بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الظِّهَارِ

3753- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: كُنْتُ امْرَأً قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُصِيبَ فِي لَيْلَتِي شَيْئًا فَأَتَتَايَعَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَنِي النَّهَارُ وَأَنَا لا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ، فَبَيْنَا هِيَ تَخْدُمُنِي مِنْ اللَّيْلِ إذْ تَكَشَّفَ إلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْت عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْت لَهُمْ: انْطَلِقُوا مَعِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُخْبِرَهُ بِأَمْرِي، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لا نَفْعَلُ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ لِي: «أَنْتَ بِذَاكَ» ؟ فَقُلْت: أَنَا بِذَاكَ، فَقَالَ: «أَنْتَ بِذَاكَ» ؟ قُلْت: أَنَا بِذَاكَ، فَقَالَ: «أَنْتَ بِذَاكَ» ؟ قُلْت: نَعَمْ هَا أَنَا ذَا فَامْضِ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنَا صَابِرٌ. قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» . فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي بِيَدِي وَقُلْت: لا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَهَا، قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إلا فِي الصَّوْمِ؟ قَالَ: «فَتَصَدَّقْ» . قَالَ: قُلْت: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا وَحْشًا مَا لَنَا عَشَاءٌ، قَالَ: «اذْهَبْ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إلَيْكَ فَأَطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا، ثُمَّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ» . قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى قَوْمِي فَقُلْت: وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّعَةَ وَالْبَرَكَةَ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ فَادْفَعُوهَا إلَيَّ، فَدَفَعُوهَا إلَيَّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد

(2/292)


وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
3754- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ: «كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

3755- وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ مِكْتَلًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَالَ: «أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَذَلِكَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ... مُدٌّ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ.

3756- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، قَالَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ» ؟ قَالَ: رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، قَالَ: «فَلا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالإِطْعَامِ وَغَيْرِهِ.

3757- وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً وَقَالَ فِيهِ: «فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ مَا عَلَيْكَ» . وَهُوَ حُجَّةٌ فِي ثُبُوتِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي الذِّمَّةِ.

3758- وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْكُو إلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: «اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّك» . فَمَا بَرِحَ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلَى الْفَرْضِ فَقَالَ: «يُعْتِقُ رَقَبَةً» . قَالَتْ: لا يَجِدُ، قَالَ: «فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: «فَإِنِّي سَأُعِينه بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: «قَدْ أَحْسَنْت اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهِمَا
عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّك» . وَالْعَرَقُ سِتُّونَ صَاعًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

3759- وَلأَحْمَدَ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْعَرَقِ وَقَالَ فِيهِ: «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ» .

(2/293)


3760- وَلأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَالْعَرَقُ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلاثِينَ صَاعًا. وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ.

3761- وَلَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَهَذَا مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: عَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ أَوْسًا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي) الظِّهَارُ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الظِّهَارَ مُخْتَصُّ بِالأُمِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ. فَلَوْ قَالَ: كَظَهْرِ أُخْتِي، مَثَلًا لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ظِهَارٌ وَحَكَي فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ وَالإِمَامِ يَحْيَى وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ يُقَاسُ الْمَحَارِمُ عَلَى الأُمِّ وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ، إذْ الْعِلَّةُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ.

قَوْلُهُ: «سِتِّينَ مِسْكِينًا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجْزِئ مَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّيَامِ لِعِلَّةِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ، فَقَالُوا: الْوَاجِبُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا: إنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ، وَتَمَسَّكُوا بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَرَقِ وَتَقْدِيرُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. وَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعَانَهُ بِمَا يُكَفِّرُ بِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى السُّقُوطِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا: تَسْقُطُ كَفَّارَةُ صَوْمِ رَمَضَانَ لا غَيْرُهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَرَقُ سِتُّونَ صَاعًا) هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَفَرَّدَ بِهَا مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: لا يُعْرَفُ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِيهَا أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ عَنْعَنَ، وَالْمَشْهُورُ عُرْفًا أَنَّ الْعَرَقَ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا كَمَا رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ نَفْسِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

(2/294)


بَابُ مَنْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ

3762- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا، فَقَالَ: كَذَبْت، لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ، ثُمَّ تَلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

3763- وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلَى آخِرِ الآيَةِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى أَقْوَالٍ: الْمَذْهَبُ الأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَغْوٌ وَبَاطِلٌ لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَجَمِيعُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهَا ثَلاثُ تَطْلِيقَاتٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا بِهَذَا الْقَوْلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ. الرَّابِعُ: الْوَقْفُ فِيهَا. الْخَامِسُ: إنْ نَوَى بِهِ الطَّلاقَ فَهُوَ طَلاقٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَانَ يَمِينًا، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَحَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ النَّخَعِيّ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلاقِ فَإِنْ نَوَاهُ كَانَ طَلاقًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَانَ يَمِينًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلَى قَوْلِهِ: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} . السَّادِسُ: أَنَّهُ إنْ نَوَى الثَّلاثَ فَثَلاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ كَذْبَةٌ لا شَيْءَ فِيهَا، قَالَهُ سُفْيَانُ: وَحَكَاهُ النَّخَعِيّ عَنْ أَصْحَابِهِ. السَّابِعُ: مِثْلُ هَذَا إلا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلاقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. الثَّامِنُ: مِثْلُ هَذَا إلا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ بَائِنًا. التَّاسِعُ: أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: صَحَّ عَنْ

(2/295)


ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي قِلابَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّشْبِيهَ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ ظِهَارًا فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى. الْعَاشِرُ: أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُفْيان شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ يَنْوِي مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي إرَادَةِ أَصْلِ الطَّلاقِ وَعَدَدِهِ وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمًا بِغَيْرِ طَلاقٍ فَيَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ. الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ يَنْوِي أَيْضًا مَا شَاءَ مِنْ عَدَدِ الطَّلاقِ، إلا أَنَّهُ إذَا نَوَى وَاحِدَةً كَانَتْ بَائِنَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِيلاءٌ، وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ
الْقَيِّمِ: صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فَرْضَ تَحِلَّةِ الأَيْمَانِ عَقِبَ تَحْرِيمِ الْحَلالِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: صَحَّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ. الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّهُ طَلاقٌ، ثُمَّ إنَّهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَهُوَ مَا نَوَاهُ مِنْ الْوَاحِدَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا فَهُوَ ثَلاثٌ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رَجَّحَ الْمَذْهَبَ الأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي إذَا أَرَادَ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلاقَ فَلَيْسَ فِي الأَدِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ وُقُوعِهِ بِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قلت: والراجح أن الرجل إذا حرم زوجته فهو على نيته، فإن نوى ظهارًا فهو ظهار، وإن نوى طلاقًا فهو طلاق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» . وإن لم ينو ظهارًا ولا طلاقًا فهو يمين. والله أعلم.

(2/296)