بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
بَابُ صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ
2203- عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ
صِيَامُ الدَّهْرِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ
وَالنَّسَائِيُّ.
2204- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
2205- وَعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ
كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ
بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ
شَوَّالٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
وَغَيْرُهُمْ.
بَابُ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
وَتَأْكِيدِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ
2206- عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرِ،
وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الْغَدَاةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
2207- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ
(1/602)
يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً
وَمُسْتَقْبَلَةً، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً
مَاضِيَةً» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
2208- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَهْ.
2209- وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِلَبَنٍ
فَشَرِبَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2210- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ
التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ
وَشُرْبٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَرِوَايَةُ أَبِي
دَاوُد الَّتِي قَدَّمْنَا بِلَفْظِ «تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ» . وَاعْلَمْ
أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ
عَرَفَةَ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ
يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا. وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ بِعَرَفَاتٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ
صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ، مَكْرُوهٌ لِمَنْ
كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا.
بَابُ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ وَتَأْكِيدِ عَاشُورَاءَ
2211- قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ أَيُّ الصِّيَامِ
بَعْدَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ... «شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» .
2212- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:
مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَامَ يَوْمًا
يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْرًا
إلَّا هَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي رَمَضَانَ.
2213- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا
تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَصُومُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ
وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ؛ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: «مَنْ
شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» .
(1/603)
2214- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ
قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ
أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ
يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ
عَاشُورَاءَ.
2215- وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَطْعَمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا
عَبْدَ الرَّحْمَنِ إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: قَدْ
كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ
تُرِكَ فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ.
2216- وَعَنْ ابْنِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ
يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ؛ فَلَمَّا فُرِضَ
رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ لَا يَصُومُهُ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ» .
2217- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعَظِّمُهُ
الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «صُومُوهُ أَنْتُمْ» .
2218- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا» ؟
قَالُوا: يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ
مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى
مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» .
2219- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ
وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ صَامَ،
وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» . مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
كُلِّهَا، وَأَكْثَرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ وَجَبَ ثُمَّ
نُسِخَ، وَيُقَالُ: لَمْ يَجِبْ بِحَالٍ بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاوِيَةَ،
وَإِنَّمَا نُسِخَ تَأْكِيدُ اسْتِحْبَابِهِ.
2220- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى،
فَقَالَ: «فإذَا كَانَ عَامُ الْمُقْبِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا
الْيَوْمَ التَّاسِعَ» . قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ. - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد.
(1/604)
2221- وَفِي لَفْظٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ
التَّاسِعَ» . يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2222- وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ
يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الصِّيَامِ
بَعْدَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
أَفْضَلَ صِيَامِ التَّطَوُّعِ صَوْمُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ. إِلِى أَنْ
قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ
وَاجِبًا، ثُمَّ تَرَكَ وُجُوبُهُ. وَتَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ.
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ
يَوْمًا» . قَالَ الشَّارِحُ: الْأَحْوَطَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ، فَيَكُونُ صَوْمُ
عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: الْأُولَى صَوْمُ الْعَاشِرِ
وَحْدَهُ. وَالثَّانِيَةُ صَوْمُ التَّاسِعِ مَعَهُ. وَالثَّالِثَةُ صَوْمُ
الْحَادِيَ عَشَرَ مَعَهُمَا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَوْمِ شَعْبَانَ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
2223- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا
إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
2224- وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: كَانَ يَصُومُ شَهْرَيْ شَعْبَانَ
وَرَمَضَانَ.
2225- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ
فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ.
2226- وَفِي لَفْظٍ: مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ، مَا كَانَ يَصُومُ فِي
شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ.
2227- وَفِي لَفْظٍ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمَا
رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ. مُتَّفَقٌ
عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
2228- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا
(1/605)
رَسُولَ اللَّهِ أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي
أَتَيْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: «فَمَا لِي أَرَى جِسْمَكَ
نَاحِلًا» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا
بِالنَّهَارِ، مَا أَكَلْتُهُ إلَّا بِاللَّيْلِ، قَالَ: مَنْ أَمَرَكَ
أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَقْوَى،
قَالَ: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا بَعْدَهُ» . قُلْت: إنِّي
أَقْوَى، قَالَ: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ» . قُلْت:
إنِّي أَقْوَى. قَالَ: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
بَعْدَهُ، وَصُمْ أَشْهُرَ الْحُرُمِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا لَفْظُهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (شَهْرًا تَامًّا
إلَّا شَعْبَانَ) . وَكَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ: (فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ
كُلَّهُ) . وَقَوْلُهَا: (بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ) ظَاهِرُهُ
يُخَالِفُ قَوْلَ عَائِشَةَ (كَانَ يَصُومُهُ إلَّا قَلِيلًا) . وَقَدْ
جُمِعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ
وَالتَّمَامِ الْأَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (وَصُمْ أَشْهُرَ الْحُرُمِ) . هِيَ شَهْرُ الْقِعْدَةِ
وَالْحِجَّةِ وَمُحَرَّمٍ وَرَجَبٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّة
صَوْمِهَا. وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْتَكْمَلَ صَوْمُ شَهْرٍ
مِنْهَا
وَلَا صَوْمُ جَمِيعِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد
مِنْ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: «صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنْ
الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ» .
بَابُ الْحَثِّ عَلَى صَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ
2229- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
إلَّا أَبَا دَاوُد.
2230- لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
2231- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَأُحِبُّ أَنْ
يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ.
2232- وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
2233- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: «ذَلِكَ
يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
(1/606)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ،
يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ
فِيهِمَا الْأَعْمَالُ.
بَابُ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ
بِالصَّوْمِ
2234- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ
جَابِرًا: أَنَهَى ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2235- وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: أَنْ يُفْرَدَ بِصَوْمٍ.
2236- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ،
أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
2237- وَلِمُسْلِمٍ: «وَلا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ
مِنْ بَيْنِ اللَّيَالي وَلا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ
مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»
.
2238- وَلِأَحْمَدَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا
يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ
بَعْدَهُ» .
2239- وَعَنْ جَوَيْرِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
دَخَلَ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ:
«أَصُمْتِ أَمْسِ» ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: «تَصُومِينَ غَدًا» ؟ قَالَتْ
لَا، قَالَ: «فَأَفْطِرِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو
دَاوُد.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ.
2240- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ»
.
2241- وَعَنْ جُنَادَةَ الأَزْدِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الأَزْدِ
إنَاثًا مِنْهُمْ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: «هَلُمُّوا إلَى ...
الْغَدَاءِ» . فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا صِيَامٌ، فَقَالَ:
«أَصُمْتُمْ أَمْسِ» ؟ قُلْنَا: لا، قَالَ: «أَفَتَصُومُونَ غَدًا» ؟
قُلْنَا لَا، قَالَ: «فَأَفْطِرُوا» . فَأَكَلْنَا مَعَهُ؛ فَلَمَّا خَرَجَ
وَجَلَسَ
(1/607)
عَلَى الْمِنْبَرِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ
مَاءٍ فَشَرِبَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ
يُرِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
2242- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ وَاسْمُهَا
الصَّمَّاءُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا
تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ
لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ
فَلْيَمْضُغْهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
2243- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
أَبَا دَاوُد.
وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ مَعَ غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ
الْبَابِ عَلَى مَنْعِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ.
قَوْلُهُ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ
عَلَيْكُمْ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرَجَهُ
أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ: قَالَ
مَالِكٌ: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ وَقَدْ أُعِلَّ بِالِاضْطِرَابِ كَمَا
قَالَ النَّسَائِيّ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَدْ ادَّعَى أَبُو دَاوُد أَنَّ
هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَلَا يَتَبَيَّنُ
وَجْهُ النَّسْخِ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ
كَوْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ
أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ قَالَ:
خَالِفُوهُمْ وَالنَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ يُوَافِقُ
الْحَالَةَ الْأُولَى، وَصِيَامُهُ إيَّاهُ يُوَافِقُ الْحَالَةَ
الثَّانِيَةَ، وَهَذِهِ صُورَةُ النَّسْخِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ
الشَّارِحُ: وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ كُرَيْبٌ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثُوهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ
يَسْأَلُهَا عَنْ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَكْثَرَ لَهَا صِيَامًا فَقَالَتْ: يَوْمَ السَّبْتِ
وَالْأَحَدِ. فَرَجَعْتُ إلَيْهِمْ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ
فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهَا فَسَأَلُوهَا فَقَالَتْ: صَدَقَ.
وَكَانَ يَقُولُ: «إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَنَا
أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» . - وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ
وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ
(1/608)
وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ وَمِنْ
الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ.
وَسَيَأْتِي. وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْبَدْرِ الْمُنِيرِ بَيْنَ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: النَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْإِفْرَادِ
وَالصَّوْمِ
بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَيْهِ. وَيُؤَيِّدُ
هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إذْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ صَامَ
الْجُمُعَةَ أَنْ يَصُومَ السَّبْتَ بَعْدَهَا وَالْجَمْعُ مَهْمَا
أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ. وَالله أعلم.
بَابُ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ
وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَتْ سِوَاهَا
2244- عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ
ثَلَاثَةً فَصُمْ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ وَخَمْسَ عَشَرَةَ»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
2245- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ
إلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
2246- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ
وَالِاثْنَيْنِ، وَمِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ
وَالْخَمِيسَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
2247 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي
كِتَابِهِ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} .
الْيَوْمُ بِعَشَرَةٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَصُمْ ثَلَاثَ
عَشَرَةَ) إلَى آخره. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ أَيَّامِ
الْبِيضِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُعَيَّنَةُ فِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ
الرُّويَانِيُّ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ
مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ أَيَّامُ الْبِيضِ كَانَ أَحَبَّ. قَالَ
فِي الْفَتْحِ: وَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أنَّ
اسْتِحْبَابَ
صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ غَيْرُ اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ
مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ الشَّارِحُ: فَالْحَاصِلُ
(1/609)
مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ اسْتِحْبَابُ
صِيَامِ تِسْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: ثَلَاثَةٌ مُطْلَقَةٌ،
وَأَيَّامُ الْبِيضِ، وَالسَّبْتُ وَالْأَحَدُ وَالِاثْنَيْنِ فِي شَهْرٍ،
وَالثُّلَاثَاءُ وَالْأَرْبِعَاءُ وَالْخَمِيسُ فِي شَهْرٍ.
بَابُ صِيَامِ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ وَكَرَاهَةُ صَوْمِ الدَّهْرِ
2248- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . قُلْتُ: إنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ
يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ
أَفْضَلُ الصِّيَامِ، وَهُوَ صَوْمُ أَخِي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ» .
2249- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا.
2250- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ
بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» . أَوْ «لَمْ
يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ
وَابْنَ مَاجَهْ.
2251- وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا» وَقَبَضَ
كَفَّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَا صَامَ مَنْ
صَامَ الْأَبَدَ) . اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَحْرُمُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى اسْتِحْبَابِ
صَوْمِهِ. وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثِ أَبِي
قَتَادَةَ بِأَنَّهُ
مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ يُدْخِلُ عَلَى نَفْسِهِ مَشَقَّةً أَوْ
يُفَوِّتُ حَقًّا. وقال ابن ... التين: اُسْتُدِلَّ عَلَى الْكَرَاهَةِ
مِنْ وُجُوهٍ: نَهْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الزِّيَادَةِ،
وَأَمْرُهُ بِأَنْ يَصُومَ وَيُفْطِرُ. وَقَوْلُهُ: «لَا أَفْضَلَ مِنْ
ذَلِكَ» . وَدُعَاؤهُ عَلَى مَنْ صَامَ الأَبَد. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيُّ: قَوْلُهُ: (لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ) .
إَنْ كَانَ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ فَيَا وَيْحَ مَنْ أَصَابَهُ دُعَاءَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ
فَيَا وَيْحَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ.
(1/610)
بَابُ تَطَوُّعِ الْمُسَافِرِ وَالْغَازِي
بِالصَّوْمِ
2252- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ
وَلَا سَفَرٍ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
2253- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ
عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا
دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي
إسْنَادِهِ يَعْقُوبُ ابْنُ ... عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيُّ وَجَعْفَرُ
بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْقُمِّيُّ وَفِيهِمَا مَقَالٌ. وَفِيهِ دَلِيلُ
اسْتِحْبَابِ صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ فِي السَّفَرِ، وَيَلْحَقُ بِهَا
صَوْمُ سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا. وَالْحَدِيثُ
الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الْمُجَاهِدِ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا
يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا وَلَا يَخْتَلُّ قِتَالُهُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ
مُهِمَّاتِ غَزْوِهِ.
بَابٌ فِي أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ
2254- عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا
الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا:
مَا شَأْنُكِ؟
قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا،
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ
فَإِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ،
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ
فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ نَمْ؛ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ
اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ
سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا،
وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ سَلْمَانُ» . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2255- وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا
فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إنِّي كُنْتُ صَائِمَةً؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّائِمُ
الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1/611)
2256- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ شَرَابًا، فَنَاوَلَهَا لِتَشْرَبَ،
فَقَالَتْ: إنِّي صَائِمَةٌ وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ،
فَقَالَ: «يَعْنِي إنْ كَانَ قَضَاءً مِنْ رَمَضَانَ فَاقْضِي يَوْمًا
مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْضِي، وَإِنْ
شِئْتَ فَلَا تَقْضِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ.
2257- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أُهْدِيَ لِحَفْصَةَ
طَعَامٌ وَكُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّه
- صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أُهْدِيَتْ
لَنَا هَدِيَّةٌ وَاشْتَهَيْنَاهَا فَأَفْطَرْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «لَا عَلَيْكُمَا صُومَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ»
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَهَذَا أَمْرُ نَدْبٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «لَا عَلَيْكُمَا» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (صَدَقَ سَلْمَانُ)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّة النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِ وَتَنْبِيهُ
مَنْ غَفَلَ، وَفَضْلُ قِيَامِ آخِرِ اللَّيْلِ، وَثُبُوتُ حَقِّ
الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَجَوَازُ عَنْ
الْمُسْتَحَبَّاتِ إذَا خُشِيَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى السَّآمَةِ
وَالْمَلَلِ وَتَفْوِيتِ الْحُقُوقِ الْمَطْلُوبَةِ، وَكَرَاهَةِ الْجَهْلِ
عَلَى النَّفْسِ فِي الْعِبَادَةِ، وَجَوَازِ الْفِطْرِ مِنْ صَوْمِ
التَّطَوُّعِ، وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لَمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا أَنْ يُفْطِرَ لَا سِيَّمَا إذَا
كَانَ فِي دَعْوَةٍ إلَى طَعَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَتَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَطَوِّعِ الْقَضَاءُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَيْسَ
فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِي صَوْمِ النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَّا
الْأَدِلَّةَ الْعَامَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ} . إلَّا أَنَّ الْخَاصَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ
كَحَدِيثِ سَلْمَانَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ
بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
2258- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»
. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
(1/612)
2259- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ
شَهْرِ رَمَضَانَ: الصِّيَامُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَنَحْنُ
مُتَقَدِّمُونَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَتَقَدَّمْ، وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَتَأَخَّرْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى التَّقَدُّمِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ.
2260- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: «هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا»
؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صلى الله عليه وسلم - «فَإِذَا
أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2261- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ «مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ» .
وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ بِصِيَامِ
سَرَرِ الشَّهْرِ أَوْ قَدْ نَذَرَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدِيثُ مُعَاوِيَة فِي
إِسْنَادِهِ الْقَاسِمُ بن عَبْدِ الرَّحْمِنِ مَوْلِى بِِنِي أُمَيَّة،
وَفِيهِ مَقَالٌ، وَالْهَيْثَمُ بن حُمَيْد وَفِيهِ أَيْضًا مَقَالٌ.
قَوْلُهُ: (لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ) إلَى آخِرِهِ. قَالَ
الْعُلَمَاءُ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصِيَامٍ
عَلَى نِيَّةِ الِاحْتِيَاطِ لِرَمَضَانَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمَّا
أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثُ الْعَمَلَ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ
بِمَعْنَى رَمَضَانَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى يَوْمٍ
أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِيمَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ. وَقَدْ
قَطَعَ كَثِيرٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمَنْعِ مِنْ
أَوَّلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا: «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» . أَخْرَجَهُ
أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ
مِنْ شَعْبَانَ، وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ. إِلِى أَنْ قَالَ:
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ
بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَقَدِّمَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ
صَوْمِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ شَعْبَانَ. وَقَدْ جَمَعَ الطَّحَاوِيُّ
بَيْنَ حَدِيثِ النَّهْيِ وَحَدِيثِ الْعَلَاءِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ
مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ، وَحَدِيثُ الْبَابِ مَخْصُوصٌ
بِمَنْ يَحْتَاطَ
(1/613)
بِزَعْمِهِ لِرَمَضَانَ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ
2262- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ
النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2263- وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ «لَا صَوْمَ فِي
يَوْمَيْنِ» .
2264- وَلِمُسْلِمٍ «لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ» .
2265- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ
فَنَادَيَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ
مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2266- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُنَادِيَ أَيَّامَ مِنًى إنَّهَا أَيَّامُ
أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَا صَوْمَ فِيهَا، يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ
2267- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - نَهَى عَنْ صَوْمِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ: يَوْمِ
الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
2268- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: لَمْ
يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ
يَجِدْ الْهَدْيَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2269- وَلَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ
الْأَحَادِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْم أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. إِلِى أَنْ
قَالَ: وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ
يَوْمِ النَّحْرِ. انْتَهَى. والله أعلم.
(1/614)
|