بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الصِّيَامِ
بَابُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مِنْ الشُّهُودِ
2094- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ
وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ
وَهُوَ ثِقَةٌ.
2095- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ
الْهِلَالَ: يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ
فَلْيَصُومُوا غَدًا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ.
2096- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: فَأَمَرَ
بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ أَنْ يَقُومُوا وَأَنْ يَصُومُوا.
2097- وَعَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ
يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاَللَّهِ لَأَهَلَّ الْهِلَالُ أَمْسِ
عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ أَنْ
يُفْطِرُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
2098- وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ.
2099- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ
خَطَبَ فِي الْيَوْمِ
(1/575)
الَّذِي شُكَّ فِيهِ فَقَالَ: أَلَا إنِّي
جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَسَأَلْتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ،
وَانْسُكُوا
لَهَا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِنْ
شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمَانِ.
2100- وَعَنْ أَمِيرِ مَكَّةَ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: عَهِدَ
إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَنْسُكَ
لِلرُّؤْيَةِ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا
بِشَهَادَتِهِمَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا
إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ) إلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ
يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي دُخُولِ
رَمَضَانَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ:
وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ. وَقَالَ مَالِكٌ
وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ
قَوْلَيْهِ وَالْهَادَوِيَّةُ: إنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْوَاحِدُ بَلْ
يُعْتَبَرُ اثْنَانِ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَبِحَدِيثِ أَمِيرِ مَكَّةَ. وَتَأْوَلُوا
الْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَهِدَ
عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُهُمَا. وَأَجَابَ
الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالِاثْنَيْنِ غَايَةُ مَا فِيهِ
الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الْوَاحِدِ بِالْمَفْهُومِ. وَحَدِيثَا الْبَابِ
يَدُلَّانِ عَلَى قَبُولِهِ بِالْمَنْطُوقِ، وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ
أَرْجَحُ. وَأُمَّا التَّأْوِيلُ بِالِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ فَتَعَسُّفٌ
وَتَجْوِيزٌ لَوْ صَحَّ اعْتِبَارُ مِثْلِهِ لَكَانَ مُفْضِيًا إلَى طَرْحِ
أَكْثَرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ عَدْلٍ
وَاحِدٍ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا
ثَوْرٍ فَجَوَّزَهُ بِعَدْلٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالشَّكِّ
2101- عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا
فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . أَخْرَجَاهُ هُمَا
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
2102- وَفِي لَفْظٍ «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا
تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا
الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(1/576)
2103- وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ ذَكَرَ
رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا
وَهَكَذَا» ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ: «صُومُوا
لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ
فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2104- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ
وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى
تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأَحْمَدُ. وَزَادَ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا مَضَى
مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ
رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحِلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ
وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ
أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا.
2105- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ
غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
2106- وَمُسْلِمٌ وَقَالَ: «فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا
ثَلَاثِينَ» .
2107- وَفِي لَفْظٍ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ
فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2108- وَفِي لَفْظٍ «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ
يَوْمًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
2109- وَفِي لَفْظٍ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ،
فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2110- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا
تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ وَصَحَّحَهُ.
2111- وَفِيهِ لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ
شَعْبَانَ» . رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْهُ.
2112- وَفِي لَفْظِ: «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلَا
يَوْمَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ، وَلَا
تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ حَالَ
دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(1/577)
2113- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ
شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُهُ مِنْ غَيْرِهِ، يَصُومُ لِرُؤْيَةِ
رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ.
2114- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ
تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ
تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
2115- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي
يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه
وسلم -. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إذَا
رَأَيْتُمُوهُ - أَيْ الْهِلَالَ - فَصُومُوا» . وَظَاهِرُهُ إيجَابِ
الصَّوْمِ حِينَ الرُّؤْيَةِ مَتَى وُجِدَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا
لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبِلِ وَهُوَ
ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ ابْتِدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ
الْهِلَالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ الْغَمِّ وَغَيْرُهَا.
قَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ» أَيْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ سَحَابٌ أَوْ
نَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: «فَاقْدُرُوا لَهُ» قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: قَدَرْتُ
الشَّيْءَ أَقْدِرُهُ، وَأَقْدُرُهُ وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ كُلُّهَا
بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهِيَ مِنْ التَّقْدِيرِ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: فَاقْدُرُوا لَهُ تَمَامَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا
لَا كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» إلَى آخِرِهِ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: حَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْهِلَالِ، لِأَنَّ
الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ إِمَّا ثَلَاثِينَ، وَقَدْ يَكُونُ نَاقِصًا
تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَقَدْ لَا يُرَى الْهِلَالُ فَيَجِبُ إكْمَالُ
الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ، قَالُوا: وَقَدْ يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي
شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ، وَلا يُقِيمُ أَكْثَرَ مِنْ
أَرْبَعَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ
صَائِمًا) قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ
يَقُولُ بِصَوْمِ الشَّكِّ. قال: والحَاصِل أَنَّ
(1/578)
الصَّحابةَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ،
وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِِحُجَّة على أَحَد والْحُجَّةُ مَا جَاءَنَا
عَنْ الشَّارِع وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْمَنْعِ
مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْهِلَالِ
إذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ هَلْ يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ
2116- عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ
بِالشَّامِ فَقَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا
وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ
فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ
فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ
الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ
النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ
لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ
نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟
فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَاسْتُهِلَّ
عَلَيَّ رَمَضَانَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ اسْتَهَلَّ، قَالَهُ
النَّوَوِيُّ. وَقَدْ تَمَسَّك بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ هَذَا مَنْ قَالَ:
إنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ رُؤْيَةُ أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِهَا.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ
يُعْتَبَرُ لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ
رُؤْيَةُ غَيْرِهِمْ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ
وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ، وَحَكَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ. وَثَانِيهَا:
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ رُؤْيَةُ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ
يَثْبُتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيَلْزَمُ كُلُّهُمْ،
قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا إنْ تَقَارَبَتْ
الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ؛ لَا
يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. إِلِى أَنْ
قَالَ: سَادِسُهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَتَانِ
ارْتِفَاعًا وَانْحِدَارًا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ
الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزَمَ وَإِلا فَلا، وَهُوَ
الأَصَحُّ للشّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدُ.
(1/579)
بَابُ وُجُوبِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ
فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ
2117- عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجْمَعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ
فَلَا صِيَامَ لَهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
2118- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ» ؟
فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: «فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» . ثُمَّ أَتَانَا
يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ،
فَقَالَ: «أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
2119- وَزَادَ النَّسَائِيّ: ثُمَّ قَالَ: «إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ
الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ،
فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» .
2120- وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إنَّمَا مَنْزِلَةُ
مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ
رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ
فَأَمْضَاهُ، وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْسَكَهُ» .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا، قَالَ:
فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ - رضي الله عنه -.
قَوْلُهُ: «مَنْ لَمْ يَجْمَعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ
لَهُ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى وُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ وَإِيقَاعِهَا فِي جُزْءٍ مِنْ
أَجْزَاءِ اللَّيْلِ.
قَالَ: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا
يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَطَوِّعِ بِالصَّوْمِ أَنْ
يُفْطِرَ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ
أَفْضَلَ بِالْإِجْمَاعِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي
التَّطَوُّعِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا
فَقَدْ نَوَى، وَالصَّائِمُ لَمَّا يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ
الصِّيَامَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْن عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ
وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَان. انْتَهَى.
(1/580)
بَابُ الصَّبِيِّ يَصُومُ إذَا أَطَاقَ
وَحُكْمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ أَوْ
الْيَوْمِ
2121- عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى
الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا
فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ
بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُهُ
صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ وَنَذْهَبُ إلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ
لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ مِنْ
الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ.
أَخْرَجَاهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عُمَرُ لِنَشْوَانَ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ
وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ وَضَرَبَهُ.
2122- وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا وَفْدُنَا الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِإِسْلَامِ ثَقِيفٍ، وقَالَ: وَقَدِمُوا عَلَيْهِ فِي
رَمَضَانَ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا
أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّهْرِ} . رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ.
2123- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةُ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ
أَسْلَمَ أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
«صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا» ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَأَتِمُّوا
بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ
عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ،
وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَمْرُ الصِّبْيَانِ بِالصَّوْمِ
لِلتَّمْرِينِ عَلَيْهِ إذَا أَطَاقُوهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْغُلَامِ إذَا عَقَلَ، وَالصَّوْمُ إذَا
أَطَاقَ، وَالْحُدُودُ وَالشَّهَادَةُ إذَا احْتَلَمَ. قَالَ: وَحَدِيث
إِسْلام ثَقِيفٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي
رَمَضَانَ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ
عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ
تَكَلَّفَ أَوْ أَفَاقَ مِنْ الْجُنُونِ أَوْ زَالَ عَنْهُ عُذْرُهُ
الْمَانِعُ مِنْ
(1/581)
الصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا
بِالصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا حُجَّةٌ فِي أَنَّ
صَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ وَاجِبًا، وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَوْ
بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ نَوْمِهِ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ
وَقَضَاؤُهُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى سُقُوطِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ
لِأَنَّ صَوْمَهُ إنَّمَا لَزِمَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ.
(1/582)
|