الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز

كتاب النكاح

(1/275)


حكمه:
النكاح من آكد سنن المرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (1).
ويكره تركه لغير عذر، لحديث أنس بن مالك قال:
"جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها (*)، فقالوا: وأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فقال أحدهم: أما أنا، فأنا أصلى الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس مني" (2).
ويجب على القادر عليه إذا خشى على نفسه العنت، "لأن الزنا حرام، وكذلك ما يؤدى إليه، وما هو مقدمة له، فمن خشى على نفسه الوقوع في هذا وجب عليه رفعه عن نفسه، فإن كان لا يندفع إلا بالنكاح وجب عليه ذلك" (3).
ومن عجز عن النكاح وهو فيه راغب، فعليه بالصوم، لحديث ابن مسعود قال: قال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" (4).
__________
(1) الرعد، 38
(*) تقالّوها: أي استقلوها والمعنى أنهم رأونها قليلة.
(2) متفق عليه: خ وهذا لفظه (5063/ 104/9)، م (1401/ 1020/ 2)، نس (60/ 6).
(3) السيل الجرار (243/ 2).
(4) متفق عليه: خ (5066/ 112/9)، م (1400/ 1018/ 2)، د (2031/ 39/ 6)، ت (1087/ 272/2) نس (56/ 6)، جه (1845/ 592/ 1).

(1/277)


أي النساء خير؟
ومن أراد النكاح فليتحرّ من النساء من تتوفر فيها هذه الصفات:
1 - أن تكون ذات دين، لحديث أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (*) " (1).
2 - أن تكون بكرا، إلا أن تكون له مصلحة في الشيب: لحديث جابر بن عبد الله قال:
"تزوجت امرأة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلقيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا جابر، تزوجت؟ قلت: نعم. قال: بكر أم ثيب؟ قلت: ثيب. قال: فهلا بكرا تلاعبها؟ قلت: يا رسول الله إن لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهن. قال: فذاك إذن. إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك" (2).
3 - أن تكون ولودا، لحديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"تزوجوا الودود الولود، فإنى مكاثر بكم الأمم" (3).

أي الرجال خير؟
وإذا كان على الرجل أن يتحرى من النساء من وصفنا، فإن على ولىّ المرأة أن يتحرى لنكاحها الرجل الصالح لحديث أبى حاتم المزنى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (4).
__________
(*) تربت يداك: التصقت بالتراب من الدعاء، وهذا الدعاء وأمثاله كان يرد من العرب ولا يريدون به الدعاء على الإنسان، إنما يقولونه في معرض المبالغة في التحريض على الشراء.
(1) متفق عليه: خ (5090/ 132/ 9)، م (1466/ 1086/ 2)، د (2032/ 42/ 6)، جه (1858/ 597/ 1) نس (68/ 6).
(2) متفق عليه: م (715/ 1087/ 2) وهذا لفظه، وبنحوه من غير الجملة الأخيرة رواه: خ (5079/ 121/9)، د (2033/ 43/ 6)، ت (1106/ 280/2)، جه (1860/ 598 /1)، نس (65/ 6) بلفظ مسلم والزيادة.
(3) صحيح: [ص. ج 2940]، [الأرواء 1784]، د (2035/ 47/ 6)، نس (65/ 6).
(4) صحيح: [ص. ت 866]، ت (1091/ 274/ 2).

(1/278)


ولا بأس بأن يعرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، لحديث ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حذافة السهمى، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتُوفى بالمدينة فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمرى فلبثت ليالى، ثم لقينى فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومى هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليّ شيئًا، وكنت أوجد (*) عليه مني على عثمان، فلبثت ليالى، ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقينى أبو بكر فقال: لعلك وجدت علىّ حين عرضت علىّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: قلت: نعم. قال أبو بكر: فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت علىّ إلا أنى كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشى سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلتها" (1).

النظر إلى المخطوبة:
ومن وقع في قلبه خطبة امرأة شُرع له النظر إليها قبل أن يخطبها، لحديث محمَّد بن مسلمة قال: خطبت امرأة، فجعلت أتخبأ لها، حتى نظرت إليها في نخل لها، فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة، فلا بأس أن ينظر إليها" (2).
وعن المغيرة بن شعبة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: "اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكماِ (* *) " (3).
__________
(*) أوجد عليه: أي أشد موجدة أي غضبا على أبى بكر من غضبى على عثمان.
(1) صحيح: [ص. نس 3047]، خ (5122/ 175/ 9)، نس (77/ 6)، ومعنى "وكنت أوجد عليه": أي أشد موجدة أي غضبا على أبي بكر من غضبي على عثمان (انظر فتح البارى ج 9 ص 83 دار الريان).
(2) صحيح: [ص. جه 1510]، جه (1864/ 599/ 1).
(* *) أحرى أن يؤدم بينكما: أولى وأجدر أن يجمع ببنهما ويتفقا على ما فيه صلاحهما، وأكثر ألفته ينسج بينهما
(3) صحيح: [ص. ت 868]، نس (69/ 6) وهذا لفظه، ت (1093/ 275/ 2) وعنده "فإنه أحرى".

(1/279)


الخطبة:
الَخطبة: هى طلب الزواج من المرأة بالوسيلة المعروفة بين الناس، فإن حصلت الموافقة فهي مجرد وعد بالزواج، لا يحل للخاطب بها شيء من المخطوبة، بل تظل أجنبية عنه حتى يعقد عليها.
ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع بعضكمَ على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خِطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" (1).
ولا يحل له خطبة المعتدة من طلاق رجعى؛ لأنها زوجة، كما لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة من طلاق بائن أو وفاة زوج، ولا بأس بالتعريض، لقول الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ....... } الأية (2).

عقد النكاح:
وركناه: الإيجاب والقبول، ويشترط لصحته:
1 - إذن الولي: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة لم يُنكحها الولي، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (3).
2 - حضور الشهود: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" (4).

وجوب استئذان المرأة قبل الزواج:
__________
(1) صحيح: [ص. نس 3037]، خ (5142/ 198/9)، نس (73/ 6).
(2) البقرة 235.
(3) صحيح: [ص. جه 1524]، جه (1879/ 605/ 1) وهذا لفظه، د (2069/ 98/ 6)، ت (1108/ 280/ 2) ولفظهما "فإن دخل بها .. فإن تشاجروا"
(4) صحيح: [ص. ج 7557]، هق (152/ 7)، حب (1247/ 305).

(1/280)


إذا كان لا نكاح إلا بوليّ، فإنه يجب على الولي استئذان من في ولايته من النساء قبل الزواج، ولا يجوز له إجبار المرأة على الزواج إن لم ترض، فإن عقد عليها وهي غير راضية فلها فسخ العقد:
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" (1).
وعن خنساء بنت خدام الأنصارية "أن أباها زوّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها" (2).
وعن ابن عباس: "أن جارية بكرًا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوّجها وهي كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - (3).

خُطبة النكاح:
وتستحب الخطبة بين يدي العقد، وهي التي تسمى خطبة الحاجة، ولفظها:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (5).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
__________
(1) متفق عليه: خ (5136/ 191/ 9)، م (1419/ 1036/ 2)، د (2078/ 115/ 6)، ت (1113/ 286/ 2) جه (1871/ 601/ 1)، نس (85/ 6)، والمراد بالأيم هنا الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق، وإن كانت العرب تطلق على كل من لا زوج له رجلًا كان أو المرأة أيما.
(2) صحيح: [الأرواء 1830]، خ (5138/ 194/ 9)، د (2087/ 127/ 6)، جه (1873/ 602/ 1)، نس (86/ 6).
(3) صحيح: [ص. جه 1520]، د (2082/ 120/ 6)، جه (1875/ 603/ 1).
(4) آل عمران (102).
(5) النساء: (1).

(1/281)


لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (1).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (2).

استحباب التهنئة بالنكاح:
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفأ قال: "بارك الله لكم، وبارك عليكم وجمع بينكما في خير" (3).

الصداق:
قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (4).
فالصداق حق المرأة على الرجل، وهو ملك لها، يحل لأحدٍ أبًا كان أو غيره أن يأخذ منه شيئًا إلا إذا طابت المرأة نفسا بهذا الأخذ.
ولم تجعل الشريعة حدًا لقلته، ولا لكثرته، لكن حثت على تخفيف المهور وعدم المغالاة فيها تيسيرًا لعملية الزواج، وحتى لا يُعرِضَ عنه الشباب لكثرة مؤنته.
قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (5) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثر صفرة فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، قال: كم سقت إليها؟ قال: زِنَة نواة من ذهب. قال رسول الله
__________
(1) الأحزاب: 70.
(2) سبق في خطبة الجمعة.
(3) صحيح: [ص. جه 1546]، جه (1905/ 614/ 1)، وهذا لفظه، د (2116/ 166/ 6)، ت (1097/ 276/ 2) وعندهما الخطاب للمفرد.
(4) و (5) النساء 20، 4
النحلة: الفريضة

(1/282)


- صلى الله عليه وسلم -:أولم ولو بشاة" (1).
وعن سهل بن سعد قال: إنى لفي القوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قامت امرأة فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك. فلم يجبها شيئًا. ثم قامت فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك. ثم قامت الثالثة فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك. فقام رجل فقال: يا رسول الله، أنكحنيها، قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا. قال: اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد فذهب وطلب، ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا ولا خاتما من حديد. قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معى سورة كذا وسورة كذا. قال: اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن" (2).
ويجوز تعجيل الصداق كله، وتأخيره كله، وتعجيل بعضه وتأجيل بعضه.
فإن دخل بها ولم يعطها شيئًا جاز، ووجب عليه لها مهر المثل، إن كان لم يسمّ لها مهرًا، فإن كان قد سمى لها مهرًا أعطاها ما سماه، والحذر كل الحذر من عدم الوفاء لها بما شرط، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" (3).
فإن مات الزوج بعد العقد وقبل الدخول فللمرأة المهر كاملا: عن علقمة قال: "أُتى عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقا، ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه. فقال: أرى لها مثل مهر نسائها، ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعى أن النبي
__________
(1) متفق عليه: خ (5153/ 221/ 9)، م (1427/ 1042/ 2)، د (2095/ 139/ 6)، ت (1100/ 277/ 2) جه (1907/ 615/ 1)، نس (6/ 119).
(2) متفق عليه: خ (5149/ 205/ 9)، واللفظ له، م (1425/ 1040/ 2)، د (2097/ 143/ 6)، ت (1121/ 290/ 2)، جه (1889/ 608/ 1) مختصرا، نس (123/ 6).
(3) متفق عليه: خ (5151/ 217 /9)، م (1418/ 1035/ 2)، د (2125/ 176/6)، جه (1954/ 628/ 1) ت (1137/ 298/ 2)، نس (92/ 6).مم

(1/283)


- صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى" (1).

متى يستحب البناء؟
عن عائشة قالت: "تزوجنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوال، فاى نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحظى عنده مني؟! وكانت تستحب أن يدخل نساؤها في شوال" (2).

ما يستحب فعله إذا دخل على زوجته:
يستحب له أن يلاطفها، كان يقدم إليها شيئًا من الشراب ونحوه، لحديث أسماء بنت يزيد قالت: "إنى قينّت عائشة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جئته فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتى بعُس لبن، فشرب ثم ناولها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخفضت رأسها واستحيت. قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذى من يد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قالت: فأخذت فشربت شيئًا" (3).
وينبغى أن يضع يده على مقدمة رأسها، ويسمى الله تعالى ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادما، فليأخذ بناصيتها، وليُسمّ الله عَزَّ وَجَلَّ، وليدع بالبركة، وليقل: اللهم إنى أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" (4).
__________
(1) صحيح: [الإرواء 1939]، ت (1154/ 306/ 2)، د (2100/ 147/ 6)، جه (1891/ 609/ 1)، نس (121/ 6).
(2) صحيح: [ص. جه 1619]، م (1423/ 1039/ 2)، ت (1099/ 277/ 2) بدون الجملة الوسطى، نس (130/ 6) بدون الجملة الأخيرة جه (1990/ 641/ 1).
(*) مختصرا من "آداب الزفاف للعلامة الألباني".
(3) الحميدي (367/ 179/ 1)، أ (6/ 438 و 452 و 453 و 458) مطولًا ومختصرا بإسنادين يقوى أحدهما الآخر. ذكره الألباني في آداب الزفاف. وقينت أي زينت والعُس هو القدح الكبير.
(4) حسن: [ص. جه 1557]، د (2146/ 196/ 6)، جه (1918/ 617/ 1).

(1/284)


ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا؛ لأنه منقول عن السلف، وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم. قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلمونى فقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك" (1).
الثاني: عن شقيق قال: جاء رجل يقال له: أبو حريز فقال: إنى تزوجت جارية شابة (بكرا) وإنى أخاف أن تفركني (*)، فقال عبد الله (يعني ابن مسعود): "إن الإلف من الله والفِرك من الشيطان يريد أن يكرّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلى وراءك ركعتين" زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود وقيل: "اللهم بارك لي في أهلى وبارك لهم فيّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرّق بيننا إذا فرّقت إلى خير" (2).
وينبغي أن يقول حين يجامعها: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا. قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإن قضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا" (3).
ويجوز أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء، من خلفها أو من أمامها لقول الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}: أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة.
عن جابر رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من
__________
(1) سنده صحيح: [آداب الزفاف 22]، ابن أبي شيبة (311/ 4).
(*) وتفركني أي تبغضني.
(2) سنده صحيح: [آداب الزفاف 23]، ابن أبي شيبة (312/ 4).
(3) متفق عليه: خ (5165/ 228/9)، م (1434/ 1058/ 2)، د (2147/ 197/ 6)، ت (2098/ 277/ 1) جه (1919/ 618/ 1).

(1/285)


دبرها في قبلها كان الولد أحول. فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1).
وعن ابن عباس قال: "كان هذا الحىّ من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرًا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فانكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتبنى، حتى شرى أمرها، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد (2).
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى حائضًا أو امرأة في
دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمَّد" (3).
وينبغى لهما أن ينويا بنكاحهما إعفاف نفسيهما، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تُكتب مباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبى ذر رضي الله عنه: "أن ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم "قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقه، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله
__________
(1) متفق عليه: خ (4528/ 189 /8)، م (1435/ 1058/ 2)، د (2149/ 203/ 6)، جه (1925/ 620/ 1).
(2) سنده حسن: [آداب الزفاف 28]، د (2150/ 204/ 6).
(3) صحيح: [الإرواء 2006]، جه (639/ 209/ 1)، ت (135/ 90/ 1)، د (3886/ 398/ 10).

(1/286)


أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (1).

وجوب الوليمة:
ولابد من عمل وليمة بعد الدخول، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -عبد الرحمن بن عوف بها، كما تقدم،
ولحديث بريدة بن الحصيب قال: "لما خطب علىُّ فاطمة رضي الله عنها قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنه لا بد للعرس من وليمة" (2).
وينبغى أن يلاحظ فيها أمورًا:
الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول، لأنه هو المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أنس قال: "تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية، وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام" (3).
الثاني: أن يدعو الصالحين إليها فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقى (4).
الثالث: أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة" (5).
وعن أنس قال: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولم على امرأة من نسائه ما أولم
__________
(1) صحيح: [ص. ج 2588]، م (1006/ 697/ 2).
(2) صحيح: [ص. ج 2419]،أ (175/ 205/ 16).
(3) سنده صحيح: [آداب الزفاف 74]، أخرجه أبو يعلى بسند حسن كما في الفتح (199/ 9)، وهو في صحيح البخاري بمعناه (1559/ 224/ 9). ذكره الألباني.
(4) حسن: [ص. ج 7341] (4811/ 178/13)؛ ت (2506/ 27/ 4).
(5) سبق.

(1/287)


على زينب، فإنه ذبح شاة" (1).
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولو لم يكن فيه لحم، لحديث أنس قال:
"أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاثًا يبنى عليه بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم، أمر بالأنطاع (*) فألقى يها من التمر والأقط والسمن، فكانت وليمته" (2).
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -. "شر الطعام طعام الوليمة، يُمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسولَه" (3).
ويجب على من دُعى إليها أن يحضرها: للحديث السابق، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دُعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها" (4).
وينبغى أن يجيب ولو كان صائما، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصلّ. يعني الدعاء" (5).
وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه لا سيما إذا ألّح عليه الداعى، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك" (6).
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
__________
(1) متفق عليه: م (1428 - 90 - / 1049/ 2) وهذا لفظه، خ (5171/ 237 /9)، جه (1908/ 615/ 1).
(2) متفق عليه: خ (5159/ 224 /9)، وهذا لفظه، م (1365/ 1043/2)، نس (134/ 6).
(3) متفق عليه: م (1432 - 110/ 1055/ 2)، وهو عند البخاري ومسلم أيضًا عن أبي هريرة موقوفًا عليه: خ (5177/ 244/ 9).
(*) جمع نطع وهو بساط من الجلد، والاقط: لبن مُحَمَّص يُجمد حتى يستحجر ويُطبخ، أو يطبخ به
(4) متفق عليه: خ (5173/ 240/ 9)، م (1429/ 1052/ 2)، د (3718/ 202/10).
(5) صحيح: [ص. ج 539]، هق (263/ 7) وهذا لفظه، م (1431/ 1054/ 2)، د (18، 3719/ 203/ 10).
(6) صحيح: [الإرواء 1955]، م (1430/ 1054/ 2)، د (3722/ 204/ 10).

(1/288)


الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنواع:
أ- "اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم" (1).
ب- "اللهم أطعم من أطعمنى، واسق من سقانى" (2).
ج- "أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون" (3).
الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة. كما سبق في التهنئة بالنكاح.
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع: وفيه أحاديث، منها:
عن عليّ قال: "صنعت طعاما فدعوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع [فقلت: يا رسول الله، ما أرجعك بابى أنتَ وأمى؟ قال: إن في البيت سترا فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير" (4)].
وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم:
عن أبي مسعود- عقبة بن عمرو: "أن رجلًا صنع له طعاما، فدعاه، فقال: أفى البيت صورة؟ قال: نعم فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة، ثم دخل" (5).
__________
(1) صحيح: [مختصر م 1316]، م (2042/ 1615/ 3)، د (3711/ 951/ 10).
(2) صحيح: م (2055/ 1625/3).
(3) صحيح: [ص. ج 1226]، د (3836/ 333/ 10).
(4) صحيح: [2708]، جه (3359/ 2114/ 2)، وأبو يعلى في مسنده (ق 31/ و 37/ 1 أو 39/ 2) والزيادة له.
(5) سنده صحيح: [آداب الزفاف 93]، هق (268/ 7).

(1/289)


وقال البخاري (1):"ودعا ابن عمر أبا أيوب، فرأى في البيت سترًا على الجدار. فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء. فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، فوالله لا أطعم لكم طعاما، فرجع".
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، وفي ذلك أحاديث، منها:
قوله - صلى الله عليه وسلم -:"أعلنوا النكاح" (2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح" (3).
وعن خالد بن ذكوان قال: قالت: الرُّبيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء: "جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل حين بُنى عليّ، فجلس على فراش كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قُتل من آبائى يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعى هذه، وقولى بالذى كنت تقولين" (4).
والسنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا، وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا ثم قسم. هكذا رواه أبو قلابة عن أنس، وقال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي-صلى الله عليه وسلم" (5).
ويجب عليه أن يحسن عشرتها، ويسايرها فيما أحل الله لها، لا سيما إذا كانت حديثة السنّ، وفي ذلك أحاديث، منها:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى" (6).
__________
(1) (249/ 9).
(2) حسن: [ص. جه 1537]، حب (1285/ 313).
(3) حسن: [ص. جه 1538]، نس (127/ 6)، جه (1896/ 611/ 1)، ت (1094/ 275/ 2) بدون "في النكاح".
(4) صحيح: [الزفاف 108]، خ (5147/ 202/ 9)، د (4901/ 264/ 13)، ت (1096/ 276/ 2).
(5) متفق عليه: خ (5214/ 314 /9)، م (1461/ 1084/ 2)، د (2110/ 160/6)، ت (1148/ 303/ 2).
(6) صحيح: [ص. ج 3266]، ت (3985/ 369/ 5).

(1/290)


وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم" (1).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر" (2).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبّرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" (3).
ويجب على الرجل العدل بين نسائه في الطعام والسكن والكسوة والمبيت، وسائر ما هو مادّى، فإن مال إلى إحداهن دون الأخرى شمله الوعيد المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له امرأتان، يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة واحد شقيه ساقط" (4).
ولا جناح عليه في الميل القلبى؛ لأنه لا يملكه، ولذا قال تعالى:
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (5).
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعدل بين نسائه فيما هو مادى، لا يفرق بينهن، ومع ذلك كانت عائشة أحبّهن إليه:
عن عمرو بن العاص "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته
__________
(1) صحيح: [ص. ج 3265]، ت (1172/ 315/2)
(2) صحيح: [ص. ج 7741]، م (1469/ 1091/ 2). وقوله "لا يفرك": بفتح الياء والراء وإسكان الفاء بينهما، قال أهل اللغة: فركه بكسر الراء يفركه بفتحها إذا أبغضه، والفرك بفتح الفاء وإسكان الراء البغض. (ص. مسلم بشرح النووي ج 10 ص 85 ط. قرطبه).
(3) حسن: [ص. جه 1501]، ت (1173/ 315/ 2). عوان أي أسيرات.
(4) صحيح: [ص. جه 1603]، جه (1969/ 633/ 1) وهذا لفظه، د (2119/ 171/6)، ت (1150/ 304/ 2) نس (63/ 7).
(5) النساء: 129.

(1/291)


فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب. فعدّ رجالًا" (1).

كم ينكح الحر؟
ولا يحل التزوج بأكثر من أربع، لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (2).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" (3).
وعن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندى ثمانية نسوة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: "اختر منهن أربعا" (4).

المحرمات من النساء:
قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (5).
__________
(1) صحيح: [ص. ت 3046]، ت (3972/ 364/ 5).
(2) النساء:3.
(3) صحيح: [ص. جه 1589]، ت (1138/ 295/ 2)، جه (1953) / 628/ 1)
(4) حسن صحيح: [ص. جه 1588]، جه (1952/ 628/ 1)، د (224/ 327/ 6).
(5) النساء: 22 - 24.

(1/292)


فذكر الله تعالى في هذه الآيات المحرمات من النساء، وبالتأمل فيها نجد أن التحريم قسمان:
1 - تحريم مؤبد، يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات.
2 - تحريم مؤقت، يمنع المرأة من التزوج بها ما دامت على حالة خاصة قائمة بها، فإن تغير الحال زال التحريم وصارت حلالًا.
وأسباب التحريم المؤبد هى: النسب، والمصاهرة، والرضاع.
أولًا: المحرمات بالنسب، وهن:
الأمهات. البنات. الأخوات. العمات. الخالات. بنات الأخ. بنات الأخت.
ثانيا: المحرمات بالمصاهره، وهن:
1 - أم الزوجة، ولا يشترط في تحريمها الدخول بها، بل مجرد العقد على ابنتها يحرّمها.
2 - ابنة الزوجة المدخول بها، فإن عقد على الأم ولم يدخل بها حلّت له ابنتها لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}.
3 - زوجة الابن: وتحرم بمجرد العقد.
4 - زوجة الأب: يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه بمجرد عقد الأب عليها.
ثالثا: المحرمات بسبب الرضاع:
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" (1).
وعلى هذا، فتنزل المرضعة منزلة الأم، وتحرم على المرضع هى وكل من يحرم
على الابن من قبل أمّ النسب، فيحرم على الرضيع التزوج من:
1 - المرضعة. 2 - أم المرضعة. 3 - أم زوج المرضعة. 4 - أخت المرضعة.
__________
(1) متفق عليه: خ (5099/ 139/9)، م (1444/ 1068/2)، ت (1157/ 307/ 2)، د (2041/ 53/ 6) نس (99/ 6).

(1/293)


5 - أخت زوج المرضعة. 6 - بنات بنيها وبناتها. 7 - الأخت من الرضاعة.

الرضاع الذي يثبت به التحريم:
عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم المصّة والمصّتان" (1).
وعن أم الفضل أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحرم الرضعة أو الرضعتان، أو المصة أو المصتان" (2).
وعن عائشة قالت: "كان فيما أنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرمن"، ثم نسخن "بخمس معلومات". فتوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن" (3).
ويشترط أن يكون الرضاع في الحولين، لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (4).
وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء في الثدى وكان قبل الفطام" (5).

المحرمات مؤقتا:
1 - الجمع بين الأختين: لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (6).
__________
(1) صحيح: [ص 1577]، [الإرواء 2148]، م (1450/ 1073/ 2)، ت (1160/ 308/ 2)، د (2049/ 69/ 6) جه (1941/ 624/ 1)، نس (101/ 6).
(2) صحيح: [مختصر م 878]، م (1451 - 20/ 1074/ 2)، وهذا لفظه، نس (101/ 6).
(3) صحيح: [مختصر مسلم 879]، م (1452/ 1075/ 2)، د (2048/ 67/ 6)، ت (1160/ 308/ 2)، جه (1942/ 625/ 1) بمعناه، نس (100/ 6).
(4) البقرة 233.
(5) صحيح: [الإرواء 2150]، ت (1162/ 311/ 2).
(6) النساء: 23

(1/294)


2 - الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: لحديث أبى هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال:
"لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (1).
3 - زوجة الغير ومعتدته: لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي حرمت عليكم المحصنات من النساء، أى المتزوجات منهن، إلا المسبيات، فإن المسبية تحل لسابيها بعد الاستبراء، وإن كانت متزوجة، لحديث أبى سعيد:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشا إلى أوطاس، فلقى عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكان ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن (2).
4 - المطلقة ثلاثًا: لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا. لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}.
5 - زواج الزانية: لا يحل للرجل أن يتزوج بزانية، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بزان، إلا أن يحدث كل منهما توبة. لقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (3).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن مرثد بن أبي مرثد الغنوى كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغىّ يقال لها عَنَاق، وكانت صديقته. قال: جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أنكح عناقا؟ قال: فسكت عني.
__________
(1) متفق عليه: خ (5109/ 160/ 9)، م (1408/ 1028/ 2)، د (6052/ 72/ 2)، ت (1135/ 297 /2) جه (1929/ 621/ 1) بمعناه، نس (98/ 6).
(2) صحيح: [محتصر م 837]، م (1456/ 1079/ 2)، ت (5005/ 301/ 4)، نس (110/ 6)، د (2141/ 190/ 6)
(3) النور: 3.

(1/295)


فنزلت: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعانى فقرأها علىّ، وقال: لا تنكحها" (1).

الأنكحة الفاسدة:
1 - نكاح الشغار: وهو أن يزوّج الرجلُ ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليه على أن يزوّجه الآخر أو يزوّج ابنه أو ابن أخيه ابنته أو أخته أو بنت أخته أو نحو ذلك.
وهذا العقد على هذا الوجه فاسد، سواء ذكر فيه مهر أم لا؛ لأنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك وحذر منه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) وفي الصحيحين عن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار" (3).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار قال: والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوّجنى ابنتك وأزوجك ابنتى، أو زوّجنى أختك وأزوجك أختى" (4).
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا شغار في الإِسلام" (5).
فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم نكاح الشغار وفساده، وأنه مخالف لشرع الله، ولم يفرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ما سمى فيه مهر وما لم يسمّ فيه شيء.
وأما ما ورد في حديث ابن عمر (3) من تفسير الشغار بأن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق، فهذا التفسير قد ذكر أهل العلم
__________
(1) حسن الإسناد: [ص. نس 3027]، د (2037/ 48/ 6)، نس (66/ 6)، ت (3227/ 10/ 5).
(2) الحشر: 7.
(3) متفق عليه:، خ (5112/ 162/9)، م (1415/ 1034/2)، نس (112/ 6).
(4) صحيح: [مختصر م 808]، م (1416/ 1035/ 2).
(5) صحيح: [ص. ج 7501]، م (1415 - 60 - / 1035/ 2).

(1/296)


أنه من كلام نافع الراوى عن ابن عمر، وليس هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبى هريرة بما تقدم، وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولم يقل وليس بينهما صداق، فدل ذلك على أن تسمية الصداق أو عدمها لا أثر لها في ذلك، وإنما المقتضى للفساد هو اشتراط المبادلة، وفي ذلك فساد كبير، لأنه يفضى إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه، إيثارًا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء، وذلك منكر وظلم للنساء، ولأن
ذلك أيضًا يفضى إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن، كما هو الواقع بين الناس المتعاطين لهذا العقد المنكر، إلا من شاء الله، كما أنه كثيرا ما يفضى إلى النزاع والخصومات بعد الزواج، وهذا من العقوبات العاجلة لمن خالف الشرع" (1).

2 - نكاح المحلل:
وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثًا بعد انقضاء عدتها، ثم يطلقها لتحل لزوجها الأول.
وهذا النوع من الزواج كبيرة من كبائر الإثم والفواحش، لا يجوز، سواء شرطا ذلك في العقد، أو اتفقا عليه قبل العقد، أو نواه أحدهما بقلبه، وفاعله ملعون.
عن عليّ قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -والمحلَّل له" (2).
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلَّل، لعن الله المحلِّل والمحلل له" (3).
وعن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال: "جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها
__________
(1) انظر رسالة "حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار" لسماحة الشيخ ابن باز حفظه الله
(2) صحيح: [ص. خ 5101]، د (2062/ 88/ 6)، ت (1128/ 294 / 2)، جه (1935/ 622/1).
(3) حسن: [ص. جه 1572]، جه (1936/ 623/ 1)، كم (198/ 2)، هق (208/ 7).

(1/297)


لأخيه، هل تحل للأول؟ قال: لا، إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).

3 - نكاح المتعة:
" ويسمى الزواج المؤقت، والزواج المنقطع، وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوما أو أسبوعا أو شهرا. أو غير ذلك من الآجال المعلومة.
وهو زواج متفق على تحريمه، وإذا انعقد يقع باطلًا (2).
عن سبرة قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم
لم نخرج حتى نهانا عنها" (3).

العقد على المرأة وفي نية الزوج طلاقها:
قال الشيخ سيد حافظ -حفظه الله- في فقه السنة (38/ 2):
اتفق الفقهاء على أن من تزوج امرأة دون أن يشترط التوقيت وفي نيته أن يطلقها بعد زمن، أو بعد إنقضاء حاجته في البلد الذي هو مقيم به، فالزواج صحيح.
وخالف الأوزاعى فاعتبره زواج متعة.
قال الشيخ رشيد رضا تعليقا على هذا في تفسير المنار:
هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد.
ولكن كتمانه إياه يعد خداعا وغشا، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضى بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه
__________
(1) صحيح: [الإرواء 6/ 311]، كم (199/ 2)، هق (208/ 7).
(2) فقه السنة (35/ 2).
(3) صحيح: [مختصر مسلم 812]، م (1406/ 1023/2).

(1/298)


من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هى أعظم الروابط البشرية وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذوّاقين والذوّاقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات.
وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشا وخداعا، تترتب عليه مفاسد أخرى، من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو إحصان كل من الزوجين للآخر، وإخلاصه له وتعاونهما على تاسيس بيت صالح من بيوت الأمة. أهـ.
(قلت): ويؤيد ما ذهب إليه الشيخ رشيد -رحمه الله- أثر عمر بن ناف ع عن أبيه أنه قال: "جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثًا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه، ليحلها لأخيه، هل تحلّ للأول؟ قال: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (1).

الحقوق الزوجية:
الأسرة هى اللبنة الأولى في المجتمع، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، لذا أولى الإِسلام الأسرة عناية كبيرة، وفرض لها ما يكفل سلامتها وسعادتها.
فاعتبر الإِسلام الأسرة مؤسسة تقوم على شركة بين اثنين، المسئول الأول فيها الرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (2).
وجعل الإِسلام لكل من الشريكين على صاحبه حقوقا، تكفل -بأدائها- استقرار هذه المؤسسة واستمرارية هذه الشركة، وحث كلًا من الشريكين أن يؤدى
__________
(1) سبق قريبا.
(2) النساء: 34.

(1/299)


ما عليه، وأن يغض الطرف عما يحدث من تقصير في حقوقه أحيانا.

حق المرأة على الرجل:
يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (1) فما يوجد من المودة والرحمة بين الزوجين لا يكاد يوجد بين اثنين. والله سبحانه يحب للأزواج دوام المودة والرحمة، ولذا شرع لهم من الحقوق ما يحفظ أداؤه المودة والرحمة من النفاد أو الضياع، فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وهذه الكلمة على إيجازها جمعت مالًا يؤدى بالتفصيل إلا في سفر كبير، فهي قاعدة كليّة ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق، إلا أمرأَ واحدًا عبّر الله تعالى عنه بقوله {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (2) وقد أحال في معرفة ما لهنّ وما عليهن على المعروف بين الناس ومعاشراتهم ومعاملاتهم في أهليهم، وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم. فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه في جميع الشؤون والأحوال، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور تذكّر أنه يجب عليه مثله بإزائه. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنى لأتزيّن لامرأتى كما تتزين لي (3).
فالمسلم الحق يعترف بما لزوجته عليه من الحقوق، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا" (4).
والمسلم الواعى يحاول دائما أن يؤدى لزوجه حقها غير ناظر في حقه استوفاه
__________
(1) الروم: 21.
(2) البقرة: 228.
(3) ابن جرير (453/ 2).
(4) حسن: [ص. جه 1501]، ت (1173/ 315/2)، جه (1851/ 594/1)

(1/300)


أم لا، لأنه حريص على دوام المودة والرحمة بينهما، كما أنه حريص على تفويت الفرصة على الشيطان الذي يحرش بينهما ليتفرقا.
ومن باب "الدين النصيحة" نذكر الآن حق المرأة على الرجل، ثم نذكر بعد ذلك حق الرجل على المرأة، لعل الأزواج يتعظون فيتواصون بالحق ويتواصون بالصبر.
"إن لنسائكم عليكم حقا" وأوّل ذلك: أن يعاشر الرجلُ المرأة بالمعروف، لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1)، وذلك بأن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ويؤدّبها إذا خاف نشوزها بما أمر الله أن يؤدب به النساء، بأن يعظها موعظة حسنة من غير سبّ ولا شتم ولا تقبيح، فإن أطاعت وإلا هجرها في الفراش، فإن أطاعت وإلا ضربها في غير الوجه ضربًا غير مبرّح، لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (2) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت" (3).
إن من مظاهر اكتمال الخلق ونمو الإيمان أن يكون المرء رفيقا رقيقًا مع أهله كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أكتمال المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقا، وخياركم خياركم لنسائهم" (4)
فإكرام المرأة دليل الشخصية المتكاملة، وإهانتها علامة على الخسة واللؤم. ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يتلطف مع عائشة ويسابقها، حتى قالت "سابقنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته، فلبثنا حتى إذا
__________
(1) النساء: 19.
(2) النساء: 34.
(3) صحيح: [ص. جه 1500]، د (2128/ 180/6)، جه (1850/ 593/1).
(4) حسن صحيح: [ص. ت 928]، ت (1172/ 315/ 2).

(1/301)


أرهقنى اللحم سابقنى فسبقنى، فقال: هذه بتلك" (1).
ولقد عدّ النبي - صلى الله عليه وسلم -اللهو باطلًا إلا ما كان مع الأهل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثًا: رميُه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق" (2).
2 - ومن حق المرأة على الرجل أن يصبر على أذاها، وأن يعفو عما يكون منها من زلات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقا رضي منها آخرً" (3).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلِقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمُه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا" (4) وقال بعض السلف: اعلم أنه ليس حُسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها، بل تحملّ الأذى منها، والحلم على طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانت نساؤه يراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (5).
3 - ومن حق المرأة على الرجل أن يصونها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويُثلم عِرضها ويمتهن كرامتها، فيمنعها من السفور والتبرج، ويحول بينها وبين الاختلاط بغير محارمها من الرجال، كما عليه أن يوفّر لها حصانة كافية ورعاية وافية، فلا يسمح لها أن تفسد في خلق أو دين، ولا يفسح لها المجال أن تفسق عن أوامر الله ورسوله أو تفجر، إذ هو الراعى المسئول عنها والمكلف بحفظها وصيانتها لقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (6)، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته" (7).
__________
(1) صحيح: [الزفاف200]، د (2561/ 243/ 7).
(2) صحيح: [ص. ج 4534]، النسائي في العشرة (ق 74/ 2) الطبراني في المعجم الكبير (1/ 89/ 2) وأبو نعيم في أحاديث أبي القاسم الأصم (ق 17/ 18).
(3) صحيح: [الزفاف 199]، م (469/ 1091/ 2).
(4) متفق عليه: البخاري (5186/ 253/ 9)، م (1468 - 60 - /1091/ 2).
(5) مختصر منهاج القاصدين (ص 78 و 79).
(6) النساء: 34.
(7) متفق عليه: خ (893/ 380/2)، م (1829/ 1459/3).

(1/302)


4 - ومن حق المرأة على الرجل أن يعلمها الضرورى من أمور دينها، أو يأذن، لها أن تحضر مجالس العلم، فإن حاجتها لإصلاح دينها وتزكية روحها ليست أقلّ من حاجتها إلى الطعام والشراب الواجب بذلهما لها، وذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (1) والمرأة من الأهل، ووقايتها من النار بالإيمان والعمل الصالح، والعملُ الصالح لابد له من العلم والمعرفة، حتى يمكن أداؤه والقيام به على الوجه المطلوب شرعا.
5 - ومن حق المرأة على الرجل أن يأمرها بإقامة دين الله والمحافظة على الصلاة، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (2).
6 - ومن حق المرأة على الرجل أن ياذن لها في الخروج من البيت إذا احتاجت إليه كأن ترغب في شهود الجماعة، أو في زيارة أهلها وأقاربها أو جيرانها، بشرط أن يأمرها بالجلباب، وينهاها عن التبرج والسفور، كما ينهاها عن العطر والبخور، ويحذرها من الاختلاط بالرجال ومصافحتهم، كما يحذرها من رؤية التلفزيون وسماع الأغانى.
7 - ومن حق المرأة على الرجل أن لا يفشى سرّها، وأن لا يذكر عيبها، إذ هو الأمين عليها، والمطالب برعايتها والذود عنها، ومن أخطر الأسرار أسرار الفراش ولذا حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم -من إذاعتها لحديث أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرجال والنساء قعود فقال: "لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرَمَّ القوم، فقلت: إى والله يا رسول الله! إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال "فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقى شيطانه فى طريق، فغشيها والناس ينظرون" (3).
8 - ومن حق المرأة على الرجل أن يستشيرها في الأمور ولا سيما التى تخصهما وأولادَهما، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يستشير نساءه ويأخذ
__________
(1) التحريم: 6.
(2) طه: 132.
(3) صحيح: [آداب الزفاف 72].

(1/303)


برأيهن، ومن ذلك ما كان منه يوم الحديبية حين فرغ من كتابة الصلح ثم قال لأصحابه: "قوموا فانحروا، ثم احلقوا". فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقى من الناس. فقالت: يا نبى الله أتحب ذلك؟ اخرج، ولا تكلّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد يعضهم يقتل بعضًا غمًا (1). وهكذا جعل الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في رأى زوجه أم سلمة الخير الكثير، خلافا للأمثلة الجائرة الظالمة التي تنهى عن مشاورة النساء وتحذر منها، كقولهم بالعامية مشورة المرأة إن نفعت بخراب سنة، وإن ما نفعت بخراب العمر.
9 - ومن حق المرأة على الرجل أن يرجع إليها بعد العشاء مباشرة، وألا يسهر خارج المنزل إلى ساعة متأخرة من الليل، فإن هذا يؤرقها ويزعجها قلقًا عليه، إن لم تدب في صدرها الوساوس والشكوك إن طال السهر وتكرر، بل من حق المرأة على الرجل أن لا يسهر في البيت بعيدا عنها ولو في الصلاة حتى يؤديها حقها، ومن هنا أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن عمرو طول سهره واعتزال امرأته، وقال له: "إن لزوجك عليك حقا" (2).
10 - ومن حق المرأة على الرجل أن يعدل بينها وبين ضرتها إن كان لها ضرة، يعدل بينهما في الطعام والشراب، واللباس، والسكن، والمبيت في الفراش، ولا يجوز أن يحيف في شيء من ذلك أو يجور ويظلم، فإن الله حرّم هذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل" (3).
__________
(1) صحيح: خ (2731 و 2732/ 329/ 5).
(2) متفق عليه: خ (1975/ 217 و 218/ 4)، م (1159 - 182 - 813/ 2)، نس (211/ 4).
(3) صحيح: [الإرواء 2017]، [ص. جه 1603]، د (2119/ 171/6)، ت (1150/ 304/ 2)،نس (63/ 7) جه (1969/ 633/ 1)، بألفاظ متقارية.

(1/304)


إخوة الإِسلام: هذه هى حقوق نسائكم عليكم، فالواجب عليكم أن تجتهدوا في أداء هذه الحقوق لهن، وأن لا تألوا جهدًا في ذلك، فإن قيامكم بهذه الحقوق من أسباب سعادتكم في حياتكم الزوجية، ومن أسباب استقرار البيوت وسلامتها وخلوها من المشاكل التي تؤرقكم وتفقدكم الراحة والسكون والمودة والرحمة.
ونذكر النساء بضرورة غض طرفهن عن تقصير أزواجهن في حقهن وأن يقابلن تقصير الرجال بالاجتهاد في خدمتهم، وبذلك تدوم الحياة الزوجية سعيدة.

حق الرجل على المرأة:
إن حق الرجل على المرأة عظيم، بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - عظمته بقوله: فيما رواه الحاكم وغيره من حديث أبى سعيد "حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدَّت حقه" (1). والمرأة الكيسة الفطنة هى التي تعظّم ما عظم الله ورسوله، وهي التي تقدر زوجها حق قدره: فتجتهد في طاعته لأنّ طاعته من موجبات الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلى الجنة من أي أبوابها شئت" (2) فتأملى أيتها المسلمة كيف جعل النبي - صلى الله عليه وسلم -طاعة الزوج من موجبات الجنة كالصلاة والصيام، فالزمى طاعته، واجتنبى معصيته، فإن في معصيته غضب الربّ سبحانه وتعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسى بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها" (3).
فالواجب عليك أيتها المسلمة أن تدينى لزوجك بالسمع والطاعة في كل ما يأمرك به مما لا يخالف الشرع، واحذرى كل الحذر من الإفراط في الطاعة حتى
__________
(1) صحيح: [ص. ج 3148]، أ (247/ 227/ 16).
(2) صحيح: [ص. ج 660]، أ (250/ 228/ 16).
(3) صحيح: [ص. ج 7080]، م (1436 - 121 - /1060/ 2).

(1/305)


تطيعيه في المعصية، فإنك إن فعلت كنت آثمة.
ومن ذلك مثلا: أن تطيعيه في إزالة شعر وجهك تجملًا له، فقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - النامصة والمتنمصة (1).
ومن ذلك: أن تطيعيه في ترك الخمار عند الخروج من البيت لأنه يحبّ أن يتباهى بجمالك أمام الناس، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" (2).
ومن ذلك أن تطيعيه في الوطء في المحيض أو في غير ما أحل الله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّد" (3). ومن ذلك أن تطيعيه في الظهوِر على الرجال والاختلاط بهم ومصافحتهم، فقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (4) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والدخول على النساء" قيل: يا رسول الله: أفرأيت الحمو (وهو قريب الزوج كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه ونحوهم) قال: "الحمو الموت" (5) وقيسى على ذلك كل ما يخالف شرع ربك، فلا تغترى بما يلزمك من الطاعة لزوجك حتى تطيعيه في المعصية، فإنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
2 - ومن حق الزوج على زوجته أن تصون عرضه، وتحافظ على شرفها، وأن ترعى ماله وولده وسائر شئون منزله، لقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ ِللْغَيْبِ بِمَا
__________
(1) متفق عليه: خ (4886/ 630/ 8)، م (2125/ 1678/3)، د (4151/ 225/11)، نس (146/ 8)، ت (2932/ 193/ 4)، جه (1989/ 640/ 1).
(2) صحيح: [ص. ج 3799]، [مختصر م 1388]، م (2128/ 1680/ 3).
(3) صحيح: [آداب الزفاف 31]، جه (639/ 209/ 1)، ت (135/ 90/ 1) وليس عنده جملة: "فصدقه بما يقول".
(4) الأحزاب: 53.
(5) متفق عليه: خ (5232/ 330/9)، م (2172/ 1711/4)، ت (1181/ 318/2).

(1/306)


حَفِظَ اللَّهُ} (1) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والمرأة رأعيه في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها" (2).
3 - ومن حق الزوج على زوجته أن تتزين له وتتجمل، وأن تبتسم في وجهه دائما ولا تعبس، ولا تبدو في صورة يكرهها، فقد أخرج الطبراني من حديث عبد الله ابن سلام قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير النساء من تسرّك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك" (3).
والعجب كل العجب من إهمال المرأة لنفسها في بيتها بحضرة زوجها، وإفراطها في الاهتمام بنفسها وإبداء زينتها عند الخروج من بيتها، حتى صدق فيها قول من قال: قردٌ في البيت وغزال في الشارع فاتق الله يا أمة الله في نفسك وزوجك، فإنه أحق الناس بزينتك وتجملك، وإياك وإبداء الزينة لمن لا يجوز له رؤيتها، فإن هذا من السفور المحرّم.
4 - ومن حق الزوج على زوجته أن تلزم بيته فلا تخرج منه ولو إلى المسجد إلا بإذنه، لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (4).
5 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون" (5).
6 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحفظ ماله، وأن لا تنفق منه إلا بإذنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "ولا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل: ولا الطعام؟ قال: "ذلك أفضل أموالنا" (6).
بل من حق الزوج على زوجته أن لا تنفق من مالها إن كان لها إلا بإذن
__________
(1) النساء: 34.
(2) جزء من حديث: "الرجل راع ... " وقد سبق.
(3) صحيح: [ص. خ 3299].
(4) الأحزاب: 33.
(5) هو جزء من حديث سابق، طرفه: "ألا إن لكم على نسائكم حقا ... ".
(6) حسن: [ص. جه 1859]، ت (2203/ 293/3)، د (3548/ 478/ 9)، جه (2295/ 770/ 2).

(1/307)


زوجها لقوله - صلى الله عليه وسلم "ليس للمرأة أن تنتهك شيئًا من مالها إلابإذن زوجها" (1).
7 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا وهو شاهد إلا بإذنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" (2).
8 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تمنّ عليه، بما أنفقت من مالها في بيتها وعلى عيالها، فإن المنّ يبطل الأجر والثواب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (3).
10 - ومن حق الزوج على زوجته أن ترضى باليسير، وأن تقنع بالموجود، وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق، فقد قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (4).
11 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحسن القيام على تربية أولادها منه في صبر فلا تغضب على أولادها أمامه، ولا تدعو عليهم، ولا تسبّهم، فإن ذلك قد يؤذيه والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تؤذى امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا" (5).
12 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحسن معاملة والديه وأقاربه، فما أحسنت إلى زوجها من أساءت إلى والديه وأقاربه.
13 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تمنع منه نفسها متى طلبها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها
__________
(1) أخرجه الألباني في "الصحيحة" (775) وقال: أخرجه تمام في "الفوائد" (10/ 182/ 2) من طريق عنبسة بن سعيد، عن حماد مولى بني أمية عن جناح مولى الوليد عن واثلة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره.
قال: وهذا إسناد ضعيف، لكن للحديث شواهد تدل على أنه ثابت أهـ.
(2) متفق عليه: خ (5195/ 295/ 9)، م (1026) وشاهد: أي حاضر ..
(3) البقرة: 264.
(4) الطلاق: 7.
(5) ت (1184/ 320/ 2).

(1/308)


الملائكة حتى تصبح" (1) وقال -صلي الله عليه وسلم- "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور" (2).
14 - ومن حق الزوج على زوجته أن تكتم سرّه وسرّ بيته، ولا تفشى من ذلك شيئًا، ومن أخطر الأسرار التي تتهاون النساء بإذاعتها أسرار الفراش وما يكون بين الزوجين فيه، وقد نهى النبي -صلي الله عليه وسلم- عن ذلك: فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند النبي -صلي الله علي وسلم- والرجال والنساء قعود، فقال -صلي الله عليه وسلم- "لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرمّ القوم. فقلت: إى والله يا رسول الله، إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون. فقال -صلي الله عليه وسلم- "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك كمثل شيطان لقى شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون" (3).
15 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحرص عليه وتحافظ على الحياة معه، ولا تسأله الطلاق من غير سبب، عن ثوبان رضي الله عنه قال -صلي الله عليه وسلم-: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (4). وقال صلي الله عليه وسلم: "المختلعات (*) هن المنافقات" (5).
هذه أيتها المسلمة حقوق زوجك عليك، فعليك أن تجتهدى في القيام بها حق القيام، وأن تغضّى الطرف عن تقصير زوجك في حقك، فإنه بذلك تدوم المودة والرحمة، وتصلح البيوت، ويصلح المجتمع بصلاحها.
وعلى الأمهات أن يَعلَمن أن من الواجب عليهن أن يبصّرن بناتهن بحقوق أزواجهن وأن تذكّر كل أم بنتها بهذه الحقوق قبل زفافها، سنة نساء السلف رضي
__________
(1) متفق عليه: خ (5194/ 294/ 9)، م (1436/ 1060 / 2) , د (2127/ 179 /6).
(2) صحيح: [ص. ج 534] , ت (1160/ 314/ 2). والتنور: الفرن يخبز فيه.
(3) صحيح: [آداب الزفاف 72]، أ (237/ 223/ 16).
(4) صحيح: [الإرواء 2035] , ت (1199/ 329 /2)، د (2209/ 308/ 6) , جه (2055/ 662/ 1).
(*) المختلفة: أي التي تطلب أن يطلقها زوجها بفدية من مالها.
(5) صحيح: [ص. ج 6681] , [الصحيحة 632] ,ت (1198/ 329/2).

(1/309)


الله عنهن فقد خطب عمرو بن حجر ملك كندة أم إياس بنت عوف الشيبانى، فلما حان زفافها إليه خلت بها أمها أمامة بنت الحارث فأوصتها وصيّة بينت فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة وما يجب عليها لزوجها، فقالت:
أى بنيّة: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، لكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلقن ولهن خُلق الرجال.
أي بنيّة: إنك فارقت الجوّ الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا فكونى له أمة يكن لك عبدًا وشيكا. واحفظى له خصالًا عشرًا يكن لك ذخرًا:
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًا، فإنك إن خالفت أمره أوْغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمنى غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهمومًا، والكآبة بين يديه إن كان مسرورًا (1).
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).
__________
(1) فقه السنة (200/ 2).

(1/310)


الخلافات الزوجية:
لا تكاد أسرة تسلم من المشاكل والخلافات، ولكن الأسر تتفاوت في حجم مشاكلها ونوع خلافاتها. وقد حث الإِسلام الزوجين على معالجة مشاكلهما والقضاء عليها فيما بينهما، وأرشد كلاّ منهما إلى طرق العلاج التي يستخدمها مع صاحبه، كما حثهما على المبادرة إلى العلاج حين تظهر بوادر الخلاف وأعراضه, قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْخرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن} (1) وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُالحًا وَالصُلْحُ خَيْر} (2).
"فالمنهج الإسلامى لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل، وتعلن راية العصيان، وتسقط مهابة القوامة، وتنقسم المؤسسة إلى معسكرين .. فالعلاج حين ينتهى الأمر إلى هذا الوضع قلّما يجدى .. ولابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله، لأن مآله إلى فساد في هذه المنظمة الخطيرة، لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة، ولا تصلح معه تربية ولا إعداد للناشئين في المحضن الخطير. وماَله بعد ذلك إلى تصدع وانهيار ودمار المؤسسة كلها، وتشرد للناشئين فيها، أو تربيتهم بين عوامل هدامة مفضية إلى الأمراض النفسية والعصبية والبدنية .. وإلى الشذوذ.
فالأمر إذن خطير، ولابد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ أن تلوح من بعيد.

علاج نشوز المرأة:
قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (1).
{فَعِظُوهُنَّ}: هذا هو الإجراء الأول .. الموعظة .. وهذا هو أول واجبات
__________
(1) و (2) النساء 34, 128.

(1/311)


القيم ورب الأسرة. عمل تهذيبى، مطلوب منه في كل حالة: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكمْ نَارًا وَقُوذهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة} (1) ولكنه في هذه الحالة بالذات، يتجه اتجاها معينا لهدف معين، هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن.
ولكن العظة قد لا تنفع؛ لأن هناك هوى غالبا، أو انفعالا جامحا، أو استعلاء بجمال، أو بمال أو بمركز عائلى، أو بأى قيمة من القيم، تنسى الزوجة أنها شريكة في مؤسسة، وليست ندا في صراع أو مجال افتخار. هنا يجىء الإجراء الثاني .. حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تتدل به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى، ترفع بها ذاتها عن ذاته، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} , والمضجع موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها. فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها.
على أن هناك أدبا معينا في هذا الإجراء .. إجراء الهجر في المضاجع .. وهو ألا يكون هجرا ظاهرا في غير مكان خلوة الزوجين .. لا يكون هجرًا أمام الأطفال، يورث نفوسهم شرًا وفسادًا .. ولا هجرا أمام الغرباء يذل الزوجة، أو يستثير كرامتها فتزداد نشوزًا فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة ولا إفساد الأطفال. وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء. ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك .. فهل تترك المؤسسة تتحطم؟ إن هناك إجراء ولو أنه أعنف، ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز:
{وَاضْرِبُوهنّ} , واستصحاب المعانى السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبا للانتقام والتشفى. ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضًا للقسر والإرغام على معيشة لا.
__________
(1) التحريم: 6.

(1/312)


ترضاها .. ويحدد أن يكون ضرب تأديب، مصحوب بعاطفة المؤدب المربى، كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربى مع تلميذه.
وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز -قبل استفحالها- وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها، فور تقريرها وإباحتها، وتولى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسنته العملية في بيته مع أهله، وبتوجيهاته الكلامية، علاج الغلو هنا وهناك، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة:
عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" (1).
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"لا تضربوا إماء الله". فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء على أزواجهن. فرخّص في ضربهن، فاطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ولقد أطاف بآل بيت محمَّد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم" (2).
وعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه" (3).
وعلى آية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده، متى تحققت الغاية عند مرحلة من هذه المراحل فلا تتجاوز إلى ما وراءها: "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة مما يدل على أن الغاية -غاية الطاعة- هى المقصود، وهي طاعة الاستجابة، لا طاعة الإرغام، فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة، قاعدة الجماعة.
__________
(1) سبق 295.
(2) حسن صحيح: [ص. جه 1615] , د (2132/ 183 /6) ,جه (1985/ 638/1).
(3) متفق عليه: خ (4942/ 705 / 8) , م (2855/ 2091 / 4) , ت (3401/ 111 /5).

(1/313)


ويشير النص إلى أن المضي فيِ هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغى وتحكم وتجاور {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} ثم يعقب على هذا النهى بالتذكير بالعلى الكبير، كى تتطامن القلوب وتعنو الرؤوس، وتتبخر مشاعر البغى والاستعلاء إن طافت ببعض النفوس: على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب" (1).

علاج نشوز الرجل
قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْر وَأُحْضرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَ ان تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (2) "لقد نظم المنهج -من قبل- حالة النشوز من ناحية الزوجة، والإجراءات التي تتخذ للمحافظة على كيان الأسرة فالآن ينظم حالة النشوز والإعراض حين يخشى وقوعها من ناحية الزوج، فتهدد أمن المرأة وكرامتها وأمن الأسرة كلها كذلك. إن القلوب تتقلب، وإن المشاعر تتغير. والإِسلام منهج حياة يعالج كل جزئية فيها، ويتعرض لكل ما يعرض لها في نطاق مبادئه واتجاهاته، وتصميم المجتمع الذي يرسمه وينشئه وفق هذا التصميم.
فماذا خشيت المرأة أن تصبح مجفوة، وأن تؤدى هذه الجفوة إلى الطلاق -وهو أبغض الحلال إلى الله- أو إلى الإعراض، الذي يتركها كالمعلقة، لا هى زوجة ولا هى مطلقة، فليس هنالك حرج عليها ولا على زوجها، أن تتنازل له عن شيء من فرائضها المالية أو فرائضها الحيوية، كان تترك له جزءًا أو كلا من نفقتها الواجبة عليه، أو أن تترك له قسمتها وليلتها إن كانت له زوجة أخرى يؤثرها، وكانت هى قد فقدت حيويتها للعشرة الزوجية أو جاذبيتها. هذا كله إذا رأت هى -بكامل اختيارها وتقديرها لجميع ظروفها- أن ذلك
__________
(1) الظلال (358 - 362/ 2).
(2) النساء: 128.

(1/314)


خير لها وأكرم من طلاقها "وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا" وهذا هو الصلح الذي أشرنا إليه.
ثم يعقب على الحكم بأن الصلح إطلاقا خير من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (1) أهـ.
ثم يحث الرجل على الإحسان إلى هذه المرأة الراغبة فيه ولذا تنازلت عن بعض حقوقها لتبقى في عصمته ويبين أن الله عليم بإحسانه وسيجازيه به فيقول {وَأُحضرِتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
وسبب نزول الآية ذكره أبو داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة: يا ابن أختى، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفَرِقَت أن يفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله، يومى لعائشة، فقبل ذلك - صلى الله عليه وسلم - منها. قالت: تقول في ذلك أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ وفي أشباهها" أراه قال {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} (2) [النساء: 128].

كيف الأمر إذا اشتد الخلاف بين الزوجين؟
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَفا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (3).
"ذلك- الذي ذكرناه لعلاج نشوز المرأة والرجل- حين لا يستعلن النشوز، وإنما تتقى بوادره فاما إذا كان قد استعلن، فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت، إذ لا قيمة لها إذن ولا ثمرة وإنما هى إذن صراع وحرب بين خصمين، ليحطم أحدهما رأس الآخر، وهذا ليس المقصود، ولا المطلوب، وكذلك إذا رئى أن استخدام هذه
__________
(1) الظلال (539/ 2).
(2) حسن صحيح: [ص. د 1868] , د (2121/ 172/ 6).
(3) النساء: 35.

(1/315)


الإجراءات قد لا يجدى، بل سيزيد الشقة بعدا والنشوز استعلانا، ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة. أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة. في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإِسلامى الحكيم بإجراء أخير لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار: {وَإنْ خِفْتمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} الآية.
وهكذا لا يدعو المنهج الإِسلامى إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية، ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح، وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار- الذين لا ذنب لهم ولايد ولا حيلة -فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإِسلام، بقدر خطورتها في بناء المجتمع، وفي إمداده باللبنات الجديدة اللازمة لنموه ورقيه وامتداده.
إنه يلجا إلى هذه الوسيلة الأخيرة -عند خوف الشقاق- فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلا، ببعث حكم من أهلها ترتضيه، وحكم من أهله يرتضيه، يجتمعان في هدوء، بعيدين عن الانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، والملابسات المعيشية، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين. طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة، وتعقد الأمور، وتبدو -لقربها من نفس الزوجين- كبيرة تغطى كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما، حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين. مشفقين على الأطفال الصغار بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما علي
الآخر -كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف- راغبين في خيرالزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار. وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين؛ لأنهما من أهلهما، لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار، إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها.
يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح، فإن كان في نفس الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق: {إِنْ يُرِيدَا

(1/316)


إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} فهما يريدان الإصلاح، والله يستجيب لهما ويوفق. {إِن اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (1).

لم تحرم ما أحل الله لك؟
عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل الله هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْوَاجِكَ .... } إلى آخر الآية (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا حرمٍ الرجل امرأته فهي يمين يكفرها .. ثم قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسنةٌ} (3).
فمن قال لزوجته: أنت على حرام، فعليه كفارة يمين، وهي المذكورة في قوله تعالى: {لا يؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ لِيكُمْ أَوْ كسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (4).

الإيلاء:
وإذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته مدة دون الأربعة أشهر، فالأولى أن يكفر عن يمينه ويطأها, لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" (5).
فإن لم يكفر فعليها الصبر حتى ينقض الأجل الذي سماه، فقد: "آلي رسول
__________
(1) الظلال (263، 264/ 2).
(2) صحيح الإسناد: [ص. نس 3695] نس (71/ 7).
(3) متفق عليه: م (1473/ 1100 / 2) وهذا لفظه، خ (5266/ 374/ 9).
(4) المائدة: 89.
(5) صحيح: [ص. ج 6208]، م (1650/ 1271/ 3)، نس (11/ 7)، جه (2108/ 681/ 1).

(1/317)


الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسع وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله آليت شهرا؟ فقال: الشهر تسع وعشرون" (1).
وأما إذا حلف ألا يطاها أبدأ أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإنْ كفّر وعاد إلى وطئها، وإلا انتظرت به حتى تمضيِ أربعة أشهر ثم طالبته بوطئها أو طلاقها لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤلمونَ مِن نِّسَائِهِمْ تربصن أَرْبَعَةِ أَشْهرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيغ عَلِيمٌ} (2).
عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق، كما أمر الله عَزَّ وَجَلَّ (3).

الظهار
ومن قال لزوجته أنت على كظهر أمى فهو مظاهر، وتحرم عليه زوجته، فلا يطؤها ولا يستمتع منها بشئ حتى يكفر بما سماه الله في كتابه:
{وَالَذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِم ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكمْ تُوعَظُونَ به وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خبِيرٌا (3) فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَم يَسْتطَعْ فَإطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم} (4).
عن خُويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: "ظاهر مني زوجى أوس بن الصامت، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشكو إليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجادلنى فيه،
__________
(1) صحيح: [ص. نس 3233]، خ (5289/ 425/ 9)، نس (166/ 6)، ت (685/ 99/ 2).
(2) البقرة: 226، 227.
(3) صحيح: [لارواء2080] ,خ (5290/ 426/ 9).
(4) المجادلة 3، 4.

(1/318)


ويقول: اتق الله، فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى الفرض. فقال: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين. قالت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا. قالت: ما عنده من شيء يتصدق به. قالت: فأُتى ساعتئذ بعَرَقَ فيه تمر. قلت: يا رسول الله، فإنى أعينه بعَرَق آخر. قال: قد أحسنت، اذهبى فأطعمى بها عنه ستين مسكينا، وارجعى إلى ابن عمك. قال: والعَرَقُ ستون صاعًا (1).
وعن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى على بعضه، وهي تشتكى زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابى، ونثرت له بطني (*)، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إنى أشكو إليك. فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (2).
ومن ظاهر من امرأته يومًا أو شهرًا أو نحو ذلك، فقال: أنت على كظهر أمي شهرا -مثلا- فهو مظاهر، إن برّ بيمينه فلا شيء عليه، وإن أصابها قبل المدة التي سماها لزمته كفارة الظهار.
عن سلمة بن صخر البياضي قال: كنت امرأ أستكثر من النساء، لا أرى رجلا كان يصيب من ذلك ما أصيب. فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتى حتى ينسلخ رمضان. فبينما هي تحدثني ذات ليلة انكشف لي منها شيء. فوثبت عليها فواقعتها. فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم: سلوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالوا: ما كنا نفعل. إذًا ينزل الله فينا كتابا، أو يكون فينا من
__________
(1) حسن: [ص. د 1934]، دون قوله والعرق د (2199/ 301/ 6).
(*) نترث له بطني: أي كثرت له الاولاد، تريد أنها كانت شابة تلد الأولاد عنده يقال إمراة نثور أي كثيرة الاولاد.
(2) صحيح: [ص. جه 1678]، جه (2063/ 666/ 1).

(1/319)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول، فيبقى علينا عاره. ولكن سوف نسلمك بجريرتك اذهب أنت فاذكر شأنك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فخرجت حتى جئته، فأخبرته الخبر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت بذاك؟ فقلت: أنا بذاك، وها أنا يا رسول الله، صابر لحكم الله عليّ قال: "فأعتق رقبة" قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك إلا رقبتي هذه قال: "فصم شهرين متتابعين" قال: قلت: يا رسول الله، وهل دخل عليّ ما دخل من البلاء إلا بالصوم؟ قال: "فتصدق أو أطعم ستين مسكينًا. قال: قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه ما لنا عشاء. قال: "فاذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له، فليدفعها إليك، وأطعم ستين مسكينا، وانتفع ببقيتها" (1).
والشاهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه ظهاره، وإنما أنكر مسّه زوجته قبل الأجل.

حكمه:
والظهار حرام، لأن الله وصفه بأنه منكر من القول وزور، وأنكرِ على المظاهر: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (2).

* * *
__________
(1) صحيح: [ص. جه 1677]، جه (2062/ 665/ 1)، د (2198/ 298/ 6)، ت (1215/ 335/ 2) مختصرا. "أنت بذاك": أي أنت متلبس بذلك الفعل. والباء رائدة. أي أنت فاعل ذلك الفعل.
(2) المجادلة: 2.

(1/320)


الطلاق
رأيت فيما سبق حرص الإِسلام على الأسرة المسلمة وسلامتها، واستقرار الحياة فيها، ورأيت طرق العلاج التي شرعها لمعالجة الخلاف الذي ينشأ في الأسرة المسلمة سواء كان سببه أحد الزوجين أو كليهما.
إلا أنه قد لا ينفع هذا العلاج أحيانًا لاستفحال الخلاف وشدة الخصومة، وحينئذ فلا بدّ من استخدام علاج أقوى وهو الطلاق.
والمتأمل في أحكام الطلاق يتأكد له مدى حرص الإِسلام على مؤسسة البيت، ورغبته في بقاء الشركة بين الزوجين، ذلك أن الإِسلام حين أباح الطلاق لم يجعله مرة واحدة، بحيث تنقطع هذه العلاقة بين الزوجين فلا تتصل أبدا إذا طلق الرجل المرأة، وإنما أباح الطلاق، وأمر أن يكون على مرات:
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1).
وإذا طلق الرجل المرة الأولى أو الثانية فليس من حقه إخراج مطلقته من بيته حتى تنقضي عدتها، بل وليس لها الخروج، والعلة في ذلك الطمع في ذهاب الغضب الذي أوجد الطلاق، ثم الحث على عودة الأمور إلى ما كانت عليه، وهذا ما ذكره ربنا في قوله:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (2). أي: لعل الزوج يندم على طلاقها، ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل.
__________
(1) البقرة: 229.
(2) الطلاق: 1.

(1/321)


أقسام الطلاق:
أولًا- من حيث اللفظ:
ينقسم الطلاق من حيث اللفظ إلى: صريح وكناية:
فالصريح: هو الذي يفهم من معنى الكلام عند التلفظ به، ولا يحتمل غيره، مثل: أنت طالق ومطلقة، وكل ما اشتق من لفظ الطلاق.
وهذا يقع به الطلاق، هازلا كان أو لاعبا، أو لم ينو: لحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" (1).
والكناية: ما يحتمل الطلاق وغيره، مثل: الحقي باهلك، ونحوه.
وهذا لا يقع به الطلاق إلا بالنية، فإن نوى طلاقًا وقع، وإن لم ينو لم يقع:
عن عائشة رضي الله عنها: "أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك. فقال لها: لقد عذت بعظيم، ألحقي بأهلك" (2).
وفي حديث كعب بن مالك حين هجره النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه لتخلفهم عن الخروج معه إلى تبوك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه: "أن اعتزل امرأتك. فقال: أُطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها، فلا تقربنّها. فقال لامرأته: ألحقيى بأهلك" (3).

ثانيا- من حيث التعليق والتنجيز:
صيغة الطلاق إما أن تكون منجزة، وإما أن تكون معلقة:
فالمنجزة: هى التي قصد بها من أصدرها وقوع الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق.
__________
(1) حسن: [الإرواء 1826]، جه (2039/ 658/ 1)، د (2180/ 262/ 6)، ت (1195/ 328/ 2).
(2) صحيح: أص. نس 3199]، خ (5254/ 356/ 9)، نس (150/ 6) وعنده "أن الكلابية لما أدخلت .. ".
(3) متفق عليه: خ (4418/ 113/ 13)، م (2769/ 2120/ 4)، د (2187/ 285/ 6)، نس (152/ 6).

(1/322)


وحكم هذا الطلاق أنه يقع في الحال، متى صدر من أهله، وصادف محلا له.
وأما المعلّق: فهو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلّقًا على شرط، مثل أن يقول لزوجته إن ذهبت إلى مكان كذا فأنت طالق.
وحكم هذا الطلاق أنه إن أراد الطلاق عند وقوع الشرط، فهو كما أراد وأما إن قصد به الحض على الفعل أو الترك ونحو ذلك فهو يمين، إن لم يقع ما حلف عليه لم يلزمه شيء، وإان وقع لزمته كفارة يمين (وهذا مذهب شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى (44 - 46، 58 - 60 - 64 - 66/ 33).

ثالثًا- من حيث السنة والبدعة:
ينقسم الطلاق من حيث السنة والبدعة إلى: طلاق سنيّ، وطلاق بدعيّ.
فطلاق السنة: أن يطلق الرجل امرأته التي دخل بها طلقة واحدة، في طهر لم يجامعها فيه.
قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ} (1).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2).
وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية: حين طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"مُره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء" (3).
وأما الطلاق البدعي: فهو الطلاق المخالف للمشروع، كان يطلقها وهي
__________
(1) البقرة: 229.
(2) الطلاق: 1.
(3) متفق عليه: خ (5332/ 482/ 9)، م (1471/ 1093/ 2)، د (2165/ 227/ 6) واللفظ له، نس (138/ 6).

(1/323)


حائض، أو في طهر جامعها فيه، أو أن يجمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد أو في مجلس واحد: كأن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
وهذا الطلاق حرام، وفاعله آثم.
فإن كان طلقها وهي حائض، فقد وقعت طلقة، وإن كانت رجعية أمر بمراجعتها، ثم يمسكها حتى تطهير، ثم تحيض، ثم تطهير، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمسها. كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر.
وأما الدليل على وقوعها: فما رواه البخاري: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: "حُسِبَت عليّ بتطليقة" (1).
قال الحافظ في الفتح: (353/ 9):
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيدا جدا، مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك. وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيظ من صنيعه؟ كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة؟
قال الحافظ: وقد أخرج ابن وهب في مسنده عن ابن أبي ذئب أن نافعا أخبره "أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال: "مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر". قال ابن أبي ذئب في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"وهي واحدة" قال ابن أبي ذئب:
وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
قال الحافظ: وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب
__________
(1) صحيح: [الإرواء 128]، خ (5253/ 351/ 9).

(1/324)


وابن إسحاق جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هى واحدة" (1) وهذا نص في موضع الخلاف يجب المصير إليه اهـ.

طلاق الثلاث:
وأما إن طلّقها ثلاثًا بلفظ واحد، أو في مجلس واحد، فإنما يقع واحدة لما رواه مسلم عن ابن عباس قال: "كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة .. فلو أمضيناه عليهم؟ فامضاه عليهم" (2).
ورَأْىُ عمر هذا اجتهاد منه رضى الله عنه، غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها، ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته" اهـ.

رابعا- من حيث الرجعة وعدمها:
الطلاق إما رجعي وإما بائن. والبائن إما أن يكون بينونة صغرى أو كبرى.
الطلاق الرجعي: هو طلاق المدخول بها، في غير مقابلة مال، ولم يسبقه طلاق أصلا، أو كان مسبوِقا بطلقة واحدة.
قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (3).
والمطلقة طلاقًا رجعيًا زوجة ما دامت في عدّتها، ولزوجها حق مراجعتها في أى وقت شاء ما دامت في العدة، ولا يشترط رضاها ولا إذن وليها، قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (4).
__________
(1) إسناده صحبح: [الإرواء 7/ 134]، قط (24/ 9/ 4).
(2) م (1472/ 1099/ 2).
(3) البقرة: 229.
(4) البقرة: 228.

(1/325)


الخلع
تعريفه:
الخلع لغة: مأخوذ من خلَع الثوب إذا أزاله، لأن المرأة لباس الرجل، والرجل لباس لها. قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (1).
وعرّفه الفقهاء: بأنه فراق الرجل زوجته ببدل يأخذه منها.
ويسمّى فدية وافتداء (2).

مشروعيته:
إذا اشتد الخلاف بين الزوجين ولم يمكن التوفيق بينهما ورغبت المرأة في الفراق جاز لها أن تفدي نفسها من زوجها بمال تعويضًا له عن الضرر الذي يلحقه بفراقها. قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أنى أخاف الكفر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فتردِّين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فردّت عليه، وأمره ففارقها" (4).

التحذير منه:
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة سألت زوجها
الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (5).
__________
(1) البقرة 187.
(2) فقه السنة (2/ 253)، منار السبيل (226/ 2)، فتح البارى (395/ 9).
(3) البقرة 229.
(4) صحيح: [الإرواء 2036]، خ (5276/ 395/ 9).
(5) صحيح: [ص. جه 1672]، د (2209/ 308/ 6)، ت (1199/ 329/ 2)،جه (2055/ 662/ 1)

(1/326)


وعنه رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المختلعات هن المنافقات" (1).

تحذير الرجال من عضل النساء:
إذا كره الرجلُ المرأة ورغب عنها لسببٍ ما فعليه أن يفارقها بمعروف كما أمر الله تعالى، ولا يجوز له حبسها والإضرار بها لتفتدى نفسها منه، قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (3).

الخلع فسخ وليس طلاقا:
إذا افتدت المرأة نفسها وفارقها زوجها كانت أملك لنفسها، ولا حق له في مراجعتها إلا برضاها، ولا يعتبر هذا الفراق طلاقا وإن وقع بلفظ الطلاق، وإنما هو فسخ للعقد لمصلحة المرأة مقابل ما افتدت به.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
"والذي يدل على أنه ليس بطلاق: أن الله سبحانه وتعالى رتّب على الطلاق بعد الدخول الذي لم يستوف عدده ثلاثة أحكام، كلها منتفية عن الخلع:
أحدها: أن الزوج أحق بالرجعة فيه.
الثاني: أنه محسوب من الثلاث، فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد زوج وإصابة.
__________
(1) صحيح: [ص. ج 6681]، ت (1198/ 329/ 2).
(2) البقرة 231.
(3) النساء 19.

(1/327)


الثالث: أن العدة فيه ثلاثة قروء.
وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع.
وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة.
وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين، ووقوع ثالثة بعده.
وهذا ظاهر جدًا في كونه ليس بطلاق، فإنه سبحانه قال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1).
وهذا وإن لم يختص بالمطلقة تطليقتين، فإنه يتناولها وغيرها، ولا يجوز أن يعود الضمير إلى من لم يُذكر، ويُخلي منه المذكور، بل إما أن يختص بالسابق أو يتناوله وغيره، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (2) وهذا يتناول من طلقت بعد فدية وطلقتين قطعا لأنها هى المذكورة، فلا بد من دخولها تحت اللفظ، وهكذا فهم ترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه الله التأويل، وهي دعوة مستجابة بلا شك. وإذا كانت أحكام الفدية غير أحكام الطلاق، دل على أنها من غير جنسه، فهذا مقتضى النص، والقياس، وأقوال الصحابة" (3).
__________
(1) البقرة 229.
(2) البقرة 230.
(3) زاد المعاد (199/ 5).

(1/328)


العدة
تعريفها:
العدة: مأخوذة من العدد والإحصاء، أي ما تحصيه المرأة وتعده من الأيام والأقراء.
وهي: اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها، إما بالولادة أو بالأقراء أو الأشهر.

أنواعها:
ومن مات عنها زوجها فعدّتها أربعة أشهر وعشرِ، دخل بها أم لمِ يدخل، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (1). إلا أن تكون المدخول بها حاملا، فعدتها بوضع الحمل:
قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2).
وعن المسور بن مخرمة: "أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال،
فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذنته أن تنكح، فأذن لها، فنكحت" (3).
والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها: لقوله تعالىْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (4).
والمطلقة بعد الدخول إن كانت حاملًا فعدتها بوضع العمل، لقوله تعالى:
{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2).
وعن الزبير بن العوام "أنه كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له وهي
__________
(1) البقرة: 234.
(2) الطلاق: 4.
(3) متفق عليه: خ (5320/ 470/ 9)، م (1485/ 1122/ 2).
(4) الأحزاب: 49.

(1/329)


حامل: طّيب نفسى بتطليقة، فطلقها تطليقة. ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت فقال: مالها خدعتنى خدعها الله؟! ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها" (1).
وإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيض، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (2).
والقرء هو الحيضة، لحديث عائشة: "أن أم حبيبة كانت تستحاض، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها" (3).
فإن كانت صغيرة لا تحيض، أو كبيرة قد يئست من الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر.
قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (4).

ما يجب على المتوفى عنها زوجها:
يجب عليها الإحداد حتى تنقضى عدتها.
والإحداد: هو ترك الزينة والطيب، ولبس الحلى، ولبس الملون من الثياب، والخضاب والكحل:
عن أم عطية قالت: "كنا ننهى أن نُحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل، ولا نطيّب، ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نُبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز" (5).
__________
(1) صحيح: [ص. جه 1646]، جه (2026/ 653/ 1).
(2) البقرة: 228.
(3) صحيح لغيره: [ص. د 252]، د (278/ 463/ 1).
(4) الطلاق: 4.
(5) متفق عليه: خ (5341/ 491 /9)، م (938 - 67 - / 1128/ 2)، وبنحوه: د (2285/ 411/ 6)، نس (203/ 6)، جه (2087/ 674/ 1).

(1/330)


وعن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق ولا الحلى، ولا تختضب، ولا تكتحل" (1).

ما يجب على المعتدة من طلاق رجعى:
يجب عليها أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضى عدتها، ولا يحل لها أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يخرجها، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2).

المطلقة البائن:
المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة، لحديث فاطمة بنت قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المطلقة ثلاثًا قال: "ليس لها سكنى ولا نفقة" (3).
ويلزمها أن تعتد في بيت أهلها، ولا يجوز لها الخروج إلا لحاجه:
عن جابر بن عبد الله قال: طُلّقتَ خالتى، فأرادت أن تجد (*). نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بلى، فجُدّى نخلك، فإنك عسى أن تَصَدّقى أو تفعلى معروفًا" (4).

الاستبراء:
إذا استحدث الرجل ملك أمة توطأ حرم عليه الاستمتاع بها حتى يستبرئها إن كانت حاملا بوضع العمل، وإن كانت من ذوات الحيض بحيضة.
__________
(1) صحيح: [ص. د 2020]، د (2287/ 413/ 6)، نس (203/ 6) ولم يذكر "الحلى".
(2) الطلاق: 1.
(3) صحيح: [مختصر م 888]، م (1480 - 44/ 1118/ 2)
(*) تجد تخلها: أن تقطع ثمرتها.
(4) صحيح: [الإرواء 2134]، م (1483/ 1121/ 2)، نس (209/ 2)، د (2280/ 398/ 6) بنحوه، جه (2034/ 656/ 1).

(1/331)


عن رويفع بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره" (1) وعن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في سبى أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" (2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت، أو عتقت، فليستبرأ رحمها بحيضة، ولا تستبرأ العذراء" (3).

الحضانة:
تعريفها: هى حفظ الطفل عما يضرّه، والقيام بمصالحه (4).
وإذا فارق الرجل زوجته وله منها ولد، فهي أحق به إلى سبع سنين، ما لم تتزوج فهذا بلغ سبع سنين خُير بين أبويه، فايهما اختار ذهب به:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطنى له وعاء، وثديى له سقاء، وحجرى له حواء، وإن أباه طلقنى، وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت أحق به ما لم تنكحى" (5).
وعن أبي هريرة: "أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن زوجى يريد أن يذهب بابنى وقد سقانى من بئر أبى غبة، وقد نفعنى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت. فأخذ بيد أمه، فانطلقت به" (6).
__________
(1) حسن: [ص. د 1890]، ت (1140/ 229/ 2)، د (2144/ 195/ 6) في حديث طويل.
(2) صحيح: [ص. د 1889]، د (2143/ 194/ 6).
(3) صحيح: [الإرواء 2139]، خ (423/ 4) تعليقا.
(4) منار السبيل (310/ 2).
(5) حسن: [الإرواء 2187]، د (2259/ 371/ 6).
(6) صحيح: [ص. د 1992]، نس (185/ 6)، د (2260/ 371/ 6) في قصة، ت (1368/ 405/ 2) مختصرا على ذكر التخيير.

(1/332)