بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْوَلِيمَةِ وَالْبِنَاءِ
عَلَى النِّسَاءِ وَعِشْرَتِهِنَّ
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ بِالشَّاةِ فَأَكْثَرَ وَجَوَازِهَا
بِدُونِهَا
3571- قَالَ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَوْلِمْ
وَلَوْ بِشَاةٍ» .
3572- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ
بِشَاةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3573- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ
عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا
النَّسَائِيّ.
3574- وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوْلَمَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ
مِنْ شَعِيرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا مُرْسَلاً.
3575- وَعَنْ أَنَسٍ - فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - جَعَلَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3576- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ
بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ يَبْنِي بِصَفِيَّةَ،
فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إلَى وَلِيمَتِهِ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ
وَلا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلا أَنْ أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ
فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ. فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ
يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا
(2/246)
مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ
وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا حَدَّ لأَكْثَرَ مَا يُولَمُ بِهِ، وَأَمَّا
أَقَلُّهُ فَكَذَلِكَ، وَمَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ، وَالْمُسْتَحَبُّ
أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ.
بَابُ إجَابَةِ الدَّاعِي
3577- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ
يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ
الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3578- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا
وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ
فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
3579- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ لَهَا» . وَكَانَ ابْنُ
عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ،
وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3580- وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ
فَلْيَأْتِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3581- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ: «فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا
فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» .
3582- وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ
دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3583- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
3584- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ
فَلْيُجِبْ» .
3585- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» .
رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
(2/247)
3586- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ
فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَقَالَ فِيهِ: «وَهُوَ
صَائِمٌ» .
3587- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا
فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
3588- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الطَّعَامِ وَهُوَ
صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا
الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ.
3589- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الطَّعَامِ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ
فَذَلِكَ لَهُ إذْنٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَقَدْ عَصَى
اللَّهَ وَرَسُولَهُ» احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الإِجَابَةِ
إلَى الْوَلِيمَةِ؛ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي
عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الإِجَابَةِ
لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ
الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْوُجُوبُ، وَصَرَّحَ جُمْهُورُ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَنَصَّ
عَلَيْهِ مَالِكٌ. قَوْلُهُ: «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى
اللَّهَ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الإِجَابَةِ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ
الْعُرْسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ
الْوَلِيمَةِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَضَمَّهَا
قُطْرُبٌ فِي مُثَلَّثَاتِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ
النَّوَوِيُّ.
بَابُ مَا يُصْنَعُ إذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ
3590- عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ رَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ
أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا
جِوَارًا، فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي سَبَقَ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3591- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنَّ لِي
(2/248)
جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟
فَقَالَ: «إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَوَجْهُ ذلك أَنَّ إيثَارَ
الأَقْرَبِ بِالْهَدِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الأَبْعَدِ
فِي الإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ مِنْهُ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ
مَعَ اجْتِمَاعِهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا
كَانَ أَوْلَى بِالإِجَابَةِ مِنْ الآخَرِ.
بَابُ إجَابَةِ مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ اُدْعُ مَنْ لَقِيتَ وَحُكْمِ
الإِجَابَةِ
فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ
3592- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا
فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهِ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهَبْتُ بِهِ، فَقَالَ: «ضَعْهُ» .
ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلانًا وَفُلانًا وَمَنْ لَقِيتَ» .
فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ
لِمُسْلِمٍ.
3593- وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ
الثَّقَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ إِنَّ لَهُ مَعْرُوفًا،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهُ زُهَيْرَ
ابْنَ عُثْمَانَ فَلا أَدْرِي مَا اسْمُهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ
حَقٌّ، وَالْيَوْمُ الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ سُمْعَةٌ
وَرِيَاءٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3594- وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
3595- وَابْنُ مَاجَةْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (حَيْسًا) وَهُوَ مَا
يُتَّخَذُ مِنْ الأَقِطِ وَالتَّمْرِ وَالسَّمْنِ، وَقَدْ يُجْعَلُ عِوَضَ
الأَقِطِ الدَّقِيقُ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الدَّعْوَةِ إلَى الطَّعَامِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا - صلى
الله عليه وسلم -.
قَوْلُهُ: «الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ» إلى آخره، قَالَ
الشَّارِحُ: فِيهِ دَلِيلُ عاى مَشْرُوعِيَّةِ الْيَوْمِ الأَوَّلِ
وَعَدَمُ كَرَاهَتِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَكَرَاهَتُهَا فِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إذَا أَوْلَمَ ثَلاثًا
فَالإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مَكْرُوهَةٌ، وَفِي الْيَوْمِ
الثَّانِي لا
(2/249)
تَجِبُ قَطْعًا وَلا يَكُونُ
اسْتِحْبَابُهَا فِيهِ كَاسْتِحْبَابِهَا فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ.
بَابُ مَنْ دُعِيَ فَرَأَى مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْهُ وَإِلا فَلْيَرْجِعْ
3596- قَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» .
3597- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ
فَرَجَعَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
3598- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مَطْعَمَيْنِ: عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى
مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَأَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ
مُنْبَطِحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3599- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا
الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا
يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إلا بِإِزَارٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3600- وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ،
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ خَرَجَ أَبُو أَيُّوبَ - حِينَ دَعَاهُ ابْنُ
عُمَرَ - فَرَأَى الْبَيْتَ قَدْ سُتِرَ.
وَدعي حُذَيْفَةَ فَخَرَجَ، وَإِنَّمَا رَأَى شَيْئًا مِنْ زِيِّ
الأَعَاجِمِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ
فَرَجَعَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأحاديث الْبَابِ وَآثَارُهُ
فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الدَّعْوَةِ
يَكُونُ فِيهَا مُنْكَرٌ مِمَّا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِمَا فِي
ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الرِّضَا بِهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَاصِلُهُ
إنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَقَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ فَأَزَالَهُ فَلا
بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكْرَهُ
كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَلا يُخْفِي الْوَرَعَ.
(2/250)
بَابُ حُجَّةِ مَنْ كَرِهَ النِّثَارَ
وَالِانْتِهَابَ مِنْهُ
3601- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - يَنْهَى عَنْ النُّهْبَةِ وَالْخُلْسَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3602- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَالنُّهْبَى.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
3603- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ
انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
3604- وَقَدْ سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِثْلُهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَادِيثَ
النَّهْيِ عَنْ النهبى ثَابِتَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَهِيَ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ انْتِهَابٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ
انْتِهَابُ النِّثَارِ. إلى أن قَالَ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا لا
يَرَيَانِ بِهِ بَأْسًا. وَأَخْرَجَ كَرَاهِيَتَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
وَمَالِكٌ: يُكْرَهُ لِمُنَافَاتِهِ الْمُرُوءَةَ وَالْوَقَارَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ أَذِنَ فِي انْتِهَابِ أُضْحِيَّتِهِ مِنْ
أَبْوَابِ الضَّحَايَا حَدِيثٌ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ حُجَّةً لِمَنْ
رَخَّصَ فِي النِّثَارِ. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي إجَابَةِ دَعْوَةِ الْخِتَانِ
3605- عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى
خِتَانٍ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ، فَقِيلَ لَهُ. فَقَالَ: إنَّا كُنَّا لا
نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلا نُدْعَى لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى
عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ إجَابَةِ وَلِيمَةِ الْخِتَانِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا
أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وُجُوبُ
الإِجَابَةِ إلَى سَائِرِ الْوَلائِمِ.
بَابُ الدُّفِّ وَاللَّهْوِ فِي النِّكَاحِ
3606- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «فَصْلُ مَا بَيْنَ
(2/251)
الْحَلالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ
وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا أَبَا دَاوُد.
3607- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ
بِالْغِرْبَالِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
3608- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ
الأَنْصَارِ، فَقَالَ ... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا
عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ لَهْوٍ؟ فَإِنَّ الأَنْصَارَ
يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
3609- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَبِي
حَسَنٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكْرَهُ نِكَاحَ
السِّرِّ حَتَّى يُضْرَبَ بِدُفٍّ وَيُقَالَ:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ.
3610- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ
لَهَا مِنْ الأَنْصَارِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: «أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ:
«أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي» ؟ قَالَتْ: لا. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهَا غَزَلٌ،
فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
3611- وَعَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ
قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ بُنِيَ
عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرَاتٌ
يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ،
حَتَّى قَالَتْ إحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُولِي هَكَذَا
وَقَوْلِي كَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا مُسْلِمًا
وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَامِرِ
بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ، فَقُلْت: أَيْ
صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ بَدْرٍ يُفْعَلُ
هَذَا عِنْدَكُمْ، فَقَالُوا:
(2/252)
اجْلِسْ إنْ شِئْت فَاسْتَمِعْ مَعَنَا،
وَإِنْ شِئْت فَاذْهَبْ، فَإِنَّهُ قَدْ رُخِّصَ لَنَا اللَّهْوُ عِنْدَ
الْعُرْسِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
قَوْلُهُ: «الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» أَيْ ضَرْبُ الدُّفِّ وَرَفْعُ
الصَّوْتِ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ
ضَرْبُ الأَدْفَافِ وَرَفْعُ الأَصْوَاتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَلامِ نَحْوَ:
أَتَيْنَاكُمْ وَنَحْوِهِ، لا بِالأَغَانِي الْمُهَيِّجَةِ لِلشُّرُورِ
الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى وَصْفِ الْجَمَالِ وَالْفُجُورِ وَمُعَاقَرَ
الْخُمُورِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ فِي النِّكَاحِ كَمَا يَحْرُمُ
غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَلاهِي الْمُحَرَّمَةِ.
قَوْلُهُ: (يَنْدُبْنَ) مِنْ النُّدْبَةِ بِضَمِّ النُّونِ: وَهِيَ ذِكْرُ
أَوْصَافِ الْمَيِّتِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ إعْلانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ وَبِالْغِنَاءِ
الْمُبَاحِ، وَفِيهِ إقْبَالُ الإِمَامِ إلَى الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ
لَهْوٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْمُبَاحِ، وَسَيَأْتِي الْكَلامُ
فِي الْغِنَاءِ وَآلاتِ الْمَلاهِي مَبْسُوطًا فِي أَبْوَابِ السَّبْقِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
بَابُ الأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْبِنَاءُ عَلَى النِّسَاءِ
وَمَا يَقُولُ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ
3612- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي،
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
3613- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أَفَادَ أَحَدُكُمْ
امْرَأَةً أَوْ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا
وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ... أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا
جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا
جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد
بِمَعْنَاهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِنَاءِ بِالْمَرْأَةِ فِي
شَوَّالٍ وَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَصَدَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَ - صلى
الله عليه وسلم - بِنِسَائِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى حَسَبِ
الِاتِّفَاقِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/253)
قَالَ: وَالْحَدِيثُ الثَّانِي فِيهِ
اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ تَزَوُّجِ
الْمَرْأَةِ وَمِلْكِ الْخَادِمِ وَالدَّابَّةِ.
بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَزَيُّنِ النِّسَاءِ بِهِ وَمَا لا يُكْرَهُ
3614- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَتَتْ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي
ابْنَةً عُرَيِّسًا، وَإِنَّهُ أَصَابَهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا
أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللَّهُ
الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3615- وَمُتَّفَقٌ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
3616- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ
وَالْمُسْتَوْشِمَةَ.
3617- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ
وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ
الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ: مَا لِي لا أَلْعَنُ
مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟
3618- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ - وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ
-: سَمِعْتُ ... رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ
مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: «إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ
اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
3619- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ فِي
شَعْرِهَا مِنْ شَعْرِ غَيْرِهَا فَإِنَّمَا تُدْخِلُهُ زُورًا» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
3620- وَفِي لَفْظٍ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَادَتْ فِي شَعْرِهَا شَعْرًا
لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ زُورٌ تَزِيدُ فِيهِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
3621- وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3622- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ
وَالْوَاشِمَةِ إلا مِنْ دَاءٍ.
3623- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَلْعَنُ الْقَاشِرَةَ
(2/254)
وَالْمَقْشُورَةَ، وَالْوَاشِمَةَ
وَالْمَوْشُومَةَ، وَالْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
وَالنَّامِصَةُ: نَاتِفَةُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ. وَالْوَاشِرَةُ:
الَّتِي تَشِرُ الأَسْنَانَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا أَشَرٌ: أَيْ تَحَدُّدٌ
وَرِقَّةٌ تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ تَتَشَبَّهُ بِالْحَدِيثَةِ
السِّنِّ. وَالْوَاشِمَةُ: الَّتِي تَغْرِزُ مِنْ الْيَدِ بِإِبْرَةٍ
ظَهْرَ الْكَفِّ وَالْمِعْصَمِ، ثُمَّ تُحْشِي بِالْكُحْلِ أَوْ بالنئور:
وَهُوَ دُخَانُ الشَّحْمِ حَتَّى يَخْضَرَّ. وَالْمُتَنَمِّصَةُ
وَالْمُؤْتَشِرَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ اللاتِي يُفْعَلُ بِهِنَّ ذَلِكَ
بِإِذْنِهِنَّ. وَأَمَّا الْقَاشِرَةُ وَالْمَقْشُورَةُ، فَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: نُرَاهُ أَرَادَ هَذِهِ الْغَمْرَةَ الَّتِي يُعَالِجُ بِهَا
النِّسَاءُ وُجُوهَهُنَّ حَتَّى يَنْسَحِقَ أَعْلَى الْجِلْدِ وَيَبْدُوَ
مَا تَحْتَهُ مِنْ الْبَشَرَةِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا جَاءَ فِي
النَّامِصَةِ.
3624- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ
مَظْعُونٍ تَخَضبُ وَتَطيبُ، فَتَرَكَتْهُ فَدَخَلَتْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ:
أَمُشْهِدٌ أَمْ مُغِيبٌ؟ فَقَالَتْ: مُشْهِدٌ، قَالَتْ لَهَا: عُثْمَانُ
لا يُرِيدُ الدُّنْيَا وَلا يُرِيدُ النِّسَاءَ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ
بِذَلِكَ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ تُؤْمِنُ بِمَا
نُؤْمِنُ بِهِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأُسْوَةٌ
مَا لَك بِنَا» .
3625- وَعَنْ كَرِيمَةَ بِنْتِ هَمَّامٍ قَالَتْ: دَخَلْت الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ فَأَخْلَوْهُ لِعَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ: مَا
تَقُولِينَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحِنَّاءِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ
حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ لَوْنُهُ، وَيَكْرَهُ رِيحَهُ
وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْكُنَّ بَيْنَ كُلِّ حَيْضَتَيْنِ أَوْ عِنْدَ
كُلِّ حَيْضَةٍ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
3626- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ
النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ.
3627- وَفِي رِوَايَةٍ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاتِ مِنْ النِّسَاءِ،
وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - فُلانَةَ، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلانًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْوَصْلُ حَرَامٌ لأَنَّ
اللَّعْنَ لا يَكُونُ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ. قَالَ: قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ
مَالِكٌ وَالطَّبَرِيُّ وَكَثِيرُونَ: الْوَصْلُ مَمْنُوعٌ بِكُلِّ شَيْءٍ،
سَوَاءٌ وَصَلَتْهُ بِشَعْرٍ أَوْ
(2/255)
صُوفٍ أَوْ خِرَقٍ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ أَنْ تَصِلَ
الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا.
قَوْلُهُ: «وَالْمُتَنَمِّصَاتُ» جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ، وَهَى الَّتِي
تَسْتَدْعِي نَتْفَ الشَّعْرِ مِنْ وَجْهِهَا وَهُوَ حَرَامٌ. قَالَ
النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: إلا إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ
شَارِبُ فَلا تَحْرُمُ إزَالَتُهَا بَلْ تُسْتَحَبُّ.
قَوْلُهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ» إلَى آخْره
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّشَبُّهُ
بِالنِّسَاءِ، وَعَلَى النِّسَاءِ التَّشَبُّهُ بِالرِّجَالِ فِي الْكَلامِ
وَاللِّبَاسِ وَالْمَشْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
بَابُ التَّسْمِيَةِ وَالتَّسَتُّرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ
3628- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ
قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ
الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ
وَلَدٌ لَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ الشَّيْطَانُ أَبَدًا» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيّ.
3629- وَعَنْ عُتْبَةُ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ
أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلا يَتَجَرَّدَا تَجَرُّدَ الْعِيرَيْنِ» .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
3630- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لا يُفَارِقُكُمْ إلا
عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ ...
فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ
الْحَدِيثَيْنِ الأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الأَمْرِ بِسَتْرِ
الْعَوْرَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ: مِنْهَا حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ
حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ
عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ
عَوْرَتَكَ إلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» . قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ:
«إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فلا يَرَاهَا» .
قَالَ: قُلْت: إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: «فَاَللَّهُ أَحَقُّ
أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْ النَّاسِ» . هَذَا لَفْظُ
(2/256)
التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الأَمْرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي جَمِيعِ
الأَحْوَالِ، وَالإِذْنِ بِكَشْفِ مَا لا بُدَّ مِنْهُ لِلزَّوْجَاتِ
وَالْمَمْلُوكَاتِ حَالَ الْجِمَاعِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ
3631- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3632- وَلِمُسْلِمٍ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا.
3633- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُول الله -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمَتُنَا
وَسَانِيَتُنَا فِي النَّخْلِ وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَكْرَهُ أَنْ
تَحْمِلَ، فَقَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا
قُدِّرَ لَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
3634- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
- فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ
وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَسَأَلْنَا
عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا
عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَتَبَ مَا
هُوَ خَالِقٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3635- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَتْ الْيَهُودُ: الْعَزْلُ
الْمَوْؤودَةُ الصُّغْرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«كَذَبَتْ يَهُودُ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ
شَيْئًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَصْرِفَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
3636- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي الْعَزْلِ: «أَنْتَ تَخْلُقُهُ، أَنْتَ تَرْزُقُهُ؟ أَقِرَّهُ
قَرَارَهُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ الْقَدَرُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3637- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا جَاءَ
إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي، أَعْزِلُ عَنْ
امْرَأَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لِمَ
تَفْعَلُ ذَلِكَ» ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ
عَلَى أَوْلادِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(2/257)
- صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ كَانَ
ضَارًّا أضر فَارِسَ وَالرُّومَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3638- وَعَنْ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الأَسَدِيَّةِ قَالَتْ: حَضَرْتُ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ:
«لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ
وَفَارِسَ فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ
أَوْلادَهُمْ شَيْئًا» . ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَهِيَ
{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} » . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3639- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - أَنْ يُعْزَلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلا بِإِذْنِهَا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَلِكَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (كُنَّا نَعْزِلُ)
الْعَزْلُ: النَّزْعُ بَعْدَ الإِيلاجِ لَيَنْزِلَ خَارِجَ الْفَرْجِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ الْعَزْلِ، فَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ
عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: لا خِلافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
أَنَّهُ لا يُعْزَلُ عَنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إلا بِإِذْنِهَا؛ لأَنَّ
الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ
الْمَعْرُوفُ إلا مَا لا يَلْحَقُهُ عَزْلٌ.
قَوْلُهُ: «كَذَبَتْ يَهُودُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ
وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ مِنْ تَصْرِيحِهِ
- صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ، فَمِنْ
الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهما، فَحُمِلَ هَذَا عَلَى التَّنْزِيهِ،
إلى أن قَالَ: وَجَمَعَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: الَّذِي كَذَبَ فِيهِ -
صلى الله عليه وسلم - الْيَهُودُ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْعَزْلَ لا
يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَمْلُ أَصْلاً وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ
النَّسْلِ بِالْوَأْدِ فَأَكْذَبَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لا يَمْنَعُ
الْحَمْلَ إذَا شَاءَ
اللَّهُ خَلْقَهُ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدًا
حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ
لأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنْ الْحَمْلِ فَأَجْرَى
قَصْدَهُ لِذَلِكَ مُجْرَى الْوَأْدِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ
الْوَأْدَ. ظَاهِرٌ بِالْمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ
وَالْفِعْلُ، وَالْعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ، فَلِذَلِكَ
وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا وَهَذَا الْجَمْعُ قَوِيٌّ، وَقَدْ ضُعِّفَ
أَيْضًا حَدِيثُ جُذَامَةَ، أَعْنِي الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي آخِرِهِ.
قَوْلُهُ: «أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ» بِكَسْرِ الْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ
مُرْضِعٌ.
(2/258)
بَابُ نَهْيِ الزَّوْجَيْنِ عَنْ
التَّحَدُّثِ بِمَا يَجْرِي حَالَ الْوِقَاعِ
3640- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إلَى الْمَرْأَةِ وَتُفْضِي
إلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3641- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - صَلَّى، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ
بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَجَالِسَكُمْ، هَلْ مِنْكُمْ الرَّجُلُ إذَا أَتَى
أَهْلَهُ أَغْلَقَ بَابَهُ وَأَرْخَى سِتْرَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحَدِّثُ
فَيَقُولُ: فَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا وَفَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا» ؟
فَسَكَتُوا، فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: «هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ
تُحَدِّثُ» ؟ فَجَثَتْ فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إحْدَى رُكْبَتَيْهَا
وَتَطَاوَلَتْ، لِيَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَليَسْمَعَ كَلامَهَا، فَقَالَتْ: إي وَاَللَّهِ إنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ
وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ مَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ؟ إنَّ مَثَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، مَثَلُ شَيْطَانٍ
وَشَيْطَانَةٍ لَقِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالسِّكَّةِ فَقَضَى
حَاجَتَهُ مِنْهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
3642- وَلأَحْمَدَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلانِ عَلَى
تَحْرِيمِ إفْشَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ
أُمُورِ الْجِمَاعِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ إتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا
3643- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3644- وَفِي لَفْظٍ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ
فِي دُبُرِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3645- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(2/259)
3646- وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: «فَقَدْ
بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ» .
3647- وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - نَهَى أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3648- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» . أَوْ قَالَ:
«فِي أَدْبَارِهِنَّ» .
3649- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ
فِي دُبُرِهَا: «هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
3650- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَسْتَاهِهِنَّ
فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3651- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى
رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
3652- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إذَا أُتِيَتْ
الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ،
قَالَ: فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ} . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا النَّسَائِيّ.
3652- وَزَادَ مُسْلِمٌ: «إنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ
مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ» .
3654- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي
قَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ} «يَعْنِي صِمَامًا وَاحِدًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3655- وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ
الْمَدِينَةَ عَلَى الأَنْصَارِ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ، وَكَانَ
الْمُهَاجِرُونَ يُجَبُّونَ، وَكَانَتْ الأَنْصَارُ لا تُجَبِّي، فَأَرَادَ
رَجُلٌ امْرَأَتَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ
حَتَّى تَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَأَتَتْهُ،
فَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ فَسَأَلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَتْ:
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
(2/260)
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
وَقَالَ: «لا، إلا فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3656- وَلأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
3657- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: «وَمَا
الَّذِي أَهْلَكَكَ» ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ، فَلَمْ
يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى رَسُولِهِ هَذِهِ
الآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} «أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ،
وَاتَّقُوا الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3658- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«اسْتَحْيُوا فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، لا يَحِلُّ
مَأْتَاكَ النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ
الْبَابِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَحْرُمُ إتْيَانُ النِّسَاءِ فِي
أَدْبَارِهِنَّ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ،
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ لِذَلِكَ مَفَاسِدَ دِينِيَّةً
وَدُنْيَوِيَّةً، وَكَفَى مُنَادِيًا عَلَى خَسَاسَتِهِ أَنَّهُ لا يَرْضَى
أَحَدٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ وَلا إلَى إمَامِهِ تَجْوِيزُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «مُجَبِّيَةً» أَيْ: بَارِكَةً. والجبية: الانْكِبَابُ عَلَى
الْوَجْهِ.
قَوْلُهُ: «غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ» أي: الْقُبُلِ
وَهَذَا أَحَدُ الأَسْبَابِ فِي نُزُولِ الآيَةِ.
بَابُ إحْسَانِ الْعِشْرَةِ وَبَيَانِ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ
3659- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا
كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ» .
3660- وَفِي لَفْظٍ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ
خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ،
فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ
أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
3661- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: «لا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا
رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
(2/261)
3662- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ
أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
بَيْتِهِ وَهُنَّ اللُّعَبُ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا دَخَلَ يَنْقَمِعْنَ
مَعَهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3663- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا،
وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3664- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3665- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ
الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ.
3666- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ
فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا
الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3667- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لَأَمَرْتُ
الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3668- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلُحَ
لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ
لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ
بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ مَا أَدَّتْ
حَقَّهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3669- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ
لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا؛ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا
أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إلَى جَبَلٍ
أَسْوَدَ، وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إلَى جَبَلٍ
(2/262)
أَحْمَرَ، لَكَانَ نَوْلُهَا أَنْ
تَفْعَلَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3670- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: لَمَّا قَدِمَ
مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا مُعَاذُ» ؟ قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ
فَوَافَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ،
فَرَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بك. فَقَالَ ... رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَلا تَفْعَلُوا، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ
آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ
تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي
الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ
سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3671- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ
مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَوَعَظَ ثُمَّ قَالَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ
خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَيْسَ تَمْلِكُونَ
مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، إنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا،
وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ
فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي
بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ؛ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ
تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» . رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لا تُقْبَلُ
لأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِتَرْكِ حَقِّهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ.
3672- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - سَأَلَهُ رَجُلٌ: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ:
«تُطْعِمُهَا إذَا طَعِمْتَ. وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْتَ، وَلا تَضْرِبْ
الْوَجْهَ، وَلا تُقَبِّحْ وَلا تَهْجُرْ إلا فِي الْبَيْتِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
3673- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «أَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلا تَرْفَعْ عَنْهُمْ
عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3674- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: «لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلا
بِإِذْنِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2/263)
3675- وَفِي رِوَايَةٍ: «لا تَصُومُ
امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلا
بِإِذْنِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.
وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّذْرِ وَإِنْ كَانَ
مُعَيَّنًا إلا بِإِذْنِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «خُلِقَتْ مِنْ
ضِلَعٍ» أَيْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الَّذِي خُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ.
وَالْحَدِيثُ فِيهِ الإِرْشَادُ إلَى مُلاطَفَةِ النِّسَاءِ وَالصَّبْرِ
عَلَى مَا لا يَسْتَقِيمُ مِنْ أَخْلاقِهِنَّ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى
أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي لا يُفِيدُ مَعَهَا
التَّأْدِيبُ وَلا يَنْجَحُ عِنْدَهَا النُّصْحُ فَلَمْ يَبْقَ إلا
الصَّبْرُ وَالْمُحَاسَنَةُ وَتَرْكُ التَّأْنِيبِ وَالْمُخَاشَنَةُ.
قَوْلُهُ: «لا يَفْرَكُ» بِالْفَاءِ سَاكِنَةً بَعْدَهَا رَاءٌ وَهُوَ
الْبُغْضُ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ الإِرْشَادُ إلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ
وَالنَّهْيُ عَنْ الْبُغْضِ لِلزَّوْجَةِ بِمُجَرَّدِ كَرَاهَةِ خُلُقٍ
مِنْ أَخْلاقِهَا فَإِنَّهَا لا تَخْلُو مَعَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرٍ يَرْضَاهُ
مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (الْبَنَاتِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْبَنَاتُ:
التَّمَاثِيلُ الصِّغَارُ يُلْعَبُ بِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَمْكِينُ الصِّغَارِ مِنْ اللَّعِبِ
بِالتَّمَاثِيلِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلرَّجُلِ
أَنْ يَشْتَرِيَ لِبِنْتِهِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ
اللَّعِبَ بِالْبَنَاتِ لِلَبِنَاتِ الصِّغَارِ رُخْصَةٌ.
قَوْلُهُ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ» إلَى آخْره، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ مَزِيَّةُ حُسْنِ الْخُلُقِ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الإِيمَانِ الْكَامِلِ.
قَوْلُهُ: «وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ
فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ» فِي ذَلِكَ
تَنْبِيهٌ عَلَى أَعْلَى النَّاسِ رُتْبَةً فِي الْخَيْرِ، وَأَحَقُّهُمْ
بِالِاتِّصَافِ بِهِ هُوَ مَنْ كَانَ خَيْرَ النَّاسِ لأَهْلِهِ، فَإِنَّ
الأَهْلَ هُمْ الأَحِقَّاءُ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالإِحْسَانِ
وَجَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ.
قَوْلُهُ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ
لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ ... تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» قَالَ الشَّارِحُ:
وَيُؤَيِّدُ أَحَادِيثَ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ قَيْسِ
بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ
لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ، فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقُلْتُ: إنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ
(2/264)
يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَك قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ
مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ» ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ:
«فَلا تَفْعَلُوا لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ
لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ
اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ» .
قَوْلُهُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ
الْجَنَّةَ» قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ التَّرْغِيبُ الْعَظِيمُ إلَى طَاعَةِ
الزَّوْجِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: «لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» فِي رِوَايَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ: «حَتَّى تَرْجِعَ» وَفِيهِ دَلالَةٍ عَلَى تَأَكُّدِ
وُجُوبِ طَاعَةِ الزَّوْجِ وَتَحْرِيمِ عِصْيَانِهِ وَمُغَاضَبَتِهِ.
قَوْلُهُ: «نَوْلُهَا» أَيْ حَظُّهَا وَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ
تَفْعَلَ.
قَوْلُهُ: «عَوَانٌ» جَمْعُ عَانِيَةٍ، وَالْعَانِي: الأَسِيرُ.
قَوْلُهُ: «فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ» إلَى آخْره، فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ: «فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ»
وَظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْهَجْرُ فِي الْمَضْجَعِ
وَالضَّرْبُ إلا إذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ لا بِسَبَبٍ غَيْرِ
ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «وَلا تَضْرِبْ الْوَجْهَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ
اجْتِنَابِ الْوَجْهِ عِنْدَ التَّأْدِيبِ.
قَوْلُهُ: «وَلا تُقَبِّحْ» . أَيْ لا تَقُلْ لِامْرَأَتِكَ: قَبَّحَهَا
اللَّهُ.
قَوْلُهُ: «وَلا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ» فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي
لِمَنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ أَنْ يُخَوِّفَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ الْوُقُوعَ
فِيمَا لا يَلِيقُ، وَلا يُكْثِرُ تَأْنِيبَهُمْ وَمُدَاعَبَتَهُمْ،
فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَيَكُونُ سَبَبًا
لِتَرْكِهِمْ لِلآدَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَتَخَلُّقِهِمْ بِالأَخْلاقِ
السَّيِّئَةِ
قَوْلُهُ: «لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلا
بِإِذْنِهِ» يَعْنِي فِي غَيْرِ صِيَامِ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَكَذَا
سَائِرُ الصِّيَامَاتِ الْوَاجِبَةِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ
صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِدُونِ إذْنِ زَوْجِهَا الْحَاضِرِ
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ،
(2/265)
وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالشَّاهِدِ
أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّطَوُّعُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، فَلَوْ
صَامَتْ وَقَدِمَ فِي أَثْنَاءِ الصِّيَامِ قِيلَ: فَلَهُ إفْسَادُ
صَوْمِهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
بَابُ نَهْيِ الْمُسَافِرِ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ بِقُدُومِهِ لَيْلاً
3676- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ
غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً.
3677- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلا يَطْرُقْ
أَهْلَهُ لَيْلًا» .
3678- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه
وسلم - فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ:
«أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً - أَيْ عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ
الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
3679- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ
عَثَرَاتِهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إذَا أَطَالَ
أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ
إنَّمَا تُوجَدُ حِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا
وَعَدَمًا.
بَابُ الْقَسْمِ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الْجَدِيدَتَيْنِ
3680- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا
تَزَوَّجَهَا - أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ: «إنَّهُ
لَيْسَ بِكَ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ شِئْت سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ
سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
3681- وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَفْظُهُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ لَهَا حِينَ دَخَلَ بِهَا: «لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ
هَوَانٌ، إنْ شِئْت أَقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلاثًا خَالِصَةً لَكِ، وَإِنْ
شِئْت سَبَّعْتُ لَكِ وَسَبَّعْتُ لِنِسَائِي» . قَالَتْ: تُقِيمُ مَعِي
ثَلاثًا خَالِصَةً.
3682- وَعَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا
تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ
قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا ثُمَّ
(2/266)
قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَلَوْ
شِئْت لَقُلْتُ: إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -. أَخْرَجَاهُ.
3683- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَقُولُ: «لِلْبِكْرِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَلِلثَّيِّبِ ثَلاثٌ ثُمَّ
يَعُودُ إلَى نِسَائِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
3684- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - صَفِيَّةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا وَكَانَتْ
ثَيِّبًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْبِكْرَ تُؤْثَرُ بِسَبْعٍ وَالثَّيِّبَ بِثَلاثٍ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي السَّبْعِ أَوْ الثَّلاثِ عَنْ
الصَّلاةِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ.
بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْدِيلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَمَا لا يَجِبُ
3685- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَكَانَ إذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لا
يَنْتَهِي إلَى الْمَرْأَةِ الأُولَى إلَى تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ
كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
3686- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا مِنْ يَوْمٍ إلا وَهُوَ يَطُوفُ
عَلَيْنَا جَمِيعًا امْرَأَةً امْرَأَةً، فَيَدْنُو وَيَلْمِسُ مِنْ غَيْرِ
مَسِيسٍ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ.
3687- وَفِي لَفْظٍ: كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ دَخَلَ
عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إحْدَاهُنَّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3688- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا عَلَى
الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقَّيْهِ سَاقِطًا
أَوْ مَائِلاً» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
3689- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ:
«اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ
وَلا أَمْلِكُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا أَحْمَدَ.
(2/267)
3690- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى
حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: لا يَغُرَّنَّك أنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ
مِنْكِ وَأَحَبَّ إلَى ... النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ
عَائِشَةَ - فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
3691- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟
أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» . يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ؟ فَأَذِنَ لَهُ
أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى
مَاتَ عِنْدَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3692- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ
سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
لا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ أَنْ يُفْرِدَ لِكُلِّ
وَاحِدَةٍ لَيْلَةً بِحَيْثُ لا يَجْتَمِعُ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا، بَلْ
يَجُوزُ مُجَالَسَةُ غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَمُحَادَثَتُهَا،
وَلِهَذَا كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ صَاحِبَةِ
النَّوْبَةِ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ دُخُولُ بَيْتِ غَيْرِ
صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ وَالدُّنُوُّ مِنْهَا وَاللَّمْسُ إلا الْجِمَاعَ.
قَوْلُهُ: «يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ
الْمَيْلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَمْرٍ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ
كَالْقِسْمَةِ وَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ.
قَوْلُهُ: «فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ» ؛ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: يَعْنِي بِهِ الْحُبَّ وَالْمَوَدَّةَ، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ
أَهْلُ الْعِلْمِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} قَالَ: فِي الْحُبِّ
وَالْجِمَاعِ.
قَوْلُهُ: (يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ
إرَادَةِ الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فِي مَرَضِهِ
أَوْ فِي غَيْرِهِ لا يَكُونُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ
ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجَاتِ الإِذْنُ لَهُ بِالْوُقُوفِ مَعَ
وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
قَوْلُهُ: (أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ) اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ.
(2/268)
بَابُ الْمَرْأَةُ تَهَبُ يَوْمَهَا
لِضَرَّتِهَا أَوْ تُصَالِحُ الزَّوْجَ عَلَى إسْقَاطِهِ
3693- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا
لِعَائِشَةَ فَكَانَ ... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ
لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3694- وَعَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ
مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا} قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ
تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ طَلاقَهَا
وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلا تُطَلِّقْنِي
ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيَّ
وَالْقَسْمِ لِي، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} .
3695- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا
لا يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، فَتَقُولُ:
أَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْت، قَالَ: فَلا بَأْسَ إذَا تَرَاضَيَا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
3696- وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعٌ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلا
يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ، قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ
بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَاَلَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ صُلْحٍ
وَرِضًا مِنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِعَدَمِ
وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}
. الآيَةَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (قَالَ عَطَاءٌ:
الَّتِي لا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ) . قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي
أَوَّلِ الْهَدْيِ عِنْدَ الْكَامِ عَلَى هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي النِّكَاحِ وَالْقَسْمِ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، وَأَنَّ صَفِيَّةَ إنَّمَا
سَقَطَتْ نَوْبَتُهَا مِنْ الْقِسْمَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. انتهى. والله
أعلم.
(2/269)
|