بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ بَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ
بَابُ مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا
2849- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ
فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ
ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلا أَنْ يَشْتَرِطَ
الْمُبْتَاعُ» . رَوَاهُ الجماعة.
2850- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَضَى أَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ لِمَنْ أَبَّرَهَا إلا أَنْ
يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَقَضَى أَنَّ مَالَ الْمَمْلُوكِ لِمَنْ بَاعَهُ
إلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ أَبِيهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ
يُؤَبَّرَ) التَّأْبِيرُ: التَّشْقِيقُ وَالتَّلْقِيحُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لَمْ
تَدْخُلْ الثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ
الْبَائِعِ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ
مُؤَبَّرَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَبِذَلِكَ
قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: لا يُشْتَرَطُ فِي
التَّأْبِيرِ أَنْ يُؤَبِّرَهُ أَحَدٌ بَلْ، لَوْ تَأَبَّرَ بِنَفْسِهِ
لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَائِلِينَ بِهِ.
قَوْلُهُ: «وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا» إلَى آخره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ التَّأْبِيرِ، وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ
الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي بَيْعِ
النَّخْلِ تَابِعَةٌ لِلنَّخْلِ، وَفِي حَدِيثِ النَّهْيِ مُسْتَقِلَّةٌ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/29)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ
قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهِ
2851- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى
عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ
وَالْمُبْتَاعَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
2852- وَفِي لَفْظٍ: نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ، وَعَنْ
بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَةْ.
2853- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لا تَتَبَايَعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
2854- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ
بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى
يَشْتَدَّ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.
2855- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ
بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ، قَالُوا: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ:
«تَحْمَرُّ» . وَقَالَ: «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ
تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ» . أَخْرَجَاهُ.
2856- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ
وَالْمُخَابَرَةِ. وَفِي لَفْظٍ: بَدَلَ الْمُعَاوَمَةِ: وَعَنْ بَيْعِ
السِّنِينَ.
2857- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ.
2858- وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَطِيبَ.
2859- وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يُطْعَمَ.
2860- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَطَاءَ عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ
وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ النَّخْلَ حَتَّى
يُشْقِهَ، وَالإِشْقَاءُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ أَوْ يُؤْكَلَ
مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنْ
الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ
بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ، وَالْمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ ... وَالرُّبُعُ
وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، قَالَ زَيْدٌ: قُلْت لِعَطَاءَ: أَسَمِعْتَ جَابِرًا
(2/30)
يَذْكُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ إلا
الأَخِيرَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لأَحْمَدَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ
فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ
بُدُوِّ صَلاحِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ:
الأَوَّلِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا شَرَطَ
الْقَطْعَ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلا بَطَلَ، وَنَسَبَهُ الْحَافِظُ إلَى
الْجُمْهُورِ، الثَّالِثِ: أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ
التَّبْقِيَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (الْمُحَاقَلَةُ) قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا، فَمِنْهُمْ
مَنْ فَسَّرَهَا بِمَا فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ: هِيَ بَيْعُ الْحَقْلِ
بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ بَيْعُ
الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ وَالْحَقْلُ الْحَرِثُ وَمَوْضِعُ الزَّرْعِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَقْلُ: الزَّرْعُ إذَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَغْلُظَ سُوقُهُ، وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ
جَابِرٍ أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ: أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الزَّرْعَ
بِمِائَةِ فَرْقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ
وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُحَاقَلَةُ: أَنْ تُكْرَى الأَرْضُ بِبَعْضِ مَا
يَنْبُتُ مِنْهَا وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ (وَالْمُزَابَنَةُ) فُسِّرَتْ بِمَا فِي الْحَدِيثِ، أَعْنِي:
بَيْعَ النَّخْلِ بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ، وَفُسِّرَتْ بِهَذَا،
وَبِبَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَانِ
أَصْلُ الْمُزَابَنَةِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ كُلَّ بَيْعٍ
مَجْهُولٍ بمَعْلُومٍ مِنْ جِنْسٍ يَجْرِي الرِّبَا فِي نَقْدِهِ،
وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعَاوَمَةِ) هِيَ بَيْعُ الشَّجَرِ أَعْوَامًا كَثِيرَةً.
قَوْلُهُ: (وَالْمُخَابَرَةِ) سَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ
الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ أن شاء الله تعالى.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يُشْقِهَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ
ثُمَّ قَافٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: يُشْقِحَ وَهِيَ الأَصْلُ
وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنْ الْحَاءِ، وَإِشْقَاحُ النَّخْلِ احْمِرَارُهُ
وَاصْفِرَارُهُ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَنَحْوِهَا
عَلَى تَحْرِيمِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَمَا شَارَكَهُمَا فِي
الْعِلَّةِ قِيَاسًا وَهِيَ إمَّا مَظِنَّةُ الرِّبَا لِعَدَمِ عِلْمِ
التَّسَاوِي أَوْ الْغَرَرِ، وَعَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ السِّنِينَ وَعَلَى
تَحْرِيمِ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ صَلاحِهِ وَقَدْ وَقَعَ الاتِّفَاقُ
عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا
وَعَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سَنَابِلِهَا بِالْحِنْطَةِ
مُنْسَلَّةً عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَلا فَرْقَ
(2/31)
عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ
الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مَقْطُوعًا
مِنْهُمَا.
بَابُ الثَّمَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ يَلْحَقُهَا جَائِحَةٌ
2861- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - وَضَعَ الْجَوَائِحَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو
دَاوُد.
2862- وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.
2863- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: إنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمْرًة،
فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا،
بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الْجَوَائِحُ) جَمْعُ
جَائِحَةٍ وَهِيَ الآفَةُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ فَتُهْلِكُهَا
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ إذَا بِيعَتْ
الثَّمَرَةُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاحِهَا وَسَلَّمَهَا الْبَائِعُ
لِلْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ ثُمَّ تَلِفَتْ بِالْجَائِحَةِ قَبْلَ
أَوَانِ الْجُذَاذِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ
مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَاللَّيْثُ: لا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى
الْبَائِعِ بِشَيْءٍ قَالُوا: وَإِنَّمَا وَرَدَ وَضْعُ الْجَوَائِحِ
فِيمَا إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا بِغَيْرِ شَرْطِ
الْقَطْعِ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عَلَى
مَا قُيِّدَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَاسْتَدَلَّ
الطَّحَاوِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أُصِيبَ
رَجُلٌ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» . فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ
وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلا
ذَلِكَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ قَالَ: فَلَمَّا لَمْ
يُبْطِلْ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِذَهَابِ الثِّمَارِ بِالْعَاهَاتِ وَلَمْ
يَأْخُذْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثَّمَنَ مِمَّنْ بَاعَهَا
مِنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْجَوَائِحِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ،
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: هِيَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ
فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنِ سَلامٍ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِي الأَحَادِيثِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى وُجُوبِ
إسْقَاطِ مَا اُجْتِيحَ مِنْ الثَّمَرَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَلا
يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا
إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ،
بَلْ
(2/32)
الصَّحِيحُ رَفْعُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ
جَابِرٍ وَأَنَسٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَذْهَبَتْ الْجَائِحَةُ دُونَ
الثُّلُثِ لَمْ يَجِبْ الْوَضْعُ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ
وَجَبَ، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ
كَثِيرٌ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: لَمْ يَصِحَّ فِي الثُّلُثِ شَيْءٌ عَنْ
النَّبِيِّ وَهُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالرَّاجِحُ الْوَضْعُ
مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَبَيْنَ
الْبَيْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ وَبَعْدَهُ وَمَا احْتَجَّ بِهِ
الأَوَّلُونَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّنْصِيصَ
عَلَى الْوَضْعِ مَعَ الْبَيْعِ قَبْلَ الصَّلاحِ لا يُنَافِي الْوَضْعَ
مَعَ الْبَيْعِ بَعْدَهُ وَلا يَصْلُحُ مِثْلُهُ لَتَخْصِيصِ مَا دَلَّ
عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَلا لِتَقْيِيدِهِ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ
الطَّحَاوِيُّ فَغَيْرُ صَالِحٍ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى مَحَلِّ
النِّزَاعِ؛ لأَنَّهُ لا تَصْرِيحَ فِيهِ بِأَنَّ ذَهَابَ ثَمَرَةِ ذَلِكَ
الرَّجُلِ كَانَ بِعَاهَاتٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَأَيْضًا عَدَمُ نَقْلِ
تَضْمِينِ بَائِعِ الثَّمَرَةِ لا يَصْلُحُ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ؛ لأَنَّهُ
قَدْ نَقَلَ مَا يُشْعِرُ بِالتَّضْمِينِ عَلَى الْعُمُومِ فَلا يُنَافِيهِ
عَدَمُ النَّقْلِ فِي قَضِيَّةٍ خَاصَّةٍ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ أَبِي
سَعِيدٍ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَيَأْتِي فِي شَرْحِهِ بَقِيَّةُ
الْكَلامِ عَلَى الْوَضْعِ إن شاء الله تعالى. انْتَهَى. قُلْتُ: رَأْيُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا قَوْلٌ وَسَطٌ قَرِيبٌ.
(2/33)
|