ثمَّ ترفع صوتك بالشهادة (2): أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح.
فإِنْ كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله" (3).
وسألت شيخنا -حفظه الله تعالى-: هل الأصل الإِكثار من أذان بلال أم
__________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (474)، والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخرجه مسلم: 379، بترديد التكبير مرتين.
(2) وهذا هو الترجيع وهو الترديد كما تقدّم.
(3) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (472)، وانظر "تمام المنة" (ص 146).

(1/366)


أذان أبي محذورة -رضي الله عنهما-؟
فقال: ليس عندنا شيء يحدد الأكثر من الأذانات الثابتة في السنَّة، وإِنَّما السنَّة أن ينوّع.
وسألته عن الترجيع، فقال: أحياناً.

وجوب ترتيب الأذان
قال في "المغني" (1/ 438): "ولا يصحّ الأذان إلاَّ مرتَّباً؛ لأنَّ المقصود منه يختلّ بعدم الترتيب وهو الإِعلام؛ فإِنَّه إِذا لم يكن مرتَّباً لم يُعلم أنَّه أذان، ولأنَّه شُرِع في الأصل مُرتّباً، وعلَّمه النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا محذورة مرتّباً".

تثويب (1) المؤذّن في صلاة الصبح وهو قوله: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم
للحديث السابق، وموضعه الفجر الأوّل لحديث أبي محذورة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم؛ في الأولى من الصبح".
وعنه أيضاً قال: "كنت أؤذّن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكنت أقول في أذان الفجر الأوّل: حيَّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر
__________
(1) التثويب: الأصل في التثويب: أن يجيء الرجل مستصرخاً؛ فيلوّح بثوبه ليُرى ويشتهر فسمّي الدعاء تثويباً لذلك، وكلّ داع مثوّب، وقيل: إِنّما سُمّي تثويباً من ثاب يثوب إِذا رجع، فهو رُجوعٌ إِلى الأمر بالمبادرة إِلى الصلاة، وأنَّ المؤذن إِذا قال: حيَّ على الصلاة؛ فقد دعاهم إِليها، وإذا قال بعدها: الصلاة خير من النوم، فقد رجع إِلى كلامٍ معناه المبادرة إِليها. "النهاية".

(1/367)


الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله" (1).
وكن بلال أنَّه: أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأُقرَّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك" (2).
قال شيخنا في "تمام المنّة" (ص146): "قلتُ: إِنّما يشرع التثويب في الأذان الأوّل للصبح، الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريباً؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان في الأذان الأوّل بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين". رواه البيهقي (1/ 423)، وكذا الطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 82)، وإِسناده حسن كما قال الحافظ.
وحديث أبي محذورة مُطلق، وهو يشمل الأذانين، لكنّ الأذان الثاني غير مراد؛ لأنَّه جاء مُقيَّداً في رواية أخرى بلفظ: "وإِذا أذَّنْتَ بالأوّل من الصبح فقُل: الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم"، أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (510 - 516)، فاتفقَ حديثه مع حديث ابن عمر، ولهذا قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 167 - 168) عَقبَ لفْظ النسائي: "وفي هذا تقييد لما أطلقَتْه الروايات. قال ابن رسلان: وصحَّح هذه الرواية ابن خزيمة. قال: فشرعيّة التثويب إِنّما هي في الأذان الأوّل للفجر؛ لأنَّه لإِيقاظ النائم، وأمَّا الأذان الثاني
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (473)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (628) وورَد برقم (614) في (باب الأذان في السفر) بلفظ: "الصلاة خير من النوم، في الأولى من الصبح".
(2) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (586).

(1/368)


فإِنَّه إِعلام بدخول الوقت، ودعاء إِلى الصلاة. اهـ من "تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي".
ومِثْل ذلك في "سنن البيهقي الكبرى" عن أبي محذورهّ: أنَّه كان يُثوّب في الأذان الأوّل من الصبح بأمْره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت [أي: شيخنا -حفظه الله تعالى-]: وعلى هذا ليس "الصلاة خير من النوم" من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إِلى الصلاة والإِخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شُرعت لإِيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة؛ عِوَضاً عن الأذان الأول".
وقال -حفظه الله- (ص148): (فائدة): قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وابن عمر المتقدّمين الصريحين في التثويب في الأذان الأوّل: "وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله تعالى-".

آخر الأذان (1)
عن بلال قال: آخر الأذان: "الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله" (2). عن الأسود قال: كان آخر أذان بلال: "الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله" (3).
عن أبي محذورة: أنَّ آخر الأذان: "لا إِله إلاَّ الله" (4).
__________
(1) عجبتُ لهذا التبويب لأوّل وهلة حين قرأتُه في "سنن النسائي" وما أسرع ما زال التعجب؛ حين تذكّرت ما أبتدعَه المسلمون من زيادات عليه!
(2) عن "صحيح سنن النسائي" (1/ 140) بأسانيد صحيحة وكلها في (باب آخر الأذان).
(3) عن "صحيح سنن النسائي" (1/ 140) بأسانيد صحيحة وكلها في (باب آخر الأذان).
(4) عن "صحيح سنن النسائي" (1/ 140) بأسانيد صحيحة وكلها في (باب آخر الأذان).

(1/369)


صفة الإِقامة
1 - إِفراد كلماتها إلاَّ التكبير الأوّل والأخير و (قد قامت الصلاة)، ففيها التثنية، كما في حديث عبد الله بن زيد المتقدّم، وفيه: " ... وتقول إِذا أقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله".
2 - تربيع الأوّل وتثنية جميع الكلمات، إلاَّ الكلمة الأخيرة (لا إِله إلاَّ الله). كما في حديث أبي محذورة المتقدّم:
"والإِقامة: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إِله إلاَّ الله".

ما يقول مَن يسمع المؤذّن
1 - يقول مِثْل ما يقول المؤذّن، إلاَّ في الحيعلتين: (حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح)، فإِنَّه يقول: لا حول ولا قوّة إلاَّ بالله، كما في حديث أبي سعيد الخدريّ: "إِذا سمعتم النّداء، فقولوا مِثل ما يقول المؤذّن" (1).
قال يحيى وحدّثني بعض إِخواننا أنَّه قال: "لمّا قال حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، وقال: هكذا سمعتُ نبيّكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول" (2).
__________
(1) أخرجه البخاري: 611، ومسلم: 383
(2) أخرجه البخاري: 612، 613، وانظر -إِن شئت- للمزيد من الفوائد =

(1/370)


وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا قال المؤذّن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدُكم: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قال: أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، قال: أشهد أن لا إِله إلاَّ الله، ثمَّ قال: أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، قال: أشهد أنَّ محمّداً رسول الله، ثمَّ قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، ثمَّ قال: حيَّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، ثمَّ قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قال: لا إِله إلاَّ الله، قال: لا إِله إلاَّ الله، من قلبه- دخل الجنّة" (1).
وسألت شيخنا -حفظه الله- عن حديث مسلم (386): "من قال حين يسمع المؤذّن: أشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربّاً وبمحمّد رسولاً، وبالإِسلام ديناً؛ غُفر له ذنبه".
سألتُه: "حين يسمع" أي: حين ينتهي من الأذان أم خلاله؟
فقال: إِذا لاحظت أنّ إِجابة المؤذّن ليست واجبة، فالأمر حينئذٍ واسع.
2 - أن يصلّي على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بعد الانتهاء من الأذان، ثمَّ يسأل الله عزّ وجلّ له الوسيلة، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أنَّه سمع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِذا سمعتُم المؤذّن فقولوا مِثل ما يقول، ثمَّ صلّوا عليَّ، فإِنَّه من صلّى عليَّ صلاةً صلّى الله عليه بها عشراً، ثمَّ سلوا الله لي الوسيلة، فإِنّها منزلةٌ في الجنّة لا تنبغي إلاَّ لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي
__________
= الحديثية وغيرها "الفتح" (2/ 93).
(1) أخرجه مسلم: 385

(1/371)


الوسيلة حلَّت له الشفاعة" (1).
وعن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة (2) والصلاة القائمة؛ آت محمّداً الوسيلة (3)
__________
(1) أخرجه مسلم: 384
(2) المراد بها دعوة التوحيد؛ كقوله تعالى: {له دعوة الحقّ} [الرعد: 14] وقيل لدعوة التوحيد تامة؛ لأنَّ الشركة نقْص، أو التّامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل؛ بل هي باقية إِلى يوم النشور، أو لأنّها تستحقّ صفة التمام وما سواها فمعرّض للفساد، وقال ابن التين: وُصفت بالتامّة؛ لأن فيها أتّم القول وهو "لا إِله إلاَّ الله" ... "فتح" (2/ 95).
(3) قال ابن الأثير في "النهاية" بحذف: الوسيلة: ما يُتوصّل به إِلى الشيء ويُتقرّب به، وجمعها وسائل، يُقال: وسَل إِليه وسيلة وتوسّل، والمراد به في الحديث: القرب من الله تعالى.
وقيل: هي منزلة من منازل الجنّة كما جاء في الحديث. اهـ
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ الوسيلة درجة عند الله؛ ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلْقه. [حسن شيخنا إِسناده في "فضل الصلاة" (ص 50)].
وجاء في "الفتح" (2/ 95): "والوسيلة: هي ما يُتقرّب به إِلى الكبير، يُقال: توسلْت، أي: تقربت، وتُطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم [384] بلفظ: فإِنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إِلاَ لعبد من عباد الله" الحديث ونحوه للبزار عند أبي هريرة، ويمكن ردّها إِلى الأوّل؛ بإِنّ الواصل إِلى تلك المنزلة قريب من الله؛ فتكون كالقربة التي يتوسّل بها".

(1/372)


والفضيلة (1)، وابعثه مقاماً محموداً (2) الذي وعَدْته، حلّت له (3) شفاعتي يوم القيامة" (4).
وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنَّه سمع النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إِذا سمعتم المؤذّن فقولوا مِثل ما يقول، ثمَّ صلّوا عليّ، فإِنَّه من صلّى عليَّ صلاة؛ صلّى الله بها عشراً، ثمَّ سلوا الله لي الوسيلة، فإِنَّها منزلة فى الجنّة؛ لا تنبغي إلاَّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل ليّ الوسيلة حلّت له شفاعتي (5) " (6).
__________
(1) الفضيلة: أي: المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيراً للوسيلة.
(2) أى: يحمد القائم فيه، وهو مُطلق في كلّ ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات. "الفتح" (2/ 95).
(3) حلّت له: أي: استحقت ووجبت أو نزلت عليه. "فتح".
(4) أخرجه البخاري: 614
(5) أخرجه مسلم: 384
(6) قال شيخنا في "الإِرواء" (1/ 260): "وقع عند البعض زيادات في متْن هذا الحديث فوجَب التنبيه عليها:
الأولى: زيادة: "إِنَّك لا تُخلِف الميعاد" في آخر الحديث عند البيهقي؛ وهي شاذة لأنّها لم تَرِد في جميع طُرق الحديث عن عليّ بن عياش اللهمّ إلاَّ في رواية الكشميهني لصحيح البخاري خلافاً لغيره؛ فهي شاذّة أيضاً لمخالفتها لروايات الآخرين للصحيح، وكأنَه لذلك لم يلتفت إِليها الحافظ، فلم يذكُرها في "الفتح" على طريقته في جمع الزيادات من طُرُق الحديث، إلاَّ أنَّه عزاها للبيهقي فهي شاذة يقيناً، ويؤيد ذلك أنها لم تقع في "أفعال العباد" للبخاري والسند واحد. =

(1/373)


ويقول إِن شاء: "رضيتُ بالله ربّاً وبمحمّد رسولاً وبالإِسلام ديناً"، لحديث سعد بن أبي وقاص عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قال: "من قال حين يسمع المؤذّن: أشهد أن لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسولُه، رضيت بالله ربّاً وبمحمّد رسولاً وبالإِسلام ديناً؛ غُفر له ذنبُه" (1).
والدعاء مستجاب بعد الأذان؛ كما في حديث عبد الله بن عمرو -رضي
__________
= ووقعَت هذه الزيادة في الحديث في كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإِسلام ابن تيمية في جميع الطبعات (ص55) طبعة المنار الأولى، و (ص37) الطبعة الثانية منه و (ص49) الطبعة السلفية؛ والظاهر أنها مُدرَجة من بعض النُّساخ. والله أعلم.
الثانية: في رواية البيهقي أيضاً: "اللهمّ إِنّي أسألك بحقّ هذه الدعوة". ولم تَرِدْ عند غيره. فهي شاذّة أيضاً، والقول فيها كالقول في سابقتها.
الثالثة: وقع في نسخة من "شرح المعاني" "سيدنا محمّد" وهي شاذّة مدرجة ظاهرة الإِدراج.
الرابعة: عند ابن السنّي "والدرجة الرفيعة" وهي مُدرجة أيضاً من بعض النساخ، فقد علمْتَ مما سبق أن الحديث عنده من طريق النسائي وليست عنده ولا عند غيره، وقد صرّح الحافظ في "التلخيص" (ص78) ثمَّ السخاوى في "المقاصد" (ص 212) أنها ليست في شيء من طرق الحديث.
قال الحافظ: وزاد الرافعي في "المحرر" في آخره: يا أرحم الراحمين. وليست أيضاً في شيء من طرقه، ومن الغرائب أنَّ هذه الزيادة وقعت في الحديث في كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لابن تيمية وقد عزاه لصحيح البخاري: وإنّي أستبعد جداً أن يكون الخطأ منه لما عرف به -رحمه الله- من الحفظ والضبط، فالغالب أنّه من بعض النساخ".
(1) أخرجه مسلم: 386، وغيره.

(1/374)


الله عنهما- أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إِنَّ المؤذّنين يفضلوننا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قل كما يقولون، فإِذا انتهيتَ فسَلْ تُعطه" (1).
وفي الحديث: "لا يُردّ الدعاء بين الأذان والإِقامة" (2).
وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثنتان لا تُردّان، أو قلَّما تُردّان: الدعاء عند النّداء، وعند البأس؛ حين يلحم بعضهم بعضاً" (3).

استحباب إِجابة المؤذّن والدليل على عدم وجوبها
عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: "إِنّهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر حتى يسكت المؤذّن، فإِذا قام عمر على المنبر، لم يتكلّم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما".
قال شيخنا في "الضعيفة" تحت الحديث (87): أخرجه مالك في موطئه والطحاوي والسياق له وابن أبي حاتم في "العلل" وإِسناد الأوّلين صحيح.
وقال في "تمام المنّة" (ص340): "نعم، قد وجدْتُ له متابعاً قوياً، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنّف" (2/ 124) من طريق يزيد بن عبد الله عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: "أدركت عمر وعثمان، فكان الإِمام إِذا
__________
(1) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (492).
(2) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وانظر "الإِرواء" (244).
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2215) وغيره، وانظر "المشكاة" (672).

(1/375)


خرج يوم الجمعة تركْنا الصلاة، فإِذا تكلّم تركْنا الكلام".
وهذا إِسناد صحيح، ويزيد هذا هو ابن الهاد الليثي المدني.
ثمَّ قال -حفظه الله-: "في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إِجابة المؤذّن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان وسكوت عمر عليه، وكثيراً ما سئلتُ عن الدليل الصارف للأمر بإِجابة المؤذّن عن الوجوب؛ فأجبْت بهذا. والله أعلم".

الآداب التي ينبغي أن يتصف بها المؤذّن، وما يفعله عند الأذان:
1 - أن يحتسب في أذانه ويبتغي وجْه الله سبحانه، ولا يطلب الأجر.
لحديث عثمان بن أبي العاص قال: "إِنَّ آخر ما عَهد إِليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن اتخِذ مؤذّناً؛ لا يأخذ على أذانه أجراً" (1).
وقد ذكر الترمذي -رحمه الله تعالى- كراهة أهل العلم أخْذ المؤذّن على الأذان أجراً، واستحبابهم الاحتساب في ذلك.

2 - أن يكون على طُهر، لحديث المهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه- "أنَّه أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يردّ عليه حتى توضّأ، ثمَّ اعتذر إِليه فقال: إِنّي كرِهتُ أن أذكر الله إلاَّ على طهر -أو قال- على طهارة" (2).
قال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 38): "ليس على من أذّن وأقام وهو
__________
(1) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (585)، وابن أبي شيبة، وأنظر "الإرواء" (5/ 316).
(2) أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه وغيرهم، وهو حديث صحيح خرّجه شيخنا في "الصحيحة" (834).

(1/376)


جُنُب إِعادة، لأنَّ الجنب ليس بنجس، لقي النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأهوى إِليه فقال: إِنّي جُنُب، فقال: إِنَّ المسلم ليس بنجس (1)، وروي عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّه كان يذكر الله على كل أحيانه (2)، والأذان على الطهارة أحب إِليَّ، وأكره أن يقيم جنبا لأنّه يعرض نفسه للتهمة ولفوات الصلاة". انتهى.
قال لي شيخنا -حفظه الله تعالى-: "الأصل في الأذكار حتى السلام أن تكون على طهارة وهو الأفضل فالأذان من باب أولى، ولكن نقول عن الأذان بغير وضوء مكروه كراهة تنزيهيّة".

3 - أن يؤذّن قائماً لما ثبت عن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال. قال: وحدثنا أصحابنا: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين -أو قال المؤمنين- واحدة، حتى لقد هممتُ أن أبُثَّ رجالاً في الدُّور يُنادونَ النَّاس بحين الصلاة، وحتى هممتُ أنْ آمر رجالاً يقومون على الآطام (3) يُنادون المسلمين بحين الصلاة حتّى نقسوا (4) أو كادوا أن ينقسوا" قال: فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إِنّي لمَّا رجعْت لِمَا رأيت من اهتمامك رأيت رجلاً كأنَّ عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذّن، ثمَّ قعد قعدة، ثمَّ قام فقال مِثلها، إِلا أنَّه يقول: قد قامت الصلاة، ولولا أن يقول النّاس: قال ابن المثنى: أن تقولوا، لقلت إِنّي كنت
__________
(1) تقدّم تخريجه.
(2) تقدّم تخريجه في (باب الأمور التي يستحبّ لها الوضوء).
(3) الآطام: جمع أطم وهو بناء مرتفع، وآطام المدينة: حصون كانت لأهلها.
(4) أي: ضربوا بالناقوس.

(1/377)


يقظاناً غير نائم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وقال ابن المثنى-: "لقد أراك الله عزّ وجلّ خيراً" ولم يقل عمرو: "لقد أراك الله خيراً" فَمُرْ بلالاً فليؤذّن، قال: فقال عمر: أما إِنّي قد رأيت مثل الذي رأى ولكنّي لمّا سُبِقْتُ استحييت.
قال: وحدَّثنا أصحابنا قال: وكان الرجل إِذا جاء يَسأل فيُخبر بما سبق من صلاته، وإِنهم قاموا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بين قائم وراكع وقاعد ومصلٍّ مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ابن المثنى: قال عمرو: وحدثني بها حصين عن ابن أبي ليلى -حتى جاء معاذ- قال شعبة: وقد سمِعْتها من حصين فقال: لا أراه على حال، إِلى قوله: كذلك فافعلوا".
قال أبو داود: ثمَّ رجعْت إِلى حديث عمرو بن مرزوق قال: فجاء معاذ فأشاروا إِليه، قال شعبة: وهذه سمعْتُها من حصين، قال فقال معاذ:
لا أراه على حال إلاَّ كنت عليها، قال: فقال: إِنَّ معاذاً قد سنَّ لكم سنّة كذلك فافعلوا (1).
وقد جرى العمل على الأذان قائماً خَلفاً عن السلف.
قال في "المغني" (1/ 435): قال ابن المنذر: أجمع كُلّ من أحفظ من أهل العلم أنَّ السّنةَ أن يُؤذّن قائماً ... " (2).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (478).
(2) وقد استدلَّ بعض الفقهاء بالحديث المتفق عليه: "يا بلال: قم فنادِ بالصلاة"، على سنّية القيام، وفي الاستدلال به نظر كما في التلخيص (ص75) لأنَّ معناه: اذهب إِلى موضع بارز فنادِ فيه. "الإِرواء" (1/ 241).

(1/378)


وثبت أنَّ ابن عمر: "كان يؤذّن على البعير؛ فينزل فيُقيم" (1).
قال ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 12): ويدلّ على أنَّ الأذان قائماً قوله: "قم يا بلال".
وعن الحسن بن محمّد قال: "دخلتُ على أبي زيد الأنصاري فأذَّن وأقام وهو جالس، قال: وتقدَّم رجلٌ فصلّى بنا، وكان أعرج أصيبت رجله في سبيل الله تعالى" (2).

4 - أن يستقبل القبلة.
قال في "المغني" (1/ 439): " ... المستحبّ أن يُؤذّن مستقبل القبلة؛ لا نعلم خلافاً ... ".
جاء في "الإِرواء" (1/ 250) بعد تخريج حديث ضعيف في ذلك، لكنّ الحُكم صحيح فقد ثبت استقبال القبلة في الأذان من المَلَك الذي رآه عبد الله ابن زيد الأنصاري في المنام.
وروى السرَّاج في "مسنده" (1/ 23/1) عن مجمع بن يحيى قال: "كنتُ مع أبي أمامة بن سهل، وهو مستقبل المؤذّن، فكبّر المؤذّن وهو مستقبل القبلة" وإسناده صحيح.

5 - أن يضع أصبُعيه في أذنيه.
وقد ثبتَ هذا من قول أبي جحيفة: "إِنّ بلالاً وضَع أصبُعيه (3) في
__________
(1) حسّنه شيخنا في "الإِرواء" (226).
(2) أخرجه البيهقي وحسنّه شيخنا في "الإِرواء" (225).
(3) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 116): لم يرد تعيين الأصبع التي يستحبّ =

(1/379)


أذنيه" (1)
قال في "المحرّر" (1/ 37): "ويجعل إِصبعيه في أذنيه". قال أبو عيسى الترمذي: "وعليه العمل عند أهل العلم؛ يستحبّون أن يُدخِل المؤذّن إِصبعيه في أُذنيه في الأذان" (2).
6 - أن يلتفت يميناً ويساراً التفافاً يسيراً يلوي به عنقه، ولا يحوّل صدره عن القبلة، عند قوله: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح.
عن أبي جحيفة "أنَّه رأى بلالاً يؤذّن، فجعلتُ أتتبع فاهُ هاهنا وهاهنا بالأذان" (3).
__________
= وضْعها، وجزم النووي أنها المسبّحة، وإِطلاق الإِصبع مجاز عن الأنملة.
(1) أخرجه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وشيخنا في "الإِرواء" (230)، وذكره البخاري معلقاً غير مجزوم به انظر "الفتح" (2/ 114).
(2) وسألت شيخنا عمّا رواه البخاري معلّقاً بصيغة الجزم وقد وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة بسند جيد عنه كما في "مختصر البخاري" (1/ 164) بلفظ: "كان ابن عمر لا يجعل إِصبعيه في أذنيه".
فقال حفظه الله: "لو كان هناك حديثان أحدهما يُثبت عبادة، والآخر ينفيها؛ فلا شكَّ في هذه الحالة، أنَّ المُثبِت مقدّم على النافي، وعندنا الآن فِعل بلال المختصّ في أذان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذي يغلب على الظنّ فِعله ذلك بمشهدٍ من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيكون له حُكم الحديث المرفوع، بينما الأثر المنسوب اٍلى ابن عمر ليس فيه هذه القوّة الفقهية، فلا نشكّ في ترجيح وضع بلال إِصبعيه في أذنيه على ترك ابن عمر ذلك".
(3) أخرجه البخاري: 634

(1/380)


قال الحافظ في "الفتح" (2/ 115): "ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتمّ حيث قال: "فجعلْتُ أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح" وهذا تقييد للالتفات في الأذان وأنَّ محلّه عند الحيعلتين، وبوّب عليه ابن خزيمة: انحراف المؤذّن عند قوله حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؛ بفمه لا ببدنه كله، قال: وإِنَّما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه ... ".
قال النووي: "قال أصحابنا: والمراد بالالتفات: أن يلوي رأسه وعنقه، ولا يحوّل صدره عن القبلة، ولا يزيل قدمه عن مكانها، وهذا معنى قول المصنّف: "ولا يستدير". وهذا هو الصحيح المشهور الذي نصّ عليه الشافعي، وقطع به الجمهور" (1).
وقال -رحمه الله- في "المجموع" (107): "قد ذكَرنا أنَّ مذهبنا أن يستحب الالتفات في الحيعلة يميناً وشمالاً، ولا يدور ولا يستدبر القبلة؛ سواء كان على الأرض أو على منارة، وبه قال النخعي والثوري والأوزاعي وهو رواية عن أحمد، وقال ابن سيرين: يكره الالتفات، وقال مالك: لا يدور ولا يلتفت إلاَّ أن يريد إِسماع النّاس.
وقال أبو حنيفة وإِسحاق وأحمد في رواية: يلتفت ولا يدور إلاَّ أن يكون على منارة فيدور ... ".
قال شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنّة" (ص150): "أمّا تحويل الصدر؛ فلا أصل له في السُّنّة البتّة".
__________
(1) ذكره في "المجموع" ونقله عنه شيخنا في "تمام المنة" (ص151).

(1/381)


فائدة: جاء في "الأوسط" (ص26): قال الأوزاعي: "يستقبل القبلة، فإِذا قال حيّ على الصلاة؛ استدار إِن شاء عن يمينه فيقول: حيّ على الصلاة مرّتين، ثمَّ يستدير عن يساره كذلك".
فهذا يبيّن أنّه يقول في استدارة اليمين حي على الصلاة، حي على الصلاة، ولا يستدير عن يساره إلاَّ بعد أن يقولهما والله أعلم.

7 - أن يؤذّن في مكان مرتفع.
لحديث ابن أبي ليلى السابق وفيه: " ... رأيت رجلاً كأنّ عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذّن، ثمَّ قعد قعدة، ثمَّ قام فقال مِثلها".
وعن امرأة من بني النجار قالت: "كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذّن عليه الفجر، فيأتي بسَحَر فيجلس على البيت ينظر إِلى الفجر، فإِذا رآه تمطّى، ثمَّ قال: اللهمّ إِني أحمدك وأستعينك على قريش، أن يقيموا دينك.
قالت: ثمَّ يؤذّن، قالت: والله ما علمْته كان تركها ليلة واحدة، تعني هذه الكلمات" (1).
وذكره أبو داود في: "باب الأذان فوق المنارة".
قال الحافظ في "الفتح" (2/ 84): " ... لأنَّ الأذان يُستحبّ أن يكون على مكان عالٍ لتشترك الأسماع ... ". انتهى.
وانظر ما قاله ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 28) تحت (ذِكر الأذان على
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (487).

(1/382)


المكان المرتفع).

8 - أن يرفع صوته بالأذان.
عن أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه-: أنَّه قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصة الأنصاري: "إِنّي أراك تحبّ الغنم والبادية، فإِذا كنتَ في غنمك -أو باديتك- فأذَّنت بالصلاة فارفع صوتك بالنّداء؛ فإِنَّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنٌّ ولا إِنسٌ ولا شيء؛ إلاَّ شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعْته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (1).

9 - أن يتمهّل في الأذان ويترسّل (2).
جاء في "المغني" (1/ 418): "ويترسّل في الأذان ويحدر الإِقامة" (3).

أذان الأعمى إِذا كان له من يُخبره (4)
عن عمر -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِنَّ بلالاً يؤذّن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يُنادي ابن أمّ مكتوم، ثمَّ قال: وكان رجلاً أعمى لا يُنادي حتى يقال له: أصبحتَ أصبحتَ" (5).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان ابن أمّ مكتوم يؤذّن لرسول الله
__________
(1) أخرجه البخاري: 609، وغيره، وأشرْت إِليه في "فضل الأذان".
(2) وهو التمهّل والتأنّي.
(3) وقد رُوي في ذلك حديث: "إِذا أذّنتَ فترسَّل، وإذا أقمت فاحدُر"، ولا يثبت، وانظر تفصيله في "الإِرواء" (228).
(4) هذا العنوان من "صحيح البخاري".
(5) أخرجه البخاري: 617

(1/383)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أعمى" (1).

الانتظار بين الأذان والإِقامة
عن عبد الله بن مُغفَّل المزني أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "بين كلّ أذان صلاة -ثلاثاً- لمن شاء" (2).
وعن أنس بن مالك قال: "كان المؤذّن إِذا قام ناسٌ من أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبتدرون السواري حتى يخرُج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم كذلك يُصلّون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء (3) " (4).
قال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة: "لم يكن بينهما إلاَّ قليل" (5).
وفي الحديث: "اجعل بين أذانك وإِقامتك نفَساً، قدْر ما يقضي المعتصر (6) حاجته في مهل، وقدْر ما يفرُغ الآكل من طعامه في مهل" (7).
__________
(1) أخرجه مسلم: 381
(2) تقدّم.
(3) أي: لم يكن بينهما شيء كثير.
(4) أخرجه البخاري: 625
(5) أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به، ووصله الإسماعيلي في "مستخرجه" ومن طريقه البيهقي (2/ 19) بسند صحيح عنه، انظر "مختصر البخاري" (1/ 163).
(6) هو الذي يحتاج إِلى الغائط؛ ليتأهّب للصلاة قبل دخول وقتها، وهو من العَصْر اْو العَصَر، وهو الملجأ والمستخفى. "النهاية".
(7) حسّنه شيخنا بمجموع طُرُقه في "الصحيحة" (887).

(1/384)


وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كان بلال يؤذّن، ثمَّ يُمْهِلُ فإِذا رأى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خرج أقام الصلاة" (1).
جاء في "الفتح" (2/ 106): "قال ابن بطال: لا حدّ لذلك (2) غير تمكُّن دخول الوقت واجتماع المصلّين".
وعن جابر بن سمرة قال: "كان بلال لا يؤخرّ الأذان عن الوقت، وربما أخرَّ الإِقامة شيئاً" (3).

هل يجوز الكلام بين الإِقامة والصلاة؟
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "أُقيمت صلاة العشاء فقال رجل: لي حاجة، فقام النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُناجيه، حتى نام القوم (أو بعض القوم) ثمَّ صلَّوا" (4).
قال ابن حزم في "المحلّى" (تحت مسألة 334): "والكلام جائز بين الإِقامة والصلاة -طال الكلام أو قصُر- ولا تُعاد الإِقامة لذلك". اهـ

الأذان عند دخول الوقت:
ولا يجوز الأذان قبل الوقت في غير الفجر -كما سيأتي-.
قال في "المحلّى" (3/ 160) (مسألة 314): "لا يجوز أن يؤذّن لصلاةٍ
__________
(1) أخرجه أحمد ومسلم: 606
(2) أي: زمن الانتظار.
(3) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (584)، وانظر "الإِرواء" (227).
(4) أخرجه مسلم: 376، وتقدّم في (باب نواقض الوضوء).

(1/385)


قبل دخول وقتها إلاَّ صلاة الصبح فقط".
وجاء في "المغني" (1/ 421): "عدم إِجزاء الأذان قبل الوقت، وقال: وهذا لا نعلم فيه خلافاً وقال: قال ابن المنذر: أجمَع أهل العِلم على أنَّ مِن السنّة أن يؤذّن للصلوات بعد دخول وقتها إلاَّ الفجر، ولأنَّ الأذان شُرع للإِعلام بالوقت، فلا يشرع قبل الوقت لئلا يذهب مقصوده".
وجاء فيه أيضاً: " ... يشرع الأذان للفجر قبل وقتها، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وإِسحاق، ومنعه الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن ... " وذكر الدليل على ذلك.
ثمَّ قال (ص 421): ولنا قول النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ بلالاً يؤذّن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن أم مكتوم" (1). متفق عليه (2)، وهذا يدلّ على دوام ذلك منه، والنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرّه عليه ولم ينهه عنه، فثبت جوازه" اهـ.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يمنعنّ أحدَكم -أو أحداً منكم- أذانُ بلالٍ من سحوره، فإِنَّه يؤذّن -أو ينادي بليل، ليَرجع (3) قائمكم ولينبّه نائمكم ... " (4).
__________
(1) هذا بيّن أنَّ مؤذّن الأذان الأوّل غير مؤذّن الأذان الثاني، وهي سُنّة متروكة، وهذا يُعين في التمييز بين الأذان الأول والثاني، وانظر "تمام المنة" (ص 148).
(2) أخرجه البخاري: 617، 622، 623، ومسلم: 1092
(3) " ... معناه يرد القائم -أي: المتهجّد- إِلى راحته، ليقوم إِلى صلاة الصبح نشيطاً، ويكون له حاجة إِلى الصيام فيتسحّر". "الفتح" (2/ 104 - 105).
(4) أخرجه البخاري: 621، ومسلم: 1093

(1/386)


ْقال القاسم بن محمّد (1): "ولم يكن بين أذانهما إلاَّ أن يرقى ذا وينزل ذا" (2).

هل يقيم غير الذي أذَّن:
يجوز أن يقيم غير الذي أذَّن، لعدم ورود نصِّ ثابت يمنع ذلك، أمّا حديث: "من أذَّن فهو يقيم" فإِنَّه ضعيف، وانظر "الضعيفة" (35).
قال ابن حزم في "المحلّى" (تحت المسألة 329): "وجائز أن يُقيم غير الذى أذَّن؛ لأنَّه يأتِ عن ذلك نهْي يصحّ".
وقال شيخنا -حفظه الله تعالى- تعليقاً على الحديث السابق: "ومن آثار هذا الحديث السيئة أنَّه سبب لإِثارة النزاع بين المصلّين، كما وقع ذلك غير ما مّرة، وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر، ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة، فما يكون من أحدهم إلاَّ أن يعترض عليه محتجًّا بهذا الحديث، ولم يدر المسكين أنَّه حديث ضعيف؛ لا يجوز نسبته إِليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فضلاً عن أن يمنع به الناس من المبادرة إِلى طاعة الله تعالى، ألا وهي إِقامة الصلاة".

الإِقامة في موضع غير موضع الأذان:
لما تقدّم من حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- وفيه صفة الأذان إِلى أن قال: "ثمَّ استأخَر عنّي غير بعيد، ثمَّ قال: تقول: إِذا أقمتَ الصلاة ... "، وذكر الحديث.
__________
(1) هو الراوي عن عائشة -رضي الله عنها-.
(2) أخرجه البخاري: 1918، 1919، ومسلم: 1092

(1/387)


قال شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنّة" (ص 145) -بحذف-: "في هذا دليل واضح على أن السنّة في الإِقامة في موضع غير موضع الأذان.
وقد وجدت بعض الآثار تشهد لحديث عبد الله بن زيد، فروى ابن أبي شيبة (1/ 224) عن عبد الله بن شقيق قال: من السُّنّة الأذان في المنارة، والإِقامة في المسجد، وكان عبد الله يفعله، وسنده صحيح، وروى عبد الرزاق (1/ 506) أن عمر بن عبد العزيز بعث إِلى المسجد رجالاً: إِذا أُقيمت الصلاة فقوموا إِليها. وسنده صحيح أيضاً. وهو ظاهر في أن الإِقامة كانت في المسجد".

هل تعاد الإِقامة إذا طال الفَصل بينها وبين الصلاة؟
لا تُعاد الإِقامة إِذا فُصل بين الإِقامة والصلاة بكلام ونحوه، لحديث حُميد قال: سألتُ ثابتاً البُناني عن الرجل يتكلّم بعدما تُقام الصلاة، فحدَّثني عن أنس بن مالك قال: "أُقيمت الصلاة، فعرَض للنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ فحبَسَه بعد ما أُقيمت الصلاة" (1).
وعن أنس -رضي الله عنه- أيضاً قال: "أُقيمت الصلاة والنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُناجي (2) رجلاً في جانب المسجد، فما قام إِلى الصلاة حتى نام القوم" (3).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج وقد أُقيمت الصّلاة وعُدّلت الصفوف، حتى إِذا قام في مصلاّه انتظرنا أن يُكبّر، انصرف
__________
(1) أخرجه البخاري: 643
(2) أي: يحادث.
(3) أخرجه البخاري: 642

(1/388)


قال: على مكانكم (1)، فمكَثنا على هيئتنا، حتى خرج إِلينا ينطِف (2) رأسه ماءً وقد اغتسل" (3).

متى يقوم الناسُ إِلى الصلاة؟
روى ابن المنذر عن أنس أنَّه كان يقوم إِذا قال المؤذّن: "قد قامت الصلاة".
قال شيخنا في "تمام المنة" (ص 151): قلتُ: ينبغي تقييد ذلك بما إِذا كان الإِمام في المسجد، وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة: "إِن الصلاة كانت تقام لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فيأخذ الناس مصافّهم قبل أن يقوم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقامه". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (553)، وأما إِذا لم يكن في المسجد فلا يقومون حتى يَروْه قد خرَج لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا أُقيمت الصلاة فلا تقوموا؛ حتى تروني قد خرجْت". متفق عليه واللفظ لمسلم، وهو مخرَّج في "صحيح أبي داود" (550 - 552). انظر الشوكاني (3/ 162).

النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان لغير حاجة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يسمع النّداء
__________
(1) أي: كونوا على مكانكم.
(2) أي: يقطر.
(3) أخرجه البخاري: 639، ومسلم: 605 قال الحافظ في "الفتح" (2/ 122): "وفي هذا الحديث من الفوائد ... جواز الفصْل بين الإِقامة والصلاة؛ لأن قوله "فصلَّى" ظاهرٌ في أنَّ الإِقامة لم تُعَدْ، والظاهر أنَّه مُقيَّد بالضرورة وبأمْن خروج الوقت، وعن مالك إِذا بعُدت الإِقامة من الإِحرام تعاد، وينبغي أن يُحمل على ما إذا لم يكن عُذر".

(1/389)


في مسجدي هذا، ثمَّ يخرج منه إلاَّ لحاجة؛ ثمَّ لا يرجع إِليه إلاَّ منافق" (1).
وعن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أدركه الأذان في المسجد ثمَّ خرج لم يخرج لحاجة، وهو لا يُريد الرجعة فهو منافق" (2).
وعن سعيد بن المسيّب -رضي الله عنه- أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلاَّ منافق؛ إلاَّ أحدٌ أخرجَتْه حاجة، وهو يريد الرجوع" (3).
وعن أبي الشعثاء قال: "كنّا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة، فأذّن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعَه أبو هريرة بصَره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (4).

الأذان والإِقامة للفائتة:
من فاتته صلاة؛ لنومٍ أو نسيان، فإِنه يشرع له أن يؤذّن ويقيم حينما يريد صلاتها (5).
__________
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" ورواته محتجٌ بهم في "الصحيح" كما في "الترغيب والترهيب" للمنذري، وصححه شيخنا في "صحيح الترغيب والترهيب" (256).
(2) أخرجه ابن ماجه، وصححه شيخنا في "صحيح الترغيب والترهيب" (257).
(3) أخرجه أبو داود في "مراسيله" وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (258).
(4) أخرجه مسلم: 655 وذكر بعض العلماء أن خروج المسلم لغير حاجة من المسجد عند الأذان؛ كهروب الشيطان عند سماعه.
(5) انظر "الأوسط" (3/ 32).

(1/390)


وذلك لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: "شغَلَنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عز وجل: {وكفى الله المؤمنين القتال} (1)، فأمَر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالاً فأقام لصلاة الظهر، فصلاّها كما كان يصلّيها لوقتها" ثمَّ أقام للعصر فصلاها كما كان يصلّيها في وقتها، ثمَّ أذّن للمغرب فصلاّها في وقتها" (2).
ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قَفَل (3) من غزوة خيبر سار ليلهُ، حتى إِذا أدركه الكرى (4) عرَّس (5)، وقال لبلال: اكلأ (6) لنا الليل فصلّى بلال ما قُدِّر له، ونام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إِلى راحلته مُواجه الفجر، فَغَلَبَت بلالاً عيناه وهو مُستند إِلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربَتهم الشمس، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولهم استيقاظاً، ففزع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أيْ: بلال! " فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ (بأبي أنت وأمّي! يا رسول الله!) بنفسك، قال: "اقتادوا" (7)، فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثمَّ توضّأ
__________
(1) الأحزاب: 25
(2) أخرجه أحمد والنسائي "صحيح سنن النسائي" (638) وغيرهما، وانظر "الإِرواء" (1/ 257).
(3) أي: رجع.
(4) أي: النعاس.
(5) أي: نزل للنوم والاستراحة.
(6) أي: ارقب واحرُس.
(7) أي: خذوا مقاود الرواحل وانطلقوا.

(1/391)


رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمَر بلالاً فأقام (1) الصلاة، فصلّى بهم الصبح فلمّا قضى الصلاة قال: "من نسي الصلاة فليصلِّها إِذا ذكَرها، فإِن الله قال: {وأقِم الصلاة لذِكْري} (2) " (3).
وفي رواية: " ... قال: فأمرَ بلالاً فأذّن وأقام وصلّى" (4).

الأذان لمن يصلّي وحده (5):
عن عقبة بن عامر سمعْت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يعْجَب ربُّك من راعي غنم في رأس شظيّة (6) الجبل يُؤذّن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجلّ: انظروا إِلى عبدي هذا؛ يُؤذّن ويقيم الصلاة يخافُ منّي، قد غفرْتُ لعبدي وأدخلْتُه الجنّة" (7).
قال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 60): "أحبّ إِليّ أن يؤذّن ويقيم إِذا صلّى وحده، ويجزيه إِن أقام وإِن لم يؤذن، ولو صلّى بغير أذان ولا إِقامة لم يجب عليه الإِعادة، وإِنما أحببت الأذان والإِقامة للمصلّي وحده لحديث
__________
(1) في رواية أبي قتادة (681): "ثمَّ أذَّن بلال بالصلاة".
(2) طه: 14
(3) أخرجه مسلم: 680 وغيره، وبعضه في البخاري.
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (421).
(5) هذا العنوان من "سنن النسائي".
(6) الشظية: قطعة مرتفعة في رأس الجبل. وانظر "النهاية".
(7) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي "صحيح سنن النسائي" (642) وغيرهم، وانظر "الإرواء" (214).

(1/392)


أبي سعيد الخدري (1). لئلا يظن ظانّ أن الأذان لاجتماع الناس لا غير، وقد أمر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مالك بن الحويرث وابن عمه بالأذان ولا جماعة معهما لأذانهما وإِقامتهما" (2).

أذان الراعي:
عن عبد الله بن ربيعة: أنَّه كان مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر، فسمع صوت رجل يؤذّن، فقال مِثل قوله، ثمَّ قال: "إِنَّ هذا لراعي غنمٍ، أو عازِبٌ عن أهله" فنظَروا فإِذا هو راعي غنم (3).

الأذان في السفر:
عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: أتى رجلان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريدان السفر، فقال النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذا أنتما خرجتما فأذِّنا ثمَّ أقيما، ثمَّ لِيَؤمّكما أكبركما" (4).
قال أبو عيسى الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم؛ اختاروا الأذان في السفر، وقال بعضهم تُجزئ الإِقامة؛ إِنّما الأذان على من يريد أن يجمع الناس، والقول الأوّل أصحّ، وبه يقول أحمد وإسحاق.
__________
(1) المتقدّم.
(2) كما سيأتي بعد الحديث -إن شاء الله تعالى-.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (641).
(4) أخرجه البخاري: 630

(1/393)


هل للنساء أذان وإِقامة؟
نعم، للنساء ذلك؛ لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنّما النساء شقائق الرجال" (1).
وعن عائشة -رضي الله عنها- "أنها كانت تؤذّن وتقيم ... " (2).
وعن وهب بنَ كيسان قال: "سُئل ابن عمر: هل على النساء أذان؟ فغضب، وقال: أنا أنهى عن ذِكر الله! " (3).
ولم يرَ الشافعي وأحمد -رحمهما الله تعالى- بأساً في ذلك.
انظر للمزيد من الفائدة -إِن شئت- "الأوسط" (3/ 53).

لا أذان ولا إِقامة لصلاة العيدين:
عن ابن عبّاس وجابر قالا: "لم يكن يؤذَّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" (4).
وسيأتي في صلاة العيدين إِن شاء الله تعالى.
__________
(1) حديث صحيح خرّجه شيخنا في "المشكاة" (441) وهو في "صحيح سنن أبي داود" (216) التحقيق الثاني و "صحيح سنن الترمذي" (98).
(2) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" وغيره، وهو حسنٌ لغيره وانظر تخريجه في "تمام المنة" (ص 153).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنّف" (1/ 223) بسند جيد، عن "تمام المنة" (ص 153).
(4) أخرجه البخاري: 960، ومسلم: 886

(1/394)


الكلام في الأذان:
يجوز الكلام في الأذان لحاجة، فقد "تكلّم سليمان بن صُرَد في أذانه" (1).
وقال الحسن: "لا بأس أنْ يضحك وهو يؤذن أو يقيم" (2). وعن عبد الله بن الحارث قال: "خطبَنا ابن عبّاس في يوم ردغْ (3)، فلما بلغ المؤذن حيَّ على الصلاة فأمره أن ينادي: الصلاة في الرِّحال، فنظر القوم بعضهم إِلى بعض، فقال: فعَل هذا من هو خير منه، وإِنّها عَزْمة (4) " (5).

ما يُحقن بالأذان من الدماء (6):
عن أنس بن مالك أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كان إِذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا
__________
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" في "كتاب الأذان" (باب الكلام في الأذان) معلقاً بصيغة الجزم، وقال الحافظ: "وصَله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح ولفظه: "إِنّه كان يؤذّن في العسكر؛ فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه".
(2) أخرجه البخاري معلّقاً بصيغة الجزم في "كتاب الأذان" (باب الكلام في الأذان)، قال الحافظ: لم أره موصولاً.
(3) وفي بعض النسخ بالزاي "رزْغ"، قال في "النهاية": "الرَّدَغَة: طين ووحل كثير، وتجمع على رَدَغ ورداغ، وقال في الرزغ: هو الماء والوحل".
(4) ضد الرخصة.
(5) أخرجه البخاري: 116
(6) هذا العنوان من "صحيح البخاري".

(1/395)


حتى يصبح وينظر، فإِنْ سمع أذاناً كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم (1)، قال: فخرجنا إِلى خيبر فانتهينا إِليهم ليلاً فلمّا أصبح ولم يسمع أذاناً ركل وركبت خلف أبي طلحة وإِنَّ قدمي لتمس قدم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فخرجوا إِلينا بمكاتلهم (2) ومساحيهم (3) فلمّا رأو النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: محمد والله والخميس (4).
قال: فلمّا رآهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكبر خربت خيبر إِنّا إِذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين".
قال الحافظ في "الفتح" (2/ 90) بعد هذا الحديث: "قال الخطابي: فيه أنَّ الأذان شعار الإِسلام، وأنّه لا يجوز ترْكه، ولو أنَّ أهل بلد اجتمعوا على ترْكه؛ كان للسلطان قتالهم عليه" (5).
__________
(1) أخرجه البخاري: 610، ومسلم: 382
(2) المكاتِل: جمع المِكتل -بكسر الميم- وهو القُفّة أي: الزِّنبيل. "شرح الكرماني" (5/ 10).
(3) المساحي: جمع المسحاة، وهي المجرفة إلاَّ أنّها من الحديد. "شرح الكرماني" (5/ 10).
(4) الخميس: الجيش، سمّي به لأنّه مقسوم بخمسة أقسام: المقدّمة، والساقة [المؤخرة] والميمنة، والميسرة، والقلب. وقيل: لأنّه تخمّس فيه الغنائم. "النّهاية".
(5) وجاء في "شرح الكرماني" (5/ 10): " [قال] التيمي: وإنما يُحقن الدم بالأذان لأن فيه الشهادة بالتوحيد والإقرار بالنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: وهذا لمن قد بلغَته الدعوة، وكان يمسك عن هؤلاء حتى يسمع الأذان ليعلم أكانوا مجيبين للدعوة أم لا، لأن الله تعالى قد وعده إظهار دينه على الدين كله.

(1/396)


من بدع الأذان ومخالفاته:
الأصل في العبادات المنع إِلا أن يرد الدليل، والأذان عبادة لا يجوز الإِحداث فيها، فمن المخالفات والمحدثات في الأذان التي لم يرد فيها نص ولم يفعلها الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-:
1 - التغنّي في الأذان واللحن فيه. وقد ثبت أنّ رجلاً جاء إِلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فقال: "إِنّي أحبّك في الله، قال فاشهد عليّ أنّي أبغضك في الله، قال: ولمَ؟ قال: لأنك تلحنُ في أذانك وتأخذ عليه أجراً" (1).
2 - التسبيح قبل الفجر.
3 - زيادة الصلاة على النّبيّ والسلام فيه (2).