بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْعِيدَيْنِ
بَابُ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ وَكَرَاهَةُ حَمْلِ السِّلَاحِ فِيهِ إلَّا لِحَاجَةٍ

1645- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفْدِ، فَقَالَ: «إنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1646- وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَلْبَسُ بُرُدَ حِبَرَةٍ فِي كُلِّ عِيدٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَاءَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي، قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الْحَرَمَ، وَلَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ:

1647- قَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاحَ يَوْمَ عِيدٍ إلَّا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (إنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ) . الْخَلَاقُ: النَّصِيبُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسُ الْحَرِيرِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ تَقْرِيرُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ عَلَى أَصْلِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ.

(1/445)


قَوْلُهُ: (نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاحَ يَوْمَ عِيدٍ إلَّا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا) . قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ.
بَابُ الْخُرُوجِ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَالتَّكْبِيرُ فِيهِ وَمَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ

1648- عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَأَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

1649- وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَفِي لَفْظٍ: الْمُصَلَّى، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَيْسَ لِلنَّسَائِيِّ فِيهِ أَمْرُ الْجِلْبَابِ.

1650-وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: وَالْحُيَّضُ يَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ.

1651- وَلِلْبُخَارِيِّ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ.

1652- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا إلَى الْمُصَلَّى كَبَّرَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ.

1653- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا) . فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْخُرُوجِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْمَشْيُ إلَيْهَا وَتَرْكُ الرُّكُوبِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَأْكُلَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بَعِيدِ الْفِطْرِ. وَأَمَّا عِيدُ النَّحْرِ فَيُؤَخَّرُ الْأَكْلُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ.

(1/446)


قَوْلُهُ: (الْعَوَاتِقُ) جَمْعُ عَاتِقٍ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ أَوَّلَ مَا تُدْرِكُ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَمْ تَبِنْ مِنْ وَالِدَيْهَا وَلَمْ تُزَوَّجْ بَعْدَ إدْرَاكِهَا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هِيَ الَّتِي قَارَبَتْ الْبُلُوغَ.

قَوْلُهُ: (وَذَوَاتُ الْخُدُورِ) جَمْعُ خِدْرٍ وَهُوَ نَاحِيَةٌ فِي الْبَيْتِ يُجْعَلُ عَلَيْهَا سُتْرَةً فَتَكُونُ فِيهِ الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ، وَهِيَ الْمُخَدَّرَةُ: أَيْ خُدِّرَتْ فِي الْخِدْرِ.

قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ) . الْجِلْبَابُ هُوَ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ. وَقِيلَ: الْمِلْحَفَةُ. وَقِيلَ الْمِقْنَعَةُ تُغَطِّي بِهَا الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَظَهْرَهَا. وَقِيلَ: هُوَ الْخِمَارُ وَالْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ قَاضِيَةٌ بِمَشْرُوعِيَّة خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً أَوْ كَانَ خُرُوجُهَا فِتْنَةً أَوْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ.

قَوْلُهُ: (إذَا غَدَا إلَى الْمُصَلَّى كَبَّرَ) . دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّة التَّكْبِيرِ حَالَ الْمَشْيِ إلَى الْمُصَلَّى. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَهُوَ مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِهِ لِلصَّلَاةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.

بَابُ اسْتِحْبَابِ الْأَكْلِ قَبْلَ الْخُرُوجِ فِي الْفِطْرِ دُونَ الْأَضْحَى

1654- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
1655- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ، وَزَادَ: فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ.

1656- وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ يَوْمَ الْفِطْرِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْمُهَلَّبُ: الْحِكْمَةُ فِي الْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَظُنُّ ظَانٍّ لُزُومَ الصَّوْمِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ سَدَّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا وَقَعَ وُجُوبُ الْفِطْرِ عَقِبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ اُسْتُحِبَّ

(1/447)


تَعْجِيلُ الْفِطْرِ مُبَادَرَةً إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ فِيهِ لِمَا فِي الْحُلْوِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَصَرِ الَّذِي يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ، وَلِأَنَّ الْحُلْوَ مِمَّا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيُعْبَرُ بِهِ الْمَنَامُ وَيَرِقُّ الْقَلْبُ وَهُوَ أَسَرُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى الْحُلْوِ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ.

وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهِنَّ وِتْرًا الْإِشَارَةُ إلَى الْوَحْدَانِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ) . فِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: (وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) . وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ بِلَفْظِ: «حَتَّى يُضَحِّيَ» وَقَدْ خَصَّصَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الْأَكْلِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى بِمَنْ لَهُ ذَبْحٌ. وَالْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ يَوْمَ الْأَضْحَى أَنَّهُ يَوْمٌ تُشْرَعُ فِيهِ
الْأُضْحِيَّةُ وَالْأَكْلُ مِنْهَا، فَشَرَعَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ.

بَابُ مُخَالَفَةِ الطَّرِيقِ فِي الْعِيدِ وَالتَّعْيِيد فِي الْجَامِعِ لِلْعُذْرِ

1657- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1658- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا خَرَجَ إلَى الْعِيدِ يَرْجِعُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

1659- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1660- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمْ ... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الذَّهَابِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَالرُّجُوعِ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ) . قَالَ الشَّارِحُ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْخُُروجِ إِلَى الْجَبَّانَةِ

(1/448)


وَفِعْلَ الصَّلاةِ عِنْدَ عُرُوضِ عُذْرِ الْمَطََرِ غَيْر مَكْرُوهٍ.
بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ

1661- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَأَنْكَرَ إبْطَاءَ الْإِمَامِ وَقَالَ: إنَّا كُنَّا قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1662- وَلِلشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ بِنَجْرَانَ: أَنْ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ وَذَكِّرْ النَّاسَ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة التَّعْجِيلِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهَا تَأْخِيرًا زَائِدًا عَلَى الْمِيعَادِ. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة تَعْجِيلِ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرِ الْفِطْرِ.

وَأَحْسَنُ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْيِينِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَدِيثُ جُنْدُبٍ عِنْدَ أَحْمَد بْنِ حَسَنٍ الْبَنَّاءِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالشَّمْسُ عَلَى قَيْدِ رُمْحَيْنِ وَالْأَضْحَى عَلَى قِيدِ رُمْحٍ.

بَابُ صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَمَا يُقْرَأُ فِيهَا

1663- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

1664- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

1665- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى. مُتَّفَق عَلَيْهِ.

1666- وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرٌ أَنْ لَا أَذَانَ لِصَلَاةٍ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ، وَلَا نِدَاءَ، وَلَا شَيْءَ، لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إقَامَةَ.

(1/449)


1667- وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ: بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1668- وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مِثْلُهُ.

1669- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ النُّعْمَانِ لِغَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ.

1670- وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ وَسَأَلَهُ عُمَرُ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، {وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ} . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى) . وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ: بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . قَالَ الشَّارِحُ: وَأَكْثَرُ أَحَادِيث الْبَاب تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَالْغَاشِيَةِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِـ {ق} وَ {اقْتَرَبَتْ} . وَاسْتَحَبَّ ابْنُ مَسْعُودٍ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ فِي يَوْمِ عِيدٍ بِالْبَقَرَةِ حَتَّى رَأَيْت الشَّيْخَ يَمِيدُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: كَانَ فِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِـ {ق} وَ {اقْتَرَبَتْ} ، وَفِي وَقْتٍ بِـ {سَبِّحْ} وَ {هَلْ أَتَاكَ} .
بَابُ عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَمَحَلِّهَا

1671- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: فِي الْأُولَى سَبْعًا، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ

(1/450)


قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: أَنَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا.

1672- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْر سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.

1673- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ: فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِرَاءَةَ.

1674- لَكِنَّهُ رَوَاهُ وَفِيهِ الْقِرَاءَةُ كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ الْمُؤَذِّنِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي مَوْضِعِ التَّكْبِيرِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ السَّبْعَ فِي الْأُولَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنْ السَّبْعِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. إِلِى أَنْ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ طَرِقِ حَسَّانَ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ خِلَافُ هَذَا،
وَهُوَ أَوْلَى مَا عُمِلَ بِهِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ (سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد (سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ) ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ السَّبْعَ لَا تُعَدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ، وَالْخَمْسَ لَا تُعَدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَأَرْجَحُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَوَّلُهَا فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ وَفِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ الْمَشْرُوعُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ الْفَصْلُ بَيْنَهَا بِشَيْءٍ مِنْ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُوَالِي بَيْنَهَا كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهَا ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ التَّكْبِيرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ

(1/451)


يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ، يُهَلِّلُ وَيُمَجِّدُ وَيُكَبِّرُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ لَا صَلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ وَلَا بَعْدَهَا

1675- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1676- وَزَادُوا إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ: ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَبِلَالٌ مَعَهُ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تَصَدَّقَ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا.

1677- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1678- وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ.

1679- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) . فِيهِ وَفِي بَقِيَّةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءَنَا يَذْكُرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا.

وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: الْكُوفِيُّونَ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، وَالْبَصْرِيُّونَ يُصَلُّونَ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا، وَالْمَدَنِيُّونَ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنُ سَرِيعٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَسَأَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَكَبَّرَ سَبْعًا وَخَمْسًا ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ نَزَلَ فَرَكِبَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يُصَلُّونَ، قَالَ: فَمَا عَسَيْتُ أَنْ أَصْنَعَ سَأَلْتُمُونِي عَنْ السُّنَّةِ، إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، أَتَرَوْنَنِي أَمْنَعُ قَوْمًا يُصَلُّونَ فَأَكُون بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَنَعَ عَبْدًا إذَا صَلَّى؟ .

(1/452)


بَابُ خُطْبَةِ الْعِيدِ وَأَحْكَامِهَا

1680- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1681- وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمَ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ فِيهِ، وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1682- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهَ، وَحَثَّ عَلَى الطَّاعَةِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

1683- وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ.

1684- وَعَنْ سَعْدٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ بَيْنَ أَضْعَافِ الْخُطْبَةِ، يُكْثِرُ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

1685- وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ فِي الْعِيدَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

1686- وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (إلَى الْمُصَلَّى) هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ

(1/453)


مَعْرُوفٌ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَابِ الْمَسْجِدِ أَلْفِ ذِرَاع.
قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُصَلَّى فِي زَمَانِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْبَرٌ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهَ، وَحَثَّ عَلَى الطَّاعَةِ) . الْحَدِيثُ قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ، وَاسْتِحْبَابُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَذْكِيرِهِنَّ وَحَثِّهِنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَخَوْفُ فِتْنَةٍ عَلَى الْوَاعِظِ أَوْ الْمَوْعُوظِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ) . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا النُّزُولُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إنَّمَا نَزَلَ إلَيْهِنَّ بَعْدَ خُطْبَةِ الْعِيدِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ وَعْظِ الرِّجَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَوْلُهُ: (نَزَلَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ عَلَى شَيْءٍ عَالٍ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (إنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ) . الْحَدِيثُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ أَنَّ الْجُلُوسَ لِسَمَاعِ خُطْبَةِ الْعِيدِ غَيْرُ وَاجِبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْخُطْبَةَ سُنَّةٌ، إذْ لَوْ وَجَبَتْ وَجَبَ الْجُلُوسُ لَهَا.

بَابُ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ

1687- عَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءَ يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1688- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1689- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِمِنًى، فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا،
فَطَفِقَ يُعَلِّمَهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: «بِحَصَى الْخَذْفِ» . ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدَ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ

(1/454)


فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْد ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.

1690- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا» ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا» ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا» ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ الْبَلْدَةُ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْخُطْبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ.

قَوْلُهُ: (أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا) . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الثَّلَاثَةِ وَسُكُوتِهِ بَعْدَ كُلِّ سُؤَالٍ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِاسْتِحْضَارِ فُهُومِهِمْ، وَلْيُقْبِلُوا عَلَيْهِ بِكُلِّيَّتِهِمْ وَيَسْتَشْعِرُوا عَظَمَةَ مَا يُخْبِرُهُمْ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ هَذَا: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ» إلَى آخِرِهِ. مُبَالَغَةٌ فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
قَوْلُهُ: «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» . قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ مَا لَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ رُبَّ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّقْلِيلِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَفِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَتَأْكِيدُ تَحْرِيمِ تِلْكَ الْأُمُورِ وَتَغْلِيظِهَا بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ.

(1/455)


بَابُ حُكْمِ الْهِلَالِ العِيد إذَا غُمَّ ثُمَّ عُلِمَ بِهِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ

1691- عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ - رضي الله عنه - قَالُوا غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا لَعِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

1692- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

1693- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا.

1694- وَهُوَ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ «إلَّا فَصْلَ الصَّوْمِ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْعِيدُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ صَلَاتِهِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: (الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَى هَذَا: أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعَظِيمِ النَّاسِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعٌ عَنْ النَّاسِ
فِيمَا كَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادَ فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اسْتَوْفُوا الْعَدَدَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ صَوْمَهُمْ وَفِطْرَهُمْ مَاضٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْرٍ أَوْ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ إذَا أَخْطَأُوا يَوْمَ عَرَفَةَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ.

بَابُ الْحَثِّ عَلَى الذِّكْرِ وَالطَّاعَةِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ

1695- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.

(1/456)


1696- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1697- وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} أَيْام الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيْ التَّشْرِيقِ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ فِيهِ تَفْضِيلُ أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ السَّنَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ إجْمَاعُ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهَا: الْحَجُّ، وَالصَّدَقَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّلَاةُ.

قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} أَيْام الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيْ التَّشْرِيقِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ يَوْمَانِ.

(1/457)