بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ

2124- عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

2125، 2126- وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مِثْلُهُ.

2127- وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.

2128- وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُهُ.

2130- وَعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» .

2131 - وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَحْتَجِمُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
وَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يُفْطِرُ جَاهِلًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِخِلَافِ النَّاسِي. قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ،

(1/583)


وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ.

2132- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

2133- وَفِي لَفْظٍ: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2134- وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

2135- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ وَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

2136- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَفْطَرَ هَذَانِ» . ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ. وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً.

قَوْلُهُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِفِطْرِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ. قَالَ: وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْسِدُ ... الصَّوْمَ. وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: مَعْنَى «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» أَيْ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ، أَمَّا الْحَاجِمُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ إلَى جَوْفِهِ عِنْدَ الْمَصِّ، وَمَا الْمَحْجُومُ فَأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ ضَعْفِ قُوَّتِهِ بِخُرُوجِ الدَّمِ، فَيَئُولُ أَمْرُهُ إلَى أَنْ يُفْطِرَ. قَالَ الشَّارِحُ: فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِفْطَارِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لَا يَضْعَفُ بِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ. انْتَهَى.
قَالَ فِي

(1/584)


الاخْتِيَارَات: وَيفطرُ بِإِخْرَاجِ الدَّمّ بِالحِجَامَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدُ، بِالْفَصْدِ وَالتَّشْرِيطِ، وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا، وَبِإِرْعَافِ نَفْسَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيُّ، وَيفطر الحَاجِم إِنْ مَصَّ القَارُورَة. انتهى. والله أعلم.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَيْءِ وَالِاكْتِحَالِ

2137- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

2138- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عَنْ النَّوْمِ، وَقَالَ: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ قَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هُوَ صَدُوقٌ.

قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: «مَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا» أَيْ اسْتَدْعَى الْقَيْءَ وَطَلَبَ خُرُوجَهُ تَعَمُّدًا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَهُ وَلَمْ يَغْلِبْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الْقَيْءِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ.

قَوْلُهُ: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَا: إنَّ الْكُحْلَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَخَالَفَهُمْ الْعِتْرَةُ وَالْفُقَهَاءُ وَغَيْرِهم فَقَالُوا: إنَّ الْكُحْلَ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكُحْلَ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اكْتَحَلَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَفِي إسْنَادِهِ بَقِيَّةُ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ،
وَلَيْسَ فِي الْبَابِ مَا يَصْلُحُ لِلنَّقْلِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ شَدَّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ عَضُدِهَا، وَهِيَ عَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَّةِ حَدِيثِ الْفِطْرِ مِمَّا دَخَلَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ يَكُونُ اكْتِحَالُ النَّبِيِّ مُخَصِّصًا لِلْكُحْلِ، وَكَذَلِكَ عَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَّةِ حَدِيثِ الْبَابِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ؛ لِأَنَّ الْمُرَوِّحَ

(1/585)


هُوَ الْمُطَيِّبُ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا طِيبَ فِيهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَلا يفطر الصَّائِم بالاكْتِحَالِ وَالْحُقْنَة وَمَا يقطر فِي إِحْلِيلِهِ وَمداواة المأمومة والجائِفَة، وهُوَ قَوْلُ أهْل العلم.

بَابُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا

2139- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

2140- وَفِي لَفْظٍ «إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا، أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

2141- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَا يُفْسَدُ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ.

بَابُ التَّحَفُّظِ مِنْ الْغِيبَةِ وَاللَّغْوِ وَمَا يَقُولُ إذَا شُتِمَ

2142- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ
صَائِمٌ؛ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2143- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْكَلَامُ الْفَاحِشُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجِمَاعِ وَعَلَى مُقَدِّمَاتِهِ، وَعَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا.

(1/586)


قَالَ: وَاخْتَلَفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: «إنِّي صَائِمٌ» هَلْ يُخَاطِبُ بِهَا الَّذِي يَشْتُمُهُ وَيُقَاتِلُهُ أَوْ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ، وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى.

قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ) . قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ إرَادَةٌ فِي صِيَامِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُنْقِصُ ثَوَابَ الصَّوْمِ.

بَابُ الصَّائِمِ يَتَمَضْمَضُ أَوْ يَغْتَسِلُ مِنْ الْحَرِّ

2144- عَنْ عُمَرَ قَالَ: هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ» ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَفِيمَ» ؟ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
2145- وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (هَشَشْتُ) أَيْ نَشِطَتْ وَارْتَحْتُ، وَالْهَشَاشُ فِي الْأَصْلِ: الِارْتِيَاحُ وَالْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ.
قَوْلُهُ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ» . إلَى آخره. فِيهِ إشَارَةٌ إلَى فِقْهٍ بَدِيعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تُنْقِصُ الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّلُ الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ، فَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ لا تُنْقِصُهُ وَهِيَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَوَائِلِهِ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي التَّقْبِيلِ.

قَوْلُهُ: (يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ) إلَى آخره. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِرَ الْحَرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ كُلِّهِ.

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ

2146- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(1/587)


2147- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

2149- وَفِي لَفْظٍ: كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: «سَلْ هَذِهِ» . لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ: «أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ حُجَّةٌ.
2150- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (كَانَ يُقَبِّلُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْمٌ. وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ، فَأَبَاحُوهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ) . قَالَ الشَّارِحُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ: أَيْ حَاجَتِهِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: أَيْ عُضْوِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: ولا يفطر بِمَذْيٍ بِسببِ قبلة أَوْ لَمْس أو تِكْرَار نَظَر، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَبَعْض أَصْحَابنا، وَأَمَّا إَذَا ذَاقَ طَعَامًا وَلَفَظَهُ، أَوْ وَضَعَ فِي فِيهِ عَسَلاً وَمَجَّهُ فَلا بَأَسَ بِهِ للحَاجَةِ كَالْمَضْمَضَةِ وَالاستِنْشَاقِ.

بَابُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ

2151- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تُدْرِكُنِي الصَّلاةَ وَأَنَا

(1/588)


جُنُبٌ فَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ» . فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ: «وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
2152- وَعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ فِي رَمَضَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2153- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ لَا حُلُمٍ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي. أَخْرَجَاهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ أَنْ تَكُونَ الْجَنَابَةُ عَنْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.

بَابُ كَفَّارَةِ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ

2154- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُل إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ» ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَالَ: «تَصَدَّقَ بِهَذَا» . قَالَ: فَهَلْ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجَ إلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

2155- وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» . قَالَ: لا أَجِدُهَا. قَالَ: «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ: لا أُطِيقُ. قَالَ: «أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . وَذَكَرَهُ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ.

2156- وَلِابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» .

(1/589)


2157- وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: فَقَالَ: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ، فَقَالَ: «مَا أَهْلَكَكَ» ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي. وَذَكَرَهُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (هَلَكْتُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مَجَازٌ عَنْ عِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ مَجَازًا، فَلَا يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى النَّاسِي وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ.

قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا لا تُصْرَفُ فِي النَّفْسِ وَالْعِيَالِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ يَسَارِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ. انْتَهَى.
قَالَ في الاخيارات: وَمَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَان مُعْتَقِدًا أّنَّهُ لَيْل فَبَانَ نَهَارًا فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَكَذَا مَنْ جَامَعَ جَاهِلاً بِالوَقْتِ أَوْ نَاسِيًا وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدٍ. وَإِذَا أَكْرَهَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ عَلَى الْجِمَاعِ فِي رَمَضَان يَحْمِلُ عَنْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَهَلْ تَجِبُ كَفَّارة الْجِمَاع فِي رَمَضَان لإفْسَادِ الصَّوْمِ الصَّحِيح أَوْ لِحُرْمَةِ الزَّمَانِ؟ فِيهِ قَوْلانِ، الصَّوَابُ الثَّاني. انْتَهَى.

بَابُ كَرَاهِيَةِ الْوِصَالِ

2158- عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: إنَّكَ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ: «إنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» .
2159- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» . فَقِيلَ إنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلُفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» .

2160- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إنَّكَ تُوَاصِلُ. فَقَالَ: «إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.

2161- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا

(1/590)


تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرَ» . قَالُوا: إنَّك تُوَاصِلُ يَا ... رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» . اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً لَهُ فِي لَيَالِي صِيَامِهِ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَحَالَةِ النَّائِمِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُعْطِينِي قُوَّةَ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

قَوْلُهُ: (رَحْمَةً لَهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْوِصَالَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى تَحْرِيمِ الْوِصَالِ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَالَ: (نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْوِصَالِ وَلَيْسَ بِالْعَزِيمَةِ) . وَمِنْهَا إقْدَامُ
الصَّحَابَةِ عَلَى الْوِصَالِ بَعْدَ النَّهْيِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى جَوَازِ الْوِصَالِ إلَى السَّحَرِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ آدَابِ الْإِفْطَارِ وَالسُّحُورِ
2162- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» .

2163- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

2164- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

2165- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبًا فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمْرًا حَسَا حَسَوَاتٍ

(1/591)


مِنْ مَاءٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

2166- وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

2167- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2168- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

2169- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ ... بَرَكَةً» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

2170- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَحَادِيثَ تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ.

(1/592)