بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
بَابُ سُنَنِ الصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ الْمُؤَكَّدَةِ

1155- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، كَانَتْ سَاعَةٌ لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا فَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.

1156- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1157- وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ لَكِنْ ذَكَرُوا فِيهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا.

1158- وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

1159- وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ،

(1/320)


وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» .

1160- وَلِلنَّسَائِيِّ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ كَالتِّرْمِذِيِّ، لَكِنْ قَالَ: «وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ» . وَلَمْ يَذْكُرْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة مَا اشْتَمَلا عَلَيْهِ مِنْ النَّوَافِلِ وَأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَاسْتِحْبَابُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. قَالَ: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ صَلَاةِ هَذِهِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَة رَكْعَةَ وَهِيَ مِنْ السُّنَنِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ.

بَابُ فَضْلِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ

1161- عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1162- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

1163- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1164- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» . رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهُ، وَكَفَى بِهَذَا التَّرْغِيبِ بَاعِثًا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالدُّعَاءَ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالرَّحْمَةِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ بَدَنِهِ عَلَى النَّارِ مِمَّا يَتَنَافَسُ فِيهِ

(1/321)


الْمُتَنَافِسُونَ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتِّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.
بَابُ تَأْكِيدِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
وَتَخْفِيفِ قِرَاءَتِهِمَا وَالضِّجْعَةِ وَالْكَلَامُ بَعْدَهُمَا وَقَضَائِهِمَا إذَا فَاتَتَا

1165- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.

1166- وَعَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1167- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1168- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَمَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

1169- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟ . مُتَّفَق عَلَيْهِ.

1170- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى. جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1171- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.

1172- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1173- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

(1/322)


1174- وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَاهُمَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَمَّا نَامَ عَنْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَاهُدِ لَهُمَا وَكَرَاهَةِ التَّفْرِيطِ فِيهِمَا. قَالَ: وَالْحَدِيثُ ... يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِهِما.

قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُؤَذَّنَ بِالصَّلَاةِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذَا الِاضْطِجَاعِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ مُفْتَرَضٌ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى.
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ بِاللَّيْلِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ.
الْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَاختَارُ الشَّارِحُ مَشْرُوعِيَّتَهُ. وقال ابْنُ الْعَرَبِيُّ: لا يُضْطَجَعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إِلا أَنْ يَكُونَ قَامَ الليْلَ فَيَضْطَجِعُ اسْتِجْمَامًا لِصَلاةِ الصُّبْحِ فَلا بَأْسَ.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . قَالَ الشَّارِحُ: اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ، فَلَا يَفْعَلْ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمَنْهِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِمَا بَعْد صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَنِي أُصَلِّي، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا قَيْسُ أَصَلَاتَانِ مَعًا» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ: «فَلَا إذَنْ» . وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: «صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ» . فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ، فَسَكَتَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ قَضَاءِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ فَاتَتْ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.

(1/323)


بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ سُنَّتَيْ الظُّهْرِ

1175- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، صَلَّاهُنَّ بَعْدَهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

1176- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1177- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهُمَا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا. أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا، فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَصَلَّاهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ فَفَعَلَتْ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ أَتَانِي أُنَاسٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقِيسِ، فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1178- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهُمَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ، وَعَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إلَى آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ.

قَالَ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَمَنْ أَجَازَ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَجَابَ مَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا أَصْلُ الْقَضَاءِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ سُنَّةِ الْعَصْرِ

1179- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا، أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا،

(1/324)


وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

1180- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شُغِلَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

1181- وَعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُجَهِّزُ بَعْثًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ظَهْرٌ، فَجَاءَهُ ظَهْرٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَ يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ، فَحَبَسُوهُ حَتَّى أَرْهَقَ
الْعَصْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى مَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا، وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَوْ فَعَلَ شَيْئًا يُحِبُّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ رَكْعَتَيْ الْعَصْرِ بَعْدَ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ، فَيَكُونُ قَضَاؤُهُمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ. وَأَمَّا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ فَمُخْتَصَّةٌ بِهِ - صلى الله عليه وسلم -.

وَاعْلَمْ أَنَّهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي النَّافِلَةِ الْمَقْضِيَّةِ بَعْدَ الْعَصْرِ هَلْ هِيَ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ، أَوْ هِيَ سُنَّةُ الْعَصْرِ؟ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمَا رَكْعَتَا الظُّهْرِ، وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُمَا رَكْعَتَا الْعَصْرِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَمَنْ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ: الْوَقْتُ الَّذِي بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ

1182- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1183- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: «الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

1184- وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ: إنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ، وَلَا كَصَلَاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْتَرَ فَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» .

(1/325)


1185- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1186- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

1187- وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .

1188- وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ فِيهِ: «الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ سُنَّةٌ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرُ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذَا، وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.
بَابُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَبِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ
بِسَلَامٍ وَاحِدٍ وَمَا يَتَقَدَّمُهَا مِنْ الشَّفْعِ

1189- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1190- وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى تُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

1191- وَلِمُسْلِمٍ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: يُسَلِّم فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
1192- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى إنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1/326)


1193، 1194- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1195- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَبَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

1196- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

1197- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1198- وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ: كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ. وَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ إسْنَادَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَهُ أَحْيَانًا كَمَا أَوْتَرَ بِالْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالتِّسْعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

1199- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
1200- وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَبِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

1201- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، وَلَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.

1202- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ

(1/327)


رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثَهُ اللَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيّ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ، وَكَانَ رَسُولَ اللَّهِ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

1203- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ، وَفِيهَا: فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي السَّابِعَةِ.

1204- وَفِي رِوَايَةِ لِلنِّسَائِيِّ قَالَت: فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (كَيْفَ صَلَاةِ اللَّيْلِ) . الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ، لَا عَنْ مُطْلَقِ الْكَيْفِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (مَثْنَى مَثْنَى) . أَيْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ. وَقَدْ أَخَذَ مَالِكٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إلَى الْأَخَفِّ إذْ السَّلَامُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ غَالِبًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، قَالَ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ

(1/328)


النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِس إلَّا فِي آخِرِهَا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ.

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ مَخَافَةِ هُجُومِ الصُّبْحِ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَحَدِيثُ أُبَيِّ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيتَارِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلَةٍ. قَالَ: وَجَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ بِحَمْلِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى الايتَارِ بِثَلاثٍ بِتَشَهُّدَيْنِ لَمُشَابَهَةِ ذَلِكَ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ، وَأَحَادِيثُ الْإِيتَارِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ عَلَى أَنَّهَا مُتَّصِلَة. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ... «الْوِتْرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَتِسْعٍ وَسَبْعٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ» .

قَوْلُهَا: (فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ) إلَى آخرهْ. قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِيتَارِ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلَة، لَا يُسَلِّم إلَّا فِي آخِرهَا، وَيَقْعُد فِي الثَّامِنَةِ، وَلَا يُسَلِّم.
قَوْلُهَا: (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ) . قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ.

بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالْقُنُوتُ

1205- عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ: لَقَدْ أَمَدَّكُمْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، قُلْنَا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا النَّسَائِيّ.

1206- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وَتْرُهُ إلَى السَّحَرِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1207- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُد.

(1/329)


1208- وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ، وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

1209- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

1210- وَلِلْخَمْسَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
1211- وَزَادَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ، فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

1212- وَلَهُمَا مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَفِي آخِرِهِ: وَرَفَعَ صَوْتَهُ فِي الْآخِرَةِ.

1213- وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مِنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.

1214- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» . رَوَاهُمَا الْخَمْسَة.

قَوْلُهُ:

(1/330)


(إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) . الْحَدِيثُ. ... قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَوَّل وَقْتِ الْوِتْرِ يَدْخُلُ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَصِحُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَقَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَبْلَ الْعِشَاءِ بِحَالٍ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَحَادِيث الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ.
بَابُ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ وَخَتْم صَلَاةِ اللَّيْلِ بِالْوِتْرِ وَمَا جَاءَ فِي نَقْضِهِ

1215- عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

1216- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

1217- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ الْوِتْرِ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ أَوْتَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ شَفَعْت بِوَاحِدَةٍ مَا مَضَى مِنْ وِتْرِي، ثُمَّ صَلَيْتُ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا قَضَيْت صَلَاتِي أَوْتَرْت بِوَاحِدَةٍ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ الْوِتْرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1218- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْوِتْرُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُوتِرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْتَرَ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَشَاءَ أَنْ يَشْفَعَهَا بِرَكْعَةٍ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُوتِرَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنْ شَاءَ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْتَرَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.

1219- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

1220- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ: وَهُوَ جَالِسٌ.

وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ نَقْضَ الْوِتْرِ.

1221- وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَذَاكَرَا الْوِتْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي ثُمَّ أَنَامُ عَلَى وِتْرٍ، فَإِذَا

(1/331)


اسْتَيْقَظْتَ صَلَيْتَ شَفْعًا شَفْعًا حَتَّى الصَّبَاحِ، وَقَالَ عُمَرُ: لَكِنْ أَنَامُ عَلَى شَفْعٍ ثُمَّ أُوتِرُ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي بَكْرٍ: «حَذِرَ هَذَا» . وَقَالَ لِعُمَرَ: «قَوِيَ هَذَا» . رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُ الْوِتْرِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ، قَالَ: وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا: إنَّ مَنْ أَوْتَرَ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ، وَيُصَلِّي شَفْعًا شَفْعًا حَتَّى يُصْبِحَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ أَصَحُّ.

بَابُ قَضَاءِ مَا يَفُوتُ مِنْ الْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَالْأَوْرَادِ

1222- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1223- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

1224- وَثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

وَقَدْ ذَكَرنَا عَنْهُ قَضَاءَ السُّنَنِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ الْوِتْرِ إذَا فَاتَ. انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النِّسَائِيّ.
قَوْلِهِ: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ» . قَالَ الشَّارِحُ: الحزب الورد. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةٍ قَضَائِهِ إذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ. قَالَ: وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ التَّهَجُّدِ إذَا فَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ.

(1/332)


بَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

1225- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1226- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْت قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

1227- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي الثَّالِثَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ، حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: «إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» . ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنْ الشَّهْرِ، فَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الْفَلَاحَ، قُلْت لَهُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1228- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعنِي مِنْ
الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ» . وَذَلِكَ فِي رَمَضَان. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1229- وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ أَوْزَاعًا، يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الشَّيْءُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مَعَهُ النَّفَر ... الْخَمْسَةُ أَوْ السَّبْعَةُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، قَالَتْ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْتُ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِهِمْ، وَذُكِرَتْ الْقِصَّةُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا: أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

(1/333)


1230- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ، يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1231- وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ يَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً) .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ قِيَامِ رَمَضَانَ وَتَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْبِدْعَةُ أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ، وَقَدْ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.

قَوْلُهُ: (بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً) . قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَيُحْتَمَل أَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ بِحَسَبِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفِهَا، فَحَيْثُ تَطُولُ الْقِرَاءَةُ تُقَلَّلُ الرَّكَعَاتُ وَبِالْعَكْسِ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ مَا قِيلَ: إنَّهُ يُصَلِّي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً بِرَكْعَةِ الْوِتْرِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَمَا يُشَابِهُهَا هُوَ مَشْرُوعِيَّةُ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، فَقَصْرُ الصَّلَاةِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّرَاوِيحِ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَتَخْصِيصُهَا بِقِرَاءَةٍ

(1/334)


مَخْصُوصَةٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَالتَّرَاوِيحُ إِنْ صَلاهَا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدٍ عِشْرَينَ رَكْعَةٍ أَوْ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ سِتًا وَثَلاثِينَ أَوْ ثَلاثَ عَشْرَة أَوْ إِحْدَى عَشْرَة فَقَدْ أَحْسَن كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدٍ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ فَيَكُونُ تَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ وَتَقْلِيلِهَا بِحَسْبِ طُول الْقِيامِ وَقِصَرَهُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ.

1232- عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
1233- وَكَذَلِكَ: {تَتَجَافَى جَنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ} . رَوَاهُما أَبُو دَاوُد.

1234- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) . هَذِهِ أَحَدُ الأَقْوَالِ فِي الآيَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَابَدَوا قِيَام الليْلِ فَلا يَنَامُونَ مِنَ الليلِ إِلا أَقَلُّهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ

1235- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ» . قَالَ: فَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: «شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

1236- وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْهُ فَضْلُ الصَّوْمِ فَقَطْ.

1237- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

(1/335)


1238- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد، وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - صَلَاةُ دَاوُد، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

1239- فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى فَضْلَ الصَّوْمِ فَقَطْ.

1240- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ، وَرُبَّمَا جَهَرَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1241- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1242- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِيهِ، وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَأَنَّهُ وَقْتٌ لِإِجَابَةِ الْمَغْفِرَةِ وَالنُّزُولُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ: وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةِ افْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِيَنْشَطَ بِهِمَا لِمَا بَعْدَهُمَا. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ عَلَى تَرْكِ نَقْضِ الْوِتْرِ فَقَالَ: وَعُمُومُهُ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ نَقْضِ الْوِتْرِ.
بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى

1243- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1244- وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ.

1245- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ

(1/336)


تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1246- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً» . قَالُوا: فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النُّخَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ يَدْفِنُهَا، أَوْ الشَّيْءُ يُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئ عَنْكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1247- وَعَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَالَ رَبُّكُمْ - عَزَّ وَجَلَّ -: يَا بْنَ آدَمَ صَلِّ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1248- وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ.

1249- وَعَنْ عَائِشَةً قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.

1250- وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1251- وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

1252- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى، فَقَالَ: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ مِنْ الضُّحَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1253- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ تَطَوُّعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّهَارِ فَقَالَ: كَانَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ أَمْهَلَ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا، يَعْنِي مِنْ الْمَشْرِقِ، مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ هَاهُنَا قِبَلَ الْمَغْرِبِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُمْهِلُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا، يَعْنِي مِنْ قِبَلِ

(1/337)


.. الْمَشْرِقِ، مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ هَا هُنَا، يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ يَتْبَعُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. إِلِى أَنْ قَالَ: فَأَكْثَرُ مَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَكْثَرُ مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً.

بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ

1254- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1255- وَالْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: «أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ حَقَّهَا» . قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «أَنْ تُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسُوا» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ فِي وَقْتِ النَّهْي.

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: هما عُمُومَان تَعَارَضَا: الْأَمْرُ بِالصَّلاةِ لِكُلِّ دَاخِلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَالنَّهْي عَنِ الصَّلاةِ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَلا بُدّ مَنْ تَخْصِيصُ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ، فَذَهَبَ جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر، وهو الأصح عند الشافعية، وَذَهَبَ جمع إلى عكسه، وهو قول الحنفية والمالكية. قال الطحاوي: الْأَوْقَاتُ التي نهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها.

قَالَ الْحَافِظُ: وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لِلنَّدْبِ. قُلتُ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلاةِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ للتّحْرِيمِ فَالأَحْوَطُ تَرْك تَحِيَّة الْمَسْجِدِ فِيهَا.

بَابُ الصَّلَاةِ عَقِيبَ الطَّهُورِ

1256- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ:

(1/338)


«يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْته فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ» . قَالَ: مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي تَوْقِيتِ الْعِبَادَةِ، وَالْحَثِّ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ وَسُؤَالِ الشَّيْخِ عَنْ عَمَلِ تِلْمِيذِهِ فَيَحُضُّهُ عَلَيْهِ.
بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ

1257- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: «إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقْدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي» . أَوْ قَالَ: «عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ» . قَالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا) دَلِيلٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَحْتَقِرُ أَمْرًا لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فَيَتْرُكُ الِاسْتِخَارَةَ فِيهِ، فَرُبَّ أَمْرٍ يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِهِ فَيَكُونُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ أَوْ فِي تَرْكِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ» . قَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالدُّعَاءِ عقيبهَا.

بَاب مَا جَاءَ فِي طُول الْقِيَامِ وَكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

1258- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَقْرَبُ

(1/339)


مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1259- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1260- وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ: «سَلْنِي» . فَقُلْت: أَسْأَلُك مُرَافَقَتَك فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» ؟ فَقُلْت: هُوَ ذَاكَ، فَقَالَ: «أَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1261- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1262- وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُومُ وَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» أَيْ فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُ حَالَةُ قُرْبٍ، وَقَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ الدُّعَاءِ فِيهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: السُّجُودُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُرَادُ طُولُ الْقِيَامَ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَكَثْرَة الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَطُولِ القِيامِ سَواء فِي الفَضِيلَةِ وَهُو إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عِنْد أَحْمَدٍ.
بَابُ إخْفَاءِ التَّطَوُّعِ وَجَوَازُهُ جَمَاعَةً

1263- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

(1/340)


1264- لَكِنَّ لَهُ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ.

1265- وَعَنْ عِتْبَانُ بْن مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ السُّيُولَ لَتَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَان مِنْ بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ: «سَنَفْعَلُ» . فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: «أَيْنَ تُرِيدُ» ؟ فَأَشَرْت لَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصُفِفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1266، 1267- وَقَدْ صَحَّ التَّنَفُّلُ جَمَاعَةً مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ فِعْلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّ فِعْلَهَا فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْمَسَاجِدِ.

قَالَ: وَفِي حَدِيثِ عِتْبَانُ فَوَائِدُ، مِنْهَا جَوَازُ التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَطَرِ وَالظُّلْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْهَا جَوَازُ اتِّخَاذِ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لِلصَّلَاةِ. وَأَمَّا النَّهْي عَنْ إيطَانِ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَلْزَمَ رِيَاءً وَنَحْوَهُ. وَفِيهِ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ، وَأَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ عَنْ إمَامَةِ الزَّائِر مَنْ زَارَهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ الزَّائِرُ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا مَنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ لِمَنْ دُعِيَ مِنْ الصَّالِحِينَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ الْإِجَابَةُ، وَإِجَابَةُ الْفَاضِلِ دَعْوَةَ الْمَفْضُولِ.
بَاب أَنَّ أَفْضَلَ التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى فِيهِ

1268، 1269، 1270 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَقَدْ سَبَقَ.

1271 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلَيْسَ هَذَا بِمُنَاقِضٍ لِحَدِيثِهِ الَّذِي خَصَّ فِيهِ اللَّيْلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ.

(1/341)


1272- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا قَامَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَأْمُرُ بِشَيْءٍ، وَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

1273- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْقُدُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَسَوَّكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي الْخَامِسَةِ.

1274- وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَتَشَهَّدُ وَتُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَبْأَسُ وَتَمَسْكَنُ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ» . رَوَاهُنَّ ثَلَاثَتُهُنَّ أَحْمَدُ.

1275- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ تَسْلِيمَةٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1276- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي حِينَ تَزِيغُ الشَّمْسُ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يَكُونَ مَثْنَى مَثْنَى إلَّا مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ إمَّا فِي جَانِبِ
الزِّيَادَةِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ. وَإِمَّا فِي جَانِبِ النُّقْصَانِ كَأَحَادِيثِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ. قَالَ: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَوَائِدُ. مِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ التَّسَوُّكِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ، وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ التَّمَسْكُنِ وَالتَّفَاقُرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ لِلْإِجَابَةِ، وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ. قَالَ: وَحَدِيثُ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلَةٍ فِي النَّهَارِ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ لِأَحَادِيثِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى.

بَابُ جَوَازِ التَّنَفُّلِ جَالِسًا وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ

1277- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا. مُتَّفَق عَلَيْهِ.

(1/342)


1278- وَعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1279- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا قَالَ: إنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.

1280- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1281- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، وَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَزَادُوا إلَّا ابْنَ مَاجَهْ: ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ.
1282- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ.

قَالَ: وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ مِنْ قُعُودٍ وَاضْطِجَاعٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا» . وَقَدْ اخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ مَحْمُولُ عَلَى التَّطَوُّعِ أَوْ عَلَى الْفَرْضِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ، فَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيِّ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ مَحْمَلٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرَضَ الَّذِي أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ يُكْتَبُ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ لَا نِصْفُهُ، وَحَمَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى التَّطَوُّعِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ تَنْصِيفَ الْأَجْرِ إنَّمَا هُوَ لِلصَّحِيحِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَلَّى جَالِسًا فَإِنَّهُ مِثْلُ أَجْرِ

(1/343)


الْقَائِمِ. قَالَ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ صَلَّى قَاعِدًا أَنْ يَتَرَبَّعَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ.

بَابُ النَّهْي عَنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ

1283- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1284- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ» .

1285- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

بَابُ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا

1286- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1287- وَفِي لَفْظِ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ، بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

1288- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.

1289- وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة مِثْلُ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1290- وَفِي لَفْظِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ

(1/344)


حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَا فِيهِ: بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ.

1291- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
وَتَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1292- وَلِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ، وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ.

وَهَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْفَجْرِ لا يَتَعَلَّقُ بِطُلُ, عِهِ بِالْفِعْلِ كَالْعَصْرِ.
1293- وَعَنْ يَسَارِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ مَا طَلَعَ الْفَجْرُ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ، فَقَالَ: «لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَنْ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1294- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَحِينَ تُضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

1295- وَعَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا، وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ

(1/345)


الْفَجْرِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ.

قَوْلُهُ: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا) إلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ الدَّفْنِ. وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي النَّوَافِلِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ.

بَاب الرُّخْصَةُ فِي إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي كُلِّ وَقْتٍ

1296- عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّتَهُ، فَصَلَيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» . فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» ؟ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

1297- وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» .

1298- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

1299- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَوْ يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ
حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ يَطُوفُونَ وَيُصَلُّونَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» . فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة نافلة، وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى

(1/346)


جماعة أو فرادى، لأن ترك الاستفصال في مقام الاجتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

قَالَ: وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ.

قَوْلُهُ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ عَقِيبَهُ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ.

(1/347)