الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب الأطعمة
(1/395)
الأطعمة: جمع طعام، وهي ما يأكله الإنسان
ويتغذى به من الأقوات وغيرها.
والأصل فيها الحل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي
الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (1).
وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (2).
ولا يحرم من الأطعمة إلا ما حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله، وتحريمُ
ما لم يحرّمه الله افتراء على الله:
قال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ
فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ
عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (3).
وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا
حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ
الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)
ما يحرم من الأطعمة:
قال تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا
اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (5)
__________
(1) البقرة: 168.
(2) الاعراف: 31، 32.
(3) يونس:60،59.
(4) النحل 116، 117.
(5) الأنعام: 119.
(1/396)
فالله تعالى قد فصّل لنا ما يحرم علينا
تفصيلًا كافيا، وبينه بيانًا وافيا:
قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ
السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ
تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} (1)
وقال تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (2)
وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى
طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا
أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ} (3).
وقال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}
(4).
ما يلحق بالميتة:
ويلحق بالميتة في التحريم ما قطع من البهيمة وهي حّية: لحديث أبى واقد
الليثى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما قطع من البهيمه وهى
حيه ميتة" (5).
ما يستثنى من الميتة والدم:
عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "احلت
لنا ميتتان ودمان. أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد
والطحال" (6).
__________
(1) المائدة: 3.
(2) الأنعام: 121.
(3) الأنعام: 145.
(4) المائدة: 96.
(5) صحيح: [ص. جه 2606] جه (3216/ 1072/ 2)، (2841/ 60/8).
(6) صحيح: [ص. ج 210]، [الصحيحة 1118] ..
(1/397)
تحريم الحمر الأهلية:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه
جاء فقال أُكلت الحمر. ثم جاءه جاءٍ فقال: أكلت الحمر. ثم جاءه جاء فقال:
أُفنيت الحمر. فأمر مناديا فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن
لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. فاكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم" (1).
تحريم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من
الطير:
عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلِّ ذى ناب من
السباع، وعن كلِّ ذى مخلب من الطير" (2).
تحريم الجلاّلة:
الجلالة: هى التي أكثر علفها النجاسة.
ويحرم اكلها وشرب لبنها، وركوبها.
عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الجلالة
وألبانها" (3).
وعنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجلالة في الإبل: أن
يركب عليها، أو يشرب من ألبانها" (4).
متى تحلّ الجلاّلة؟
وإذا حُبست ثلاثا: وعُلفت الطاهر، جاز ذبحها واكلها:
__________
(1) متفق عليه: خ (5528/ 653/ 9)، م (1940 - 35 - /1540/ 3).
(2) صحيح: [مختصر م 1332]، م (1934/ 1534/ 3)، د (3785/ 277/ 10) نس (206/
7) بزيادة "نهى يوم خيبر".
(3) صحيح: [ص. جه 2582]، جه (3189/ 1064/ 2)، د (3767/ 258/ 10)، ت (1884/
175/ 3).
(4) حسن صحيح: [ص. د 3217]، د (3769/ 26/ 10).
(1/398)
عن ابن عمر: "أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة
ثلاثًا" (1).
إباحة كل ما حُرم عند إلاضطرار:
قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ
عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2).
وقال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3).
قال ابن كثير - رحمه الله - (14/ 12):
أي: فمن احتاج إلى تناول شىّ من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى،
لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله، والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم
حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه، ويغفر له. وفي المسند
وصحيح ابن حبان عن ابن عمر مرفوعًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته" (4).
ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان، وهو ما إذا
خاف على نفسه ولم يجد غيرها. وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا؛ بحسب
الأحوال.
واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسدٌ به الرمق، أَوْله أن يشبع، أو يشبع -
ويتزود؟ على أقوال، كما هو مقرر في كتاب الأحكام.
قال: وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما،
كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له. أهـ.
__________
(1) صحيح: [الإرواء 2504]، ابن أبي شيبة (4660/ 147/ 8).
(2) البقرة: 173.
(3) المائدة: 3.
(4) صحيح: [ص. ج 1886] أ (2/ 108). وانظر "الإرواء" (564/ 9/ 3).
(1/399)
الذكاة الشرعية:
تعريفها:
الذكاة في الأصل: معناها التطيب. ومنه: رائحة ذكيّة، أي طيّبة.
وسمى بها الذبح لأن الإباحة الشرعية جعلته طيّبا.
والمقصود بها هنا: ذبح الحيوان أو نحره، فإن الحيوان الذي يحل أكله لا يجوز
أكل شيء منه إلا بالتذكية، ما عدا السمك والجراد.
من تحل ذبيحته:
تحل ذكاة كل مسلم وكتابى، ذكرًا كان أو أنثى:
قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُم} وقال
البخارى: قال ابن عباس: طعامعهم ذبائحهم (1).
وعن كعب بن مالك: "أن امرأة ذبحت شاة بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن ذلك، فأمر بأكلها" (2).
آلة الذبح:
وتجوز الذكاة بكل ما يجرح إلا بالسنّ والظفر.
عن عباية بن رفاعة عن جده أنه قال: يا رسول الله، ليس لنا مُدى، فقال: "ما
أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، ليس الظفر والسن، أما الظفر فمدى الحبشة،
وأما السنن فعظم" (3).
__________
(1) صحيح: [لإرواء 2528]، خ (636/ 9). والآية من سورة المائدة 5.
(2) صحيح: [لإرواء 2527]، خ (5504/ 632/ 9).
(3) متفق عليه: خ (5503/ 9/ 631)، م (1986/ 1558/3)، د (2804/ 17/8)، ت
(1522/ 25/3)، نس (226/ 7)، جه (3178/ 1061/ 2).
(1/400)
عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله كتب الإحسان علي كل شيء، فإذا
قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته،
فليرح ذبيحته" (1).
صفة الذبح:
الحيوان قسمان: مقدور على ذكاته،. وغير مقداور.
فما قدر على ذكاته فذكاته في حلقه ولبته.
وما لم يقدر على ذكاته فذكاته عقره حيث قدر عليه.
عن ابن عباس قال: الذكاة في الحلق واللّبه.
وقال ابن عمر وابن عباس وأنس: إذا قطع الرأس فلا بأس.
وعن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غدا، وليست معنا
مدى. فقال: "اعجل- أو أرِن- ما أنهر الدم وذُكر اسم الله فكل، ليس السن
والظفر، وسأحدثك: أما السنّ فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة". وأصبنا نهب إبل
وغنم، فندّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء
فافعلوا به هكذا" (2).
ذكاة الجنين:
إذا خرج الجنين من بطن أمه وفيه حياة مستقرة وجب أن يذكى.
وإن خرج ميتا فذكاة أمه ذكاة له.
__________
(1) صحيح: [الإرواء 2540]، م (1955/ 1548/ 3)، ت (1430/ 431/8)، د (2797/
10/ 8)، نس (227/ 7)، جه (3170/ 1058 / 2).
(2) متفق عليه: [ص. ج 2185]، خ (0488، 5503)، م (1986) وأوابد جمع آبدة،
وهي التى تابدت، أي توحشت ونفرت من الإنس والمراد بقوله - صلى الله عليه
وسلم -: "فافعلوا به هكذا أي أرموها بالسهام، فتتمكنوا من نحرها، وإلا
فاقتلوها ثم كلوها.
(1/401)
عن أبي سعيد قال: سألنا رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - عن الجنين فقال:
"كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه" (1).
التسمية على الذبيحة:
التسمية على الذبيحة شرط في حلّها، فمن تركها عامدًا لم تحل ذبيحته.
قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ
بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (2).
وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ} (3).
وعن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أنهر الدم وذكر
اسم الله
فكل" (4).
استقبال القبلة:
ويستحب أن يوجه الذبيحة نحو القبلة ويقول كما قال النبي - صلى الله عليه
وسلم - في الحديث الآتى: عن جابر بن عبد الله قال: "ذبح النبي - صلى الله
عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجئين فلما وجههما قال: إنى
وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من
المشركين، إن صلاتي ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك
أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر،
ثم ذبح" (5).
__________
(1) صحيح: [ص. د 2451]، د (2811/ 26/ 8).
(2) الأنعام: 118.
(3) الأنعام: 121.
(4) سبق قريبا ص 398.
(5) صحيح: [ص. د 2425]، د (2778/ 496/ 7)، ومعنى قوله (فلما وجههما) أي نحو
القبلة.
(1/402)
الصيد:
قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (1).
وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (2).
وصيد البحر جائز في كل حال، وكذلك صيد البر، إلا في حالة الإحرام:
قال تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ
وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ
حُرُمًا} (3).
من يحلّ صيده:
يحلّ صيد من تحلّ ذبيحته.
آلة الصيد:
الصيد قد يكون بالسلاح الجارح كالسيف
والسكين والسهم، وقد يكون بالجوارح:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ
بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} (4).
وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ}
ويشترط في الصيد بالسلاح أن يخرق جسم الصيد وينفذ فيه.
__________
(1) المائده: 2.
(2) المائده: 4.
(3) المائده: 96.
(4) المائده:94.
(1/403)
ويشترط في الصيد بالجوارح أن تكون معلّمة،
وأن لا تأكل من الصيد، وألا يجد معها غيرها.
والتسمية شرط في حل الصيد عند رمى السهم أو إرسال الجارح.
عن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عن المعراض فقال: "إذا أصبت بحدّه فكل، فأذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ،
فلا تأكل". فقلت: أرسل كلبى. قال: "إذا أرسلت كلبك وسمّيت فكل". قلت: فإن
أكل. قال: "فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك، إنما أمسك على نفسه". قلت: أرسل
كلبى فأجد معه كلبا آخر. قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسمّ
على الآخر" (1).
الصيد بالكلب غير المعلم:
لا يحل ما أمسكه الكلب غير المعلم إلا أن يُدرك حيًا فيذكى.
عن أبي ثعلبة الخشنى قال: قلت: يا نبى الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنكل
في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسى وبكلبى الذي ليس بمعلم، وبكلبى المعلم،
فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدت غيرها فلا تأكلوا
فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها. وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله
فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم
فأدركت ذكاته فكل" (2).
__________
(*) المعراض: قيل سم لاريسن له ولا نصل، وقيل: نصل عريض له ثقل ورزانة وقيل
خشبه آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد، قال ابن التين: المعراص عصا في
ظرفها حديدة يرمى الصائد بها الصيد، فما أصاب بحده فهي ذكى فيؤكل، وما أصاب
بغير حده فهو وقيذه، والوقيذ: هو ما قتل بعصا أو حجرًا ومالا حد له،
والموقوذة: التي تضرب بالخشبة حتى تموت.
(1) متفق عليه: خ (5476/ 603/ 9)، م (1929 - 3 - / 1529/ 3)، نس (183/ 7).
(2) متفق عليه: خ (5478/ 604/ 9)، م (1930/ 1532/3)، جه (3207/ 1069/ 2)،
نس (8/ 81) دون ذكر أهل الكتاب.
(1/404)
الصيد إذا وقع في
الماء:
إذا وقع الصيد في الماء حرم أكله: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدى
بن حاتم:
"إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل، إلا أن تجده قد وقع
في ماء، فإنك لا تدرى، الماء قتله أو سهمك" (1).
الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة ثم وجده:
ومن رمى سهمه فأصاب ثم غاب عنه الصيد يومين أو ثلاثة ثم وجده، فله أكله إذا
لم ينتن عن عدى بن حاتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "وإن رميت
الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل" (2).
وعن أبي ثعلبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رميت بسهمك فغاب
عنك، فأدركته، فكله ما لم ينتن" (3).
الأضحيه
تعريفها:
هى ما يذبح من النَّعم يوم النحر وأيام التشريق تقرّبًا إلى الله تعالى.
حكمها:
وهي واجبة على القادر عليها لقوله - صلى الله عليه وسلم:
"من كان له سعة، ولم يضحّ، فلا يقربن مصلانا" (4).
"ووجه الاستدلال به أنه لما نهى من كان ذا سعة عن قُربان المصلّى إذا لم
يضح، دل على أنه ترك واجبا، فكأنه لا فائدة في التقرب بالصلاة للعبد
__________
(1) صحيح: [الإرواء 2556]، م (1929 - 7 - / 1531/ 3).
(2) صحيح: [مختصر م 1239]، خ (5484/ 610/ 9).
(3) صحيح: [مختصر م 1242]، م (1931 - 10 - /1532/ 3).
(4) حسن: [ص. جه 2532]، جه (3123/ 1044/ 2).
(1/405)
مع ترك هذا الواجب.
وعن مخفف بن سليم قال: كنا وقوفا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة
فقال: "يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة". أتدرون
ما العتيرة؟ هى التي يسميها الناس الرجبية (1).
وقد نسخت العتيرة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا فرع ولا عتيرة" (2).
ونسخ العتيرة لا يستلزم نسخ الأضحية.
وعن جندب بن سفيان البجلى قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم
النحر قال: "من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح"
(3).
وهو ظاهر في الوجوب، لا سيما مع الأمر بالإعادة" (4).
ممّ تكون؟
ولا تكون إلا من البقر والغنم والابل، لقوله تعالى:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى
مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (5)
عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟
عن ابن عباس قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فحضر
الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة" (6).
__________
(1) حسن: [ص. جه 2533]، ت (1555/ 37/ 3)، د (2771/ 481/ 7)، جه (2/ 1045/
3125)، نس (167/ 7).
(2) متفق عليه: خ (9473/ 596/ 5)، م (1976/ 1564 / 3)، د (2814/ 32/ 8)، ت
(1548/ 34/ 3)، نس (167/ 7).
(3) متفق عليه: خ (5562/ 20/ 10)، م (1960/ 1551/ 3)، جه (3152/ 1053/ 2)،
نس (224/ 7).
(4) السيل الجرار (74، 75/ 4) بتصرف.
(5) الحج: 34.
(6) صحيح: [ص. جه 2536]، جه (3131/ 1047/ 2)، ت (907/ 194/ 2)، نس (222/
7).
(1/406)
الشاة تجزئ عن الرجل
وأهل بيته:
عن عطاء بن يسار قال: "سألت أبا أيوب الأنصارى: كيف كانت الضحايا فيكم على
عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان الرجل في عهد النبي - صلى
الله عليه وسلم - يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطعمون، ثم
تباهى الناس، فصار كما ترى" (1).
مالا يجوز أن يضحى به:
عن عُبيد بن فيروز قال: قلت للبراء بن عازب: حدثني بما كره أو نهى عنه رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - من الأضاحى. فقال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - هكذا بيده، ويدى أقصر من يده: "أربع لا تجزئ في الأضاحى:
العوراء البين عورُها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها،
والكسيرة التي لا تنقى".
قال: فإنى أكره أن يكون نقص في الأذن. قال: فما كرهت منه فدعه، ولا تحرّمه
على أحد (2).
ولا يجزئ في الأضحية الجذع من المعز لحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما
قال: "ضحّى خالٌ لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة، فقال له رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: "شاتك شاة لحم".
فقال: يا رسول الله، إن عندي داجنا جذعة من المعز، قال: اذبحها, ولا تصلح
لغيرك، ثم قال: من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة
فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين (3).
__________
(1) صحيح: [ص. جه 2546]، جه (3147/ 1015/2)، ت (1541/ 31/3).
(2) صحيح: [ص. جه 2545]، جه (3144/ 1050/ 2)، د (2785/ 505/ 7)، نس (214/
7)، ت (1530/ 27/ 3) مختصرا.
(3) متفق عليه: خ (5556/ 12/ 10)، م (1961/ 1552/ 3)، وبمعناه رواه: ت
(1544/ 32/ 3)، د (2783/ 504/ 7)، نس (222/ 7).
(1/407)
العقيقة
تعريفها:
العقيقة -بفتح العين المهملة- اسم لما يذبح عن المولود.
حكمها:
والعقيقة واجبة على المولود له، عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية
شاة: عن سلمان بن عامر الضبى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول:
"مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى" (1).
وعن عائشة قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعق عن الغلام
شاتين وعن الجارية شاة" (2).
وعن الحسن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل غلام مرتهن
بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى" (3).
وقتها:
والسنة ذبحها في اليوم السابع من ولادته، فإن فات ففى الرابع عشر، فإن فات
ففى الحادى والعشرين:
عن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العقيقة تذبح لسبع، أو
لأربع عشرة، أو لإحدى وعشرين" (4).
__________
(1) صحيح: [ص. جه 2562] , خ (5472/ 590/ 9)، د (2822/ 41/ 8) , ت (1551/
35/3) , نس (164/ 7).
(2) صحيح: [ص. جه 2561]، جه (3163/ 1056/2) , ت (1549/ 35/ 3)
(3) صحيح: [ص. ج 2563]، جه (3165/ 1056/ 2)، د (2821/ 38/ 8)، ت (1559/ 38/
3)، نس (166/ 7).
(4) صحيح: [ص. ج 4132]، هق (303/ 9).
(1/408)
ما يستحب في حق
المولود:
1 - تحنيكه: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "ولد لي غلام، فأتيت به
النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له
بالبركة، ودفعه إلى. وكان
أكبر ولد أبى موسى" (1).
2 - حلق رأسه يوم السابع، والتصدق بوزنه فضة:
عن الحسن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل غلام مرتهن
بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه، ويسمى" (2).
وعن أبى رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة لما ولدت الحسن:
"احلقى رأسه، وتصدقى بوزن شعره فضة على المساكين" (3).
3 - ختانه يوم السابع: لما رواه الطبراني في المعجم الصغير (4) عن جابر:
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقّ عن الحسن والحسين، وختنهما لسبعة
أيام".
ولما رواه في الأوسط (5) عن ابن عباس قال: سبعة من السنة في الصبى يوم
السابع: يسمى، ويختن ويماط عنه الأذى، وتثقب أذنه، ويعق عنه، ويحلق رأسه،
ويلطخ بدم عقيقته، ويتصدق بوزن شعره رأسه ذهبا أو فضة".
* * *
__________
(1) متفق عليه: خ (5467/ 587/ 9)، وهذا لفظه، م (2145/ 1690/ 3) دون قوله
"ودعا له" الخ.
(2) سبق قريبا ص 405.
(3) حسن: [الإرواء 1175]، أ (6/ 390)، هق (304/ 9).
(4) طغ (891/ 122/ 2)، هق (324/ 8).
(5) طس (1/ 334/ 562) ذكره. الألبانى في "تمام السنة" (68). والحديثان وإن
كان في كل منهما ضعف لكن أحد الحديثين يقوى الآخر، إذ مخرجهما مختلف، وليس
فيهما متهم. أهـ.
ومما يجدر التنبيه عليه أن تلطيخ الصبي بدم عقيقته منهي عنه.
(1/409)
|