بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْجَنَائِزِ
بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ
1763- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ،
وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ
الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1764- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي
مُخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَالتِّرْمِذِيُّ.
1765- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «إذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ مَشَى فِي خُرْفَةِ
الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ،
فَإِنْ كَانَ غَدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى
يُمْسِيَ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ
حَتَّى يُصْبِحَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ
وَأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ.
1766- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا
يَعُودُ مَرِيضًا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1767- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
«حَقُّ الْمُسْلِمِ» أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي
(1/478)
تَرْكُهُ وَيَكُونُ فِعْلُهُ إمَّا
وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا نَدْبًا مُؤَكَّدًا شَبِيهًا بِالْوَاجِبِ
الَّذِي لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمُرَادُ
بِالْحَقِّ هُنَا الْحُرْمَةُ وَالصُّحْبَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: (وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ) . فِيهِ دَلَالَةٌ
عَلَى مَشْرُوعِيَّة عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ
بِالْإِجْمَاعِ. وَجَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِوُجُوبِهَا فَقَالَ: بَابُ
وَجُوَبِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالنَّدْبِ، وَقَدْ
تَصِلُ إلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ
فِي مُخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» . قَالَ الشَّارِحُ: مَخْرَفَة
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى زِنَةِ مَرْحَلَةٍ وَهِيَ الْبُسْتَانُ،
وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّرِيقِ اللَّاحِبِ: أَيْ الْوَاضِحِ. وَلَفْظُ
التِّرْمِذِيِّ: «لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ» . وَيُسْتَحَبُّ
الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ
فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك، إلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ
الْمَرَضِ» .
بَابُ مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَتَلْقَيْنِ الْمُحْتَضَرِ وَتَوْجِيهِهِ وَتَغْمِيضِ الْمَيِّتِ
وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ
1768- عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَقُولُ: «مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ
الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1769- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1770- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «هِيَ
سَبْعٌ» . فَذَكَرَ مِنْهَا: وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ
قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا «. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1771- وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «إذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ،
فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّهُ
يُؤَمَّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ
مَاجَهْ.
(1/479)
1772- وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَءُوا يس عَلَى
مَوْتَاكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1773- وَأَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: «يس قَلْبُ الْقُرْآنِ لَا يَقْرَؤُهَا
رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ إلَّا غُفِرَ لَهُ
وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ» .
قَوْلُهُ: «مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ
الْجَنَّةَ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى نَجَاةِ مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ
النَّارِ، وَاسْتِحْقَاقُهُ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَأَجْمَعُ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا التَّلْقِينِ
وَكَرِهُوا الْإِكْثَارَ عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاةَ لِئَلَّا يَضْجَرَهُ
لِضِيقِ حَالِهِ وَشِدَّةِ كَرْبِهِ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ أَوْ
يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَا يَلِيقُ، قَالُوا: وَإِذَا قَالَهُ مَرَّةً لَا
يُكَرَّرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ بِكَلَامٍ آخَرَ
فَيُعَادُ التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ لِيَكُونَ آخِرُ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: «وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتًا» . قَالَ الشَّارِحُ: استدل بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة
تَوْجِيه الْمُحْتضِر إلَى الْقِبْلَةِ. وَالْأَوْلَى الاستدلال بِمَا
رَواهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ البراء بن
معرور أَوْصَى أن يوجه للقبلة إذا اختضر، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أصاب الفِطرة» .
قَوْلُهُ: «إذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ» .
الْحَدِيث. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ أَنَّ تَغْمِيضَ الْمَيِّتِ عِنْدَ
مَوْتِهِ مَشْرُوعٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
ذَلِكَ. قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ لَا يُقَبَّحَ مَنْظَرُهُ.
قَوْلُهُ: «اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ» . قَالَ الشَّارِحُ: قَالَ
أَحْمدٌ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ قَالَ: كَانَتْ المَشْيَخةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ يَعْنِي
يَس لِمَيْتٍ خُفِفَ عَنْهُ بِهَا. وأّسندَ صاحِبُ الفردوس من طريق مروان
بن سالم
عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مَيْت يَمُوت فَيُقْرَأ
عِنْدَهُ يس إلا هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ» .
(1/480)
بَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَى تَجْهِيزِ
الْمَيِّتِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ
1774- عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ: أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ
مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَالَ:
«إنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي
بِهِ وَعَجِّلُوا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ
تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَهْلِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1775- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ
حَسَنٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّة التَّعْجِيلِ بِالْمَيِّتِ وَالْإِسْرَاعِ فِي تَجْهِيزِهِ.
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ
بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ الْحَثُّ
لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ
عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ» .
بَابُ تَسْجِيَةِ الْمَيِّتِ وَالرُّخْصَةِ فِي تَقْبِيلِهِ
1776- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ
تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1777- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ فَبَصُرَ بِرَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِهِ فَكَشَفَ عَنْ
وَجْهِهِ وَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
1778- وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَوْتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1779- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ
(1/481)
وَهُوَ مَيِّتٌ، حَتَّى رَأَيْتُ
الدُّمُوعَ تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ
تَسْجِيَةِ الْمَيِّتِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
وَحِكْمَتُهُ صِيَانَتُهُ مِنْ الِانْكِشَافِ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ
الْمُتَغَيِّرَةِ عَنْ الْأَعْيُنِ. قَالَ: وَتَكُونُ التَّسْجِيَةُ بَعْدَ
نَزْعِ ثِيَابِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بَدَنُهُ
بِسَبَبِهَا.
قَوْلُهُ: (فَقَبَّلَهُ) فِيهِ جَوَازُ تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ.
(1/482)
|