بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ التَّفْلِيسِ
بَابُ مُلازَمَةِ الْمَلِيءِ وَإِطْلاقِ الْمُعْسِرِ
2988- عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ
وَعُقُوبَتَهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ قَالَ أَحْمَدُ:
قَالَ وَكِيعٌ: عِرْضَهُ: شِكَايَتُهُ وَعُقُوبَتَهُ: حَبْسُهُ.
2989- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ
دَيْنُهُ، فَقَالَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» . فَتَصَدَّقَ النَّاسُ
عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ
وَلَيْسَ لَكُمْ إلا ذَلِكَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لَيُّ الْوَاجِدِ»
اللَّيُّ بِالْفَتْحِ: الْمَطْلُ، وَالْوَاجِدُ: الْغَنِيُّ، وَاسْتُدِلَّ
بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ حَبْسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَتَّى
يَقْضِيَهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقَضَاءِ تَأْدِيبًا لَهُ
وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِ لا إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا وَإِلَى جَوَازِ
الْحَبْسِ لِلْوَاجِدِ ذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَبِيعُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ
حَدِيثِ مُعَاذٍ.
قَوْلُهُ: (فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثِّمَارَ
إذَا أُصِيبَتْ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
بَابِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى
الْبَائِعِ أَنْ يَضَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ مَا أَصَابَتْهُ
الْجَائِحَةُ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَضْعَ الْجَوَائِحِ
مَحْمُولٌ عَلَى الاسْتِحْبَابِ، وَقِيلَ: إنَّهُ خَاصٌّ بِمَا بِيعَ مِنْ
الثِّمَارِ
(2/76)
قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهِ وَقِيلَ: إنَّهُ
يُؤَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا بِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى
الْغَرِيمِ مِنْ بَابِ الاسْتِحْبَابِ وَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ دَيْنَ
غُرَمَائِهِ مِنْ بَابِ التَّعَرُّضِ لِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَلَيْسَ
التَّصَدُّقُ عَلَى جِهَةِ الْعَزْمِ وَلا الْقَضَاءُ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى
جِهَةِ الْحَتْمِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
فِي حَدِيثِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ: «لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ
شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ» ؟ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ
الْوَضْعِ لا فِي اسْتِحْبَابِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ: «وَلَيْسَ لَكُمْ إلا ذَلِكَ» . فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الدَّيْنَ غَيْرُ لازِمٍ، وَلَوْ كَانَ لازِمًا لَمَا سَقَطَ الدَّيْنُ
بِمُجَرَّدِ الإِعْسَارِ، بَلْ كَانَ اللازِمُ الإِنْظَارَ إلَى
مَيْسَرَةٍ.
بَابُ مَنْ وَجَدَ سِلْعَةً بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ وَقَدْ أَفْلَسَ
2990- عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2991- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ
أَفْلَسَ، أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ»
. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2992- وَفِي لَفْظٍ قَالَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدِمُ: «إذَا وَجَدَ
عِنْدَهُ الْمَتَاعَ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ إنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي
بَاعَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
2993- وَفِي لَفْظٍ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَوَجَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ
مَالَهُ وَلَمْ يَكُنْ اقْتَضَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2994- وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ
بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي
بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ
الْغُرَمَاءِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ
مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «بِعَيْنِهِ» فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الاسْتِحْقَاقِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بَاقِيًا
بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ
الْعَيْنُ
(2/77)
فِي ذَاتِهَا بِالنَّقْصِ مَثَلًا أَوْ فِي
صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا فَهِيَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: «وَلَمْ يُفَرِّقْهُ» وَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَالْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَوْلَى
بِالْعَيْنِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ وَالنَّقْصِ.
قَوْلُهُ: «فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» أَيْ: مِنْ غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ،
وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، قَالَ الْحَافِظُ:
وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْقَرْضُ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ بِالأَوْلَى.
قَوْلُهُ: «وَلَمْ يَكُنْ اقْتَضَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ»
فِيهِ دَلِيلٌ: لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ
الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى بَعْضَ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنِ
الْبَائِعُ أَوْلَى بِمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ مِنْ
الْمَبِيعِ بَلْ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ.
قَوْلُهُ: «وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي» إلى آخره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا مَاتَ السِّلْعَةَ الَّتِي لَمْ يسلم
الْمُشْتَرِيَ ثَمَنِهَا بَاقِيَةُ لا يَكُونُ الْبَائِعُ أَوْلَى بِهَا
بَلْ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. إلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٍ
وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَائِعُ أَوْلَى بِهَا.
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَفْلَسَ أَوْ
مَاتَ» . قََالَ فِي الْفَتْحِ: فَتَعَيَّن الْمَصِيرُ إلَيْهَ لأَنَّهَا
زِّيَادَةَ مَقْبُولَة مَنْ ثِقَةٌ، وَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ مُرْسَلٌ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَا إذَا مَاتَ
مليئًا، وَحَمَلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَا إذَا مَاتَ
مُفْلَسًَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ.
بَابُ الْحَجْرِ عَلَى الْمَدِينِ وَبَيْعِ مَالِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ
2995- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
2996- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ شَابًّا سَخِيًّا، وَكَانَ لا يُمْسِكُ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ
يُدَانُ حَتَّى أُغْرِقَ مَالُهُ كُلُّهُ فِي الدَّيْنِ، فَأَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَهُ لِيُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ،
فَلَوْ تَرَكُوا لأَحَدٍ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ لأَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
لَهُمْ مَالَهُ حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي
سُنَنِهِ هَكَذَا مُرْسَلًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَدْ
اُسْتُدِلَّ بِحَجْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مُعَاذٍ أَنَّهُ
يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى كُلِّ مَدْيُونٍ، وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلْحَاكِمِ بَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ
(2/78)
لِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ
بَيْنَ مَا كَانَ مَالُهُ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ
مَالُهُ كَذَلِكَ وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا عَنْ الْعِتْرَةِ
وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَيَّدُوا
الْجَوَازَ بِطَلَبِ أَهْلِ الدَّيْنِ لِلْحَجْرِ مِنْ الْحَاكِمِ وَرُوِيَ
عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الطَّلَبِ لِلْمَصْلَحَةِ
بَابُ الْحَجْرِ عَلَى الْمُبَذِّرِ
2997- عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَعْفَرٍ بَيْعًا فَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: لَآتِيَنَّ عُثْمَانَ
فَلَأَ حْجُرَنَّ عَلَيْكَ، فَأَعْلَمَ ذَلِكَ ابْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ،
فَقَالَ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي بَيْعَتِكَ، فَأَتَى عُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَعَالَ اُحْجُرْ عَلَى هَذَا، فَقَالَ
الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ
شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ؟ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ
الْوَاقِعَةِ مَنْ أَجَازَ الْحَجْرَ عَلَى مَنْ كَانَ سَيِّئَ
التَّصَرُّفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ.
بَابُ عَلامَاتِ الْبُلُوغِ
2998- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: حَفِظْت
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُتْمَ بَعْدَ
احْتِلامٍ، وَلا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2999- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ
يُجِزْنِي، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ
عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3000- وَعَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ
يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ
سَبِيلِي. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
3001- وَفِي لَفْظٍ: «فَمَنْ كَانَ مُحْتَلِمًا أَوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ
قُتِلَ، وَمَنْ لا تُرِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
(2/79)
3002- وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ
وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» . وَالشَّرْخُ الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ
يُنْبِتُوا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا يُتْمَ بَعْدَ
احْتِلامٍ» اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الاحْتِلامَ مِنْ عَلامَاتِ
الْبُلُوغِ، وَالأَوْلَى الاسْتِدْلال بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ
لأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «وَعَنْ الصَّبِيِّ
حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ
«فَمَنْ كَانَ مُحْتَلِمًا» وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
هَذَا مَنْ قَالَ: إنَّ مُضِيَّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ الْوِلادَةِ
يَكُونُ بُلُوغًا فِي الذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ) إلَى آخْره، اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ
قَالَ: إنَّ الإِنْبَاتَ مِنْ عَلامَاتِ الْبُلُوغِ.
قَوْلُهُ: «شَرْخُهُمْ» . بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ
الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ. قَالَ فِي
الْقَامُوسِ: هُوَ أَوَّلُ الشَّبَابِ قَالَ الشَّارِحُ: وَقِيلَ: هُمْ
الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا، وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى
مَنْ لَمْ يُنْبِتْ مِنْ الْغِلْمَانِ وَلا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِلْجَمْعِ
بَيْنَ الأَحَادِيثِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الشَّبَابِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ
كَانَ فِي أَوَّلِ الإِنْبَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالإِنْبَاتِ الْمَذْكُورِ
فِي الْحَدِيثِ هُوَ إنْبَاتُ الشَّعْرِ الأَسْوَدِ الْمُتَجَعِّدِ فِي
الْعَانَةِ، لا إنْبَاتُ مُطْلَقِ الشَّعْرِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي
الأَطْفَالِ.
بَابُ مَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ بِشَرْطِ الْعَمَلِ
وَالْحَاجَةِ
3003- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ
كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ} أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ إذَا كَانَ
فَقِيرًا أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ
بِالْمَعْرُوفِ.
3004- وَفِي لَفْظٍ: أُنْزِلَتْ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ
عَلَيْهِ وَيُصْلِحُ مَالَهُ إنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ
بِالْمَعْرُوفِ أَخْرَجَاهُمَا.
3005- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي فَقِيرٌ
لَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ، فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ
(2/80)
يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلا مُبَادِرٍ
وَلا مُتَأَثِّلٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
وَلِلأَثْرَمِ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُزَكِّي
مَالَ الْيَتِيمِ وَيَسْتَقْرِضُ مِنْهُ وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ
تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ
بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَوُجُوبِ الاسْتِعْفَافِ إذَا كَانَ
غَنِيًّا، وَالظَّاهِرُ مِنْ الآيَةِ وَالْحَدِيثِ جَوَازُ الأَكْلِ مَعَ
الْفَقْرِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلا تَبْذِيرٍ وَلا
تَأَثُّلٍ، وَالإِذْنُ بِالأَكْلِ يَدُلُّ إطْلاقُهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ
الرَّدِّ عِنْدَ التَّمَكُّنِ.
قَوْلُهُ: (إنَّهُ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ) إلى آخره، فِيهِ أَنَّ
وَلِيَ الْيَتِيمِ يُزَكِّي مَالَهُ وَيُعَامِلُهُ بِالْقَرْضِ
وَالْمُضَارَبَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ
بَابُ مُخَالَطَةِ الْوَلِيِّ الْيَتِيمَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
3006- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ} عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى حَتَّى جَعَلَ الطَّعَامُ
يَفْسُدُ، وَاللَّحْمُ يُنْتِنُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ} قَالَ:
«فَخَالَطُوهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ
مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيَّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
الْمُخَالَطَةُ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِكَ
وَتَأْكُلَ مِنْ قَصْعَتِهِ وَيَأْكُلَ مِنْ قَصْعَتِكَ وَاَللَّهُ
يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ، مَنْ يَتَعَمَّدُ أَكْلَ مَالِ
الْيَتِيمِ وَمَنْ يَتَجَنَّبُهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ
بِالْمُخَالَطَةِ أَنْ يَكُونَ الْيَتِيمُ بَيْنَ عِيَالِ الْوَالِي
عَلَيْهِ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ إفْرَازُ طَعَامِهِ، فَيَأْخُذَ مِنْ مَالِ
الْيَتِيمِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ كَافِيهِ بِالتَّحَرِّي فَيَخْلِطَهُ
بِنَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ قَدْ تَقَعُ فِيهِ
الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ خَشُوا مِنْهُ فَوَسَّعَ اللَّهُ لَهُمْ.
(2/81)
|