بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الطَّلاقِ

بَابُ جَوَازِهِ لِلْحَاجَةِ وَكَرَاهَتِهِ مَعَ عَدَمِهَا وَطَاعَةِ الْوَالِدِ فِيهِ

3697- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.

3698- وَهُوَ لأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ.

3699- وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صُبْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي امْرَأَةً فَذَكَرَ مِنْ بَذَائِهَا، قَالَ: «طَلِّقْهَا» . قُلْت: إنَّ لَهَا صُحْبَةً وَوَلَدًا، قَالَ: «مُرْهَا - أَوْ قُلْ لَهَا - فَإِنْ يَكُنْ فِيهَا خَيْرٌ سَتَفْعَلْ، وَلا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ ضَرْبَكَ أَمَتَكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

3700- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.

3701- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلالِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الطَّلاقُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

3702- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَهَا فَأَبَيْتُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلِّقْ امْرَأَتَكَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا وَمَكْرُوهًا وَوَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَجَائِزًا. أَمَّا الأَوَّلُ: فَفِيمَا إذَا كَانَ بِدْعِيًّا. وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيمَا إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ سَبَبٍ

(2/270)


مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَفِي صُوَرٍ مِنْهَا الشِّقَاقُ إذَا رَأَى
ذَلِكَ الْحَكَمَانِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَفِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ. وَأَمَّا الْخَامِسُ: ففيما إذَا كَانَ لا يُرِيدُهَا وَلا تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مُؤْنَتَهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ غَرَضِ الاسْتِمْتَاعِ. انْتَهَى ملخصًا.

قَوْلُهُ: (إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا) قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلاقَ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مِنْ دُونِ كَرَاهَةٍ.

قَوْلُهُ: «طَلِّقْهَا» فِيهِ أَنَّهُ يَحْسُنُ طَلاقُ مَنْ كَانَتْ بَذِيئةَ اللِّسَانِ وَيَجُوزُ إمْسَاكُهَا وَلا يَحِلُّ ضَرْبُهَا كَضَرْبِ الأَمَةِ.

قَوْلُهُ: «فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ الطَّلاقَ مِنْ زَوْجِهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا تَحْرِيمًا شَدِيدًا.

قَوْلُهُ: «أَبْغَضُ الْحَلالِ إلَى اللَّهِ الطَّلاقُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَلالٍ مَحْبُوبًا.

قَوْلُهُ: «طَلِّقْ امْرَأَتَكَ» هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلاقِ زَوْجَتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ كَانَ يُحِبُّهَا.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ الطَّلاقِ فِي الْحَيْضِ وَفِي الطُّهْرِ بَعْدَ
أَنْ يُجَامِعَهَا مَا لَمْ يَبِنْ حَمْلُهَا

3703- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، أَوْ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.

3704- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى
تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى» .

3705- وَفِي لَفْظٍ: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ، فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ إلَى الأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ.

3706- وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوُهُ وَفِي آخِرِهِ قَالَ ابْنُ عَمْرٍو: وَقَرَأَ

(2/271)


النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: « {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» .

3707- وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَ تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا.

3708- وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لأَحَدِهِمْ: أَمَّا إنْ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَنِي بِهَذَا، وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَ ثَلاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلاقِ امْرَأَتِك. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

3709- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حَائِضٌ - تَطْلِيقَةً، فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فَلْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الأُخْرَى فَلا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلْيُمْسِكْهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالطَّلاقِ قَبْلَ الْغُسْلِ.

وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الطَّلاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ حَلالٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ. فَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَلالٌ فَأَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا
مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا. وَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَرَامٌ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، أَوْ يُطَلِّقَهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ لا يَدْرِي اشْتَمَلَ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» وَظَاهِرُ الأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: الاسْتِحْبَابُ واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر، وحكي ابن بطال وغيره الاتفاق إذا انقضت العدة أنه لا رجعة.

قَوْلُهُ: «قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا» استدل بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام، وبه صرح الجمهور.

قَوْلُهُ: (فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا) تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع، وهم الجمهور.

(2/272)


بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلاقِ الْبَتَّةَ وَجَمْعِ الثَّلاثِ وَاخْتِيَارِ تَفْرِيقِهَا

3710- عَنْ رُكَانَةُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلا وَاحِدَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ... «وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلا وَاحِدَةً» ؟ قَالَ رُكَانَةُ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3711- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا لاعَنَ أَخُو بَنِي عَجْلانَ امْرَأَتَهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَلَمْتهَا إنْ أَمْسَكْتهَا، هِيَ الطَّلاقُ وَهِيَ الطَّلاقُ وَهِيَ الطَّلاقُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

3712- وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ عِنْدَ الْقُرءينِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى، إنَّك قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ» . قَالَ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَاجَعْتهَا، ثُمَّ قَالَ: «إذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ أَمْسِكْ» . فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا قَالَ: «لا، كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

3713- وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لأَيُّوبَ: هَلْ عَلِمْت أَحَدًا قَالَ فِي: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَنَّهَا ثَلاثٌ إلا الْحَسَنُ؟ قَالَ: لا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرًا إلا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثٌ» . قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيت كَثِيرًا مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْتُ إلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: نَسِيَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.

وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ فِي: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، الْقَضَاءُ مَا قَضَيْت. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْخَلِيَّةُ وَالْبَرِّيَّةُ وَالْبَتَّةُ وَالْبَائِنُ وَالْحَرَامُ ثَلاثًا، لا تَحِلُّ

(2/273)


لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ ثَلاثًا ثَلاثًا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

وَعَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَقَالَ أَبُوهُ: هِيَ طَالِقٌ ثَلاثًا، كَيْفَ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ - مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ - أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيَّ - وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا - أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَانَتْ عَنْهُ فَلا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا. رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ.

3714- وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ رَادُّهَا إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَكَ مَخْرَجًا، عَصَيْتَ ... رَبَّكَ فَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُك، وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مِائَةً، قَالَ: عَصَيْتَ رَبَّكَ، وَفَارَقْتَ امْرَأَتَكَ، لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَيَجْعَلْ لَكَ مَخْرَجًا.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا، قَالَ: يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ ثَلاثٌ وَتَدَعْ تِسْعَمِائَةٍ وَسَبْعًا وَتِسْعِينَ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَدَدَ النُّجُومِ، فَقَالَ: أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. رَوَاهُنَّ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِ الثَّلاثِ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ.

3715- وَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً،

(2/274)


فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

3716- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ، أَلَمْ يَكُنْ طَلاقُ الثَّلاثِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً، قَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الطَّلاقِ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

3717- وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ تَتَابَعُوا فِيهَا قَالَ: أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ - يَعْنِي حَدِيث رُكَانَةْ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ بِلَفْظِ أَلْبَتَّةَ وَأَرَادَ وَاحِدَةً كَانَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ أَرَادَ ثَلاثًا كَانَتْ ثَلاثًا.

قَوْلُهُ: فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلا وَاحِدَةً.» إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِلَفْظِ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً إلا بِيَمِينٍ، وَمِثْلُ هَذَا كُلُّ دَعْوَى يَدَّعِيهَا الزَّوْجُ رَاجِعَةً إلَى الطَّلاقِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا نَفْعٌ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ: (أَمْرُكِ بِيَدِكِ) هَلْ هُوَ صَرِيحُ تَمْلِيكٍ لِلطَّلاقِ فَلا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ التَّوْكِيلَ أَوْ كِنَايَةُ تَمْلِيكٍ فَيُقْبَلُ قَوْلِ الزَّوْجِ أَنَّهُ أَرَادَ التَّوْكِيلَ؟ .

قَوْلُهُ: (قَالَ: الْخَلِيَّةُ) إلَى آخْره هَذِهِ الأَلْفَاظُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلاقِ الصَّرِيحِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا بِمَنْزِلَةِ إيقَاعِ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْبَتَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلاقِ الثَّلاثِ إلا أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ إلا وَاحِدَةً، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - أَلْحَقَ بِهِ بَقِيَّةَ الأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ إلى أنَّ قَالَ: واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا؟ فذهب جمهور التابعين وكثير من

(2/275)


الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - إلى أن الطلاق يتبع الطلاق، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط، وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين، وذهب بعض الإمامية أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء، وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول إن الطلاق البدعي لا يقع، وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث، فذهب بعض التابعين إلى ظاهره، في حق من لم يدخل بها، كما دلت عليه رواية أبي داود. وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق، بأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. فإنه يلزمه واحدة، إذا قصد تكرير الإيقاع، فكان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر على صدقهم، وسلامتهم، وقصدهم في الغالب الفضيلة والاختيار، لم يظهر فيهم خب ولا خداع، وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أمورًا ظهرت، وأحوالاً تغيرت، وفشا إيقاع الثلاث جملة، بلفظ لا يحتمل التأويل، ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها، وقد أشار إليه بقوله: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناه.

قال أحمد بن حنبل: كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير، ومجاهد، ونافع عن ابن عباس بخلافه.

وقال أبو داود، في سننه: صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وعن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثًا، فكلهم قال: لا يحل له حتى تنكح زوجًا غيره.

قَالَ الشَّارِحُ: والحاصل أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة ... على

(2/276)


حديث ابن عباس وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف، والحق أحق بالاتباع.

بَابُ مَا جَاءَ فِي كَلامِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ
وَالسَّكْرَانِ بِالطَّلاقِ وَغَيْرِهِ

3718- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3719- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا طَلاقَ، وَلا عَتَاقَ فِي إغْلاقٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

3720- وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ - فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، قَالَ: «مِمَّ أُطَهِّرُكَ» ؟ قَالَ: مِنْ الزِّنَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَبِهِ جُنُونٌ» ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا» ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَزَنَيْت» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَقَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلا لِسَكْرَانَ طَلاقٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

وَقَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ الطَّلاقِ جَائِزٌ إلا طَلاقَ الْمَعْتُوهِ، ذَكَرَهُنَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

وَعَنْ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَدَلَّى يَشْتَارُ عَسَلاً، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فَجَلَسَتْ عَلَى الْحَبْلِ، فَقَالَتْ: لِيُطَلِّقْهَا ثَلاثًا وَإِلا قَطَعْتُ الْحَبْلَ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالإِسْلامَ فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِطَلاقٍ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ.

قَوْلُهُ: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ» إلى آخره، قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَلَفَّظَ هَازِلاً بِلَفْظِ نِكَاحٍ أَوْ طَلاقٍ

(2/277)


أَوْ رَجْعَةٍ أَوْ عَتَاقٍ كَمَا فِي الأَحَادِيثِ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «فِي إغْلاقٍ» فَسَّرَهُ عُلَمَاءُ الْغَرِيبِ بِالإِكْرَاهِ، وَقِيلَ: الْجُنُونُ. وَقِيلَ: الْغَضَبُ. وَرَدَّهُ ابنُ السَّيِّد فَقَال: لَوْ كَأنَ كَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَد طلاق لأَنَّ أَحَدًا لا يطلق حَتَّى يغضب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الإِغْلاقُ: التَّضْيِيقُ. وقد اسْتَدَلُّ بهذا الحديث من قال: أنه لا يصح طَلاقِ المكره، وبه قال جماعة من أهل العلم ويؤيد ذلك حديث: «رفع عن أمتي الخطأ والنيسان وما استكرهوا عليه» واحتج عطاء بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} وقال: الشرك أعظم من الطَّلاقُ.

قَوْلُهُ: «أبه جْنُونٍ» ؟ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإقرار من الْمَجْنُونٍ لا يصح، وكذلك سائر التصرفات والإنشاءات ولا أحفظ في ذلك خلافًا.

قَوْلُهُ: «أشرب خمرًا» ؟ فيه دليل أيضًا على أن إِقْرَار السَّكْرَان لا يصح وَكَأَنَّ الْمُصَنَّف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَاسَ طَلاقُ السَّكْرَانَ عَلى إِقْرَارِه، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْم فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّكْرَان الَّذِي لا يَعْقِل لا حُكْمَ لِطَلاقِهِ لِعَدَمْ الْمَنَاط الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الأَحْكَام، وَقَدْ عَيَّنَ الشَّارِعُ عُقُوبَتَهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُجَاوِزَهَا بِرَأْيِنَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلاقِ الْعَبْدِ

3721- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا؟ قَالَ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؟ إنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
3722- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ مُعَتِّبٍ أَنَّ أَبَا حَسَنٍ - مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي مَمْلُوكٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ عَتَقَا هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.

(2/278)


3723- وَفِي رِوَايَةٍ: بَقِيَتْ لَك وَاحِدَةٌ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَمَعْمَرٌ: لَقَدْ تَحَمَّلَ أَبُو حَسَنٍ هَذَا صَخْرَةً عَظِيمَةً.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فِي عَبْدٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ عَتَقَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَكُونُ عَلَى وَاحِدَةٍ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْمُعَتِّبٍ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَزَوَّجُهَا وَلا يُبَالِي فِي الْعِدَّةِ عِتْقًا أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَقَتَادَةَ.

قَوْلُهُ: «إنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَطُرُقُهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ مَا فِيهِ فَالْقُرْآنُ يُعَضِّدُهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: الْقُرْآنُ يُعَضِّدُهُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} وقَوْله تَعَالَى: {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} الآيَةَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ طَلاقَ امْرَأَةِ الْعَبْدِ لا يَصِحُّ إلا مِنْهُ لا مِنْ سَيِّدِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَقَعُ طَلاقُ السَّيِّدِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ مِنْ الطَّلاقِ ثَلاثًا كَمَا يَمْلِكُ الْحُرُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ لا يَمْلِكُ مِنْ إلا اثْنَتَيْنِ، حُرَّةً كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّاصِرُ: إنَّهُ لا يَمْلِكُ فِي الأَمَةِ إلا اثْنَتَيْنِ لا فِي الْحُرَّةِ فَكَالْحُرِّ. انتهى. قال في المقنع: يملك إلى ثلاث طلقات وإن كان أمة ويملك العبد ثنتين
ولو كان تحته حرة. وعنه أن الطلاق بالنساء. انتهى. قال الزركشي: وَالأَحَادِيثَ في هذا الباب ضعيفة، والذي يظهر من الآية الكريمة يعني قوله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} أن كل زوج يملك الثلاث مطلقًا، في الإنصاف: وهو قوي في النظر.

بَابُ مَنْ عَلَّقَ الطَّلاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ

3724- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَلا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَلا طَلاقَ لَهُ فِيمَا لا يَمْلِكُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ.

(2/279)


3725- وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ: «وَلا وَفَاءَ نَذْرٍ إلا فِيمَا يَمْلِكُ» .

3726- وَلِابْنِ مَاجَةْ مِنْهُ: «لا طَلاقَ فِيمَا لا يَمْلِكُ» .

3727- وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا طَلاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ وَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ الطَّلاقُ النَّاجِزُ عَلَى الأَجْنَبِيَّةِ. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ.

بَابُ الطَّلاقِ بِالْكِنَايَاتِ إذَا نَوَاهُ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ

3728- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3729- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» . قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الآيَةَ {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} » . الآيَةَ قَالَتْ: فَقُلْت: فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا أَبَا دَاوُد.

3730- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: الْكِلابِيَّةَ بَدَلَ ابْنَةِ الْجَوْنِ.

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَرَى لَفْظَةَ الْخِيَارِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَاحِدَةً لا ثَلاثًا؛ لأَنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ يُكْرَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لا يَفْعَلُهُ.

3731- وَفِي حَدِيثِ تَخَلُّفِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ

(2/280)


مِنْ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، وَإِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْت: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: بَلْ اعْتَزِلْهَا فَلا تَقْرَبَنَّهَا، قَالَ: فَقُلْت لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

3732- وَيُذْكَرُ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» . يَعْنِي ثَلاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» . يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ، يَقُولُ: مَرَّةً ثَلاثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3733- وَيُذْكَرُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ مَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلانٌ، وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلابْنِ مَاجَةْ مَعْنَاهُ.

3734- وَعَنْ قُتَيْلَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ قَالَتْ: أَتَى حَبْرٌ مِنْ الأَحْبَارِ إلَى ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ لَوْلا أَنَّكُمْ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ نِدًّا. قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ» ؟ قَالَ: تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت، قَالَ: فَأَمْهَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: «إنَّهُ قَدْ قَالَ، فَمَنْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَلِيَفْصِلْ بَيْنَهُمَا ثُمَّ شِئْت» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

3735- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

3736- وَيُذْكَرُ فِيمَنْ طَلَّقَ بِقَلْبِهِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ الْعَدَدِ. وَفِي رِوَايَةٍ: (فَلَمْ يَعْتدْ) مِنْ الاعْتِدَادِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلاقًا) وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لا يَقَعُ بِالتَّخْيِيرِ

(2/281)


شَيْءٌ إذَا اخْتَارَتْ الزَّوْجَةُ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الأَمْصَارِ، وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا هَلْ يَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً
أَوْ بَائِنَةً أَوْ يَقَعُ ثَلاثًا؟ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةً رَجْعِيَّةً. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلاث، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً. وَعَنْهُمَا: رَجْعِيَّةً، وَإِنَّ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلا شَيْءَ. وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّخْيِيرَ تَرْدِيدٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُهَا لِزَوْجِهَا طَلاقًا لاتَّحَدَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِنَفْسِهَا بِمَعْنَى الْفِرَاقِ، وَاخْتِيَارَهَا لِزَوْجِهَا بِمَعْنَى الْبَقَاءِ فِي الْعِصْمَةِ. إلى أن قال: وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً بَائِنَةً. انتهى. قال في المقنع: فإن قال اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك، وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها، هذا المذهب. قال في الحاشية: وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس إلى آخره، وهذا المذهب وبه قال أكثر أهل العلم.

قَوْلُهُ: «الْحَقِي بِأَهْلِكِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ

(2/282)


لِامْرَأَتِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَأَرَادَ الطَّلاقَ، طَلُقَتْ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الطَّلاقَ لَمْ تَطْلُقْ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاقِ لأَنَّ التَّصْرِيحَ لا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْعِتْرَةِ.

وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي إخْبَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَدَدِ الشَّهْرِ تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْعَدَدِ بِالإِشَارَةِ بِالأَصَابِعِ وَاعْتِبَارِهِ مِنْ دُونِ تَلَفُّظٍ بِاللِّسَانِ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتَ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلاثٍ مِنْ أَصَابِعِهِ كَانَ ذَلِكَ ثَلاثًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الطَّلاقَ يَتْبَعُ الطَّلاقَ.
وَأَوْرَدَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ وَحَدِيثَ قُتَيْلَةَ لِلاسْتِدْلالِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ، كَانَ كَالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لأَنَّ الْمَحَلَّ لا يَقْبَلُ غَيْرَهَا فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ لَغْوًا، بِخِلافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الأُولَى فِي الْحَالِ، وَوَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ قَابِلَةً لَهَا، وَذَلِكَ لأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ إذَا جَاءَ بِهَا مُوقِعٌ لِمَجْمُوعِ الطَّلاقَيْنِ عَلَيْهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلافِ (ثُمَّ) فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ مَعَ تَرَاخٍ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فِي حُكْمِ الْمُوقِعِ لِطَلاقٍ بَعْدَهُ طَلاقٌ مُتَرَاخٍ عَنْهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي بَيَانِ وَجْهِ اسْتِدْلالِ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثَيْ الْمَشِيئَةِ وَحَدِيثِ الْخُطْبَةِ. انتهى.

قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: إِذَا قَالَ لِمَدْخُولٌ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ إِلا أَنْ يَنْوِي بِالثَّانِيةِ الْتَأْكِيد أَوْ إِفْهَامهَا، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَة بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَة، أَوْ طَالِق طَلْقَة بَعْدَهَا طَلْقَة، أَوْ قَبْل طَلْقَة، طلقت طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٌ بِهَا بَانَتْ بِالأُولَى وَلَمْ يَلْزِمْهُ مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَة مَعَهَا طَلْقَة، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَالِق وَطَالِق طلقت طَلْقَتَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْحَاشِيةِ: قَوْلُهُ: أَوْ طَالِق وَطَالِق هَذَا الْمَذْهَبُ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِق وَطَالِق طلقت ثَلاثًا، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرِهَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالليْثُ وَرَبِيعَةُ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ الْثَوْرِي وَالشَّافِعِيُّ: لا يَقَعُ إِلا وَاحِدَة لأَنَّهُ أَوْقَعَ الأَوُلَى قَبْل الثَّانِية، فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْء آخَر، وَلأَنَّ الْوَاو تَقْتَضِي الْجَمْع وَلا تَرْتِيب فِيهَا فَيَكُون موقعًا لِلثَّلاثِ جَمِيعًا فَيَقَعْنَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا أَوْ طَلْقَة مَعَهَا طَلْقَتَانِ، وَيفَارق مَا إِذَا فَرَّقَهَا فَإِنَّهَا لا تَقَع جَمِيعهَا. انْتَهَى. وَبِهَذَا يَظْهَرُ مُرَادُ الْمُصَنَّفِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَأَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ حُكْمُ الطَّلاقِ؛ لأَنَّ خَطَرَاتِ الْقَلْبِ مَغْفُورَةٌ لِلْعِبَادِ إذَا كَانَتْ فِيمَا فِيهِ ذَنْبٌ، فَكَذَلِكَ لا يَلْزَمُ حُكْمًا فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ، فَلا يَكُونُ حُكْمُ خُطُورِ الطَّلاقِ بِالْقَلْبِ أَوْ إرَادَتِهِ حُكْمَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الإِنْشَاءَاتِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلاقِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ. انْتَهَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.

(2/283)