بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْعِتْقِ
بَابُ الْحَثِّ عَلَيْهِ
3364- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ
بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3365- وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ
أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِي كُلُّ
عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ؛ وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ
امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِي
كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
3366- وَلأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ
مُرَّةَ أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيُّ، وَزَادَ فِيهِ:
«وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً ... إلا
كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ، يُجْزِي بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ
أَعْضَائِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا» .
3367- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ
الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ» . قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:
«أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» .
3368- وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً
لَهَا وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا
كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ
(2/191)
أَنِّي أَعْتَقْت وَلِيدَتِي؟ قَالَ: «أَوْ
فَعَلْت» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَمَا إنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتَهَا
أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَفِي الثَّانِي دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَبَرُّعِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ
إذْنِ زَوْجِهَا، وَأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ.
3369- وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَرَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ
صَدَقَةٍ وَعَتَاقٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ:
«أَسْلَمْت عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ يَنْفُذُ عِتْقُهُ،
وَمَتَى نَفَذَ فَلَهُ وَلاؤُهُ بِالْخَيْرِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأحاديث الْبَابِ فِيهَا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْقُرَبِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّلامَةِ
مِنْ النَّارِ، وَأَنَّ عِتْقَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الأُنْثَى.
قَوْلُهُ: «أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» أَيْ اغْتِبَاطُهُمْ بِهَا
أَشَدُّ، فَإِنَّ عِتْقَ مِثْلِ ذَلِكَ مَا يَقَعُ غَالِبًا إلا خَالِصًا،
وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا
مِمَّا تُحِبُّونَ} .
قَوْلُهُ: «أَسْلَمْت عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ» فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْكَافِرُ حَالَ كُفْرِهِ مِنْ الْقُرَبِ
يُكْتَبُ لَهُ إذَا أَسْلَمَ فَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَصِّصًا
لِحَدِيثِ: «الإِسْلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَجَبُّ ذُنُوبِ الْكَافِرِ
بِالإِسْلامِ أَيْضًا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُحْسِنَ فِي الإِسْلامِ لِمَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا
فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ
بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلامِ أُوخِذَ
بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ» . وَحَدِيثُ حَكِيمٍ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَيُثَابُ
عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَصِلَةُ
الرَّحِمِ.
بَابُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً
3370- عَنْ سَفِينَةَ - أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قَالَ: أَعْتَقَتْنِي
أُمُّ سَلَمَةَ وَشَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدُمَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - مَا عَاشَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
(2/192)
3371- وَفِي لَفْظٍ: كُنْت مَمْلُوكًا
لأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أُعْتِقُكَ وَأَشْتَرِطُ عَلَيْك أَنْ
تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا عِشْتَ، فَقُلْت:
لَوْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مَا عِشْت، فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا
الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ. قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَهُ
سَيِّدُهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ سِنِينَ أَنَّهُ لا يَتِمُّ عِتْقُهُ إلا
بِخِدْمَتِهِ. قَالَ ابْنُ رَسْلانَ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا،
فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُثْبِتُ الشَّرْطَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَسُئِلَ
عَنْهُ أَحْمَدُ فَقَالَ: يَشْتَرِي هَذِهِ الْخِدْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ
الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ، قِيلَ لَهُ: يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ؟ قَالَ:
نَعَمْ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ نَفْعَ الْمَبِيعِ
لِغَيْرِهِ مُدَّة مَعْلُومَة فَمُقْتَضَى كَلام أَصْحَابِنَا جَوَازُهُ،
فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَة أَنَّهَا أَعْتَقَتْ سفينة
وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّهً يَخْدِمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
مَا عَاشَ وَاسْتَثْنَاء خَدْمَة غَيْرِهِ فِي الْعِتْقِ كَاسْتِثْنَائِهَا
فِي الْبَيْعِ. انْتَهَى.
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ
3372- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَجْزِي وَلَدٌ عَنْ وَالِدِهِ إلا
أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
3373- وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.
3374- وَفِي لَفْظٍ لأَحْمَدَ: «فَهُوَ عَتِيقٌ» .
3375- وَلأَبِي دَاوُد عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا مِثْلُ
حَدِيثِ سَمُرَةَ.
3376- وَرَوَى أَنَسٌ: أَنَّ رِجَالًا مِنْ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ
لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: «لا
تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(2/193)
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ
فِي الْغَنِيمَةِ ذُو رَحِمٍ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ
لَهُ لَمْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ، لأَنَّ الْعَبَّاسَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا يَجْزِي»
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: أَيْ لا يُكَافِئُهُ بِمَا لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ
عَلَيْهِ إلا بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لا
يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بَلْ لا بُدَّ مِنْ الْعِتْقِ، وَبِهِ
قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا: إنَّهُ
يَعْتِقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ.
قَوْلُهُ: «ذَا رَحِمٍ» بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، وَأَصْلُهُ
مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْوَلَدِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ لِلْقَرَابَةِ فَيَقَعُ
عَلَى كُلِّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ
النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ: «مَحْرَمٌ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ، وَيُقَالُ: (مُحَرَّمٌ) بِضَمِّ
الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ
وَالْمَحْرَمُ مَنْ لا يَحِلُّ نِكَاحُهُ مِنْ الأَقَارِبِ. قَالَ ابْنُ
الأَثِيرِ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ
عَلَيْهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
قَوْلُهُ: (لِابْنِ أُخْتِنَا) بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَالْمُرَادُ
أَنَّهُمْ أَخْوَالُ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
بَابُ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ
3377- عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ زِنْبَاعًا - أَبَا رَوْحٍ -
وَجَدَ غُلامًا لَهُ مَعَ جَارِيَةٍ لَهُ، فَجَدَعَ أَنْفَهُ وَجَبَّهُ،
فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا
بِكَ» ؟ قَالَ: زِنْبَاعٌ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَقَالَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا» ؟ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا
وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبْ
فَأَنْتَ حُرٌّ» . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَوْلَى مَنْ أَنَا؟
فَقَالَ: «مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . فَأَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمِينَ؛
فَلَمَّا قُبِضَ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: وَصِيَّةُ رَسُولِ
اللَّهِ
(2/194)
- صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: نَعَمْ،
تَجْرِي عَلَيْكَ النَّفَقَةُ وَعَلَى عِيَالِكَ، فَأَجْرَاهَا عَلَيْهِ
حَتَّى قُبِضَ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ جَاءَهُ فَقَالَ: وَصِيَّةُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَعَمْ، أَيْنَ تُرِيدُ؟
قَالَ: مِصْرَ، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى صَاحِبِ مِصْرَ أَنْ
يُعْطِيَهُ أَرْضًا يَأْكُلُهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3378- فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ الصَّيْرَفِيِّ: حَدَّثَنِي عَمْرُو
بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَارِخًا، فَقَالَ لَهُ: «مَا لَكَ» ؟
قَالَ: سَيِّدِي رَآنِي أُقَبِّلُ جَارِيَةً لَهُ فَجَبَّ مَذَاكِيرِي،
فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيَّ بِالرَّجُلِ» .
فَطُلِبَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَةْ.
3379- وَزَادَ قَالَ: عَلَى مَنْ نُصْرَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
يَقُولُ أَرَأَيْت إنْ اسْتَرَقَّنِي مَوْلايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ - أَوْ - مُسْلِمٍ» .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقْعَدَ أَمَةً لَهُ فِي مَقْلَى حَارٍّ
فَأَحْرَقَ عَجُزَهَا، فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ وَأَوْجَعَهُ ضَرْبًا. حَكَاهُ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَقُولُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْمُثْلَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَقَدْ اخْتُلِفَ: هَلْ يَقَعُ
الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِهَا أَمْ لا؟ فَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ
وَالْهَادِي وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَالْعَرَاقَيينِ أَنَّهُ لا
يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهَا، بَلْ يُؤْمَرُ السَّيِّدُ بِالْعِتْقِ فَإِنْ
تَمَرَّدَ فَالْحَاكِمُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَدَاوُد
وَالأَوْزَاعِيُّ: بَلْ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهَا. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ
أَيْضًا عَنْ الأَكْثَرِ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَمْ
يَعْتِقُ وَعَنْ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ
لِلْمَالِكِ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْمَالِكُ إِذَا اسْتَكْرَهَ عَبْدَهُ عَلَى
الْفَاحِشَةِ عُتِقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي
الْمَذْهَبِ.
بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ
3380- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ
لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ
عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ
وَإِلا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا عَتَقَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
(2/195)
3381- وَالدَّارَقُطْنِيّ وَزَادَ:
«وَرَقَّ مَا بَقِيَ» .
3382- وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قِيمَةُ عَدْلٍ لا
وَكْسَ وَلا شَطَطَ، ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ ...
مُوسِرًا» .
3383- وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ
كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
3384- وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرُ ثَمَنِهِ
يُقَامُ قِيمَةَ عَدْلٍ وَيُعْطِي شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَيُخْلِي
سَبِيلَ الْمُعْتَقِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3385- وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتَقَ مَا
بَقِيَ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
3387- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوْ
الأَمَةِ - يَكُونُ بَيْنَ - شُرَكَاءٍ، فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ
مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إذَا كَانَ
لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ يُقَوِّمُ مِنْ مَالِهِ
قِيمَةَ الْعَدْلِ وَيَدْفَعُ إلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاءَهُمْ،
وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ، يُخْبِرُ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3388- وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِنَا
أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوك، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ خَلاصَهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ:
«لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرِيكٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3389- وَفِي لَفْظٍ: «هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3390- وَلأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ.
(2/196)
3391- وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ لَهُمْ غُلامٌ يُقَالُ لَهُ:
طَهْمَانُ أَوْ ذَكْوَانُ، فَأَعْتَقَ جَدُّهُ نِصْفَهُ، فَجَاءَ الْعَبْدُ
إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «تُعْتَقُ فِي عِتْقِكَ، وَتُرَقُّ فِي رِقِّكَ» . قَالَ:
فَكَانَ يَخْدُمُ سَيِّدَهُ حَتَّى مَاتَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3392- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ
خَلاصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ
قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ
غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ
بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِأَنَّ
مَعْنَاهُمَا أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ
الْعِتْقُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، بَلْ تَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ عَلَى
حَالِهَا وَهِيَ الرِّقُّ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي عِتْقِ
بَقِيَّتِهِ فَيَحْصُلُ ثَمَنُ الْجُزْءِ الذي لِشَرِيكِ سَيِّدِهِ
وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ وَيَعْتِقُ وَجَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ.
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ لِقَوْلِهِ: «غَيْرُ مَشْقُوقٍ
عَلَيْهِ» . انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ
نَصِيبَهُ وَهُو مُوسِرُ عُتِقَ نَصِِيبَهُ وَيُعْتَقُ نَصِيبُ شَرِيكَهُ
بِدَفْعِ الْقِيمَة، وَهُوَ قُوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ
كَانَ مُعْسِرًا عُتِقَ كُلَّهُ وَاسْتَسْعَى فِي بَاقِي قِيمَتِهِ، وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدٍ اخْتَارَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ.
انْتَهَى.
بَابُ التَّدْبِيرِ
3393- عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ،
فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ
يَشْتَرِيهِ مِنِّي» ؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا
وَكَذَا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3394- وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلامًا لَهُ
عَنْ دُبُرٍ وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَبَاعَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ،
فَأَعْطَاهُ فَقَالَ: «اقْضِ دَيْنَكَ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالَكَ» .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
(2/197)
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
الأَحْنَفِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ
دُبُرٍ وَكَاتَبَهُ، فَأَدَّى بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ وَمَاتَ مَوْلاهُ،
فَأَتَوْا ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: مَا أَخَذَ فَهُوَ لَهُ، وَمَا بَقِيَ
فَلا شَيْءَ لَكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (عَنْ دُبُرٍ)
بِضَمِّ الدَّالِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي دُبُرِ الْحَيَاةِ
كَأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ
إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ
الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْفَقْر وَالضَّرُورَةِ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَى
النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ
مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ
وَأَصْحَابُهُ: لا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلا إذَا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ
دَيْنٌ فَيُبَاعُ لَهُ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي
مَعْنَاهُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّدْبِيرِ، وَذَلِكَ مِمَّا لا خِلافَ
فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ هَلْ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ
الثُّلُثِ، وَلا شَكَّ أَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْهِبَةِ
لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمُشَابَهَةِ التَّامَّةِ.
قَوْلُهُ: (مَا أَخَذَ فَهُوَ لَهُ وَمَا بَقِيَ فَلا شَيْءَ لَكُمْ)
اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ لا يَبْطُلُ بِهَ التَّدْبِيرُ،
وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِالأَسْبَقِ مِنْهُمَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْمُكَاتَبِ
3395- عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي
كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ
لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ
أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ
بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا: إنْ شَاءَتْ أَنْ
تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونُ لَنَا وَلاؤُكِ، فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا
الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: «مَا بَالُ أُنَاسٍ
يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنْ اشْتَرَطَ
شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَهُ
مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
3396- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إنِّي
كَاتَبْتُ أَهْلِي
(2/198)
عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ
أُوقِيَّةٌ - الْحَدِيثُ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3397- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ
بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلا عَشْرَ أُوقِيَّاتٍ فَهُوَ رَقِيقٌ»
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.
3398- وَفِي لَفْظٍ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ
مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3399- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي
فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَيُحْمَلُ الأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ عَلَى النَّدْبِ.
3400- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «يُؤدَى الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا
بَقِيَ دِيَةَ الْعَبْدِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا ابْنَ مَاجَةْ.
3401- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «يُؤدَى الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى
عُمَرَ فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ
وَتَلا عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: اشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي لَيْثٍ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ
قَدِمَتْ فَكَاتَبَتْنِي عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَذْهَبْتُ
إلَيْهَا عَامَّةَ الْمَالِ ثُمَّ حَمَلْتُ مَا بَقِيَ إلَيْهَا، فَقُلْتُ:
هَذَا مَالُكِ فَاقْبِضِيهِ، فَقَالَتْ: لا وَاَللَّهِ حَتَّى آخُذَهُ
مِنْكِ شَهْرًا بِشَهْرٍ وَسَنَةً بِسَنَةٍ، فَخَرَجْتُ بِهِ إلَى عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ
عُمَرُ: ارْفَعْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهَا: هَذَا
مَالُكِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ عَتَقَ أَبُو سَعِيدٍ، فَإِنْ شِئْتِ
فَخُذِي شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَسَنَةً بِسَنَةٍ. قَالَ: فَأَرْسَلَتْ
فَأَخَذَتْهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
(2/199)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (بَاب الْمكَاتَب) بِفَتْح الْفَوْقَانِيَّة، من تَقَعْ لَهُ
الْكِتَابَةْ وَبِكَسْرِهَا مَنْ تقع مِنْهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحَبُّوا
أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ)
ظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهَا إذَا
بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إذْ لَوْ وَقَعَ
لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى عَائِشَةَ بِطَلَبِهَا وَلاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ
غَيْرُهَا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الإِشْكَالَ
فَقَالَ: إِنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُكِ وَيَكُونُ
وَلاؤُكِ لِي فَعَلْت. فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ
تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تَعْتِقَهَا، إذْ الْعِتْقُ فَرْعُ
ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي» . وَقَدْ
قَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ
الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: «فَهُوَ رَقِيقٌ» أَيْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ،
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لأَنَّهُ رِقٌّ
مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ
بِهِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ
أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: بِيعَتْ بَرِيرَةُ بِعِلْمِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ
ذَلِكَ فَفِيهِ أَبْيَنُ بَيَانٍ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ قَالَ: وَلا
أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ. قَالَ: وَلا أَعْلَمُ دَلِيلًا عَلَى
عَجْزِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ: إنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَبِهِ قَالَتْ الْعِتْرَةُ،
قَالُوا: لأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ
الْوَطْءِ وَالاسْتِخْدَامِ. وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ بَرِيرَةَ
عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ وَكَانَ بَيْعُهَا فَسْخًا
لِكِتَابَتِهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ.
قَوْلُهُ: «فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» ظَاهِرُ الأَمْرِ الْوُجُوبُ، إِلَى
أَنْ قَالَ: وَالْقَرِينَةُ الْقَاضِيَةُ بِحَمْلِ هَذَا الأَمْرِ عَلَى
النَّدْبِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي
أَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ
حُكْمُ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ
كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: حُكْمُ
الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ
الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ مِنْ الإِرْثِ وَالأَرْشِ وَالدِّيَةِ
وَالْحَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ
مِنْ الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَتَتَبَعَّضُ الأَحْكَامُ
(2/200)
الَّتِي يُمْكِنُ تَبَعُّضُهَا فِي حَقِّهِ
بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (إنَّ سِيرِينَ) هُوَ وَالِدُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ
قَالَ بِوُجُوبِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ
مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَزَادَ الْقُرْطُبِيُّ مَعَهُمَا عكرمة، وَهُوَ
قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ
جَرِيرٍ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا
الْعَبْدُ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ
وَأَجَابُوا عَنْ الآيَةِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا مَا قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ
الإِصْطَخْرِيُّ: أنَّ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ لِلأَمْرِ الْمَذْكُورَةَ
آخِرَ الآيَةِ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
فَإِنَّهُ وَكَلَ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى، وَمُقْتَضَاهُ
أَنَّهُ إذَا رَأَى عَدَمَهُ لَمْ يجب عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ
غَيْرُ وَاجِبٍ وَاسْتَدَلَّ بِفِعْلِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّنْجِيمَ فِي الْكِتَابَةِ. إِلَى
أَنْ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّنْجِيمَ جَائِزٌ بِالاتِّفَاقِ كَمَا
حُكِيَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا كَوْنُهُ شَرْطًا أَوْ وَاجِبًا فَلا
مُسْتَنَدَ لَهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ
3402- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ
مِنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3403- وَفِي لَفْظٍ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ
مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» . أَوْ قَالَ: «مِنْ بَعْدِهِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
3404- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا»
. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
3405- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ
الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ
الأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -:
«وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكُمْ؟ لا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا
ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
تَخْرُجَ إلا وَهِيَ خَارِجَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
(2/201)
3406- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ،
وَقَالَ: «لا يُبَعْنَ وَلا يُوهَبْنَ وَلا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا
السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ أَصَحُّ.
3407- وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:
كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِينَا أُمَّهَاتِ أَوْلادِنَا وَالنَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - فِينَا حَيٌّ لا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3408- وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بِعْنَا أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ
عَلَى عَهْدِ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ
فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا وَجْهُ هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
مُبَاحًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ النَّهْيُ لِمَنْ بَاعَهَا،
وَلا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِمَنْ بَاعَ فِي زَمَانِهِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ
وَاشْتِغَالِهِ بِأَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ ثُمَّ ظَهَرَ ذَلِكَ زَمَنَ
عُمَرَ فَأَظْهَرَ النَّهْيَ وَالْمَنْعَ.
3409- وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا فِي الْمُتْعَةِ قَالَ:
كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ
حَتَّى نَهَانَا عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
وَإِنَّمَا وَجْهُهُ مَا سَبَقَ لامْتِنَاعِ النَّسْخِ بَعْدَ وَفَاةِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
3410- وَعَنْ الْخَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي
سَلامَةُ بِنْتُ مَعْقِلٍ قَالَتْ: كُنْتُ لِلْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو وَلِي
مِنْهُ غُلامٌ، فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ: الآنَ
تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الْحُبَابِ
بْنِ عَمْرٍو» ؟ قَالُوا: أَخُوهُ أَبُو الْيَسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو
فَدَعَاهُ فَقَالَ: «لا تَبِيعُوهَا وَأَعْتِقُوهَا فَإِذَا سَمِعْتُمْ
بِرَقِيقٍ قَدْ جَاءَنِي فَأْتُونِي أُعَوِّضْكُمْ» . فَفَعَلُوا،
فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -، فَقَالَ قَوْمٌ: أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لَوْلا
ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّضْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؛
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَفِي كَانَ الاخْتِلافُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ.
(2/202)
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَلَيْسَ إسْنَادُهُ
بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ
دُبُرٍ مِنْهُ» وَقَوْلُهُ: ... «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلانِ عَلَى أَنَّ الأُمَّ
تَصِيرُ حُرَّةً إذَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلامُ
عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا وَالْخِلافُ فِيهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ هِيَ الأَمَةُ
الَّتِي عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا بِحَمْلٍ وَوَضَعَتْهُ مُخْتَلِفًا.
قَوْلُهُ: (إنَّا نُصِيبُ سَبْيًا) الْحَدِيث قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ عَنْ الإِمَاءِ وَسيَأْتِي شَرْحُهُ فِي
بَابِ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ مِنْ كِتَابِ الْوَلِيمَةِ وَالْبِنَاءِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِإِيرَادِ الْحَدِيثِ الاسْتِدْلال بِقَوْلِهِ: (فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ)
عَلَى مَنْعِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) قَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْكَلامِ
عَنْ الْخَطَّابِيِّ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ أُمَّهَاتِ
الأَوْلادِ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي
آخِرِ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ
نَهَاهُمْ. انتهى. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثَيْ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ
بَيْعُ أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ وَقَدْ حَكَى ابْنُ
قُدَامَةَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلا
يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ
عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ الْجَوَازِ؛ لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ
عَنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ، كَمَا حَكَى ذَلِكَ ابْنُ
رَسْلانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ الآخَرِ إلَى قَوْلِ
جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ. انتهى ملخصًًا. والله أعلم.
(2/203)
|