بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَاب مَوْقِف الْإِمَام وَالْمَأْمُوم
وَأَحْكَام الصُّفُوف
بَاب وُقُوف الْوَاحِد عَنْ يَمِين الْإِمَام وَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدَا
خَلْفه
1458- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ،
فَنَهَانِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبٌ لِي
فَصَفَّنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِنَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُخَالِفًا بَيْنَ
طَرَفَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1459- وَفِي رِوَايَة: قَامَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
لِيُصَلِّيَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي
فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ
صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،
فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1460- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إذَا كُنَّا ثَلَاثَةً أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُنَا.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
1461- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - وَعَائِشَةُ مَعَنَا تُصَلِّي خَلْفَنَا وَأَنَا
إِلَى جَنْبَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُصَلِّي مَعَهُ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
1462- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِ
وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ، قَالَ: فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ
الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1463- وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي
عَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ
(1/392)
مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، قَالَ:
فَأَقَامَ الظُّهْرَ لِيُصَلِّيَ فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي
وَيَدِ عَمِّي، ثُمَّ جَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ
يَسَارِهِ، فَصَفَّفَنَا صَفًّا وَاحِدًا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ إذَا كَانُوا
ثَلَاثَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1464- وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْله: (فَجَعَلَنِي عَنْ
يَمِينه) فِيهِ أَنَّ مَوْقِف الْوَاحِد عَنْ يَمِينِ الْإِمَام، وَقَدْ
ذَهَبَ الْأَكْثَر إلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِب، وَفِيهِ جَوَاز الْعَمَل فِي
الصَّلَاة.
قَوْله: (فَصَفَّنَا خَلْفه) وَكَذَلِكَ قَوْله: (فَدَفَعَنَا حَتَّى
أَقَامَنَا خَلْفه) . وَقَوْله: (أَمَرَنَا - صلى الله عليه وسلم - إذَا
كُنَّا ثَلَاثَة أَنْ يَتَقَدَّم أَحَدُنَا) فِي هَذِهِ الرِّوَايَات
دَلِيل عَلَى أَنَّ مَوْقِف الرَّجُلَيْنِ مَعَ الْإِمَام فِي الصَّلَاة
خَلْفه. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا، وَلَكِنَّ
الْخِلَاف فِي الْأَوْلَى وَالْأَحْسَن. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
(أَنَّ الِاثْنَيْنِ يَقِفَانِ عَنْ يَمِين الْإِمَام وَعَنْ شِمَاله
وَالزَّائِد خَلْفه) . قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيث لَا يَصِحّ
رَفْعه، وَالصَّحِيح فِيهِ عِنْدهمْ أَنَّهُ مَوْقُوف عَلَى ابْنِ
مَسْعُودٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحه
وَالتِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ ذَكَر
جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْم مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ أَنَّ حَدِيث ابْنِ
مَسْعُودٍ هَذَا مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاة
مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا
التَّطْبِيق وَأَحْكَام أُخَرُ هِيَ الْآن مَتْرُوكَة، وَهَذَا الْحُكْم
مِنْ جُمْلَتهَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
الْمَدِينَة تَرَكَهُ، وَعَلَى فَرْض عَدَم عِلْم التَّارِيخ لَا
يَنْتَهِضُ هَذَا الْحَدِيث لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيث الْمُتَقَدِّمَة.
انْتهى ملخصًا.
قَوْله: (صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَعَائِشَةُ مَعَنَا تُصَلِّي خَلْفَنَا) إِلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا حَضَرَ مَعَ إمَام
الْجَمَاعَة رَجُل وَامْرَأَة كَانَ مَوْقِف الرَّجُل عَنْ يَمِينه
وَمَوْقِف الْمَرْأَة خَلْفهمَا وَأَنَّهَا لَا تُصَفُّ مَعَ الرِّجَال،
وَالْعِلَّة فِي ذَلِكَ مَا يُخْشَى مِنْ الِافْتِتَان، فَلَوْ خَالَفَتْ
أَجْزَأَتْ صَلَاتُهَا عِنْد الْجُمْهُور، وَعِنْد الْحَنَفِيَّة تَفْسُد
صَلَاة الرَّجُل دُون الْمَرْأَة. قَالَ فِي الْفَتْح: وَهُوَ عَجِيب.
وَفِي تَوْجِيهه تَعَسُّف حَيْثُ قَالَ قَائِلهمْ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
... «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» . وَالْأَمْر
لِلْوُجُوبِ، فَإِذَا حَاذَتْ الرَّجُل
فَسَدَتْ
(1/393)
صَلَاة الرَّجُل لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا
أُمِرَ بِهِ مِنْ تَأْخِيرهَا. قَالَ: وَحِكَايَة هَذَا تُغْنِي عَنْ
جَوَابه.
بَاب وُقُوف الْإِمَام تِلْقَاء وَسْط الصَّفّ وَقُرْب أُوَلِي الْأَحْلَام
وَالنُّهَى مِنْهُ
1465- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه
وسلم -: «وَسِّطُوا الْإِمَامَ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
1466- وَعَنْ أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ:
«اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِيَنِّي
مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1467- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَإِيَّاكُمْ
وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ.
1468- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا
عَنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَسِّطُوا
الْإِمَام» فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ جَعْل الْإِمَام مُقَابِلًا لِوَسْطِ
الصَّفّ.
قَوْلُهُ: «اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» .
قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ مُخَالَفَة الصُّفُوف مُخَالَفَة الظَّوَاهِر،
وَاخْتِلَاف الظَّوَاهِر سَبَب لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِن.
قَوْله: «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» قَالَ
ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: الْأَحْلَام وَالنُّهَى بِمَعْنًى وَاحِد،
وَالنُّهَى جَمْع نُهْيَة بِالضَّمِّ أَيْضًا وَهِيَ الْعَقْل لِأَنَّهَا
تَنْهَى عَنْ
الْقُبْح. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِأُولِي الْأَحْلَام: الْبَالِغُونَ،
وَبِأُولِي النُّهَى: الْعُقَلَاء. قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنَّمَا خَصَّ
النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا النَّوْع بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ
الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّبْلِيغ، وَيُسْتَخْلَف إذَا اُحْتِيجَ إلَى
اسْتِخْلَافه، وَيَقُوم بِتَنْبِيهِ الْإِمَام إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ.
(1/394)
قَوْله: «وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَات
الْأَسْوَاق» أَيْ اخْتِلَاطهَا وَالْمُنَازَعَة وَالْخُصُومَات
وَارْتِفَاع الْأَصْوَات وَاللَّغَط وَالْفِتَن الَّتِي فِيهَا
وَالْهَوْشَةُ: الْفِتْنَة وَالِاخْتِلَاط. وَالْمُرَاد النَّهْيُ عَنْ
أَنْ يَكُون اجْتِمَاع النَّاس فِي الصَّلَاة مِثْل اجْتِمَاعهمْ فِي
الْأَسْوَاق مُتَدَافِعِينَ مُتَغَايِرِينَ مُخْتَلِفِي الْقُلُوب
وَالْأَفْعَال.
قَوْله: (يُحِبّ أَنْ يَلِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار) فِيهِ
مَشْرُوعِيَّةُ تَقَدُّمِ أَهْل الْعِلْم وَالْفَضْل لِيَأْخُذُوا عَنْ
الْإِمَام وَيَأْخُذ عَنْهُمْ غَيْرهمْ، لِأَنَّهُمْ أَمَسّ بِضَبْطِ صِفَة
الصَّلَاة وَحِفْظهَا وَنَقْلهَا وَتَبْلِيغهَا.
بَاب مَوْقِف الصِّبْيَان وَالنِّسَاء مِنْ الرِّجَال
1469- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ
الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ
يُسَوِّي بَيْنَ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ،
وَيَجْعَلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى هِيَ أَطْوَلُهُنَّ لِكَيْ يَثُوبَ
النَّاسُ، وَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ
خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1470- وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهُ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِصَلَاةِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَفَّ
الرِّجَالَ وَصَفَّ خَلْفَهُمْ الْغِلْمَانَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ. فَذَكَر
صَلَاتَهُ.
1471- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا
فَلَأُصَلِّ لَكُمْ، فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ سُوِّدَ مِنْ طُولِ
مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَقُمْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَقَامَتْ
الْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
1472- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ فِي بَيْتِنَا
خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمِّي خَلْفَنَا أُمُّ
سُلَيْمٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1473- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا،
وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَة إلَّا الْبُخَارِيَّ.
(1/395)
قَوْلُهُ: (وَيَجْعَلُ الرَّكْعَةَ
الْأُولَى هِيَ أَطْوَلُهُنَّ لِكَيْ يَثُوبَ النَّاسُ) . قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَيْ يَرْجِع النَّاس إلَى الصَّلَاة
وَيُقْبِلُوا إلَيْهَا.
قَوْله: (وَيَجْعَل الرِّجَال قُدَّام الْغِلْمَان) إلَى آخِرِهِ. فِيهِ
تَقْدِيم صُفُوف الرِّجَال عَلَى الْغِلْمَان، وَالْغِلْمَان عَلَى
النِّسَاءِ، هَذَا إذَا كَانَ الْغِلْمَان اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَإِنْ
كَانَ صَبِيّ وَاحِد دَخَلَ مَعَ الرِّجَال وَلَا يَنْفَرِد خَلْف الصَّفّ.
وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيث أَنَسٍ الْمَذْكُور فِي الْبَاب. إِلِى أَنْ
قَالَ: وَقِيلَ عِنْد اجْتِمَاع الرِّجَال وَالصَّبِيَّانِ يَقِف بَيْن
كُلّ رَجُلَيْنِ صَبِيّ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ الصَّلَاة وَأَفْعَالهَا.
قَوْله: (وَقُمْت أَنَا وَالْيَتِيم وَرَاءَهُ) . قَالَ الشَّارِحُ:
وَفِيهِ أَنَّ الصَّبِيّ يَسُدّ الْجَنَاح، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُور.
وَيُؤَيِّده جَذْبه - صلى الله عليه وسلم - لِابْنِ عَبَّاس مِنْ جِهَة
الْيَسَار إلَى جِهَة الْيَمِين وَصَلَاته مَعَهُ وَهُوَ صَبِيّ، وَأَمَّا
مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْله - صلى الله عليه وسلم - لِلْغِلْمَانِ صَفَّا
بَعْد الرِّجَال فَفِعْل لَا يَدُلّ عَلَى فَسَاد خِلَافه.
بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاة الرَّجُل فَذًّا
وَمَنْ رَكَعَ أَوْ أَحْرَمَ دُون الصَّفّ ثُمَّ دَخَلَهُ
1474- عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ
الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ، فَلَا صَلَاةَ
لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1475- وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ
أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا النَّسَائِيّ.
1456- وَفِي رِوَايَة قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- عَنْ رَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ، فَقَالَ: يُعِيدُ
الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1477- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ،
فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «زَادَك
اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1478- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ
(1/396)
خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي
حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَف
فِي صَلَاة الْمَأْمُوم خَلْف الصَّفّ وَحْده، فَقَالَتْ طَائِفَة: لَا
يَجُوز وَلَا يَصِحّ. وَفَرَّقَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ فَرَأَوْا عَلَى
الرَّجُل الْإِعَادَة دُون الْمَرْأَة. وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ
بِالصِّحَّةِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالُوا: لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ
الصَّلَاة خَلْف الصَّفّ وَلَمْ يَأْمُرهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم
- بِالْإِعَادَةِ، فَيُحْمَل الْأَمْر بِالْإِعَادَةِ عَلَى جِهَة النَّدْب
مُبَالَغَة فِي الْمُحَافَظَة عَلَى الْأَوْلَى وَمِنْ جُمْلَة مَا
تَمَسَّكُوا بِهِ حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ. وَهُوَ تَمَسّك غَيْر
مُفِيد لِلْمَطْلُوبِ. قِيلَ: الْأَوْلَى الْجَمْع بَيْن أَحَادِيث الْبَاب
بِحَمْلِ عَدَم الْأَمْر بِالْإِعَادَةِ
عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ مَعَ خَشْيَة الْفَوْت لَوْ انْضَمَّ
إلَى الصَّفّ وَأَحَادِيث الْإِعَادَة عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ
عُذْر. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَلَا يُعَدّ حُكْم الشُّرُوعِ فِي
الرُّكُوع خَلْف الصَّفّ حُكْم الصَّلَاة كُلّهَا خَلْفه، فَهَذَا أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى أَنَّ صَلَاة الْمُنْفَرِد خَلْف الصَّلَاة بَاطِلَة،
وَيَرَى أَنَّ الرُّكُوع دُون الصَّفّ جَائِز. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب الْحَثّ عَلَى تَسْوِيَة الصُّفُوف وَرَصّهَا وَسَدّ خَلَلهَا
1479- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ
الصَّلَاةِ» .
1480- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَبْل أَنْ يُكَبِّرَ فَيَقُولُ:
«تَرَاصُّوا وَاعْتَدِلُوا» . مُتَّفَق عَلَيْهِمَا.
1481- وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهِ
الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ
يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا
صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ، فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَة إلَّا الْبُخَارِيَّ فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ.
1482-: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ
وُجُوهِكُمْ» .
1483- وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَة قَالَ: فَرَأَيْتَ
الرَّجُلَ يُلْزِقُ كَعْبَهُ
(1/397)
بِكَعْبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتَهُ
بِرُكْبَتِهِ، وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِهِ.
1484- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه: «سَوُّوا
صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي
إخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذْفِ» . -
يَعْنِي أَوْلَاد الضَّأْن الصِّغَار - رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1485- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ... «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا
تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا» ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ
الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة
إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
1486- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ كَانَ
نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1487- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1488- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ:
تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ، لَا
يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «سَوُّوا
صُفُوفَكُمْ» فِيهِ أَنَّ تَسْوِيَة الصُّفُوف وَاجِبَة.
قَوْلُهُ: «تَرَاصُّوا» : أَيْ تَلَاصَقُوا بِغَيْرِ خَلَل، وَفِيهِ جَوَاز
الْكَلَام بَيْن الْإِقَامَة وَالدُّخُول فِي الصَّلَاة.
قَوْلُهُ: «وَلِينُوا فِي أَيْدِي إخْوَانكُمْ» . أَيْ إذَا جَاءَ
الْمُصَلِّي وَوَضَعَ يَده عَلَى مَنْكِب الْمُصَلِّي فَلْيَلِنْ لَهُ
بِمَنْكِبِهِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ مَنْ يُسَوِّي الصُّفُوفَ
بِالْإِشَارَةِ بِيَدِهِ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي الصَّفّ أَوْ وَضَعَ يَده
عَلَى مَنْكِبه فَلْيَسْتَوِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل فِي
الصَّفّ فَلْيُوسِعْ لَهُ.
(1/398)
قَوْلُهُ: «الْحَذْفُ» قَالَ النَّوَوِيُّ:
بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَذَال مُعْجَمَة مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاء
وَاحِدَتهَا حَذَفَةٌ مِثْل قَصَب وَقَصَبَة، وَهِيَ غَنَم سُود صِغَار
تَكُون بِالْيَمَنِ وَالْحِجَاز.
قَوْلُهُ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفّ الْمَلَائِكَة عِنْد رَبّهَا»
فِيهِ الِاقْتِدَاء بِأَفْعَالِ الْمَلَائِكَة فِي صَلَاتهمْ
وَتَعَبُّدَاتهمْ.
قَوْلُهُ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّل» فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ تَمَام
الصَّفّ الْأَوَّل. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل فِي
الْمَسْجِد الَّذِي فِيهِ مِنْبَر، هَلْ هُوَ الْخَارِج بَيْن يَدَيْ
الْمِنْبَر، أَوْ الَّذِي هُوَ أَقْرَب إلَى الْقِبْلَة؟ فَقَالَ
الْغَزَالِيّ فِي الْإِحْيَاء: إنَّ الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْمُتَّصِل
الَّذِي فِي فِنَاء الْمِنْبَر وَمَا عَنْ طَرَفَيْهِ مَقْطُوع. قَالَ:
وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُول: الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْخَارِج بَيْن يَدَيْ
الْمِنْبَر. قَالَ: وَلَا يَبْعُد أَنْ يُقَال: الْأَقْرَب إلَى الْقِبْلَة
هُوَ الْأَوَّل. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْح مُسْلِمٍ: الصَّفّ
الْأَوَّل الْمَمْدُوح الَّذِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيث بِفَضْلِهِ هُوَ
الصَّفّ الَّذِي يَلِي الْإِمَام سَوَاء جَاءَ صَاحِبه مُقَدَّمًا أَوْ
مُؤَخَّرًا، سَوَاء تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَةٌ أَوْ نَحْوُهَا، هَذَا هُوَ
الصَّحِيح الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ. وَقَالَ طَائِفَة مِنْ
الْعُلَمَاء: الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْمُتَّصِل مِنْ طَرَف الْمَسْجِد
إلَى طَرَفه لَا تَقْطَعهُ مَقْصُورَة وَنَحْوهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ
الَّذِي يَلِي الْإِمَام فَلَيْسَ بِأَوَّلَ، بَلْ الْأَوَّل مَا لَمْ
يَتَخَلَّلهُ شَيْء، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيّ.
قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ» إلَى آخِرِهِ لَفْظ
أَبِي دَاوُد «إنَّ اللَّه وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِن
الصُّفُوف» . وَفِيهِ اسْتِحْبَاب الْكَوْن فِي يَمِينِ الصَّفّ الْأَوَّل
وَمَا بَعْده مِنْ الصُّفُوف.
قَوْلُهُ: (لَا يَزَال قَوْم يَتَأَخَّرُونَ) زَادَ أَبُو دَاوُد: «عَنْ
الصَّفّ الْأَوَّل» .
قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ: (حَتَّى يُؤَخِّرهُمْ اللَّه) أَيْ يُؤَخِّرهُمْ
اللَّهُ عَنْ رَحْمَته وَعَظِيم فَضْله، أَوْ عَنْ رُتْبَة الْعُلَمَاء
الْمَأْخُوذ عَنْهُمْ، أَوْ عَنْ رُتْبَة السَّابِقِينَ. وَفِيهِ الْحَثّ
عَلَى الْكَوْن فِي الصَّفّ الْأَوَّل وَالتَّنْفِير عَنْ التَّأَخُّر
عَنْهُ.
(1/399)
بَاب هَلْ يَأْخُذ الْقَوْم مَصَافَّهُمْ
قَبْل الْإِمَام أَمْ لَا
1489- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ
أَنْ يَأْخُذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُقَامَهُ. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1490- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتْ
الصُّفُوفُ قِيَامًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - فَخَرَجَ إلَيْنَا، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ تَذَكَرَ
أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: «مَكَانَكُمْ» . فَمَكَثْنَا عَلَى
هَيْئَتِنَا - يَعْنِي قِيَامًا - ثُمَّ رَجَعَ ... فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ
خَرَجَ إلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ.
مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1491- وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ
وَانْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ. وَذَكَرَ نَحْوه.
1492- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي
قَدْ خَرَجْتُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَلَمْ يَذْكُر
الْبُخَارِيُّ فِيهِ «قَدْ خَرَجْتُ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَيَأْخُذ
النَّاسُ مَصَافَّهُمْ) يَعْنِي مَكَانهمْ مِنْ الصَّفّ. قَوْلُهُ: (قَبْل
أَنْ يَخْرُج) فِيهِ جَوَاز قِيَام الْمُؤْتَمِّينَ وَتَعْدِيل الصُّفُوف
قَبْل خُرُوج الْإِمَام، وَهُوَ مُعَارِض لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ
وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا وَقَعَ لِبَيَانِ الْجَوَاز،
أَو بِأَنَّ صَنِيعهمْ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ سَبَبًا
لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا
يَقُومُونَ سَاعَة تُقَام الصَّلَاة وَلَوْ لَمْ يَخْرُج النَّبِيّ - صلى
الله عليه وسلم -، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقَع لَهُ
شُغْل يُبْطِئ فِيهِ عَنْ الْخُرُوج فَيَشُقّ عَلَيْهِمْ انْتِظَاره.
قَوْله: (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ
خَرَجْتُ) قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ أَنَّ قِيَام الْمُؤْتَمِّينَ فِي
الْمَسْجِد إلَى الصَّلَاة يَكُونُ عِنْد رُؤْيَة الْإِمَام. وَقَدْ
اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُمْ يَقُومُونَ
إذَا كَانَ الْإِمَام مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِد عِنْد فَرَاغ الْإِقَامَة.
وَعَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَقُوم إذَا قَالَ الْمُؤَذِّن: قَدْ قَامَتْ
الصَّلَاةُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: لَمْ أَسْمَع فِي قِيَام
النَّاس حِين تُقَام الصَّلَاةُ بِحَدٍّ مَحْدُود، إلَّا أَنِّي أَرَى
ذَلِكَ عَلَى طَاقَة النَّاس فَإِنَّ فِيهِمْ الثَّقِيل وَالْخَفِيف
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَام فِي الْمَسْجِد، فَذَهَبَ الْجُمْهُور
إلَى أَنَّهُمْ
(1/400)
يَقُومُونَ حِين يَرَوْنَهُ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
بَاب كَرَاهَة الصَّفّ بَيْن السَّوَارِي لِلْمَأْمُومِ
1493- عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ
أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ
السَّارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا
نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
1494- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نُنْهَى
أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1495- وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ
الْكَعْبَةَ صَلَّى بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ
عَلَى كَرَاهَة الصَّلَاة بَيْن السَّوَارِي، وَالْعِلَّة فِي الْكَرَاهَة
مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إمَّا
لِانْقِطَاعِ الصَّفّ. أَوْ لِأَنَّهُ مَوْضِع جَمْع النِّعَال. قَالَ
ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَالْأَوَّل أَشْبَه لِأَنَّ الثَّانِي مُحْدَث.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا خِلَاف فِي جَوَازه عِنْد الضِّيق،
وَأَمَّا عِنْد السَّعَة فَهُوَ مَكْرُوه لِلْجَمَاعَةِ، فَأَمَّا
الْوَاحِد فَلَا بَأْس بِهِ، وَقَدْ صَلَّى - صلى الله عليه وسلم - فِي
الْكَعْبَة بَيْن سَوَارِيهَا.
بَاب وُقُوف الْإِمَام أَعْلَى مِنْ الْمَأْمُوم وَبِالْعَكْسِ
1496- عَنْ هَمَّامٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ عَلَى
دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا
فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا
يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتنِي.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1497- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ،
يَعْنِي أَسْفَلَ مِنْهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
1498- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وُضِعَ، فَكَبَّرَ وَهُوَ
عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ وَسَجَدَ
النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي،
وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
(1/401)
وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْكَرَاهَة حَمَلَ
هَذَا عَلَى الْعُلُوِّ الْيَسِير وَرَخَّصَ فِيهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بصَلَاةِ
الْإِمَامِ.
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ فِي دَارِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ
يَمِينِ الْمَسْجِدِ فِي غُرْفَةٍ قَدْرَ قَامَةٍ مِنْهَا، لَهَا بَابٌ
مُشْرِفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ بِالْبَصْرَةِ، فَكَانَ أَنَسٌ يَجْمَعُ فِيهِ
وَيَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فِي سُنَنه.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الدُّكَّانُ: الْحَانُوت،
وَهِيَ الدَّكَّة بِفَتْحِ الدَّال: وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع يُجْلَس
عَلَيْهِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُكْرَه
ارْتِفَاع الْإِمَام فِي الْمَجْلِس. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْحَاصِل مِنْ
الْأَدِلَّة مَنْع ارْتِفَاع الْإِمَام عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ مِنْ غَيْر
فَرْق بَيْن الْمَسْجِد وَغَيْره وَبَيْن الْقَامَة وَدُونهَا وَفَوْقهَا،
لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: إنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ. وَقَوْل
ابْنِ مَسْعُودٍ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
الْحَدِيث. وَأَمَّا صَلَاته - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَر.
فَقِيلَ: إنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِغَرَضِ التَّعْلِيم كَمَا يَدُلّ
عَلَيْهِ. قَوْله: «وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» . وَغَايَة مَا فِيهِ جَوَاز
وُقُوف الْإِمَام عَلَى مَحَلّ أَرْفَع مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ إذَا أَرَادَ
تَعْلِيمهمْ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلّ
بِهِ عَلَى جَوَاز الِارْتِفَاع مِنْ غَيْر قَصْد التَّعْلِيم لَمْ
يَسْتَقِمْ.
بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَائِل بَيْن الْإِمَام وَالْمَأْمُوم
1499- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لَنَا حَصِيرَةٌ نَبْسُطُهَا
بِالنَّهَارِ، وَنَحْتَجِزُ بِهَا بِاللَّيْلِ، فَصَلَّى فِيهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ
قِرَاءَته فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ
الثَّانِيَةُ كَثُرُوا فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اكْلَفُوا مِنْ
الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى
تَمَلُّوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى
أَنَّ الْحَائِل بَيْن الْإِمَام وَالْمُؤْتَمِّينَ غَيْر مَانِع مِنْ
صِحَّة الصَّلَاة.
بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُلَازِم بُقْعَة بِعَيْنِهَا مِنْ الْمَسْجِد
1500- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - نَهَى فِي الصَّلَاةِ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ،
وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمُقَامَ الْوَاحِدَ
(1/402)
كَإِيطَانِ الْبَعِيرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة
إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
1501- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى
الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، وَقَالَ:
رَأَيْتُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ
عِنْدَهَا. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1502- وَلِمُسْلِمٍ أَنَّ سَلَمَةَ كَانَ يَتَحَرَّى مَوْضِعَ الْمُصْحَف
يُسَبِّح فِيهِ، وَذَكَر أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَتَحَرَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْله: (الَّتِي عِنْد
الْمُصْحَف) هَذَا دَالّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِلْمُصْحَفِ مَوْضِع خَاصّ
بِهِ. وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِمٍ بِلَفْظِ يُصَلِّي وَرَاءَ الصُّنْدُوقِ.
وَكَأَنَّهُ كَانَ لِلْمُصْحَفِ صُنْدُوق يُوضَع فِيهِ. قَالَ الْحَافِظ:
وَالْأُسْطُوَانَة الْمَذْكُورَة حَقَّقَ لَنَا بَعْض مَشَايِخنَا أَنَّهَا
الْمُتَوَسِّطَة فِي الرَّوْضَةِ الْمُكَرَّمَةِ وَأَنَّهَا تُعْرَف
بِأُسْطُوَانَةِ الْمُهَاجِرِينَ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيث الْأَوَّل يَدُلّ عَلَى كَرَاهَة اعْتِيَاد
الرَّجُل بُقْعَة مِنْ بِقَاعِ الْمَسْجِد. وَلَا يُعَارِضهُ الْحَدِيث
الثَّانِي لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُول أَنَّ فِعْله - صلى الله عليه
وسلم - يَكُونُ مُخَصِّصًا لَهُ مِنْ الْقَوْل الشَّامِل لَهُ بِطَرِيقِ
الظُّهُور كَمَا تَقَدَّمَ غَيْر مَرَّة إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيل
التَّأَسِّي وَعِلَّة النَّهْي عَنْ الْمُوَاظَبَة عَلَى مَكَان فِي
الْمَسْجِد مَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا مِنْ
مَشْرُوعِيَّة تَكْثِير مَوَاضِع الْعِبَادَة.
قَالَ الْمُصَنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ:
قُلْتُ: وَهَذَا مَحْمُول عَلَى النَّفَل، وَيُحْمَل النَّهْي عَلَى مَنْ
لَازَمَ مُطْلَقًا لِلْفَرْضِ وَالنَّفَل.
بَاب اسْتِحْبَاب التَّطَوُّع فِي غَيْر مَوْضِع الْمَكْتُوبَة
1503- عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي مُقَامِهِ الَّذِي صَلَّى
فِيهِ الْمَكْتُوبَة حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَأَبُو دَاوُد.
1504- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى
(1/403)
أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ
عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1505- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَا: يَعْنِي فِي
السُّبْحَة.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ
عَلَى مَشْرُوعِيَّة انْتِقَال الْمُصَلِّي عَنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى
فِيهِ.
(1/404)
|