بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ الأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ
بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
400- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
401- وَلِمُسْلِمٍ: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ
فَلْيَغْتَسِلْ» .
402- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ،
وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
403- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ
أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
404- وَعَنْ ابْن عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ فِي
الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
الأَوَّلِينَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إنِّي
شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ
فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ
عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ
بِالْغُسْلِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
405- وَعَنْ سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ
اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا ابْنُ مَاجَهْ
فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.
(1/107)
406- وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ
وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ فَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ
وَالْعَرَقُ فَتَخْرُجُ مِنْهُمْ
الرِّيحُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنْسَانٌ مِنْهُمْ،
وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ
أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
407- وَعَنْ أَوْسِ بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ
الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ
سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَمْ
يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ: (وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ) .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، قال: وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَفُقَهَاءِ الأَمْصَارِ إلَى أَنَّهُ
مُسْتَحَبٌّ.
قَوْلُهُ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ،
وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ» . قَالَ
الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِلَفْظِ: وَاجِبٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى
عَدَمِ الْوُجُوبِ بِاعْتِبَارِ اقْتِرَانِهِ بِالسِّوَاكِ وَمَسِّ
الطِّيبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ تَأْكِيدَ
اسْتِحْبَابِهِ كَمَا تَقُولُ: حَقُّكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، وَالْعِدَةُ
دَيْنٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالإِجْمَاعِ،
وَهُوَ السِّوَاكُ وَالطِّيبُ.
قَوْلُهُ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ» ، وفي رواية أبي داود: «مَنْ غَسلَ
رأسه وَاغْتَسَلَ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الْغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
التَّبْكِيرِ، وَالْمَشْيِ وَالدُّنُوِّ مِنْ الإِمَامِ، وَالاسْتِمَاعِ
وَتَرْكِ اللَّغْوِ، وَإِنَّ الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الأُمُور سَبَبٌ
لاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.
بَابُ غُسْلِ الْعِيدَيْنِ
408- عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ - وَكَانَ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،
وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ: وَيَوْمَ النَّحْرِ. وَكَانَ
الْفَاكِهُ بْنُ سَعْدٍ يَأْمُرُ
(1/108)
أَهْلَهُ بِالْغُسْلِ فِي هَذِهِ
الأَيَّامِ. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ وَابْنُ
مَاجَهْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ
بِهِ عَلَى أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْعِيدِ مَسْنُونٌ وَلَيْسَ فِي الْبَابِ
مَا يَنْتَهِضُ لإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ.
بَابُ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ
409- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ الْوُضُوءَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مَنْسُوخٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ
مَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ وَمُتَابَعَتَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ مِنْ أَجْلِ
الصَّلاةِ عَلَيْهِ.
410- وَعَنْ مُصْعَبِ بْن شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُغْتَسَلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ
الْجُمُعَةِ، وَالْجَنَابَةِ، وَالْحِجَامَةِ، وَغَسْلِ الْمَيِّتِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
411- ورواه أَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- كَانَ يَغْتَسِلُ. وَهَذَا الإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنْ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلا
بِالْحَافِظِ.
412- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرَأَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي
الله عنه - غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ
فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إنَّ هَذَا
يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ وَأَنَا صَائِمَةٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟
قَالُوا: لا. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ
فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ
وَالْوُضُوءِ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -
إلى أن قال -: والقول بالاسْتِحْبَاب هُوَ الْحَقّ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْجَمْعِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ بِوَجْهٍ مُسْتَحْسَنٍ.
(1/109)
بَابُ الْغُسْلِ لِلإِحْرَامِ
وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَدُخُولِ مَكَّةَ
413- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - تَجَرَّدَ لإِهْلالِهِ وَاغْتَسَلَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
414- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ
رَأْسَهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ، وَدَهَنَهُ بِشَيْءٍ مِنْ زَيْتٍ غَيْرِ
كَثِيرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
415- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ
بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ
وَتُهِلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد.
416- وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ
اللهُ وَجْهَهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمَ
الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ. رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ.
417- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلا بَاتَ
بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ
نَهَارًا، وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ
فَعَلَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
418- وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ.
419- وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِدُخُولِ
مَكَّةَ وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
الأَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (بِخَطْمِيٍّ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْخِطْمِيَّ وَيُفْتَحُ
نَبَاتٌ مُحَلِّلٌ مُفَتِّحٌ لَيِّنٌ نَافِعٌ لِعُسْرِ الْبَوْلِ والحصبة
والنسا وقرحة الأمعاء والارتعاش ونضج الجراحات وتسكين الوجع، ومع الخل
للبهق ووجع الأسنان مضمضة ونهش الهوام وحرق النار وخلط بزره بالماء أو سحيق
أصله يجمدانه، ولعابه المستخرج بالماء الحار ينفع المرأة العقيم والمقعد.
انْتَهَى.
(1/110)
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى اسْتِحْبَابِ تَنْظِيفِ الرَّأْسِ بِالْغَسْلِ وَدَهْنِهِ عِنْدَ
الإِحْرَامِ.
قَوْلُهُ: (نُفِسَتْ) قَالَ الشَّارِحُ: بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ
الْفَاءِ: الْوِلادَةُ، وَأَمَّا بِفَتْحِ النُّونِ فَالْحَيْضُ وَلَيْسَ
بِمُرَادٍ هُنَا.
قَوْلُهُ: «كَانَ لا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى
يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ» إلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى اسْتِحْبَابِ الاغْتِسَالِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، قَالَ فِي الْفَتْحِ:
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الاغْتِسَالُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ
عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِنْدَهُمْ فِدْيَةٌ.
وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: يَجْزِئ عَنْهُ الْوُضُوءُ.
بَابُ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
420- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اُسْتُحِيضَتْ
زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
421- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ بْنِ عَمْرٍو
اُسْتُحِيضَتْ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَسَأَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ،
فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَالصُّبْحِ
بِغُسْلٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
422- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي
حُبَيْشٍ اُسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ تُصَلِّ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا مِنْ الشَّيْطَانِ
لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ
فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ
لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ
غُسْلًا وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى
وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى
ذَلِكَ الْإِمَامِيَّةُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلَا فِي وَقْتٍ
مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ
حَيْضِهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الْجُمْهُورُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ إلَّا
(1/111)
لَإِدْبَارِ الْحَيْضَةِ هُوَ الْحَقُّ،
لِفَقْدِ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، لَا
سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا التَّكْلِيفِ الشَّاقِّ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ
يَقُومُ فيِمَا دُونَهُ فِي الْمَشَقَّةِ إلَّا خُلَّصُ الْعُبَّادِ،
فَكَيْفَ بِالنِّسَاءِ النَّاقِصَاتِ الْأَدْيَانِ. إِلِى أَنْ قَالَ:
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ أَحَادِيثِ
الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ.
قَوْلُهُ: «فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَالِاقْتِصَارُ
عَلَى غُسْلٍ وَاحِدٍ لَهُمَا، وَقَدْ أُلْحِقَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ
الْمَرِيضُ وَسَائِرُ الْمَعْذُورِينَ بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ، وَلِهَذَا
قَالَ الْمُصَنِّفُ:
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْجَمْعِ لِلْمَرْضَى.
بَابُ غُسْلِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ
423- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ثَقِلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا:
لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «ضَعُوا لِي
مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» . قَالَتْ: فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ
لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: «أَصَلَّى
النَّاسُ» فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» . قَالَتْ: فَفَعَلْنَا
فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ.
فقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ» ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَتْ إرْسَالَهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ. وَتَمَامُ
الْحَدِيثِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ لَهُ فَوَائِدُ
مَبْسُوطَةٌ فِي شُرُوحِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ هَا
هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاغْتِسَالِ لِلْمُغْمَى
عَلَيْهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ وَهُوَ مُثْقَلٌ بِالْمَرَضِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَأْكِيدِ
اسْتِحْبَابِهِ.
بَابُ صِفَةِ الْغُسْلِ
424- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا
اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ
(1/112)
يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ
عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ
لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ، وَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ
الشَّعْرِ حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ
حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ
جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. أَخْرَجَاهُ.
425- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ شَعْرَهُ،
حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ
الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
426- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ - نَحْوَ
الْحِلَابِ - فَأَخَذَ بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ
ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ. أَخْرَجَاهُ.
427- وَعَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ
فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ
وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ
ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ
فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا،
وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَيْسَ
لِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ نَفْضُ الْيَدِ.
428- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
429- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا غُسْلَ
الْجَنَابَةِ عِنْدَ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:
«أَمَّا أَنَا فَآخُذُ مِلْءَ كَفِّي فَأَصُبُّ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ
أُفِيضُ بَعْدُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ
رِجْلَيْهِ) . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ الْأَوَّلَ وَقَعَ بِدُونِ
غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ.
قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي
رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: (وُضُوئهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ
رِجْلَيْهِ) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. قَالَ
الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنهمَا إمَّا بِحَمْلِ رِوَايَةِ
عَائِشَةَ عَلَى الْمَجَازِ، وَإِمَّا بِحَمْلِهَا عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى،
وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اخْتَلَفَت أَنْظَارُ
الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ غَسْلِ
الرِّجْلَيْنِ فِي
(1/113)
الْغُسْلِ، وَعَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ
الْمَكَانُ غَيْرَ نَظِيفٍ فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا وَإِلَّا
فَالتَّقْدِيمُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا وَمُخْتَارُهُمَا أَنْ
يُكَمِّلَ وُضُوءَهُ. قَالَ: لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ
عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ
عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي
وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَالْيَقِينِ.
قَوْلُهُ: (نَحْوَ الْحِلَابِ) هُوَ مَا يُحْلَبُ فِيهِ. قَالَ
الْمُصَنِّفُ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحِلَابُ: إنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ
حَلْبَةِ نَاقَةٍ.
قَوْلُها: «ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ
مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللَّهُ:
وفِيهِ دَلِيلُ على اسْتِحْبَابِ دَلْكِ الْيَدِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ.
قوله: «أَمَّا أَنَا فَآخُذُ مِلْءَ كَفِّي فَأَصُبُّ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ
أُفِيضُ بَعْدُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي» . قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ
اللَّهُ: فِيهِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ الدَّلْكَ وَلَا
الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.
بَابُ تَعَاهُدِ بَاطِنِ الشُّعُورِ وَمَا جَاءَ فِي نَقْضِهَا
430- عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ
- لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ - فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ
النَّارِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ: وَكَانَ يَجُزّ شَعْرَهُ - رضي الله عنه
-.
431- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي
امْرَأَةٌ أَشِدُّ ضَفْرَ
(1/114)
رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ
الْجَنَابَةِ؟ فقَالَ: «لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى
رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ
فَتَطْهُرِينَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
432- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ
يَنْقُضْنَ رُؤوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو وَهُوَ
يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ بِنَقْضِ رُؤوسِهِنَّ، أَوْ مَا
يَأْمُرهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤوسَهُنَّ! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا
وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا
أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ تَخْلِيلِ الشَّعْرِ بِالْمَاءِ فِي الْغُسْلِ. قَالَ:
وحديث أم سلمة يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضَ الضَّفَائِرِ. قَالَ
الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَفِي الْحَدِيث مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ الدَّلْكَ بِالْيَدِ.
433- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى أُمِّ
سَلَمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ: فَسَأَلَتْ لَهَا النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ، قَالَ فِيهِ: وَاغْمِزِي قُرُونَك عِنْدَ
كُلِّ حَفْنَةٍ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ بَلِّ دَاخِلِ الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسَلِ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ نَقْضِ الشَّعْرِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ
وَتَتَبُّعِ أَثَرِ الدَّمِ فِيهِ
434- عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ لَهَا وَكَانَتْ حَائِضًا: ... «اُنْقُضِي شَعَرَكِ وَاغْتَسِلِي»
. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
435- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلَتْ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ،
فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ ثُمَّ قَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ
فَتَطَهَّرِي بِهَا» . قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا» . فَاجْتَذَبْتُهَا إلَيَّ فَقُلْتُ:
تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
التِّرْمِذِيَّ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ وَأَبَا دَاوُد قَالَا:
«فِرْصَةً مُمَسَّكَةً» .
(1/115)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: وَالْحَدِيث دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْن الْغُسْلِ
لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: (فِرْصَةً) هِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ
وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: الْقِطْعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. حَكَاهُ
ثَعْلَبُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْفِرْصَةُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ
الصُّوفِ مُثَلَّثَةُ الْفَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ الْمُخْتَارِ
الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِعْمَالِ
الْمِسْكِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدْرِ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ
436- عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ
مَاجَهْ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
437- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
438- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَكُونُ رَطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
439- وَعَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ: أُتِيَ مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ
حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا.
رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
440- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«يَجْزِئ مِنْ الْغُسْلِ ... الصَّاعُ، وَمِنْ الْوُضُوءِ الْمُدُّ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ.
441- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ يُقَال لَهُ
الْفَرَقُ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَالْفَرَقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
كَرَاهَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ،
وَاسْتِحْبَابِ الِاقْتِصَادِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
النَّهْيِ عَنْ
(1/116)
الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ
عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ.
بَابُ مَنْ رَأَى التَّقْدِيرَ بِذَلِكَ اسْتِحْبَابًا وَأَنَّ مَا دُونَهُ
يُجْزِئ إذَا أُسْبِغَ
442- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ
قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
443- وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي
إنَاءٍ قَدْرِ ثُلُثَيْ الْمُدِّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
444- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ
رَأَيْتُنِي أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
مِنْ هَذَا، فَإِذَا تَوْرٌ مَوْضُوعٌ مِثْلُ الصَّاعِ أَوْ دُونَهُ
فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي بِيَدِي ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ وَمَا أَنْقُضُ لِي شَعْرًا. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْقَدْرُ الْمُجْزِئ مِنْ
الْغُسْلِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ عَلَى الْوَجْهِ
الْمُعْتَبَرِ، وسَوَاءٌ كَانَ صَاعًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ
يَبْلُغْ فِي النُّقْصَانِ إلَى مِقْدَارٍ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمِلُهُ
مُغْتَسِلًا، أَوْ إلَى مِقْدَارٍ فِي الزِّيَادَةِ يَدْخُلُ فَاعِلُهُ فِي
حَدّ الْإِسْرَاف. وَهَكَذَا الْوُضُوء.
بَابُ الِاسْتِتَارِ عَنْ الْأَعْيُنِ لَلْمُغْتَسِلِ
وَجَوَازِ تَجَرُّدِهِ فِي الْخَلْوَةِ
445- عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى رَجُلًا
يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى
عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ
يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَتِرْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
446- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «بَيْنَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا
فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي
ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ
أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتُكَ وَلَكِنْ لَا
غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ.
(1/117)
447- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ
يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً - يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ - وَكَانَ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا
يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلَّا أَنَّهُ آدَرُ، قَالَ:
فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ
الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، قَالَ: فَجَمَحَ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ
حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى سَوْأَةِ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا بِمُوسَى بَأْسٌ، قَالَ: فَأَخَذَ
ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرَبًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: والْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
وُجُوبِ السَّتُّرِ حَالَ الِاغْتِسَالِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ
أَبِي لَيْلَى، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ
وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
إلَى تَحْرِيمِهِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
مُطْلَقِ الِاسْتِتَارِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد والترمذي مِنْ حَدِيثِ
بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ
عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» . قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا، قَالَ: «اللَّهُ
أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ» . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ:
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيث - يعني قصة أيوب - أَنَّ اللَّه
تَعَالَى عَاتَبَهُ عَلَى جَمْعِ الْجَرَاد وَلَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَى
الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَجْهَ الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَصَّ
الْقِصَّتَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْ شَيْئًا مِنْهُمَا فَدَلَّ عَلَى
مُوَافَقَتِهِمَا لِشَرْعِنَا، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا شَيْءٌ
غَيْرَ مُوَافِقٍ لَبَيَّنَهُ، فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ
الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الْإِرْشَادُ إلَى التَّسَتُّرِ عَلَى
الْأَفْضَلِ.
بَابُ الدُّخُولِ فِي الْمَاءِ بِغَيْرِ إزَار
448- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْمَاءَ لَمْ
يُلْقِ ثَوْبَهُ حَتَّى يُوَارِيَ عَوْرَتَهُ فِي الْمَاءِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ
السَّتْرِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ، فَهُوَ
(1/118)
مُنْدَرِجٌ تَحْتَ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ
الْقَاضِيَةِ بِمَشْرُوعِيَّةِ السَّتْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى:
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى كَرَاهَةِ دُخُولِ الْمَاءِ بِغَيْرِ إزَارٍ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ بِالْإِزَارِ أَفْضَلُ لِقَوْلِ الْحَسَنِ
وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ قِيلَ لَهُمَا وَقَدْ
دَخَلَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَانِ فَقَالَا: إنَّ لِلْمَاءِ
سُكَّانًا. قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ تَجَرَّدَ رَجَوْنَا أَنْ لَا يَكُونَ
إثْمًا، وَاحْتَجَّ بِتَجَرُّدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ
449- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ
أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَتْ
تُؤْمِنْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إنَاثِ أُمَّتِي فَلَا
تَدْخُلُ الْحَمَّامَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
450- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «إنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ
وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالَ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلا
يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِإِزَارٍ، وَامْنَعُوا النِّسَاءَ إلَّا
مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ
عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ لِلذُّكُورِ بِشَرْطِ لُبْسِ الْمَآزِرِ،
وَتَحْرِيمِ الدُّخُولِ بِدُونِ مِئْزَرٍ، وَعَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى
النِّسَاءِ مُطْلَقًا وَاسْتِثْنَاءِ الدُّخُولِ مِنْ عُذْرٍ لَهُنَّ لَمْ
يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا، فَالظَّاهِرُ
الْمَنْعُ مُطْلَقًا. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَنِسْوَةٍ دَخَلْنَ عَلَيْهَا مِنْ
نِسَاءِ الشَّامِ: لَعَلَّكُنَّ مِنْ الْكُورَةِ الَّتِي يَدْخُلُ
نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ. قَالَتْ: أَمَا إنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ
زَوْجِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ حِجَابٍ» .
(1/119)
|