بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ الأَوَانِي

بَابُ مَا جَاءَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

97- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ لِبَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ إلا حُكْمَ الأَكْلِ مِنْهُ خَاصَّةً.

98 - وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

99- وَلِمُسْلِمٍ: «إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» .

100- وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ: «كَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

101- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْن عَازِبٍ قَالَ: (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الشَّرَابِ فِي الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الآخِرَةِ) . مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِمٍ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الاسْتِعْمَالاتِ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلا

(1/33)


رِوَايَةً عَنْ دَاوُد فِي تَحْرِيمِ الشُّرْبِ فَقَطْ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الحَدِيثُ. وَقَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ فَقَالَ بِالْكَرَاهَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَأَمَّا
اتِّخَاذُ الأَوَانِي بِدُونِ اسْتِعْمَالٍ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى مَنْعِهِ، وَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ التَّضْبِيبِ بِهِمَا إلا بِيَسِيرِ الْفِضَّةِ

102- عَنْ ابْن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

103- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - انْكَسَرَ فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

104- وَلأَحْمَدَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ: قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسٍ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ سِلْسِلَةٍ أَوْ ضَبَّةٍ مِنْ فِضَّةٍ فِي إنَاءِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي آنِيَةِ الصُّفْرِ وَنَحْوِهَا

105- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجنا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

106- وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي مِخْضَبٍ مِنْ صُفْرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ آنِيَة الصُّفْرِ لِلْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

(1/34)


بَابُ اسْتِحْبَابِ تَخْمِيرِ الأَوَانِي

107- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - فِي حَدِيثٍ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ عُودًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

108- وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إلا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عِنْدَ إيكَاءِ السِّقَاءِ وَتَخْمِيرِ الإِنَاءِ وَكَذَلِكَ عِنْد تَغْلِيقِ الْبَابِ وَإِطْفَاءِ الْمِصْبَاحِ، كَمَا فِي رواية أبي داود: «أَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَاطْفِئ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ غَلْقًا وَلا يَحِلُّ وِكَاءً وَلا يَكْشِفُ إنَاءً وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ» . وقد أشعر التعليل بقوله: «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ» إلى آخره أن في التسمية حرزًا عن الشيطان وأنها تحول بينه وبين مراده. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ آنِيَةِ الْكُفَّارِ

109- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَغَزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

110- وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: «إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
111- وَلأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: إنَّ أَرْضَنَا أَرْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْم الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِآنِيَتِهِمْ وَقُدُورِهِمْ؟ قَالَ: «إنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا» .

(1/35)


112- وَلِلتِّرْمِذِيِّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ، قَالَ: ... «أَنْقُوهَا غَسْلاً وَاطْبُخُوا فِيهَا» .

113- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَالإِهَالَةُ: الْوَدَكُ. وَالسَّنِخَةُ الزَّنِخَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ.

114- وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْوُضُوءُ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ.
وَعَنْ عُمَرَ الْوُضُوءُ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: «سَنِخَة» . قَالَ فِي القَامُوس: وسَنِخَ الدّهن كفرح: زنخ، ومن الطعام أكْثَر. والسناخة: الرّيح المنتنة كالسنخة.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ آنِيَة الْكُفَّارُ حَتَّى تُغْسَلَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ النَّصَارَى بِمَوْضِعٍ مُتَظَاهِرًا فِيهِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ مُتَمَكِّنًا فِيهِ أَوْ يَذْبَحُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لا بَأْسَ بِآنِيَةِ مَنْ سِوَاهُمْ جَمْعًا بِذَلِكَ بَيْنَ الأَحَادِيثِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ غَسْلَ الْكُلِّ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ:

115- حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لا يَرِيبُكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

(1/36)