بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ
بَابُ وُجُوبِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ
2979- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ
أَحَدُهُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2980- وَفِي لَفْظٍ لأَحْمَدَ: «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ
فَلْيَحْتَلْ» .
2981- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتْبَعْهُ» .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «عَلَى مَلِيءٍ»
قِيلَ: هُوَ بِالْهَمْزِ، وَقِيلَ: بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَيَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ قَوْلُ الْكَرْمَانِيِّ: الْمَلِيُّ، كَالْغَنِيِّ لَفْظًا
وَمَعْنًى وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ فِي الأَصْلِ بِالْهَمْزِ،
وَمَنْ رَوَاهُ بِتَرْكِهَا فَقَدْ سَهَّلَهُ. قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلانِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أُحِيلَ
بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ أَنْ يَحْتَالَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَهْلُ
الظَّاهِرِ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ،
وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الاسْتِحْبَابِ.
بَابُ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ
2982- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فَأُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئًا» ؟ قَالُوا: لا، فَقَالَ:
«هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ» ؟ قَالُوا: ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: «صَلُّوا
عَلَى صَاحِبِكُمْ» . فَقَالَ أَبُو
(2/72)
قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
2983- وَرَوَى الْخَمْسَةُ إلا أَبَا دَاوُد هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ
حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ
وَابْنُ مَاجَةْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَنَا أَتَكَفَّلُ بِهِ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الإِنْشَاءِ لا يَحْتَمِلُ الإِخْبَارَ بِمَا مَضَى.
2984- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا
يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ،
فَسَأَلَ: «عَلَيْهِ دَيْنٌ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، قَالَ:
«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى
رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ
مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا
فَلِوَرَثَتِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ
عَلَى أَنَّهَا تَصِحُّ الضَّمَانَةُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَلْزَمُ
الضَّمِينُ مَا ضَمِنَ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ غَنِيًّا أَوْ
فَقِيرًا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَفِي صَلاتِهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ،
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهَكَذَا يَلْزَمُ الْمُتَوَلِّي لأَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلهُ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ.
بَابٌ فِي أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ إنَّمَا يَبْرَأُ بِأَدَاءِ
الضَّامِنِ لا بِمُجَرَّدِ ضَمَانِهِ
2985- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ
وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطْوَةً ثُمَّ قَالَ: «أَعَلَيْهِ
دَيْنٌ» ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو
قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ
عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أَوْفَى
اللَّهُ حَقَّ الْغَرِيمِ وَبَرِئَ مِنْهُ الْمَيِّتُ» . قَالَ: نَعَمْ،
فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: «مَا فَعَلَ
الدِّينَارَانِ» ؟ قَالَ: إنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إلَيْهِ
مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «الآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ»
دُخُولَهُ فِي الضَّمَانِ مُتَبَرِّعًا لا يَنْوِي بِهِ رُجُوعًا بِحَالٍ.
(2/73)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: «الآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُلُوصَ
الْمَيِّتِ مِنْ وَرْطَةِ الدَّيْنِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَلَى
الْحَقِيقَةِ، وَرَفْعُ الْعَذَابِ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَضَاءِ
عَنْهُ لا بِمُجَرَّدِ التَّحَمُّلِ بِالدَّيْنِ بِلَفْظِ الضَّمَانَةِ،
وَلِهَذَا سَارَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى سُؤَالِ أَبِي
قَتَادَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يَحُضَّ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْ مَيِّتٍ
عَلَى الإِسْرَاعِ بِالْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِسَائِرِ
الْمُسْلِمِينَ؛ لأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَفِيهِ
أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ التَّبَرُّعِ بِالضَّمَانَةِ عَنْ
الْمَيِّتِ.
بَابٌ فِي أَنَّ ضَمَانَ دَرْكِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا خَرَجَ
مُسْتَحَقًّا
2986- عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ، وَيَتْبَعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
2987- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا سُرِقَ مِنْ الرَّجُلِ مَتَاعٌ أَوْ ضَاعَ
مِنْهُ فَوَجَدَهُ بِيَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ،
وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ
مَالِهِ» يَعْنِي الْمَغْصُوبَ أَوْ الْمَسْرُوقَ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ
امْرَأَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ
مِلْكُهُ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ صَدَّقَهُ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ، ثُمَّ
إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِحَوْزِهِ فَلَهُ مَعَ أَخْذِ الْعَيْنِ
الْمُطَالَبَةُ بِمَنْفَعَتِهَا مُدَّةَ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ
انْتَفَعَ بِهَا مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمْ لا، وَإِذَا كَانَتْ
الْعَيْنُ قَدْ نَقَصَتْ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ كَتَعَثُّثِ الثَّوْبِ
وَعَمَى
الْعَبْدِ وَسُقُوطِ يَدِهِ بِآفَةٍ، فَقِيلَ: يَجِبُ أَخْذُ الأَرْشِ مَعَ
أُجْرَتِهِ سَلِيمًا لِمَا قَبْلَ النَّقْصِ وَنَاقِصًا لِمَا بَعْدَهُ،
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النَّقْصُ بِالاسْتِعْمَالِ.
قَوْلُهُ: «الْبَيِّعُ» بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ مَكْسُورَةً وَهُوَ
الْمُشْتَرِي: أَيْ: يَرْجِعُ عَلَى مَنْ بَاعَ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْهُ
وَلا يَرْجِعُ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ إلا إذَا كَانَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ
إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ
بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِعِلْمِهِ، لا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَنِدًا إلَى
إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ نُكُولِهِ فَلا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ،
ثُمَّ إنْ كَانَ
(2/74)
الْمُشْتَرِي عَلِمَ بِأَنَّ تِلْكَ
الْعَيْنَ مَغْصُوبَةٌ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ كُلُّ
مَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ الأُجْرَةِ وَالأَرْشِ وَإِنْ
جَهِلَ الْغَصْبَ وَنَحْوَهُ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا يَدَ أَمَانَةٍ
كَالْوَدِيعَةِ، وَقِيلَ: يَدَ ضَمَانَةٍ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ
عَلَى الْبَائِعِ.
(2/75)
|