بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْعِدَدِ

بَابُ أنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ

379- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا: سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِي حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ فَمَكَثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ نُفِسَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «انْكِحِي» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا أَبَا دَاوُد وَابْنَ مَاجَةْ.
3800- وَلِلْجَمَاعَةِ إلا التِّرْمِذِيَّ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُبَيْعَةَ وَقَالَتْ فِيهِ: فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْت حِينَ وَضَعْت حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي.

3801- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ - قَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ؟ أَنْزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

3802- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَقَالَ: «هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.

3803- وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ: طَيِّبْ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ خَرَجَ إلَى

(2/309)


الصَّلاةِ فَرَجَعَ وَقَدْ وَضَعَتْ، فَقَالَ: مَا لَهَا خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «سَبَقَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ اُخْطُبْهَا إلَى نَفْسِهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي الأَمْصَارِ إلَى أَنَّ الْحَامِلَ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ. ألى أن قَالَ: وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْعِدَدِ وَأَنَّ عُمُومَ آيَةِ الْبَقَرَةِ مُخَصَّصٌ بِهَا.

بَابُ الاعْتِدَادِ بِالأَقْرَاءِ وَتَفْسِيرِهَا

3804- عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرْتُ بَرِيرَةَ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلاثِ حِيَضٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.

3805- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَيَّرَ بَرِيرَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.

3806- وَقَدْ أَسْلَفْنَا قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ «تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» .

3807- وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «طَلاقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

3808- وَفِي لَفْظٍ: «طَلاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ وَقُرْءُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

3809- وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «طَلاقُ الأَمَةِ اثْنَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.

وَإِسْنَادُ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: عِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ لِلِاسْتِدْلالِ بِهَا عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثَةُ أَقْرَاءٍ، وَعَلَى أَنَّ الأَقْرَاءَ هِيَ

(2/310)


الْحِيَضُ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَرْءُ، وَيُضَمُّ: الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلامِ الشَّارِعِ إلا لِلْحَيْضِ، وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ اسْتِعْمَالُهُ لِلطُّهْرِ، فَحَمْلُهُ فِي الآيَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَعْرُوفِ مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ أَوْلَى، بَلْ يَتَعَيَّنُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ: «دَعِي الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» وَهُوَ - صلى الله عليه وسلم - الْمُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ وَبِلُغَةِ قَوْمِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ.

بَابُ إحْدَادِ الْمُعْتَدَّةِ

3810- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَخَشَوْا عَلَى عَيْنِهَا فَأَتَوْا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: «لا تَكْتَحِلْ، كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلاسِهَا - أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا - فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ فَلا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

3811- وَعَنْ حُمَيْدٍ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّلاثَ قَالَتْ: دَخَلْت عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ - فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . قَالَتْ زَيْنَبُ: ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيَّ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ - حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا - فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت ... رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . قَالَتْ زَيْنَبُ:
وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا» . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لا» . ثُمَّ قَالَ: «إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» . قَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا

(2/311)


سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ - حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ - فَتَقْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. أَخْرَجَاهُ.

3812- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إلا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ... وَعَشْرًا» . أَخْرَجَاهُ.

وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الإِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا تَكْتَحِلْ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي أَيَّامِ عِدَّتِهَا مِنْ مَوْتِ زَوْجِهَا سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ أَمْ لا. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ: «اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ لا يَحِلُّ. وَإِذَا احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الأَوْلَى تَرْكُهُ؛ فَإِذَا فَعَلَتْ مَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ.

قَوْلُهُ: «لا يَحِلُّ» اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ الإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَى وُجُوبِ الإِحْدَادِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا.
قَوْلُهُ: «لِامْرَأَةٍ» تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لا يَجِبُ الإِحْدَادُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ فَأَوْجَبُوهُ عَلَيْهَا كَالْعِدَّةِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحُرَّةِ وَالأَمَةِ.

قَوْلُهُ: «تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الإِحْدَادِ عَلَى الذِّمِّيَّةِ. وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ فَلا مَفْهُومَ لَهُ.

قَوْلُهُ: «تُحِدُّ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَيَجُوزُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مِنْ الثُّلاثِيِّ. قَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: مَعْنَى الإِحْدَادِ مَنْعُ الْمُعْتَدَّةِ نَفْسَهَا لِلزِّينَةِ وَبَدَنَهَا لِلطِّيبِ وَمَنْعُ الْخُطَّابِ خِطْبَتَهَا.

قَوْلُهُ: «عَلَى مَيِّتٍ» اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لا إحْدَادَ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ

(2/312)


لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وَفَاتِهِ خِلافًا لِلْمَالِكِيَّةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ. فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِجْمَاعٌ وَأَمَّا الْبَائِنَةُ فَلا إحْدَادَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

بَابُ مَا تَجْتَنِبُ الْحَادَّةُ وَمَا رُخِّصَ لَهَا فِيهِ

3813- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا نَكْتَحِلُ، وَلا نَطَّيَّبُ، وَلا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ - إذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا - فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ. أَخْرَجَاهُ.

3814- َفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لا تَكْتَحِلُ، وَلا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَمَسُّ طِيبًا إلا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3815-وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ: «لا تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .

3816- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ، وَلا الْمُمَشَّقَةَ، وَلا الْحُلِيَّ، وَلا تَخْتَضِبُ، وَلا تَكْتَحِلُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

3817- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْت عَلَيَّ صَبْرًا - فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ» ؟ فَقُلْت: إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، قَالَ: «إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلا تَجْعَلِيهِ إلا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهَارِ وَلا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ» . قَالَتْ: قُلْت: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

3818- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلاً لَهَا، فَلَقِيَهَا رَجُلٌ فَنَهَاهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَك لَعَلَّك أَنْ تَصَّدَّقِي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ

(2/313)


وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَالنَّسَائِيُّ.

3819- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ أَتَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «تَسَلَّبِي ثَلاثًا ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْت» .

3820- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ قَتْلِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: «لا تُحِدِّي بَعْدَ يَوْمِك هَذَا» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الإِحْدَادِ وَالْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَلا نَتَطَيَّبُ) فِيهِ تَحْرِيمُ الطِّيبِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُسَمَّى طِيبًا وَلا خِلافَ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَلا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلا ثَوْبَ عَصْبٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ: بُرُودُ ... الْيَمَنِ، يُعْصَبُ غَزْلُهَا: أَيْ يُرْبَطُ ثُمَّ يُصْبَغُ ثُمَّ يُنْسَجُ مَعْصُوبًا فَيَخْرُجُ مُوَشًّى لِبَقَاءِ مَا عُصِبَ مِنْهُ أَبْيَضَ لَمْ يَنْصَبِغْ، وَإِنَّمَا يَنْصَبِغُ السُّدَى دُونَ اللُّحْمَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْحَادَّةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ وَلا الْمَصْبُوغَةِ إلا مَا صُبِغَ بِسَوَادٍ فَرَخَّصَ فِيهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِكَوْنِهِ لا يُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ بَلْ هُوَ مِنْ لِبَاسِ الْحُزْنِ.

قَوْلُهُ: (فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى (مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْقُسْطُ وَالأَظْفَارُ نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ مِنْ الْبَخُورِ وَلَيْسَا مِنْ مَقْصُودِ الطِّيبِ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنْ الْحَيْضِ لإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ تَتْبَعُ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ لا لِلتَّطَيُّبِ.

قَوْلُهُ: «وَلا الْمُمَشَّقَةَ» أَيْ الْمَصْبُوغَةَ بِالْمِشْقِ وَهُوَ الْمَغْرَةُ.

قَوْلُهُ: «يَشُبُّ الْوَجْهَ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ يُجَمِّلُهُ.

قَوْلُهُ: «وَلا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلا بِالْحِنَّاءِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْتَشِطَ بِشَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ أَوْ بِمَا فِيهِ زِينَةٌ كَالْحِنَّاءِ، وَلَكِنَّهَا تَمْتَشِطُ بِالسِّدْرِ.

قَوْلُهُ: «تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَك» الْغِلافُ فِي الأَصْلِ الْغِشَاوَةُ.

قَوْلُهُ: (تَجُدُّ) : أَيْ تَقْطَعُ نَخْلًا لَهَا، وَظَاهِرُ إذْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - لَهَا بِالْخُرُوجِ لِجَدِّ

(2/314)


النَّخْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لِتِلْكَ الْحَاجَةِ وَلِمَا يُشَابِهُهَا بِالْقِيَاسِ.
وَقَدْ بَوَّبَ النَّوَوِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: (بَابُ جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ مِنْ مَنْزِلِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلا يَجُوزُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) .

قَوْلُهُ «تَسَلَّبِي» أَيْ الْبَسِي السَّلابَ: وَهُوَ ثَوْبُ الإِحْدَادِ. وَقِيلَ: هُوَ ثَوْبٌ أَسْوَدُ تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا. قَالَ العراقي فِي شرح الترمذي: ظاهره أنه لا يجب الإحداد عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بعد اليوم الثالث لأن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ كانت زوج جعفر بالاتفاق، وهي والدة أولاده. وأجاب بأن هَذَا الْحَدِيثُ شاذ مخالف للأَحَادِيثِ الصحيحة َقَدْ أجمعوا عَلَى خلافه.

بَابُ أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا

3821- عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ قَالَتْ: خَرَجَ زَوْجِي فِي طَلَبِ أَعْلاجٍ لَهُ فَأَدْرَكَهُمْ فِي طَرَفِ الْقُدُومِ فَقَتَلُوهُ، فَأَتَانِي نَعْيُهُ وَأَنَا فِي دَارٍ شَاسِعَةٍ مِنْ دُورِ أَهْلِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَقُلْت: إنَّ نَعْيَ زَوْجِي أَتَانِي فِي دَارٍ شَاسِعَةٍ مِنْ دُورِ أَهْلِي، وَلَمْ يَدَعْ نَفَقَةً وَلا مَالاً وَرِثْتُهُ، وَلَيْسَ الْمَسْكَنُ لَهُ، فَلَوْ تَحَوَّلْت إلَى أَهْلِي وَإِخْوَتِي لَكَانَ أَرْفَقَ لِي فِي بَعْضِ شَأْنِي، قَالَ: «تَحَوَّلِي» . فَلَمَّا خَرَجْت إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى الْحُجْرَةِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ، فَقَالَ: «اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ الَّذِي أَتَاكِ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» . قَالَتْ: فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. قَالَتْ: وَأَرْسَلَ إلَيَّ عُثْمَانُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَخَذَ بِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَةْ إرْسَالَ عُثْمَانَ.

3822- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} نُسِخَ ذَلِكَ
بِآيَةِ الْمِيرَاثِ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا مِنْ الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ، وَنُسِخَ أَجَلُ الْحَوْلِ أَنْ جُعِلَ أَجَلُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي بَلَغَهَا نَعْيُ زَوْجِهَا وَهِيَ فِيهِ وَلا تَخْرُجُ مِنْهُ

(2/315)


إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ خُرُوجِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِلْعُذْرِ عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ عُمَرُ، أَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ابْنَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالنَّهَارِ فَتُحَدِّثُ ... إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ أَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ جَوَّزَ لِلْمُسَافِرَةِ الِانْتِقَالَ. إلى أن قَالَ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لا تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَفِظْت عَمَّنْ أَرْضَى بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَكِسْوَتَهَا حَوْلًا مَنْسُوخَتَانِ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَيْضًا: الاخْتِيَارُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ يُسَكِّنُوهَا لأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ» وَقَدْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ لا بَيْتَ لِزَوْجِهَا، يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ سُكْنَاهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إذَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ بِالطَّرِيقِ الأَوْلَى. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا

3823- عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا قَالَ: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3824- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُكْنَى وَلا نَفَقَةً. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.

3825- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاثًا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

3826- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْ إلَى فُلانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ، فَخَرَجَتْ، فَقَالَ: بِئْسَمَا صَنَعَتْ. فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي إلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا إنَّهُ لا خَيْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

3827- وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَائِشَةَ عَابَتْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا

(2/316)


رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.

3828- وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاثًا وَأَخَافُ أَنْ يَقْتَحِمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

3829- وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ ... رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةً، فَأَخَذَ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ وَقَالَ: وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ عُمَرُ: لا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

3830- وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ إلَى فَاطِمَةَ، فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - يَعْنِي عَلَى بَعْضِ الْيَمَنِ - فَخَرَجَ مَعَهُ زَوْجُهَا، فَبَعَثَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا، وَأَمَرَ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ أَنْ يُنْفِقَا عَلَيْهَا، فَقَالا: لا وَاَللَّهِ مَا لَهَا نَفَقَةٌ إلا أَنْ تَكُونَ
حَامِلًا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لا نَفَقَةَ لَك إلا أَنْ تَكُونِي حَامِلاً» . وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ: أَيْنَ أَنْتَقِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: ... «عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» . وَكَانَ أَعْمَى تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلا يُبْصِرُهَا، فَلَمْ تَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا، فَأَنْكَحَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ، فَرَجَعَ قَبِيصَةُ إلَى مَرْوَانَ فَأَخْبَرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إلا مِنْ امْرَأَةٍ، فَسَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا ذَلِكَ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، حَتَّى قَالَ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلاثِ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَائِنًا لا تَسْتَحِقُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَأَتْبَاعُهُمْ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ

(2/317)


لا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَهَا السُّكْنَى. وَاحْتَجُّوا لإِثْبَاتِ السُّكْنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وَلإِسْقَاطِ النَّفَقَةِ بِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . وَذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} الآيَةِ وَذَهَبَ الْهَادِي وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ... {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وَبِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَائِنًا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِ الزَّوْجِ. وأرجح هذه الأقوال الأول. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قوْلُهُ: (وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَنْزِلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاقُ وهي فِيهِ، فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يَخْرُجْنَ} وَلا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ لأَنَّهُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ.

بَابُ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ

3831- عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْت: إنَّ زَوْجِي فُلانًا أَرْسَلَ إلَيَّ بِطَلاقٍ، وَإِنِّي سَأَلْت أَهْلَهُ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى فَأَبَوْا عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

3832- وَفِي لَفْظٍ: «إنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلا نَفَقَةَ وَلا سُكْنَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ لِلْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِمَا لِمَنْ عَدَاهَا إلا إذَا كَانَتْ حَامِلًا.

(2/318)


بَابُ اسْتِبْرَاءِ الأَمَةِ إذَا مُلِكَتْ

3833- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: «لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَحِيضَ، وَلا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3834- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا» ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ» ؟ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

3835- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَقَالَ: «كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ؟ وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ» ؟ وَالْمُجِحُّ: هِيَ الْحَامِلُ الْمُقْرَبُ.

3836- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَقَعَنَّ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ وَحَمْلُهَا لِغَيْرِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

3837- وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

3838- وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَقَعْ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا» .

3839- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَنْكِحَنَّ ثَيِّبًا مِنْ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْبِكْرَ لا تُسْتَبْرَأُ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إذَا وُهِبَتْ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ فَلْتُسْتَبْرَأْ بِحَيْضَةٍ، وَلا تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ. حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَلِيٍّ مَا الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.

3840- فَرَوَى بُرَيْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا إلَى خَالِدٍ - يَعْنِي إلَى الْيَمَنِ - لِيَقْبِضَ الْخُمْسَ، فَاصْطفَى عَلِي مِنْهُ سَبِيَّةً فَأَصْبَحَ وَقَدْ اغْتَسَلَ، فَقُلْت لِخَالِدٍ: أَلا تَرَى إلَى هَذَا؟ - وَكُنْت أُبْغِضُ عَلِيًّا - فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
ذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةَ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا» ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ:

(2/319)


.. «لا تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمْسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

3841- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: أَبْغَضْت عَلِيًّا بُغْضًا لَمْ أُبْغِضْهُ أَحَدًا، وَأَحْبَبْت رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ أُحْبِبْهُ إلا عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا، قَالَ: فَبُعِثَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ فَأَصَبْنَا سَبَايَا، قَالَ: فَكَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ابْعَثْ إلَيْنَا مَنْ يُخَمِّسُهُ، قَالَ: فَبَعَثَ إلَيْنَا عَلِيًّا، وَفِي السَّبْيِ وَصِيفَةٌ. هِيَ مِنْ أَفْضَلِ السَّبْيِ، قَالَ فَخَمَّسَ وَقَسَمَ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا هَذَا؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إلَى الْوَصِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّبْيِ؟ فَإِنِّي قَسَمْت وَخَمَّسْت فَصَارَتْ فِي الْخُمُسِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَارَتْ فِي آلِ عَلِيٍّ وَوَقَعْت بِهَا، قَالَ: فَكَتَبَ الرَّجُلُ إلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْت: ابْعَثْنِي، فَبَعَثَنِي مُصَدِّقًا، فَجَعَلْت أَقْرَأُ الْكِتَابَ وَأَقُولُ: صَدَقَ، قَالَ: فَأَمْسَكَ يَدَيَّ وَالْكِتَابَ وَقَالَ: «أَتُبْغِضُ عَلِيًّا» ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: «فَلا تُبْغِضْهُ، وَإِنْ كُنْت تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الْخُمْسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ» . قَالَ: فَمَا كَانَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ بَعْضَ الشُّرَكَاءِ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي قِسْمَةِ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُرَادُ بِآلِ عَلِيٍّ نَفْسُهُ.

قوْلُهُ: «لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: َالْحَدِيثَانِ يَدُلانِ عَلَى أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ الأَمَةَ الْمَسْبِيَّةَ إذَا كَانَتْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. وَالْحَدِيثُ الأَوَّلُ مِنْهُمَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ الأَمَةَ الْمَسْبِيَّةَ إذَا كَانَتْ حَائِلاً حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «وَلا غَيْرَ حَامِلٍ» أَنَّهُ يَجِبُ الاسْتِبْرَاءُ لِلْبِكْرِ،
وَيُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا يَجِبُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَعْلَمْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا وَأَمَّا مَنْ عَلِمَتْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَلا اسْتِبْرَاءَ فِي حَقِّهَا. وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ رُوَيْفِعٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ: «فَلا يَنْكِحَنَّ ثَيِّبًا مِنْ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ» يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «وَلا غَيْرَ

(2/320)


حَامِلٍ» أَوْ مُقَيِّدًا لَهُ. وَاسْتَدَلَّ بِالأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى وَاهِبِ الأَمَةِ وَبَائِعِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا يَجِبُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسْتَحَبُّ فَقَطْ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبِ وَنَحْوِهِمَا. فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْوُجُوبِ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ رُوَيْفِعٍ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى وَغَيْرِهَا فَيَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الأَمَةِ الَّتِي كَانَت قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا تَزْنِي إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ فَبِحَيْضَةٍ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (فَاصْطَفَى عَلِيٌّ مِنْهُ سَبِيَّةً) إلَى آخره يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّ السَّبِيَّةَ الَّتِي أَصَابَهَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ كَانَ قَدْ مَضَى عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ السَّبْيِ مِقْدَارُ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَقْتِ السَّبْيِ، وَالْمَصِيرُ إلَى مِثْلِ هَذَا مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْسبية الإِسْلامُ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لنَبيه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.

قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَلا يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الأَمَة الْبِكْرِ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنُ عُمَر وَاخْتِيَارِ الْبُخَارِيّ وَرِوَايَة عَنْ أَحْمَدٍ، وَالأَشْبَهُ وَلا مَنِ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ صَادِقٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطِيَء وَاسْتِبْرَأ. انْتَهَى.

(2/321)