بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْبُيُوعِ
أَبْوَابُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لا يَجُوزُ
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ النَّجَاسَةِ وَآلَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا
نَفَعَ فِيهِ
2777- عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ،
وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ» . فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ،
وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لا
هُوَ حَرَامٌ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ
شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
2778- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ،
فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ عَلَى
قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الدُّهْنِ النَّجِسِ.
2779- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى حَجَّامًا، فَأَمَرَ
فَكُسِرَتْ مَحَاجِمُهُ، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - حَرَّمَ ثَمَنَ الدَّمِ، وَثَمَنَ الْكَلْبِ، وَكَسْبَ الْبَغِيِّ،
وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا،
وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2780- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ
الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
(2/5)
2781- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: «إنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ
كَفَّهُ تُرَابًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
2782- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: والعلة في تحريم بيع الخنزير
وبيع الميتة هي النجاسة، عند جمهور العلماء، فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة،
والعلة في تحريم بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة، فإن كان ينتفع بها بعد
الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر.
قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ) إلى آخره، أي: فهل بيعها لما
ذكر من المنافع جائز فإنها مقضة لصحة البيع، كذا في الفتح.
قَوْلُهُ: «لا هُوَ حَرَامٌ» الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع، ويؤيد
ذلك قوله في آخر الحديث: «فباعوها» وحديث ابن عباس فيه دليل على إبطال
الحيل والوسائل إلى المحرم، وأن كل ما حرم الله على العباد فبيعه حرام
لتحريم ثمنه فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصه دليل. انتهى.
قَوْلُهُ: (حَرَّمَ ثَمَنَ الدَّمِ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ
فَقِيلَ: أُجْرَةُ الْحِجَامَةِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لِمَنْ قَالَ:
بِأَنَّهَا غَيْرُ حَلالٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ فِي
الإِجَارَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ ثَمَنُ الدَّمِ نَفْسِهِ، فَيَدُلُّ
عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (وَثَمَنَ الْكَلْبِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ
الْكَلْبِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ،
سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ مِمَّا لا يَجُوزُ،
وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ وَقَالَ عَطَاءُ
وَالنَّخَعِيِّ: يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ثَمَنِ
الْكَلْبِ إلا كَلْبَ صَيْدٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَرِجَالُ إسْنَادِهِ
(2/6)
ثِقَاتٌ، إلا أَنَّهُ طُعِنَ فِي
صِحَّتِهِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ، لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزِّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ،
فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَكُونُ
الْمُحَرَّمُ بَيْعَ مَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ إنْ صَلُحَ هَذَا
الْمُقَيَّدُ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَجِبُ
الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْعِهِ قَالَ
بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمَنْ قَالَ: بِجَوَازِهِ قَالَ بِالْوُجُوبِ،
وَمَنْ فَصَّلَ فِي الْبَيْعِ فَصَّلَ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ. وَرُوِيَ
عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ. وَرُوِيَ
عَنْهُ أَنَّ بَيْعَهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَكَسْبَ الْبَغِيِّ) فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَمَهْرَ
الْبَغِيِّ) وَالْمُرَادُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ عَلَى الزِّنَا
وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ) سَيَأْتِي
الْكَلامُ عَلَى هَذَا فِي بَابِ: مَا يُكْرَهُ مِنْ تَزَيُّنِ النِّسَاءِ
مِنْ كِتَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ) فِيهِ أَنَّ التَّصْوِيرَ أَشَدُّ
الْمُحَرَّمَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) الْحُلْوَانُ مَصْدَرُ حَلَوْتَهُ:
إذَا أَعْطَيْته. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَصْلُهُ مِنْ الْحَلاوَةِ
شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْوِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُؤْخَذُ سَهْلًا بِلا
كُلْفَةٍ وَلا مَشَقَّةٍ. وَالْحُلْوَانُ أَيْضًا: الرِّشْوَةُ.
وَالْحُلْوَانُ أَيْضًا: مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ
لِنَفْسِهِ. وَالْكَاهِنُ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ الَّذِي يَدَّعِي
مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنْ الْكَوَائِنِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ حَرَامٌ
بِالإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ،
وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ
مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنْ اسْتِطْلاعِ الْغَيْبِ.
قَوْلُهُ: (وَالسِّنَّوْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ
الْمُشَدَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، بوَهُوَ الْهِرُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْهِرِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، طَاوُسٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى
جَوَازِ بَيْعِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ
التَّنْزِيهِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ
وَالْمُرُوءَاتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/7)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ
الْمَاءِ
2783- عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا ابْنَ
مَاجَةْ.
2784- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - مِثْلُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلانِ عَلَى
تَحْرِيمِ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَهُوَ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ
صَاحِبِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي
أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلشُّرْبِ
أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ أَوْ الزَّرْعِ،
وَسَوَاءٌ كَانَ فِي فَلاةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ
حَاكِيًا عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ فِي
الْفَلاةِ بِشُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لا يَكُونَ مَاءٌ آخَرُ يَسْتَغْنِي
بِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَذْلُ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ لا
لِسَقْيِ الزَّرْعِ. الثَّالِثُ: أَنْ لا يَكُونَ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا
إلَيْهِ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلالَةِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى
الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمَاءِ عَلَى الْعُمُومِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
... عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «لا يُمْنَعُ فَضْلُ
الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلَأِ» وَأَحَادِيثُ: «النَّاسُ
شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» وَقَدْ
خُصِّصَ
مِنْ عُمُومِ الْمَنْعِ مَا كَانَ محرزًا فِي الآنِيَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ
بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَطَبِ إذَا أَحْرَزَهُ
الْحَاطِبُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ
2785- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2786- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ
بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
2787- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ كِلابٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - عَنْ عَسْبِ
(2/8)
الْفَحْلِ فَنَهَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ فَنُكْرَمُ فَرَخَّصَ لَهُ فِي
الْكَرَامَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ
عَلَى أَنَّ بَيْعَ مَاءِ الْفَحْلِ وَإِجَارَتُهُ حَرَامٌ؛ لأَنَّهُ
غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلا مَعْلُومٍ وَلا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْمُعِيرَ إذَا أَهْدَى إلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ هَدِيَّةً بِغَيْرِ شَرْطٍ
حَلَّتْ لَهُ. أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
كَبْشَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا فَأَعْقَبَ كَانَ لَهُ
كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا» .
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ
2788- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
2789- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
2790- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
2791- وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَحَبَلُ
الْحَبَلَةِ أَنْ تَنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلُ
الَّتِي نَتَجَتْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2792- وَفِي لَفْظٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ
الْجَزُورِ إلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ
النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلُ الَّتِي نُتِجَتْ،
فَنَهَاهُمْ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2793- وَفِي لَفْظٍ: كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْجَزُورَ إلَى حَبَلِ
الْحَبَلَةِ فَنَهَاهُمْ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
2794- وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: نَهَى
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
(2/9)
شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأَنْعَامِ
حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا إلا بِكَيْلٍ، وَعَنْ
شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى
تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ
الْغَائِصِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
2795- وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْهُ: شِرَاءُ الْمَغَانِمِ وَقَالَ: غَرِيبٌ.
2796- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى
تُقْسَمَ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
2797- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - مِثْلُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
2798- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ
أَوْ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
2799- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَنْ الْمُلامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْمُلامَسَةُ
لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ
وَلا يُقَلِّبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ
بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا
مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلا تَرَاضٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2800- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُلامَسَةِ
وَالْمُزَابَنَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ) اُخْتُلِفَ فِي
تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الأَثْوَابِ
مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ وَيَرْمِي الْحَصَاةَ، أَوْ مِنْ
هَذِهِ الأَرْضِ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ فِي الرَّمْيِ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ
يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ الْحَصَاةَ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ
يَجْعَلَ نَفْسَ الرَّمْيِ بَيْعًا. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ
الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
يَعْنِي: إذَا قَذَفَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَدْ
ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ،
(2/10)
وَمِنْ جُمْلَةِ بَيْعِ الْغَرَرِ بَيْعُ
السَّمَكِ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ
جُمْلَتِهِ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ،
وَالْمَعْدُومُ وَالْمَجْهُولُ وَالآبِقُ وَكُلُّ مَا دَخُلُ فِيهِ
الْغَرَرُ بوجهِ مِنْ الْوُجُوهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ
بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ
مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا بِحَيْثُ لَوْ
أَفْرَدَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ.
وَالثَّانِي: مَا يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ، إمَّا لِحَقَارَتِهِ أَوْ
لِلْمَشَقَّةِ فِي تَمْيِيزِهِ أَوْ تَعْيِينِهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ بَيْعُ أَسَاسِ
الْبِنَاءِ وَاللَّبَنِ فِي ضَرْعِ الدَّابَّةِ وَالْحَمْلِ فِي بَطْنِهَا
وَالْقُطْنِ الْمَحْشُوِّ فِي الْجُبَّةِ.
قَوْلُهُ: (حَبَلِ الْحَبَلَةِ) الْحَبَلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَالْبَاءِ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَبِلَتْ. تَحْبَلُ، وَالْحَبَلَةُ
بِفَتْحِهَا أَيْضًا جَمْعُ حَابِلٍ، وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي
الْبَابِ تَقْضِي بِبُطْلانِ الْبَيْعِ؛ لأَنَّ النَّهْيَ يَسْتَلْزِمُ
ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأُصُولِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ حَبَلِ
الْحَبَلَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ
مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ لَحْمَ الْجَزُورِ
بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى أَنْ يَلِدَ وَلَدُ النَّاقَةِ. وَقِيلَ: إلَى
أَنْ يَحْمِلَ وَلَدُ النَّاقَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ
حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ
مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ بَيْعُ وَلَدِ
النَّاقَةِ الْحَامِلِ فِي الْحَالِ، فَتَكُونُ عِلَّةُ النَّهْيِ عَلَى
الْقَوْلِ الأَوَّلِ جَهَالَةَ الأَجَلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي:
بَيْعَ الْغَرَرِ لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا وَمَجْهُولًا وَغَيْرَ مَقْدُورٍ
عَلَى تَسْلِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ تُنْتَجَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحِ
ثَالِثِهِ، وَالْفَاعِلُ النَّاقَةُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا
الْفِعْلُ وَقَعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ
الْمُسْنَدِ إلَى الْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأَنْعَامِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ لا يَصِحُّ شِرَاءُ الْحَمْلِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
وَالْعِلَّةُ الْغَرَرُ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا) هُوَ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ
صِحَّةِ بَيْعِهِ. قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْضَرَرِ
وَالْجَهَالَةِ، إلا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ كَيْلًا، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ:
(2/11)
بِعْت مِنْكَ صَاعًا مِنْ حَلِيبِ
بَقَرَتِي، فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ لارْتِفَاعِ
الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الآبِقِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
لا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى
التَّسْلِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا
يَجُوزُ للْمُصَّدِّقُ عَلَيْهِ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا؛
لأَنَّهُ لا يَمْلِكُهَا إلا بِهِ، وَقَدْ خُصِّصَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ،
فَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَهُوَ
غَيْرُ مَقْبُولٍ إلا بِدَلِيلٍ يَخُصُّ هَذَا الْعُمُومَ، وَجَعْلُ
التَّخْلِيَةِ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، عَلَى
تَسْلِيمِ قِيَامِهَا مَقَامَ الْقَبْضِ فَلا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ) الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ
يَقُولُ مَنْ يَعْتَادُ الْغَوْصَ فِي الْبَحْرِ لِغَيْرِهِ: مَا
أَخْرَجْتُهُ فِي هَذِهِ الْغَوْصَةِ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ،
فَإِنَّ هَذَا لا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ.
قَوْلُهُ: (نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ
حَتَّى يُطْعَمَ) سَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى هَذَا فِي بَابِ النَّهْيِ
عَنْ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهِ. إن شاء الله تعالى.
قَوْلُهُ: (أَوْ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ
بَيْعِ الصُّوفِ مَا دَامَ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ، وَالْعِلَّةُ
الْجَهَالَةُ وَالتَّأْدِيَةُ إلَى الشِّجَارِ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ) يَعْنِي: لِمَا فِيهِ مِنْ
الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُلامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) هُمَا مُفَسَّرَانِ بِمَا
ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلأَبِي عَوَانَةَ عَنْ
يُونُسَ: أَنْ يَتَبَايَعَ الْقَوْمُ السِّلَعَ لا يَنْظُرُونَ إلَيْهَا
وَلا يُخْبِرُونَ عَنْهَا، أَوْ يَتَنَابَذُ الْقَوْمُ السِّلَعَ كَذَلِكَ،
فَهَذَا مِنْ أَبْوَابِ الْقِمَارِ. قَالَ
الشَّارِحُ: وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُلامَسَةِ
وَالْمُنَابَذَةِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَإِبْطَالُ خِيَارِ
الْمَجْلِسِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَأْتِي الْكَلامُ عَلَى مَا اشْتَمَلَ
عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ
(2/12)
وَالْمُزَابَنَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ
بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهِ. وَأَمَّا الْمُخَاضَرَةُ فَهِيَ
بَيْعُ الثَّمَرَةِ خَضْرَاءَ قَبْلَ بدو صَلاحِهَا وَسَيَأْتِي الْخِلافُ
فِي ذَلِكَ. إن شاء الله تعالى.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْبَيْعِ إلا أَنْ يَكُونَ
مَعْلُومًا
2801- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ
الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالثُّنْيَا إلا أَنْ تُعْلَمَ. رَوَاهُ
النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالثُّنْيَا - بِضَمِّ
الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ - الْمُرَادُ بِهَا الاسْتِثْنَاءُ فِي
الْبَيْعِ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ،
فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَعْلُومًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ
وَاحِدَةً مِنْ الأَشْجَارِ أَوْ مَنْزِلًا مِنْ الْمَنَازِلِ أَوْ
مَوْضِعًا مَعْلُومًا مِنْ الأَرْضِ صَحَّ بِالاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ
مَجْهُولًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا غَيْرَ مَعْلُومٍ لَمْ
يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ
مَجْهُولَ الْعَيْنِ إذَا ضَرَبَ لاخْتِيَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛
لأَنَّهُ بِذَلِكَ صَارَ كَالْمَعْلُومِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا
يَصِحُّ لِمَا فِي الْجَهَالَةِ حَالَ الْبَيْعِ مِنْ الْغَرَرِ وَهُوَ
الظَّاهِرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ
مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ الْغَرَرِ مَعَ الْجَهَالَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ
2802- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ
الرِّبَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2803- وَفِي لَفْظٍ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2804- وَعَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ. قَالَ سِمَاكٌ: هُوَ الرَّجُلُ يَبِيعُ
الْبَيْعَ فَيَقُولُ: هُوَ بِنَسًا بِكَذَا وَهُوَ بِنَقْدٍ بِكَذَا
وَكَذَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(2/13)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ» فَسَّرَهُ سِمَاكٌ بِمَا رَوَاهُ
الْمُصَنِّفُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْهُ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ
الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ
أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ، فَخُذْ أَيَّهُمَا شِئْت أَنْتَ وَشِئْت أَنَا.
وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ
مَفْرُوضَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَبِلَ عَلَى الإِبْهَامِ. أَمَّا لَوْ قَالَ:
قَبِلْت بِأَلْفٍ نَقْدًا وَبِأَلْفَيْنِ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ ذَلِكَ.
وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ فَقَالَ: هُوَ أَنْ
يَقُولَ: بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك
بِكَذَا: أَيْ: إذَا وَجَبَ لَكَ عِنْدِي وَجَبَ لِي عِنْدَكَ، وَهَذَا
يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلرِّوَايَةِ الأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ لا لِلأُولَى فَإِنَّ قَوْلَهُ: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا» يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ بَاعَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بَيْعَتَيْنِ، بَيْعَةً
بِأَقَلَّ وَبَيْعَةً بِأَكْثَرَ. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: هُوَ أَنْ
يُسَلِّفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرٍ فَلَمَّا حَلَّ
الأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْحِنْطَةِ قَالَ: بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَك
عَلَيَّ، إلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ، فَصَارَ ذَلِكَ بَيْعَتَيْنِ فِي
بَيْعَةٍ؛ لأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ قَدْ دَخَلَ عَلَى الأَوَّلِ
فَيُرَدُّ إلَيْهِ أَوْكَسُهُمَا وَهُوَ الأَوَّلُ كَذَا فِي شَرْحِ
السُّنَنِ لابْنِ رِسْلانَ.
قَوْلُهُ: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا» أَيْ: أَنْقَصُهُمَا. أَوْ الرِّبَا،
يَعْنِي: أَوْ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الرِّبَا
الْمُحَرَّمِ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الأَوْكَسَ بَلْ أَخَذَ الأَكْثَرَ،
وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رِسْلانَ.
وَأَمَّا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ سِمَاكٍ وَذَكَرَهُ
الشَّافِعِيُّ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ: يَحْرُمُ بَيْعُ
الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لأَجْلِ النَّسَاءِ. وَقَالَ
الْجُمْهُورُ: إنَّهُ يَجُوزُ لِعُمُومِ الأَدِلَّةِ
الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ إلى أن قَالَ: وَالْعِلَّةُ
فِي تَحْرِيمِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ
فِي صُورَةِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِثَمَنَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ
بِالشَّرْطِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي صُورَةِ بَيْعِ هَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ
مِنْهُ ذَاكَ، وَلُزُومُ الرِّبَا فِي صُورَةِ الْقَفِيزِ الْحِنْطَةِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبُونِ
2805- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي
الْمُوَطَّأ.
(2/14)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ؛ لأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ إلى أن قَالَ: وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْعُرْبَانِ فِي الْبَيْعِ
فَأَحَلَّهُ. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ ابْنُ أَبِي
يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ
الْبَيْعِ مَعَ الْعُرْبَانِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَ فِي
ذَلِكَ أَحْمَدُ فَأَجَازَهُ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ،
وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ اشْتِمَالُهُ عَلَى شَرْطَيْنِ
فَاسِدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: شَرْطُ كَوْنِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَكُونُ
مَجَّانًا إنْ اخْتَارَ تَرْكَ السِّلْعَةِ، وَالثَّانِي: شَرْطُ الرَّدِّ
عَلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا. قَالَ في المقنع: إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ إن جئتك بِحَقِّكَ
فِي مَحَلِّهِ وَإِلا فَالرَّهْنُ لِكَ فَلا يَصْلُحُ الْبَيْعَ إلا بَيْعِ
العُرُبُونٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ الْبَائِعِ
دِرْهَمًا ويقول إن أخذته وَإلا فالدرهم لِكَ. فَقَالَ أحمد رَضِيَ اللَّهُ
تعالى عَنْهُ: يَصِحُّ لأَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
فَعَلَهُ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطاب: لا يَصِحُّ. انْتَهَى. قَالَ فِي
الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَإِنَّمَا صَارَ أَحْمَدٌ فِيهِ إِلَى مَا رُوِيَ
عَنْ نَافِع بن الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرِ دَارَ السِّجْنِ مِنْ
صَفْوَان بن أمية فَإِنْ رَضِيَ عُمَر وَإِلا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ
الأَثْرَمُ:
قُلْتُ لأَحْمَدٍ: تَذْهَبُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ؟ هَذَا
عُمَر - رضي الله عنه - وضَعَّفَ الْحَدِيث الْمَرْوِيّ، رَوَى هَذِهِ
الْقِصْة الأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ. انْتَهَى.
بَابُ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا
وَكُلِّ بَيْعٍ أَعَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ
2806- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا،
وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا،
وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ. رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
2807- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لُعِنَتْ الْخَمْرَةُ عَلَى عَشَرَةِ
وُجُوهٍ، لُعِنَتْ الْخَمْرَةُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبِهَا، وَسَاقِيهَا،
وَبَائِعِهَا، وَمُبْتَاعِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرِهَا،
(2/15)
وَحَامِلِهَا، وَالْمَحْمُولَةِ إلَيْهِ،
وَآكِلِ ثَمَنِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد
بِنَحْوِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (وَآكِلَ ثَمَنِهَا) . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. لَكِنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْ (وَآكِلَ ثَمَنِهَا) ، وَلَمْ يَقُلْ: عَشَرَةً.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعَصِيرِ
مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَتَحْرِيمِ كُلِّ بَيْعٍ أَعَانَ عَلَى
مَعْصِيَةٍ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى
مُرَادِ الْمُصَنِّفِ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي
الأَوْسَطِ بِلَفْظِ: مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامَ الْقِطَافِ حَتَّى
يَبِيعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ
خَمْرًا فَقَدْ تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُ
الْمَنْعَ مِنْ الْبَيْعِ مَعَ ظَنِّ اسْتِعْمَالِ الْمَبِيعِ فِي
مَعْصِيَةِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا
تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ الْمُغَنِّيَاتِ وَلا تَشْتَرُوهُنَّ، وَلا خَيْرَ
فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ» . انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لا يَمْلِكُهُ
لِيَمْضِيَ فَيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ
2808- عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي عَنْ الْبَيْعِ لَيْسَ عِنْدِي مَا
أَبِيعُهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَبْتَاعُهُ مِنْ السُّوقِ فَقَالَ: «لا تَبِعْ
مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَا لَيْسَ
عِنْدَكَ» أَيْ: مَا لَيْسَ فِي مِلْكِكَ وَقُدْرَتِكَ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ الَّذِي لا يُقْدَرُ عَلَى
انْتِزَاعِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَعَلَى الآبِقِ الَّذِي لا
يُعْرَفُ مَكَانُهُ، وَالطَّيْرِ الْمُنْفَلِتِ الَّذِي لا يُعْتَادُ
رُجُوعُهُ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَعْنَى " عِنْدَ " لُغَةً. قَالَ
الرَّضِيُّ: إنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاضِرِ الْقَرِيبِ وَمَا هُوَ
فِي حَوْزَتِكَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا قَالَ الشَّارِحُ: فَيَخْرُجُ عَنْ
هَذَا مَا كَانَ غَائِبًا خَارِجًا عَنْ الْمِلْكِ أَوْ دَاخِلًا فِيهِ
خَارِجًا عَنْ الْحَوْزَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَالُ مَا كَانَ
حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْمِلْكِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ - صلى
الله عليه وسلم - لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ أَيْ: مَا
(2/16)
لَيْسَ حَاضِرًا عِنْدَكَ وَلا غَائِبًا
فِي مِلْكِكَ وَتَحْتَ حَوْزَتِكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: النَّهْيُ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ عَنْ بُيُوعِ الأَعْيَانِ الَّتِي لا يَمْلِكُهَا. أَمَّا
بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَيَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ بِشُرُوطِهِ،
فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مَوْصُوفًا فِي ذِمَّتِهِ تَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ
الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ
الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ كالسَّلَمُ. قَالَ:
وَفِي بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْفَسَادِ بَيْعُ الطَّيْرِ
الْمُنْفَلِتِ الَّذِي لا يُعْتَادُ رُجُوعُهُ إلَى مَحَلِّهِ، فَإِنْ
اعْتَادَ الطَّائِرُ أَنْ يَعُودَ لَيْلًا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عِنْدَ
الأَكْثَرِ إلا النَّحْلُ فَإِنَّ الأَصَحَّ فِيهِ الصِّحَّةُ كَمَا
قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ
تَحْرِيمُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الإِنْسَانِ وَلا دَاخِلًا تَحْتَ
مَقْدِرَتِهِ، وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ
السَّلَمُ فَتَكُونُ أَدِلَّةُ جَوَازِهِ مُخَصِّصَةً لِهَذَا الْعُمُومِ،
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إذْ هُوَ
كَالْحَاضِرِ الْمَقْبُوضِ.
بَابُ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ
2809- عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا،
وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ
مِنْهُمَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا أَنَّ ابْنَ مَاجَةْ لَمْ يَذْكُرْ
فِيهِ فَصْلَ النِّكَاحِ.
وَهُوَ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ
وَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَهِيَ لِلأَوَّلِ
مِنْهُمَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا عَقَدَ لَهَا
وَلِيَّانِ لِزَوْجَيْنِ كَانَتْ لِمَنْ عَقَدَ لَهُ أَوَّلُ
الْوَلِيَّيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَسَوَاءٌ
كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَمْ لا. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ
وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، فَقَالُوا: إنَّهَا
تَكُونُ لِلثَّانِي إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا؛ لأَنَّ الدُّخُولَ
أَقْوَى.
قَوْلُهُ: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ» إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ
لِلْبَيْعِ الآخَرِ حُكْمٌ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ بَاعَ غَيْرَ مَا
يَمْلِكُ، إذْ قَدْ صَارَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الأَوَّلِ وَلا فَرْقَ
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الثَّانِي
(2/17)
وَقَعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَوْ
بَعْدَ انْقِرَاضِهَا؛ لأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ
بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ
وَجَوَازِهِ بِالْعَيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ
2810- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
2811- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقُلْت: إنِّي أَبِيعُ الإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ
بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ
الدَّنَانِيرَ فَقَالَ: «لا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا
لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
2812- وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ: أَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ
مَكَانَهَا الْوَرِقَ، وَأَبِيعُ بِالْوَرِقِ وَآخُذُ مَكَانَهَا
الدَّنَانِيرَ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ
وَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَعَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لا
يَدْخُلُ الصَّرْفَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ (الْكَالِئِ
بِالْكَالِئِ) هُوَ مَهْمُوزٌ. قَالَ الْحَاكِمُ: عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ
حَسَّانَ هُوَ بَيْعُ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ، كَذَا نَقَلَهُ أَبُو
عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَهْلِ
اللُّغَةِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: هُوَ بَيْعُ
الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ
الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا حَكَاهُ أَحْمَدُ، وَكَذَا
لا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَعْدُومٍ بِمَعْدُومٍ.
قَوْلُهُ (بِالْبَقِيعِ) قَالَ الْحَافِظُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
كَمَا وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِ الْقُبُورُ،
قَوْلُهُ: «لا بَأْسَ» إلَى آخْره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِهِ،
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا غَيْرُ حَاضِرَيْنِ جَمِيعًا، بَلْ الْحَاضِرُ
أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ اللازِمِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي
الذِّمَّةِ كَالْحَاضِرِ.
(2/18)
قَوْلُهُ: «مَا لَمْ تَفْتَرِقَا،
وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الاسْتِبْدَالِ
مُقَيَّدٌ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ
مَالانِ رِبَوِيَّانِ، فَلا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ إلا
بِشَرْطِ وُقُوعِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ.
بَابُ نَهْيِ الْمُشْتَرِي عَنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ
2813- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«إذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2814- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَنْ يُشْتَرَى الطَّعَامُ ثُمَّ يُبَاعَ حَتَّى يُسْتَوْفَى.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2815- وَلِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ
اشْتَرَى طَعَامًا فَلا يَبِيعُهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» .
2816- وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ
عَلَيَّ؟ قَالَ: «إذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلا تَبِعْهُ حَتَّى
تَقْبِضَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2817- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا
التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
2818- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانُوا
يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا بِأَعْلَى السُّوقِ فَنَهَاهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى
يَنْقُلُوهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَةْ.
2819- وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: حَتَّى يُحَوِّلُوهُ.
2820- وَلِلْجَمَاعَةِ إلا التِّرْمِذِيَّ: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا
يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
2821- وَلأَحْمَدَ: مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلا
يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
(2/19)
2822- وَلأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ:
نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى
يَسْتَوْفِيَهُ.
2823- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلا مِثْلَهُ رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
2824- وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا
يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَوْلُهُ: (نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -) إلى آَخْره: فِيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
لا يَجُوزُ لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ
مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ لا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بَلْ لا بُدَّ مِنْ
تَحْوِيلِهِ إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ الْمُشْتَرِي أَوْ
يَضَعُ فِيهِ بِضَاعَتَهُ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي
الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: حَتَّى يُحَوِّلُوهُ.
قَوْلُهُ: (وَلا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلا مِثْلَهُ) اسْتَعْمَلَ ابْنُ
عَبَّاسٍ الْقِيَاسَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّصُّ الْمُقْتَضِي
لِكَوْنِ سَائِرِ الأَشْيَاءِ كَالطَّعَامِ.
قَوْلُهُ: «حَتَّى يَكْتَالَهُ» قِيلَ: الْمُرَادُ بِالاكْتِيَالِ
الْقَبْضُ وَالاسْتِيفَاءُ كَمَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَلَكِنَّهُ
لَمَّا كَانَ الأَغْلَبُ فِي الطَّعَامِ ذَلِكَ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْكَيْلِ
وَهُوَ خِلافُ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا
مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً فَلا يَكُونُ قَبْضُهُ إلا بِالْكَيْلِ أَوْ
الْوَزْنِ فَإِنْ قَبَضَهُ جِزَافًا كَانَ فَاسِدًا، وَبِهَذَا قَالَ
الْجُمْهُورُ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ
2825- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ،
وَصَاعُ الْمُشْتَرِي. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
2826- وَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: كُنْتُ أَبْتَاعُ التَّمْرَ مِنْ بَطْنٍ
مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ
(2/20)
لَهُمْ: بَنُو قَيْنُقَاعَ وَأَبِيعُهُ
بِرِبْحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا
عُثْمَانُ إذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
2827- وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهُ بِغَيْرِ إسْنَادِ كَلامِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم -.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ
الأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مُكَايَلَةً وَقَبَضَهُ
ثُمَّ بَاعَهُ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهُ بِالْكَيْلِ
الأَوَّلِ حَتَّى يَكِيلَهُ عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ
بِالْعَقْدِ وَيَصِحُّ عِتْقَهُ قَبْل الْقَبْضِ إِجْمَاعًا فِيهِمَا،
وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَبِعْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ الْمَكِيل
وَالْمَوْزُون وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ رِوَايةً عَنْ أَحْمَدٍ اخْتَارَهَا
ابْنُ عَقِيلٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَسَوَاءٌ كَان الْمَبِيعُ مِنْ ضَمَانِ
الْمُشْتَرِي أَوْ لا، وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ أُصُول أَحْمَدٍ كَتَصَرُّفِ
الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَرَةِ قَبْلَ جِذِّهَا فِي أَصَحِّ
الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِي مَضْمُونَةٌ عَلَى الْبَائِعِ وَكَصِحَّةِ
تَصَرُّفُ الْمُسْتَأْجِر فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِالإِجَارَةِ
وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَيُمْتَنَعُ التَّصَرُّف فِي
صِبْرَةِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَاة جُزَافًا عَلَى إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ اخْتِيَارِ الْخرقيّ مَعَ أَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ
الْمُشْتَرِي وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الأَكْثَرِينَ، وَعِلَّةُ النَّهْي عَنْ
الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَتْ تَوَالِي الضَّمَانين بَلْ عَجْز
الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِهِ لأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يُسْلِمَهُ وَقَدْ
لا يُسْلِمَهُ إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فَيَسْعَى فِي رَدِّ
الْبَيْعِ إِمَّا بِجِحْدٍ أَوْ بِاحْتِيالٍ في الْفَسْخِ، وَعَلَى هَذِهِ
الْعِلَّةِ تَجُوزُ التَّوْلِيَةِ فِي الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِهِ وَهُوَ
مُخْرَجٌ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الدِّين، وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ
بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَيَجُوزُ بَيْعَهُ لِبَائِعِهِ وَالشِّرْكَةُ فِيهِ،
وَكُلُّ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ سُوَى الْبَيْع فَإِنَّهُ يَجُوزُ
التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ
قَصْدِ الرِّبْحِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ مِلْك إِنْسَانٍ فِي مَوْرُوثٍ
أَوْ وَصِيّة أَوْ غَنِيمَة لَمْ يعتَبَرْ لِصِحَّةِ تَصَرُّفُهُ قَبْضَهُ
بِلا خِلافٍ، وَيَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِتَمَكُّنِهِ
مِنَ الْقَبْضِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدٍ الْفَرْقُ بَيْنَ تَمَكُّنْ
قَبْضَهُ وَغَيْرِهِ لَيْسَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ
وَغَيْرِهِ، انْتَهَى.
(2/21)
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ
ذَوِي الْمَحَارِمِ
2828- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ
اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
2829- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ أَبِيعَ غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُهُمَا وَفَرَّقْتُ
بَيْنَهُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا
فَارْتَجِعْهُمَا وَلا تَبِعْهُمَا إلا جَمِيعًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2830- وَفِي رِوَايَةٍ: وَهَبَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ لِي يَا عَلِيُّ مَا
فَعَلَ غُلامُكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رُدَّهُ، رُدَّهُ. رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
2831- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ الأَخِ
وَأَخِيهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
2832- وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا
فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ وَرَدَّ
الْبَيْعَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
2833- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ
أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَغَزَوْنَا
فَزَارَةَ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَاءِ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
فَعَرَّسْنَا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
فَشَنَنَّا الْغَارَةَ فَقَتَلْنَا عَلَى الْمَاءِ مَنْ قَتَلْنَا، قَالَ:
ثُمَّ نَظَرْتُ إلَى عُنُقٍ مِنْ النَّاسِ فِيهِ الذُّرِّيَّةُ
وَالنِّسَاءُ، نَحْوَ الْجَبَلِ، وَأَنَا أَعْدُو فِي
إثْرِهِمْ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إلَى الْجَبَلِ، فَرَمَيْتُ
بِسَهْمٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِمْ
أَسُوقُهُمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ فَزَارَةَ
عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ
الْعَرَبِ وَأَجْمَلِهِ فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَلَمْ
أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ثُمَّ بِتُّ فَلَمْ
أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي
السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ» ؟ فَقُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا،
فَسَكَتَ وَتَرَكَنِي حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ لَقِيَنِي فِي
(2/22)
السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي
الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ» . فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: فَبَعَثَ بِهَا إلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَفِي أَيْدِيهِمْ أُسَارَى
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ
فِي الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ
الْوَالِدَةِ وَالْوَلَدِ، وَبَيْنَ الأَخَوَيْنِ. وَاُخْتُلِفَ فِي
انْعِقَادِ الْبَيْعِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ لا
يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأَبِ وَالابْنِ وَلا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ
أَبِي مُوسَى يَشْمَلُ الأَبَ وَظَاهِرُ الأَحَادِيثِ أَنَّهُ يَحْرُمُ
التَّفْرِيقُ سَوَاءٌ كَانَ بِالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ
مَشَقَّةٌ تُسَاوِي مَشَقَّةَ التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ إلا التَّفْرِيقَ
الَّذِي لا اخْتِيَارَ فِيهِ لِلْمُفَرِّقِ كَالْقِسْمَةِ، وَقَدْ
اُسْتُدِلَّ بِهَذَا بحَدِيثِ سَلَمَةَ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ
الْبُلُوغِ، لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبِنْتَ قَدْ كَانَتْ بَلَغَتْ
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَجَوَازِ
تَقْدِيمِ الْقَبُولِ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ عَلَى الإِيجَابِ فِي الْهِبَةِ
وَنَحْوِهَا وَفِيهِ أَنَّ مَا مَلَكَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الرَّقِيقِ
يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ فِي الْفِدَاءِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ حَكَى فِي الْغَيْثِ الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ
التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ
2834- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
2835- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا
يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
مِنْ بَعْضٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
2836- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ
حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
(2/23)
2837- وَلأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ
لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ.
2838- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - «لا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» .
فَقِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: لا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ:
لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «حَاضِرٌ لِبَادٍ»
الْحَاضِرُ: سَاكِنُ الْحَضَرِ، وَالْبَادِي: سَاكِنُ الْبَادِيَةِ.
قَوْلُهُ: «دَعُوا النَّاسَ» إلى آَخْره، فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ
طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ
أَبِيهِ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ،
فَإِذَا اسْتَنْصَحَ الرَّجُلُ فَلْيُنْصَحْ لَهُ» . وَأَحَادِيثُ الْبَابِ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي
مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي قَرِيبًا أَوْ
أَجْنَبِيًّا، وَسَوَاءٌ أكَانَ فِي زَمَنِ الْغَلاءِ أَمْ لا، وَسَوَاءٌ
أكَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْبَلَدِ أَمْ لا، وَسَوَاءٌ أبَاعَهُ
لَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ أَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ يَخْتَصُّ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ
بِزَمَنِ الْغَلاءِ وَبِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْمَصْرِ. وَقَالَتْ
الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ أَنْ
يَجِيءَ الْبَلَدَ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ فِي
الْحَالِ، فَيَأْتِيَهُ الْحَاضِرُ فَيَقُولَ: ضَعْهُ عِنْدِي لأَبِيعَهُ
لَكَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ قَالَ فِي
الْفَتْحِ: فَجَعَلُوا الْحُكْمَ مَنُوطًا بِالْبَادِي وَمَنْ شَارَكَهُ
فِي مَعْنَاهُ، وَجَعَلَتْ الْمَالِكِيَّةُ الْبَدَاوَةَ قَيْدًا، انْتَهَى
مُلَخَّصًا. وَاللهُ أَعْلَمُ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ النَّجْشِ
2839- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَأَنْ يَتَنَاجَشُوا.
2840- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ النَّجْشِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
(2/24)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (النَّجْشِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ
مِنْ مَكَان لِيُصَادَ، وَفِي الشَّرْعِ: الزِّيَادَةُ فِي السِّلْعَةِ،
وَيَقَعُ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الإِثْمِ،
وَيَقَعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ
النَّاجِشُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّجْشُ: أَنْ تُحْضَرَ السِّلْعَةُ
تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لا يُرِيدُ شِرَاءَهَا
لِيَقْتَدِيَ بِهِ السُّوَّامُ فَيُعْطُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا
يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَسْمَعُوا سَوْمَهُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاجِشَ عَاصٍ بِفِعْلِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي
الْبَيْعِ إذَا وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ
طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَسَادَ ذَلِكَ الْبَيْعِ إذَا وَقَعَ
عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ،
وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ
الْحَنَابِلَةِ إذَا كَانَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ أَوْ صَنْعَتِهِ
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثُبُوتُ
الْخِيَارِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ
2841- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2842- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ فَإِنْ تَلَقَّاهُ
إنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إذَا
وَرَدَ السُّوقَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (نَهَى النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
التَّلَقِّيَ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا النَّهْيِ هَلْ
يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لا؟ فَقِيلَ: يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَقِيلَ:
لا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لأَنَّ النَّهْيَ هَاهُنَا لأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ
لا يَقْتَضِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأُصُولِ.
قَوْلُهُ: (بِالْخِيَارِ) اخْتَلَفُوا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ
مُطْلَقًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ عَيْنٌ؟ ذَهَبَتْ
الْحَنَابِلَةُ إلَى الأَوَّلِ وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَهُوَ
(2/25)
الظَّاهِرُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّهْيَ
لأَجْلِ مَنفْعَةِ الْبَائِعِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَصِيَانَتِهِ
مِمَّنْ يَخْدَعُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى
نَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَلا مَانِعَ مِنْ أَنْ
يُقَالَ: الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ مُرَاعَاةُ نَفْعِ الْبَائِعِ وَنَفْعِ
أَهْلِ السُّوقِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ
وَسَوْمِهِ إلا فِي الْمُزَايَدَةِ
2843- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«لا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ إلا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2844- وَلِلنَّسَائِيِّ: «لا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ
حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ» وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ أَرَادَ
بِالْبَيْعِ الشِّرَاءَ.
2845- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ،
وَلا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ» .
2846- وَفِي لَفْظٍ: «لا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا
يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2847- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا فِيمَنْ يَزِيدُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا يَبِيعُ»
الأَكْثَرُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى أَنَّ (لا) نَافِيَةٌ، وَيَحْتَمِلُ
أَنْ تَكُونَ نَاهِيَةً وَأُشْبِعَتْ الْكَسْرَةُ كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ:
{إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} وَهَكَذَا ثَبَتَتْ الْيَاءُ فِي
بَقِيَّةِ أَلْفَاظِ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: «وَلا يَسُومُ» صُورَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ
فَيَقُولَ الْمَالِكُ: رُدَّهُ لأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ بِثَمَنِهِ، أَوْ
مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ، أَوْ يَقُولَ لِلْمَالِكِ: اسْتَرِدَّهُ
لأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ
ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إلَى الآخَرِ،
وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى
الشِّرَاءِ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ
(2/26)
اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ:
افْسَخْ لأَبِيعَكَ بِأَنْقَصَ، أَوْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ: افْسَخْ
لأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ
الْمَذْكُورِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى صِحَّتِهِ مَعَ الإِثْمِ
وَذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى فَسَادِهِ فِي إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمْ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ.
قَوْلُهُ: (فِيمَنْ يَزِيدُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ
الْمُزَايَدَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءَ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ
النَّاسَ لا يَرَوْنَ
بَأْسًا فِي بَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ
عَقِبَ حَدِيثِ أَنَسٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ
الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ
وَالْمَوَارِيثِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لا مَعْنَى لاخْتِصَاصِ
الْجَوَازِ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْبَابَ وَاحِدٌ
وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ.
بَابُ الْبَيْعِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ
2848- عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ابْتَاعَ
فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ
يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ لا يَشْعُرُونَ
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ابْتَاعَهُ فَنَادَى
الأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنْ كُنْتَ
مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ وَإِلا بِعْتُهُ فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِيِّ:
«أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ» ؟ قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لا
وَاَللَّهِ مَا بِعْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ» . فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ
شَهِيدًا، قَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ ابْتَعْتَهُ،
فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ:
«بِمَ تَشْهَدُ» ؟ فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ
شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ
الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ قَالَ
الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ الإِشْهَادُ حَتْمًا لَمْ يُبَايِعْ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي: الأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ
حُضُورِ شَهَادَةٍ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى: ...
{وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ، بَلْ هُوَ
عَلَى النَّدْبِ؛ وَهُوَ
(2/27)
الظَّاهِرُ وَقَدْ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُد
عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ.
الْوَاحِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمُ بِهِ، وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ
فَاسْتَحَلُّوا الشَّهَادَةَ لِمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ادَّعَاهُ، وَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ؛ لأَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْزِلَةٍ لا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ
لِغَيْرِهِ بِمُقَارَبَتِهَا فَضْلًا عَنْ مُسَاوَاتِهَا حَتَّى يَصِحَّ
الإِلْحَاقُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/28)
|