الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة سجود التلاوة
فضله:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إِذا قرأَ ابن آدم السجدة فسجد؛ اعتَزَل الشيطان يبكي، يقول:
يا ويله (3) أُمِر ابن آدم بالسجود فسجدَ فله الجنّة، وأُمِرت بالسجود
فأبَيْتُ فلي النار" (4).
حُكمه:
سجود التلاوة سُنّةٌ، وبوّب لذلك الإِمام البخاري -رحمه الله- بقوله: (باب
من رأى أنَّ الله عزّ وجلّ لم يوجب السجود) ثمَّ روى تحته (5) أثر عمر
__________
(1) أخرجه البخاري: 1022
(2) "فتح" (2/ 514)
(3) هو من آداب الكلام، وهو أنَّه إِذا عَرَض في الحكاية من الغير ما فيه
سوء، واقتضت الحكاية رجوع الضمير إِلى المتكلّم؛ صرَف الحاكي الضمير عن
نفسه؛ تصاوناً عن صوره إِضافة السوء إِلى نفسه، قاله بعض العلماء، وقال لي
شيخنا -حفظه الله تعالى- يفعل هذا إِذا كان السامع يفهم المراد.
(4) أخرجه مسلم: 81
(5) برقم: 1077
(2/181)
-رضي الله عنه- أنَّه "قرأ يوم الجمعة على
المنبر بسورة النّحل، حتى إِذا جاء السجدة؛ نزل فسجَد وسجد الناس، حتى إِذا
كانت الجمعة القابلة؛ قرأ بها حتى إِذا جاء السجدة قال: يا أيها الناسُ،
إِنا نَمُرُّ بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إِثمَ عليه، ولم
يسجد عمر -رضي الله عنه-.
وزاد نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إِنَّ الله لم يفرض السجود إلاَّ
أن نشاء".
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "قرأتُ على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنجم؛ فلم يسجد فيها" (1).
وذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- عدّة احتمالات، ورجّح أنَّه تركها لبيان
الجواز وقال: "وبه جزم الشافعي؛ لأنَّه لو كان واجباً لأمره بالسجود بعد
ذلك".
قال ابن حزم -رحمه الله تعالى-: "وليس السجود فرضاً لكنّه فضل" (2).
وجاء في "الفتح" (2/ 558): "ومن الأدلة على أنَّ سجود التلاوة ليس بواجب،
ما أشار إِليه الطحاوي من أنّ الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو
بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر.
وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا، وهي ثانية الحجّ
وخاتمة النجم واقرأ، فلو كان سجود التلاوة واجباً؛ لكان ما ورَد بصيغة
__________
(1) أخرجه البخاري: 1072، ومسلم: 577
(2) "المحلّى" (5/ 157).
(2/182)
الأمر أولى أن يُتفَق على السجود فيه ممّا
ورد بصيغة الخبر".
مواضع السجود
قال ابن حزم -رحمه الله تعالى- في "المحلى" (5/ 156): "في القرآن أربع عشرة
سجدة:
1 - في آخر خاتمة سورة الأعراف (7: 206).
2 - ثمَّ في الرعد (13: 15).
3 - ثمَّ في النحل (16: 49).
4 - ثمَّ في "سبحان" (17: 107).
5 - ثمَّ في "كهيعص" (19: 58).
6 - ثمَّ في الحجّ (22: 18) في الأولى -وليس في آخرها- سجدة.
7 - ثمَّ في الفرقان (25: 60).
8 - ثمَّ في النمل (27: 25، 26).
9 - ثمَّ في "ألم تنزيل" (32: 15).
10 - ثمَّ في "ص" (38: 24).
11 - ثمَّ في "حم" فُصّلت (41: 37).
12 - ثمَّ في "والنجم" (53: 62) في آخرها.
13 - ثمَّ في {إِذا السماء انشقّت} عند قوله تعالى: {لا يسجدون} (84: 21).
(2/183)
14 - ثمَّ في "اقرأ باسم ربك" (96: 19) في
آخرها.
وفي ذلك حديث غير ثابت بلفظ: "مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعاً ...
". خرّجه شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنّة" (ص 269) قائلاً: " ... ليس
بحسَن لأنَّ فيه مجهولين"، ثمَّ ذكر ما جاء في "التلخيص" للحافظ في ذلك
وقال: (أي: شيخنا -حفظه الله-): ولذلك اختار الطحاوي أنْ ليس في الحج سجدة
ثانية قرب آخرها، وهو مذهب ابن حزم في "المحلى"، قال: "لأنَّه لم يصحّ فيها
سُنّة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أجمَع
عليها، وصحّ عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها".
ثمَّ ذهب ابن حزم إِلى مشروعية السجود في السجدات الأخرى المذكورة في
الكتاب، وذكَر أن العشر الأولى متفق على مشروعية السجود فيها عند العلماء.
وكذلك حكى الاتفاق عليها الطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 211)، إلاَّ أنَّه
جعَل سجدة (فُصّلت) بدل سجدة (ص). ثمَّ أخرجا كلاهما بأسانيد صحيحة عن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه سجد في (ص) و (النجم) و
(الانشقاق) و (اقرأ). وهذه الثلاث الأخيرة من المفصّل التي أشير إليها في
حديث عمرو هذا.
وبالجملة؛ فالحديث مع ضعف إِسناده قد شهد له اتفاق الأمّة على العمل
بغالبه، ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيّته، إلاَّ سجدة الحج الثانية
فلم يوجد ما يشهد لها من السنّة والاتفاق، إلاَّ أن عمل بعض الصحابة على
السجود فيها، قد يستأنس بذلك مشروعيتها، ولا سيما ولا يُعرَف لهم
(2/184)
مخالِف. والله أعلم".
هل يشترط له ما يشترط للصلاة؟
لا يشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة.
ففي "صحيح البخاري" (1) مُعلّقاً مجزوماً به "وكان ابن عمر -رضي الله
عنهما- يسجد على غير وضوء" (2).
وإِلى هذا ذهب ابن حزم -رحمه الله تعالى- في "المحلّى" (5/ 157) فقد قال
فيه: "ويسجد لها في الصلاة الفريضة والتطوّع، وفي غير الصلاة في كلّ وقت،
وعند طلوع الشمس وغروبها واستوائها؛ إِلى القبلة، وإِلى غير القبلة وعلى
طهارة وعلى غير طهارة".
وقال (ص 165): "وأمّا سجودها على غير وضوء، وإِلى غير القبلة كيف ما يمكن؟
فلأنّها ليست صلاة، وقد قال عليه السلام: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"
(3) فما كان أقلّ من ركعتين فليس صلاة، إلاَّ أن يأتيَ نصٌّ بأنَّه صلاة،
كركعة الخوف، والوتر، وصلاة الجنازة، ولا نصّ في أنّ سجدة التلاوة صلاة.
وجاء في "الاختيارات" (ص 60): "فليس هو صلاة، فلا يشترط له شروط
__________
(1) "كتاب سجود القرآن" (باب سجود المسلمين مع المشركين ... ) وقال الحافظ
في "الفتح" (2/ 553): "كذا للأكثر (أي: على غير وضوء) وفي رواية الأصيلي
بحذف غير والأوّل أولى.
(2) "كتاب سجود القرآن" (باب سجود المسلمين مع المشركين ... ) وقال الحافظ
في "الفتح" (2/ 553): "كذا للأكثر (أي: على غير وضوء) وفي رواية الأصيلي
بحذف غير والأوّل أولى.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1151)، وانظر "تمام المنة" (ص
240)، وتقدّم.
(2/185)
الصلاة، بل يجوز على غير طهارة، كان ابن
عمر يسجد على غير طهارة، واختارها البخاري، لكن السجود بشروط الصلاة أفضل،
ولا ينبغي أن يُخلّ بذلك إلاَّ لعُذر، فالسجود بلا طهارة خير من الإِخلال
به ... ".
وقال الشوكاني -رحمه الله-: "ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدلّ على
اعتبار أن يكون الساجد متوضّئاً، وقد كان يسجد معه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حضَر تلاوته، ولم يُنقل أنَّه أمَر أحداً منهم
بالوضوء، ويبعُد أن يكونوا جميعاً متوضئين .... " (1).
هذا وقد وردت بعض الآثار في اشتراط الطهارة ذكَرها الحافظ في "الفتح"
وغيره، والأرجح ما تقدّم بيانه من عدم اشتراط ذلك والله تعالى أعلم.
هل ثبت فيه التكبير؟
أمَّا التكبير ففيه نصوص مرفوعة لا تصحّ وانظر لذلك "تمام المنّة" (ص 267):
"وفيه يقول شيخنا -حفظه الله تعالى-: وقد روى جمْع من الصحابة سجوده -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للتلاوة في كثير من الآيات؛ في
مناسبات مختلفة؛ فلم يذكُرْ أحدٌ منهم تكبيره عليه السلام للسجود، ولذلك
نميل إِلى عدم مشروعيّة هذا التكبير، وهو رواية عن الإِمام أبي حنيفة -رحمه
الله-.
وقال -حفظه الله- (ص 269): وأخرج (أي: ابن أبي شيبة) عن أبي قلابة وابن
سيرين أنَّهما قالا: إِذا قرأ الرجل السجدة في غير الصلاة قال: الله أكبر،
وإِسناده صحيح.
وقال -حفظه الله تعالى-: ورواه عبد الرزاق في "المصنّف"
__________
(1) "نيل الأوطار" (3/ 127) وذكره السيد سابق في "فقه السنّة" (1/ 222).
(2/186)
(3/ 349/5930) بإِسناد آخر صحيح عنهما نحوه
ثمَّ روى التكبير عند سجود التلاوة هو والبيهقي عن مسلم بن يسار، وإِسناده
صحيح". انتهى.
الدعاء فيه:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول في سجود القرآن بالليل؛ يقول في السجدة مراراً: سجدَ وجهي
للذي خلقه وشقَّ سمْعَه وبصرَه بحوله وقوّته" (1).
عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: "كنت عند النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتاه رجل فقال: إِنّي رأيت البارحة، فيما يرى
النائم، كأني أُصلّي إِلى أصْل شجرة. فقرأْتُ السجدة، فسجدتُ، فسجدتِ
الشجرة لسجودي. فسمعتُها تقول: اللهمّ احطُط عني بها وِزراً، واكتب لي بها
أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً.
قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: فرأيت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قرأ السجدة فسجد. فسمعتُه يقول في سجوده مِثل الذي أخبَره
الرجل عن قول الشجرة" (2).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1255)، والترمذي "صحيح سنن
الترمذي" (474)، وانظر "المشكاة" (1035).
(2) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (865)، والترمذي "صحيح سنن
الترمذي" (473)، وانظر "المشكاة" (1036)، و"الصحيحة" (2710)، وهو في مسلم
(771) بلفظ مقارب: "وإذا سجدَ قال: اللهمّ لك ... " دون ذِكر سجدة التلاوة،
وذكَر بعض أهل العلم أنَّه ليس هناك ذكْر خاص لسجود التلاوة ولكن ينفي هذا
تبويبُ أهل الحديث في معظم كتبهم لهذا؛ كقول كثيرٍ منهم: (باب ما يقول في
سجود القرآن) ونحو ذلك، وحصْر أدعية معينة تحته والله تعالى أعلم.
(2/187)
السجود في الصلاة
الجهرية:
يشرع للإِمام والمنفرد أن يسجد حين يقرأ آية السجدة في الصلاة الجهرية.
وبوّب لذلك الإِمام البخاري -رحمه الله تعالى- في "صحيحه" في "كتاب سجود
القرآن" بقوله: (باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجَد معها).
ثمَّ ذكر حديث أبي رافع برقم (1078) (1) قال: "صلّيتُ مع أبي هريرة
العَتَمَة، فقرأ: {إِذا السماء انشقّت} فسجد، فقلتُ: ما هذه؟ قال سجدْت بها
خلف أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا أزال أسجد حتى
ألقاه".
أمَّا الصلاة السرّية، فقد نُقل عن الإِمام مالك كراهية ذلك، وهو قول بعض
الحنفية أيضاً وغيرهم. وانظر "الفتح" (2/ 559).
وقال شيخنا في "تمام المِنّة" (ص 272): " ... فالحقّ ما ذهب إِليه أبو
حنيفة من الكراهية، وهو ظاهر كلام الإِمام أحمد ... ".
السجود لسجود القارئ:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد ونسجد؛ حتى ما يجد أحدنا
موضع جبهته" (2).
__________
(1) وهو في صحيح مسلم: 578
(2) أخرجه البخاري: 1075، ومسلم: 575
(2/188)
|