بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ
بَابُ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا
2864- عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا
فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ: وَلَحِقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ
فَقَالَ: «بِعْنِيهِ» . فَقُلْتُ: لا، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ» .
فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَنَهُ إلَى أَهْلِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2865- وَفِي لَفْظٍ لأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: وَشَرَطْتُ ظَهْرَهُ إلَى
الْمَدِينَةِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ، وَبِهِ قَالَ
الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لا
يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ
وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ
بِأَنَّهُ قِصَّةُ عَيْنٍ تَدْخُلُهَا الاحْتِمَالاتُ وَيُجَابُ بِأَنَّ
حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ
هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى
الْخَاصِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا فَقَدْ تم
تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: إلا أَنْ يُعْلَمَ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ جَمْعِ شَرْطَيْنِ مِنْ ذَلِكَ
2866- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ،
وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(2/34)
2867- إلا ابْنَ مَاجَةْ فَإِنَّ لَهُ
مِنْهُ: «رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» . قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لا يَحِلُّ سَلَفٌ
وَبَيْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ: الْمُرَادُ بِالسَّلَفِ هُنَا الْقَرْضُ.
قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا ثُمَّ يُبَايِعَهُ عَلَيْهِ
بَيْعًا يَزْدَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يُقْرِضُهُ
عَلَى أَنْ يُحَابِيَهُ فِي الثَّمَنِ وَقَدْ يَكُونُ السَّلَفُ بِمَعْنَى
السَّلَمِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ عَبْدِي هَذَا
بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي مِائَةً فِي كَذَا وَكَذَا أَوْ يُسْلِمَ
إلَيْهِ فِي شَيْءٍ وَيَقُولَ: إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ الْمُسْلَمُ فِيهِ
عِنْدَكَ فَهُوَ بَيْعٌ لَكَ.
قَوْلُهُ: «وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» قَالَ الْبَغَوِيّ: هُوَ أَنْ
يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ
نَسِيئَةً فَهَذَا بَيْعٌ وَاحِدٍ تَضَمَّنَ شَرْطَيْنِ يَخْتَلِفُ
الْمَقْصُودُ فِيهِ بِاخْتِلافِهِمَا وَلا فَرْقَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ
وَشُرُوطٍ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ
وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي
بِكَذَا وَعَلَيَّ قِصَارَتُهُ وَخِيَاطَتُهُ فَهَذَا فَاسِدٌ عِنْدَ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّهُ صَحِيحٌ. انتهى. وَقَالَ
الْحَافِظُ عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ: وَفِيه جُوازُ تَعَدُّدِ الشُّرُوطِ
لِقَوْلِهِ مائة شرط. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: (وَلَوْ كَانَ مِائَةُ شَرْطٍ)
خَرَّجَ مَخْرَج التَّكْثِير، يَعْنِي أَنَّ الشُّرُوط غَيْر
الْمَشْرُوعَةِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَثُرَتْ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ
الشُّرُوطَ الْمَشْرُوعَةَ صَحِيحَةٌ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: «وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ» يَعْنِي: لا يَجُوزُ أَنْ
يَأْخُذَ رِبْحَ سِلْعَةٍ لَمْ يَضْمَنْهَا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ
مَتَاعًا وَيَبِيعَهُ إلَى آخَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَهَذَا
الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَرِبْحُهُ لا يَجُوزُ؛ لأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ
الْبَائِعِ الأَوَّلِ، وَلَيْسَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِعَدَمِ
الْقَبْضِ.
بَابُ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ
2868- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ
لِلْعِتْقِ فَاشْتَرَطُوا وَلاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا
الْوَلاءُ
(2/35)
لِمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ لَفْظَةَ: أَعْتِقِيهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ
الْعُلَمَاءُ: الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: يَقْتَضِيهِ
إطْلاقُ الْعَقْدِ كَشَرْطِ تَسْلِيمِهِ. الثَّانِي: شَرْطٌ فِيهِ
مَصْلَحَةٌ كَالرَّهْنِ وَهُمَا جَائِزَانِ اتِّفَاقًا. الثَّالِثُ:
اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
لِهَذَا الْحَدِيثِ. الرَّابِعُ: مَا يَزِيدُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ
وَلا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي كَاسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَتِهِ فَهُوَ
بَاطِلٌ.
بَابُ أَنَّ مَنْ شَرَطَ الْوَلاءَ أَوْ شَرْطًا فَاسِدًا لَغَا وَصَحَّ
الْعَقْدُ
2869- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ
بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: اشْتَرِينِي فَأَعْتِقِينِي،
قُلْت: نَعَمْ، قَالَتْ: لا يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلائِي،
قُلْت: لا حَاجَةَ لِي فِيكِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - أَبوْ بَلَغَهُ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ» ؟ فَذَكَرَتْ
عَائِشَةُ مَا قَالَتْ، فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا
وَيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا» . قَالَتْ: فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا،
وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاءَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
-: «الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2870- وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
2871- وَلِلْبُخَارِيِّ فِي لَفْظٍ آخَرَ: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ
الْوَلاءَ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
2872- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ
جَارِيَةً تُعْتِقُهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ
وَلاءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: «لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ»
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2873- وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ، لَكِنْ قَالَ فِيهِ: عَنْ عَائِشَةَ جَعَلَهُ
مِنْ مُسْنَدِهَا.
2874 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ
تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقَهَا فَأَبَى أَهْلُهَا إلا أَنْ يَكُونَ
الْوَلاءُ لَهُمْ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: «لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَلاءَ لِمَنْ
أَعْتَقَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «اشْتَرِيهَا» فِي
ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
(2/36)
بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إذَا رَضِيَ وَلَوْ
لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ.
قَوْلُهُ: «وَيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ
الْبَائِعِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُ لا يَصِحُّ، بَلْ
الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: «وَإِنْ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ:
لَوْ شَرَطُوا مِائَةَ مَرَّةٍ تَوْكِيدًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ انتهى.
قَالَ الْحَافِظُ وَإِنَّ احُتمِلَ التَّأْكِيدِ ظَاهِرٌ فِي أن الْمُرَادُ
بِهِ التعدد، وذكر الْمِائَةِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةُ. والله
أعلم.
قَوْلُهُ: «وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاءَ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ
أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِقَصْدِ أَنْ يُعَطِّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطَهُمْ
لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ
مِنْ بَابِ الأَدَبِ.
قَوْلُهُ: «فَإِنَّما الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» فِيهِ إثْبَاتُ الْوَلاءِ
لِلْمُعْتِقِ وَنَفْيُهُ عَمَّن عَدَاهُ.
بَابُ شَرْطِ السَّلامَةِ مِنْ الْغَبْنِ
2875- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: «مَنْ
بَايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلابَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2876- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَبْتَاعُ وَكَانَ فِي عُقْدَتِهِ، يَعْنِي: فِي
عَقْلِهِ، ضَعْفٌ فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اُحْجُرْ عَلَى فُلانٍ فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ،
وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَدَعَاهُ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لا أَصْبِرُ عَنْ الْبَيْعِ، فَقَالَ: «إنْ
كُنْتَ غَيْرَ تَارِكٍ لِلْبَيْعِ فَقُلْ: هَا وَهَا وَلا خِلابَةَ» .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِيهِ صِحَّةُ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ؛ لأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ إيَّاهُ
وَطَلَبُوهُ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا
عِنْدَهُمْ لَمَا طَلَبُوهُ وَلا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ.
2877- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَخَبِلَتْ لِسَانُهُ، فَكَانَ إذَا بَايَعَ
يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: ... «بَايِعْ وَقُلْ لا خِلابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ
ثَلاثًا» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْتُهُ يُبَايِعُ وَيَقُولُ:
(2/37)
لا خِذَابَةَ لا خِذَابَةَ. رَوَاهُ
الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ.
2878- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: هُوَ جَدِّي
مُنْقِذُ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي
رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ لا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ
التِّجَارَةَ، فَكَانَ لا يَزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إذَا أَنْتَ بَايَعْتَ
فَقُلْ: لا خِلابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا
بِالْخِيَارِ ثَلاثَ لَيَالٍ، إنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ
فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ
وَابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا خِلابَةَ»
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللامِ أَيْ: لا خَدِيعَةَ قَالَ
الْعُلَمَاءُ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا
الْقَوْلَ لَيَتَلَفَّظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَيُطْلِعَ بِهِ صَاحِبَهُ
أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ
وَمَقَادِيرِ
الْقِيمَةِ، وَيَرَى لَهُ مَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا
ظَهَرَ غَبْنٌ رَدَّ الثَّمَنَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الشَّرْطِ هَلْ كَانَ خَاصًّا بِهَذَا الرَّجُلِ
أَمْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَنْ شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ فَعِنْدَ
أَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْمَنْصُورِ بِاَللَّهِ
وَالإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الرَّدُّ لِكُلِّ مَنْ شَرَطَ هَذَا
الشَّرْطَ، وَيُثْبِتُونَ الرَّدَّ بِالْغَبْنِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ
قِيمَةَ السِّلَعِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ الْغَبْنِ فَاحِشًا
وَهُوَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ، قَالُوا: بِجَامِعِ الْخَدْعِ الَّذِي
لأَجْلِهِ أَثْبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِذَلِكَ الرَّجُلِ
الْخِيَارَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا
جَعَلَ لِهَذَا الرَّجُلِ الْخِيَارَ لِلضَّعْفِ الَّذِي كَانَ فِي
عَقْلِهِ فَلا يَلْحَقُ بِهِ إلا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ
أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إذَا
غُبِنَ يَشْهَدُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَدْ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلاثًا فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ،
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لا يَصِحُّ الاسْتِدْلال بِمِثْلِ هَذِهِ
الْقِصَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ مَغْبُونٍ وَإِنْ كَانَ
صَحِيحَ الْعَقْلِ، وَلا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَنْ كَانَ ضَعِيفَ
الْعَقْلِ إذَا غُبِنَ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَهَذَا
مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ. انْتَهَى.
قَالَ الْمُوَفِّقُ فِي الْمُقْنِعِ: وَالثَّالِثَةُ الْمُسْتَرْسِلْ إِذَا
غُبِنَ. قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ يَعْنِي إذَا غُبِنَ غبنًا يخرج
عَنِ الْعَادَةِ يَثْبُتُ لُهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِمْضَاءِ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكُ: قَالَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: وَقَد قِيلَ: قَدْ
لَزِمَهُ الْبَيْعَ وَلا
(2/38)
فَسْخَ لُهُ وَهُوَ مَذْهَبِ أَبِي
حَنِيفَةَ الشَّافِعِيِّ، لأَنَّ نُقْصَانَ قِيمَةُ السِّلْعَةِ مَعَ
سَلامَتِهَا لا يَمْنَعُ لُزُومُ الْعَقْد كَغَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ
وَكَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ، وَلَنَا أَنَّهُ غبن حَصَلَ لِجَهْلِهِ
بِالْمَبِيعِ فَأَثْبَتَ الْخِيَارُ كَالْغبن فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ،
فَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَرْسِلِ فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَة بِالغبن،
فَهُوَ كَالْعَالِمِ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعْجَلَ فَجَهْل مَا
لَوْ تَثْبُتُ لِعِلْمِهِ لَمْ يَكُنْ لُهُ خِيَارُ لأَنَّهُ أَنْبَنَي
عَلَى تَفْرِيطِهِ وَتَقْصِيرِهِ، وَالْمُسْتَرْسِلْ: هُوَ الْجَاهِلُ
بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ وَلا يَحْسُنْ الْمَبَالَغَةِ، قَالَ أَحْمَدُ:
الْمُسْتَرْسِلُ الَّذِي لا
يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ، وَفِي لَفْظٍ: الَّذِي لا يُمَاكِسُ، فَكَأَنَّهُ
اسْتَرْسَلَ إِلَى الْبَائِعِ فَأَخَذَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ
مُمَاكَسَةِ ولا معرفة بغبنه، ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، وحده
أبو بكر في التَّنْبِيه وَابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الإِرْشَادِ بِالثُّلُثُ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
«وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» . وَقِيلَ: السُّدْسُ، وَالأَوْلَى تَحْدِيدهُ بِمَا
لا يتغَابَن النَّاسُ بِِهِ فِي الْعَادَةِِ لأَنَّ مَا لا يَرِدُ
الشَّرْعُ بِتَحْدِيدِهِ يُرْجع فيه إلِى العرف. انْتَهَى.
بَابُ إثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
2879- عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» أَوْ قَالَ:
«حَتَّى يَفْتَرِقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي
بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» .
2880- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ وَرُبَّمَا
قَالَ: أَوْ يَكُونُ بَيْعُ الْخِيَارِ» .
2881- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ
يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ
فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا
بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ
فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
2882- وَفِي لَفْظٍ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى
يَتَفَرَّقَا إلا بَيْعَ ... الْخِيَارِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا.
(2/39)
2883- وَفِي لَفْظٍ: «الْمُتَبَايِعَانِ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا إلا بَيْعَ الْخِيَارِ» .
2884- وَفِي لَفْظٍ «إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْبَيْعِ فَكُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ
يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ
فَقَدْ وَجَبَ» . قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ
إذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّة
ثُمَّ رَجَعَ أَخْرَجَاهُمَا.
2885- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ... «الْبَيِّعُ وَالْمُبْتَاعُ
بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ،
وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا ابْنَ مَاجَةْ.
2886- وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ - وَفِي لَفْظٍ: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا
مِنْ مَكَانِهِمَا» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ
لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى
خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ، وَكَانَتْ
السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ حَالَةَ الْعَقْدِ لا تُشْتَرَطُ،
بَلْ تَكْفِي الصِّفَةُ أَوْ الرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الْبَيِّعَانِ
بِالْخِيَارِ» بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الأَمْرَيْنِ مِنْ
إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ هُنَا:
خِيَارُ الْمَجْلِسِ.
قَوْلُهُ: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» قَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ الْمُعْتَبَرُ
التَّفَرُّقُ بِالأَبْدَانِ، أَوْ بِالأَقْوَالِ؟ فَابْنُ عُمَرَ حَمَلَهُ
عَلَى التَّفْرِيقِ بِالأَبْدَانِ، وَكَذَلِكَ حَمَلَهُ أَبُو بَرْزَةَ
الأَسْلَمِيُّ. قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ: وَلا يُعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفٌ
مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ الأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَةِ
التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ قَوْلُهُ: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا
جَمِيعًا»
إلى أن قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ
بِالتَّفَرُّقِ تَفَرُّقُ الأَبْدَانِ هَلْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ
أَمْ لا؟ وَالْمَشْهُورُ الرَّاجِحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى الْعُرْفِ.
(2/40)
قَوْلُهُ: «فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا»
أَيْ: صَدَقَ الْبَائِعُ فِي إخْبَارِ الْمُشْتَرِي وَبَيَّنَ الْعَيْبَ
إنْ كَانَ فِي السِّلْعَةِ، وَصَدَقَ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ
وَبَيَّنَ الْعَيْبَ إنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: «أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ» وَرُبَّمَا
قَالَ: أَوْ يَكُونُ بَيْعَ الْخِيَارِ، قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: «إلا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَقَالَ الْجُمْهُورُ:
هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ امْتِدَادِ الْخِيَارِ إلَى التَّفَرُّقِ،
وَالْمُرَادُ: أَنَّهُمَا إنْ اخْتَارَا إمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ
التَّفَرُّقِ فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ
التَّفَرُّقِ، فَالتَّقْدِيرُ: إلا الْبَيْعَ الَّذِي جَرَى فِيهِ
التَّخَايُرُ، وَقِيلَ: هِو اسْتِثْنَاءٌ مِنْ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ
بِالتَّفَرُّقِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا
الآخَرَ أَيْ: فَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلا يَنْقَضِي
الْخِيَارُ بِالتَّفَرُّقِ، بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا إلا أَنْ يَتَخَايَرَا وَلَوْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَإِلا
أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ قَوْلٌ يَجْمَعُ التَّأْوِيلَيْنِ
الأَوَّلَيْنِ. انْتَهَى. ملخصًا.
قَوْلُهُ: «رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي» إلَى آخْره، قِيلَ: لَعَلَّهُ لَمْ
يَبْلُغْ ابْنَ عُمَرَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالُ: إنَّهُ بَلَغَهُ وَلَكِنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ لا
يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ والله أعلم.
(2/41)
|