الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب العتق
(1/495)
تعريفه
(1):
العتق -بكسر المهملة- إزالة الملك.
قال الأزهرى: وهو مشتق من قولهم: عتق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ، إذا طار،
لأن الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء.
الحث عليه وفضله:
قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ .. } الآيات (2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أيما
رجل أعتق امرءًا مسلما استنفذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" (3).
وعن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبي - صلى
الله عليه وسلم - فآمن به، واتبعه وصدقه، فله أجران. وعبد مملوك أدى حق
الله وحق سيده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها
فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران" (4).
أي الرقاب أفضل:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل
أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها
ثمنا وأنفسها عند أهلها" (5).
__________
(1) فتح الباري (146/ 5).
(2) البلد 11 - 16.
(3) متفق عليه: خ (2517/ 146/ 5)، م (1509 - 24/ 1148/2).
(4) متفق عليه: م (154/ 134/ 1) وهذا لفظه، خ (97/ 190/ 1)، ت (1124/ 292 /
2)، نس (115/ 6).
(5) متفق عليه: خ (2518/ 148/ 5)، م (84/ 89/ 1).
(1/497)
متى تستحب العتاقة؟
عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت: "أمر النبي - صلى الله عليه
وسلم - بالعتاقة في الكسوف" (1).
أسباب العتق (2):
يحصل العتق بتبرع المالك به ابتغاء وجه الله، للأحاديث السابقة في فضله.
ويحصل بالملك، فمن ملك ذا رحم محرم فهو حر.
عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ملك ذا رحم محرم
فهو حر" (3).
ويحصل عتق العبد كله إذا أعتق بعضه، وإذا كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما،
فإن كان موسرا قُوِّم عليه العبد، وأعطى شريكه حصته، وعتق العبد كله:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوِّم العبد
عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عَتَق منه ما
عتق" (4).
وإن لم يكن للمعتق مال فقد عتق من العبد ما عتق، وعلى العبد السعي في عتق
ما بقى منه بأن يعمل حتى يحصل لسيده قيمة ما يملك منه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق
نصيبًا- أو شقيصًا- في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا
قوِّم عليه فاستِسعى به غير مشقوق عليه" (5).
التدبير:
وهو تعليق العتق بالموت، كقوله لرقيقه: إن متُّ فأنت حرُ بعد موتي، فإذا
مات أعتق إن كان من ثلث ماله لا يزيد (6).
__________
(1) سبق.
(2) منار السبيل (110/ 2).
(3) صحيح: [ص. جه 2046]، د (3930/ 480/ 10)، ت (1376/ 409/ 2)، جه (2524/
843/ 2).
(4) متفق عليه: خ (2522/ 551/ 1)، م (1501/ 1139/ 2)، د (3921/ 466/ 10)، ت
(1361/ 400/ 2).
(5) متفق عليه: خ (2527/ 156/ 5)، م (1503/ 1140/ 2)، د (3919/ 452/10)، ت
(1358/ 401/ 2)، جه (2527/ 844/ 2).
(6) منار السبيل (116/ 2).
(1/498)
عن عمران بن حصين: "أن رجلًا كان له ستة
مملوكين، ليس له مال غيرهم، فأعتقهم عند موته، فجزّأهم رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال
له قولًا شديدًا" (1).
ويصح بيع المدبر وهبته:
عن جابر بن عبد الله قال: "بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا من
أصحابه أعتق غلامًا له عن دبر، لم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم،
ثم أرسل بثمنه إليه" (2).
الكتابة:
تعريفها (3):
الكتابة: تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة.
حكمها:
إذا قال العبد لسيده كاتبنى وجب على سيده أن يجيبه إلى ما طلب إن علم قدرته
على الكسب.
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (4).
وعن موسى بن أنس "أن سيرين سأل أنسا الكتابة -وكان كثير المال- فأبى،
فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فقال: كاتبه، فأبى، فضربه بالدِّرة، ويتلو
عمر "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا" فكاتبه (5).
ومتى يعتق؟
ومتى أدى المكاتب ما عليه لسيده، أو أبرأه منه عتق، وهو عبد حتى يؤدى كل ما
عليه: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال:
__________
(1) صحيح: [مختصر م 1895]، م (1668/ 1288/3)، د (3939/ 500/ 10)، ت (1375/
409/ 2)، نس (64/ 4).
(2) متفق عليه: خ (7186/ 179/ 13)، م (997/ 692/ 2)، د (3938/ 495/10).
(3) فتح البارى (184/ 5).
(4) النور 33.
(5) صحيح الإسناد: [الإرواء 1760]، خ (184/ 5) تعليقًا.
(1/499)
"المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم" (1).
بيع المكاتب:
وبصح بيع المكاتب إذا رضي:
عن عمرة بنت عبد الرحمن: "أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين رضي الله
عنها، فقالت لها: إن أحب أهلك أن أصبّ لهم ثمنك صبّة واحدة وأعتقك فعلت.
فذكرت بريرة ذلك لأهلها، فقالوا: لا، إلا أن يكون الولاء لنا. قال مالك:
قال يحيى: فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقال: "اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق" (2).
الولاء:
والولاء -بالفتح والمد-: حق ميراث المعتق من المعتق - بالفتح.
ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات النسب، كما تقدم.
ولا يجور بيع الولاء ولا هبته: لحديث ابن عمر: "نهى النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن بيع الولاء وهبته" (3). |