بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِ الْجِوَارِ

بَابُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَالتَّحْلِيلِ مِنْهُمَا

3007- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دَرَسَتْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إليَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا أُسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَبَكَى الرَّجُلانِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لأَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا إذَا قُلْتُمَا فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

3008- وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُد «إنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ» .

3009- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

3010- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، قَالَ: فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَةَ حَائِطِي

(2/82)


وَيُحَلِّلُوا أَبِي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَائِطِي وَقَالَ: «سَنَغْدُو عَلَيْكَ» . فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ وَبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا.
3011- وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْفَعَ لَهُ إلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ بِاَلَّذِي لَهُ فَأَبَى، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّخْلَ فَمَشَى فِيهَا ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ: «جُدَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي ... لَهُ» . فَجَدَّهُ بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَوْفَاهُ ثَلاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

3012- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

3013- وَقَالا فِيهِ: «مَظْلِمَةٌ مِنْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أَلْحَنُ» أَيْ: أَفْطَنُ وَأَعْرَفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَفْصَحُ تَعْبِيرًا عَنْهَا وَأَظْهَرُ احْتِجَاجًا، فَرُبَّمَا جَاءَ بِعِبَارَةٍ تُخَيِّلُ إلَى السَّامِعِ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُبْطِلٌ، وَالأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَبْلَغَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَيْ: أَحْسَنُ إيرَادًا لِلْكَلامِ، وَأَصْلُ اللَّحْنِ: الْمَيْلُ عَنْ جِهَةِ الاسْتِقَامَةِ.

قَوْلُهُ: «وَإِنَّمَا أَقْضِي» إلَى آخْره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَحْكُمُ بِظَاهِرِ مَا يَسْمَعُ مِنْ الأَلْفَاظِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِ الْبَاطِنِ خِلافًه.

قَوْلُهُ: «فَلا يَأْخُذْهُ» فِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لا يَحِلُّ بِهِ الْحَرَامُ.
قَوْلُهُ: «أُسْطَامًا» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: السِّطَامُ بِالْكَسْرِ: الْمِسْعَارُ الِحَدِيدَةٍ مَفْطُوحَةٍ تُحَرَّكُ بِهَا النَّارُ، ثُمَّ قَالَ: وَالإِسْطَامُ:

(2/83)


الْمِسْعَارُ قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْحَدِيدَةُ الَّتِي تُسَعَّرُ بِهَا النَّارُ: أَيْ: يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَامِلًا لَهَا مَعَ أَثْقَالِهِ.

قَوْلُهُ: (حَقِّي لأَخِي) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَهِبَةِ الْمُدَّعَى قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَهِبَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ.

قَوْلُهُ: «أَمَا إذَا قُلْتُمَا» لَفْظُ أَبِي دَاوُد: «أَمَا إذْ فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا» قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: أَمَا بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى حَقًّا وَإِذْ لِلتَّعْلِيلِ.

قَوْلُهُ: «فَاقْتَسِمَا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تُمَلَّكُ بِالْقَبُولِ؛ لأَنَّ ... النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُمَا بِالاقْتِسَامِ بَعْدَ أَنْ وَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ مِنْ الآخَرِ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ تَوَخَّيَا» بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ: اقْصِدَا الْحَقَّ فِيمَا تَصْنَعَانِ مِنْ الْقِسْمَةِ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ اسْتَهِمَا» أَيْ: لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا مَا تُخْرِجُهُ الْقُرْعَةُ مِنْ الْقِسْمَةِ لِيَتَمَيَّزَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَنْ الآخَرِ وَفِي الأَمْرِ بِالْقُرْعَةِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الْمُشَاحَّةِ وَقَدْ وَرَدَتْ الْقُرْعَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: وَجَاءَتْ فِي خَمْسَةِ أَحَادِيثَ مِنْ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ لِيُحْلِلْ» إلَى آخْره، أَيْ: لِيَسْأَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ مِنْ قِبَلِهِ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ لأَنَّ الَّذِي فِي ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ هَاهُنَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفِيهِ أَيْضًا صِحَّةُ الصُّلْحِ بِمَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَكِنْ لا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّحْلِيلِ.
قَوْلُهُ: «بِرَأْيِي» هَذَا بمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الأُصُولِ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَأَنَّهُ حُجَّةٌ، وَكَذَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ بَعْثِ مُعَاذٍ الْمَعْرُوفِ.

قَوْلُهُ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ» ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْعُمُومُ، فَيَشْمَلُ كُلَّ صُلْحٍ إلا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ جَوَازِ صُلْحٍ زَائِدٍ عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَإِلَى الْعُمُومِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

(2/84)


قَوْلُهُ: «بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لأَنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَوَجْهُ التَّخْصِيصِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالأَحْكَامِ فِي الْغَالِبِ هُمْ الْمُسْلِمُونَ؛ لأَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْقَادُونَ لَهَا، وَالصُّلْحُ الَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلالَ كَمُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ لا يُطَلِّقَهَا أَوْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لا يَبِيتَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا، وَاَلَّذِي يُحَلِّلُ الْحَرَامَ كَأَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى وَطْءِ أَمَةٍ لا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ أَكْلِ مَالٍ لا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» أَيْ: ثَابِتُونَ عَلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ عَنْهَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا فِي الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ دُونَ الْفَاسِدَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا.
قَوْلُهُ: «إلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالًا» إلَى آخْره، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَحَدِيثُ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَالشَّرْطُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ كَأَنْ يَشْرُطَ نُصْرَةَ الظَّالِمِ وَالْبَاغِي أَوْ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلالَ كَأَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ أَلا يَطَأَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَجَدَدْتُهَا) بِالْجِيمِ وَدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَالْجِدَادُ: صِرَامُ النَّخْلِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُصَالَحَةِ بِالْمَجْهُولِ عَنْ الْمَعْلُومِ، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ الْغَرِيمَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَرَ الْحَائِطِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فِي الأَوْسَاقِ الَّتِي
لَهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: لا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَهُ دَيْنُ تَمْرٍ تَمْرًا مُجَازَفَةً بِدَيْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْغَرَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مُجَازَفَةً فِي حَقِّهِ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ إذَا عَلِمَ الآخِذُ ذَلِكَ وَرَضِيَ، وَهَكَذَا قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ وَتَعَقَّبَهُمَا ابْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ: بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مُزَابَنَةٌ، فَإِنْ كَانَ تَمْرًا نَحْوَهُ فَمُزَابَنَةٌ وَرِبًا، لَكِنْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي الْوَفَاءِ وَتَبِعَهُ الْحَافِظُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ: إنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ مَا لا يُغْتَفَرُ ابْتِدَاءً، لأَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا، وَيَجُوزُ فِي الْمُعَاوَضَةِ عِنْدَ الْوَفَاءِ. قَالَ: وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِلْعُمُومَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبِيَعِ الْقَاضِيَةِ بِوُجُوبِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ جِنْسًا وَتَقْدِيرًا فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ مَعَ الْجَهَالَةِ إذَا وَقَعَ الرِّضَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُصَالَحَةُ بِمَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ

(2/85)


وَالْمَوَارِيثُ الدَّارِسَةُ تُطْلَقُ عَلَى الأَجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَهُوَ يَقْضِي بِعُمُومِهِ أَنَّهَا تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ مَعَ جَهَالَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ رِبَوِيَّيْنِ، وَلَكِنْ لا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ التَّحْلِيلِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْحَدِيثَيْنِ.

قَوْلُهُ: «أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ» أَيْ: صَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ «فَحُمِلَ ... عَلَيْهِ» . أَيْ: عَلَى الظَّالِمِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ لإِطْلاقِهِ.

بَابُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَأَقَلَّ

3014- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلاثُونَ حِقَّةً وَثَلاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَذَلِكَ عَقْلُ الْعَمْدِ،
وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ وَذَلِكَ تَشْدِيدُ الْعَقْلِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَأْتِي الْكَلامُ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الدِّيَاتِ، أن شاء الله تعالى وَإِنَّمَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا لِلاسْتِدْلالِ بِقَوْلِهِ فِيهِ: «وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ» . فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ فِي الدِّمَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْخَشَبِ فِي جِدَارِ الْجَار وَإِنْ كَرِهَ

3015- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيّ.

3016- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» .

3017- وَعَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا أَنْ لا يَغْرِزَ خَشَبَة فِي جِدَارِهِ، فَلَقِيَا مُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ وَرِجَالًا كَثِيرًا، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ

(2/86)


يَغْرِزَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ» . فَقَالَ الْحَالِفُ: أَيْ: أَخِي قَدْ عَلِمْت أَنَّك مَقْضِيٌّ لَكَ عَلَيَّ، وَقَدْ حَلَفْت فَاجْعَلْ أُسْطُوَانًا دُونَ جِدَارِي، فَفَعَلَ الآخَرُ فَغَرَزَ فِي الأُسْطُوَانِ خَشَبَةً. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «خَشَبَهُ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الأُصُولِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالإِفْرَادِ، وَرِوَايَةُ مُجَمِّعٍ
تَشْهَدُ لِمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَالأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِلْجَارِ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبِ فِي جِدَارِهِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُ الْمَالِكِ وَلا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْجِدَارِ إذَا امْتَنَعَ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ «لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ» وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الأَدِلَّةِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إلا عُمُومَاتٌ لا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخُصَّهَا، قِيلَ: وَهَذَا الْحُكْمُ مَشْرُوطٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِ بِحَاجَةِ مَنْ يُرِيدُ الْغَرْزَ إلَيْهِ وَعَدَمِ تَضَرُّرِ الْمَالِكِ.

قَوْلُهُ: «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّرَارِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَارِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ لِمَنْ ضَارَّ غَيْرَهُ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صِرْمَةَ مَالِكِ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الضُّرِّ وَالضِّرَارِ. فَقِيلَ: إنَّ الضُّرَّ: فِعْلُ الْوَاحِدِ، وَالضِّرَارَ: فِعْلُ الاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَقِيلَ: الضِّرَارُ: أَنْ تَضُرَّهُ بِغَيْرِ أَنْ تَنْتَفِعَ، وَالضُّرُّ: أَنْ تَضُرَّهُ وَتَنْتَفِعَ أَنْتَ بِهِ وَقِيلَ: الضِّرَارُ: الْجَزَاءُ عَلَى الضُّرِّ، وَالضُّرُّ: الابْتِدَاءُ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى.

قَوْلُهُ: «وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي حَائِطِ جَارِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَضْعِ الْخَشَبَةِ فِي جِدَارِ الْجَارِ، وَإِذَا جَازَ الْغَرْزُ جَازَ الْوَضْعُ بِالأَوْلَى؛ لأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُ.

(2/87)


بَابٌ فِي الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمْ تُجْعَلُ
3018- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيّ.

3019- وَفِي لَفْظٍ لأَحْمَدَ: «إذَا اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ رُفِعَ مِنْ بَيْنِهِمْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» .

3020- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي الرَّحَبَةِ تَكُونُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ يُرِيدُ أَهْلُهَا الْبُنْيَانَ فِيهَا فَقَضَى أَنْ يُتْرَكَ لِلطَّرِيقِ مِنْهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتْ تِلْكَ الطَّرِيقُ تُسَمَّى الْمِيتَاءَ. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ الَّتِي تُؤْتَى مِنْ كُلِّ مَكَان فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَالْمِيتَاءُ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَبَعْدَهَا فَوْقَانِيَّةٌ وَمَدٌّ بِوَزْنِ مِفْعَالٌ مِنْ الإِتْيَانِ.

قَوْلُهُ: «سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الآدَمِيِّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالْمُعْتَدِلِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمِقْدَارُ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ مَجْرَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْجِمَالِ وَسَائِرِ الْمَوَاشِي لا الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ بَيْنَ الأَمْلاكِ وَالطُّرُقِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا بَنُو آدَمَ فَقَطْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْمِيتَاءِ. قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي وُرُودِ الشَّرْعِ بِتَقْدِيرِ الطَّرِيقِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ هِيَ أَنْ تَسْلُكَهَا الأَحْمَالُ وَالأَثْقَالُ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَتَسَعُ مَا لا بُدَّ مِنْهُ كَمَا يُطْرَحُ عِنْدَ الأَبْوَابِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ إخْرَاجِ مَيَازِيبِ الْمَطَرِ إلَى الشَّارِعِ

3021- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِيزَابٌ عَلَى طَرِيقِ عُمَرَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَانَ ذُبِحَ لِلْعَبَّاسِ: فَرْخَانِ فَلَمَّا وَافَى الْمِيزَابَ صُبَّ مَاءٌ بِدَمِ الْفَرْخَيْنِ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقَلْعِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَرَحَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ ثِيَابًا غَيْرَ ثِيَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ

(2/88)


لَلْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَا صَعِدْت عَلَى ظَهْرِي حَتَّى تَضَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْ خَرَّجَهُ كَمَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي نُسْخَةٍ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِيزَابٌ عَلَى طَرِيقِ عُمَرَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ مِنْهُ مَاءٌ بِدَمٍ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَا صَعِدْت عَلَى ظَهْرِي حَتَّى تَضَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَيَازِيبِ إلَى الطُّرُقِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لا تَكُونَ مُحْدَثَةً تَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ مُنِعَتْ لأَحَادِيثِ الْمَنْعِ مِنْ الضِّرَارِ.

(2/89)