بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أبواب الربا
بَابُ التَّشْدِيدِ فِيهِ
2887- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ
وَكَاتِبَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ النَّسَائِيّ قَالَ:
2888- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ إذَا عَلِمُوا ذَلِكَ
مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ
الْقِيَامَةِ.
2889- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غِسِّيلِ الْمَلائِكَةِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «دِرْهَمُ رِبًا
يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ
زَنْيَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَكَاتِبَهُ) فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرِّبَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ
الشَّاهِدُ.
قَوْلُهُ: «أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
مَعْصِيَةَ الرِّبَا مِنْ أَشَدِّ الْمَعَاصِي.
بَابُ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا
2890- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا
تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا الْوَرِقَ
(2/42)
بِالْوَرِقِ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا
تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهُمَا غَائِبًا
بِنَاجِزٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2891- وَفِي لَفْظٍ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ،
وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ
بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ،
فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ
سَوَاءٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
2892- وَفِي لَفْظٍ: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا الْوَرِقَ
بِالْوَرِقِ إلا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2893- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا
بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
2894- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ،
وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ
يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلا مَا
اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2895- وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلا وَزْنًا بِوَزْنٍ»
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2896- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلا سَوَاءً
بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ
شِئْنَا وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا. أَخْرَجَاهُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً.
2897- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلا
هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلا هَاءَ وَهَاءَ،
وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ
بِالتَّمْرِ رِبًا إلا هَاءَ وَهَاءَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2898- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ،
وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ
بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ
(2/43)
مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا
بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ
إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2899- وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَةْ وَأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ وَفِي
آخِرِهِ: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ
بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا» .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ جِنْسَيْنِ.
2900- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ
أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الطَّعَامُ
بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2901- وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ
إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا
اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلا بَأْسَ بِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
2902- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى
خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ
هَكَذَا» ؟ قَالَ: إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ
وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاثَةِ، فَقَالَ: «لا تَفْعَلْ، بِعْ الْجَمْعَ
بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» . وَقَالَ فِي
الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الذَّهَبُ
بِالذَّهَبِ» يَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ مِنْ مَضْرُوبٍ
وَمَنْقُوشٍ وَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمُكَسَّرٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْرٍ
وَخَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ، وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ
عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «وَلا تُشِفُّوا» بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَشَفَّ، وَالشِّفُّ
الزِّيَادَةُ، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّقْصِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لا
تُفَضِّلُوا.
قَوْلُهُ: «فَمَنْ زَادَ» إلى آَخْره، فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ
رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ يَجُوزُ رِبَا الْفَضْلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
إلى أن قَالَ: وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ:
«إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» . قَالَ فِي
(2/44)
الْفَتْحِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. فَقِيلَ: إنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ
مَنْسُوخٌ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: «لا رِبَا» الرِّبَا
الأَغْلَظُ.
قَوْلُهُ: «إلا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ»
الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الأَلْفَاظِ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ أَوْ
لِلْمُبَالَغَةِ.
قَوْلُهُ: «إلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ» الْمُرَادُ أَنَّهُمَا
اخْتَلَفَا فِي اللَّوْنِ اخْتِلافًا يَصِيرُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
جِنْسًا غَيْرَ جِنْسِ مُقَابِلِهِ، فَمَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ
شِئْتُمْ» . إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلا بُدَّ فِي بَيْعِ بَعْضِ
الرِّبَوِيَّاتِ ببَعْضِ مِنْ التَّقَابُضِ وَلاسِيَّمَا فِي الصَّرْفِ
وَهُوَ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالذَّهَبِ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ
عَلَى اشْتِرَاطِهِ. وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ فِي شَرْحِ بُلُوغِ
الْمَرَامِ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ
بِرِبَوِيٍّ لا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ مُتَفَاضِلاً أَوْ مُؤَجَّلاً
كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْحِنْطَةِ وَبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالشَّعِيرِ
وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلِ قَالَ الشَّارِحُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ
الرِّبَوِيُّ يُشَارِكُ مُقَابِلَهُ فِي الْعِلَّةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْعُ
الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْعَكْسُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الأَجْنَاسِ كَبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ أَوْ بِالتَّمْرِ أَوْ
الْعَكْسِ. فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ: «إلا يَدًا بِيَدٍ» عَلَى
أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ الإِيجَابِ بِالْكَلامِ
وَلا يَجُوزُ التَّرَاخِي وَأن كَانَا فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ
التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الإِيجَابِ، قَوْلُهُ:
(بِعْ الْجَمْعَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ التَّمْرُ الْمُخْتَلِطُ
بِغَيْرِهِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا
يَجُوزُ بَيْعُ رَدِيءِ الْجِنْسِ بِجَيِّدِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا
مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ. قَوْلُهُ:
(وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ مَا قَالَ فِي
الْمَكِيلِ مِنْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْجِنْسِ مِنْهُ
بِبَعْضِهِ مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ
وَالرَّدَاءَةِ بَلْ يُبَاعُ رَدِيئُهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُشْتَرَى
بِهَذَا الْجَيِّدُ وَالْمُرَادُ بِالْمِيزَانِ هُنَا الْمَوْزُونُ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْمَوْزُونَاتِ كُلِّهَا؛
لأَنَّ قَوْلَهُ (فِي الْمِيزَانِ) أَيْ: فِي الْمَوْزُونِ وَإِلا فَنَفْسُ
الْمِيزَانِ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا.
(2/45)
بَابٌ فِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي
كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ
2903- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالْكَيْلِ
الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ
يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسٍ غَيْرِ
التَّمْرِ لَجَازَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جِنْسٌ بِجِنْسِهِ، وَأَحَدُهُمَا
مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ؛ لأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّسَاوِي مَعَ الاتِّفَاقِ
فِي الْجِنْسِ شَرْطٌ لا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِدُونِهِ وَلا شَكَّ أَنَّ
الْجَهْلَ بِكِلا الْبَدَلَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ مَظِنَّةٌ
لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَمَا كَانَ مَظِنَّةً لِلْحَرَامِ وَجَبَ
تَجَنُّبُهُ وَتَجَنُّبُ هَذِهِ الْمَظِنَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَيْلِ
الْمَكِيلِ وَوَزْنِ الْمَوْزُونِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ.
بَابُ مَنْ بَاعَ ذَهَبًا وَغَيْرَهُ بِذَهَبٍ
2904- عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ قِلادَةً يَوْمَ
خَيْبَرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ،
فَفَصَّلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا،
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لا
يُبَاعُ حَتَّى يُفَصَّلَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2905- وَفِي لَفْظٍ: أُتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِقِلادَةٍ
فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ
سَبْعَةِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا
حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ» . فَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ
الْحِجَارَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَتَّى
تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا» . قَالَ فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ
عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ مَعَ غَيْرِهِ بِذَهَبٍ حَتَّى
يُفَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَيُمَيَّزَ عَنْهُ لِيُعْرَفَ مِقْدَارُ
الذَّهَبِ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ الْفِضَّةُ مَعَ غَيْرِهَا
بِفِضَّةٍ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ لاتِّحَادِهَا
فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ تَحْرِيمُ بَيْعِ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ
مُتَفَاضِلًا.
بَابُ مَرَدِّ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
2906- عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
(2/46)
وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يُرْجَعُ عِنْدَ الاخْتِلافِ فِي الْكَيْلِ إلَى مِكْيَالِ الْمَدِينَةِ
وَعِنْدَ الاخْتِلافِ فِي الْوَزْنِ إلَى مِيزَانِ مَكَّةَ. أَمَّا
مِقْدَارُ مِيزَانِ مَكَّةَ فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: بَحَثْتُ غَايَةَ
الْبَحْثِ عَنْ كُلِّ مَنْ وَثَقْتُ بِتَمْيِيزِهِ فَوَجَدْتُ كُلًّا
يَقُولُ: إنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ اثْنَتَانِ
وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ بِالْحَبِّ مِنْ
الشَّعِيرِ، وَالدِّرْهَمُ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ، فَوَزْنُ
الدِّرْهَمِ
سَبْعٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ
الْحَبَّةِ، فَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا
بِالدِّرْهَمِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ فَقَدْ
قَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ فِي الْفِطْرَةِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ كُلِّ رَطْبٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ
بِيَابِسِهِ
2907- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ
الرَّجُلُ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ
كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ
يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
2908- وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ.
2909- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ
لِمَنْ حَوْلَهُ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ
فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَوْلُهُ: (بِتَمْرٍ كَيْلًا) إلى آخره قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُرَادُ
بِالْكَرْمِ الْعِنَبُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا أَصْلُ
الْمُزَابَنَةِ، وَأَلْحَقَ الْجُمْهُورُ بِذَلِكَ كُلَّ بَيْعٍ مَجْهُولٍ
بِمَجْهُولٍ أَوْ بِمَعْلُومٍ مِنْ جِنْسٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا.
قَوْلُهُ: «أَيَنْقُصُ إذَا يَبِسَ» قَالُوا: نَعَمْ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ
الرُّطَبِ، بِالرُّطَبِ؛ لأَنَّ نَقْصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لا
يَحْصُلُ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِثْلُ نَقْصِ الآخَرِ، قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: إنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إلا
الشَّافِعِيَّ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/47)
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا
2910- عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ
بِالتَّمْرِ إلا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ فِيهِ:
2911- وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ
بِخَرْصِهِ.
2912- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْر، وَرَخَّصَ فِي
الْعَرَايَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2913- وَفِي لَفْظٍ: عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ
الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ إلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ
الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ
بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2914- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ حِينَ أَذِنَ لأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ
يَبِيعُوهَا بِخَرْصِهَا يَقُولُ: «الْوَسْقَ وَالْوَسْقَيْنِ
وَالثَّلاثَةَ وَالأَرْبَعَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2915- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
2916- وَفِي لَفْظٍ: رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ
الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
2917- وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ
أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَخْرَجَاهُ.
2918- وَفِي لَفْظٍ: بِالتَّمْرِ وَبِالرُّطَبِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (بَيْعُ الثَّمَرِ
بِالتَّمْرِ) الأَوَّلُ بِالْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَالثَّانِي
بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ
بِالأَوَّلِ ثَمَرُ النَّخْلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثَّمَرَ مِنْ
غَيْرِ النَّخْلِ؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ قَوْلُهُ: (إلا
أَصْحَابَ الْعَرَايَا)
(2/48)
جَمْعُ عَرِيَّةٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَهِيَ فِي الأَصْلِ عَطِيَّةُ ثَمَرِ النَّخْلِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَانَتْ
الْعَرَبُ فِي الْجَدْبِ تَتَطَوَّعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لا ثَمَرَ لَهُ
كَمَا يَتَطَوَّعُ صَاحِبُ الشَّاةِ أَوْ الإِبِلِ بِالْمَنِيحَةِ. قَالَ
فِي الْفَتْحِ: صُوَرُ الْعَرِيَّةِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: أَنْ يَقُولَ
الرَّجُلُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ: بِعْنِي ثَمَرَ ثلاثٍ بِأَعْيَانِهَا
بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَخْرِصُهَا وَيَبِيعُهَا وَيَقْبِضُ مِنْهُ
التَّمْرَ وَيُسَلِّمُ لَهُ النَّخَلاتِ بِالتَّخْلِيَةِ فَيَنْتَفِعُ
بِرُطَبِهَا، وَمِنْهَا: أَنْ يَهَبَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ نَخَلاتٍ
أَوْ ثَمَرَ نَخَلاتٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ حَائِطِهِ ثُمَّ يَتَضَرَّرَ
بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَيَخْرِصَهَا وَيَشْتَرِيَ رُطَبَهَا بِقَدْرِ
خَرْصِهِ بِثَمَرٍ مُعَجَّلٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَهُ إيَّاهَا
فَيَتَضَرَّرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِانْتِظَارِ صَيْرُورَةِ الرُّطَبِ
تَمْرًا وَلا يُحِبُّ أَكْلَهَا رُطَبًا لاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّمْرِ
فَيَبِيعَ ذَلِكَ الرُّطَبَ بِخَرْصِهِ مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ
بِتَمْرٍ يَأْخُذُهُ مُعَجَّلًا. وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ
حَائِطِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاحِهِ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ نَخَلاتٍ
مَعْلُومَةً يُبْقِيهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِعِيَالِهِ وَهِيَ الَّتِي عُفِيَ
لَهُ عَنْ خَرْصِهَا فِي الصَّدَقَةِ وَسُمِّيَتْ عَرَايَا؛ لأَنَّهَا
أُعْرِيَتْ عَنْ أَنْ تُخْرَصَ فِي الصَّدَقَةِ فَرُخِّصَ لأَهْلِ
الْحَاجَةِ الَّذِينَ لا نَقْدَ لَهُمْ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ تَمْرِ
قُوتِهِمْ أَنْ يَبْتَاعُوا بِذَلِكَ التَّمْرِ مِنْ رُطَبِ تِلْكَ
النَّخَلاتِ بِخَرْصِهَا.
قَوْلُهُ: «يَقُولُ الْوَسْقَ وَالْوَسْقَيْنِ» إلَى آخْره اسْتَدَلَّ
بِهَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا إلا دُونَ
خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَهْلُ
الظَّاهِرِ قَالُوا: لأَنَّ الأَصْلَ التَّحْرِيمُ، فَيُؤْخَذُ بِمَا
يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْجَوَازُ وَيُبْقَى مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ.
بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ
2919- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّأ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثَ لا يَنْتَهِضُ
لِلاحْتِجَاجِ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ فَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ
اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ
وَالشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
مَأْكُولٍ جَازَ عِنْدَ الْعِتْرَةِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ
فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لاخْتِلافِ الْجِنْسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي
أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لا يَجُوزُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ
(2/49)
قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ} وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: إنْ غَلَبَ
اللَّحْمُ جَازَ لِيُقَابِلَ الزَّائِدُ مِنْهُ الْجِلْدَ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: ويحرم بَيْعِ اللَّحْمُ بَِالْحَيَوَانِ من
جِنْسِه مَقْصُود اللَّحْمُ.
بَابُ جَوَازِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسِيئَةِ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ
وَالْمَوْزُونِ
2920- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ.
2921- وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
2922- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى
صَفِيَّةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ.
2923- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَبْعَثَ جَيْشًا عَلَى إبِلٍ كَانَتْ
عِنْدِي قَالَ: فَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَيْهَا حَتَّى نَفَدَتْ الإِبِلُ
وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
الإِبِلُ قَدْ نَفِدَتْ وَقَدْ بَقِيَتْ
بَقِيَّةٌ مِنْ النَّاسِ لا ظَهْرَ لَهُمْ، فَقَالَ لِي: «ابْتَعْ
عَلَيْنَا إبِلًا بِقَلائِصَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى مَحَلِّهَا
حَتَّى تُنَفِّذَ هَذَا الْبَعْثَ» . قَالَ: فَكُنْتُ أَبْتَاعُ الْبَعِيرَ
بِقَلُوصَيْنِ وَثَلاثِ قَلائِصَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى مَحَلِّهَا
حَتَّى نَفَّذْتُ ذَلِكَ الْبَعْثَ، فَلَمَّا جَاءَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ
أَدَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِمَعْنَاهُ.
2924- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ بَاعَ
جَمَلًا يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ رَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.
2925- وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً. رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(2/50)
2926- وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ وَالآثَارُ
الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ مُتَعَارِضَةٌ كَمَا تَرَى فَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً
مُتَفَاضِلًا مُطْلَقًا وَشَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَخْتَلِفَ الْجِنْسُ
وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا مَعَ النَّسِيئَةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْهَادَوِيَّةِ،
وَتَمَسَّكَ الأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَجَابُوا عَنْ
حَدِيثِ سَمُرَةَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
الْمُرَادُ بِهِ النَّسِيئَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ فَهِيَ مِنْ بَيْعِ
الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهُوَ لا يَصِحُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ. انْتَهَى
ملخصًا.
بَابُ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ لا يَشْتَرِيهَا بِأَقَلَّ
مِمَّا بَاعَهَا
2927- عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا
دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْتُ غُلامًا مِنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمَائِةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي
ابْتَعْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمَائِةٍ نَقْدًا فَقَالَتْ لَهَا
عَائِشَةُ: بِئْسَمَا اشْتَرَيْتِ وَبِئْسَمَا شَرَيْتِ، إنَّ جِهَادَهُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ بَطَلَ إلا أَنْ
يَتُوبَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ
الْغَالِيَةُ بِنْتُ أَيْفَعَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ
لا يَصِحُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِمَنْ بَاعَ شَيْئًا
بِثَمَنٍ نَسِيئَةً أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ ذَلِكَ
الثَّمَنِ نَقْدًا قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ أَمَّا إذَا كَانَ
الْمَقْصُودُ التَّحَيُّلَ لأَخْذِ النَّقْدِ فِي الْحَالِ وَرَدِّ
أَكْثَرَ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فَلا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرِّبَا
الْمُحَرَّمِ الَّذِي لا يَنْفَعُ فِي تَحْلِيلِهِ الْحِيَلُ الْبَاطِلَةُ
وَسَيَأْتِي الْخِلافُ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ
هَذَا. وَالصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ صُورَةُ بَيْعِ الْعِينَةِ
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ هَذَا ... الْبَيْعِ وَلَكِنَّ تَصْرِيحَ
عَائِشَةَ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ مُوجِبٌ لِبُطْلانِ الْجِهَادِ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا قَدْ
عَلِمَتْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ بِنَصٍّ مِنْ الشَّارِعِ، إمَّا عَلَى جِهَةِ
الْعُمُومِ كَالأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا الشَّامِلِ
لِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَوْ عَلَى جِهَةِ الْخُصُوصِ كَحَدِيثِ
الْعِينَةِ الآتِي.
(2/51)
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ
2928- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ
وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ
الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْزَلَ اللَّهُ
بِهِمْ بَلاءً، فَلا يَرْفَعُهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ.
2929- «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ
الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى
دِينِكُمْ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَبَيْعُ
الْعِينَةِ هُوَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ
وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قَبْضِ
الثَّمَنِ بِثَمَنِ نَقْدٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ قَالَ
الشَّارِحُ: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْعِينَةِ مَالِكٌ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَجَوَّزَ ذَلِكَ
الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ مُسْتَدِلِّينَ عَلَى الْجَوَازِ بِمَا وَقَعَ
مِنْ أَلْفَاظِ الْبَيْعِ الَّتِي لا يُرَادُ بِهَا حُصُولُ مَضْمُونِهِ،
وَطَرَحُوا الأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ
الْقَيِّمِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعِينَةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ
الأَوْزَاعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:
«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَسْتَحِلُّونَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ»
قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَإِنَّهُ صَالِحٌ
لِلاعْتِضَادِ بِهِ بِالاتِّفَاقِ وَلَهُ مِنْ الْمُسْنَدَاتِ مَا يَشْهَدُ
لَهُ، وَهِيَ الأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعِينَةِ،
فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِينَةَ عِنْدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهَا
إنَّمَا يُسَمِّيهَا بَيْعًا وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى حَقِيقَةِ الرِّبَا
الصَّرِيحِ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ غَيَّرَا اسْمَهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ
وَصُورَتَهَا إلَى التَّبَايُعِ الَّذِي لا قَصْدَ لَهُمَا فِيهِ
أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ حِيلَةٌ وَمَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ لِلَّهِ
تَعَالَى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّبُهَاتِ
2930- عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا
أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنْ
الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا
يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ،
وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ
يُوَاقِعَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
(2/52)
2931- وَعَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ
يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا
لِمَا بِهِ الْبَأْسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
2932- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
لَيُصِيبُ التَّمْرَةَ فَيَقُولُ: «لَوْلا أَنِّي أَخْشَى أَنَّهَا مِنْ
الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2933- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ
الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَلا
يَسْأَل عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ فَلْيَشْرَبْ مِنْ
شَرَابِهِ وَلا يَسْأَلْهُ عَنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2934- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لا
يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ الشُّبُهَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَا
تَعَارَضَتْ فِيهِ الأَدِلَّةُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَا
اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ مُنْتَزَعٌ مِنْ التَّفْسِيرِ
الأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهَا قِسْمُ
الْمَكْرُوهِ؛ لأَنَّهُ يَجْتَذِبُهُ جَانِبَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ الْمُبَاحُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنِيرِ عَنْ
بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمَكْرُوهُ عَقَبَةٌ بَيْنَ
الْعَبْدِ وَالْحَرَامِ، فَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الْمَكْرُوهِ تَطَرَّقَ
إلَى الْحَرَامِ، وَالْمُبَاحُ عَقَبَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ...
الْمَكْرُوهِ، فَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ تَطَرَّقَ إلَى الْمَكْرُوهِ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لابْنِ حِبَّانَ: «اجْعَلُوا
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنْ الْحَلالِ، مَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ» . قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ
أَنْ ذَكَرَ التَّفَاسِيرَ لِلْمُشْتَبِهَاتِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي
رُجْحَانُ الْوَجْهِ الأَوَّلِ، قَالَ: وَلا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ
مِنْ الأَوْجُهِ مُرَادًا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلافِ النَّاسِ قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: مَا شَكَكْتَ فِيهِ فَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ، وَهُوَ
عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبٍ، وَمُسْتَحَبٍّ، وَمَكْرُوهٍ
فَالْوَاجِبُ: مَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَنْدُوبُ
اجْتِنَابُ مُعَامَلَةِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، وَالْمَكْرُوهُ:
اجْتِنَابُ الرُّخَصِ الْمَشْرُوعَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ أَرْشَدَ
الشَّارِعُ إلَى اجْتِنَابِ مَا لا يَتَيَقَّنُ الْمَرْءُ حِلَّهُ
بِقَوْلِهِ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لا
يَرِيبُكَ» . وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى أَنَّ
(2/53)
الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ مِنْ
المشُّبُهَاتِ. فَقَالَ: بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا
مِنْ الْمُشَبَّهَاتِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذِهِ التَّرْجَمَةُ
مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَطُّعِ فِي الْوَرَعِ.
انتهى. وساق الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ نجاد بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ:
شُكِىَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يَجِدُ فِي
الصَّلاَةِ شَيْئًا، أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ قَالَ: «لاَ، حَتَّى يَسْمَعَ
صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا
بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَمُّوا اللَّهَ
عَلَيْهِ وَكُلُوهُ» .
(2/54)
|