بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ اللِّعَانِ
3764- عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً لاعَنَ امْرَأَتَهُ
وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
3765- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الْمُتَلاعِنَانِ أَيُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! نَعَمْ إنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ
عَنْ ذَلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ
وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ
تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ
ذَلِكَ، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ
يُجِبْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ الَّذِي
سَأَلْتُكَ عَنْهُ اُبْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ} فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ
أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لا
وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْت عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا
فَوَعَظَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ
الآخِرَةِ، فَقَالَتْ: لا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنَّهُ
لَكَاذِبٌ؛ فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ
إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ
عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ؛ ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ،
فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ،
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ
الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
3766- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي عَجْلانَ وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ
أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ» ؟ ثَلاثًا. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا.
(2/297)
3767- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ
عُوَيْمِرًا الْعَجْلانِيُّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ
كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ
نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» . قَالَ سَهْلٌ:
فَتَلاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ
سُنَّةَ الْمُتَلاعِنَيْنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
3768- وَفِي رِوَايَةٍ - مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «ذَاكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاعِنَيْنِ» .
3769- وَفِي لَفْظٍ لأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: وَكَانَ فِرَاقُهُ إيَّاهَا
سُنَّةً فِي الْمُتَلاعِنَيْنِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ مَشْرُوعٌ، وَعَلَى أَنَّهُ لا
يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ التَّحَقُّقِ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
الْمَذْكُورِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَعَنْ
أَحْمَدَ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ وَإِنْ لَمْ
يَتَعَرَّضْ الرَّجُلُ لِذِكْرِهِ فِي اللِّعَانِ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَفِيهِ نَظَرٌ لأَنَّهُ لَوْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُ
اللَّعَّانُ دَفْعَ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَثُبُوتَ زِنَا الْمَرْأَةِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى فَاحِشَةٍ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ
امْرَأَتِهِ رَجُلًا وَتَحَقَّقَ وُجُودُ الْفَاحِشَةِ مِنْهُمَا
فَقَتَلَهُ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ أَمْ لا؟ فَمَنَعَ الْجُمْهُورُ الإِقْدَامَ
وَقَالُوا: يُقْتَصُّ مِنْهُ إلا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةِ الزِّنَى أَوْ
يَعْتَرِفَ الْمَقْتُولُ بِذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا.
وَقِيلَ: بَلْ يُقْتَلُ بِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ
بِغَيْرِ إذْنِ الإِمَامِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لا يُقْتَلُ أَصْلاً
وَيُعْذَرُ فِيمَا فَعَلَهُ إذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ صِدْقِهِ، وَشَرَطَ
أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدَيْنِ
أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ
حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَكِنْ زَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ قَدْ
أُحْصِنَ وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ
يَقْتُلَ مَنْ وَجَدَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَوَلَدِهِ حَالَ
الْفِعْلِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقَادُ بِهِ إنْ كَانَ بِكْرًا.
(2/298)
بَابُ لا يَجْتَمِعُ الْمُتَلاعِنَانِ
أَبَدًا
3770- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لِلْمُتَلاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا
كَاذِبٌ لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي؟
قَالَ: «لا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْتَ صَدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا
اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْت عَلَيْهَا فَذَلِكَ
أَبْعَدُ لَك مِنْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ لا تُؤَثِّرُ
فِي إسْقَاطِ الْمَهْرِ.
3771- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي خَبَرِ الْمُتَلاعِنَيْنِ قَالَ:
فَطَلَّقَهَا ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -، وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - سُنَّةً. قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْت هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلاعِنَيْنِ أَنْ
يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
3772- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - فِي قِصَّةِ الْمُتَلاعِنَيْنِ - قَالَ:
فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا وَقَالَ:
«لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» .
3773- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «الْمُتَلاعِنَانِ إذَا تَفَرَّقَا لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» .
3774- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلاعِنَيْنِ أَنْ
لا يَجْتَمِعَا أَبَدًا.
3775- وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالا:
مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لا يَجْتَمِعَ الْمُتَلاعِنَانِ. رَوَاهُنَّ
الدَّارَقُطْنِيّ.
قَوْلُهُ: «لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَأْبِيدِ الْفُرْقَةِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. قَالَ: وَوَقَعَ في حَدِيث لأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ: وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى مِنْ أجل أنهما يفترقان بغير
طَلاقٌ ولا متوفى عنها، وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس
اللِّعَانُ.
بَابُ إيجَابِ الْحَدِّ بِقَذْفِ الزَّوْجِ وَأَنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُهُ
3776- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
(2/299)
بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي
ظَهْرِكَ» . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى
امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ ...
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْبَيِّنَةُ وَإِلا حَدٌّ
فِي ظَهْرِكَ» . فَقَالَ هِلالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي
لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ،
فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ}
فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا.
فَجَاءَ هِلالٌ، فَشَهِدُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:
«إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا
تَائِبٌ» ؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ
وَقَّفُوهَا، فَقَالُوا: إنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ
حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ: لا أَفْضَحُ قَوْمِي
سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ
الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ»
. فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الْبَيِّنَةُ أَوْ
حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ
امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَجَبَ
عَلَيْهِ حَدُّ الْقَاذِفِ، وَإِذَا وَقَعَ اللِّعَانُ سَقَطَ وَهُوَ
قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
بَابُ مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ
3777- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ
بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ
لأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لاعَنَ فِي الإِسْلامِ، قَالَ:
فَلاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبْطًا قَضِيءَ
الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ
أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ» .
قَالَ: فَأُنْبِئْت أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ
السَّاقَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
3778- وَفِي رِوَايَةٍ: إنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الإِسْلامِ أَنَّ
هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ،
فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ
... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلا
فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا فَقَالَ لَهُ
هِلالٌ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
لَيَعْلَمُ أَنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ
(2/300)
عَلَيْكَ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ
الْحَدِّ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ
اللِّعَانِ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلَى آخِرِ الآيَةِ،
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ
حَدَّ الْقَذْفِ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ قَذَفَ الزَّوْجَةَ
بِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ.
بَابٌ فِي أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ
3779- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ
أَحَدُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً
فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلاً، فَذَكَرَ حَدِيثَ تَلاعُنِهِمَا إلَى
أَنْ قَالَ: فَفَرَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا
وَقَالَ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْسِحَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ
فَهُوَ لِهِلالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَّالِيًّا
خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ
بِهِ» . فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَّالِيًّا خَدَلَّجَ
السَّاقَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لَوْلا الأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أُرَيْسِحَ»
تَصْغِيرُ الأَرْسَحِ بِالسِّينِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: وَهُوَ
خَفِيفُ لَحْمِ الْفَخِذَيْنِ وَالأَلْيَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: «لَوْلا الأَيْمَانُ» اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ
اللِّعَانَ يَمِينٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ وَالْجُمْهُورُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ عَلَى الْحَمْلِ وَالِاعْتِرَافِ بِهِ
3780- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - لاعَنَ عَلَى الْحَمْلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3781- وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ: وَكَانَتْ حَامِلاً وَكَانَ ابْنُهَا يُنْسَبُ
إلَى أُمِّهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
3782- وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- لاعَنَ بَيْنَ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ وَفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا وَقَضَى أَنْ لا يُدْعَى وَلَدُهَا لأَبٍ، وَلا يُرْمَى
وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى
(2/301)
مِصْرَ وَمَا يُدْعَى لأَبٍ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَنَّ تَلاعُنَهُمَا قَبْلَ
الْوَضْعِ.
وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي
رَجُلٍ أَنْكَرَ وَلَدَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ اعْتَرَفَ
بِهِ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا حَتَّى إذَا وُلِدَ أَنْكَرَهُ، فَأَمَرَ بِهِ
عُمَرُ فَجُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِفِرْيَتِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ
أُلْحِقَ بِهِ وَلَدُهَا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ
الْبَابِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَصِحُّ اللِّعَانُ قَبْلَ الْوَضْعِ
مُطْلَقًا وَنَفْيُ الْحَمْلِ. وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْهَدْيِ عَنْ
الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ لِلأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَثَرُ
عُمَرَ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لا يَصِحُّ نَفْيُ الْوَلَدِ
بَعْدَ الإِقْرَارِ وَهُمْ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ،
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ لَصَحَّ عَنْ كُلِّ
إقْرَارٍ فَلا يَتَقَرَّرُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ
بِالإِجْمَاعِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَابُ الْمُلاعَنَةِ بَعْدَ الْوَضْعِ لِقَذْفٍ قَبْلَهُ
وَإِنْ شَهِدَ الشَّبَهُ لأَحَدِهَِا
3783- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلاعُنُ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ
قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إلَيْهِ
أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا اُبْتُلِيتُ
بِهَذَا إلا لِقَوْلِي فِيهِ، فَذَهَبَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِاَلَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ،
وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبِطَ الشَّعْرِ،
وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا
آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«اللَّهُمَّ بَيِّنْ» . فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِاَلَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا
أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ:
أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ
رَجَمْت أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْت هَذِهِ» ؟ فَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلامِ السُّوءَ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَلاعَنَ) إلى آخره،
ظَاهِرُهُ أَنَّ
(2/302)
الْمُلاعَنَةَ تَأَخَّرَتْ إلَى وَضْعِ
الْمَرْأَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ بَوَّبَ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّ اللِّعَانَ وَقَعَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ.
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْفَاءُ فِي
قَوْلِهِ: (فَلاعَنَ) لِعَطْفِ (لاعَنَ) عَلَى (فَأَخْبَرَهُ) وَيَكُونُ
مَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا. انتهى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَذْفِ الْمُلاعَنَةِ وَسُقُوطِ نَفَقَتِهَا
3784- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - فِي قِصَّةِ الْمُلاعَنَةِ - أَنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنْ لا قُوتَ لَهَا وَلا سُكْنَى مِنْ
أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلاقٍ وَلا مُتَوَفَّى
عَنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3785- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ:
قَضَى ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَلَدِ
الْمُتَلاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَمَنْ
رَمَاهَا بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ، وَمَنْ دَعَاهُ وَلَدَ زِنًى جُلِدَ
ثَمَانِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (أَنْ لا قُوتَ وَلا
سُكْنَى) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَفْسُوخَةَ
بِاللِّعَانِ لا تَسْتَحِقُّ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ نَفَقَةً وَلا سُكْنَى
لأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ فِي عِدَّةِ الطَّلاقِ لا فِي
عِدَّةِ الْفَسْخِ، وَكَذَلِكَ السُّكْنَى وَلاسِيَّمَا إذَا كَانَ
الْفَسْخُ بِحُكْمٍ كَالْمُلاعَنَةِ.
بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَقْذِفَ زَوْجَتَهُ لأَنَّهَا وَلَدَتْ مَا
يُخَالِفُ لَوْنَهُمَا
3786- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ
إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: وَلَدَتْ امْرَأَتِي
غُلامًا أَسْوَدَ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، فَقَالَ
لَهُ ... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ» ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا» ؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «هَلْ
فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ» ؟ قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا قَالَ: «فَأَنَّى
أَتَاهَا ذَلِكَ» ؟ ، قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ:
«فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» . وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي
الِانْتِفَاءِ مِنْهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3787- وَلأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا
أَسْوَدَ وَإِنِّي أُنْكِرُهُ.
(2/303)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لا يَكُونُ قَذْفًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: التَّعْرِيضُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ
السُّؤَالِ لا حَدَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي التَّعْرِيضِ
إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاجَهَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ:
الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالأَجْنَبِيِّ فِي التَّعْرِيضِ أَنَّ
الأَجْنَبِيَّ يَقْصِدُ الأَذِيَّةَ الْمَحْضَةَ وَالزَّوْجُ يُعْذَرُ
بِالنِّسْبَةِ إلَى صِيَانَةِ النَّسَبِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلأَبِ أَنْ يَنْفِيَ وَلَدَهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ
مُخَالِفًا لَهُ فِي اللَّوْنِ.
بَابُ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ دُونَ الزَّانِي
3788- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا أَبَا دَاوُد.
3789- وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» .
3790- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،
فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ
عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى
فِرَاشِ أَبِي؛ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى
شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا
عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ
وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ» . قَالَ: فَلَمْ يَرَ
سَوْدَةَ قَطُّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
3791- وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَرِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «هُوَ
أُخُوكَ يَا عَبْدُ» .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ
وَلائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْتَزِلُونَهُنَّ، لا يَأْتِينِي وَلِيدَةٌ
يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلا أَلْحَقْتُ بِهِ
وَلَدَهَا، فَاعْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اُتْرُكُوا. رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ» اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى (الْفِرَاشِ) فَذَهَبَ الأَكْثَرُ إلَى
أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: أنَّ الْفِرَاشَ: زَوْجَةُ
الرَّجُلِ، وَالْجَارِيَةُ يَفْتَرِشُهَا الرَّجُلُ.
(2/304)
قَوْلُهُ: «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»
الْعَاهِرُ: الزَّانِي، أَيْ لا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ، وَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُلْحَقُ بِالأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ
الْفِرَاشِ، وَهُوَ لا يَثْبُتُ إلا بَعْدَ إمْكَانِ الْوَطْءِ فِي
النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ فِرَاشَ الأَمَةِ
كَفِرَاشِ الْحُرَّةِ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ) إلى آَخره، فِيهِ أَنَّهُ
يَجُوزُ لِغَيْرِ الأَبِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْوَلَدَ. انْتَهَى ملخصًا.
قَوْلُهُ: (يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا) فِيهِ
تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي
فِرَاشِ الأَمَةِ الدَّعْوَةُ، بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ.
بَابُ الشُّرَكَاءِ يَطَئُونَ الأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ
3792- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -
وَهُوَ بِالْيَمَنِ - فِي ثَلاثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ
وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ فَقَالَ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟
... قَالا: لا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟
قَالا: لا، فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا
بِالْوَلَدِ؟ قَالا: لا. فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ
بِاَلَّذِي
أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ وَجَعَلَ، عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، فَذَكَرَ
ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ
نَوَاجِذُهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ
بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إسْنَادِ الْمَرْفُوعِ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ:
فَأَغْرَمَهُ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الِابْنَ لا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ
الْخَطَّابِيِّ. وَقَالَ أَيْضًا: وَفِيهِ إثْبَاتُ الْقُرْعَةِ فِي
إلْحَاقِ الْوَلَدِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ أَخَذَ بِالْقُرْعَةِ
مُطْلَقًا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَدْ
وَرَدَ الْعَمَلُ بِهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ،
وَمِنْهَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ. وَمِنْهَا:
فِي تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ
(2/305)
يُسَافِرَ بِهَا وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ.
وَقِيلَ لأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ هَذَا فَقَالَ:
حَدِيثُ الْقَافَةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَسَيَأْتِي. وَقَالَ الْمُقْبِلِيُّ:
إنَّ حَدِيثَ الإِلْحَاقِ بِالْقُرْعَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْسِدَادِ
الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ الْحُجَّةِ فِي الْعَمَلِ بِالْقَافَةِ
3793- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ
وَجْهِهِ فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ؟ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إلَى
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ
الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3794- وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَة وَرِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا
الْمُدْلِجِيَّ رَأَى زَيْدًا وَأُسَامَةَ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا
بِقَطِيفَةٍ وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» .
3795- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: دَخَلَ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - شَاهِدٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ
مُضْطَجِعَانِ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ،
فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَعْجَبَهُ
وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فِي
هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِالْقَافَةِ وَصِحَّةِ
الْحُكْمِ بِقَوْلِهِمْ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ لأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُظْهِرُ السُّرُورَ إلا بِمَا هُوَ
حَقٌّ عِنْدَهُ وَكَانَ النَّاسُ قَدْ ارْتَابُوا فِي زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ وَابْنِهِ أُسَامَةَ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ وَأُسَامَةُ
أَسْوَدَ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَتَمَارَى
النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا بِقَوْلٍ كَانَ يَسُوءُ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْمُدْلِجِيِّ فَرِحَ
بِهِ وَسَري عَنْهُ. وَقَدْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ عُمَرُ ابْنُ
الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلى أن قَالَ: فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِي
مِثْلِ الأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا وَطِئَهَا الْمَالِكُونَ لَهَا.
وَمِنْ الأَدِلَّةِ الْمُقَوِّيَةِ للْقَافَةِ حَدِيثُ الْمُلاعَنَةِ لا
مُعَارَضَةَ بَيْنَ حَدِيثِ الْعَمَلِ بِالْقَافَةِ
(2/306)
وَحَدِيثِ الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ، فَمَعَ
الِاتِّفَاقِ لا إشْكَالَ، وَمَعَ الاخْتِلافِ الظَّاهِرُ أَنَّ
الاعْتِبَارَ بِالأَوَّلِ مِنْهُمَا. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ
3796- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَ
عُذْرِي قَامَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ
بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا
النَّسَائِيّ.
3797- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْت أَبَا
الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ
يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلا أَنْ يَكُونَ كَمَا
قَالَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ: جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ:
فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ذَلِكَ،
فَقَالَ: أَدْرَكْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
وَالْخُلَفَاءَ هَلُمَّ جَرًّا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي
فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ
عَنْهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
ثُبُوتِ حَدِّ الْقَذْفِ. وعَلَى أَنَّ حَدَّهُ ثَمَانُونَ جَلْدَةً
لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُنَصَّفُ
الْحَدُّ لِلْعَبْدِ أَمْ لا؟ فَذَهَبَ الأَكْثَرُ إلَى الأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: «يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ لا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ عَبْدَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
إلَى أَنَّهُ لا يُحَدُّ قَاذِفُ الْعَبْدِ مُطْلَقًا.
بَابُ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ لا يَكُونُ قَاذِفًا لَهَا
3798- عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ
يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ
لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبِرْهُ
بِمَا صَنَعْت لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ
فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ
الثَّالِثَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ
(2/307)
فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ
أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ
فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إنَّك قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ» ؟ قَالَ:
بِفُلانَةَ، قَالَ: «ضَاجَعْتَهَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «جَامَعْتَهَا»
؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَخَرَجَ إلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا
رُجِمَ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ جَزِعَ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ،
فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ وَقَدْ أَعْجَزَ أَصْحَابَهُ،
فَنَزَعَ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «هَلا
تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: «فَهَلا تَرَكْتُمُوهُ» فِي حَدِيثُ جَابِرَ َ عَنْد أَبِي
دَاوُد: «فَهَلا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ» لِيَسْتَثْبِتَ
رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُ، فَأَمَّا لِتَرْكِ حَدٍّ فَلا، قَالَ الشَّارِحُ:
وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى حَدِيثِ مَاعِزٍ هَذَا فِي أَبْوَابِ حَدِّ
الزَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ
هَا هُنَا لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُ مَنْ أَقَرَّ
بِالزِّنَى حَدُّ الْقَذْفِ إذَا قَالَ: زَنَيْت بِفُلانَة.
(2/308)
|