بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

3295- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.

3296- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْعِلْمُ ثَلاثَةٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

3297- وَعَنْ الأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَالْعِلْمُ مَرْفُوعٌ، وَيُوشِكُ أَنْ يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْمَسْأَلَةِ فَلا يَجِدَانِ أَحَدًا يُخْبِرُهُمَا» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.

3298- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ» قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: لَفْظُ النِّصْفِ هَا هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقِسْمِ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إنَّمَا قِيلَ لَهُ: نِصْفُ الْعِلْمِ لأَنَّهُ مُبْتَلَى بِهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي تَعَلُّمِ الْفَرَائِضِ

(2/173)


وَتَعْلِيمِهَا وَالتَّحْرِيضُ عَلَى حِفْظِهَا، لأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُنْسَى وَكَانَتْ أَوَّلَ مَا يُنْزَعُ مِنْ الْعِلْمِ، كَانَ الِاعْتِنَاءَ أَهَمُّ وَمَعْرِفَتَهَا لِذَلِكَ أَقْوَمُ.
قَوْلُهُ: «وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ النَّافِعَ الَّذِي يَنْبَغِي تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ هُوَ الثَّلاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَا عَدَاهَا فَفَضْلٌ لا تَمَسُّ حَاجَةٌ إلَيْهِ.

وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ أُعِلَّ بِالإِرْسَالِ، وَسَمَاعُ أَبِي قِلابَةَ مِنْ أَنَسٍ صَحِيحٌ، إلا أَنَّهُ قِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ الِاخْتِلافَ عَلَى أَبِي قِلابَةَ فِي الْعِلَلِ وَرَجَّحَ هُوَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ أَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْهُ ذِكْرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْبَاقِي مُرْسَلٌ وَرَجَّحَ ابْنُ الْمَوَّاقِ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ الْمَوْصُولِ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْعُقَيْلِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَفِي إسْنَادِهِ كَوْثَرٌ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ، وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَعْلَمَهُمْ بِالْفَرَائِضِ فَيَكُونُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الاخْتِلافِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى غَيْرِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ فِيهَا مُقَدَّمًا عَلَى أَقْوَالِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَلِهَذَا اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ.

بَابُ الْبدَايَةِ بِذَوِي الْفُرُوضِ وَإِعْطَاءِ الْعَصَبَةِ مَا بَقِيَ

3299- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

3300- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ شَهِيدًا وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلا يُنْكَحَانِ إلا بِمَالٍ، فَقَالَ: «يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ» . فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَأَرْسَلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: «أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.

3301- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لأَبَوَيْنِ، فَأَعْطَى

(2/174)


الزَّوْجَ النِّصْفَ وَالأُخْتَ النِّصْفَ، وَقَالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى ... بِذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

3302- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلا أَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ، {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» الْفَرَائِضُ: الأَنْصِبَاءُ الْمُقَدَّرَةُ، وَأَهْلُهَا: الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا بِالنَّصِّ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ أَهْلِ الْفُرُوضِ يَكُونُ لأَقْرَبِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الرِّجَالِ وَلا يُشَارِكُهُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} الآيَةَ والْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ.

قَوْلُهُ: (سُئِلَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لأَبَوَيْنِ) الْحَدِيثُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ، وَالأُخْتُ النِّصْفَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُمَا، وَذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.

قَوْلُهُ: «وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا» قَالَ الْخَطَّابِيِّ: هُوَ وَصْفٌ لِمَنْ خَلَّفَهُ الْمَيِّتُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ: أَيْ تَرَكَ ذَوِي ضَيَاعٍ: أَيْ لا شَيْءَ لَهُمْ.
بَابُ سُقُوطِ وَلَدِ الأَبِ بِالإِخْوَةِ مِنْ الأَبَوَيْنِ

3303- عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ بَنِي الْعَلاتِ، الرَّجُلُ يَرِثُ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ، دُونَ أَخِيهِ لأَبِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.

3304- وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهُ تَعْلِيقًا قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.

(2/175)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ) الأَعْيَانُ مِن الإِخْوَةِ هُم الإِخْوَةُ مِن أَب وَأُم.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (دُونَ بَنِي الْعَلاتِ) هُمْ أَوْلادُ الأُمَّهَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ، وَيُقَالُ لِلإِخْوَةِ لأُمٍّ فَقَطْ: أَخْيَافُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تُقَدَّمُ الإِخْوَةُ لأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الإِخْوَةِ لأَبٍ، وَلا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلافًا.

بَابُ الأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ

3305- عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ، وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ؛ فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ - تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ - وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.
3306- وَزَادَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ: فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ.

3307- وَعَنْ الأَسْوَدِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَرَّثَ أُخْتًا وَابْنَةً جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَنَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ حَيٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةٌ تَأْخُذُ الْبَاقِيَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ وَالْجَدِّ

3308- عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَتْهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ

(2/176)


مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةُ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الأُخْرَى إلَى عُمَرَ فَسَأَلَتْهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ هُوَ ذَاكَ السُّدُسُ، فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا، وَأَيُّكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

3309- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى «لِلْجَدَّتَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِالسُّدُسِ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ.

3310- وَعَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3311- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ جَدَّاتٍ السُّدُسَ: ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الأُمِّ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا مُرْسَلًا.

3312- وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَاءَتْ الْجَدَّتَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الأُمِّ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: أَمَا إنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إيَّاهَا يَرِثُ؟ فَجَعَلَ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.

3313- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ: «لَكَ السُّدُسُ» . فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ قَالَ: «لَك سُدُسٌ آخَرُ» . فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ فَقَالَ: «إنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

3314- وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ فَرِيضَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَدِّ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ الْمُزَنِيّ فَقَالَ: قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَاذَا؟ قَالَ: السُّدُسُ، قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لا أَدْرِي، قَالَ: لا دَرَيْتَ فَمَا تُغْنِي إذَنْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْجَدَّةِ الْوَاحِدَةِ السُّدُسُ، وَكَذَلِكَ فَرْضُ الْجَدَّتَيْنِ وَالثَّلاثِ انتهى.
قَالَ

(2/177)


فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَلا يَرِثُ غَيْرَ ثَلاثٍ جَدَّاتٍ أُمّ الأُمّ وَأُمّ الأَبِّ وَأُمّ أَبِي الأَبِّ وَإِنْ عَلَوْنَ أُمُومَة وَأُبُوَّة إِلا الْمدلية بِغَيْرِ وَارِثٍ كَأُمِّ أَبِي الأُمِّ. انْتَهَى.

قَالَ الشَّارِحُ: وَحَدِيثُ عِمْرَانَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ يَسْتَحِقُّ مَا فَرَضَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ قَتَادَةُ: لا نَدْرِي مَعَ أَيِّ شَيْءٍ وَرِثَهُ قَالَ: وَأَقَلُّ مَا يَرِثُهُ الْجَدُّ
السُّدُسُ وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَيِّتُ بِنْتَيْنِ وَهَذَا السَّائِلُ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي ثُلُثٌ دَفَعَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ إلَى الْجَدِّ سُدُسًا بِالْفَرْضِ لِكَوْنِهِ جِدًّا، وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ السُّدُسَ الآخَرَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّعْصِيبِ لِئَلا يُظَنَّ أَنَّ فَرْضَهُ الثُّلُثُ وَتَرَكَهُ حَتَّى وَلَّى - أَيْ ذَهَبَ - فَدَعَاهُ وَقَالَ: «لَك سُدُسٌ آخَرُ» . ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا السُّدُسَ طُعْمَةٌ أَيْ زَائِدٌ عَلَى السَّهْمِ الْمَفْرُوضِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمَفْرُوضِ فَلَيْسَ بِلازِمٍ كَالْفَرْضِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْجَدِّ اخْتِلافًا طَوِيلًا فَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْجَدِّ قَضَايَا مُخْتَلِفَةً وَجَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَالأَبِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْ الأَخِ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ الْكَلامَ فِيهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْجَدِّ يَسْقُطُ الإِخْوَة مِنَ الأُمِّ إِجْمَاعًا وَكَذَا مِنَ الأَبَوَيْنِ أَوْ الأَبِّ، وَهِي رِوَايَةٌ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدٍ وَاخْتَارَهَا بَعْضَ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدْيِقِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضْيَ اللهُ عَنْهُمْ. انْتَهَى.

بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَوِي الأَرْحَامِ وَالْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلُ
وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ

3305- عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

3316- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلا خَالٌ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ:
إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.

(2/178)


3317- وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْهُ الْمَرْفُوعُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

3318- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا إلا عَبْدًا هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ مِيرَاثَهُ.

3319- وَعَنْ قَبِيصَةَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» . وَهُوَ مُرْسَلٌ قَبِيصَةُ لَمْ يَلْقَ تَمِيمًا الدَّارِيَّ.

3320- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ مَوْلَى لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَّ مِنْ عَذْقِ نَخْلَةٍ فَمَاتَ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «هَلْ لَهُ مِنْ نَسِيبٍ أَوْ رَحِمٍ» ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: «أَعْطُوا مِيرَاثَهُ بَعْضَ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» . رَوَاهُنَّ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.

3321- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ الأَزْدِ فَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ادْفَعُوهُ إلَى أَكْبَرِ خُزَاعَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

3322- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

قَوْلُهُ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْخَالَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَرَّثَ بَعْضُهُمْ الْخَالَ وَالْخَالَةَ وَالْعَمَّةَ، وَإِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ فَلَمْ يُوَرِّثْهُمْ، وَجَعَلَ الْمِيرَاثَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. انتهى. قَالَ الشَّارِحُ: وَمِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِمِيرَاثِ ذَوِي الأَرْحَامِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَاتَ وَلا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ مِيرَاثُهُ.

قَوْلُهُ: «هَلْ لَهُ مِنْ نَسِيبٍ أَوْ رَحِمٍ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ.

قَوْلُهُ: «أَعْطُوا مِيرَاثَهُ بَعْضَ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَرْفِ مِيرَاثِ

(2/179)


مَنْ لا وَارِثَ لَهُ مَعْلُومٌ إلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «ادْفَعُوه إلَى أَكْبَرِ خُزَاعَةَ» أنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّوْرِيثِ لأَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ يَجْتَمِعُ هُوَ وَقَبِيلَتُهُ فِي جَدٍّ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ وَارِثٌ مِنْهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ نَسَبًا، لأَنَّ، كِبَرَ السِّنِّ مَظِنَّةٌ لِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: أَسْبَابُ التَّوَارُثُ رَحِم وَنِكَاح وَوَلاء عِتْقٍ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ عِنْدَ عَدَمَ ذَلِكَ كُلّه مُوَالاته وَمُعَاقَدته وَإِسْلامه عَلَى يَدَيْهِ وَالْتِقَاطِهِ وَكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوَرَثَةِ وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَىَ.

بَابُ مِيرَاثِ ابْنِ الْمُلاعَنَةِ وَالزَّانِيَةِ مِنْهُمَا
وَمِيرَاثُهُمَا مِنْهُ وَانْقِطَاعُهُ مِنْ الأَبِ

3323- فِي حَدِيثِ الْمُتَلاعِنَيْنِ الَّذِي يَرْوِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ، فَجَرَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا. أَخْرَجَاهُ.
3324- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا مُسَاعَاةَ فِي الإِسْلامِ، مَنْ سَاعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ أَلْحَقْتُهُ بِعَصَبَتِهِ وَمَنْ ادَّعَى وَلَدًا مِنْ غَيْرِ رِشْدَةٍ فَلا يَرِثُ وَلا يُورَثُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

3325- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَالْوَلَدُ وَلَدُ زِنًا لا يَرِثُ وَلا يُورَثُ» . رَوَاهُ ... التِّرْمِذِيُّ.

3326- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلاعَنَةِ لأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَرِثُ ابْنُ الْمُلاعَنَةِ مِنْ الْمُلاعِنِ لَهُ وَلا مِنْ قَرَابَتِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لا يَرِثُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لأُمِّهِ وَلِقَرَابَتِهَا وَتَكُونُ عَصَبَتُهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ.

(2/180)


قَوْلُهُ: «لا مُسَاعَاةَ فِي الإِسْلامِ» الْمُسَاعَاةُ: الزِّنَا.

بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ

3327- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

3328- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالا: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَرِثُ الصَّبِيُّ حَتَّى يَسْتَهِلَّ» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إذَا اسْتَهَلَّ» قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ إذَا بَكَى عِنْدَ وِلادَتِهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ وِلادَتِهِ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَلْ وُجِدَتْ مِنْهُ أَمَارَةٌ تَدُلسُّ عَلَى حَيَاتِهِ وَالْحَدِيثَانِ يَدُلانِ عَلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا وَقَعَ مِنْهُ الِاسْتِهْلالُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ قَرَابَتُهُ وَوَرِثَ هُوَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مِمَّا لا خِلافَ فِيهِ.

بَابُ الْمِيرَاثِ بِالْوَلاءِ

3329- صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

3330- وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: «الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ، وَوَلِيَ ... النِّعْمَةَ» .

3331- وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَلْمَى بِنْتِ حَمْزَةَ: أَنَّ مَوْلاهَا مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَوَرَّثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَوَرَّثَ يَعْلَى النِّصْفَ وَكَانَ ابْنَ سَلْمَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

3332- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَوْلَى لِحَمْزَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَةَ حَمْزَةَ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَتَهُ النِّصْفَ وَابْنَةَ حَمْزَةَ النِّصْفَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَذَهَبَ إلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَإِسْحَاقَ بْنِ

(2/181)


رَاهْوَيْهِ أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ لِحَمْزَةَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ.

3333- فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ... عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ بِنْتِ حَمْزَةَ وَهِيَ أُخْتُ ابْنِ شَدَّادٍ لأُمِّهِ قَالَتْ: مَاتَ
مَوْلايَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ وَلَهَا النِّصْفُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فِيهِ ضَعْفٌ.

فَإِنْ صَحَّ هَذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى، فَإِنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلِ تَعَدُّدَ الْوَاقِعَةِ، وَمِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنَّهُ أَضَافَ مَوْلَى الْوَالِدِ إلَى الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ أَوْ تَوْرِيثِهِ بِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ هِيَ الْمُعْتَقَةُ، وَقَالَ: إنَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ: إنَّهُ مَوْلَى حَمْزَةَ غَلَطٌ، وَالأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَحَدِيثُ ابْنَةِ حَمْزَةَ فِيهِ - عَلَى فَرْضِ أَنَّهَا هِيَ الْمُعْتِقَةُ - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى الأَسْفَلَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَحَدًا مِنْ ذَوِي سِهَامِهِ وَمُعْتَقَهُ كَانَ لِذَوِي السِّهَامِ مِنْ قَرَابَتِهِ مِقْدَارُ مِيرَاثِهِمْ الْمَفْرُوضِ وَالْبَاقِي لِلْمُعْتَقِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» و «وَالْوَلاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ» . وَقَدْ وَقَعَ الْخِلافُ فِيمَنْ تَرَكَ ذَوِي أَرْحَامِهِ وَمُعْتَقَهُ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقِ لا يَرِثُ إلا بَعْدَ ذَوِي أَرْحَامِ الْمَيِّتِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى إنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي أَرْحَامِ الْمَيِّتِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِي بَعْدَ ذَوِي السِّهَامِ، وَيَسْقُطُ مَعَ الْعَصَبَاتِ وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ قَتَادَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَتِيقَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ ذَوِي سِهَامِهِ وَعَصَبَةَ مَوْلاهُ كَانَ لِذَوِي سِهَامِهِ نَصِيبُهُمْ وَالْبَاقِي لِذَوِي سِهَامِ مَوْلاهُ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ أَنَّ ذَوِي سِهَامِ الْمَيِّتِ يُسْقِطُونَ ذَوِي سِهَامِ الْمُعْتَقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مِيرَاثُ الْوَلاءِ لِلأَكْبَرِ مِنْ الذُّكُورِ، وَلا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلاءِ إلا وَلاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقْنَ» . وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلاءِ إلا وَلاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ.

(2/182)


بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَهِبَتِهِ وَمَا جَاءَ فِي السَّائِبَةِ

3334- عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَهِبَتِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

3335- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ: «بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ» .

3336- لَكِنْ لَهُ مِثْلُهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

3337- وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إنِّي أَعْتَقْتُ عَبْدًا لِي وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنَّ أَهْلَ الإِسْلامِ لا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَيِّبُونَ وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ وَلَك مِيرَاثُهُ. وَإِنْ تَأَثَّمَتْ وَتَحَرَّجَتْ فِي شَيْءٍ فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.

3338- وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهُ: إنَّ أَهْلَ الإِسْلامِ لا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَلاءِ وَلا هِبَتُهُ لأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ كَالنَّسَبِ فَلا يَتَأَتَّى انْتِقَالُهُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ تَحْوِيلُ النَّسَبِ، وَحُكْمُ الْوَلاءِ حُكْمُهُ لِحَدِيثِ: «الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» .
قَوْلُهُ: «صَرْفًا وَلا عَدْلًا» الصَّرْفُ: التَّوْبَةُ وَقِيلَ: النَّافِلَةُ، وَالْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ مَوَالِيهِ.

قَوْلُهُ: «وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً» قَالَ فِي الْقَامُوسِ: السَّائِبَةُ: الْمُهْمَلَةُ: وَالْعَبْدُ يَعْتِقُ عَلَى أَنْ لا وَلاءَ لَهُ، قال الشارح: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ هَدَمَهُ الإِسْلامُ.

(2/183)


بَابُ الْوَلاءِ هَلْ يُوَرَّثُ أَوْ يُورَثُ بِهِ؟

3339- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: تَزَوَّجَ رِيَابُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ أُمَّ وَائِلِ بِنْتَ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ ثَلاثَةً، فَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُمْ، فَوَرِثَهَا بَنُوهَا رِبَاعَهَا وَوَلاءَ مَوَالِيهَا، فَخَرَجَ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَعَهُ إلَى الشَّامِ، فَمَاتُوا فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ، فَوَرِثَهُمْ عَمْرُو وَكَانَ عَصَبَتَهُمْ؛ فَلَمَّا رَجَعَ عَمْرُو وَجَاءَ بَنُو مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ يُخَاصِمُونَهُ فِي وَلاءِ أُخْتِهِمْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا أَحْرَزَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ، فَقَضَى لَنَا بِهِ، وَكَتَبَ لَنَا كِتَابًا فِيهِ شَهَادَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ.

3340- وَلأَحْمَدَ وَسَطُهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا رَجَعَ بَنُو مَعْمَرٍ إلَى قَوْلِهِ فَقَضَى لَنَا بِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ: حَدِيثُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَحْرَزَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ» . هَكَذَا يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: (الْوَلاءُ لِلْكُبَرِ) فَهَذَا الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النَّاسِ فِيمَا بَلَغَنَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (رِيَاب) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ وَبَعْدَ الأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ الْمَهْمُوزِ.

قَوْلُهُ: (عَمَوَاسَ) هِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ.

قَوْلُهُ: (أنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلاءُ لِلْكُبَرِ) إلَى آخره، أَرَادَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّ وَلاءَ عُتَقَاءِ أُمِّ وَائِلِ بِنْتِ مَعْمَرٍ يَكُونُ لإِخْوَتِهَا دُونَ بَنِيهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَحَدِيثُ عُمَرَ وَفِعْلُهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْبَنِينَ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الإِخْوَةِ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَجَمَاعَةٍ وَحُجَّتُهُمْ ظَاهِرُ خَبَرِ عُمَرَ، لأَنَّ الْبَنِينَ عَصَبَتُهَا، وَلَمَّا كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ لَهَا رُدَّ الْوَلاءُ إلَى إخْوَتِهَا لأَنَّهُمْ عَصَبَتُهَا وَفِي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَلاءَ لا يُوَرِّثُ وَإِلا لَكَانَ عَمْرُو أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ. إِلَى أَنْ قَالَ وَمَعْنَى

(2/184)


كَوْنِ الْوَلاءِ لِلْكُبَرِ أَنَّهَا لا تَجْرِي فِيهِ قَوَاعِدُ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِإِرْثِهِ الْكُبَرُ مِنْ أَوْلادِ الْمُعْتِقِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا خَلَّفَ رَجُلٌ وَلَدَيْنِ وَقَدْ كَانَ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ وَخَلَّفَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ اخْتَصَّ بِوَلائِهِ ابْنُ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ فَمِيرَاثُهُ لأَخِي الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ أَخِيهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِمَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلاءِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ لا يُخَالِفُونَ التَّوْرِيثَ إلا تَوْقِيفًا. انتهى.

قال الموفق في المقنع: ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن. وعنه في بنت المعتق خاصة ترث، والأول أصح. إلى أن قال: والولاء لا يورث وإنما يورث به، ولا يباع ولا
يوهب، وهو للكبر فإذا مات المعتق وخلف عتيقه وابنين فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات العتيق فالميراث لابن المعتق. فإن مات الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابنًا والآخر تسعة فولاؤه بينهم على عددهم، وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما فعتق عليهما ثم اشترى عبدًا فأعتقه ثم مات المعتق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته، وإذا ماتت المرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها. انتهى. قال في الحاشية: قوله: (وهو للكبر) تفسيره أنه يورث المعتق من عصابات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت العبد، هذا قول أكثر أهل العلم. روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم.

بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ

3341- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْمُكَاتَبُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَيُورَثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

3342- وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُهُمَا: ... «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» .

3343- وَالدَّارَقُطْنِيّ مِثْلُهُمَا، وَزَادَ: «وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» .

(2/185)


3344- وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا وَرِثَ بِقَدْرِ الْحُرِّيَّةِ. كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ فَذَهَبَ أَبُو طَالِبٍ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ إلَى أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ صَارَ لِقَدْرِهِ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِيمَا يَتَبَعَّضُ مِنْ الأَحْكَامِ حَيًّا وَمَيِّتًا
كَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْحَدِّ وَالأَرْشِ، وَفِيمَا لا يَتَبَعَّضُ كَالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ وَالْوَطْءِ بِالْمِلْكِ لَهُ حُكْمُ الْعَبْدِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: أنَّهُ لا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الأَحْرَارِ، بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْحُرِّيَّةَ وَحَكَاهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ لا يَعْتِقُ حَتَّى يُوَفِّيَ وَلَوْ سَلَّمَ الأَكْثَرَ وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «وَالْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ. وله فِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَرَجَحَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ بِأَنَّهُ أَحْوَطُ، لأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لا يَزُولُ إلا بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا قَدْ رَضِيَ بِهِ مِنْ الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَالْحَدِيثُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ امْتِنَاعِ الإِرْثِ بِاخْتِلافِ الدِّينِ
وَحُكْمِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ

3345- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.

3346- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِكِ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» ؟ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ

(2/186)


هُوَ
وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْ جَعْفَرٌ وَلا عَلِيٌّ شَيْئًا لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ أَخْرَجَاهُ.

3347- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

3348- وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

3349- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

3350- وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ. وَقَالَ: مَوْقُوفٌ وَهُوَ مَحْفُوظٌ.

3351- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَسَمَ الإِسْلامُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ هُوَ بِاللَّفْظِ الأَوَّلِ فِي مُسْلِمٍ لا كَمَا زَعَمَ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْحَافِظُ: وَأَغْرَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى فَادَّعَى أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخْرِجْهُ، وَكَذَا ابْنُ الأَثِيرِ فِي الْجَامِعِ ادَّعَى أَنَّ النَّسَائِيّ لَمْ يُخْرِجْهُ إلى أَنَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَلا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ إلا بِدَلِيلٍ وَظَاهِرُ قَوْلُهُ: «لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» أَنَّهُ لا يَرِثُ أَهْلُ مِلَّةٍ كُفْرِيَّةٍ مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ كُفْرِيَّةٍ أُخْرَى، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْدَى الْمِلَّتَيْنِ الإِسْلامُ وَبِالأُخْرَى الْكُفْرُ وَلا يَخْفَى بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ أَقْوَالٌ أُخَرُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ مِنْ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ بِخِلافِ الْعَكْسِ لِئَلا يَمْتَنِعُ قَرِيبِهِ مِنَ الإِسْلامِ، وَلَوُجُود نصرهم وَلا يَنْصُرُونَنَا. وَالْمُرْتَدُّ إِذَا قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا فَمَا لَهُ لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلأَنَّ رِدَّتِهِ كَمَرَضِ مَوْتِهِ. وَالزِّنْدِيقِ مُنَافِقٌ يَرِثُ

(2/187)


وَيُوَرَّثُ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ تِرْكَةِ مُنَافِقٍ شَيْئًا وَلا جَعَلَهُ فَيْئًا، فَعُلِمَ أَنَّ التَّوَارُثَ مَدَارُهُ عَلَى النَّصْرِ الظَّاهِرَة، وَاسْم الإِسْلام يَجْرِي عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ إِجْمَاعًا.

بَابُ أَنَّ الْقَاتِلَ لا يَرِثُ
وَأَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ وَغَيْرِهَا

3352- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

3353- وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ» . رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.

3354- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، لا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إلَيَّ «أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَّابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

3355- وَرَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ، وَزَادَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ قَتْلُهُمْ أَشِيَمَ خَطَأً.
3356- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى: «أَنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.

3357- وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ دَعْمُوصٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَعَمِّي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَ هَذَا دِيَةُ أَبِي فَمُرْهُ يُعْطِنِيهَا، وَكَانَ قُتِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: «أَعْطِهِ دِيَةَ أَبِيهِ» . فَقُلْتُ: هَلْ لأُمِّي فِيهَا حَقٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . وَكَانَتْ دِيَتُهُ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْقَاتِلَ لا يَرِثُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ

(2/188)


وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: وَلا يَرِثُ مِنْ الْمَالِ وَلا مِنْ الدِّيَةِ.

قَوْلُهُ: «مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا كَمَا تَرِثُ مِنْ مَالِهِ.

قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ وَجُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا لَمْ يَرِثْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةِ وَالشَّافِعِيّ. وَالآمِر بِقَتْلِ مورثه لا يَرِثَهُ وَلَو انْتَفَى عَنْهُ الضَّمَان. انْتَهَى.

بَابٌ فِي أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لا يُورَثُونَ

3358- عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» .
3359- وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ: أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ.

3360- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثَ عُثْمَانَ إلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ؟ .

3361- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.

3362- وَفِي لَفْظٍ لأَحْمَدَ: «لا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا» .

3363- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ: مَنْ يَرِثُكَ إذَا مِتَّ؟ قَالَ: وَلَدِي وَأَهْلِي، قَالَتْ: فَمَا لَنَا لا نَرِثُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ النَّبِيَّ لا يُورَثُ» . وَلَكِنْ أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُولُ، وَأُنْفِقُ عَلَى مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

(2/189)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَظَاهِرُ الأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لا يُورَثُونَ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا تَرَكُوهُ مِنْ الأَمْوَالِ صَدَقَةٌ، وَلا يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْوِرَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وِرَاثَةُ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُولُ) إلى آخره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَعُولَ مَنْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعُولُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى مَا كَانَ الرَّسُولُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ.

(2/190)