بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ
وَالشُّكْرِ
بَابُ مَوَاضِعِ السُّجُودِ فِي سُورَة الْحَجِّ وص وَالْمُفَصَّل
1300- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَقَرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا
ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1301- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ قَرَأَ وَالنَّجْمِ
فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا مِنْ
قُرَيْشٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إلَى
جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ
رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1302- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ
وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
1303- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ} . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1304- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَتْ ص مِنْ
عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَلَقَدْ رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
يَسْجُدُ فِيهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
1305- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
سَجَدَ فِي ص وَقَالَ: «سَجَدَهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْبَةً،
وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
(1/348)
1306- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَرَأَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ص،
فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ سَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ
تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ
نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ
فَسَجَدَ وَسَجَدُوا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (خَمْسَ عَشْرَةَ
سَجْدَةً) . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَوَاضِعَ السُّجُودِ خَمْسَةَ
عَشَرَ مَوْضِعًا إِلِى أَنْ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَوَاضِعَ
السُّجُودِ: خَاتِمَةُ الْأَعْرَافِ. وَثَانِيهَا: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي
الرَّعْد: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} . وَثَالِثُهَا: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي
النَّحْلِ {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . وَرَابِعُهَا: عِنْدَ
قَوْلِهِ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} . وَخَامِسُهَا:
عِنْدَ قَوْلِهِ فِي مَرْيَمَ: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} .
وَسَادِسُهَا: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ: {إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
يَشَاءُ} . وَسَابِعُهَا: عِنْدَ قَوْله فِي الْفُرْقَانِ: {وَزَادَهُمْ
نُفُورًا} . وَثَامِنُهَا: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّمْلِ: {رَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} . وَتَاسِعُهَا: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي آلم تَنْزِيلُ:
{وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} . وَعَاشِرُهَا: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي ص:
{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} . وَالْحَادِيَ عَشَرَ: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي
حم السَّجْدَةِ: {إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} . وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ لَا
يَسْأَمُونَ} . وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ
عَشَرَ سَجَدَاتُ الْمُفَصَّلِ. وَالْخَامِسَ عَشَرَ السَّجْدَةُ
الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إثْبَاتِ سُجُودِ
التِّلَاوَة وَهُوَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَاجِبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ.
قَوْلُهُ (إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ وَالنَّجْمِ
فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ) . قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ السُّجُودِ لِمَنْ حَضَرَ عِنْدَ
الْقَارِئِ. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ.
قَوْله: (لَيْسَتْ ص مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ لَيْسَتْ ص مِنْ عَزَائِمِ
السُّجُودِ، وَلَقَدْ رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ
فِيهَا) . قَالَ الشَّارِحُ: الْمُرادُ بِالْعَزَائِمِ: مَا وَرَدَتْ
الْعَزِيمَةُ فِي فِعْلِهِ كَصِيغَةِ الْأَمْرِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى
أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ
بِالْوُجُوبِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ
(1/349)
سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ السُّجُودَ
فِي ص فَقَالَ: مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد
وَسُلَيْمَانَ} إلَى قَوْلِهِ: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ} . قَالَ
الشَّارِحُ: وَلَا تَعَارُض بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اسْتَفَادَهُ
مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ السَّجْدَةُ فِي ص مِنْ
الْعَزَائِمِ لِأَنَّهَا بِلَفْظِ الرُّكُوعِ، فَلَوْلَا التَّوْقِيفُ مَا
ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا سَجْدَةً.
بَابُ قِرَاءَة السَّجْدَة فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ
1307- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ قَالَ: صَلَيْتُ مَعَ أَبِي
هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ
فِيهَا، فَقُلْت: مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ سَجَدْت بِهَا خَلْفَ أَبِي
الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى
أَلْقَاهُ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1308- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَرَأَى أَصْحَابُهُ
أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1309- وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ
قَامَ فَرَكَعَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ
السِّيَاقِ أَنَّ سُجُودَهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي الصَّلَاةِ.
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْعَثَ عَنْ مَعْمَرٍ
التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سُجُودَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا
كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ،
وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيه رّدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ قِرَاءَةِ
مَا فِيهِ. سَجْدَةٌ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب سُجُود الْمُسْتَمِعِ إذَا سَجَدَ التَّالِي
وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدْ
1310- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ
وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ
جَبْهَتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1/350)
1311- وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ فِي
غَيْرِ صَلَاةٍ.
1312- وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - السَّجْدَةَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَرَأَ آخَرُ عِنْدَهُ
السَّجْدَةَ فَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَرَأَ فُلَانٌ عِنْدَك السَّجْدَةَ فَسَجَدْت
وَقَرَأْت فَلَمْ تَسْجُدْ؟ فَقَالَ ... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
-: «كُنْتَ إمَامَنَا فَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْتُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا مُرْسَلًا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمَ
وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ: «اُسْجُدْ فَإِنَّك
إمَامُنَا فِيهَا» .
1313- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
1314- وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ:
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا سَجَدَ لَزَمَ الْمُسْتَمِعَ أَنْ
يَسْجُدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا أُؤكِّدُ عَلَى السَّامِعِ كَمَا
أُؤَكِّدُ عَلَى الْمُسْتَمِِعِ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى بِحَدِيثِ زَيْدٍ بْن ثَابِتٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ
فَقَالَ: وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ السُّجُودَ لا يَجِبُ.
قَالَ في الاختيارات: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَالَّذِي تَبَيَّنَ لِي
أَنَّ سُجُودَ التِّلاوَةِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا،
وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدٍ وَمَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ
وَلا يَشْرُعُ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلا تَحْلِيلٌ. هَذَا هُوَ السُّنَّةُ
الْمَعْرُوفَة عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهَا
عَامَّةُ السَّلَفِ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ هُوَ صَلاةٌ فَلا يُشْتَرَطُ
لَهُ شُرُوط الصَّلاةِ بَلْ يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَاخْتَارَهَا
الْبُخَارِيُّ. لَكِنِ السُّجُود بِشُرُوطِ الصَّلاةِ أَفْضَلُ. وَلا
يَنْبَغِي أَنْ يَخِلُّ بِذَلِكَ إِلا لِعُذْرٍ فَالسُّجُودُ بِلا
طَهَارَةٍ خَيْرٌ مِنَ الإِخْلالِ بِهِ لَكِنْ يُقَالُ: إِنَّهُ لا يَجِبُ
فِي هَذِهِ الْحَال كَمَا لا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ
قَارِئُ السُّجُودِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ السُّجُود جَائِزًا عِنْدَ
جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
(1/351)
باب السجود على
الدابة وبيان أنه لا يجب بحال
1315- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ
عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ الرَّاكِبُ
وَالسَّاجِدُ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى إنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى
يَدِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1316- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى جَاءَ السَّجْدَةَ فَنَزَلَ
وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ
قَرَأَ بِهَا حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ
إنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ
لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1317- وَفِي لَفْظِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ
إلَّا أَنْ نَشَاءَ) .
قَوْلُهُ: (حَتَّى إنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ) . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ جَوَاز سُجُود الرَّاكِبِ
عَلَى يَدِهِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَهُوَ يَدُلّ عَلَى جَوَازِ
السُّجُودِ فِي التِّلَاوَةِ لِمَنْ كَانَ رَاكِبًا مِنْ دُونِ نُزُولٍ،
لِأَنَّ التَّطَوُّعَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ جَائِزَةٌ.
قَالَ: وَالْأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي
الْخُطْبَةِ وَجَوَازِ نُزُولِ الْخَطِيبِ وَسُجُودِهِ إذَا لَمْ
يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ فَوْقَ الْمِنْبَرِ.
بَابُ التَّكْبِيرِ لِلسُّجُودِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ
1318- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ
وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1319- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي
خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
1320- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْبَارِحَةَ فِيمَا
يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أُصَلِّي إلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، فَقَرَأْتُ
(1/352)
السَّجْدَةَ، فَسَجَدَتْ الشَّجَرَةُ
لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: اللَّهُمَّ اُحْطُطْ عَنِّي بِهَا
وِزْرًا، وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَأَيْت ... النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَرَأَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ
الَّذِي أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ. رَوَاهُ مَاجَهْ.
1321- وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ: وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا
تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ) . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ
عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الذِّكْرِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ بِمَا اشْتَمَلَا
عَلَيْهِ.
وَقَالَ أيضًا: (فَائِدَةٌ) : لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ
مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ السَّاجِدُ مُتَوَضِّئًا وَقَدْ
كَانَ يَسْجُدُ مَعَهُ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ حَضَرَ تِلَاوَتَهُ،
وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْوُضُوءِ، وَيَبْعُد
أَنْ يَكُونُوا جَمِيعًا مُتَوَضِّئِينَ. وَأَيْضًا قَدْ كَانَ يَسْجُدُ
مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمْ أَنْجَاسٌ لَا يَصِحُّ
وُضُوؤُهُمْ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ
يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. إِلِى أَنْ قَالَ: (فَائِدَةٌ أُخْرَى) :
رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ
الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّ
الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي
النَّهْيِ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّلَاةِ.
بَابُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ
1322- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا: شُكْرًا
لِلَّهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
1323- وَلَفْظُ أَحْمَدَ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
أَتَاهُ بَشِيرٌ يُبَشِّرُهُ بِظَفَرِ جُنْدٍ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ
وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ، فَقَامَ فَخَرَّ سَاجِدًا فَأَطَالَ
السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَفَتِهِ،
فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
1324- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَفَتِهِ، فَدَخَلَ
فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَخَرَّ سَاجِدًا فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ
(1/353)
وَقَالَ: «إنَّ جِبْرِيلَ فَبَشَّرَنِي،
فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى
عَلَيْكَ صَلَيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْت عَلَيْهِ،
فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1325- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا
قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَاءَ، نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ
سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ
يَدَيْهِ سَاعَةً. ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَعَلَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ:
«إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي ثُلُثَ
أُمَّتِي، فَخَرَرْت سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي
فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ
سَاجِدًا لِرَبِّي ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي،
فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد.
وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ رَوَاهُ سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ.
وَسَجَدَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - حِينَ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةُ فِي
الْخَوَارِجِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَسَجَدَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- لَمَّا بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (صَدَفَتُهُ)
بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْفَاءِ. وَالصَّدَفَةُ
مِنْ أَسْمَاءِ الْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ، وَفِي النِّهَايَةِ مَا
لَفْظُهُ: (كَانَ إذَا مَرَّ بِصَدَفٍ مَائِلٍ أَسْرَعَ الْمَشْيَ) .
قَالَ: الصَّدَفُ بِفَتْحَتَيْنِ وَضَمَّتَيْنِ: كُلّ بِنَاءٍ عَظِيمٍ
مُرْتَفِعٍ تَشْبِيهًا بِصَدَفِ الْجَبَلِ، وَهُوَ مَا قَابَلَك مِنْ
جَانِبِهِ، وَاسْمٌ لِحَيَوَانٍ فِي الْبَحْرِ. انْتَهَى. قُلْتُ: ومنه
قوله تعالى {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا} .
قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
سُجُودِ الشُّكْرِ.
(1/354)
|