بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ.
بَابُ مَنْ يَلِيهِ وَرِفْقِهِ بِهِ وَسَتْرِهِ عَلَيْهِ
1780- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ وَلَمْ يُفْشِ
عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ
كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَقَالَ: لِيَلِهِ أَقْرَبُكُمْ إنْ كَانَ
يَعْلَمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، فَمَنْ تَرَوْنَ عِنْدَهُ حَظًّا
مِنْ وَرَعٍ وَأَمَانَةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1781- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمَيِّتِ مِثْلُ كَسْرِ عَظْمِهِ حَيًّا» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1782- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
1783- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَبَضَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ
وَحَفَرُوا لَهُ وَأَلْحَدُوا وَصَلُّوا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ
فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ، ثُمَّ خَرَجُوا
مِنْ الْقَبْرِ، ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ، ثُمَّ قَالُوا: (يَا
بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ) . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
فِي الْمُسْنَدِ) .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ أَنَّ الْأَحَقَّ
بِغَسْلِ الْمَيِّتِ مَنَ النَّاسِ الْأَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ بِشَرْطِ
أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى وُجُوبِ الرِّفْقِ بِالْمَيِّتِ فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ
وَحَمْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالتَّرْغِيب فِي سَتْرِ عَوْرَاتِ
الْمُسْلِمِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(1/483)
بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْلِ أَحَدِ
الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ
1784- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَجَعَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مِنْ جِنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي
رَأْسِي وَأَقُولُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ، مَا
ضَرَّكِ
لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ
وَدَفَنْتُكِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1785- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ
الْأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إلَّا نِسَاؤُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّدِّيقَ أَوْصَى أَسْمَاءَ زَوْجَتَهُ أَنْ
تُغَسِّلَهُ فَغَسَّلَتْهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَغَسَّلْتُك)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يُغَسِّلُهَا زَوْجُهَا إذَا
مَاتَتْ وَهِيَ تُغَسِّلُهُ قِيَاسًا، وَبِغُسْلِ أَسْمَاءَ لِأَبِي
بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ
إنْكَارٌ عَلَى عَلِيٍّ وَأَسْمَاءَ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَهُوَ مَذْهَبُ
الْجُمْهُورِ.
بَابُ تَرْكِ غَسْلِ الشَّهِيدِ وَمَا جَاءَ فِيهِ إذَا كَانَ جُنُبًا
1786- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ
الْوَاحِدِ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟
فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَأَمَرَ
بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ
عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1787- وَلِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فِي
قَتْلَى أُحُدٍ لَا تُغَسِّلُوهُمْ، فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ
يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) .
1788- وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي بِإِسْنَادٍ عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ
الْمَلَائِكَةُ - يَعْنِي حَنْظَلَةَ - فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ»
؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ
الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِذَلِكَ
غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» .
(1/484)
1789- وَعَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ رَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَغَرْنَا عَلَى
حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ» . فَطَلَب رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا
مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ»
. فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ، فَلَفَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ، وَصَلَّى
عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشَهِيدٌ هُوَ؟
قَالَ: «نَعَمْ وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (يَجْمَعُ بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ) إلَى آخِرِهِ. فِيهِ جَوَازُ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ فِي
كَفَنٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ
تَقْدِيمِ مَنْ كَانَ أَكْثَرُ قُرْآنًا، وَمِثْلُهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ
الْفَضَائِلِ قِيَاسًا.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُغَسَّلُوا) . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ
لَا يُغَسَّلُ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا
سَائِرُ مَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّهِيدِ كَالطَّعِينِ
وَالْمَبْطُونِ وَالنُّفَسَاءِ وَنَحْوِهِمْ فَيُغَسَّلُونَ إجْمَاعًا.
وَقَال: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ حنظلة مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُغَسَّلُ
الشَّهِيدُ إذَا كَانَ جُنُبًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يُغَسَّلُ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابِهِ
وَدِمَائِهِ) قَالَ الشَّارِحُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ وَلَا
أَمَرَ بِغُسْلِهِ، فَيَكُونَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ
الشَّهِيدَ لَا يُغَسَّلُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ
نَفْسَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ خَطَأً حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ
فِي تَرْكِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (وَصَلَّى عَلَيْهِ) فِيهِ إثْبَاتُ الصَّلَاةِ عَلَى
الشَّهِيدِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
بَابُ صِفَةِ الْغُسْلِ
1790- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا
ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ
وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ
كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ،
فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ، فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ» . يَعْنِي
إزَارَهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
(1/485)
1791- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: «ابْدَأْنَ
بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» .
1792- وَفِي لَفْظٍ: «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ
سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ» . وَفِيهِ قَالَتْ:
فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ فَالْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
لَكِنْ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ: فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا.
1793- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا
نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ، أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ
ثِيَابُهُ؛ قَالَتْ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
السِّنَةَ، حَتَّى وَاَللَّهِ مَا مِنْ الْقَوْمِ مِنْ رَجُلٍ إلَّا
ذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ نَائِمًا، قَالَتْ: ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ
مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ فَقَالَ: اغْسِلُوا
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، قَالَتْ:
فَبادرُوا إلَيْهِ فَغَسَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَهُوَ فِي قَمِيصِهِ يُفَاضُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ وَيَدْلُكُ
الرِّجَالُ بِالْقَمِيصِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ» . ... قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْوِيضِ إلَى اجْتِهَادِ
الْغَاسِلِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لَا التَّشَهِّي. قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّمَا فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِنَّ بِالشَّرْطِ
الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْإِيتَارُ.
قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) . قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ:
ظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ
الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا) أَوْ (شَيْئًا مِنْ
كَافُورٍ) هُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. وَقَدْ جَزَمَ الْبُخَارِيُّ فِي
رِوَايَةٍ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْعَلُ
الْكَافُورُ فِي الْمَاءِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ النَّخَعِيّ
وَالْكُوفِيُّونَ: إنَّمَا يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي الْحَنُوطِ،
وَالْحِكْمَةُ فِي الْكَافُورِ، كَوْنُهُ طَيِّبَ الرَّائِحَةِ وَذَلِكَ
وَقْتٌ تَحْضُرُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ، وَفِيهِ أَيْضًا تَبْرِيدٌ
وَقُوَّةُ نُفُوذٍ، وَخَاصَّةً فِي تَصَلُّبِ بَدَنِ الْمَيِّتِ وَطَرْدِ
الْهَوَامِّ عَنْهُ وَرَدْعِ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْفَضَلَاتِ، وَمَنْعِ
إسْرَاعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، وَإِذَا عُدِمَ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ
مِمَّا فِيهِ هَذِهِ الْخَوَاصُّ أَوْ بَعْضُهَا.
(1/486)
قَوْلُهُ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا
وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» . لَيْسَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَنَافٍ
لِإِمْكَانِ الْبُدَاءَةِ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَبِالْمَيَامِنِ مَعًا.
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: قَوْلُهُ «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» .
أَيْ فِي الْغَسَلَاتِ الَّتِي لَا وُضُوءَ فِيهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ
مِنْهَا: أَيْ فِي الْغَسْلَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْوُضُوءِ. وَفِي هَذَا
رَدٌّ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِاسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِالْمَيَامِنِ،
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي
غَسْلِ الْمَيِّتِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ ضَفْرِ
شَعْرِ الْمَرْأَةِ وَجَعْلِهِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَهِيَ نَاصِيَتُهَا
وَقَرْنَاهَا: أَيْ جَانِبَا رَأْسِهَا، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ جَعْلِ
ضَفَائِرِ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا.
(1/487)
|