بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْوَقْفِ

3250- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلا مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَةْ.

3251- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ أَصَابَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ شِئْتَ حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا» . فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لا تُبَاعَ وَلا تُوهَبَ وَلا تُورَثَ، فِي الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ - وَفِي لَفْظٍ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ - مَالًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

3252- وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى الْوَلِيِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ هُوَ يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ، وَيُهْدِي لِنَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: أَنَّ مَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى صِنْفٍ مِنْ النَّاسِ وَوَلَدُهُ مِنْهُمْ دَخَلَ فِيهِ.

3253- وَعَنْ عُثْمَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ

(2/156)


دِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ» ؟ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَفِيهِ جَوَازُ انْتِفَاعِ الْوَاقِفِ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ.
قَوْلُهُ: «إنْ شِئْتَ حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا» قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ بِمَنْفَعَتِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: حَبِّسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ الْوَاقِفِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعَامِلَ لا يَأْكُلُ لاسْتُقْبِحَ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا أَصْلٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْوَقْفِ. قَالَ الشارح: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ حَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ لَقَالَ بِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رَادُّ الْوَقْفِ مُخَالِفٌ لِلإِجْمَاعِ فَلا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ» بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَغَوِيِّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَشِيرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ بِمُدٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَبِيعُنِيهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ» ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وَلا لِعِيَالِي غَيْرُهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَتَجْعَلُ لِي مَا جَعَلْت لَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، قَدْ جَعَلْتهَا لِلْمُسْلِمِينَ» .

قَوْلُهُ: «فَيَجْعَلَ فِيهَا دَلْوُهُ مَعَ دِلاءِ الْمُسْلِمِينَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ نَصِيبًا مِنْ الْوَقْفِ.

(2/157)


بَابُ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَالْمَنْقُولِ

3254- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الْمِائَةَ السَّهْمِ الَّتِي لِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا قَدْ أَرَدْت أَنْ
أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَةْ.

3255- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسَنَاتٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

3256- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَجَّ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِك فُلانٍ، قَالَ: ذَلِكَ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «أَمَا إنَّك لَوْ أَحْجَجْتَهَا عَلَيْهِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

3257- وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حَقِّ خَالِد بن الْوَلِيد: «قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (إنَّ الْمِائَةَ السَّهْمِ) إلى آخره، اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْمُشَاعِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ» . فَقَالُوا: لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ وَقْفِ الْمُشَاعِ.

قَوْلُهُ: «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا» إلى آخره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْحَيَوَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَحَدِيثُ تَحْبِيسِ خَالِدٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْقُولاتِ.
بَابُ مَنْ وَقَفَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَقْرِبَائِهِ أَوْ وَصَّى لَهُمْ
مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ؟

3258- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ

(2/158)


تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرَحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ، فَقَالَ: «بَخٍ بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ - مَرَّتَيْنِ - وَقَدْ سَمِعْت، أُرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

3259- وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا فَأُشْهِدُك أَنِّي جَعَلْت أَرْضِي بَيْرَحَاءَ لِلَّهِ، فَقَالَ: «اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِك» . قَالَ فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

3260- وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ: «اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِك» .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ: أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ، يَجْتَمِعَانِ إلَى حَرَامٍ وَهُوَ الأَبُ الثَّالِثُ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَعَمْرٌو يَجْمَعُ حَسَّانًا وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا، وَبَيْنَ أُبَيٍّ وَأَبِي طَلْحَةَ سِتَّةَ آبَاءٍ.

3261- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا
أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ؛ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبِلُّهَا بِبِلالِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ فَوَائِدُ: مِنْهَا: أَنَّ الْوَقْفَ لا يَحْتَاجُ فِي انْعِقَادِهِ إلَى قَبُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الأَقْرَبِ مِنْ

(2/159)


الأَقَارِبِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ وَفِيهِ جَوَازُ تَوَلِّي الْمُتَصَدِّقِ لِقَسْمِ صَدَقَتِهِ وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْغَنِيِّ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إذَا حَصَلَتْ لَهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ.

قَوْلُهُ: (فَعَمَّ وَخَصَّ) أَيْ جَاءَ بِالْعَامِّ أَوَّلًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَنْ نَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الأَقْرَبِينَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى دُخُولِ النِّسَاءِ فِي الأَقَارِبِ وَعَلَى دُخُولِ الْفُرُوعِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْوَلَدِ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ
بِالْقَرِينَةِ بِالإِطْلاقِ

3262- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ تَبْكِي وَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: أَنْتِ ابْنَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَبِمَ تَفْتَخِرُ عَلَيْكِ» ؟ ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3263- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ يُصْلِحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . يَعْنِي الْحَسَنَ ابْنَ عَلِيٍّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

3264- وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيٍّ: «وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَخَتَنِي وَأَبُو وَلَدَيَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

3265- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ - وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ -: «هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي، اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

3266- وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:

«أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»

وَهُوَ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

3267- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «اللَّهُمَّ

(2/160)


اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

3268- وَفِي لَفْظٍ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ الأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ ذَرَارِيِّهِمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ» إنَّمَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ لأَنَّهَا مِنْ ذُرِّيَّةِ هَارُونَ وَعَمُّهَا مُوسَى، وَبَنُو قُرَيْظَةَ مِنْ ذُرِّيَّةِ هَارُونَ، فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَارُونَ أَبًا لَهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ آبَاءٌ مُتَعَدِّدُونَ، وَكَذَلِكَ جَعَلَ الْحَسَنَ ابْنًا لَهُ وَهُوَ ابْنُ ابْنَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُسَيْنُ كَمَا فِي سَائِرِ الأَحَادِيثِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ جَدُّهُ، وَجَعَلَ لأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ وَأَبْنَائِهِمْ حُكْمَ
الأَنْصَارِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ أَوْلادِ الأَوْلادِ حُكْمُ الأَوْلادِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلادِهِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ أَوْلادُ الأَوْلادِ مَا تَنَاسَلُوا، وَكَذَلِكَ أَوْلادُ الْبَنَاتِ، وَفِي ذَلِكَ خِلافٌ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِدُخُولِ أَوْلادِ الْبَنَاتِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» .

بَابُ مَا يُصْنَعُ بِفَاضِلِ مَالِ الْكَعْبَةِ

3269- عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْت إلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَقَالَ: جَلَسَ إلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِك هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إلا قَسَمْتهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْت: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ؟ قَالَ: لِمَ؟ قُلْت: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاك، فَقَالَ: هُمَا الْمَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

3270- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ - أَوْ قَالَ: - بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْت كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَجَعَلْت بَابَهَا بِالأَرْضِ وَلَأَدْخَلْت فِيهَا مِنْ الْحِجْرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ بِالصَّفْرَاءِ: الذَّهَبُ، وَبِالْبَيْضَاءِ: الْفِضَّةُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَرَادَ عُمَرُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ إنْفَاقِهِ فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ

(2/161)


لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَمْسَكَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِذَلِكَ رِعَايَةً لِقُلُوبِ قُرَيْشٍ كَمَا تَرَكَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَعَلَى هَذَا فَإِنْفَاقُهُ جَائِزٌ كَمَا جَازَ لابْنِ الزُّبَيْرِ بِنَاءُ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ لِزَوَالِ السَّبَبِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَرَكَ بِنَاءَهُ - صلى الله عليه وسلم -. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

(2/162)