بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ الْجُمُعَة
بَابُ التَّغْلِيظ فِي تَرْكهَا

1543- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1544- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1545- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.

1546- وَعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَة.

1547- وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث جَابِرٍ نَحْوه.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَة مِنْ فُرُوض الْأَعْيَان. وَقَدْ حَكَى ابْنِ الْمُنْذِر الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهَا فَرْض عَيْن. وَقَالَ ابْنُ قَدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْجُمع. قَالَ الشَّارِحُ: وَمِنْ جُمْلَة الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْجُمُعَة مِنْ فَرَائِض الْأَعْيَان قَوْل اللَّه تَعَالَى: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} .

(1/417)


بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ

1548- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1549- وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِيهِ: «إنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» .

1550- وَعَنْ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

1551- وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ: وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَسْمَع مِنْهُ شَيْئًا.

1552- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلَا هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّبَّةَ مِنْ الْغَنَمِ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْكَلَأُ فَيَرْتَفِعُ وتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلا يَشْهَدُهَا، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلَا يَشْهَدُهَا، حَتَّى يَطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1553- وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ رَآهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَك أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِك؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَتَهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَع الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا خَمْسَة أَحَادِيثَ وَعَدَّهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا عَدَّهُ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: اُخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ

(1/418)


عَنْ سَفَرٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَده.

قَوْلُهُ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، حَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَاوِي الْحَدِيثِ. وَحَدِيثُ الْبَابِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَال الْمُتَقَدِّم فَيَشْهَد لِصِحَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} . الْآيَة. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَدْ حَكَى الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَة عَلَى أَهْل الْمِصْر وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاء.

قَوْلُهُ: «أَلَا هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّبَّةَ مِنْ الْغَنَمِ» . قَالَ الشَّارِحُ: الصُّبَّة بِصَادٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة وَبَعْدهَا بَاءٌ مُوَحَّدَة مُشَدَّدَة. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هُنَّ مِنْ الْعِشْرِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ ضَأْنًا، وَقِيلَ: مَعْزًا خَاصَّة، وَقِيلَ: مَا بَيْن السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ، وَلَفْظ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنْ يَتَّخِذ الضِّبْنَة» قَالَ الْعِرَاقِيُّ: بِكَسْرِ الضَّاد الْمُعْجَمَة ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَة سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُون: هِيَ مَا تَحْت يَدك مِنْ مَال أَوْ عِيَال. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ فِيهِ الْحَث عَلَى حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالتَّوَعُّدُ عَلَى التَّشَاغُلِ عَنْهَا بِالْمَالِ. وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَسْقُط عَمَّنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ بَلَد إقَامَتهَا وَإِنَّ طَلَبَ الْكَلَأ وَنَحْوه لَا يَكُون عُذْرَا فِي تَرْكهَا. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَاز السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ عَلَى خَمْسَة أَقْوَال: الْأَوَّل: الْجَوَاز، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاءِ. وَالثَّانِي: الْمَنْع مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: جَوَازه لِسَفَرِ الْجِهَاد دُون غَيْره. وَالرَّابِع: جَوَازه لِلسَّفَرِ
الْوَاجِبِ دُون غَيْره. وَالْخَامِس: جَوَازه لِسَفَرِ الطَّاعَة وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا. وَأَمَّا بَعْد الزَّوَال فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: قَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاق عَلَى عَدَم جَوَازه وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى جَوَازه، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ عَامَّة الْعُلَمَاء. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ انْعِقَاد الْجُمُعَة بِأَرْبَعِينَ وَإِقَامَتهَا فِي الْقُرَى

1554- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ

(1/419)


لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إذَا سَمِعْت النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَال لَهُ: نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ، قُلْت: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1555- وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فِيهِ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ.

1556- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: بِجُوَاثَى: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا) قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا دَلَالَة فِي الْحَدِيث عَلَى اشْتِرَاط الْأَرْبَعِينَ، لِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَة عَيْن. وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ دُون الْأَرْبَعِينَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَة. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُول أَنَّ وَقَائِع الْأَعْيَان لَا يُحْتَجّ بِهَا عَلَى الْعُمُوم. وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَثْبُت أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم -
صَلَّى الْجُمُعَة بِأَقَلّ مِنْ أَرْبَعِينَ، يَرُدّهُ حَدِيثُ جَابِرٍ الْآتِي فِي بَابِ انْفِضَاض الْعَدَد لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا اثْنَا عَشَر رَجُلًا. إِلِى أَنْ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة مُنْتَشِر جِدًّا. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي خَمْسَة عَشَر مَذْهَبًا. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ صَحَّتْ الْجَمَاعَة فِي سَائِر الصَّلَوَات بِاثْنَيْنِ، وَلَا فَرْق بَيْنَهَا وَبَيْن الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّ الْجُمُعَة لَا تَنْعَقِد إلَّا بِكَذَا، وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ لَا يَثْبُت فِي عَدَد الْجُمُعَة حَدِيثٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَتَنْعَقِدُ الْجُمُعَةِ بِثَلاثَةِ: وَاحِدٌ يَخْطُبُ وَاثْنَانُ يَسْتَمِعَانِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدٍ وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهَا عَلَى الأَرْبَعِينَ لأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبهَا عَلَى مَنْ دُونِهِمْ وَتَصِحُّ مِمَّنْ دُونِهِمْ لأَنَّهُ انْتِقَالَ إِلَى أَعْلَمُ الْعَرْضَيْنِ كَالْمَرِيضِ. انْتَهَى.

(1/420)


بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّجَمُّلِ لِلْجُمُعَةِ
وَقَصْدِهَا بِسَكِينَةٍ وَالتَّبْكِيرِ وَالدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَام

1557- عَنْ ابْنِ سَلَامٍ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد.

1558- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَلْبَسُ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ مَسَّ مِنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1559- وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَرُوحُ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ
يُنْصِتُ لِلْإِمَامِ إذَا تَكَلَّمَ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

1560- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعَ إنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَانَتْ كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَة الْأُخْرَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1561- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

1562- وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اُحْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوَا مِنْ

(1/421)


الْإِمَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يُزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّل يَدُلّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لِبْسِ الثِّيَابِ الْحَسَنَة يَوْم الْجُمُعَة وَتَخْصِيصه بِمَلْبُوسٍ غَيْر مَلْبُوس سَائِر الْأَيَّام. وَحَدِيث أَبِي سَعِيدٍ فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْغُسْلِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاللُّبْسِ مِنْ صَالِحِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ يُنْصِتُ لِلْإِمَامِ إذَا تَكَلَّمَ» . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ حَالَ تَكَلُّمِ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُل لَهُ مِنْ الْأَجْر مَا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الْكَلَامِ قَبْلَ تَكَلُّمِ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ: «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة» . قَالَ الشَّارِحُ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّاعَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث مَا الْمُرَاد بِهَا، فَقِيلَ: إنَّهَا مَا يَتَبَادَر إلَى الذِّهْن مِنْ الْعُرْف فِيهَا. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالسَّاعَاتِ بَيَان مَرَاتِب التَّبْكِير مِنْ أَوَّل النَّهَار إلَى الزَّوَال. وَقِيلَ: خَمْس لَحَظَات لَطِيفَة: أَوَّلهَا زَوَال الشَّمْس وَآخِرهَا قُعُود الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَر. وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الِاغْتِسَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفَضِيلَة التَّبْكِير إلَيْهَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ أَفْضَل الْهَدْيِ الْإِبِل ثُمَّ الْبَقَر ثُمَّ الْغَنَم، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ الْجُمُعَة فِي السَّادِسَة، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ إهْدَاءُ أَيِّ مَالٍ كَانَ.

بَابُ فَضْل يَوْم الْجُمُعَة
وَذِكْر سَاعَة الْإِجَابَة وَفَضْل الصَّلَاة عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ

1563- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

(1/422)


1564- وَعَنْ أَبِي لُبَابَةَ الْبَدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، وَفِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إلَى
الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا بَحْرٍ إلَّا هُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

1565- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ» . وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يَعْنِي يُزَهِّدُهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَة، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُد لَمْ يَذْكُرَا الْقِيَامَ وَلَا يُقَلِّلُهَا.

1566- وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَر إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1567- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا آتَاهُ إيَّاهُ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: «حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

1568- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ: إنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا شَيْئًا إلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَشَارَ إلَيَّ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: «آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَار» . قُلْتُ: إنَّهَا لَيْسَتْ
سَاعَةَ صَلَاةٍ؟ قَالَ: «بَلَى إنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يُجْلِسُهُ إلا الصَّلَاةُ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1569- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ

(1/423)


سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1570- وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، مِنْهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ إيَّاها، وَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْر» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.

وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنه.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَكْثَر الْأَحَادِيثِ فِي السَّاعَة الَّتِي يُرْجَى فِيهَا إجَابَةُ الدُّعَاءِ أَنَّهَا بَعْد صَلَاة الْعَصْر، وَيُرْجَى بَعَدَ زَوَال الشَّمْس.

1571- وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَم، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْف تُعْرَضُ عَلَيْك صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ، فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
1572- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ إلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1573- وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَإِنَّ صَلَاةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنه.

1574- وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَده.

وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْله مُرْسَلَانِ.

(1/424)


قَوْلُهُ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْعِرَاقِيُّ: الْمُرَاد بِتَفْضِيلِ الْجُمُعَة بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيَّام الْجُمُعَة، وَتَفْضِيل يَوْم عَرَفَةَ أَوْ يَوْم النَّحْر بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيَّام السَّنَة.
قَوْلُهُ: «وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا» . قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي تَعْيِين هَذِهِ السَّاعَة. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: أَصَحّ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْيِينِهَا حَدِيث أَبِي مُوسَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَلَكِنَّهُ يُشْكِل عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَهوَ قَائِم يُصّلِّي. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي عِيَاض بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد الْقِيَام الْحَقِيقِيّ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِهِ الِاهْتِمَام بِالْأَمْرِ، كَقَوْلِهِمْ: فُلَان قَامَ فِي الْأَمْر الْفُلَانِيّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} . قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَة فِي كَوْنهَا بَعَدَ الْعَصْر أَرْجَح لِكَثْرَتِهَا وَاتِّصَالهَا بِالسَّمَاعِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِف فِي رَفْعهَا وَالِاعْتِضَاد بِكَوْنِهِ قَوْل أَكْثَر الصَّحَابَةِ،
فَفِيهَا أَرْبَعَة مُرَجِّحَات. وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مُرَجِّحٌ وَاحِد وَهُوَ كَوْنه فِي أَحَد الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فَائِدَة الْإِبْهَام لِهَذِهِ السَّاعَة وَلِلَيْلَةِ الْقَدْر بَعْثَ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِكْثَار مِنْ الصَّلَاة وَالدُّعَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَرِمْتَ) . قَالَ الشَّارِحُ: ِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة وَرَاءٍ مَكْسُورَة وَمِيم سَاكِنَة بَعْدهَا تَاءُ الْمُخَاطَبِ الْمَفْتُوحَة. وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مَشْرُوعِيَّة الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ.

بَابُ الرَّجُل أَحَقّ بِمَجْلِسِهِ
وَآدَابُ الْجُلُوس النَّهْي عَنْ التَّخَطِّي إلَّا لِحَاجَةٍ.

1575- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُخَالِفُهُ إلَى مَقْعَدِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ افْسَحُوا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1576- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى: أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.

وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ.

(1/425)


1577- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1578- وَعَنْ وَهْبِ بْنِ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1579- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ إلَى غَيْرِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1580- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحِبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حَسَن) .

1581- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَجَمَعَ بِنَا، فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1582- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ، وَزَادَ: «وَآنَيْتَ» .

1583- وَعَنْ أَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ... «الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاس يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، كَالْجَارِّ قُصْبَهُ فِي النَّار» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1584- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، قَالَ: ... «ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ كَانَ عِنْدنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

(1/426)


وَذَكَر يَوْم الْجُمُعَة فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ بَاب التَّنْصِيص عَلَى بَعْض أَفْرَاد الْعَامّ لَا مِنْ بَابِ التَّقْيِيد لِلْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَة، وَلَا مِنْ بَابِ التَّخْصِيص لِلْعُمُومَاتِ، فَمَنْ سَبَقَ إلَى مَوْضِع مُبَاح سَوَاءٌ كَانَ مَسْجِدًا أَوْ غَيْره فِي يَوْم
جُمُعَة أَوْ غَيْرهَا لِصَلَاةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَات فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَحْرُم عَلَى غَيْره إقَامَته مِنْهُ وَالْقُعُود فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: الْمَوْضِع الَّذِي قَدْ سَبَقَ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقّ، كَأَنْ يَقْعُدَ رَجُلٌ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ يَقُومُ مِنْهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مِنْ الْحَاجَاتِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَحَقّ بِهِ مِمَّنْ قَعَدَ فِيهِ بَعَدَ قِيَامه، قَالَ: وَظَاهِر حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ يَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْعُد فِي مَكَان غَيْره إذَا أَقْعَدَهُ بِرِضَاهُ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ إلَى غَيْرِهِ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحِكْمَة فِي الْأَمْر بِالتَّحَوُّلِ: أَنَّ الْحَرَكَة تُذْهِبُ النُّعَاس. وَيُحْتَمَل أَنَّ الْحِكْمَة فِيهِ انْتِقَاله مِنْ الْمَكَان الَّذِي أَصَابَتْهُ فِيهِ الْغَفْلَة بِنَوْمِهِ.

قَوْلُهُ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحِبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْم وَيُعَرِّض طَهَارَته لِلِانْتِقَاضِ.

قَوْلُهُ: (وَآنَيْت) قَالَ الشَّارِحُ: بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَة: أَيْ أَبْطَأْت وَتَأَخَّرْت. قَالَ: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلّ عَلَى كَرَاهَة التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَة، وَظَاهِر التَّقْيِيد بِيَوْمِ الْجُمُعَة أَنَّ الْكَرَاهَة مُخْتَصَّة بِهِ. وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون التَّقْيِيد خَرَجَ مَخْرَج الْغَالِبِ لِاخْتِصَاصِ الْجُمُعَة بِكَثْرَةِ النَّاس، بِخِلَافِ سَائِر الصَّلَوَات فَلَا يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ، بَلْ يَكُون حُكْم سَائِر الصَّلَوَات حُكْمهَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ التَّعْلِيل بِالْأَذِيَّةِ، وَظَاهِر هَذَا التَّعْلِيل أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي مَجَالِس الْعِلْم وَغَيْرهَا. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ التَّحْرِيم أَوْ الْكَرَاهَة الْإِمَام أَوْ مَنْ كَانَ بَيْن يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يَصِل إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي.
بَابُ التَّنَفُّل قَبْل الْجُمُعَة مَا لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَام
وَأَنَّ انْقِطَاعه بِخُرُوجِهِ إلَّا تَحِيَّة الْمَسْجِد

1585- عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اغْتَسَلَ

(1/427)


يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامَ خَرَجَ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ خَرَجَ جَلَسَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ حَتَّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ جُمُعَتَهُ وَكَلَامَهُ، إنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةً لِلْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1586- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1587- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1588- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ... وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا أَبَا دَاوُد.

1589- وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظه: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَأَمَرَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ.

قُلْتُ: وَهَذَا يُصَرِّحُ بِضَعْفِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ.
1590- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ: «صَلَّيْت» ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: «فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة.

1591- وَفِي رِوَايَة: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَة وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1592- وَفِي رِوَايَة: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامَ خَرَجَ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ» . الحديث. قَالَ الشَّارِحُ

(1/428)


رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَالْكَفِّ عَنْهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا أَوْ لَا؟ فَأَنْكَرَ جَمَاعَة أَنَّ لَهَا سُنَّة قَبْلهَا وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ، قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّن لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَيْن يَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَام انْقَطَعَتْ الصَّلَاة. انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وصَلاة الرَّكعَتيْنِ قبل الْجُمُعَةِ حسنة مَشْرُوعَة ولا يدَاوم عَلَيْهَا إلا لمصْلَحَةٍ. انْتَهَى.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَدِيثِ الْبَاب عَلَى تَرْك التَّحِيَّة بَعَدَ خُرُوج الْإِمَام فَقَالَ: وَفِيهِ حُجَّة بِتَرْكِ التَّحِيَّة كَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ) الحديث. وَقَوْلُهُ: «مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَتَمَسَّك الْمَانِع مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحَدِيثِ النَّهْي عَنْ الصَّلَاة وَقْت الزَّوَال، وَهُوَ مَعَ كَوْن عُمُومه مُخَصَّصًا بِيَوْمِ الْجُمُعَة لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ الصَّلَاة قَبْلَ الْجُمُعَة عَلَى
الْإِطْلَاق، وَغَايَة مَا فِيهِ الْمَنْع فِي وَقْت الزَّوَال وَهُوَ غَيْر مَحِلّ النِّزَاع. وَالْحَاصِل أَنَّ الصَّلَاة قَبْلَ الْجُمُعَة مُرَغَّبٌ فِيهَا عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَالدَّلِيل عَلَى مُدَّعِي الْكَرَاهَة عَلَى الْإِطْلَاق.

قَوْلُهُ: (فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ) فِيهِ أَنَّ الصَّلَاة قَبْلَ الْجُمُعَة لَا حَدّ لَهَا. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَ الْخُطْبَةِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَة وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة التَّخْفِيفِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ.

قَوْلُهُ: «فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» . فِيهِ أَنَّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حَالَ الْخُطْبَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَفْهُومُهُ يَمْنَعُ مِنْ تَجَاوُزِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ.

(1/429)


1593- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ: «أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ» ؟ قَالَ لَا، قَالَ: «فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ.

وَقَوْلُهُ: «قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ سُنَّةٌ لِلْجُمُعَةِ قَبْلهَا وَلَيْسَتَا تَحِيَّةً لِلْمَسْجِدِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مِثْل مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَ صَلَّى فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ فَلَا يُصَلِّيَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لَا يُجِيزُ التَّنَفُّلَ حَالَ الْخُطْبَةِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ: أَيْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ. وَفَائِدَةُ الِاسْتِفْهَامِ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرُبَ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «أَصَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ» بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ لِلْعَهْدِ، وَلَا عَهْدَ هُنَاكَ أَقْرَبَ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. انْتَهَى.

بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّجْمِيعِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ

1594- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

1595- وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْقَائِلَةِ فَنَقِيلُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

1596- وَعَنْهُ أيضًا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، يَعْنِي الْجُمُعَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا.

1597- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ. أَخْرَجَاهُ.

1598- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

(1/430)


1599- وَزَادَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ: فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

1600- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، يَعْنِي النَّوَاضِحَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيلَانَ السُّلَمِيُّ قَالَ: شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ: انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَة ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَاحْتَجَّ بِهِ وَقَالَ:

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ: أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَثَرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِيلانَ السُّلَمِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: لَا يُتَابَع عَلَى حَدِيثِهِ. وَحَكَى فِي الْمِيزَانِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَجْهُولٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ) فِيهِ إشْعَارٌ بِمُوَاظَبَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ.

قَوْلُهُ: (كُنَّا نُصَلِّي الْجُمُعَة مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْقَائِلَةِ فَنَقِيلُ) وَفِي لَفْظ لِلْبُخَارِيِّ: (كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ) . وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ) . وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ بَاكِرَ النَّهَارِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى التَّعَارُضِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّبْكِيرَ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَءُونَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْقَيْلُولَةِ، بِخِلَافِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْحَرِّ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِيلُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِمَشْرُوعِيَّة الْإِبْرَادِ. انْتَهَى.

(1/431)


قَوْلُهُ: (إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ) أَيْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، يَعْنِي الْجُمُعَةَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (يَعْنِي الْجُمُعَةَ) مِنْ كَلَامِ التَّابِعِيِّ أَوْ مَنْ دُونِهِ، أَخَذَهُ قَائِلُهُ مِمَّا فَهِمَهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ عِنْدَ أَنَسٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: «يَعْنِي الْجُمُعَةَ.

قَوْلُهُ: (كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ) . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ التَّبْكِيرِ وَقَصْرِ حِيطَانِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ. وَالْمُرَادُ نَفْيَ الظِّلِّ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ، لَا نَفْيَ أَصْلِ الظِّلِّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ) . فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الزَّوَالِ.

قَوْلُهُ: (مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ) قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، هَلْ هُوَ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ أَوْ وَقْتِ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ. وَحَكَوْا عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُسَمَّى غَدَاءً وَلَا قَائِلَةً بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ، وَكَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. وَلَوْ كَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا انْصَرَفَ مِنْهَا إلَّا وَقَدْ صَارَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ وَقَدْ خَرَجَ وَقْتَ الْغَدَاءِ وَالْقَائِلَةِ. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى جِمَالِهِمْ فَيُرِيحُونَهَا عِنْدَ الزَّوَالِ، وَلَا مُلْجِئَ إلَى التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَعَسِّفَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا الْجُمْهُورُ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى
الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَنْفِي الْجَوَازَ قَبْلَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْمُوفق فِي المغني: الْمُسْتَحَبُّ إِقَامَة الْجُمُعَة بَعْد الزَّوَالِ لأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ

(1/432)


الْفَيْءَ. مُتَّفَقٌ عليهِ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. أخرجه الْبُخَارِيُّ. وَلأنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنَ الْخِلاف فَإِنَّ عُلَمَاءَ الأمةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقت للجمعةِ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِيمَا قَبْلَهُ. وَلا فَرْق فِي اسْتِحْبَابِ إِقَامَتهَا عُقَيْب الزَّوَالِ بَيْنَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْجُمْعَة يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاس فَلَوْ انتَظَرُوا الإِبْرَاد شَقّ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعلهَا إِذَا زَالَتْ الشَّمْس فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عَلَى مِيقَاتٍ وَاحِدٍ. انْتَهَى.

بَابُ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إذَا رَقَى الْمِنْبَرَ
وَالتَّأْذِين إذَا جَلَسَ عَلَيْهِ وَاسْتِقْبَالِ الْمَأْمُومِينَ لَهُ

1601- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ.

1602- وَهُوَ لِلْأَثْرَمِ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً.

1603- وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1604- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ وَكَثُرُوا، أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْأَذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
1605- وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إذَا جَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَيُقِيمُ إذَا نَزَلَ.

1606- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلَهُ أَصْحَابُهُ بِوُجُوهِهِمْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة التَّسْلِيمِ مِنْ الْخَطِيبِ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَرْقَى الْمِنْبَرَ وَقَبْلَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ بَعْد فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ.

(1/433)


قَوْلُهُ: (زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) فِي رِوَايَةٍ: (فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ) وَفِي رِوَايَةٍ: (التَّأْذِينُ الثَّانِي أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ) وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ ثَالِثً بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَزِيدًا، وَأَوَّلًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ فِعْلِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْأَذَانِ الْحَقِيقِيّ لَا الْإِقَامَةَ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الزَّوْرَاءِ) . قَالَ الْبُخَارِيُّ: هِيَ مَوْضِعٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلَهُ أَصْحَابُهُ بِوُجُوهِهِمْ) . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة اسْتِقْبَالِ النَّاسِ لِلْخَطِيبِ حَالَ الْخُطْبَةِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ دُونَ مَنْ بَعْد فَلَمْ يَسْمَعْ، فَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ تَوَجُّهِهِ لِجِهَةِ الْخُطْبَةِ.

بَابُ اشْتِمَالِ الْخُطْبَةِ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى
وَالثَّنَاءِ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمَوْعِظَةِ وَالْقِرَاءَةِ

1607- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ.
1608- وَفِي رِوَايَةٍ: «الْخُطْبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: «تَشَهُّدٌ» بَدَل «شَهَادَةٌ» .

1609- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْن يَدَيْ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا» .

1610- وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَشَهُّدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ: وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.

1611- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

(1/434)


1612- وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إنَّمَا هِيَ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1613- وَعَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . قَالَ الشَّارِحُ: شَبَّهَ الْكَلَامَ الَّذِي لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِنْسَانٍ مَجْذُومٍ تَنْفِيرًا مَنْهُ وَإِرْشَادًا إلَى اسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ بِالْحَمْدِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ) أَيْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ... رَسُولُ اللَّهِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْحَمْدِ لِلَّهِ فِي الْخُطْبَةِ، لِأَنَّهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى دَاخِلَةٌ تَحْتِ عُمُومِ الْكَلَامِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ يَعْصِهِمَا) فِيهِ جَوَازُ التَّشْرِيكِ بَيْنَ ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بِلَفْظِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا. وَمَا ثَبَتَ أَيْضًا: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي يَوْمَ خَيْبَرَ: أنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. وَأَمَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: (أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ ... النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى» . فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَأْنُهَا الْبَسْطُ وَالْإِيضَاحُ وَاجْتِنَابُ الْإِشَارَاتِ وَالرُّمُوزِ. قَالَ: وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ، «أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» . لِأَنَّهُ لَيْسَ خُطْبَةُ وَعْظٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيمُ حُكْمٍ، فَكُلُّ مَا قَلَّ لَفْظُهُ كَانَ أَقْرَبُ إلَى حِفْظِهِ، بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حِفْظَهَا وَإِنَّمَا يُرَادُ الِاتِّعَاظُ بِهَا، وَلَكِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْجَمْعُ بَيْن الضَّمِيرَيْنِ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْخُطْبَةِ لَا فِي تَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ

(1/435)


الْعُلَمَاءِ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْخَطِيبِ تَشْرِيكَهُ فِي الضَّمِيرِ الْمُقْتَضِي لِلتَّسْوِيَةِ وَأَمَرَهُ بِالْعَطْفِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ» . وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ جَمْعِهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْن ضَمِيرِ اللَّهِ
وَضَمِيرِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِيبِ التَّشْرِيكَ لِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ اعْتِقَادَ التَّسْوِيَةِ فَنَبَّهَهُ عَلَى خِلَافِ مُعْتَقَدِهِ، وَأَمَرَهُ بِتَقْدِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اسْمِ رَسُولِهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ فَسَادَ مَا اعْتَقَدَهُ.

قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ) . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ أَنَّ الْقِيَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ مَشْرُوعٌ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ فِي الْخُطْبَةِ.

قَوْلُهَا: (مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ) . قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: (سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} . إِلِى أَنْ قَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يُلَازِمُ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي الْخُطْبَةِ، بَلْ كَانَ يَقْرَأُ مَرَّةً هَذِهِ السُّورَة وَمَرَّةً هَذِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ هَيْئَات الْخُطْبَتَيْنِ وَآدَابِهِمَا

1614- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1615- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا، فَمَنْ نَبَّأَكَ أنََّّهُ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ، فَقَدْ وَاَللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1616- وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ، فَقَامَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ، أَوْ قَالَ عَلَى عَصَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ

(1/436)


كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ لَنْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تُطِيقُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1617- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَالْمَئِنَّةُ: الْعَلَامَةُ وَالْمَظِنَّةُ.

1618- وَعَنْ جَابِرٍ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُد.

1619- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيَقْصُرُ الْخُطْبَةَ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

1620- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.

1621- وَعَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ إلَى جَنْبِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ، وَبِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَخْطُبُنَا، فَلَمَّا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَارَةُ: يَعْنِي قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ إذَا دَعَا يَقُولُ هَكَذَا، فَرَفَعَ السَّبَّابَةَ وَحْدَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَصَحَّحَهُ.

1622- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاهِرًا يَدَيْهِ قَطُّ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرٍ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ يَدْعُو إلَّا يَضَعُ يَدَهُ حَذْوَ مَنْكِبِهِ وَيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إشَارَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1623- وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ: لَكِنْ رَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَعَقَدَ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ) .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا) فِيهِ أَنَّ الْقِيَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ مَشْرُوعٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَار. قَالَ الشَّارِحُ: وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْوُجُوبِ.

(1/437)


قَوْلُهُ: (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ، أَوْ قَالَ عَلَى عَصَا) . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الِاعْتِمَادِ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا حَالَ الْخُطْبَةِ. قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِغَالَ عَنْ الْعَبَثِ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنَّمَا كَانَ إقْصَارُ الْخُطْبَةِ عَلَامَةً مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ، لِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى جَوَامِعِ الْأَلْفَاظِ، فَيَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِاللَّفْظِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ) . الْحَدِيثُ. قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُفَخِّمَ أَمْرَ الْخُطْبَةِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَيُجْزِلَ كَلَامَهُ وَيُظْهِرَ غَايَةَ الْغَضَبِ وَالْفَزَعِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اشْتِدَادِهَا

قَوْلُهُ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ إذَا دَعَا يَقُولُ هَكَذَا (رَفَعَ السَّبَّابَةَ وَحْدَهَا) . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ يَدُلَّانِ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ
مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فِي مَوَاطِنَ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. قَالَ: وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْ الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَظَاهِرُ حَدِيثَيْ الْبَابِ أَنَّهَا تَجُوزُ الْإِشَارَةُ بِالْأُصْبُعِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.

بَابُ الْمَنْعِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَالرُّخْصَةِ فِي تَكَلُّمِهِ
وَتَكْلِيمِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَفِي الْكَلَامِ قَبْلَ أَخْذِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ إتْمَامِهَا

1624- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

1625- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - فِي حَدِيثٍ لَهُ قَالَ: مَنْ دَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَلَغَا وَلَمْ يَسْتَمِعْ وَلَمْ يُنْصِتُ كَانَ عَلَيْهِ كِفْلٌ مِنْ الْوِزْرِ، وَمَنْ قَالَ:

(1/438)


صَهٍ، فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْت نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1626- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1627- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: جَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ وَتَلَا آيَةً، وَإِلَى جَنْبِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: يَا أُبَيّ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ أُبَيّ: مَا لَكَ مِنْ جُمُعَتِكَ إلَّا مَا لَغَيْتَ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «صَدَقَ أُبَيٌّ، فَإِذَا سَمِعْت إمَامَكَ يَتَكَلَّمُ فَأَنْصِتْ حَتَّى يَفْرُغَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1628- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُنَا، فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْمِنْبَرِ، فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْن يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، نَظَرْتُ إلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِر حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

1629- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ فَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ عُمَرُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ حَتَّى يَقْضِيَ الْخُطْبَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، فَإِذَا قَامَتْ الصَّلَاةُ وَنَزَلَ عُمَرُ تَكَلَّمُوا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.

وَسَنَذْكُرُ سُؤَالَ الْأَعْرَابِيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الِاسْتِسْقَاءَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ

(1/439)


لَغَوْتَ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِحَالِ الْخُطْبَةِ، وقَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ كُلِّ كَلَامٍ حَالَ الْخُطْبَةِ الْجُمْهُورُ. قَالُوا: وَإِذَا أَرَادَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَلْيَجْعَلْهُ بِالْإِشَارَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَة مَا إذَا انْتَهَى الْخَطِيبُ إلَى كَلَامٍ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ مِثْلِ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا، بَلْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ إذَا جَاوَزَ وَإِلَّا فَالدُّعَاءُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مَطْلُوبٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَمَحَلُّ التَّرْكِ إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ وَإِلَّا فَيُبَاحُ لِلْخَطِيبِ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ) . الحديث. قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْس بِالْكَلَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَطِيبِ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْرُم وَلَا يُكْرَهُ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَى أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ هِيَ مِنْ حِينِ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَرَّد لِلذِّكْرِ وَالتَّضَرُّع. قَالَ الشَّارِحُ: وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ إنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» . وَمِمَّا يُرَجِّحُ تَرْكَ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْإِنْصَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِلَفْظِ: فَيُنْصِت حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ. وَيُجْمَع بَيْن الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْجَائِزَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هُوَ كَلَامُ الْإِمَامِ لِحَاجَةٍ، أَوْ كَلَامُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ لِحَاجَةِ.

بَابُ مَا يُقْرَأُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صُبْحِ يَوْمِهَا

1630- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ إلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} . فَقُلْتُ لَهُ حِينَ انْصَرَفَ: إنَّك قَرَأْتَ سُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الْكُوفَةِ، قَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ.

1631- وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: وَسَأَلَهُ الضَّحَّاكُ بن قيس: مَا كَانَ

(1/440)


النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَثَرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
1632- وَعَنْ النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ: بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الصَّلَاتَيْنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

1633- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ: بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1634- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ {آلم تَنْزِيلُ} ، وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} . وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

1635- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {آلم تَنْزِيلُ} ، {وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُد.

1636- لَكِنَّهُ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَة فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ، أَوْ فِي الْأُولَى بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . أَوْ فِي الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
قَوْلُهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ {آلم تَنْزِيلُ} . وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا مَشْرُوعِيَّة قِرَاءَةِ تَنْزِيلِ السَّجْدَةِ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان} .

(1/441)


بَابُ انْفِضَاضِ الْعَدَدِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ الْخُطْبَةِ

1637- عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنْ الشَّامِ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1638- وَفِي رِوَايَةٍ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَة) . أَيْ نَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ عَدَدَ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْأَصِيلِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّهُمْ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، ثُمَّ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي آيَةِ النُّورِ التَّصْرِيحُ بِنُزُولِهَا فِي الصَّحَابَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُمْ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجُمُعَةِ وَفَهِمُوا مِنْهَا ذَمّ ذَلِكَ اجْتَنِبُوهُ، فَوُصِفُوا بَعَدَ ذَلِكَ بِمَا فِي آيَةِ النُّورِ.
بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
1639- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1640- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1641- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

(1/442)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: واقْتَصَارَه عَلَى رَكْعَتَيْنِ لَا يُنَافِي مَشْرُوعِيَّة الْأَرْبَعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتِ هَلْ تَكُونُ مُتَّصِلَةً بِتَسْلِيمٍ فِي آخِرِهَا، أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ. إِلِى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبَو عبد الله المازري وابن العربي: إنَّ أَمْرَهُ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ يُصَلِّي بَعَدَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعٍ لِئَلَّا يَخْطِرَ عَلَى بَالِ جَاهِلٍ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِتَكْمِلَةِ الْجُمُعَةِ، أَوْ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْبِدَعِ إلَى صَلَاتِهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا. انْتَهَى.

بَابُ مَا جَاءَ فِي اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَة

1642- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ: هَلْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا؟ قَالَ نَعَمْ، صَلَّى الْعِيدَ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1643- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1644- وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ
لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ، لَكِنْ مِنْ رِوَايَة عَطَاءٍ.

وَلِأَبِي دَاوُد أيْضًا عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ) .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ) إلَى آخره. فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ صَلَّى الْعِيدَ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَيَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُجُوبِ وَأَنَّ التَّرْخِيصَ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ تَرْكُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِلْجُمُعَةِ وَهُوَ

(1/443)


الْإِمَامُ إذْ ذَاكَ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَصَابَ السُّنَّةَ، وَعَدَمُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعَدَ أَنْ سَاقَ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ إنَّمَا وَجْه هَذَا أَنَّهُ رَأَى تَقْدِمَةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَقَدَّمَهَا وَاجْتَزَأَ بِهَا عَنْ الْعِيدِ.

قَالَ الشَّارِحُ: لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّعَسُّفِ. انْتَهَى. قال الموفق في المغني: وَإِنِ اتَّفَقَ عِيدٌ فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ سَقَطَ حُضُورِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ صَلَّى الْعِيدِ إِلا الإِمَامُ فَإِنَّهَا لا تَسْقُطُ عَنْهُ إِلا أَنْ لا يَجْتَمِعَ لَهُ مَنْ يُصَلِّي بِهِ الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الإِمَامِ رِوَايَتَانِ. وَمِمَّن قَالَ بِسُقُوطِهَا الشّعَبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالأّوْزَاعِيُّ. وَقِيلَ: هَذَا مَذْهَبُ عُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيٍّ وَسَعِيدٍ وَابْنِ عُمَر وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءُ: تَجِبُ الْجُمُعَة لِعُمُومِ الآيَةِ وَالأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا وَلأَنَّهُمَا صَلاتَانِ وَاجِبَتَانِ فَلَمْ تَسْقُطْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى كَالظًّهْرِ مَعَ الْعِيدِ وَلَنَا مَا رَوَى إِيَاسُ بْن أَبِي رملةٍ الشَّامِيُّ قَالَ: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ
يَسْأَلُ زَيْدَ بْن أَرْقَمٍ: هَلْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِيدِيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّي فَيْلُصَلِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاود وَالإِمَامُ أَحْمَدٍ وَلَفْظُهُ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فَلْيَجْمَعَ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجْمِعُونَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَة. وَعَن ابْنِ عُمَر وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ ذَلِكَ وَلأَنَّ الْجُمُعَةَ إِنَّمَا زَادَتْ عَنِ الظُّهْرِ بِالْخُطُبَةِ وَقَدْ حَصُلَ سَمَاعَهَا فِي الْعِيدِ فَأَجْزَأَهُ عَنْ سَمَاعِهَا ثانيًا. انْتَهَى.

(1/444)