الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب الوصية
(1/411)
تعريفها:
الوصيّة مأخوذة من وصيت الشيء أوصيه، إذا أوصلته.
فالموصى وصل ما كان في حياته بعد موته.
وهي في الشرع: هبة الإنسان غيره عينًا أو دينًا أو منفعة، على أن يملك
الموصى له الهبة بعد موت الموصى.
حكمها:
وهي واجبة على من له مال يوصى فيه:
قال تعالى: {كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن
تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة
عنده" (2).
مقدار المال الذي تستحب الوصية فيه:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
يعودنى وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها. قال: "يرحم الله
ابن عفراء". قلت يا رسول الله، أوصى بمالى كله؟ قال: لا قلت: فالشطر؟ قال:
لا. قلت: الثلث؟ قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من
أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم. وإنك مهمام أنفقت من نفقة فإنها
صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فىّ امرأتك، وعسى الله أن يرفعك فينتفع
بك
__________
(1) البقرة 180.
(2) متفق عليه: خ (2738/ 355/ 5)، م (1627/ 1249/ 3)، د (2845/ 63/ 8)، ت
(981/ 224/ 2)، جه (2699/ 901/ 2)، نس (238/ 6).
(1/412)
ناس ويُضرّ بك آخرون. ولم يكن له يومئذ إلا
ابنة" (1).
لا وصية لوارث:
عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في
خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه، فلا وصية لوارث"
(2).
ما يُكتب في صدر الوصية:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كانوا يكتبون في صدور وصاياهم:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا
الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب
فيها، وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله،
ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى
به إبراهيم بنيه ويعقوب "يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا
وأنتم مسلمون" (3).
متى تستحق الوصية:
ولا تستحق الوصية للموصى له إلا بعد موت الموصى، وبعد سداد الديون، فإذا
استغرقت الديونُ التركةَ كلها فليس للموصَى له شيء:
عن عليّ قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدّين قبل الوصية،
وأنتم تقرءونها من بعد وصية يوصى بها أو دين" (4).
__________
(1) متفق عليه: خ (2742/ 363/ 5)، وهذا لفظه، م (1628/ 250/ 3) د (2847/
64/8)، نس (242/ 6)
(2) صحيح: [ص. جه 2194]، جه (2713/ 905/ 2)، د (2853/ 72/ 8)، ت (2203/
293/ 3).
(3) صحيح: [الإرواء 1647]، قط (16/ 154/ 4)، هق (287/ 6).
(4) حسن: [ص. جه 2195]، [الإرواء 1667]، جه (2715/ 906/ 2)، ت (2205/ 294/
3).
(1/413)
تنبيه:
" ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم، ولا
سيما فيما يتعلق بالجنائز، كان من الواجب أن يوصى المسلم بأن يجهز ويدفن
على السنة، عملًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1).
ولذلك كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصون بذلك، والآثار
عنهم في ذلك كثيرة، منها:
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال الذي مرضه الذي مات فيه: "ألحدوا
لي لحدًا، وانصبوا علىّ اللبِن نصبًا، كما صُنع برسول الله - صلى الله عليه
وسلم - (2).
تنبيه ثان:
إذا كان لرجل فرع وارث مات في حياته فإن عليه أن يوصى لأولاد هذا الفرع
بمثل ما كان يستحقه الميت أو بشيء من ماله في حدود الثلث، والثلث كثير، فإن
مات ولم يوص لأولاد ولده فإنهم يعطون قدر ما كان يجب عليه أن يوصى به، لأن
هذا دين عليه، فإن مات ولم يكتبه لم يضع هذا الديْن، وعلى هذا العمل في
المحاكم اليوم.
* * *
__________
(1) التحريم 6.
(2) راجع "أحكام الجنائز" للألبانى (ص 8).
(1/414)
|