الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب البيوع
(1/333)
تعريفها:
" البيوع: جمع بيع. وجُمِعَ لاختلاف أنواعه.
والبيع: نقل ملك إلى الغير بثمن. والشراء قبوله. ويطلق كل منهما على الآخر.
مشروعيتها:
قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ
مِنْكُمْ} (2) وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا" (3).
وأجمع المسلمون على جواز البيع، والحكمة تقتضيه، لأن حاجة الإنسان تتعلق
بما في يد صاحبه غالبا، وصاحبه قد لا يبذله له، ففى تشريع البيع وسيلة إلى
بلوغ الغرض من غير حرج" (4).
الحث على المكاسب:
عن المقدام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد
طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود عليه السلام كان
يأكل من عمل يده" (5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه"
(6).
__________
(1) البقرة: 275.
(2) النساء: 29.
(3) متفق عليه: خ (2110/ 328/9)، م (1532/ 1164/ 3)، د (3442/ 330/ 9)، ت
(1264/ 359/ 2) نس (244/ 7).
(4) فتح البارى (287/ 4).
(5) صحيح: [ص. ج 5546]، خ (2072/ 303/ 4).
(6) صحيح: [ص. ج 7069]، خ (2074/ 303/ 4)، ت (675/ 94/ 2)، نس (96/ 5).
(1/335)
لا بأس بالغنى لمن
اتقى:
عن معاذ بن عبد الله بن خُبيب عن أبيه عن عمه قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: "لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى،
وطيب النفس من النعيم" (1).
الحث على الاقتصاد في طلب المعيشة:
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها
الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفى رزقها،
وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلّ ودعوا ما حرم"
(2).
الحث على الصدق والتحذير من الكذب:
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فان صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن
كتما وكذبا محقت بركة: بيعهما" (3).
عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المسلم
أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بيّنه له" (4).
__________
(1) صحيح: [ص. جه 1741]، جه (2141/ 724/ 2)
(2) صحيح: [ص. جه 1743]، جه (2144/ 725/ 2)
(3) سبق ص 329
(4) صحيح: [ص. ج 6705]، جه (2246/ 755/ 2)
(1/336)
الحث على السهولة
والسماحة في الشراء والبيع:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" (1).
فضل إنظار المعسر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان تاجر
يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه تجاوزوا عنه، لعلّ الله أن
يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه" (2).
النهى عن الغش:
عن أبي- هريرة قال: "مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل يبيع
طعامًا، فأدخل يده فيه، فإذا هو مغشوش فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: "ليس منّا من غشّ" (3).
الحث على التبكير في طلب الرزق:
عن صخر الغامدى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بارك
لأمتى في بكورها" (4).
ما يقول إذا دخل السوق:
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: "من قال حين يدخل السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير كله، وهو على كل
شيء قدير
__________
(1) صحيح: [ص. ج 4454]، خ (2076/ 206/ 4).
(2) صحيح: [ص. ج 3495]، خ (2078/ 308/ 4).
(3) صحيح: [الإرواء 1319]، [ص. جه 1809]، جه (2224/ 749/ 2) واللفظ له، د
(3435/ 321/ 9) ت (1329/ 389/ 2)، م (102/ 99/ 1).
(4) صحح: [ص. جه 1818]، جه (2236/ 752/ 2)، ت (1230/ 343/ 2)، د (2589/
7/265). وقوله في بكورها: أي فيما يأتون به أول النهار.
(1/337)
كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف
ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة" (1).
وأحل الله البيع:
والأصل جواز بيع كل شيء على أي نحو كان البيع، ما دام عن تراضٍ من
المتبايعين، ما لم ينه الشارع.
ما نهى عنه الشارع من البيوع:
1 - بيع الغرر:
وهو كل بيع احتوى جهالة، أو تضمن مخاطرة أو قمارًا.
عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة،
وعن بيع الغرر" (2).
قال الإِمام النووى - رحمه الله - في شرح مسلم (156/ 10):
وأما النهى عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه
مسلم، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول،
وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء
الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمّل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهما،
وبيع ثوب من أثواب، وشاة من شياه، ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل؛ لأنه غرر
من غير حاجة.
قال: فإن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة،
وكان الغرر حقيرا جاز البيع، ولذا أجمع المسلمون على جواز بيع الجبة
المحشوة وإن لم يرحشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز.
__________
(1) حسن: [ص. جه 1817]، جه (2235/ 752/ 2).
(2) صحيح: [مختصر م 939]، [الإرواء 1294]، م (1513/ 1153/ 3)، ت (1248/
349/ 2)، د (3360/ 230/ 9)، جه (2194/ 739/ 2)، نس (262/ 7).
(1/338)
قال: واعلم أن بيع الملامسة، وبيع
المنابذة، وبيع حَبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسب الفحل وأشباهها من البيوع
التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة في النهى عن بيع الغرر، ولكن أفردت
بالذكر، ونهى عنها، لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة. والله أعلم. أهـ
بتصرف.
بيع الملامسة والمنابذة:
عن أبي هريرة أنه قال: "نُهى عن بيعتين: الملامسة والنابذة:
أما الملامسة: فأن يلمس كلُّ واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل.
والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، ولم ينظر واحد منهما إلى
ثوب صاحبه" (1).
وعن أبي سعيد الخدرى قال: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
بيعتين ولبستين: نهى
عن الملامسة والمنابذة في البيع:
والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده، بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا
بذلك.
والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون
ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض" (2).
بيع حبل الحبلة:
عن ابن عمر قال: "كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حَبَل
الحبَلةَ، وحَبَل الحبَلة: أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نُتجت، فنهاهم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك" (3).
__________
(1) صحيح: [مختصر م 938]، م (1511 - 2 - / 1152/ 3).
(2) متفق عليه: م (1512/ 1152/ 3) وهذا لفظه، خ (44، 2147/ 358/ 4)، د
(3362/ 231/ 9)، نس (260/ 7).
(3) متفق عليه: خ (2143/ 356/ 4)، م (1514/ 1153/ 3)، د (64، 3365/ 233/
9)، ت (1247/ 349/2) مختصرا، نس (293/ 7)، جه (2197/ 740/ 2) مختصرا.
(1/339)
بيع الحصاة:
عن اْبى هريرة قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة،
وعن بيع الغرر" (1).
قال الإِمام النووى - رحمه الله - في شرح مسلم: (156/ 10):
أما بيع الحصاة ففيه ثلاث تأويلات:
أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو
بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة.
والثانى: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمى بهذه الحصاة.
والثالث: أن يجعلا نفس الرمى بالحصاة بيعا، فيقول: إذا رميت هذا الثوب
بالحصاة فهو مبيع منك بكذا. أهـ.
عَسْب الفحل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
عَسْب الفحل" (2).
2 - بيع ما ليس عنده:
عن حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله، الرجل يسألنى البيع وليس عندي،
أفابيعه؟ قال: "لا تبع ما ليس عندك" (3).
3 - بيع المبيع قبل قبضه:
عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما
فلا يبعه حتى يقبضه". قال ابن عباس: "وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام" (4).
__________
(1) سبق ص 332.
(*) الفحل: الذكر من كل حيوان فرسًا كان أو جملًا أو تيسًا والمراد بعسب
الفحل ثمن ماء الفحل وقيل أجرة الجماع.
(2) صحيح: [مختصر م 939]، خ (2284/ 461/ 4)، د (3412/ 296/ 9)، ت (1291/
372/ 2).
(3) صحيح: [الإرواء 1292]، جه (2187/ 737/ 2)، ت (1250/ 350/ 2)، د (3486/
401/ 9).
(4) متفق عليه: م (1525 - 30 - / 1160/ 3) واللفظ له، خ (2135/ 349/ 4)، د
(3480/ 393 /9)، نس (286/ 7)، ت (1309/ 379/ 2).
(1/340)
وعن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" فقلت لابن
عباس: لم؟ فقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعامُ مرجأ" (1).
4 - البيع على بيع أخيه:
عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبع بعضكم على
بيع بعض" (2).
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "لا يَسُم المسلم
على سوم أخيه" (3).
5 - بيع العينة:
وهو أن يبيع شيئًا من غيره بثمن مؤجل ويسلّمه إلى المشترى، ثم يشتريه قبل
قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر.
عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايعتم بالعينة،
وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذُلًّا
لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (4).
6 - بيع الأجل بزيادة في الثمن (بيع التقسيط):
انتشر في هذه الأيام بيع الأجل بزيادة في الثمن، وهو المعروف ببيع التقسط،
وهو -كما هو معلوم- بيع السلعة بأقساط مع زيادة في الثمن مقابل هذا
التأجيل، كأن تكون السلعة نقدًا بألف -مثلا- فتباع بالتقسيط بألف ومائتين،
وهذا البيع من البيوع المنهي عنها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
"من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا" (5).
__________
(1) متفق عليه: م (1525 - 31 - / 1160/ 3) وهذا لفظه، خ (2132/ 347/ 4)، د
(3479/ 392/ 9).
(2) متفق عليه: خ (2165/ 373/ 4)، م (1412/ 1154/ 3)، جه (1271/ 333/ 2).
(3) صحيح: [الإرواء 1298]، م (1515/ 1154/ 3).
(4) صحيح: [ص. ج 423]، د (3445/ 335/ 9).
(5) حسن: [ص. ج 6116]، د (3444) ولمزيد من التفصيل راجع السلسلة الصحيحة
للألباني (2326)، وكذا رسالة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق "القول الفصل في
بيع الأجل".
(1/341)
ما لا يجوز بيعه:
1 - الخمر:
عن عائشة رضي الله عنها: "لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها، خرج النبي -
صلى الله عليه وسلم - فقال: "حُرّمت التجارة في الخمر" (1).
2 - الميتة: والخنزير والأصنام:
عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو
بمكة عام الفتح: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير،
والأصنام، فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفن،
ويُدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام" ثم قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم
شحومها جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه" (2).
3 - الكلب:
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحُلوان الكاهن (*) " (3).
4 - التصاوير التي فيها روح:
عن سعيد بن أبي الحسن قال: "كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل
فقال: يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه
التصاوير. فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، سمعته يقول: "من صَوَّر صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها
الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا. فرَبا الرجل ربوة شديدة واصفرّ وجهه. فقال:
ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح" (4).
__________
(1) متفق عليه: خ (2226/ 417 / 4)، م (1580/ 1206/ 3)، د (3473/ 380/9)، نس
(308/ 7).
(2) متفق عليه: خ (2236/ 424/ 4)، م (1581/ 1207/ 3)، ت (1315/ 281/ 2)، د
(3469/ 377/ 9) جه (2167/ 737/ 2)، نس (309/ 7).
(*) البغي: الفاجرة تكتسب بفجورها، وحلوان الكاهن: أجره.
(3) متفق عليه: خ (2237/ 426/ 4)، م (1567/ 1198/ 3)، د (3464/ 374 /9)، ت
(1293/ 372/ 2) جه (2159/ 730/ 2)، نس (309/ 7).
(4) متفق عليه: خ (2225/ 416/ 4)، واللفظ له، م (2110/ 1670/ 3)، نس (215/
8) مختصرا.
(1/342)
5 - الثمر قبل بدو
صلاحه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، "أنه نهى عن
بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو. قيل: وما يزهو؟ قال:
يحمارّ أو يصفارّ" (1).
وعنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهى.
فقيل له: وما تزهى؟ قال: حتى تحمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه" (2).
6 - الزرع قبل اشتداد حَبّه:
عن ابن عمر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع النخل حتى
يزهو، وعن السنبل حتى يبيض (*)، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري" (3).
* * *
__________
(1) صحيح: [ص. خ 6928]، خ (2197/ 397/ 4).
(2) متفق عليه: خ (2198/ 398/ 4)، واللفظ له، م (1555/ 1190/ 3)، نس (264/
7).
(*) السنبل حتى يبيض: معناه يشتد حبه وهو بدو صلاحه ويامن العاهة: هى الآفة
تصيب الزرع أو الثمر ونحوه فتفسده.
(3) صحيح: [مختصر م 917]، م (1535/ 1165/ 3)، د (3352/ 222/ 9)، ت (1245/
348/ 2)، نس (270/ 7).
(1/343)
الخيار
تعريفه:
هو طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الإلغاء.
أقسامه:
1 - خيار المجلس: ويثبت للمتعاقدين من حين العقد إلى أن يتفرقا، ما لم
يتبايعا على أن لا خيار، أو يسقطاه بعد العقد، أو يسقطه أحدهما، فيسقط حقه
ويبقى حق الآخر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكان جميعا، أو
يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع،
وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع" (1).
وتحرم الفرقة من المجلس خشية الاستقالة:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، فلا يحل له أن
يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" (2).
2 - خيار الشرط: وهو أن يشرطا، أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة، فيصح وإن
طالت المدة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن
المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا" (3).
__________
(1) متفق عليه: خ (2112/ 332/ 4)، م (1531 - 44 - /1163/ 3)، نس (249/ 7).
(2) صحيح: [ص. ج 2895]، د (3439/ 324 / 9)، ت (1265/ 360/ 2)، نس (251/ 7).
(3) متفق عليه: خ (2107/ 326/ 4)، م (1531/ 1163 /3)، نس (248/ 7).
(1/344)
3 - خيار العيب: قد تقدم النهي عن كتمان
العيب، فإذا اشترى الرجل سلعة معيبة ولم يدر بالعيب حتى تفرقا فله ردّ
السلعة على بائعها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من
اشترى غنما مصرّاةً فاحتلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع
من تمر" (1).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُصَرّوا
الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء
أمسك، وإن شاء ردّها وصاع تمر" (2).
* * *
__________
(1) متفق عليه: خ (2151/ 368 / 4)، وهذا لفظه، م (1524/ 1158/ 3)، د (3428/
312/ 9)، نس (253/ 7).
(2) صحيح: [ص. ج 7347]، خ (2148/ 361/ 4)، د (3426/ 310/ 9) بزيادة في
أوله، وكذا: نس (253/ 7). وقوله لا تصروا الإبل والغنم: لا تجمعوا اللبن في
ضرعها عند إرادة بيعها، حتى يعظم ضرعها، فظن المشتري أن كثرة لبنها عادة
لها مستمرة.
(1/345)
الربا
تعريفه:
الربا -مقصور- وهو من ربا يربو، فيكتب بالألف.
وأصل الربا: الزيادة، إما في نفس الشيء، كقوله تعالى: {اهْتَزَّتْ
وَرَبَتْ} (*).
وإما في مقابلة: كدرهم بدرهمين.
حكمه:
الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا
بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ
فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1).
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (2).
وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (3).
وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات.
قالوا: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي
حرّم الله إلا بالحق، واكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف،
وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (4).
__________
(*) الحج: 5.
(1) البقرة: 278، 279.
(2) البقرة: 275.
(3) البقرة: 276 يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه إما بأن يذهبه
بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به بل يعدمه به في
الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة.
(4) متفق عليه: خ (2766/ 393/ 5). م (89/ 92/ 1). د (2857/ 77/ 8)، نس
(257/ 6).
(1/346)
وعن جابر قال: "لعن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء" (1).
وعن ابن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الربا ثلاثة وسبعون
بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه" (2).
وعن عبد الله بن حنظلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "درهم ربا
يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" (3).
وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أحد أكثر من الربا
إلا كان عاقبة
أمره إلى قلّة" (4).
أقسامه:
والربا قسمان: ربا النسيئة، وربا الفضل.
فأما ربا النسيئة: فهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير
التأجيل.
وهذا النوع محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وأما ربا الفضل: فهو بيع النقود بالنقود، أو الطعام بالطعام مع الزيادة.
وهو محرم بالسنة والإجماع؛ لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة.
الأصناف التي يحرم فيها الربا:
ولا يجري الربا إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في هذا الحديث:
__________
(1) صحيح: [مختصر م 955]، [ص. ج 5090]، م (1598/ 1219/ 3).
(2) صحيح: [ص. ج 3539]، كم (37/ 2).
(3) صحيح: [ص. ج 3375]، أ (230/ 69/ 15).
(4) صحيح: [ص. ج 5518]، جه (2279/ 765/ 2).
(1/347)
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ،
والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءًا بسواء،
يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد" (1).
فإذا بيع جنس من هذه الستة بجنسه كذهب بذهب، أو تمر بتمر حرم التفاضل وحرم
النّساء، ولا بد من المماثلة في الوزن أو في الكيل، بغض النظر عن الجودة
والرداءة، ولابد من التقابض في المجلس:
عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا
تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا
تبيعوا منها غائبا بناجز" (2).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبُرّ بالبُرّ ربا إلا هاء وهاء،
والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" (3).
وعن أبي سعيد قال: كنا نُرزَق تمر الجمع على عهد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، وهو الخلط من التمر، فكنا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لا صاعَيْ تمر بصاع، ولا صاعَيْ حنطة بصاع،
ولا درهم بدرهمين" (4).
وإذا بيع جنس من هذه الستة بغير جنسه كذهب بفضة، أو بُرّ بشعير جاز التفاضل
بشرط أن يكون التقابض في المجلس:
__________
(1) صحيح: [مختصر م 949]، م (1587 - 81 - / 1211/ 3). والبُر: حب القمح.
(2) متفق عليه: خ (2177/ 379/ 4)، م (1584/ 1208/ 3)، نس (278/ 7)، ت
(1259/ 355/ 2) بنحوه.
(3) متفق عليه: خ (2134/ 347 /4)، وهذا لفظه، م (1586/ 1209/ 12)، ت (1261/
357 /2)، نس (273/ 7)، وعندهم اللفظ الأول: "الذهب بالورق"، د (3332/ 197/
9) باللفظين.
(4) متفق عليه: م (1595/ 1216/ 3) وهذا لفظه، خ (2080/ 311/ 4) مختصرًا، نس
(272/ 7). والحنطة: القمح.
(1/348)
لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
عبادة السابق:
"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا في حديث عبادة عند أبي داود وغيره:
"ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما، يدا بيد، وأما نسيئة فلا، ولا
بأس ببيع البُرّ بالشعير، والشعير أكثرهما، يدا بيد، وأما نسيئة فلا" (1).
وإذا بيع جنس من هذه الستة بما يخالفه في الجنس والعلة كذهب ببُرّ، وفضة
بملح جاز التفاضل والنسيئة.
عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاما من
يهودي إلى أجل، فرهنه درعه" (2).
وقال الأمير الصنعاني في "سبل السلام": (38/ 3):
"واعلم أنه اتفق العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في الجنس،
مؤجلًا ومتفاضلًا كبيع الذهب بالحنطة، والفضة بالشعير، وغيره من المكيل"
أهـ.
ولا يجوز بيع الرطب بما كان يابسًا إلا لأهل العرايا، وهم الفقراء الذين لا
نخل لهم، فلهم أن يشتروه من أهل النخل رطبا يأكلونه في شجره، بخرصه تمرا.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
نهى عن المزابنة. والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب
كيلًا" (3).
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص
لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من التمر" (4). وإنما نهى النبي - صلى الله
عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر لأن الرطب إذا يبس نقص:
__________
(1) صحيح: [الإرواء 195/ 5]، د (3333/ 198/ 9).
(2) صحيح: [الإرواء 1393]، خ (2200/ 399/ 4).
(3) متفق عليه: خ (2185/ 384/ 4)، م (1542/ 1171/ 3)، نس (266/ 7).
(4) متفق عليه: م (1539 - 60 - / 1169/ 3) وهذا لفظه، وبنحوه رواه خ (2192/
390/ 4)، د (3346/ 216/ 9) نس (267/ 7)، ت (1218/ 383/ 2)، جه (2269/ 762/
2) =
(1/349)
عن سعد بن أبي وقاص: "أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا:
نعم، فنهى عن ذلك" (1).
ولا يصح بيع ربوي بجنسه، ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما:
عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثنى عشر دينارا، فيها ذهب
وخرز، ففصّلتها فوجدت فيها أكثر من اثنى عشر دينارا. فذكرت ذلك للنبي - صلى
الله عليه وسلم - فقال: "لا تباع حتى تفصل" (2).
* * *
__________
= تفسير العرية: هى عطية ثمر النخل دون الرقبة، كان العرب في الجدب يتطوع
أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة،
وهي عطية اللبن دون الرقبة.
واختلف في المراد بها شرعًا، فقال مالك: العرية: أن يُعرى الرجلُ الرجلَ
النخلة، ثم يتأذى بدخوله عليه، فرُخص له أن يشتريها منه بتمر. وقال يزيد عن
سفيان بن حسين: العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا
بها، فرُخص لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التمر. أهـ انظر فتح الباري (390/
4).
(1) صحيح: [الإرواء 1352]، د (3343/ 211/ 9)، جه (2264/ 761/ 2)، نس (269/
7)، ت (1243/ 348/ 2).
(2) صحيح: [الإرواء 1356]، م (1591 - 90 - / 1213/ 3)، ت (1273/ 363/ 2)،
(3336/ 202/ 9)، نس (279/ 7).
(1/350)
المزارعة
تعريفها:
المزارعة في اللغة: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها.
والمراد بها هنا: إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكون له نصف ما يخرج منها
أو نحوه.
مشروعيتها:
عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: "أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" (1).
وقال البخاري (2): وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت
هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع. وزارع عليّ وسعد بن مالك وعبد الله ابن
مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبى بكر وآل عمر وآل عليّ
وابنُ سيرين.
ممن تكون المؤنة؟
ولا بأس بأن تكون المؤنة على رب الأرض، أو على العامل، أو عليهما:
قال البخاري (3): وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله
الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا.
قال: وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينفقان جميعًا، فما خرج
فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري.
__________
(1) متفق عليه: خ (2329/ 13/ 5)، م (1551/ 1186/ 93)، د (3391/ 272/9)، جه
(2467/ 824/ 2)، ت (1401/ 421 / 2).
(2) و (3) صحيح: خ (10/ 5).
(1/351)
ما لا يجوز في
المزارعة:
ولا تجوز المزارعة على أن هذه القطعة لصاحب الأرض، وهذه القطعة للعامل. كما
لا يجوز أن يقول صاحب الأرض لي منها كذا وكذا وسقًا.
عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج قال: حدثني عمّاى أنهم كانوا يكرون الأرض
على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ينبت على الأربعاء أو شيء
يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. فقلت
لرافع: فكيف هى بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار
والدرهم.
وقال الليث: وكان الذي نُهى من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال
والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة (1).
وعن حنظلة أيضًا قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟
فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه
وسلم -، على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم
هذا ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زُجر عنه،
فاما شيء معلوم مضمون فلا بأس به (2).
المساقاة:
تعريفها:
المساقاة: هى دفع شجر معلوم لمن يقوم بمصالحه بجزء معلوم من ثمره كالنصف
ونحوه.
مشروعيتها:
عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر على ما
يخرج منها من
__________
(1) صحيح: [الإرواء299/ 5]، خ (2346، 2347/ 25/ 5)، نس (43/ 7) دون قول
الليث، و"الأربعاء" جمع ربيع وهو النهر الصغبر.
(2) صحيح: [الإرواء 302/ 5]، م (1547 - 116 - / 1183/ 3)، د (3376/ 250/
9)، نس (43/ 7) و"الماذيانات" هى الأنهار، وهي من كلام العجم صارت دخيلا في
كلامهم. و "أقبال الجداول" بهمزة مفتوحة ثم قاف ثم موحدة في النهاية هى
الأوائل والرؤس، جمع قبل بالضم، والقبل أيضًا رأس الجبل، والجداول جمع
جدول، وهو النهر الصغير. أهـ. من حاشية السندي على "سنن النسائي" (43/ 7).
(1/352)
ثمر أو زرع" (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قالت الأنصار للنبى - صلى الله عليه وسلم
-: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لا. فقالوا: تكفونا المؤونة
ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا" (2).
إحياء الموات:
تعريفه:
الموات -بفتح الميم والواو الخفيفة-: الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة
بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة وإحياء الموات: أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم
تقدم ملك عليها لأحد، فيحييها بالسقى أو الزرع أو الغرس أو البناء، فتصير
بذلك ملكه (*).
دعوة الإِسلام إليه:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعمر
أرضا ليست لأحد فهو أحق" (3).
قال عروة: قضى به عمر في خلافته.
وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحيا أرضً ميتة فهي له"
(4).
وعنه أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحاط حائطا على أرض
فهي له" (5).
__________
(1) متفق عليه. سبق قرببًا.
(2) متفق عليه: [الإرواء 1471]، خ (82325/ 8 / 5).
(*) فتح الباري (18/ 5).
(3) صحيح: [ص. ج 6057]، خ (2325/ 18/5).
(4) صحيح: [ص. ج 5975]، ت (1395/ 419/ 2).
(5) صحيح: [ص. ج 5952]، د (3061/ 330/ 8).
(1/353)
الإجارة
تعريفها (*):
الإجارة لغة: الإثابة. يقال: آجرته -بالمد وغير المد- إذا أثبته.
واصطلاحا: تمليك منفعة رقبة بعوض.
مشروعيتها:
قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1).
وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ
مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (2).
وقال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ
فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (3).
وعن عائشة رضي الله عنها: "واستاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر
رجلًا من بني الدّيل ثم من بني عبد بن عدى هاديا خِريتا- الخريت: الماهر
بالهداية .. " (4).
ما يجوز إجارته:
كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه صحت إجارته ما لم يمنع من ذلك مانع
شرعى.
ويشترط أن تكون العين المؤجرة معلومة، والأجرة معلومة، وكذلك مدة الاستئجار
ونوع العمل.
__________
(*) فتح البارى (439/ 4).
(1) الطلاق 6.
(2) القصص 26.
(3) الكهف 77.
(4) صحيح: [الإرواء 1489]، خ (2263/ 442/ 4).
(1/354)
قال تعالى حكايته عن صاحب موسى أنه قال:
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ}
(1) الآيات.
وعن حنظلة بن قيس قال: "سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟
فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه
وسلم - على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم
هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زُجر عنه،
فاما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" (2).
أجر الأجراء:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطوا الأجير
أجره، قبل أن يجف عرقه" (3).
إثم من منع أجر الأجير:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
قال الله تعالى: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل
باع حُرا فكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" (4).
ما لا لمجوز الأجرة عليه:
قال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ
أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ
يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} (5).
__________
(1) القصص 27.
(2) صحيح: [الإرواء 1498]. سبق قريبا
(3) صحيح: [ص. جه 1980]، جه (2443/ 817/ 2).
(4) حسن: [الإرواء 1489]، خ (2227/ 417/ 4).
(5) النور 33.
(1/355)
عن جابر: أن جارية لعبد الله بن أبي ابن
سلول يقال لها مسيكة، وأخرى يقال لها أميمة، فكان يكرهما على الزنا فشكتا
ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله: ولا تكرهوا فتياتكم على
البغاء .. إلى قوله: غفور رحيم (1).
وعن أبي مسعود الأنصارى رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغى وحلوان الكاهن" (2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
عَسْب الفحل" (3).
أجرة قراءة القرآن:
عن عبد الرحمن بن شبل الأنصارى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: "اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به، ولا تجفوا عنه، ولا
تغلوا فيه" (4).
وعن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ونحن نقرأ القرآن، وفينا الاعرابى والعجمى، فقال: "اقرؤوا فكلٌّ حسن، وسيجئ
أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه" (5).
وعن أبي سعيد الخدرى أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا،
فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهى به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله"
(6).
__________
(1) صحيح: [مختصر م 2155]، م (3029 - 27 - / 3220/ 4).
(2) سبق ص 336.
(3) سبق ص 334.
(4) صحيح: [ص. ج 1168]، أ (398/ 125/ 15).
(5) صحيح: [الصحيحة 259]، د (815/ 58/ 3) ومعنى قوله "وسيجىء أقوام
يقيمونه" أي يصلحون ألفاظه وكلماته، ويتكلفون في مراعاة مخارجه وصفاته "كما
يقام القدح" أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة لأجل الرياء والسمعة
والمباهاة والشهرة "يتعجلونه" أي ثوابه في الدنيا "ولا بتأجلونه" بطلب
الأجر في العقبى، بل يؤئرون العاجلة على الأجلة، ويتأكلون ولا يتوكلون. أهـ
من "عون المعبود" (59/ 3).
(6) صحيح: [الصحيحة 463]، رواه ابن نصر في "قيام الليل" ص 74.
(1/356)
الشركة
تعريفها:
الشركة: هى الاختلاط.
"وشرعا: هى ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدًا من الاختلاط لتحصيل الربح.
وقد تحصل بغير قصد كالإرث" (1).
مشروعيتها:
قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ
مَا هُمْ} (2). وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ
امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (3).
وعن السائب أنه قال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: "كنتَ شريكى في
الجاهلية، فكنتَ خير
شريك، كنتَ لا تدارينى ولا تمارينى" (4).
الشركة الشرعية:
قال الإِمام الشوكانى رحمه الله - في السيل الجرار (246/ 3)، (248/ 3).
"والشركة الشرعية توجد بوجود التراض بين اثنين أو أكثر على أن يدفع كلّ
واحد منهم من ماله مقدارًا معلوما، ثم يطلبون به المكاسب والأرباح، على أن
__________
(1) فتح البارى (129/ 5).
(2) سورة ص: 24.
(3) النساء:12.
(4) صحيح: [ص. جه 1853]، جه (2287/ 768/ 2).
(1/357)
لكل واحد منهم بقدر ما دفعه من ماله مما
حصل لهم من الربح، وعلى كل واحد منهم بقدر ذلك مما لزم في المؤن التي تخرج
من مال الشركة. فإن حصل التراض على الاستواء في الربح مع اختلاف مقادير
الأموال كان ذلك جائزًا سائغا ولو كان مال أحدهم يسيرًا ومال غيره كثيرًا،
وليس في مثل هذا بأس في الشريعة، فإنه تجارة عن تراض ومسامحة بطيبة نفس".
(1/358)
المضاربة
تعريفها (1):
" المضاربة": مأخوذة من الضرب في الأرض، وهو السفر للتجارة.
وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ} (2).
وتسمى قراضًا: وهو مشتق من القرض، وهو القطع؛ لأن المالك قطع قطعة من ماله
ليتجر فيها وقطعة من ربحه.
والمقصود بها هنا: عقد بين طرفين على أن يدفع أحدهما نقدًا إلى الآخر ليتجر
فيه، والربح بينهما على ما يتفقان عليه".
مشروعيتها:
قال ابن المنذر في كتابه "الإجماع" ص 124:
"أجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز.
وأجمعوا على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح، أو نصفه، أو ما
يجتمعان عليه، بعد أن يكون ذلك معلوما، جزأ من أجزاء".
وقد عمل به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيد بن أسلم عن أبيه
أنه قال: "خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق،
فلما قفلا مرّا على أبى موسى الأشعرى، وهو أمير على البصرة، فرحب بهما
وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ههنا
مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكما، فتبتاعان
به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة،
__________
(1) فقه السنة (212/ 3).
(2) المزمل: 20.
(1/359)
فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين،
ويكبرن الربح لكما. فقالا: وددنا ذلك، ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن
يأخذ منهما المال، فلما قدما فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكلّ
الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير
المؤمنين! فاسلفكما! أديًا المال وربحه. فاما عبد الله فسكت، وأما عبيد
الله فقال: ما ينبغى لك يا أمير المؤمنين هذا! لو نقص هذا المال أو هلك
لضمناه فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله وراجع عبيد الله. فقال رجل من جلساء
عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا؟ فقال: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس
المال، ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح
المال" (1).
العامل أمين:
والمضاربة جائزة مطلقة ومقيدة، ولا يضمن العامل إلا بالتعدى والمخالفة:
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن رب المال إذا نهى العامل أن يبيع بنسيئة
فباع بنسيئة أنه ضامن (2).
وعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان يشترط
على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضة يضرب له به: أن لا تجعل مالى في كبدٍ
رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئًا من ذلك
فقد ضمنت مالى" (3).
* * *
__________
(1) صحيح: [الإرواء 291/ 5]، ما (1385/ 479)، هق (110/ 6).
(2) الإجماع ص (125).
(3) صحيح الإسناد: [الإرواء293/ 5]، قط (242/ 63/ 2)، هق (111/ 6).
(1/360)
السَّلَم
تعريفه:
السَّلَم بفتحتين: السَّلَف، وزنا ومعنى.
وحقيقته شرعًا: بيع شيء موصوف في الذمة بثمن معجل (*).
مشروعيته:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1).
قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه
وأذن فيه ثم قرأ .. الآية السابقة (2).
وعنه قال: "قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون بالتمر
السنتين والثلاث فقال: "من أسلف في شيء ففى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل
معلوم" (3).
السَّلَم إلى من ليس عنده أصل:
لا يشترط في السلم أن يكون المسلَّم
إليه مالكًا للمسلّم فيه:
عن محمَّد بن أبي المجالد قال: "بعثنى عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد
الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقالا: سله، هل كان أصحاب النبي - صلى
الله عليه وسلم - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون في الحنطة؟
قال عبد الله: كنا نُسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في قيل
معلوم إلى أجل معلوم. قلَت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن
ذلك. ثم بعثانى إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته، فقال: كان أصحاب النبي -
صلى الله عليه وسلم - يسلفون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم
نسالهم ألهم حرث أم لا" (4).
__________
(*) فقه السنة (171/ 3).
(1) البقرة 282.
(2) صحيح: [الإرواء 1369]، كم (286/ 2)، هق (18/ 6).
(3) متفق عليه: خ (2240/ 429/ 4)، م (1604/ 1226/3)، ت (1325/ 2/387) د
(3446/ 348/9) جه (2280/ 765/ 2)، نس (290/ 7).
(4) صحيح: [الإرواء1370]، خ (2244/ 430/ 4)، وهذا لفظه، د (3447/ 349/ 9)،
نس (290/ 7) جه (2282/ 766/ 2).
(1/361)
القرض
فضله:
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مسلم كربة
من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يّسر على معسر
يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون
أخيه" (1).
وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يقرض
مسلما قرضا مرتين
إلا كان كصدقتها مرة" (2).
التشديد فيه:
عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أنه قال: "من فارق الروحُ الجسدَ، وهو برئ من ثلاث دخل الجنة:
من الكبر والغلول والدَّين" (3).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نفس المؤمن
معلّقة بدينه حتى يقضى عنه" (4).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات وعليه
دينار أو درهم قُضى من حسناته، ليس ثُمَّ دينار ولا درهم" (5).
وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام
فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام
رجل فقال يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياى؟
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم. إن قتلت في سبيل الله
وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر. ثم قال
__________
(1) صحيح: [مختصر مسلم 1888]، م (2699/ 2074/ 4)، ت (4015/ 265/ 4)، د
(4925/ 289 /13).
(2) حسن: [الإرواء 1389]، جه (2430/ 812/ 2).
(3) صحيح: [ص. جه 1956]، جه (2/ 806/ 612)، ت (1621/ 68/ 3).
(4) صحيح: [ص. ج 6779]، [المشكاة 2915]، ت (1084/ 270/ 2).
(5) صحيح: [ص. جه 1958]، جه (2414/ 807/ 2).
(1/362)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف
قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياى؟ فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: "نعم. إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل
غير مدبر، إلا الدّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك" (1).
من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ
أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله"
(2).
وعن شعيب بن عمرو قال: حدثنا صهيبُ الخير عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال: "أيما رجل يدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه، لقى الله
سارقا" (3).
الأمر بأداء الدّين:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} (4).
حُسن القضاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان لرجلٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم
- سنُّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعطوه،
فطلبوا سنَّه فلم يجدوا إلا سنّا فوقها، فقال: أعطوه، فقال: أوفيتنى أوفى
الله بك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن خياركم أحسنكم قضاء" (5).
__________
(1) صحيح: [لأرواء 1197]، م (1885/ 1501/ 3)، ت (1765/ 127/ 3)، نس (34/
6).
(2) صحيح: [ص. ج 598]، خ (2387/ 53/ 5).
(3) حسن صحيح [ص. جه1954]، جه (2410/ 805/ 2).
(4) النساء: 58
(5) صحيح: [الإرواء225/ 5]، خ (2393/ 58/ 4)، م (1601/ 1225/ 3)، نس (291/
7)، ت (1330/ 389/ 2) مختصرا.
(1/363)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
"أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد -قال مسعر: أراه قال
ضُحىً- فقال: صل ركعتين. وكان لي عليه دين فقضانى وزادنى" (1).
وعن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومى، عن أبيه، عن
جده "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف منه حين غزا حنينا، ثلاثين أو
أربعين ألفا، فلما قدم قضاها إياه. ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم
-: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد" (2).
حُسن المطالبة:
عن ابن عمر وعائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من طالب حقًا فليطلبه في عفاف، وافٍ أو غير وافٍ" (3)
إنظار المعسر:
قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ
تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي يقول: "مات رجل، فقيل له: ما كنت
تقول؟ قال: كنت أبايع الناس، فأتجوز عن الموسر، وأخفف عن المعسر، فغفر له"
(5). وعن أبي اليسر صاحب النبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من أحب أن يظله الله في ظله فلينظِر معسرًا، أو ليضع عنه" (6).
__________
(1) صحيح: خ (2394/ 59/ 5)، د (3331/ 197/ 9) الجملة الأخيرة فقط.
(2) حسن: [ص. جه 1968]،جه (2424/ 809/ 2)، نس (7/ 314).
(3) صحيح: [ص. جه 1965]، جه (2421/ 809/ 2).
(4) البقرة: 280.
(5) صحيح: [ص. جه 1963]، خ (2391/ 58/ 5).
(6) صحيح: [ص. جه 1963]، جه (2419/ 808/2).
(1/364)
مَطلُ الغنىِّ (*) ظُلمٌ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-:"مَطل الغنى ظلم" (1).
حبس القادر على الأداء إذا امتنع:
عن عمرو بن الشّريد عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
"لَىُّ الواجد (* *) يُحلّ عرضه وعقوبته" (2).
كُلُّ قرض جرّ منفعة فهو ربا:
عن أبي بردة قال: "قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال: انطلق معى
إلى المنزل، فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
وتصلى في مسجدٍ صلّى فيه فانطلقت معه، فسقانى سويقا وأطعمنى تمرا، وصليت في
مسجده، فقال لي: إنك في أرضٍ الربا فيها فاش، وإن من أبواب الربا أن أحدكم
يقرض القرض إلى أجل، فإذا بلغ أتاه به وبسلة فيها هدية فاتق تلك السلة وما
فيها" (3).
__________
(1) متفق عليه: خ (2400/ 61/5)، م (1564/ 1197/3). د (3329/ 195/9)، ت
(1323/ 386/ 2) نس (317/ 7)، جه (2403/ 803/ 2).
(2) حسن: [ص. نس4373] ,نس (317/ 7)، جه (2427/ 811/ 2)، د (3611/ 56/ 10)،
خ تعليقا (62/ 5).
(*) أصل المطل المد: قال ابن فارس: مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا مددتها
لتطول، وقال الأزهرى: المطل المدافعة والمراد هنا تاخير ما استحق أداؤه
بغير عذر ومعنى الحديث: أنه يحرم على الغنى القادر أن يمطل بالدين بعد
استحاقاقه بخلاف العاجز.
(* *) ليّ الواجد: أي مطله، والواجد القادر على الأداء يحل عرضه وعقوبته:
أي الذي يجد ما يؤدى يحل عرضة للدائن بأن يقول: ظلمنى، وعقوبته بالحبس
والتعذير.
(3) صحيح: [الإرواء 235/ 5]، خ [342،3814] هق (349/ 5).
(1/365)
الرّهن
تعريفه:
الرهَن في اللغة: الاحتباس، من قولهم: رَهَن الشيء، إذا دام وثبت، ومنه:
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌْْ} (1).
وفي الشرع: جعل مال وثيقة بدين، ليستوفى منه إن تعذر وفاؤه من المدين (*).
مشروعيته:
قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا
فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2).
والتقييد بالسفر في الآية خرج للغالب، فلا مفهوم له، لدلالة الحديث على
مشروعيته في الحضر.
عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودى
طعاما إلى أجل ورهنه درعه" (3).
انتفاع المرتهن بالرهن:
ولا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن، لما سبق في القرض: كل قرض جرّ نفعًا فهو
ربا.
إلا أن يكون الرهن مركوبًا أو محلوبًا،
فيجوز له أن يركب المركوب، ويحلب المحلوب إذا أنفق عليه.
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"الظَهْر يُركب بنفقته إذا كان مرهونا, ولبن الدَّرِّ يُشرب بنفقته إذا كان
مرهونا، وعلى الذي يَركب ويشرب النفقة" (4).
__________
(1) المدثر: 38.
(*) انظر "فتح الباري" (140/ 5)، و"منار السبيل" (351/ 1).
(2) البقرة: 283.
(3) متفق عليه: سبق تخريجه.
(4) صحيح: [ص. ج 3962] ,خ (2512/ 143/5)، د (3509/ 439/9)، ت (1272/ 362/
2)، جه (2440/ 816/ 2).
(1/366)
الحوالة
تعريفها:
الحوالة: بفتح الحاء وقد تكسر، مشتقة من التحويل أو من الحئول، تقول: حال
عن العهد إذا انتقل عنه حئولا. وهي عند الفقهاء: نقل دين من ذمّة إلى ذمّة.
فمن كان عليه دين وله عند آخر فأحال دائنه على من له عنده وجب على الدائن
التحول إذا كان المحال عليه ملياّ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"مَطلُ
الغنَّى ظلم، فإذا أُتبع (*) أحدكم على ملىّ فليتبع" (1).
الوديعة
تعريفها:
الوديعة: مأخوذة من ودع الشىء بمعنى يتركه:
وسمى الشىء الذي يدعه الإنسان عند غيره ليحفظه له بالوديعة لأنه يتركه عند
المودعَ.
حكمها:
وإذا استودع الرجل أخاه شيئًا استحب له قبوله إن علم من نفسه القدرة على
حفظه لأن هذا من باب التعاون على البّر والتقوى.
ويجب على المودعَ ردّ الوديعة متى طلبت منه، لقوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا} (2).
وقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (3)
__________
(*) أتبع: أحيل، والملىء هو الغنى، فليتبع: فليقبل الحوالة. وقيل:
فليَتِّبعْ
(1) صحيح: [ص. ج 5876]،جه (2404)، أ (2/ 71)
(2) النساء:58.
(3) البقرة: 283.
(1/367)
ولقوله:- صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة
إلى من ائتمنك .. " (1)
ضمانها:
ولا ضمان على المودّع إلا بالتفريط:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-:"من أودع وديعة فلا ضمان عليه" (2).
وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضمان على مؤتمن" (3).
وعن أنس بن مالك: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمّنه وديعة سُرقت من بين
ماله"
قال البيهقي: يحتمل أنه كان فرّط فيها، فضمنها إياه بالتفريط (4).
* * *
__________
(1) صحيح: [ص. ج 240]، ت (1282/ 368/2)، د (3518/ 450/ 9).
(2) حسن: [ص. جه 1945]، [الإرواء 1547]، جه (2401/ 802/ 2).
(3) حسن: [ص. ج 7518]، قط (167/ 41/3)، هق (289/ 6).
(4) هق (289/ 2)
(1/368)
العارية
تعريفها:
عرفها الفقهاء بأنها إباحة المالك منافع ملكه لغيره بلا عوض.
حكمها:
وهي مستحبة، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
(1).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون
أخيه" (2).
وقد ذمّ الله سبحانه: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (3).
وجوب ردّها:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا} (4)
ضمانها:
والمستعير مؤتمن، لا ضمان عليه إلا بالتفريط، أو أن يشترط عليه المعير
الضمان: عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: إذا أتتك رسلى فأعطهم ثلاثين درعا، وثلاثين بعيرا، قال: فقلت يا
رسول الله، أعارية مضمونة، أو عارية مؤداة؟ قال: بل مؤداة" (5).
قال الأمير الصنعانى في سبل السلام (69/ 3):
المضمونة: التي تضمن إن تلفت بالقيمة.
والمؤداة: التي تجب تاديتها مع بقاء عينها، فإن تلفت لم تضمن بالقيمة.
قال: والحديث دليل لمن ذهب إلى أنها لا تُضمن العارية إلا بالتضمين، وتقدم
أنه أوضح الأقوال أهـ.
__________
(1) المائدة:، 2
(2) صحيح: [ص. ج 6577]، (2074/ 38/ 4)، أ (2/ 407)، ت (2646/ 28/ 5)، جه
(225/ 82/ 1) ..
(3) الماعون: 5، 6، 7.
(4) النساء:، 58
(5) صحيح: [ص. د 45. 3]، [الصحيحة. 63]، د (3549/ 479/ 9).
(1/369)
اللقطة
تعريفها:
اللقطة: هى كل مال معصوم معرض للضياع لا يعرف مالكه.
وكثيرا ما تطلق على ما ليس بحيوان، أما الحيوان فيقال له: ضالة.
الواجب على الملتقط:
من التقط مالًا وجب عليه أن يَعْرِفَ جنسه وعدده، ثم يُشْهِد ذا عدل، ثم
يحفظه ويعرّفه سنة، فإن أخبره صاحبه بالعلامة دفعه إليه ولو بعد السنة،
وإلا انتفع به: عن سويد بن غفلة قال: لقيت أُبيّ بن كعب قال: أصبت صُرةَ
فيها مائة دينار، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عرّفها حولًا،
فعرّفتها حولًا، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته فقال: عرّفها حولًا، فعرّفتها
فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا، فقال: احفظ وعاءها، وعددها، ووكاءها، فإن جاء
صاحبها وإلا فاستمتع بها، فاستمتعت. فلقيته بعدُ بمكة فقال: لا أْدرى ثلاثة
أحوال أو حولًا واحدًا (1).
وعن عياض بن حمِار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجد
لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، ثم لا يغيره ولا يكتم، فإن جاء ربّها فهو
أحق بها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء" (2).
__________
(1) متفق عليه: خ (2426/ 78/ 5)، م (1723/ 1350/ 3)، ت (1386/ 414/ 2)، جه
(2506/ 837/ 2)، د (1685/ 118/ 5).
(2) صحيح: [ص. جه 2032]، جه (2505/ 837/ 2)، د (1693/ 131/ 5)، ربَّها:
صاحبها.
(1/370)
ضالّة الغنم والإبل:
ومن وجد ضاّلة من الغنم أخذها وعرفها، فإن اعترفت وإلا ملكها، ومن وجد ضالة
الإبل لم يحلّ له أخذها لأنه لا يخشى عليها:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء أعرابيٌّ النبىَّ - صلى الله
عليه وسلم - فسأله عما يلتقطه فقال: عرّفها سنة، ثم اعرف عفاصها ووكاءها
(*)، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها. قال: يا رسول الله، فضالة
الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال: ضالة الإبل؟ فتعفَّر وجه النبي -
صلى الله عليه وسلم - فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء
وتأكل الشجر (1).
حكم المأكول والشئ الحقير:
ومن وجد مأكولًا في الطريق، فله أكله، ومن وجد شيئًا حقيرًا لا تتعلق به
النفوس فله أخذه وتملكه. عن أنس رضي الله عنه قال: "مرّ النبي - صلى الله
عليه وسلم - بتمرة في الطريق قال: لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة
لأكلتها" (2).
لقطة الحرم:
وأما لقطة الحرم فلا يجوز التقاطها إلا لتعريفها أبدا، ولا يجوز تملكها بعد
سنة كغيرها: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: "إن الله حرّم مكة، فلم تحل لأحد قبلى ولا تحل لأحد بعدي، وإنما
أُحلت لي ساعة من نهار، لا يُختلى خلاها، ولا يُعضد شجرها، ولا ينفّر
صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرّف" (3).
__________
(*) العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره، والوكاء: الخيط
الذي تشد به الصرة أو الكيسى وغيرهما وقوله: قال يا رسول الله فضالة الغنم؟
أي ما حكمها؟ وتمعر: أى تغير
(1) متفق عليه: خ (2427/ 80/ 5)، م (1722 - 2 - 1348/ 3)، ت (1387/ 415/2)،
جه (2504/ 836/2) د (1688/ 123/ 5).
(2) متفق عليه: خ (2431/ 86/ 5)، م (1071/ 752/ 2)، د (1636/ 70/ 5).
(3) صحيح: [ص. ج 1751]، [الإرواء 1057]، خ (1833/ 46/ 4).
(1/371)
اللقيط
تعريفه:
اللقيط: هو الطفل غير البالغ الذي يوجد في الشارع أو ضال الطريق أو لا يعرف
نسبه.
حكم التقاطه:
والتقاطه فرض كفاية، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى} (1).
إسلامه وحريته والنفقة عليه:
وإذا وُجد في دار الإِسلام حكم بإسلامه، ويحكم بحريته أينما وُجد؛ لأن
الحرية هى الأصل في الآدميين، وان كان معه مال أنفق عليه منه، وإلا فنفقته
على بيت المال.
عن سُنين أبى جميلة -رجل من بني سليم- قال: "وجدت ملقوطا، فأتيت به عمر بن
الخطاب، فقال عريفى: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: اكذلك هو؟
قال: نعم: فقال: اذهب به، وهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته" (2).
ميراث اللقيط
واذا مات اللقيط وترك ميراثا ولم يخلّف وارثًا، كان ميراثه لبيت المال،
وكذا ديته إن قتل.
ادعاء نسبه:
ومن ادعى نسبه من ذكر أو أنثى أُلحق به متى كان وجوده منه ممكنًا فإن ادعاه
اثنان أو أكثر ثبت نسبه لمن أقام البينة على دعواه، فإن لم تكن، عُرض على
القافة
__________
(1) المائدة: 2.
(2) صحيح: [الإرواء 1573]، ما (1415/ 524)، هق (201/ 6).
(1/372)
ادعاه اثنان أو أكثر ثبت نسبه لمن أقام
البينة على دعواه، فإن لم تكن، عُرض على القافة الذين يعرفون الأنساب
بالشبه، ثم أُلحق بمن حكم له القائف أنه ولده:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -
مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم ترى أن مجزرًا المدلجى نظرًا آنفًا إلى
زيد وأسامة وقد غطّيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من
بعض" (1).
فإن حكم القائف أنه لاثنين ألحق بهما:
فعن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر، فقال القائف: قد
اشتركا فيه جميعًا، فجعله عمر بينهما" (2).
الهبة
تعريفها:
الهبة: بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة - هى:
تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض.
التحريض عليها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرسَنَ (*) شاة" (3)
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تهادوا تحابُّوا" (4).
قبول القليل من الهبة:
__________
(1) متفق عليه: خ (6771/ 56/ 12)، م (1459/ 1081/ 2)، د (2250/ 357/ 6). ت
(2212/ 298/3). نس (184/ 6).
(2) صحيح: [الارواء 1578]،هق (263/ 10).
(*) ألفرسن: الحافر للفرس، وكالقدم للانسان.
(3) متفق عليه: خ (2566/ 197/5)،م (1030/ 714/2).
(4) حسن: [ص. ج 3004]، [الإرواء 1601]، هق (169/ 6).
(1/373)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: "لو دُعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت، ولو أهدى
إلىّ ذراع أو كُراع لقبلت" (1).
ما لا يُرد من الهدية:
عن عَزرة بن ثابت الأنصارى قال: حدثني ثمامة بن عبد الله قال: دخلت عليه
فناولنى طيبا قال: "كان أنس - رضي الله عنه - لا يرد الطيب. قال: وزعم أنس
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد الطيب" (2).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن" (3).
المكافأة في الهبة:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقبل الهدية ويثيب عليها" (4).
مَن أولى بالهدية؟
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى
أيّهما أُهدى؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا" (5).
وعن كُريب مولى ابن عباس: أن ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - أخبرته
أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يومها
الذى يدور عليها فيه
__________
(*) الكُراع: الكراع من الدابة ما دون الكعب وهو عارى من اللحم وخص الذراع
والكُراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير، لأن الذراع كانت أحب إليه من
غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل "اعط العبد كراعًا يطلب منك ذراعًا"
(1) صحيح: [ص. ج 5268]، خ (2568/ 199/5).
(2) صحيح: [ص. ت 2240] , خ (2582/ 209/ 5)، ت (2941/ 195) 4).
(3) حسن: [ص. ت 2241]، ت (2942/ 199/4).
(4) صحيح: خ (2585/ 210/ 5)، د (3519/ 451/9)، ت (2019/ 227/3).
(5) صحيح: خ (2595/ 219/5)، د (5133/ 63/14).
(1/374)
قالت: أشعرت يا رسول الله أنى أعتقت
وليدتى؟ قال: "أو فعلت"؟ قالت: نعم. قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان
أعظم لأجرك" (1).
حرمة تفضيل بعض الأولاد في الهبة:
عن النعمان بن بشير قال: تصدّق علىّ أبى ببعض ماله. فقالت أمى عَمرة بنت
رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق أبى إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشهده على صدقتى، فقال له رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: "أفعلت هذا بولدك كلهم"؟ قال: لا. قال: "اتقوا الله
واعدلوا في أولادكم" فرجع أبى، فردّ تلك الصدقة.
وفي رواية قال: "فلا تُشْهِدْنى إذًا، فإنى لا أشهد على جور".
وفي رواية: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواءً؟ قال: بلى. قال:
"فلا إذا" (2).
لا يحل لأحد أن يرجع في هبته ولا يشتريها:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" (3).
وعن زيد بن أسلم عن أبيه، سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: حملت
على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت
أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا
تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه"
(4).
__________
(1) متفق عليه: خ (2592/ 217/ 5)، م (999/ 694/ 2)، د (1674/ 109/ 5).
(2) متفق عليه: خ (2587/ 211/ 5)، م (1623/ 1241/ 3)، د (3525/ 457/9).
(3) متفق عليه: خ (2622/ 234/5)، وهذا لفظه، م (1622/ 1240/3)، د (3521/
454/9) ت (1316/ 383/2)، نس (265/ 6).
(4) متفق عليه: خ (1490/ 353/3)، م (1620/ 1239/3)، نس (108/ 5)، ورواه
مختصرا: ت (663/ 89/2)، د (1578/ 483/4).
(1/375)
ويستثنى من ذلك
الوالد فيما يعطى ولده:
عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا يحل للرجل أن يعطى العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده"
(1).
وإذا رد المهدي إليه الهدية فلا كراهة للمهدى
في قبولها:
عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى في خميصة (*) لها أعلام،
فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتى هذه إلى أبى جهم
وأئتونى بأنبجانية أبى جهم فإنها ألهتنى آنفا عن صلاتي" (2).
وعن الصعب بن جثّامة الليثى- وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء-
أو بودّان -وهو محرم، فرده. قال صعب: فلما عرف في وجهى رده هديتى، قال: ليس
بنا ردّ عليك، ولكنا حرم" (3).
من تصدق بصدقة ثم ورثها:
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - فقالت: يا رسول الله، إنى تصدقت على أمى بجارية، وإنها ماتت. فقال:
"آجرك الله، ورد عليك الميراث" (4).
هدايا العمال غلول:
عن أبي حميد الساعدى - رضي الله عنه - قال: استعمل النبي - صلى الله عليه
وسلم - رجلًا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا
لكم وهذا أُهدى لي. فقام
__________
(1) صحيح: [ص. ج 7655]، د (3522/ 455/9)، ت (1316/ 383/2)، نس (265/ 6)، جه
(2377/ 795/2).
(*) خميصة: كساء مربع له علمان، والانبجانية: كساء غليظ لا علم له وسمى
كذلك نسبة إلى موضع يقال له أنبجان.
(2) متفق عليه: خ (373/ 482/1)، م (556/ 391/1)، د (901/ 182/3)، نس (72/
2).
(3) متفق عليه: خ (1825/ 31/4)، م (1193/ 850/2)، ت (851/ 170/2)، جه
(3090/ 1032/2)، نس (183/ 5).
(4) صحيح: [ص. ت 535]، م (1149/ 805/2)، ت (662/ 89/2)، د (2860/ 79/8).
(1/376)
النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر،
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتى فيقول: هذا لك
وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدى له أم لا؟ والذي نفسى
بيده، لا يأتى بشئ إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا
له رُغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" - ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتى
إبطيه- "ألا هل بلغت"ثلاثًا" (1).
العمرى والرقبى:
تعريفهما:
هما نوع من الهبة موقّت بوقت:
فالعمرى: بضم المهملة وسكون الميم مع القصر، مأخوذ من العمر.
والرقبى: بوزن العمرى، مأخوذة من المراقبة. لأنهم كانوا يفعلون ذلك في
الجاهلية فيعطى الرجل الدار ويقول له: أعمرتك إياها، أي أبحتها لك مدة
عمرك، فقيل لها عمرى لذلك وكذا قيل لها رقبى لأن كلًا منهما يرقب متى يموت
الآخر لترجع إليه.
وقد اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التوقيت ملغيًا، وجعل كلًا من
العمرى والرقبى لمن وهبت له حياته ولورثته من بعده، لا ترجع للواهب:
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "العمرى
جائزة لمن أُعمرها، والرقبى جائزة لمن أُرقبها" (2). وعنه قال: سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أعمر رجلًا عُمرى له ولعقبه فقد قطع
قوله حقه فيها، فهي لمن أُعمر ولعقبه" (3). وعنه قال: قال النبي - صلى الله
عليه وسلم -:
"أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عُمرى فهي للذى أُعمرها
حيًّا وميّتًا ولعقبه" (4).
__________
(1) متفق عليه: خ (7174/ 164/13)، م (1832/ 1463/3)، د (2930/ 162/8).
(2) صحيح: [ص. جه 1930]، جه (2383/ 797/2)، ت (1362/ 403/2)، د (3541/
472/9)، نس (270/ 6).
(3) صحيح: [ص. جه 1927]، م (1625 - 21 - /1245/ 3) ,جه (2380/ 796/2).
(4) صحيح: [ص. ج 1388]، م (1625 - 26 - /1246/ 3).
(1/377)
الغصب
تعريفه:
الغصب: أخذ حق الغير بغير حق.
حكمه:
وهو ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة:
قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ
إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} (1).
وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
(2).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع:
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا،
في بلدكم هذا" (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا
يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا
يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين
ينتهبها وهو مؤمن" (4).
حرمة الانتفاع بالمغصوب:
ويحرم على الغاصب الانتفاع بالمغصوب، ويجب عليه ردّه:
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - يقول: "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه، لا لاعبأ ولا جادًا، ومن
أخذ عصا أخيه فليردها" (5).
__________
(1) إبراهيم: 42، 43.
(2) البقرة: 188.
(3) صحيح: [ص. ج 2068].
(4) متفق عليه: [ص. ج 7707].
(5) حسن: [ص. خ 7578]، د (4982/ 346/ 13)، وهذا لفظه، ت (2249/ 313/ 3)
ولفظه "لا يأخذ أحدكم عصا أخيه".
(1/378)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء
فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح
أُخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"
(1).
من قُتل دون ماله فهو شهيد:
ويجوز للإنسان الدفاع عن نفسه وماله إذا قصده آخر لقتله أو أخذ ماله:
عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا
رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال:
أرأيت إن قاتلنى؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال: "فأنت شهيد".
قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار" (2).
غصب الأرض:
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول:
"من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين" (3).
وعن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" (4)
ومن غصب أرضًا فغرسها أو بني فيها أُلزم بقلع الغرس، وهدم البناء:
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لعرقٍ ظالمٍ حق" (5).
__________
(1) صحيح: [ص. ج 6511]، خ (2449/ 101/ 5)، ت (2534/ 36/ 4) بمعناه.
(2) صحيح: [مختصر م 1086]، (م (140/ 124/ 1)، نس (114/ 7).
(3) متفق عليه: خ (2452/ 103 / 5)، م (1610/ 1230).
(4) صحيح: [ص. ج 6385]، خ (2454/ 103/ 5).
(5) صحيح: [ص. ت 1113]، ت (1394/ 419 / 2)، هق (142/ 6).
(1/379)
وإن كان زرعها، أخذ نفقته والزرع للمالك:
عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من زرع في أرض قوم
بغير إذنهم فليس له من الزرع شىء، وله نفقته" (1).
الشفعة
تعريفها:
الشُفْعة: بضم المعجمة وسكون الفاء، وهي لغة مأخوذة من الشفع وهو الزوج.
وفي الشرع: انتقال حصة شريك إلى شريك، كانت انتقلت إلى أجنبى بمثل العوض
المسمى.
ما تكون فيه الشفعة:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قضى النبي - صلى الله عليه وسلم
- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرفت الطرق فلا شفعة" (2).
فمن كان له شريك في أرض أو حائط أو دار ونحو ذلك، فلا يبيع حتى يعرض على
شريكه، فإن باع قبل العرض عليه فهو أولى بالمبيع:
عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له نخل أو
أرض فلا يبيعها حتى يعرضها على شريكه" (3).
وعن أبي رافع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشريك أحق
بسّقَبِه (*) ما كان" (4).
__________
(1) صحيح: [ص. ج 6272]، ت (1378/ 410/2)، جه (2466/ 824/2).
(2) صحيح: [ص. جه 2028]، خ (2257/ 436/4)، وهذا لفظه، د (3497/ 425/9)،جه
(2499/ 835/2)، ت (1382/ 413/2) دون الجملة الأولى.
(3) صحيح: [ص. جه 2021]، جه (2492/ 833/2)، نس (319/ 7).
(*) أحق بسقبه: السقب القرب، والباء في بسقبه صلة أحق لا للسبب أي الجار
أحق بالدار الساقبة أي القريبة
(4) صحيح: [ص. جه 2027] , جه (2498/ 834/2).
(1/380)
الشفعة بالجوار إذا
كان بينهما حق مشترك:
وإذا كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة لكّل منهما، فلا
يبيع أحدهما حتى يستأذن جاره، وإن باع من غير إذنه كان أولى بالمبيع:
عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بشفعة
جاره، يُنتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا" (1).
وعن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجار أحق بسقبه" (2).
الوكالة
تعريفها:
الوكالة -بفتح الواو، وقد تكسر- التفويض والحفظ، تقول: وكّلت فلانًا إذا
استحفظته، ووكلت الأمر إليه، إذا فوضته إليه.
وهي في الشرع: إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقًا أو مقيدا.
مشروعيتها:
وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ
قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ
يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا
أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا
أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا
يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} (3).
وعن أبي رافع قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة حلالًا،
وبنى بها حلالًا
__________
(1) صحيح: [ص. جه 2023]، د (3501/ 429/9)، ت (1381/ 412/2)، جه (2494/
833/2).
(2) حسن صحيح: [ص. جه 2024]، خ (2258/ 437 /4)، د (3499/ 428/9)، نس (320/
7) , جه (2495/ 833/2).
(3) الكهف:19.
(1/381)
وكنت الرسول بينهما (1)، ووكل في استيفاء
الديون (2) وإقامة الحدود (3)، وغير ذلك.
وأجمع المسلمون على جوازها، بل على استحبابها؛ لأنها نوع من التعاون على
البر والتقوى، إذ ليس كل إنسان قادرا على مباشرة أموره بنفسه، فيحتاج إلى
توكيل غيره ليقوم بها نيابة عنه.
ما تجوز فيه الوكالة:
وكل ما جاز للإنسان التصرف فيه بنفسه جاز له أن يوكل فيه أو يتوكل.
الوكيل أمين:
والوكيل أمين فيما يقبضه وفيما يصرفه، ولا يضمن إلا بالتعدى:
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضمان على مؤتمن" (4).
* * *
__________
(1) صحيح الإسناد: [الإرواء 252/ 6]، أخرجه الدارمي (2/ 38)، وأحمد (6/ 392
- 393)
(2) انظر حديث أبى هريرة في "حسن القضاء"، في "القرض"
(3) كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن
اعترفت فارجمها". وسيأتي في الحدود.
(4) حسن: [ص. ج 7518].
(1/382)
|