الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

مبطلات الصلاة
1 - الأكل والشرب عمداً:
قال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 248): "أجمع أهل العلم على أنَّ المصلّي ممنوع من الأكل والشرب، وأجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنَّ على من أَكل أو شرب في الصلاة عامداً الإِعادة".

2 - الكلام عمداً في غير مصلحة الصلاة (1):
قال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 234): "أجمع أهل العلِم على أنَّ من تكلّم في صلاته عامداً لكلامه، وهو لا يريد إِصلاح شيء من أمرها أنّ صلاته فاسدة".
عن زيد بن الأرقم قال: "كنّا نتكلّم في الصلاة يُكلِّم الرجل صاحبه وهو إِلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: {وقوموا لله قانتين (2)} (3) فأُمِرْنا بالسكوت ونُهِينا عن الكلام" (4).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كنّا نُسلِّم على النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
__________
(1) هذا العنوان من "فقه السنة".
(2) قانتين: أى مطيعين: هو تفسير ابن مسعود أخرجه ابن أبي حاتم بإِسناد صحيح. "فتح" (8/ 198). وقال ابن كثير في "تفسيره": أي: "خاشعين: ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزِمٌ ترْك الكلام في الصلاة؛ لمنافاته إِياها".
(3) البقرة: 238
(4) أخرجه البخاري: 1200، ومسلم: 539 وهذا لفظه.

(2/301)


وهو في الصلاة فيردُّ علينا، فلمّا رجعْنا من عند النجاشيِّ سلّمْنا عليه فلم يردّ علينا وقال: إِنّ في الصلاة شُغُلاً" (1).
أمّا من تكلّم ناسياً أو جاهلاً بالحُكم فصلاته صحيحة، كما في حديث معاوية بن الحكم السُّلميّ قال: "بَيْنا أنا أُصلّي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم (2) فقلت: واثكْلَ أُمِّياهْ (3)! ما شأنكم (4) تنظرون إليَّ؛ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم يُصَمِّتُونني (5) لكنِّي سكتُّ. فلما صلّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبأبي هو وأمِّي! ما رأيتُ معلّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله! ما كَهَرني (6) ولا ضربني ولا شتمني. فال: إِنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إِنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" (7).
جاء في "المرقاة" (3/ 62): "قال القاضي: أضاف الكلام إِلى الناس ليخرج منه الدعاء والتسبيح والذكر، فإِنّه لا يراد بها خطاب الناس وإِفهامهم.
__________
(1) أخرجه البخاري: 1199، ومسلم: 538
(2) أي: نظروا إِليّ نظْر زجْر؛ كيلا أتكلمّ في الصلاة. قاله الطيبي كما في "المرقاة" (3/ 61).
(3) بكسر الميم والثُّكْل بضمٍّ وسكون وبفتحهما: فقدان المرأة ولدها، والمعنى: وافقدها لي فإِني هلكْت. "المرقاة".
(4) أي: ما حالكم وأمركم؟
(5) أي: يسكّتونني.
(6) أي: ما قهرَني وزجَرني وما استقبَلني بوجه عبوس. "مرقاة" بتصرف.
(7) أخرجه مسلم: 537

(2/302)


قال النووي: وفيه أنّ من حلف أن لا يتكلّم فسبّح أو كبّر أو قرأ القرآن لا يحنث، وفي "شرح السنّة"، لا يجوز تشميت العاطس في الصلاة، فمن فعل بطلت صلاته، وفيه أنّ كلام الجاهل بالحكم لا يبطلها إِذ لم يأمره [رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بإِعادة الصلاة، وعليه أكثر العلماء من التابعين، وبه قال الشافعي، وزاد الأوزاعي وقال: إِذا تكلم عامداً بشيء من مصلحة الصلاة مِثل: إِنْ قام الإِمام في محل القعود فقال: اقعد، أو جهَر في موضع السرّ فأخبَره لم تبطل صلاته (1) اهـ.
وقال ابن حجر: أجمعوا على بطلانها بالكلام العمد لغير مصلحة الصلاة، واعترض الإِجماع بأنّ ابن الزبير قال: من قال وقد مطروا في الصلاة: يا هذا خفف فقد مُطِرنا لا تبطل صلاته".

3 - الاشتغال الكثير بما ليس من الصلاة:
قال الشوكاني في "الدرر البهية" (1/ 284): "وذلك مُقيَّد بأن يخرج به المصلّي عن هيئة الصلاة؛ كمن يشتغل مثَلاً بخياطة أو نجارة، أو مشْيٍ كثيرٍ، أو التفاتٍ طويل، أو نحو ذلك، وسبب بطلانها بذلك أنّ الهيئة المطلوبة من المصلّي قد صارت بذلك الفعل متغيرة عمّا كانت عليه، حتى صار الناظر لصاحبها لا يعدّه مصلياً".
وقال محمد صدّيق البخاري في "الروضة الندية" (1/ 285) -بحذف-: "اختلف أنظار أهل العلم في تعريف الفعل الكثير المفسد للصلاة والمبطل لها والذي أراه طريقاً إِلى معرفة الفعل الكثير، أن ينظر المتكلّم في ذلك إِلى
__________
(1) قلت: "وهذا إِذا لم يعقل الإِمام مراده من التسبيح فيتكلّم".

(2/303)


ما صدر منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأفعال (1)، مثل حمْله لأُمامة بنت أبي العاص، ونحو ذلك مما وقع منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا لإِصلاح الصلاة، فيحكم بأنّه غير كثير، وكذلك ما وقع لقصد إصلاح الصلاة مثل خلْعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنعل، وإِذنه بمقاتلة الحيّة وما أشبه ذلك (2). ولكنه إِذا صدر من المصلي من الأفعال التي لمجرّد العبث ما يخرج به عن هيئة من يؤدي هذه العبادة؛ مِثل أن يشتغل بعملٍ من الأعمال التي لا مدخل لها في الصلاة ولا في إِصلاحها نحو: حمل الأثقال والخياطة، والنسج ونحو ذلك فهذا غير مُصلٍّ".
ثمَّ ذكر ما جاء في "الحجة البالغة" (2/ 13 - 14): "إِنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فعل أشياءَ في الصلاة بيانا للمشروعية، وقرر على أشياءَ، فذلك وما دونه لا يُبطِل الصلاة.
والحاصل من الاستقراء؛ أنّ القول اليسير مِثل: ألعنك بلعنه الله، ويرحمك الله وياثكل أمّاه، وما شأنكم تنظرون إِليَّ [بغير عمد]، والبطش اليسير مثل: وضع صبية من العاتق ورفعها، وغمز الرجل، ومثل فتح الباب (3) والمشي اليسير كالنزول من درج المنبر إِلى مكان ليتأتى منه السجود في أصل المنبر، والتأخر من موضع الإِمام إِلى الصف، والتقدّم إِلى الباب المقابل ليفتح، والبكاء خوفاً من الله تعالى، والإِشارة المُفهِمة، وقتل الحية والعقرب،
__________
(1) انظر ما يباح فِعله في الصلاة.
(2) لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب". وتقدّم.
(3) إِن كان في جهة القبلة.

(2/304)


واللحظ يميناً وشمالاً من غير ليِّ العنق لا يفسد، وإنْ تعلّق القذر بجسده أو ثوبه إِذا لم يكن بفعله، أو كان لا يعلمه لا يفسد" (1).

4 - ترْك شرط أو رُكن عمداً بلا عُذر:
وذلك لما تقدّم في قول النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمسيء صلاته: "ارجع فصلِّ فإِنّك لم تُصلِّ".
وقد أمَر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رأى لمعة في ظهر قدمه لم يُصبها الماء؛ أن يعيد الوضوء والصلاة (2).
جاء في "الروضة النديّة" (1/ 288): "وإذا ترك الركن فما فوقه سهواً فعَله، وإن كان قد خرج عن الصلاة، كما وقع منه -صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم- في حديث ذي اليدين (3)، فإِنّه سلم عن ركعتين ثمَّ أخبر بذلك، فكبّر وفعل الركعتين المتروكتين، وأمّا ترْك ما لم يكن شرطاً ولا ركناً من الواجبات فلا تبطل به الصلاة؛ لأنّه لا يؤثر عدمه في عدمها، بل حقيقة الواجب ما يمدح فاعله ويذمّ تاركه، وكونه يذمّ لا يستلزم أنّ صلاته باطلة".

5 - الضحك في الصلاة:
نقل ابن المنذر الإِجماع على بُطلان الصلاة بالضحك (4).
__________
(1) وفي كل هذا أو ما يشبهه أحاديثُ ثابتة.
(2) تقدم في الترهيب من النقص في غَسل الرجلين.
(3) تقدّم.
(4) الإِجماع: 40

(2/305)