بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
بَابُ اخْتِيَارِ الْقَصْرِ وَجَوَازِ الْإِتْمَامِ
1511- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى
رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
1512- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ
إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} . فَقَدْ أَمِنَ
النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ
اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1513- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَصُمْتُ، وَقَصَرَ
وَأَتْمَمْتُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَفْطَرْتَ وَصُمْتُ، وَقَصَرْتَ
وَأَتْمَمْتُ، فَقَالَ: «أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» . رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ.
1514- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ.
1515- وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ،
وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ،
وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ،
(1/407)
عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه
وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1516- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَتَانَا وَنَحْنُ ضُلَّالٌ فَعَلَّمَنَا، فَكَانَ فِيمَا
عَلَّمَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ
رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
1517- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ
تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ لَا
يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ
فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي
غَيْرِ مِنًى، وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعَدَ
صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّة.
... قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ الْقَصْرُ وَاجِبٌ أَمْ رُخْصَةٌ
وَالتَّمَامُ أَفْضَلُ؟ إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَدْ لَاحَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا
ذَكَرْنَا رُجْحَانُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ.
قَوْلُهَا: (خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُمْرَةِ
رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَصُمْتُ، وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي
وَأُمِّي أَفْطَرْتَ وَصُمْتُ، وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ، فَقَالَ:
«أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» . قَالَ الشَّارِحُ: فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا
لَكَانَ حُجَّةً، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَةِ مَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَلَمْ
يَثْبُتْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُتِمُّ عَلَى عَهْدِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، وَحَدِيثُ عَائِشَة فِي
مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّة.
بَابُ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إذَا خَرَجَ نَهَارَا لَمْ يَقْصُر إلَى
اللَّيْل
1518- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1519- وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ
ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
(1/408)
قَوْلُهُ: (وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ) . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى إبَاحَة الْقَصْرِ فِي
السَّفَرِ الْقَصِيرِ، لِأَنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَذِي الْحُلَيْفَةِ
سِتَّة أَمْيَال. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ لَمْ تَكُنْ
مُنْتَهَى السَّفَر، وَإِنَّمَا خَرَجَ إلَيْهَا حَيْثُ كَانَ قَاصِدَا
إلَى مَكَّةَ وَاتَّفَقَ نُزُوله بِهَا وَكَانَتْ أَوَّل صَلَاة حَضَرَتْ
صَلَاةُ الْعَصْر فَقَصَرَهَا وَاسْتَمَرَّ يَقْصُر إلَى أَنْ يَرْجَعَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَاف الطَّوِيل بَيْن عُلَمَاء
الْإِسْلَام فِي مِقْدَار الْمَسَافَةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا
الصَّلَاةَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِر وَغَيْره
فِيهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ قَوْلَا، أَقَلّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ:
يَوْم وَلَيْلَة، وَأَكْثَره: مَا دَامَ غَائِبَا عَنْ بَلَده. وَقِيلَ:
أَقَلّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ الْمِيل كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ
حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَاحْتُجَّ لَهُ بِإِطْلَاقِ السَّفَر فِي كِتَابِ
اللَّه تَعَالَى، وَفِي سُنَّة رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ الظَّاهِرِيَّةُ فَذَهَبُوا إلَى
أَنَّ أَقَلّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثَلَاثَة أَمْيَال. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَهُوَ أَصَحّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَصْرَحه، وَقَدْ حَمَلَهُ مَنْ
خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد الْمَسَافَة الَّتِي يُبْتَدَأُ مِنْهَا
الْقَصْر لَا غَايَة السَّفَر. قَالَ: وَلَا يَخْفَى بَعَدَ هَذَا
الْحَمْل. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَفُقَهَاءُ أَصْحَاب الْحَدِيثِ وَغَيْرهمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز إلَّا
فِي مَسِيرَة مَرْحَلَتَيْنِ وَهُمَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ مِيلًا
هَاشِمِيَّة كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ
أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَاره أَنَّ أَقَلّ
مَسَافَة الْقَصْر يَوْم وَلَيْلَة. قَالَ الشَّارِحُ: وَأَمَّا حَدِيث
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ
لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى
عُسْفَانَ» . فَلَيْسَ مِمَّا تَقُوم بِهِ حُجَّة، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
مَوْقُوف عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا فَالْمُتَيَقَّن هُوَ ثَلَاثَة فَرَاسِخَ،
لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ مُتَرَدِّد مَا بَيْنهَا وَبَيْن ثَلَاثَة
أَمْيَال، وَالثَّلَاثَة الْأَمْيَال مُنْدَرِجَة فِي الثَّلَاثَة
الْفَرَاسِخِ، فَيُؤْخَذ بِالْأَكْثَرِ
احْتِيَاطًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِر: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِمُرِيدِ
السَّفَر أَنْ يَقْصُر إذَا خَرَجَ عَنْ جَمِيع بُيُوتِ الْقَرْيَة الَّتِي
يَخْرُجُ مِنْهَا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْبُيُوت،
فَذَهَبَ الْجُمْهُور إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَة جَمِيع
الْبُيُوت. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قال في الاخيارات: وَيَجُوزُ قَصْرُ الصَّلاةَ فِي كُلِّ مَا سُمِّيَ
سَفَرًا سَوَاء
(1/409)
قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلا يَتَقَدَّرُ
عَدُّهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي
فِيهِ وَسَوَاء كَانَ مُبَاحًا أَوْ محرمًا. وَنَصَرَهُ ابْنُ عقيلٍ فِي
مَوْضِعٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَسَوَاء نَوَى إِقَامَة أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
أَوْ لا، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. انْتَهَى.
وَاللهُ أَعْلَمُ.
بَابُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا فَنَوَى الْإِقَامَة فِيهِ أَرْبَعًا
يَقْصُر
1520- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى مَكَّةَ فِي الْمَسِيرِ
وَالْمُقَامِ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ رَجَعُوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَده.
1521- وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ،
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ
قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِهَا شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا.
مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1522- وَلِمُسْلِمٍ: خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحَجِّ. ثُمَّ
ذَكَرَ مِثْله.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا وَجْه حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ حَسَبُ مُقَام
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ وَمِنًى، وَإِلَّا فَلَا
وَجْهَ لَهُ غَيْر هَذَا.
1523- وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ
بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى
الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ
الثَّامِنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُتَوَجِّهًا
إلَى الْمَدِينَةِ، بَعْدَ أَيَّامَ التَّشْرِيق.
وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلّه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَقّ أَنَّ مَنْ حَطَّ
رَحْله بِبَلَدٍ وَنَوَى الْإِقَامَة بِهَا أَيَّامًا مِنْ دُون تَرَدُّد
لَا يُقَال لَهُ: مُسَافِر، فَيُتِمّ الصَّلَاة وَلَا يَقْصُر.
بَابُ مَنْ أَقَامَ لَقَضَاءِ حَاجَة وَلَمْ يَجْمَع إقَامَة
1524- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
(1/410)
1525- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَشَهِدْتُ مَعَهُ
الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي
إلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ: «يَا أَهْلَ الْبَلْدَةِ صَلُّوا أَرْبَعًا
فَإِنَّا سَفْرٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ إقَامَةً.
1526- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - مَكَّةَ أَقَامَ فِيهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا فَأَقَمْنَا تِسْعَ
عَشْرَةَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1527- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ: قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ قَالَ: خَرَجْتُ إلَى ابْنِ عُمَرَ
فَقُلْتُ: مَا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ
إلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كُنَّا بِذِي
الْمَجَازِ؟ قَالَ: وَمَا ذِي الْمَجَازِ؟ قُلْتُ: مَكَانٌ نَجْتَمِعُ
فِيهِ، وَنَبِيعُ فِيهِ،
وَنَمْكُثُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ كُنْتُ بِأَذْرَبِيجَانَ - لَا أَدْرِي قَالَ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ - فَرَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَ
رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي تَقْدِير الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا
الْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ وَكَانَ مُتَرَدِّدًا غَيْرَ عَازِمٍ
عَلَى إقَامَةِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْحَقّ أَنَّ
الْأَصْل فِي الْمُقِيم الْإِتْمَام، لِأَنَّ الْقَصْر لَمْ يُشْرِعْهُ
الشَّارِعُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ، وَالْمُقِيم غَيْر مُسَافِر، فَلَوْلَا
مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَصْره بِمَكَّةَ وَتَبُوكَ
مَعَ الْإِقَامَة لَكَانَ الْمُتَعَيَّن هُوَ الْإِتْمَام، فَلَا يَنْتَقِل
عَنْ ذَلِكَ الْأَصْل إلا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيل عَلَى
الْقَصْر مَعَ التَّرَدُّد إلَى عِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ، وَلَمْ يَصِحّ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَصَرَ فِي
الْإِقَامَة أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَيُقْتَصَر عَلَى هَذَا الْمِقْدَار،
وَلَا شَكَّ أَنَّ قَصْره - صلى الله عليه وسلم - فِي تِلْكَ الْمُدَّة لَا
يَنْفِي الْقَصْر فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ مُلَاحَظَة الْأَصْل
الْمَذْكُور هِيَ الْقَاضِيَة بِذَلِكَ.
(1/411)
بَابُ مَنْ اجْتَازَ فِي بَلَدٍ
فَتَزَوَّجَ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ زَوْجَةٌ فَلْيُتِمَّ
1528- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ
فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَيْضًا
الْبَيْهَقِيُّ وَأَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَالْمَنْقُول فِي سَبَبِ إتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْر
مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصَا سَائِرَا. وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي
مَكَان أَثْنَاءَ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْم الْمُقِيم فَيُتِمّ. وَقَالَ ابْنُ
بَطَّالٍ: الْوَجْه الصَّحِيح فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ
وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
إنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّته،
وَآخَذَا أَنْفُسهمَا بِالشِّدَّةِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّمَا صَلَّى عُثْمَان بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ
الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَام، فَأَحَبَّ أَنْ
يُعْلِمهُمْ أَنَّ الصَّلَاة أَرْبَع. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ
أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا زِلْت
أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُك عَام أَوَّل رَكْعَتَيْنِ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا. قال الموفق في المغني: وَإِنْ مَرَّ فِي طَرِيقِهِ عَلَى
بَلَدٍ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَالٍ فَقَالَ أَحْمَدٌ فِي مَوْضِعٍ:
يَتِمُّ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: يَتِمُّ إِلا أَنْ يَكُونَ مَارًا. وَهَذَا
قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الزُّهَرِيُّ: إِذَا مَرَّ بِمَزْرَعَةٍ
لَهُ أَتَمَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ
أَوْ مَالُهُ أَتَمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا يَوْمًا
وَلَيْلَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرُ: يَقْصِرُ مَا لَمْ
يجمعْ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعٍ لأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يَجْمَعْ عَلَى
أَرْبَعٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانٍ أَنَّهُ صَلَّى بِمِنَى
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّة مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ
فَلْيُصَلِّ صَلاةَ الْمُقِيمِ» . رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي
الْمُسْنَدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى أَهْلٍ لَكَ
أَوْ مَالٍ فَصَلِّ صَلاةَ الْمُقِيمِ وَلأَنَّهُ مُقِيمٌ بِبَلَدٍ فِيهِ
أَهْلُهُ فَأَشْبَهُ الْبَلَد الذي سَافَرَ مِنْهُ. انْتَهَى.
(1/412)
|