بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَأَحْكَامِ الْقَضَاءِ
بَابُ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ

2171- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: «إنَّ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

2172- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.

2173- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا» ؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» .

2174- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
2175- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسَ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَهُ مَعْنَى حَدِيثِ

(1/593)


ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا تَارِيخِ الْخُرُوجِ.

2176- وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ مِنِّي قُوَّةً عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ
تَعَالَى، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَهُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى فَضِيلَةِ الْفِطْرِ.

2177- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ قَالَا: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

2178- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ» . فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: «إنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا» . فَكَانَتْ عَزْمَةٌ فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتَنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

قَوْلُهُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ مِنِّي قُوَّةً عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ) . الْحَدِيثُ. وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةُ اسْتِوَاءِ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ فِي السَّفَرِ.

قَوْلُهُ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) . الْحَدِيثُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الصَّوْمُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ لَيْسَ بِفَضِيلَةٍ. وَقَدْ اختلف السَّلَفُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لَمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُقَّ بِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَفْضَلُهُمَا أَيْسَرُهُمَا فَمَنْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ

(1/594)


وَيَشُقَّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ

2179- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

2180- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَهْرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ مُشَاةٌ وَنَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَقَالَ: اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ، قَالَ: فَأَبَوْا، قَالَ: إنِّي لَسْتِ مِثْلَكُمْ إنِّي أَيْسَرُكُمْ، إنِّي رَاكِبٌ، فَأَبَوْا، فَثَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخِذَهُ فَنَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ.

(1/595)


2181- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ. بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ: فَعَطِشَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إلَيْهِ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَالَ أيضًا: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَضِيلَةَ الْفِطْرِ لَا تَخْتَصُّ بِمَنْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَوْ خَشِيَ الْعُجْبَ وَالرِّيَاءَ أَوْ ظَنَّ بِهِ الرَّغْبَةَ عَنْ الرُّخْصَةِ بَلْ
يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ لِيُتَابِعَهُ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَيَكُونُ الْفِطْرُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ لِفَضِيلَةِ الْبَيَانِ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: «وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ» .

بَابُ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ هَلْ يُفْطِرُ فِيهِ، وَمَتَى يُفْطِرُ؟

2182- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ إلَى حُنَيْنٌ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ رَاحَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ النَّاسُ فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

2183- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: سُنَّةٌ ثُمَّ رَكِبَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

2184- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بُصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بَيْنَ الْبُيُوتِ؟ فَقَالَ أَبُو بُصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَوْلُهُ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ إلَى حُنَيْنٌ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ: صَوَابُهُ خَيْبَرُ أَوْ مَكَّةُ لِأَنَّهُ قَصَدَهُمَا فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَأَمَّا حُنَيْنٌ فَكَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. انْتَهَى.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْإِفْطَارُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّفَرِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: (فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ) .
قَوْلُهُ: (مِنْ الْفُسْطَاطِ) هُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِمِصْرِ الْعَتِيقَةِ الَّتِي بَنَاهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَرَادَ السَّفَرَ مِنْهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: لا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرَ حَتَّى يُخَلَّفَ الْبُيُوتَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ.

(1/596)


بَابُ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً

2185- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ وَصَامَ، حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءُ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْفَتْحَ كَانَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، هَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَق عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَقَامَ بِبَلَدٍ مُتَرَدِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ مُدَّةَ تِلْكَ الإِقَامَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْصِرَ، وَقَدْ عَرَّفْنَاك فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلاةِ أَنَّ مَنْ حَطَّ رَحْلَهُ فِي بَلَدٍ وَأَقَامَ بِهِ يُتِمُّ صَلَاتَهُ لأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ وَلا يُقْصِرُ إلا إلى مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الَّتِي قَصَرَ فِيهَا - صلى الله عليه وسلم - مَعَ إقَامَتِهِ. إِلى أَنْ قَالَ: وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِفْطَارِ: الْأَصْلُ فِي الْمُقِيمِ أَنْ لَا يُفْطِرَ لِزَوَالِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ عَنْهُ إلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ لَهُ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبَلَدٍ وَفِي عَزْمِهِ السَّفَرُ يُفْطِرُ مِثْلُ الْمُدَّةِ الَّتِي أَفْطَرَهَا - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ

2186- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

2187- وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ: «وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ» .

2188- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَحْمَدَ.

(1/597)


2189- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ سَلَمَةَ وَفِيهِ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَثَبَتَ الْإِطْعَامُ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ. مُخْتَصَرٌ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد.

2190- وَعَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

2191- وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أُثْبِتَتْ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي قَصْرًا، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الْإِفْطَارُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْعِتْرَةُ وَالْفُقَهَاءُ إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعَةُ عَلَى الرَّضِيعِ، وَالْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ.

قَوْلُهُ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} . رُوِيَ عَنْه أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ} : أَيْ يُكَلَّفُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِآخِرِ الْكَلَامِ. انْتَهَى. قَالَ فِي المقنع: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أو مَرضٍ لا يُرْجى بُرْؤُه أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَالْحامل وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وَإنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدِيهِمَا أَفْطَرَتَا وقَضتَا وَأَطْعَمَتَا.

بَابُ قَضَاءِ رَمَضَانَ
مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا وَتَأْخِيرِهِ إلَى شَعْبَانَ

2192- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ} .

(1/598)


2193- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَزَلَتْ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . مُتَتَابِعَاتٍ، فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ.

2194- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلَّا فِي شَعْبَانَ وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2195- وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ، ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَقَالَ: «يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» .

2196- رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ.

2197- وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ» . وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: جَوَازِ التَّفْرِيقِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ، ثُمَّ صَحَّ) . قَالَ الشَّارِحُ: اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ مَنْ لَمْ يَصُمْ مَا فَاتَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ وَهُمْ الْجُمْهُورُ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إنْ تَرَكَ الْأَدَاءَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» . قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَإِنْ تَبَرَّعَ إِنْسَانٌ بِالصَّوْمِ عَمَّنْ يُطِيقُهُ لِكِبَرِهِ

(1/599)


وَنَحْوه أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ تَوَجَّهَ جَوَازُهُ لأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنَ
الْمَالِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي صَوْمِ النَّذْرِ فِي حَيَاةِ النَّاذِرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ نَذْرٍ أَجْزَأَ عَنْهُ بِلا كَفَّارَة. انْتَهَى.

بَابُ صَوْمُ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ

2198- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ فَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدَّى ذَلِكَ عَنْهَا» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» . أَخْرَجَاهُ.
2199- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَأَنْجَاهَا اللَّهُ فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ قَرَابَةٌ لَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «صُومِي عَنْهَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

2200- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2201- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا» . قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2202- وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ» . هَذِهِ الصِّيغَةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَقَوْلُهُ: «صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ تَقْدِيرُهُ فَلْيَصُمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَصُومُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، أَيُّ صَوْمٍ كَانَ. وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَنَقَلَ

(1/600)


الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ صَحَّ، وَبِهِ قَالَ الصَّادِقُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: هَذِهِ السُّنَّةُ ثَابِتَةٌ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ. وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: إنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ إلَّا النَّذْرُ.

(1/601)