بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الرَّضَاعِ
بَابُ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ الْمُحَرِّمَةِ
3842- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلا الْمَصَّتَانِ» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
3843- وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم -: أَتُحَرِّمُ الْمَصَّةُ؟ فَقَالَ: «لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ
وَالرَّضْعَتَانِ، وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» .
3844- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِي - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
إنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْت عَلَيْهَا أُخْرَى فَزَعَمَتْ
امْرَأَتِي الأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً
أَوْ رَضْعَتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا
تُحَرِّمُ الإِمْلاجَةُ وَلا الإِمْلاجَتَانِ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
3845- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لا تُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ الْمَصَّةُ
وَالْمَصَّتَانِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
3846- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ
الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ
بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- وَهي فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
3847- وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ - وَهِيَ تَذْكُرُ الَّذِي يُحَرِّمُ مِنْ
الرَّضَاعَةِ -: نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ،
ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(2/322)
3848- وَفِي لَفْظٍ قَالَت: أُنْزِلَ فِي
الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ
رَضَعَاتٍ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ ... رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ.
3849- وَفِي لَفْظٍ: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ
الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ: لا يُحَرِّمُ إلا عَشْرُ رَضَعَاتٍ أَوْ خَمْسٌ
مَعْلُومَاتٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
3850- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ
امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ فَأَرْضَعَتْ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ
وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3851- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَهُوَ
مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ ابْنَهُ وَوَرِثَ مِيرَاثَهُ، حَتَّى
أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ
عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي
الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فَرُدُّوا إلَى آبَائِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ
لَهُ أَبٌ فَمَوْلًى وَأَخٌ فِي الدِّينِ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا يَأْوِي مَعِي وَمَعَ
أَبِي حُذَيْفَةَ وَيَرَانِي فُضُلى وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْت، فَقَالَ: «أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ» .
فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّأ وَأَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الرَّضْعَةُ» هِيَ
الْمَرَّةُ مِنْ الرَّضَاعِ فَمَتَى الْتَقَمَ الصَّبِيُّ الثَّدْيَ
فَامْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ عَارِضٍ كَانَ
ذَلِكَ رَضْعَةً. وَالإِمْلاجَةُ: الإِرْضَاعَةُ الْوَاحِدَةُ مِثْلُ
الْمَصَّةِ. وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الرَّضْعَةَ الْوَاحِدَةَ وَالرَّضْعَتَيْنِ، لا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ
الرَّضَاعِ الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ. وَتَدُلُّ بِمَفْهُومِهَا أَنَّ
الثَّلاثَ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا
الْمَفْهُومَ الْخَمْسُ الرَّضَعَاتِ الْمَذْكُورَة.
قَوْلُهُ: «مَعْلُومَاتٍ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لا يَثْبُتُ حُكْمُ
الرَّضَاعِ إلا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَدَدِ الرَّضَعَاتِ وَأَنَّهُ لا
يَكْفِي الظَّنُّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ مَنْ قَالَ:
إنَّهُ لا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مِنْ الرَّضَاعِ إلا خَمْسُ رَضَعَاتٍ
مَعْلُومَاتٍ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ
وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةُ ابْنُ
(2/323)
الزُّبَيْرِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ
حَزْمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى
أَنَّ الرَّضَاعَ الْوَاصِلَ إلَى الْجَوْفِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَإِنْ
قَلَّ، إلى أن قَالَ: فَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَائِلُونَ
بِاعْتِبَارِ الْخَمْسِ.
قَوْلُهُ: (فُضُلى) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: أَيْ مُبْتَذِلَةً فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا. قَالَ
الشَّارِحُ: وَالْفُضُلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: الَّذِي عَلَيْهِ
ثَوْبٌ وَاحِدٌ بِغَيْرِ إزَارٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ مَكْشُوفُ
الرَّأْسِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ
3852- عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْك الْغُلامُ الأَيْفَعُ
الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا
لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟
وَقَالَتْ: إنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي
حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِم.
3853- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ
أَنَّهَا قَالَتْ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ
وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: مَا نُرَى هَذَا إلا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسَالِمٍ خَاصَّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ
عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلا رَائِينَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
3854- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلاَّ
مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» .
3855- وَعَنْ ابنُ عُيَيْنَة عَنْ عَمْرُو بن دِينَار عَنِ ابنِ عَبَّاسَ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا رِضَاعَ إِلا مَا
كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي وَقَالَ: لَمْ يسنده
عَنْ ابن عُيَيْنَة غَيْرَ الْهَيْثَمِ بن جَمِيل وَهُوَ ثِقَة حَافِظ.
3856- وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا
رِضَاعَ بَعْدَ فِصَال، وَلا يَتِمُّ
(2/324)
بَعْدَ احْتِلام» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
والطَّيَالِسي فِي مُسْنَدِهِ.
3857- وَعَائِشَةُ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَعِنْدِى رَجُلٌ فَقَالَ: «مَنْ هَذَا» . قُلْتُ: أَخِي مِنَ
الرَّضَاعَةِ. قَالَ: «يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ إِخْوَانَكُنَّ مِنَ
الرَّضَاعَةِ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ -
يَعْنِي قِصَّةِ سَالِمْ - مَنْ قَالَ: إنَّ إرْضَاعَ الْكَبِيرِ يَثْبُتُ
بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ عَائِشَةُ وَعُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَاللَّيْثُ ابْنُ سَعْدٍ
وَابْنُ عُلَيَّةَ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الإِطْلاقَاتُ
الْقُرْآنِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} . وَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّضَاعِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي
الصَّغِيرِ وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ سَالِمٍ بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ تَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَوْ
كَانَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ مُخْتَصَّةً بِسَالِمٍ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا بَيَّنَ اخْتِصَاصَ أَبِي بُرْدَةَ
بِالتَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي
تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْتَضِي الرَّضَاعُ فِيهَا التَّحْرِيمَ
عَلَى أَقْوَالٍ: الأَوَّلُ: أَنَّهُ لا يُحَرِّمُ مِنْهُ إلا مَا كَانَ
فِي الْحَوْلَيْنِ. إِلَى أَنْ قَالَ: الْقَوْلُ التَّاسِعُ: أَنَّ
الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّغَرُ إلا فِيمَا دَعَتْ إلَيْهِ
الْحَاجَةُ كَرَضَاعِ الْكَبِيرِ الَّذِي لا يُسْتَغْنَى عَنْ دُخُولِهِ
عَلَى الْمَرْأَةِ وَيَشُقُّ احْتِجَابُهَا مِنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
شَيْخُ الإِسْلامِ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي، وَبِهِ يَحْصُلُ
الْجَمْعُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ، وَهَذِهِ طَرِيقٌ مُتَوَسِّطَةٌ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَرِضَاعُ الْكَبِيرِ تُنْشَرُ بِه الْحُرْمَةُ
بِحِيث يُبِيحُ الدُّخُولُ وَالْخُلْوَة إِذَا كَانَ قَدْ رُبِّيَ فِي
الْبَيْتِ بِحِيث لا يَحَتَشِمُونَ مِنْهُ لِلْحَاجَةِ لِقِصَّةِ سَالِمُ
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَهُوَ بَعْضُ مَذْهَب عَائِشَة وَعَطَاءَ
وَاللَّيْث وَدَاود مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَة مُطْلَقًا.
انْتَهَى.
بَابُ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يُحَرِّمُ مِنْ النَّسَبِ
3858- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ: «إنَّهَا
(2/325)
لا تَحِلُّ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي
مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ
الرَّحِمِ» .
3859 - وَفِي لَفْظٍ: «مِنْ النَّسَبِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3860- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلادَةِ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
3861- وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَةْ: «مِنْ النَّسَبِ» .
3862- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا الْقُعَيْسِ جَاءَ
يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا - وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ - بَعْدَ أَنْ
نَزَلَ الْحِجَابُ قَالَتْ: فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ؛ فَلَمَّا جَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرْتُهُ بِاَلَّذِي صَنَعْت،
فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3863- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ
بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا
يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى أَقَارِبِ الْمُرْضِعِ
لأَنَّهُمْ أَقَارِبُ لِلرَّضِيعِ وَأَمَّا أَقَارِبُ الرَّضِيعِ فَلا
قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْضِعِ وَالْمُحَرَّمَاتُ مِنْ
الرَّضَاعِ سَبْعٌ: الأُمُّ وَالأُخْتُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْبِنْتُ
وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِنْتُ الأَخِ وَبِنْتُ الأُخْتِ لأَنَّ
هَؤُلاءِ الْخَمْسَ يُحَرَّمْنَ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ ذَهَبَ الأَئِمَّةُ
الأَرْبَعَةُ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظِيرُ الْمُصَاهَرَةِ بِالرَّضَاعِ
فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ امْرَأَتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَامْرَأَةُ
أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مِنْ
الرَّضَاعَةِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ
خَالَتِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي دُخُولِ أَفْلَحَ
عَلَيْهَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ زَوْجِ
الْمُرْضِعَةِ وَأَقَارِبِهِ كَالْمُرْضِعَةِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا
جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ
الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ بِالرَّضَاعِ
3864- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى
بِنْتَ أَبِي إهَابٍ
(2/326)
فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ:
قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْت فَذَكَرْت ذَلِكَ
لَهُ، فَقَالَ: «وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا»
. فَنَهَاهُ عَنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
3865- وَفِي رِوَايَةٍ: «دَعْهَا عَنْك» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا
مُسْلِمًا وَابْنَ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ
بِالْحَدِيثِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ
بِهَا وَحْدَهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَلَكِنَّهُ
قَالَ: يَجِبُ الْعَمَلُ عَلَى الرَّجُلِ بِشَهَادَتِهَا فَيُفَارِقُ
زَوْجَتَهُ وَلا يَجِبُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاكِمِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إلا
شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالأَوَّلِ وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ
إلَى أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ
كَسَائِرِ الأُمُورِ وَلا تَكْفِي شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالِاسْتِدْلالُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْمَرْأَةِ
الْمُرْضِعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجَالِكُمْ} لا يُفِيدُ شَيْئًا لأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَاءُ الْعَامِّ
عَلَى الْخَاصِّ، وَلا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ أَخَصُّ مُطْلَقًا. إِلَى
أَنْ قَالَ: فَالْحَقُّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ
الْمُرْضِعَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَعْرُوفَةُ
بِالصِّدْقِ وَذَكَرَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ طِفْلاً خَمَس رَضَعَات قَبْل
قَوْلِهَا وَيَثْبُتُ حُكْم الرَّضَاعِ الصَّحِيحِ. انْتَهَى.
بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْطَى الْمُرْضِعَةُ عِنْدَ الْفِطَامِ
3866- عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ - رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ - قَالَ: قُلْت:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ:
«غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا ابْنَ مَاجَةْ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(2/327)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْعَطِيَّةِ
لِلْمُرْضِعَةِ عِنْدَ الْفِطَامِ وَأَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً.
وَاَللهُ أَعْلَمُ.
(2/328)
|